العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة التزكية وآداب الطلب > روضة آداب طلب العلم

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-06, 11:24 AM   #1
أمةالله
أم مالك المصرية
افتراضي أسباب الثبات على طلب العلم

للشيخ صالح بن عبد العزيزآل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:

فهذه بداية للدروس التي سبق أن بدأناها في العام الماضي، وأسأل الله جلّ وعلا أن ينفعنا بما مضى وأن ينفعنا بما سيأتي وأن يثبته في قلوبنا، وأن يمنّ علينا بالعمل بما علمنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى العظيمة الجليلة أن يمنّ علينا بالبصيرة في كلّ ما نأتي وما نذر وأن يجنبنا سلوك غير سبيل سلف هذه الأمة في كل أحوالنا إنّه جواد كريم.

وبمناسبة هذه البداية نُذكّر بشأن العلم وما ينبغي أن يستحضره طالب العلم وهو يعاني العلم ويعاني حمله ويسير في طريقه؛ لأنّ العلم ليس بالطريق الهيّن، وكما قد قيل العلم طريقه طويل، قد قال بعض السلف ”اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد“ وقد قيل للإمام أحمد وقد ظهر الشيبُ فيه، قيل له: إلى متى وأنت مع المحبرة؟ -يعني كانت معه أدوات العلم؛ ورق ومحبرة، فقال كلمة مشهورة: مع المحبرة إلى المقبرة. يعني أنّه مواصل في هذا لا ينقطع.

وسبب الانقطاع فيمن انقطع عن العلم يرجع إلى أسباب من تلك أسباب، فمن تلك الأسباب:
1- أنّه لم يَعِ حقيقة معنى العلم ولماذا يطلب العلم.
2- والثاني أنّه ربما كانت النية في أصلها ضعيفة؛ لأنّه بقوة النية في طلب العلم يكون الاستمرار والحِرص عليه.
3- والثالث من أسباب الانقطاع أن يكون المرء متعجلا يريد أن يكون طالب علم أو أن يكون عالما محصِّلا عارفا بأكثر المسائل في سنوات قليلة، هذا لا يَحْصُل أبدا؛ بل العلم طريقه طويل.
4- وقد يكون السبب راجعا إلى ضعف بصيرته في شأن العلم، ويظنّ أن العلم نفعه قليل، وأنّ غيره من الطرق التي ربما يغشاها بعض المستقيمين أو الذين ظاهرهم الالتزام أنها أسرع في تحصيل المقصود وأنها هي التي بها يحصل المرء على ما يتمنى من رجوع الخلق إلى ربهم جلّ وعلا؛ وهذا من أسباب الانقطاع عن العلم أنه يقول: ماذا فعل العلماء؟ ماذا حصّلنا من العلم، ولكن هناك طرق أخرى كذا وكذا، هذه بها يكون المرء أكثر تأثيرا ويكون محقا للحق ومبطلا للباطل، فتنصرف نفسه عن العلم، والحقيقة أنّه فاته أنّ العلم كالماء الذي يثبت في الأرض فينفع الله جلّ وعلا به من يأتي بعد، كما مثل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي قال فيه «مَثَلُ ما بعثني الله به من العلم كمثل غيث أصاب أرضا» فالعلم الشرعي غيث، وهذا الغيث؛ الغيث نافع.

ومن فوائد الفروق اللغوية في التفسير أنّ أكثر ما يستعمل الغيث في الكتاب والسنة فيما ينفع من الماء والمطر، وأما المطر فأكثر ما يستعمل فيما يضر مما ينزل من السماء، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[يوسف:49]، فالنّبي عليه الصلاة والسّلام مثّل لنا العلم بالغيث، وهذا فيه مع تتمة الحديث بأنّه أصاب أنواعا من الأرض فكانت منها أرض قبلت العلم فارتوى الناس منه وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وفيه أيضا تسميته بالغيث، والغيث يغيث الأبدان ويغيث القلوب، وهكذا العلم فإنه بهذه المثابة.

5- من أسباب الانقطاع عن العلم التي لمسناها في الشباب في السنين الماضية ودائما تتجدد: أنهم لا تكون صلتهم بالعلم وأهل العلم مستمرة، بل عهدهم بالعلم وأهل العلم في الدروس فقط، وما عدا ذلك فهم يصاحبون الناس من أصناف شتى، فلا تكون النفس دائما متحركة بالعلم، بل تكون تتحرك بالعلم في وقت قليل؛ في وقت الدرس، وما بعد ذلك فأكثر الحديث الذي يتحدث به ليس في العلم، هذا يجعله غير متعلق بالعلم، والعلم يحتاج إلى أن يتعلق به طالبه دائما؛ نفسُه معه في كل حال، وقد كان بعض أهل العلم ينصرف عن ملذّات الدنيا لأجل العلم؛ الملذّات المباحة من مال أومن زوجة أو من نظر مباح أو أُنْس ونحو ذلك لانشغاله به، وقد قال بعض الشعراء في ذلك من العلماء حيث أتته جارية ولم يلتفت وقد كانت حسنة الخَلْق والخُلق فقال فيها أبيات لما أتته وذكر زينتها إلى آخره فقال:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فقلـت ذريني واتـركيني فإنّـني = شغلتُ بتحصيل العلوم وكشفها
ولي في طلاب العلم والفضل والتقى = غِـنى عن غناء الغانيات وعَرْفِها[/poem]

يعني أنّه مشغول بشيء أعظم غلب على نفسه، وهذا متى يكون؟ إذا كان المرء دائما مع العلم؛ قراءة، في صحبة من يتكلمون في العلم، في تبليغ العلم، في الكلام في العلم، في رؤية العلماء، في الحديث معهم، في سماع كلامهم تجد النفس تنشغل به، ويكون العلم طبعا له، أولا يكون تطبع يأتي بشيء من الكلفة، ثم يكون طبعا له حتى إذا تحدث حدّث بالعلم، إذا أرشد أرشد بالعلم، إذا بيّن بالعلم، فيكون في ذلك الأنس له ولا شك أنّ هذا يحتاج إلى جهاد وقد قال جلّ وعلا ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت:69].

فالجهل هو ضد العلم، والجهل داء -كما قال ابن القيم- داء قاتل يقتل صاحبه من حيث لا يشعر، فيقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
والجهل داء قاتل وشفاؤه = أمران في الترتيب متفقان
علم من القرآن أو من سنة = وطبيب ذاك العالم الرباني[/poem]

يقول: الجهل داء قاتل. لا شك قاتل لرؤية العبد لِما يجب عليه في دينه، كذلك داء قاتل للعبد في أنه يجعله ليس من الأحياء، فالعالمون أحياء وغيرُهم أموات، وسبب موتهم هو الجهل؛ لأنّ الجهل مميت مثل ما قال هنا قاتل، فكل من جهل فقد قُتل وقد مات، والجهل ليس بمرتبة واحدة بل الجهل أنواع كثيرة فكل من جهل شيئا فقد أصيبت مقاتله من الجهة التي جهل فيها، قال:
والجهل داء قاتل وشفاؤه .......................
ما شفاء الجهل؟ قال:
............... وشفاؤه أمران في الترتيب متفقان
علم من القرآن أو من سنة .......................
هذان الأمران: علم من القرآن أو من السنّة. من الذي يبيّن نصوص القرآن والسنة وينزِّلها منازلها ويجعلها في معانيها الصحيحة؟ قال:
........................ وطبيب ذاك العالم الرباني
ليس أي عالم؛ لكنّه عالم رباني يخشى الله ويتقيه فيما يقول وفيما يأتي وفيما يذر، فنصوص الكتاب والسنة نعم هي شفاء الجهل، وكثير من الناس ينفي الجهل عن نفسه بالحرص على الكتاب والسنة لكنه لم يَستضِئ بكلام أهل العلم بنور أهل العلم، لم يستضيء بذلك، ولما لم يستضئ بذلك أُصيبت مقاتله؛ لأنه قال (وطبيب ذاك العالم الرباني) هذا التعبير يفهمك بأن العلم دواء، فإذا أتى رجل فأخذ من الدواء ما لا يصلح له يهلك أولا يهلك؟ يهلك.

قد هلكت الخوارج لأنهم أخذوا نصوص الكتاب ونصوص السنة ولكن نزلوها في غير منازلها، فأخذوا من نصوص الكتاب ما استدلوا به على أنّ فاعل الكبيرة كافر قال ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾[النساء:93]، قالوا: هذا يدل على أنه كافر.
أخذت المرجئة بعض النصوص نصوص الكتاب ونزلوها في غير منازلها «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»، «من كان آخر كلامهم لا إله إلا الله دخل الجنة» ونحو ذلك من النصوص، فنفت العمل وأبقت القول والاعتقاد وأرجأوا ذلك فأصيبت مقاتلهم، لماذا؟
لأنهم لم يكن طبيبهم في فهم النصوص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علماء زمانهم، أخذوا من أنفسهم ولم يتابعوا أهل العلم المتحققين به، فأصيبت مقاتلهم، وهكذا في كل زمن الحرص على العلم مطلوب؛ لكن لا يمكن أن تكون حريصا على العلم ومصيبا في ذلك إلاّ أنْ تستضيء بفهم أهل العلم؛ لأن العلم في هذه الأمة موروث ليس علما مستأنفا مبتدأً، في كل زمن يبتدئ الناس منه ويستأنفون علما جديدا لم يكن معروفا في من قبلهم، بل علمنا في هذه الأمة علمنا موروث، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام «العلماء ورثة الأنبياء فإنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» لهذا! تنتبه إلى هذا الأصل العظيم ألا وهو الحرص على العلم ولكن ينبغي أن يكون طبيبك في ذلك الحرص -في تلقي النصوص- طبيبك العالم الرباني، فإن لم يكن ربانيا كان عالما ذا هوى؛ له مقاصد له أغراض أيضا أصابك شيء من عدم فهم نصوص الكتاب والسنة، وأصابك شيء من الجهل بقدر ما فاتك من ذلك.

يتبع...



توقيع أمةالله

أمةالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-06, 12:06 PM   #2
أمةالله
أم مالك المصرية
افتراضي الجزء الثاني من المحاضرة...

والعلم أنواع، الجهل خطير وداء قاتل، ولابد أن تسعى في شفاء نفسك منه عن طريق أهل العلم بفهمهم نصوص الكتاب والسنة، والعلم أنواع كما قال ابن القيم رحمه الله:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
والعلم أنواع ثلاث مـا لها = من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله ونـعته = وكذلك الأسماء للديان[/poem]

هذا العلم الأول: الأسماء والنعوت والصفات؛ يعني التوحيد جميعه: توحيد العبادة توحيد الربوبية كله من ثمرات معرفة والعلم بأسماء الله وصفاته.
ففي اسم الله الأعظم (الله) الذي مرجع الأسماء الحسنى جميعا إليه فيه أنه هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه.
ففي اسمه الرّب أنه هو ذو الربوبية.
في نعوت الجمال أنّه هو المستحق للعبادة.
وفي نعوت الجلال أنّه هو المستحق للإجلال والتعظيم وإفراده بالربوبية وهكذا...فقال:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
علم بأوصاف الإله ونـعته وكذلك الأسماء للديان[/poem]

هذا ثلث العلم بالتوحيد، ولهذا سورة الإخلاص صارت ثلث القرآن؛ لأنّ القرآن فيه العلم كله، فثلث العلم التوحيد فصارت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن؛ لأنها فيها التوحيد كله توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
قال بعدها:
والأمر النهي الذي هو دينه ..........................
هذا هو النوع الثاني من العلم: الأمر والنهي هو معرفة الحلال والحرام:
المأمور به يشمل الواجب والمستحب.
والمنهي عنه يشمل المحرم والمكروه.
والأمر النهي الذي هو دينه ..........................
هذا النوع الثاني الذي هو علم في الفقه؛ الحلال والحرام (علم الأحكام).
والثالث منها هو علم الجزاء يوم القيامة قال:
...................... وجزاؤه يوم المعاد الثاني

الذي يدخل في ذلك علم السلوك، ما يصحح به المرء قلبه، ما يصحح به سلوكه، مقامات الإيمان، ومقامات الزهد، والعبادة، ومعرفة جزاء كل عمل يوم القيامة وما يحصل يوم القيامة من أنواع الجزاءات للمؤمنين وللكافرين، للمقصرين وللمطيعين؛ لأنواع الناس.
إذن فلنعلم هنا أنّ هذه الثلاث هي العلم. فتسعى:

1- إلى العلم بالتوحيد هذا ثلث العلم.
2- إلى العلم بالحلال والحرام هذا الثلث الثاني من العلم.
3- إلى العلم بما تزكي به نفسك ﴿ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[الشمس:9-10].

كيف تحصل على هذا العلم؟ بتدبر نصوص الكتاب والسنة بما يكون يوم القيامة وحال الناس يوم القيامة والنصوص التي جاءت بما يكون به الثواب يوم القيامة؛ نصوص الزهد، نصوص الثواب الأذكار ما يتعلق بذلك، كلها من فروع هذا.

فإذن أقسام العلم ثلاثة، إذا كنت حريصا على هذا العلم فلتكن حريصا على هذه العلوم الثلاثة، ثم لتنفي عن نفسك ما استطعت من أسباب الجهل، وقد عرفت أسباب الجهل، ثم احرص على تمام الحرص على أن لا تنقطع عن الطريق، وتذكر قول ابن شهاب الزهري رحمه الله حيث نصح المتعجلين فقال: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، وإنما يطلب العلم على مرِّ الأيام والليالي. قليلا قليلا، لو ما نكسب كلّ يومين إلا مسألة؛ يعني مسألة نضبطها وتكون ثابتة بدليلها وضوحها فبعد سنة سنحصل قريبا من مائة وثمانين مسألة، وبعد سنتين ثلاثمائة وستين مسألة واضحة، بعد عشر سنين ألف وستمائة مسألة، أحسب بعد ثلاثين سنة يكون الواحد عالم راسخ في العلم، تكون المسائل واضحة مبسوطة عنده بوضوح وفهم غير ملتبسة، هذا إذا كان في كل يومين مسألة، فكيف يكون لو كان في كل يوم مسألة، لو كان في كل يوم مسألتين، خذ ما تحصل من العلم، ولكن يحتاج منك إلى مواصلة.

المطر إذا أصاب أرضا وكان مطرا شديدا يمشي أو يظل راكدا في الأرض؟ يمشي بل يذهب إلى الأودية والشعاب؛ لأنّه قوي، لكن هل الأرض التي نزل عليها أول مرّة نزولا شديدا يكون انتفاعها مثل الأرض التي استقر عليها الماء؟ ليس كذلك، هذا مثال للتقريب، المطر الذي يأتي قليلا قليلا؛ أسبوعا أسبوعين تجد مثلا نصف متر في الأرض كلها رويانة...، هذا وصف بليغ فيما يناسب العلم، إذا ارتويت من العلم بعد ذلك الشيء القليل الذي يأتي تحس أنه ينفع الناس، وتذكره بوضوح، فمثلا تجد بعض طلاب العلم قد يتكلم بالكلمات؛ لكن ما تقنع منها النفوس وهو طالب علم لماذا؟ لأنها لم تنتج عن رسوخ وفهم لما يتكلم فيه، تلحظ في الكلام شيء من الاضطراب، في شيء من عدم الوضوح، ما استطاع أن يوصل لك الكلام بوضوح تام، لماذا؟ لأنّه غير راسخ في هذا المقال الذي قاله.
وهكذا طالب علم أو عالم يكون عنده تسعين في المائة من العلم الذي معه واضح وعشرة في المائة غير واضح، تجد أنه يلتبس عليه فلا يستطيع تأدية هذا الذي إلتبس عليه -مشكل عنده-، فإذا كان العلم راسخا واضحا قد طُلب على مهل فإنه يثبت في القلب، وبعد ذلك يمكنك أن تنفع الناس به، فلا يُغيبنّ عنك هذه الحقيقة وهي أنّ العلم يطلب شيئا فشيئا.

أما التذوق فهذا ليس من العلم في قبيل، ما معنى التذوق؟
التذوق هو ما رأيناه كثيرا يحضر عند فلان من المعلمين أو من المشايخ الكبار شهر وبعد ذلك راح للثاني، راح للثالث، فما استفاد لأنه متذوق، فتجد الإخوان يقبلون سنة شهر شهرين ثم يُحبطون، هذا العلم غير متصل هذا ما يستفيد سنين ثم ينقطع في الغالب ينقطع ثم يصبح كغيره من الناس، أما الذي يصبر ويصابر على مرّ الزمان فإنّه هذا يحصل بحسب ما كتب الله له.
ومما هو من أسباب ثبات العلم وعدم الانقطاع عنه أن تكون مخلصا القصد فيه لابد من الإخلاص في العلم لأن العلم قد أمر به في القرآن وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان مأمورا به فإنه عبادة؛ لأنّ العبادة هي ما أُمر به من غير إطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، فإذا كان مأمورا به فهو عبادة، فإذا كان عبادة يلزم فيها الإخلاص.
كيف يكون اِلإخلاص في العلم؟ كيف يكون؟ ما النية في العلم؟ سُئل الإمام أحمد عن ذلك –مشكلة- كيف يكون مخلصا في العلم؟ كيف يكون مخلصا في عمله؟ كيف يكون مخلصا في صلاته؟ في صيامه ...إلخ؟ كل عبادة يخلص فيها إذا كان قد أراد بها الله جلّ وعلا، العلم مع إرادته الله وعدم إرادته الرياء والسمعة ولا المكابرة ولا المجاهرة في الناس بالكلام ولا التقدم والتصدر، أن يريد بالعلم نفي الجهل ورفع الجهل عن نفسه، قيل للإمام أحمد: كيف النية في العلم؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه. لماذا؟ لأنّ الجهل؛ جهله بالله جلّ وعلا، جهله بما يستحقه جلّ وعلا، جهله بصفاته، جهله بأسمائه، جهله بأمره ونهيه، جهله باليوم الآخر وما فيه من تفصيلات وجزاء كل واحد على ما يعمل، هذا لا شك ما يرضى به ذوي النفوس الحية، فإذا طلب العلم يريد به الدنيا فهو من أهل الدنيا، فإذا طلب العلم لله يريد الأجر والثواب ويريد نفي الجهل عن نفسه؛ قطع النفس عن نفسه فإنه يكون مخلصا.
لاحظ هذه النية إذا أتت إليك واستقرّت فهي مباركة؛ لأنك دائما تحس أنك جاهل، ما فيه أحد ينقضي من العلم حتى من عُمّر مائة عام أو أكثر وهو في العلم ما انقضى، العلم واسع لا يستطيع أحد أن يحيط به جميعا من الناس، وهو واسع يعني من غير الأنبياء، وسعته هذه تحتاج إلى أن تكون دائما معه، بالنية أن تنوي رفع الجهل عن نفسك وستلحظ أنّ بها أشياء ما عرفته، فإذا كانت النية الصالحة موجودة ستستمر على العلم، لكن إذا كانت النية غير صالحة والله تعبت خلاص عرفت كذا وكذا، لا العلم طويل.
العلم بالقرآن العلم بالتفسير لا ينتهي، فإذا تأملت أنّ ابن جرير رحمه الله صنف كتابه التفسير مختصرا، وقد قال لهم هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: قدر كم؟ قال: قدر ثلاثين ألف ورقة. قالوا: هذا مما تمضي فيه الأعمار. فقال: الله المستعان ماتت الهمم. فاختصره لهم في ثلاثة آلاف ورقة؛ يعني قدر العشر وهو الموجود اليوم في ثلاثين جزءا، فأين الباقي؟ موجود في غيره من التفاسير أشياء لم يذكرها ابن جرير رحمه الله وإنما هو قرّب علمه بالتفسير واختصره، هذا القدر من العلم بالقرآن، هذا القدر الهائل إذا وصلنا إلى آخر التفسير نسينا شيئا من أوّله، هذا موجود مررنا على تفسير سور القرآن ثم من الآيات ما نسينا تفسيرها؛ اشتبهت.
فإذا كان المرء معه دائما نية رفع الجهل عن نفسه لا ينقطع عن العلم، دائما يحس أنه ضعيف جاهل، يأتيه الصغير فيعلمه شيئا لم يعلمه من قبل وهو أصغر منه، يقول والله اطلعت على هذه المسألة وفوق كل ذي علم عليم يفرح بها.
تجد أن صاحب النية الصحيحة إذا أرشده من هو أصغر منه أفرح ما يكون، لماذا؟ لأنّه حصّل علما يرفع به الجهل عن نفسه، أما لم تكن نيته صحيحة فإنّك تجد عنده استكبار في العلم: لا، ليس كذلك. ما يفرح بالعلم، تأتيه بالعلم الواضح الصحيح لا يفرح به لماذا؟ لأنّ نيته مدخولة.


يتبع...
أمةالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-06, 12:09 PM   #3
أمةالله
أم مالك المصرية
افتراضي الجزء الثالث من المحاضرة...

النية الصالحة في العلم سبب عظيم من أسباب الثبات عليه والاستمرار عليه.
أيضا من أسباب الثبات: الصبر على المعلّم، فإنّ المعلمين أو المشايخ ليسوا على درجة واحدة في التعامل مع الطلاب، يختلفون، كل واحد تجد عنده أشياء، فمنهم من قد لا يهتم بالسؤال ويفصل الجواب لكلّ أحد، إذا كان الطالب يستريح له المعلم فصّل له، إذا كان يرى أنه ليس بأهل أو فيه نظر ما فصّل له، يحتاج طالب العلم إلى أن يصبر.
كذلك قد يكون في بعض المعلمين فيه خصال تخصه كل واحد من المتعلمين أو المعلمين –كلنا بشر- كل واحد فيه عيوب أو فيه نقص أو له طبائع خاصة به، فإذا كان المرء أعني طالب العلم طلب من يطلب عليه العلم من أهل الكمال هذا لن يحصّل، تجده يأتي إلى فلان وينتقده -من طلاب العلم-، والثاني ينتقده والثالث ينتقده، مَنْ الكامل عنده؟ لا أحد، وهذا يغلب على الذوّاقين الذين يتنقلون حتى أن بعضهم حضر عددا من الدروس المختلفة سأله أحد العلماء أو أحد المشايخ عما أخذ من العلم فقال: حضرت عند فلان فذكر كذا وكذا وكذا كلمة إما أخطأ فيها أو -المقصود شيء غريب- والثاني قال كذا، والثالث ما فصّل، والثالث غلط في حديث والرابع ذهب في مسألة و...أخذ يعد ويعد، فقال له بئس الرّجل أنت...
من أسباب عدم المواصلة في العلم أنْ يَطلب طالب العلم معلما فيه الكمال هذا لا يوجد إلاّ في المشايخ؛ في عليّة المشايخ يعني المشايخ الراسخين في العلم الكبار، وهؤلاء قد لا يمكنهم أن يعلموا كلّ الأمة، أن يعلموا كل من أراد طلب العلم، ولكن خُذ من المعلم ما أصاب فيه وهو الأكثر ما دام أنه معلم ووثق فيه الطلاب وعنده حسن أداء للعلم وتصور له صوابه أكثر من خطئه أو خطأه يعد قليلا، فخذ منه صوابه والخطأ راجعه فيه بصره حتى يبصر.
من المهم في طلب العلم أن تكون متواضعا مع المعلمين، وهذا سبب من أسباب مباركة الله جلّ وعلا لعلمك؛ لأنّ التواضع للمعلم سبب للاستمرار، وعدم التواضع للمعلم سبب للانقطاع، وهذا مأخوذ من قصة موسى عليه السلام مع الخضر، موسى عليه السلام ما صبر، والخضر عنده علم عجيب؛ علم من الله جلّ وعلا عجيب، فموسى عليه السلام رأى الأول فاعترض مع أنّه عاهده أن لا يعترض، والمسألة الثانية –رآها- الغلام الذي قتله الخضر اعترض موسى عليه السلام ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾[الكهف:74] ثم الجدار فأخبره أنه لم يستطع معه صبرار ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾[الكهف:78]، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: «وددنا أنّ موسى صبر» لو صبر لأخذنا علم كثير لكنه لم يصبر فحُرم من علم الخضر، وسبب الخلاف في الاستنكار هو الاختلاف في العلم الخضر في هذه المسائل أعلم من موسى فاستنكر موسى عليه السلام وهو كليم الله جلّ وعلا ومن أولي العزم من الرّسل كان عند غيره من العلم ما ليس عنده، ما سبب الخلاف؟ سبب الاعتراض اختلاف العلم، لهذا قد يكون عند بعض الطلاب اعتراض عدم فهم عدم قناعة لكن السبب في عدم القناعة اختلاف العلم، ولهذا قال ابن الوزير محمد بن إبراهيم اليماني أو غيره في أبيات حسنة في بيان سبب اختلاف الناس؛ سبب اختلاف الآراء وأنّ سبب ذلك هو اختلاف العلوم قال:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تسـلّ عن الـوفاق فـربنـا قد حـكى بين الملائكـة الخِصامـا [/poem]

الخصام في إيش؟ قصة آدم وحديث اختصام الملأ الأعلى وغير ذلك، كذلك الاختصام بشأن أهل النار وغير ذلك...

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
كذا الخضِر المكرّم والوجـيه الـ = ــمكلّم إذ ألمّ به لمامــــا
تكدّر صـفو جمعهــما مـرارا = فعجّل صاحـب السرّ الصرامـا [/poem]

تكدّر صفو الجمع بأي شيء؟ باعتراض موسى عليه السلام موسى اعترض فبين له الخضر أن ليس له هذا؛ أنه ليس من أدب المتعلم مع المعلم أن يعترض عليه بشيء لا علم له به، ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾[الكهف:73]، إلى أن قال له ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾[الكهف:76].
قال هنا

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تكدّر صـفو جمعهــما مـرارا = فعجّل صاحـب السرّ الصرامـا
ففـارقه الكليـم كليـم قلـب وقـد = ثنّى على الخضـر الملامـا
وماسبب الخلاف سوىاختلاف ال = ــعلوم هناك بعضـا أو تمامـا[/poem]

ما سبب الخلاف؟ اختلاف العلوم، هذا الطالب مثلا يستنكر على المعلم يقول: لا ليس كذا -وهو نظر لها من جه- سبب الاختلاف هو اختلاف العلم؛ هذا علمه واسع وهذا علمه ضيق فصاحب العلم الضيق اعترض على صاحب العلم الواسع فصار بينهما ما قد يسبّب الانقطاع من الاستفادة ولذلك قال:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وماسبب الخلاف سوىاختلاف ال = ــعلوم هناك بعضـا أو تمامـا
فـكان من اللوازم أن يكون الإله = مـخـالفـا فـيها الأنامـــا
فـلا تجهـل لها قـدْرا وخـذها = شـكورًا للـذي يحـيى الأناما[/poem]

يعني (هذه في مسائل القدر) إلى آخر أبياته.
المقصود من ذلك أنّ صبر المتعلم على المعلم وعدم كثرة الاعتراض هذا يجعله يستمر ويستفيد؛ لأنّ طالب العلم وهو يسمع إذا عوّد ذهنه أن يعترض، أنْ يستشكل لن يتابع الكلام؛ يفهم أوله وآخره وتسلسل المعلم فأنت تستمع مثلا لأحد المشايخ وهو يتكلم فكلما أورد كلمة أتيت باعتراض، إذا أورد لفظ حديث قلت في ذهنك: لا هذا ليس لفظ الحديث. الحديث له ألفاظ وروايات أنت حفظت واحدة فيمكن المعلم عنده ثلاث أربع روايات فانشغلت بالاعتراض، إذا انشغلت بالاعتراض حرمت، ولكن إذا انشغلت بالفائدة فما كان من الفوائد فيها الصواب استفدت، وما كان فيه غير الصواب خطأ ذهب وحده، أو شيء صححته بينك وبين نفسك أو راجعته فيه، هكذا يكون العلم، أما الاعتراضات النفسية هذه التي تطلب الكمال أو نفسية الناقد أي كلّما سمع شيئا من معلمه نقد ولو في نفسه، يحضر في نفسه أسئلة واعتراضات والمعلم يتكلم، هذا لا يستفيد وهذا سبب من أسباب الانقطاع في العلم.

يتبع...
أمةالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-06, 12:10 PM   #4
أمةالله
أم مالك المصرية
افتراضي الجزء الرابع من المحاضرة...

من أسباب الانقطاع: وهذا أيضا لاحظناه أن يكون المرء يطلب شيئا كبيرا فعنده همة في أول الطلب، هذه الهمة تكسّر الجبال، ماذا تريد؟ أنا أريد أحفظ الكتب الستة، أو يقول مثلا: الواسطية هذه مختصرة أنا أريد أحفظ التدمرية. أو يقول: ما أريد أحفظ بلوغ المرام بلوغ المرام هذا خفيف أريد أحفظ منتقى الأخبار فيه ستة آلاف حديث أو نحو ذلك، ما أريد أحفظ زاد المستقنع هذا مختصر أريد أحفظ مثلا الإجماع والخلاف الذي في المغني. مرض، هذه الأشياء التي ذكرتها مرّ عليها بعض الشباب ممن هم على هذه الشاكلة، صحيح أول الأمر عنده هذه الهمة العظيمة ويشكر عليها؛ لكن هذه الهمة لا تستمر، وما عرف عن أحد إلا نوادر أن تستمر معهم هذه الهمة.
فإذن وسائل الانقطاع عن الطلب أن تحمل نفسك في فترة الهمة والقوة ما لا تحتمله في تلك الفَترة، ولكل عمل شرة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح قال: «إنّ لكل عمل شِرّة وإنّ لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر» لكل عمل شرة حتى الإقبال على العلم له شِرّة –عنفوان- كأنّه سيقرأ مائة مجلد وسيحفظ ويعمل؛ ولكن لهذه الشرة فترة لابدّ (إنّ لكل عمل شرة -الشرة العنفوان والقوّة- ولكل شرة فترة) حتى في العبادات يجد من نفسه نشاط وإقبال تجده صاحب إقبال على العبادة وكثرة طاعات وإقبال على التلاوة، ويجد أحيانا من نفسه كسل، إذن الفترة هذه لابد منها، لكن المهم لا تكن فترة إلى نكوص، فإذا كان فترة وكل واحد منا على أدنى ما ينبغي فالحمد لله، (لكل عمل شرة) ما الذي ينبغي؟ أنه إذا أقبلت ووجدت من نفسك الشرة خذ بما يطاق، لا تأخذ بشيء لا تحتمله في الفترة، يعني مثلا إذا وجدت إقبالا احفظ القرآن، احفظ مثلا من متون الأحاديث الأربعين النووية في شرة في فترة قوة أحفظه، مثلا بلوغ المرام عمدة الأحكام بحسب ما يتيسر لك، وجدت عندك قوة احفظ كتاب التوحيد، احفظ مثلا الواسطية ونحو ذلك.
هذه إذا حصلتها في فترات الشرة في فترات القوة فأنت على خير عظيم، والواقع أن الذين وجدوا من أنفسهم الشرة هذه والقوة والعنفوان ما استطاعوا أن يكملوا هذه الكتب إلا نوادر، حتى هذه الكتب التي عند بعض الناس إنها مختصرة ما استطاعوا أن يكملوها، لهذا عليكم من العمل ما تطيقون.

من أسباب الانقطاع: أنّك تطلب شيئا بعيدا، تطلب أشياء العلماء إلى الآن ما حصلوها إلا نوادر في الأمة حصلت ذلك، فإذا وجدت هذا من نفسك فلتكن قوتك فيما تطيق وما ينفعك، وإذا تحركت رياحك فاغتنمها كما قال الشاعر:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا هبت رياحك فاغتنمها = إنّ لكلّ عاصفة سكون[/poem]

الحديث: «إنّ لكل عمل شِرّة وإنّ لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح -هنا عدة ألفاظ في آخره- ومن كانت فترته إلى معصية –أول قال: إلى بدعة. (لفظان)-فقد خاب وخسر».

من أسباب الانقطاع: عن العلم أنّ المرء لا يطالع ولا يبحث، مثلا من بعض طلبة العلم يأخذ بالوصية المعروفة بالتدرج في العلم وأن يمشي شيئا فشيئا؛ لكن لا يبحث ولا يطالع يعني في غير موضوعه، مثلا تقول لطالب العلم أولا تمشي مع الواسطية وشروح كتاب التوحيد والفقه في الزاد وشروحه إلى آخره في العلوم؛ لكن لا يكون عنده مطالعات، فيجد أنّ هذه المتون فيها شيء من الثقل ما فيها إفراح للنفس؛ تنويع للنفس، والنفس تحتاج إلى تنويع وتقليب، فإذا لم يكن عنده مطالعات مثلا في التراجم، مطالعات في التاريخ، مطالعات في الأخبار، في اللغة، ما كان عنده بحث كان إذا مرّت عليه مسألة، هذه المسألة يجمع الأقوال فيها هذه آية ما كلام المفسرين فيها، إذا ما كان عنده مطالعة متنوعة ولا بحث فتجد أنه يخمد بعد فترة.
فإذن يحتاج طالب العلم مع التدرج إلى أن يكون له إلمام كيف يبحث؟ يبحث ويكتب ويطلع معلمه أو يطلع المشايخ على ما كتب، حتى ينمون عنده هذه الموهبة، ولقد قال النووي في مقدمات المجموع أو في غيرها انه من أسباب ثبات العلم وتحقيقه أن يكتب المرء ما بحثه وما حققه، يبحث وينظر ويكتب، لا يكتب للتصنيف مثل ما هو موجود الآن، صغار مثلا ما حققوا العلم تجد أنهم ألفوا كتبا ونشروها، بعض الرسائل الصغيرة التي رأيتها رسالة من أولها إلى آخرها فيها حوالي خمسة وعشرين صفحة مثلا وفيها أظن حوالي ثمانية عشر خطأ نَحويا؛ فيها ثمانية عشر خطأ في اللغة، وهي خمس وعشرين صفحة، هذا مثل ما قال ابن حزم في رسالته –عظيمة- التلخيص في وجوه التخليص: كيف يكون مأمونا على العلم من لا يحسن اللغة. كيف يؤمن على العلم؟ كيف نأمنه على فهم الكتاب والسنة؟ وعلى ما نقله لنا من كلام أهل العلم قد فهمه جيدا؟ إذا كان ما أحسن كتابة عشرين صفحة بدون أخطاء، فكيف يكون مأمونا على كلام العلماء الذين ينقل عنهم؟

إذن فانتبه إلى هذه إنه القصد من الكتابة التي أقول لك هو البحث ليس هو النشر، لا، بل تبحث مسألة تجعلها في نفسك فكم من مسألة كتبنا فيها وهي مطمورة إذا رأيتها عَجَب لكن في فترة ما كتبناها في فترة أوائل الطلب الواحد فرح بها جدا، فرح أنه كتب وحقق، لكن لو تنظرها الآن خلاص، وقد حصل لي في فترة من الفترات أن جمعتُ الأصول اللغوية لعلوم الحديث، وكان أحد الذين كتبوا في المصطلح يتمنى أن تجمع الأصول اللغوية لعلوم الحديث مثلا حديث الصحيح ما معنى الصحيح في اللغة؟ ولماذا اختار أهل الحديث هذا الاسم؟ الحسن لماذا؟ المضطرب المدبج المنقطع المقطوع المرسل المدلس الضعيف لماذا اختارو؟ من فترات –مثل ما يقال- الشباب أن جمعت هذا من كتب اللغة في بحث استمرّ مدّة طويلة هذه الأقوال، فأخذتها وقرأتها على الشيخ الأستاذ أديب العربية محمود شاكر المعروف تعرفونه كان في الرياض مكث فترة، قرأت فيها عليه بعض كتب اللغة، وأنا فرحت بهذا الذي كتبت وهو دقيق ينظر فيه ويعني فيه عجب فقلت: يا شيخ أنا عندي كتابات في اللغة لعلك نعطيك فترة فلما قرأ ما قرأ –هي ليس فيها أخطاء- قلت: يا شيخ إيش رأيك؟ قال: -ماش أنا كنت أبغاه يمدح هذا عمل جيد، قال: هذا عبث شباب. هي كلمة قاسية لفرح، لكنها نافعة؛ لكنها كانت خطوة في البناء اللغوي مثلا في طلب العلم، نعم، لكن نشرها لم يكن مناسبا مثل ما قال هذا عبث شباب، عبث شباب هذا صحيح شاب فرح وجمع إلى أن حصل على الشيء وكتبه.
فالمقصود البحث ينمي عندك القوة العلمية ويجعلك مواصلا في الإطلاع على الكتب وفي النظر، لكن لا تنشر ولا تستعجل، خلها عندك؛ لأنها جزء من بناءك العلمي.
فإذن كيف تمتع الانقطاع لمن كان متدرجا في طلب العلم برعاية المتون يكون بهذا الأمر وهو أنك تبحث وتكتب وتُري المعلمين ما كتبت حتى يصحّحوا لك المسار تكون كتاباتك نقية ومتزنة، ولكن لا تستعجل بشيء فإنما هي لغرضين:
لاستمرارك في العلم وعدم الانقطاع.
ثم لتكوين الملكة العلمية المناسبة.

هذه كلمات اقتضاها عدم مجيء أكثر الإخوة في هذا الدرس، ولعل أن يكون فيها بعض النفع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أمةالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-13, 10:29 PM   #5
محبة الصديقة
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 21-08-2012
المشاركات: 87
محبة الصديقة is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا
النية الصالحة في العلم سبب عظيم من أسباب الثبات عليه والاستمرار عليه.
أسال الله أن يرزقنا الاخلاص في السر والعلن
ونسـأل الله التوفيق والثبات .



توقيع محبة الصديقة
[SIZE="6"][COLOR="Teal"][SIZE="5"]ربِّ ابنِ لِي عندك بيتاً فِي الجنّة[/SIZE][/COLOR][/SIZE]
محبة الصديقة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-13, 02:45 AM   #6
ملاذي ربي
طالبة دورة أزاهير رَسم الحرف
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا
ولي عوده



توقيع ملاذي ربي
ملاذي ربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-13, 07:33 PM   #7
نور الهدى 1
طالبة دورة أزاهير رَسم الحرف
افتراضي

اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح.



توقيع نور الهدى 1
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك
نور الهدى 1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-13, 08:28 PM   #8
لؤلؤة الدعوة
| ربِّ ابنِ لِي عندك بيتاً فِي الجنّة |
افتراضي

كتب الله لكِ الأجر وأجزل لكِ الثّواب أختنا أمة الله ،
بورك فيكِ .



توقيع لؤلؤة الدعوة
لؤلؤة الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-13, 07:56 PM   #9
لمياء الجزائرية
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 23-10-2013
المشاركات: 18
لمياء الجزائرية is on a distinguished road
a جزاك الله خيرا

بوركت اخية وجزاك الله خيرا أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويثبتنا على طلب العلم والعمل به
لمياء الجزائرية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-10-13, 07:46 PM   #10
راجية طلب العلم
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 01-09-2013
المشاركات: 35
راجية طلب العلم is on a distinguished road
افتراضي


استمتعت بقراءة الموضوع واستفدت منه كثير
جعله الله في ميزان حسناتك أخية



توقيع راجية طلب العلم
[URL="http://madrasato-mohammed.com/"][CENTER][COLOR="Red"]اضغط هنا[/COLOR] مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم[/CENTER][/URL]
[URL="https://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&ved=0CC4QFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.houseofquran.com%2Farabic.html&ei=MPJ8UtNkjpKFB4j4gYgK&usg=AFQjCNH9QAcuj-T288TCIVr1eaOlILZpoA&bvm=bv.56146854,d.ZG4"][CENTER][COLOR="RoyalBlue"]اضغط هنا[/COLOR] افضل برنامج لتحفيظ القرآن كلمة كلمة[/CENTER][/URL]
راجية طلب العلم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM
الثبات على الطاعة ~ عائشة صقر روضة التزكية والرقائق 6 02-07-07 10:41 AM


الساعة الآن 05:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .