العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . الأقسام الدعوية والاجتماعية . ~ . > روضة الداعيات إلى الله > خواطر دعوية

الملاحظات


خواطر دعوية واحة للخواطر الدعوية من اجتهاد عضوات الملتقى أو نقلهن وفق منهج أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-05-13, 07:12 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
Icon60 (رحلة الإبتلاء ووصية مودع ) ادخلي ولن تندمي أبدا ..

رحلة الابتلاء ووصية مودع
.. أ. مريم الأحيدب تكتب مقالاً مميزاً لا يُنسى عن قصة عاشتها .. (وأنه هو أضحك وأبكى)
وفاة أختها التي ذاع خبر وفاتها في كافة الأرجاء.

( وأنه هو أضحك وأبكى )




كانت عيناي ترمق تلك الصغيرة التي لم يتجاوز عُمرها سبع ساعات، وتتأمّل قسمات وجهها، وتُبحر في ملامحها، كُنت أناغيها وأناجيها ببضع كلمات، ويُخيّل إليّ أنّها تسمعني وتُنصت لما أقُول ..!

إنّها (نورة) ابنة أخي ( علي ) التي استقبلتها الدنيا بعد رحيل أخيتي (نورة) بأربعة أيام ..

صِدقاً .. لا أجد ما يُمكن أن أصف به عُمق هذه اللحظة في نفسي، امتزجت خلالها دموع الفرح بدموع الفقد، حينما بسط شريط الذكريات أذرعه أمام ناظريّ، وحلّق بخيالي بعيداً بعيداً .. !

بأيّها أبدأ .. !!

تتزاحم المعاني، ويقف الحرف عاجزاً حائراً ، بأيّها يبدأ ..!

أيتحدّث عمّن شاطرتني عهد الصّبا ومَرابع الطُّفولة ؟ أم يتحدّث عن ( الأخت الصديقة ) ؟!


لم نكُن من أمٍّ واحدة، ولم يجمعنا بيتٌ واحد، لكن كان بيننا توأمة رُوحية مُلفتة، لازمتنا منذ الصغر، أفكارنا مُتقاربة، واهتماماتنا مُتشابهة، بل حتى أمنياتنا، كُنّا نخطّها معاً ونرسمها سويّاً، كبُرنا وكبُر معنا هذا الشُّعور، وازدادت العلاقة عُمقاً ورُسوخاً بعد أن تزوجنا وأنجبنا ونضجنا، كانت رغم كلّ المشاغل تخصُّني -رحمها الله- بمساحة لا يشاركني فيها أحد، أبثّ لها فيها هُمومي وشُجوني، في حنانٍ لافت وحَدَبٍ عجيب، كُنّا نشعر ببعضنا دون أن نتكلّم، كُنّا روحاً واحدة لكنّها تنبض في جسدين ..!

لن أطيل في وصف هذا الجانب، فلوّ سوّدت فيه الصفحات الطِوال لما كفاني، فما بيننا كان تاريخاً .. كان عُمُراً .. كان شيئاً أكبر من أن تخطّه الكلمات، أو تترجمه العبارات ..!

سأحكي هنا عن (نورة) التي أدهشت القاصي والدّاني، وذاع صيتها بعد وفاتها - رحمها الله- حتى أضحت حديث المجالس، ورأينا من تسابق النّاس إلى الصلاة عليها والدّعاء لها والترحّم عليها، من نعرف ومن لا نعرف، شيئاً يعجز عنه الوصف ..!

لعلي تأخرت.. بل أنا فعلاً تأخرت، وسبقني من هو خيرٌ منّي، وسطّر بحروفٍ من نور بعضاً من سيرتها العَطِرة، وكنتُ أؤمّل أنّ أكون أنا المُبادرة، لقُربها الحسّي والمعنوي منّي، ولشدّة تعلُّقي بها، لكن لم يكُن الحرف حينها مِطواعاً، ولا الخاطر مُسترسلاً .. !

نورة في سطور ..

هي الابنة الثالثة لوالدي والأولى لوالدتها - حفظهما الله-، وُلدت-رحمها الله- عام: 1396 هـ، وتزوجت في السادسة عشر من عُمرها، عاشت حياتها الزوجية في كنف بيتٍ فاضل، بين (والدة زوج) كالأمّ لها في حُنُوّها ولُطفها، و(والد زوج) كالأبّ لها في حَدَبه وعطفه، و(زوج) كان لنا نِعم الصِّهر -والله يشهد-، في وفائه، وفي رجولته، وفي كلّ مواقفه، نسأل الله العليّ العظيم أن يجزيه عنّا خيراً، وأن يجعل حُسن عشرته لأخيتنا، في عافيتها وحال سَقَمها في ميزان حسناته، وأن يُبارك له في عقبه، وأن يخلُف عليه بخير .. !

كانت -رحمها الله- تتمتّع بشخصية قوية، وعقليّة مُدبّرة، وذكاء مُتّقد، كانت ذات رأيٍ حصيف وبُعد نظرٍ وحكمة في اتخاذ القرار، مما جعلها مرجعاً في الاستشارة لدى كثيرٍ منّا، يُضاف إلى ذلك ما كانت تتحلّى به من حُسن المعشر، وطيب النفس، وسلامة الصدر، وجمّلت ذلك كلّه بالاستقامة على الشرع منذ نعومة أظفارها.

ذات شخصية اجتماعية، تألَف وتُؤلف، تختلط بالنَّاس، وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، مُقبلة على الحياة، تملأ المكان إذا حضرت، وتُفتقد إذا غابت، كسبت ببشاشتها وتودُّدها قُلوب من حولها .

تميّزت –رحمها الله- بحرصها الشّديد على برّ والدتها -حفظها الله- والعناية بشئونها وتفقّد أحوالها، وتلمُّس مواطن رضاها وإدخال السُّرور على قلبها، وامتدّت الرعاية لتشمل بعض إخوتي ممّن كان يصغرنا ببضعة أعوام، فأشرفت على تزويجهم، بدءاً باختيار الزوجات، وانتهاءً بتأثيث بيت الزوجية لكلٍّ منهم،كانت لهم أمّاً –بلا مُبالغة - .

كانت أغلى أمانيها -رحمها الله- أن تُتمّ حفظ القرآن كاملاً، لذلك التحقت قبل عدّة أعوام بدار للتحفيظ قريبة من بيتها، واجتازت العديد من الدورات، وقاربت على حفظ ثُلثي القرآن، لكنها انقطعت بسبب ظروفها الصحية .

كانت طيلة مدّة دراستها مضرب المثل في الجدّ والاجتهاد، ومحلّ حبّ وتقدير من الجميع، لدرجة أنّ الدّارسات رغم انقطاعها- لم ينسوها، فحضروا للصلاة عليها، وقابلني العديد منهم في الجامع، قالت لي إحداهن: (كانت توصينا رحمها الله- على الدّوام بأمرين، وتُؤكّد عليهما باستمرار، الأول: عدم هجر المصحف مهما كانت الأسباب، وأن لا يثنينا عن التلاوة تعّثُّرنا في القراءة أو التّعتعة، كانت تقول: اقرؤوا خطأ ولا تهجروا، ولا تخافوا فمع الوقت سينطلق اللسان وتتصحّح التلاوة، والأمر الثاني: الوتر، حذارِ من تركه، داوموا عليه وإن لم تُدركوا منه إلا ركعة ).

بعث لي زوجها بعد وفاتهارحمها الله- بشهادات اجتيازها للدَّورات، وشهادات الشكر التي حازتها من الدّار، وسطّر في مقدّمتها بخطّ يده هذه العبارات المؤثِّرة: ( أم بدر رحمها الله- كانت مثالية في الدار ومحبوبة بشكل مُنقطع النظير من قِبل معلماتها وإدارتها، وكانت جادّة في حفظ القرآن، وأوشكت على حفظ العشرين جزءاً تقريباً، وحال بين مسيرتها في الدّار وحفظها لكتاب الله كاملاً مرضها فتوقّفت مُجبرة، رحمها الله رحمة واسعة، وجعل القرآن الكريم شفيعاً لها، وحجّة لها ترتقي به في المنازل العُلى في الجنّة )..

كان أبو البدر- رفع الله قدره وأعلى منازله- من أشدّ النّاس معرفة بعُمق الرّابطة التي كانت تجمعني بأخيتي، فآثرني على نفسه وقدّمها لي كتذكار، ويعلم الله مبلغ فرحي وسروري بها، وحجم امتناني له بذلك، أسأل الله العظيم أنّ لا يحرمنا اللقاء بها في مستقرّ رحمته ودار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً ..!

رحلة الابتلاء ..

بدأت رحلة الابتلاء التي سطّرت فصولها - رحمها الله- ، وألهمتنا منها دروساً لا تُنسى منذ ثلاث سنوات، ولن أنسي مكالمتها لي عندما أخبرتني عن مخاوفها عندما كانت في مرحلة الشكّ، وبعد أن ظهرت النتيجة توقّعت أنّها سوف تُصدم، لكنها أخبرتني برباطة جأش وتسليمٍ تامّ أنّ النتائج الطبية شخّصت نوع الورم، وأنّه لابُد من الخضوع لجلسات العلاج وإجراء الجراحة في أسرع وقت.

قالت لي : ( الحمدلله يا مريم، يعني لابد أن نعيش طيبين على طول، الحمدلله عشت خمس وثلاثين سنة من عمري بكامل عافيتي، أنا الآن أحمل همّ أمّي فقط، أخاف يضيق صدرها، سأحاول أن أمهّد لها الموضوع -بإذن الله-، مع كلّ زيارة سأخبرها بطرفٍ منه، حتى تكتمل الصورة لديها بالتدريج ).

وبالفعل بعد أسابيع بشّرتني - رحمها الله- أنّها أدّت المهمة بنجاح، كانت تُبشّرني بذلك وكأنّها تُبشّرني بعافيتها، إنّه القلب البارّ الذي تحملينه بين جنبيك يا أخيتي، جعل الله -تعالى- الجنّة مثواكِ .. !

وبدأت رحلة العلاج، كُنّا نلحظ التوعُّك والتعب في وجهها، ونُدرك تماماً حجم معاناتها، لكن نحاول ألا نُظهر التأثر خضوعاً لرغبتها، كانت بعد كل جلسة بالعلاج الكيميائي تبقى طريحة الفراش لأيّام، وكلمّا سألتها : ( عساك ما تعبتي ؟! ) تجيبني : ( الحمدلله، أعراض طبيعية ) .

في أحد المرات زارتني ولمّا فتحت حقيبتها رأيتُ المصحف في داخلها، فبدأنا نتحدّث عن البلاء، وأنّه يُقرّب إلى الله، ويستحثّ العبد على التزوّد من العمل، فقلت لها: (لذلك، رُبّما كان في المحنة منحة)، ابتسمت وقالت: (بل رُبّما كانت المحنة كُلّها منحة) .. صدقت والذي نفسي بيده .. !

وبعد فترة علاج دامت قُرابة العام شُفيت (نورة) -بفضل الله-من المرض شفاءً تاماً، وبقيت صحيحة مُعافاة بعده لمدة عام، ثم عاودها -رحمها الله- في (الرئة اليسرى)، كتمت الأمر عن الجميع خشية أن يتسرَّب الخبر إلى ابنتها البكر التي كانت على وشك الزواج فتُعكّر عليها فرحتها..!

بدأت (نورة) - رحمها الله- رحلة العلاج من جديد بعد زفاف الابنة، وكانت هذه المرة رحلة مليئة بالصعوبات، فموقع الورم حسّاس، وعَودة المرض بعد الشّفاء منه نذير خطر، علماً أنّها استجابت للعِلاج في بداياته، وتقلّص حجم الوِرم بشكل ملحوظ، واستبشرالأطباء بذلك، لكن سرعان ما عاد للتضخّم بشكل مُفاجئ، وبدأ التدهور الصحّي يتزايد، والتعب والنُّحول يحفر أخاديده في ذلك الجسم الغضّ ..!

لبست ثياب السُّقم في صغر وقد *** ذاقت شراب الموت وهو مريرجاء الطبيب ضُحى وبشَّر بالشفا *** إن الطـبيب بـطــبِّـه مَـغـروروصَـف التجـرُّع وهو يزعـم أنه *** بالبُرءمنكلِّ السِّقــام بشــيرفتنـفَّـست للحُــزن قــائلـةً لـه *** عـجِّل ببُرئي حـيث أنت خبيروارحم شـبابي إن والدتي غـدت *** ثكـلى يُـشير لها الجَـوى وتُـشيروارأف بعين حُرمت طيب الكرى *** تَشكو السُّهاد وفي الجفون فتورلمـَّـا رأت يــأس الطبيب وعجزه *** قـالـت ودمـع المُقـلتين غـزيـرأمَّــاه قــد عــزَّ اللقــاء وفي غدٍ *** سـترين نعشي كالعـروس يسيروسينتهي المسعى إلى اللحد الذي *** هُـو مـنزلي وله الجُــموع تصـير
يتبع ....



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..



التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 31-05-13 الساعة 07:14 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه سمية بنت إبراهيم روضة التزكية والرقائق 8 31-03-09 11:13 PM
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه بشـرى روضة التزكية والرقائق 2 14-10-06 04:14 AM


الساعة الآن 09:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .