عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-08, 09:25 AM   #2
ورده الياسيمن
~صديقة الملتقى~
 
تاريخ التسجيل: 22-10-2007
المشاركات: 952
ورده الياسيمن is on a distinguished road
افتراضي

الأدب: اجتماع خصال الخير في العبد


و علم الأدب: هو علم إصلاح اللسان و الخطاب و إصابة مواقعه و تحسين ألفاظه و صيانته عن الخطأ و الخلل و هو شعبة من الأدب العام
و الأدب مع الله أن يصون العبد معاملته فلا يشوبها بنقيصة و أن يصون قلبه فلا يلتفت لغيره و أن يصون إرادته فلا يتعلق بما يمقته الله منه
وقٌال ابن المبارك: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم



الأدب مع الله
ذات يوم كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة، فجلسوا يأكلون، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا، وسلَّم عليهم، فدعاه ابن عمر إلى الطعام، وقال له: هلمَّ يا راعي، هلمَّ فأصب من هذه السفرة.
فقال الراعي: إني صائم.
فتعجب ابن عمر، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟*!
ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟
فقال الغلام: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي.
فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب.
فغضب الراعي، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟!
فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي، ثم أعتق الراعي.
وهكذا يكون المؤمن مراقبًا لله على الدوام، فلا يُقْدم على معصية، ولا يرتكب ذنبًا؛ لأنه يعلم أن الله معه يسمعه ويراه.
لنتأمل أحوال الرسل صلوات الله و سلامه عليهم مع الله و خطابهم و سؤالهم و نرى كيف أنها مشحونة بالأدب قائمة به .



قال المسيح عليه السلام : إن كنت قلته فقد علمته [ المائدة : 116 ] ولم يقل : لم أقله وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره فقال : تعلم ما في نفسي ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه فقال : ولا أعلم ما في نفسك ثم أثنى على ربه ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها فقال : إنك أنت علام الغيوب ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به وهو محض التوحيد فقال : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به : أن اعبدوا الله ربي وربكم [ المائدة : 117 ] ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم فقال وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيني كنت أنت الرقيب عليهم [ المائدة : 117 ] ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم فقال : وأنت على كل شيء شهيد ثم قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك [ المائدة : 118 ] وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد وأعتاهم على سيدهم وأعصاهم له : لم تعذبهم لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته فلماذا يعذب أرحم الراحمين وأجود الأجودين وأعظم المحسنين إحسانا عبيدهلولا فرط عتوهم وإباؤهم عن طاعته وكمال استحقاقهم للعذاب
وقد تقدم قوله : إنك أنت علام الغيوب [ المائدة : 116 ] أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم فإذا عذبتهم : عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب ثم قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] ولم يقل الغفور الرحيم وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم والأمر بهم إلى النار فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة بل مقام براءة منهم فلو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم والمعنى : إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم ليست عن عجز عن الانتقام منهم ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه ولجهله بمقدار إساءته إليه والكمال : هو مغفرة القادر العالم وهو العزيز الحكيم وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب
وكذلك قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين [ الشعراء : 7880 ] ولم يقل وإذا أمرضني حفظا للأدب مع الله وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة : فأردت أن أعيبها [ الكهف : 79 ] ولم يقل فأراد ربك أن أعيبها وقال في الغلامين : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما [ الكهف : 82 ]
وكذلك قول مؤمني الجن : وأنا لا ندري : أشر أريد بمن في الأرض [ الجن : 10 ] ولم يقولوا : أراده ربهم ثم قالوا : أم أراد بهم ربهم رشدا
وألطف من هذا قول موسى عليه السلام : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير [ القصص : 24 ] ولم يقل أطعمني وقول آدم عليه السلام : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : 23 ] ولم يقل : رب قدرت علي وقضيت علي وقول أيوب عليه السلام : مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [ الأنبياء : 83 ] ولم يقل فعافني واشفني


الأخلاق النبوية السامية:حين أراه ما أراه : ما زاغ البصر وما طغى [ النجم : 17 ]
فهذا وصف لأدبه-صلى الله غليه وسلم- في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ولا تجاوز ما رآه وهذا كمال الأدب والإخلال به : أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور فالالتفات زيغ والتطلع إلى ما أمام المنظور : طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور : أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة ولا يتجاوزه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر : تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره فالبصيرة مواطئة له وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حق مشهود بالبصر فتواطأ في حقة مشهد البصر والبصيرة ولهذا قال سبحانه وتعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى [ النجم : 1112 ] أي ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره


و الأدب هو الدين كله فإن ستر العورة من الأدب والوضوء وغسلالجنابة من الأدب والتطهر من الخبث من الأدب حتى يقف بين يدي الله طاهرا ولهذا كانوا يستحبون أن يتجمل الرجل في صلاته للوقوف بين ربه
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد [ الأعراف : 31 ] فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له : أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة وكان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال وكان يلبسها وقت الصلاة ويقول : ربي أحق من تجملت له في صلاتي ومعلوم : أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده لا سيما إذا وقف بين يديه فأحسن ما وقف بين يديه بملابسه ونعمته التي ألبسه إياها ظاهرا وباطنا ومن الأدب : نهى النبي المصلي : أن يرفع بصره إلى السماء فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : هذا من كمال أدب الصلاة : أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض ولا يرفع بصره إلى فوق .ومن الأدب مع الله في الوقوف بين يديه في الصلاة : وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة ففي الموطأ لمالك عن سهل بن سعد : أنه من السنة و : كان الناس يؤمرون به ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء فعظيم العظماء أحق به ومنها : السكون في الصلاة وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه : الذين هم على صلاتهم دائمون [ المعارج : 23 ] قال عبدالله بن المبارك عن ابن لهيعة : حدثني يزيد بن أبي حبيب : أن أبا الخير أخبره قال : سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى : الذين هم على صلاتهم دائمون أهم الذين يصلون دائما قال : لا ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفهقلت : هما أمران الدوام عليها والمداومة عليها فهذا الدوام والمداومة في قوله تعالى : والذين هم على صلاتهم يحافظون [ المعارج : 34 ] وفسر الدوام بسكون الأطراف والطمأنينة وأدبه في استماع القراءة : أن يلقي السمع وهو شهيد وأدبه في الركوع : أن يستوي ويعظم الله تعالى حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه ويتضاءل ويتصاغر في نفسه حتى يكون أقل من الهباء والمقصود : أن الأدب مع الله تبارك وتعالى : هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء : معرفته بأسمائه وصفاته ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علما وعملا وحالا والله المستعان
مختصرا من كتاب تهذيب مدارج السالكين



توقيع ورده الياسيمن
[URL="http://www.manhag.net/ola/details.php?file=204"]
[/URL][URL="http://www.manhag.net/ola/details.php?file=204"]
[/URL]

[SIZE=5][COLOR=purple][I]إذا ذبلت رياحين القلب؛ فحتمًا ستجده تواقًا للعودة إلى الحياة. وإذا سئمت من الخلق جفاءهم، وتراكمت عليك الهموم والأحزان؛ لا تتردد في أن تستعيد البهجة؛ فالطريق إلى السعادة يبدأ بكلام الله. [/I][/COLOR][/SIZE]
ورده الياسيمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس