عرض مشاركة واحدة
قديم 11-03-14, 03:29 AM   #1
وصال خليفة
مستشارة في معهد العلوم الشرعية
|طالبة في المستوى الثاني1 |
Pencel ° سرُّ التشريع الإسلامي في معالجة الأمراض الاجتماعية: طريقُ (التدرج)" °


الحمدُللهِ الذي علّم بالقلمِ، علّم الإنسانَ ما لم يعلم، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، نبيّنا محمد صلّى اللهُ عليه وسلّم، وعلى آله وصحبه شموسِ العلمِ والعرفانِ، والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ.

أماّبعد،


° سرُّ التشريع الإسلامي في معالجة الأمراض الاجتماعية: طريقُ (التدرج)" °


الأدوار التي مرّ بها تحريم الربا:

"من المستحسن أن نذكر هنا الأدوارالتي مرّ بها تحريم الربا، حتى ندرك سر التشريع الإسلامي، في معالجته للأمراض الاجتماعية، فنم المعلوم أن التشريع الإسلامي سار (بسُنّة التدرج) في تقرير الأحكام.

ولقد مرّ تحريم الربا بأربعة أدوار كما حدث في تحريم الخمر، وذلك تمشياً مع قاعدة التدرج:

~ الدول الأول: نزل قوله تعالى: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون} [الروم: 39] وهذه الآية الكريمة نزلت في مكة وهي- كما يظهر- ليس فيها ما يشير إلى تحريم الربا وإنما فيها إشارة إلى بغض الله للربا، وأن الربا ليس له ثواب عند الله فهي إذن (موعظة سلبية).

~ الدورالثاني: نزل قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ} [النساء: 160-161] وهذه الآية مدنية، وهي درس قصه الله سبحانه علينا من سيرة اليهود الذي حرم عليهم الربا فأكلوه واستحقوا عليه اللعنة والغضب، وهو تحريم (بالتلويح) لا (بالتصريح) لأنه حكاية عن جرائم اليهود وليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرّم على المسلمين. وهذا نظير (الدور الثاني) في تحريم الخمر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] الآية حيث كان التحريم فيه بالتلويح لا بالتصريح.

~ الدور الثالث:
نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرباوا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130]. الآية وهذه الآية مدنية وفيها تحريم للربا صريح ولكنه تحريم (جزئي) لا (كلي) لأنه تحريم لنوع من الربا الذي يسمى (الربا الفاحش) وهو الربا الذي بلغ في الشناعة والقبح الذرة العليا، وبلغ في الإجرام النهاية العظمى، حيث كان الدَيْنُ فيه يتزايد حتى يصبح أضعافاً مضاعفة، يضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته وهو يشبه تحريم الخمر في المرحلة الثالثة حيث كان التحريم جزئياً لا كلياً في أوقات الصلاة {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ...} [النساء: 43] الآية.

~ الدور الرابع: وفي هذا الدور الأخير نزل التحريم الكلي القاطع، الذي لا يفرّق فيه القرآن بين قليل أو كثير، والذي تدل النصوص الكريمة على أنه قد ختم فيه التشريع السماوي بالنسبة إلى حكم الربا، فقد نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرباوا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أموالكم لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ...} الآيات.

وهذه الآيات الكريمة التي كانت المرحلة النهائية في تحريم الربا تشبه المرحلة النهائية في تحريم الخمر في المرحلة الرابعة منه حيث حرمت الخمر تحريماً قاطعاً جازماً في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

وبهذا البيان يتضح لنا سر التشريع الإسلامي في معالجة الأمراض الاجتماعية التي كان عليها العرب في الجاهلية بالسير بهم في طريق (التدرج)".

[MARK="#CCCCFF"][كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام].[/MARK]

سُبحانكَ اللّهُمّ وبحمدكَ، أشهدُ ألاّ إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليكَ.





توقيع وصال خليفة
° قال ابن تيمية -رحمه الله- : "إذاكانت الفطرة مستقيمة على الحقيقة منورة بنور القرآن. تجلت لها الأشياء على ما هي عليه وانتفت عنها ظلمات الجهالات فرأت الأمور عيانا"...(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ)

التعديل الأخير تم بواسطة وصال خليفة ; 11-03-14 الساعة 03:31 AM
وصال خليفة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس