معجزة ذات دلالات
كل معجزة ربانية آتاها الله أحد أنبيائه كانت تحمل عنواناً واحداً وهو تأييد ذاك النبيّ على أعدائه بقدرة الله التي تفوق قدرة البشر وتتحدى تعنتهم ، وكل المعجزات كانت مبهرة لأنها من القويّ العزيز لكن لكل واحدة منها دلالة تؤدي غرضاً مرتبطاً بظرف القوم الذين أرسلت إليهم تلك المعجزة .
ودين الإسلام خاتم الأديان جاءت فيه معجزة الإسراء والمعراج تتحدى الزمان والمكان الذين ظهرت فيهما ، وتبقى ذات دلالات لأجيال وأجيال .
بقاع مقدسة تنطلق منها الرحلة الربانيّة التكريميّة لنبي البشريّة ولحامل دعوة أزليّة ألا وهي دعوة التوحيد التي نادى بها أول نبيّ ، وحمل لواءها كل نبيّ ، وكانت عنوان رسالة الإسلام بلّغها محمّد عليه الصلاة والسّلام .
ومن مظاهر هذا التكريم الربانيّ في هذه الرحلة شق الصدر وامتلاؤه حكماً وعلماً ، وحمل النبيّ على البراق من بقعة لبقعة ، ولقاء الأنبياء الأتقياء الأنقياء ، واستقبالهم له في الأرض والسماء ، كل ذلك برفقة جبريل عليه السّلام .
لماذا الأقصى ؟ ولماذا الحرمان الشريفان وما الرابط ؟ إنها بقاع مقدسة اختارها الله واصطفاها كما يصطفي الأنبياء من البشر ، فهي وجدت ليعبد النّاس فيها رب النّاس بلا تحريف ولا شرك هي للمؤمنين الذين يحفظون العهد ، هي للمسلمين الذين رعوا الود ، هي للأقوياء منهم في دينهم وعقيدتهم وتفانيهم هي للذين يدافعون عن الحرمات
ويفعلون المكرمات .
رحلة الإسراء والمعراج رحلة تكريميّة لنبيّ قاسى من طغيان البشريّة وهذا التكريم امتدّ من الأرض بالإسراء إلى السّماء بالمعراج ليكون التكريم للجسم في الأرض وللروح في السماء و ليدل أن الرقيّ البشريّ لا يتم إلا إذا ارتقت روح المسلم إلى مدارج الكمال ومعراج النفس الصلاة التي فرض في السماء ، فللجسم أرض وللروح السماء .
وماذا في السماء ؟ في السماء الأنبياء ورفقاؤهم الأصفياء ، وفي السماء تكريم لكل من كان على الأرض لله حبيباً ولدينه نصيراً ، وفي السماء عذاب مقيم لمن كذّب وكان لأهل الحق خذولاً ، وفي السماء صرير أقلام تكتب أعمال العباد حتى يكون العدل يوم المعاد .
وفي السماء جنة المأوى وسدرة المنتهى ونعيم مقيم وعذاب أليم ، يا لها من سماء فيها ينصب ميزان العدل ، وترصد الأعمال !
ومهما كان موقف النّاس بعد تلك الرحلة فإنه يميط اللثام عن حقيقة أمرهم وتقبلهم للحق الواضح الجليّ فمنهم سعيد ومنهم شقيّ .
لقد تكشفت نفس أبي بكر رضي الله عنه عن مؤمن صادق ، وعقل غير مشّوه هو مصدق برسالة السماء وهذا الخبر أتى من الصادق الأمين فلم لا يصدقه ؟ قياس صحيح ينبئ عن فطرة ما خالطها كبر وغمط للحق .
وأم هانئ رضي الله عنها صدقته لكنها امرأة شأنها شأن بقية النساء خافت عليه من الابتلاء فتكشفت نفسها عن محبة دفعتها لتقول له : لا تحدث النّاس بهذا خوفاً عليه من تكذيب قومه الذين _ لسوء فطرتهم _ ما كفاهم وصف النبيّ عليه الصلاة والسّلام لما رأى في موطن الإسراء ولما وصفه للعير التي كانت تعبر الطريق تلك الليلة .
إنها معجزة ذات دلالات ، في كل عام نقرأ فيها شيئاً جديداً ، وتبدو لنا دلالات مفيدة فنحن من أحداثها نستقي وحدة الديانات السماوية ، ومكانة سيد البريّة ، وأهمية المقدسات الإسلامية ، ويقين وعد السماء لعباد الله المخلصين في التمكين في الأرض وفي التكريم في السماء ، تسري أفكارنا وتتوق أرواحنا إلى بقع اصطفاها الله دون البقاع ، وتتشوق أرواحنا إلى أن نكون رفقاء لمن كرمهم الله في الأرض والسماء
وتعرج أرواحنا في محراب صلواتنا ولدينا أمل بأجر الخمسين صلاة التي فرضت في تلك الليلة ، ونأمل أن نصلي في المسجد الأقصى أسوة بنبيّنا محمّد عليه الصلاة والسلام .
ملاحظة : استفدت مما كتبه الأخ المهذب في مقاله عن الإسراء والمعراج فكانت هذه الخاطرة
المصدر: شبكة مشكاة