الموضوع: لذة الصوم
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-13, 10:28 PM   #2
لآلئ الدعوة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي







اعلم ان تحصيل لذة الصوم مرتبط أيما ارتباط بتحصيل لذة الصلاة

رُوي أن زُرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} خر ميتًا، وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} اضطرب حتى تضطرب أوصاله، وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب، ودرجات ذلك لا تنحصر، والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات، فهذا حق القراءة ، والاتعاظ حق الموعظة، والشكر حق ذكر المنة، والاعتبار حق إخبار الأنبياء.










وسائل تحصيل لذة الصلاة
(اعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها ولكن يجمعها ست جمل وهي:
(1) حضور القلب (2) التفهُّم (3) التعظيم
(4) الهيبة (5) الرجاء (6) الحياء


فلتذكر تفاصيلها ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها، أما التفصيل:

فالأول: حضور القلب، ونعني به أن يفرَّغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلمٌ به، فيكون العلم بالفعل والقول مقرونًا بهما، ولا يكون الفكر جائلاً في غيرهما، ومهما انصرف القلب في الفكر عن غير ما هو فيه- وكان في قلبه ذكر لما هو فيه- ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب.

والثاني: هو التفهم لمعنى الكلام، وهو أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضرًا مع اللفظ ولا يكون مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب حاضرًا على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات.. وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله؟ ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تُفَهم أمورًا، تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة.

والثالث: التعظيم وهو أمر وراء حضور القلب والفهم، إذ الرجل يخاطب ربه بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظمًا له فالتعظيم زائد عليهما.

والرابع: وهو الهيبةُ فزائدة على التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤة التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى هائبًا، والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة، بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة، والهيبة خوف مصدرها الإجلال.

والخامس: وهو الرجاء فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكًا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ولكن لا يرجو مثوبته، والعبد ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل.
السادس: وهو الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب، ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب.










وأما أسباب هذه المعاني الستة:


فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك. ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً بل جائلاً فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها، فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة، وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنَّن أن له سببًا سوى ضعف الإيمان فاجتهد الآن في تقويته.










وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى وعلاجه الذي هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر، فمن أحب شيئًا أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجِم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى أن من أحب غير الله لا تصفو له صلاة عن الخواطر.







وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين: إحداهما: معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان، فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه. والثانية: حقارة النفس وخستها وكونها عبدًا مسخرًا مربوبًا، حتى يتولد من المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه فيعبر عنه بالتعظيم، وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله، لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه.









وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص ذلك من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض، وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.
وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقينُ بوعده والمعرفةُ بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة.









وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل، ويقوىَ ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخيلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها، مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل، والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقينًا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء، فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طُلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه، ففي معرفة السبب معرفة العلاج، ورابطة جميع هذا الأسباب الإيمان واليقين، أعني به هذه المعارف التي ذكرناها، ومعنى كونها يقينًا انتفاءُ الشك واستيلاؤها على القلب، وبقدر اليقين يخشع القلب، وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها، وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه، ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الاسطوانة في المسجد وقد اجتمع الناس عليها، وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره، وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصُهم.









وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج، ولو سئل عمن حواليه أو ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه {ولكل درجات مما عملوا}، فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موقع نظر الله سبحانه القلوبُ دون ظاهر الحركات، ولذلك قال بعض الصحابة : يحشر الناس يوم القيامة على مثل هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة، ولقد صدق، فإنه يحشر كلٌ على ما مات عليه، ويموت على ما عاش عليه، ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه، فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم، نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه.



يتبع بحول الله





توقيع لآلئ الدعوة
[sor2]http://vb.jro7i.net/storeimg/girls-top.net_1338687781_970.jpg[/sor2]
لآلئ الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس