عرض مشاركة واحدة
قديم 14-02-08, 01:26 PM   #32
أم عبد الرّحيم الجزائرية
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 27-01-2008
المشاركات: 574
أم عبد الرّحيم الجزائرية is on a distinguished road
افتراضي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الجادّين المجدين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
جزى الله خيرا أخواتي على مشاركاتهن ونقولاتهنّ الطيبة الموفقة ، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في موازين حسناتهن و أن ينفع بها من قرأها، .
غير أنني أظن ـ والله أعلم ـ أن هذا حيدة عما طرح الموضوع لأجله، وأعتقد أن الأستاذة أم هشام ـ حفظها الله تعالى ونفع بها ـ إنما أرادت من هذا الطرح أن تفجر كوامن الأخوات، وتذكي حرارة النقاش بيننا، وتطلق العنان لألسنتنا للتعبير عما يجول في خواطرنا، وتصوير ماتجود به قرائحنا.... فتسيل الأقلام، وتنهمر الأفكار...وهذه هي بعض ثمار النقاش الأدبي البناء..

فأردت قبل أن يختم النقاش حول هذا الموضوع أن أدلي فيه بدلوي ، وأرمي فيه بسهمي، علّني أوفق لبلوغ المقصود ـ إن شاء الله تعالى ـ
فأقول وبالله تعالى أصول وأجول:
الجدية من المعاني المطلوبة المفقودة..
الجدية هي أكبرمن أن تناقش في طرح: هل هي مرغوبة أم لا ..
فمالنا عن الجدية غنى أو بدّ!!! وهل خلقنا إلا العمل والكدّ والكدح والجِّد؟؟؟..
أرى أن الجدية ليست عنصرا من عناصر النجاح ، ولا عاملا من عوامل التفوق فحسب، بل أرى ـ والله تعالى أعلى وأعلم ـ أن الجديّة هي المقصد من الخلق، الجدية هي الغاية من الحياة.
أرى أنّ الجديّة هي تحقيق معاني العبودية التي خلقنا الله لأجلها.. العبودية بمعناها الشامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وأرى أنّ أيَّ شخص لو أطبق أهل البسيطة كلهم على وصفه بالجاد، ولم تكن جديّته خادمة لغاية العبودية ولا محققة لمعانيها، ولا دائرة في فلكها؛أرى أنه كان في جدّه يلهو ويلعب.. وليس له من جده إلاالنصب و التعب. وسوف يعلم ذلك إذا وافاه اليوم الحق الذي لاهزل فيه...
ألا ترين معي أختي أنّ الشخص إذا لم يكن جادا في قوله كان هازلا لاغيا..
وإذا لم يكن جادا في عمله؛ كان لاعبا لاهيا..
وإذا لم يكن جادا في تفكيره؛ كان سفيها عيِّيا..
وإذا لم يكن جادا في اعتقاده كان ضالا غويا...
وهي أوصاف تظافرت نصوص الكتاب والسنة بذمها وذم من اتصف بها وتعليق الشقاء عليها، قلِّبي صفحات مصحفك...... أو اعرضي ما تحفظنيه على قلبك؛ تدركي صدق ما أقول.. فلا فوز في الدارين إلا بالجديّة..
فليست هي إذا وصفا نادرا لأشخاص موهوبين، ولا سمةً قاصرةً على المبدعين، ولا هي فلسفة الناجحين...
بل هي وصف لازم لعباد الله الكيسين الفطنين، علموا أنهم ما خلقوا للَّعب فجدوا فيما خلقوا له
إنّ لله عبادا فطــنــا *** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلمّا علموا***أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا***صالح الأعمال فيها سفنا
فالجدية وصف لازم للمؤمن الموحد، فالمؤمن جاد في عبادته .... جاد في معاملته...جاد في طلبه للعلم.... جاد في عمله...جاد في حديثه....جاد في راحته... ( جاء عن بعض السلف: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) جاد في في قضاء شهوته.. بل جاد حتى في مزاحه( وفي الحديث : إني أمزح ولا أقول إلا حقا)
هذه هي الجدية في حياة المسلم: وصف لازم لا ينفك عنه.
أما الجدية عند غيره ممن ساء فهمهم لحقيقة الحياة والغرض منها، الجدية عند هؤلاء وصف نادر قاصر على العباقرة والخارقين، وربما صفة آنية يحتاج إليها لإنجاح مشروع، أو التفوق في امتحان، أو تخطي مرحلة من مراحل الحياة.. ثم يتخلى عنها بعد ذلك...كالمعطف يرتديه في أيام الصقيع ثم يخلعه في الربيع..
أخياتي تأملن قول الحق تبارك وتعالى:
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ *مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ *لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)[ الأنبياء:1/2]
وقال تعالى: } وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]
(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف: 50ـ 51 ]
وقال تعالى: } أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف:98]
وقال تعالى: ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) [ النجم: 59،60]
وقال عزوجل: ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [المعارج:42]

فلِم صُبَّ على هؤلاء اللوم والعتاب، لماذا حقَّ عليهم العذاب ، لماذا حلَّ عليهم العقاب ؟؟؟ لأنهم كانوا يلهون... كانوا يتمتعون... كانوا يفرحون...كانوا يضحكون...... كانوا يخوضون... كانوا يلعبون....... كانوا مترفين...... كانواسامدين......كانواغافلين... أوصاف كثيرة ونعوت متعددة تنصب في النهاية في وعاء واحد وهو أنهم كانوا غيرَ جادين...
غير جادين في فهم الحياة، غير جادين في التزامهم بالدين، غيرجادين في الاستعداد لما خلقوا له.
قد خلقت لأمر عظيم لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترع مع الهمل

هذه هي قناعتي: فالجدية أمر ضروري ومطلب شرعي،
وأعتقد أنها قناعة كل واحدة منكن إذا خذت الجدية مأخذ الجدِّ، ونظرت إليها نظرة مقتبسة من مشكاة الوحي ومستقاة من معينه..

إذا تقرر هذا فما هو ضابط الجدية وماهو حدها، وماهو القدر المطلوب منها، وما هي موانعها وعوائقها ؟؟؟
أرجع إلى الجواب ـ إن شاء الله ـ قبل أن يغلق النّقاش ـ إذا أذنتنّ بذلك ـ فإن الوقت الآن لا يسعفني ..
وسبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغرك وأتوب إليك.
أم عبد الرّحيم الجزائرية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس