![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
#1 |
~مشارِكة~
|
![]() من أسرار الإعجاز البياني في القرآن تشير هذه الآيةالكريمة إلى حقيقتين من حقائق هذا الكون ، تدلان على إلهية الله تعالى ووحدانيته ، وأنه لا مبدع ولا خالق سواه : الأولى منهما تتعلق بوحدة هذا الكون العجيب الصنع . والثانية تتعلق بسرِّ الحياة في هذا الكون الفسيح . والخطاب في الآية الكريمة يراد به عموم الذين كفروا ، وإن كان في حقيقته موجهًا لليهود ؛ لأنهم المعنيون به ، فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه وبقدرته وسرِّ صُنعه ؛ ولهذا أنكر الله عز وجل عليهمكفرهم بآياته ، في أول الآية بقوله تعالى :﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ، ثم وبَّخَهم على كفرهم في آخرها بقوله تعالى :﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، فجاء آخر الآية مُطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفِهم ذلكدليلاً على الإيمان!! أما الحقيقة الأولى فيشير إليها الشِّقُّ الأول من الآية الكريمة ؛ وهو قوله تعالى :﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾. أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض ، كانتا منضمتين إلى بعضهما . أي : ملتحمتين ، لا فضاء بينهما ، ففصلناهما عن بعضهما . أي : كانتا كرة واحدة ، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته ! أخرج الطبري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال :«كانتا ملتصقتين» . وعن عبيد بن سليمان ، قال :« سمعت الضَّحَّاك يقول في قوله تعالى :﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ ، كان ابن عباس يقول :كانتا ملتزقتين ، ففتقهما الله » . وقالالبَغَوِيُّ :« قال ابن عباس- رضي الله عنهما- وعطاء وقتادة : كانتا شيئًا واحدًا ملتزقتين ، ففصلنا بينهما بالهواء » . والرَّتْقُ في اللغة : السَّدُّ . والفَتْقُ : الشَّقُّ . يقال منه : رَتَقَ فلان الفَتْقَ : إذا سَدَّه ، فهو يرتقه رَتْقًا ورُتًوقًا . ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجُها ملتحمٌ : رَتْقَاءُ . وقوله تعالى :﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾استفهام إنكاري ، الغرض منه : التنبيه ، أو التذكير . وكوْنُه كذلك يقتضي أن ما بعده قد وقع ، وعلم به الناس إما عن طريق المشاهدة ، أو عن طريق السماع ؛ كما في قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ﴾( يس : 77 ) . فهذا تنبيه وتذكير للإنسان ، ممسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به . وقيل في تفسير قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بٍأًصْحَابِ الْفِيلِ ﴾( الفيل : 1 ) : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو وإن لم يشهد تلك الوقعة ؛ لكن شاهد آثارها ، وسمع بالتواتر أخبارها ؛ فكأنه رآها . وكذلك قوله تعالى :﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ يقتضي أن الذين كفروا رَأَوْا هذه الظاهرة العجيبة ؛ إما عن طريق المشاهدة . أو عن طريق السماع . ولو لم يكونوا شاهدوها حقًّا ، أو سمعوا بها ، لما جاز خطابهم بهذا الخطاب الذي يقتضي أن ما بعده قد وقع، وأنهم شاهدوه ، أو شاهدوا آثاره وسمعوا به . ويدلك على ذلك ما ذكره الفخر الرازي عند تفسير هذه الآية الكريمة من قوله :« اليهود، والنصارى كانوا عالمين بذلك ؛ فإنه جاء في التوراة : إن الله تعالىخلق جوهرة ، ثم نظر إليها بعين الهيبة ، فصارت ماء ، ثم خلق السموات والأرض منها ، وفتق بينهما . وكان بين عَبَدَةِ الأوثان ، وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوةمحمد صلى الله عليه وسلم ، فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلونقول اليهود في ذلك » . والخطاب في الآية الكريمة لم يكن مقتصرًا على الكفار في عصر النبوة من اليهود والنصارى ، وغيرهما ؛ لأن المراد به العموم ، فيشمل الكفار في كل زمان ومكان . فإن لم تكن الرؤية قد تحققت للكفار في العصور القديمة ، فقد تحققت لهم في عصرنا هذا ، فرأوا بأعينهم هذه الظاهرة العجيبة التي أخبر الله تعالى عنها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة مضت . ومذهب المفسرين أن الاستفهام في الآية الكريمة للتقرير ؛ ولهذا قال الزمخشري :« فإن قلت : متى رأوْهما رَتقًا ، حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : أنه واردٌ في القرآن الذي هو معجزة في نفسه ، فقام مَقام المَرْئِيِّ المُشاهَد . والثاني : أن تلاصق الأرض والسماءوتباينهما ، كلاهما جائزٌ في العقل ؛ فلا بدَّ للتباين دون التلاصق من مخصِّص ، وهو القديم سبحانه » . وحَمْلُ هذا الاستفهام على التقرير لا يستقيم مع المعنى المراد من الآية الكريمة ؛ لأن التقرير هو حَمْلُ المخاطب على أمر قد استقرَّ عنده ، وعلم به ثم جَحَدَه . وهؤلاء لم يَجْحَدوا ما علموا به ، ولم ينكروا ما رأوه ؛ ولكنهم بدلاً من أن يؤمنوا كفروا عنادًا واستكبارًا . وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ﴾( البقرة : 89 ) . وهذا ما أنكره الله تعالى عليهم بقوله :﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا.. ﴾ ؟ لأن المتوقع ممن شاهد آثار هذه الظاهرة الكونية ، و سمع بها أن يعترف بوحدانية الخالق جل وعلا وقدرته ، وأن يؤمن به ولا يشرك به أحدًا من خلقه ؛ ولهذا أنكر سبحانه وتعالى عليهم كفرهم به ، ثم وبخهم عليه في نهاية الآية بقوله :﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ ولهذا لا يجوز حمل هذا الاستفهام على استفهام التقرير ؛ لما ذكرنا من أن التقرير هو حمْل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد علمه واستقرَّ عنده ، ثم جحد به عنادًا واستكبارًا ، يبين ذلك قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ *وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾( النمل : 14 ) . ويؤكِّد العلماء المعاصرون من الكفار خاصة في أبحاثهم على أن الكون كله كان شيئًا واحدًا متصلاً من غاز ، ثم انقسم إلى سَدائمَ ، وأن عالمَنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات . والسَّدائمُ جمع سَديمٍ ، يراد به السحب ،ويطلق فَلَكِيًّا على مجموعة هائلة من النجوم . ويؤيدون أقوالهم بأنهم استدلوا على أن الشمس تتألف من سبعة وستين عنصرًا من عناصر الأرض ، وأن عناصر الأرضتبلغ اثنين وتسعين عنصرًا ، وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس ، إذا ما ذللت الصعوبات التي تقوم في هذا الشأن . ومن هذه العناصر : الهيدروجين ، والهليوم، والكربون ، والآزوت ، والأوكسجين ، والفسفور ، والحديد .. الخ . وقد استدلوا على ذلك كله بالتحليل الطيفي ؛ وهو الذي يستدل به الكيمّاويون اليوم في معاملهم على ماتحتويه المواد الأرضية من عناصر ، يكشفون عن نوعها ومقدارها . فالعناصر التي فيالشمس هي عينها في الأرض ، والشمس نجم يتمثل فيه سائر النجوم . والنجوم هي الكون . وهذا يعني : أن العناصر التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة . هذامن جهة .ومن جهة أخرى ، فإن النيازك هي الأشياء الملموسة الوحيدة التي حصل عليهاالعلم من الفضاء الخارجي ، فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعًا في الأرض هيالعناصر الشائعة في النيازك الحجرية . وأما الحقيقة الثانية- وهي سِرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة ؛ وهو قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ . أي : أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ ، وكوَّناه بقدرتنا . وقال تعالى :﴿وَجَعَلْنَا ﴾ ، ولم يقل :﴿خَلَقْنَا ﴾ ؛ لأن جعل لفظ عام في الأفعال كلها . ولمَّا كان قوله تعالى:﴿ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ مرادًا به عموم المخلوقات ، ناسب التعبير عنهبفعل يدلُّ على العموم . وقال تعالى هنا :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ ، وقال في سورة النور :﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ﴾( النور : 45 ) ، فأتى بلفظ الماء في الأول معرفة ، وفي الثاني نكرة . أما تعريفه في الأول فلأن المعنى : أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو الماء ، فجاء ذِكْرُ الماءِ- هنا- معرَّفًا بأل الجنسية ؛ ليشمل أجناس المخلوقات المختلفةالأنواع . وأما تنكيره في الثاني فلأن المعنى : أن الله سبحانه خلق كل دابة من نوع مخصوص من الماء ؛ وهو النطفة ، ثم خالف بين المخلوقات بحسب اختلاف نطفها : فمنهاهوامٌ ، ومنها ناسٌ ، ومنها بهائمٌ ؛ كما قال تعالى :﴿ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾( النور : 45 ) . وتحرير الفرق بين القولين : أن الغرض من الأولإظهار الآية بأن أشياء متفقة في جنس الحياة ، قد تكونت بالقدرة من جنس الماء المختلف الأنواع . أما الغرض من الثاني فهو إظهار الآية بأن شيئًا واحدًا ، قد تكونت منه بالقدرةأشياء مختلفة .. فتأمل أسرار الله تعالى في خلقه ، وفي كلامه الذي سجد لبلاغته وفصاحته البلغاء والفصحاء . فريق النــــــــــــــــقاء محمد إسماعيل عتوك |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11) | |
![]() |
|
There are no names to display. |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حملة إجازة صيفية مفيدة .. | رقية مبارك بوداني | النشرات الدعوية | 18 | 20-06-13 08:14 PM |
-::[ ألوان × ألوان ]::- | جرافيكسـ | قسم التصميم | 24 | 20-02-08 01:31 AM |