عرض مشاركة واحدة
قديم 05-03-11, 01:44 AM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي صورة مشرقة في برالأم لن أنساها ما حييت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صورة مشرقة في برالأم لن أنساها ما حييت


كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا ، عندما رن هاتفي ، كان المتحدث أخا في الله ، نبرة صوته حزينة ، وخافتة .. وكأنها تخرج من أعماقه ...
وهو يقول : أم عبد الله ..
قلت : نعم
قال : أختي عندنا جنازة امرأة هل يمكنك تغسيلها وتجهيزها بارك الله فيك
أجبت : حاضر
أعطاني عنوان المصحة التي توفيت فيها أمه شكرني وأقفل السماعة
جهزت نفسي ، وأحضرت مستلزماتي ، وخرجت مسرعة إلى المصحة ...
وصلت إلى هناك فوجدت بانتظاري ابنة المتوفية وهي تجهش بالبكاء ..دعوت لأمها ، ..
قلت :لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى .. فلتصبري ولتحتسبي ..
دلتني هي والممرضة التي كانت بانتظاري على مغسلة النساء ، ...
كانت السيدة المتوفاة مسجاة على سرير من إسفلت ومغطاة بملاءة بيضاء ، ...
سكون المكان .. وبرودته ، أحسست معهما برهبة في قلبي .. لم يكن ذلك خوفا .. لكن كان إحساسا غريبا انتابني ، وشعورا عجيبا تملكني ..
قلت في نفسي آآآآآآآآه يوما ما سيأتي دوري ، وتسقط ورقتي .. وألقى ربي .. أليس ربي القائل { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ...}
انتبهت على صوت ابنتها وهي تقول : رحمك الله أمي ... يارب اغفر لها وارحمها .. اللهم ثبت أمي عند السؤال .. اللهم وسع قبرها يارب .. تعجبت كثيرا كيف كانت تدعو لها بشدة .. تذكرت حينها حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له "
قلت في نفسي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
كشفت غطاءها فرأيت وجها ساكنا .. سكون الليل البهيم .. عينان مغمضتان .. فم مقفل ... لا نَفَس ... ولا حركة ... كأنها جماد ..
فقلت ياالله ..
تذكرت قول أحدهم :
كل حي سيموت ليس في الدنيا ثبوت
حركات سوف تفنى ثم يتلوها خفوت
و كلام ليس يحلو بعده إلا السكوت
أيها السائر قل لي أين ذلك الجبروت
إنما الدنيا خيال باطل سوف يفوت
ليس للإنسان فيها غير تقوى الله قوت...
بدأت بتغسيلها ... وتجهيزها ... تذكرت قول ابنتها : نحن حريصون على تغسيل أمي على السنة
قلت في نفسي .. أنعم وأكرم بها من بنت تحرص على السنة حتى في مثل هذا الموقف العظيم والمصاب الجلل .. نعم كانت حريصة كل الحرص ،على أن تُغَسل أمها وتُكَفن وفق السنة .. وكانت تمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى في بكائها
تقول : إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا مايرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون ..
سبحان الله ما أعظم السنة ...
السنة ياااااااه كم من أناس يتناسون تطبيقها .. بل وعدم إظهارها في مثل هذه المواقف ... كم من أناس ينوحون .. ويتسخطون .. بل ويكفرون بالله العظيم ... نسأل الله السلامة والعافية .
ينسون أو يتناسون قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ما رواه عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والإستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، وقال " النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران وذرع من جرب " رواه مسلم
سبحان الله ما رأيت خلال مسيرتي في مجال تغسيل الموتى صورة مشرقة للبر مثل صورة هذه الإبنة البارة بأمها .. وأنا أغسلها كانت تأخذ بيدها وتقبلهما .. وتنحني بإجلال وتقبل رجليها .. ثم تقبل رأسها وعنقها .. وهي تقول سامحيني أمي ما وفيتك حقك .. انسابت دمعات على خدي تذكرت قول ربي سبحانه وتعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا * إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة * وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } [الإسراء: 23، 24].
وقوله تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا .. }
فما هو الإحسان الذي هو من حق الوالدين ؟؟؟
الإحسان إلى الوالدين هو برهما .. وطاعتهما .. وإكرامهما ..
وطاف بخاطري حديث النبي قائلاً: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ" رواه البخاري ومسلم
ألا فلتنتبه كل من تعق والديها ، وتؤذيهما بالقول والفعل .. ألا فلتحذر كل من تسول لها نفسها تجريح والديها وإهانتهما ..
ألم تسمعي قول الرسول صلى الله عليه وسلم
( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر . ثلاثا ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ،
وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا ، فقال - ألا وقول الزور . قال : فما زال يكررها
حتى قلنا : ليته يسكت ) حديث صحيح - المصدر: الجامع الصحيح / 2654
سبحان الله .. وأنا أجهز أمها وطيلة المدة التي أشتغل عليها ، ما سكتت البنت من الدعوات لأمها بالرحمة والمغفرة .. فلما فرغت من عملي أخذت يدي وقبلتها وقالت : جزاك الله خيرا ، وأحمد الله أن يسر لأمي من يغسلها على السنة ..
ربتت على كتفها وعانقتها .. نظرت إلي مليا ثم التفتت إلى أمها وهي تخاطبها .. كما لو أنها حية ترزق وقالت بالحرف :
أمي أعدك أن أكون من الصالحات .. أمي أعدك أن ألبس النقاب .. أمي أعدك أن ألتحق بركب الملتزمات ..
والذي نفسي بيده ما تمالكت نفسي حينها بكيت بكاء شديدا
تشبتث بي وقالت أختي : أحب أن أكون مثلك منتقبة .. أريد أن أتعلم ديني .. وسنة نبي .. لقد أضعت من عمري الكثير ولم يبق إلا القليل ..
رب سامحني على كل ما بدر مني .. لقد ظلمت نفسي كثيرا ..
كانت تقول هذه الكلمات والدموع تنساب على خديها
أنا تائبة إليك ربي .. أنا عائدة إليك ربي ..
قبلتها على جبينها ..
وقلت الحمد لله القائل " لله أشد فرحا بتوبة العبد من الأم بولدها "


صورة مشرقة في برالأم لن أنساها ما حييت ...


وإلى لقاء مع موقف من المواقف التي واجهتني خلال مسيري في هذا الطريق ....



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس