17-08-06, 04:27 PM | #1 |
~ كن لله كما يُريد ~
|
:: ســيـِّــدة اللـُّــغــــات :: ( مقالة متميزة )
ســيَِّـــدة اللـــُّّغــات
اللغة العربية سيِّدة اللُّغات , بها تتشرَّف الكلمات , وببلاغتها وفصاحتها تُصقـل الملَكات , وتطيب على ضفاف أنهار بيانها الوقفات . لغةٌ , لها نَبْضُها المتميِّز , وإيقاعُها المتفرِّد , وصياغاتُها البديعة , ومقاماتُها الرفيعة . لغةٌ أنْبتها الله سبحانه وتعالى في جزيرة العرب نباتاً حسنا , وسخَّر لها ملكات قوم يتفاضلون بالفصاحة , ويتقدَّم بعضهم على بعض بالبلاغة والبيان , ويتوقُّف أحدهم أمام حكمة جرت على لسان حكيم , أو جُملة توفَّقت على لسان خطيب , أو بيت شعر جادت به قريحة شاعرً , يتوقف أمام ذلك توقف المسحور الذي لا يكاد يملك من أمره شيئا . ولماذا لا يكون الأمر كذلك , والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكَّد لنا سحر البيان بقوله :" إنَّ من البيان لسحرا " , وهوالذي قال :" أنا أفصح العرب بيْد أني من قريش ". في جزيرة العرب تفرَّعت أغصان اللغة العربية الفصحى بين روائع النَّثْـر من خطابة وحكمة , ومنافرات ومحاورات , وبين بدائع الشعر من أبياتً ذائعةِ الصيتِ , ومناقضات ومعارضات ومعلقات . هنالك نبتتْ شجرتُها , وثبتت جذروها , وتفرَّعت أغصانُها وأينعت ثمارُها , وهنالك سرى بها الشعر العربي الفصيح , والنثر البليغ وهما يتسابقان في الميدان , ويتباريان ويتنافسان , حتى وجد الشعر مجاله الأرحب , أطلق أوزانه للريح , وتجاوز غيره في ذلك الميدان الفسيح . هنا صار الشعر ديوان العرب , حلَّقت بأجنحته لغتهم في أفاق الفصاحة التي لا تُجارى , والبيان الذي لا يُبارى , تنقل إلى الناس أجمل الصور البلاغية وأروع الأساليب البيانية , وأرقى الأوزان والقوافي , وتغذي السنتهم بفصيح القول , وجميل العبارة , وبديع الأسلوب . ولم تكن الخطابة متخلِّفة في هذا الميدان الفسيح , بل كانت خيولها تركضُ فيه أجمل الرَّكض , وتصهل فيه أحسن الصَّهيل , وإنما سبقها الشعر إلى النفوس بأوزانه , وبديع ألحانه , حتى غدا أسرع إلى الحفظ , وأسبق إلى الرواية والأنتقال من لسان إلى لسان , ومن مكان إلى مكان , ولعل ذلك هو الذي جعله ديوان العرب, حتى أمكن أن يُقال : إن الشعر العربي في تلك الحقبة هو اللغة , وإنَّ اللغة هي الشعر . فمن أراد أن يتدفَّق بيانُه , ويستقيم على نهج الفصاحة لسانُه , وتسلم عبارتُه من الوهن , وأسلوبه من الخلل , فما عليه إلا أن يحفظ ما يستطيع من الشعر حيث سيرى أنَّ اللُّغة أسلمت إليه العنان , وأشارت إليه بالبنان , وفتحت له مغاليق البيان , ولعل هذا هو الذي جعل العالمة البليغة الفصيحة أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول : " رووا أولادكم الشعر تعذُب ألسنتهم ". إشـــــــارة سيِّدة اللَّغات تشكو إلى الله اليوم حالها وهي تعيش بُؤسها بين زمزمة عامِّية , وطنطة إعلاميّة , وطمطمة أعجمية , وألسنة عربَّية أصبحت مركباً سهلاً لكل عبارة مكسورةً , وجملة مبتورةً , وقصيدة منثورة , فمن ينقذ لغتنا من هذه الهجمات الجائحة , يا أصحاب العقولِ الراجحة ؟؟. من مقالات الشاعر الدكتور / عبدالرحمن بن صالح العشماوي |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|