العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة مكتبة طالبة العلم > مكتبة طالبة العلم الصوتية

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-08-10, 09:47 PM   #1
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الحــــــــــــــــزن

بسمالله الرحمن الرحيم



قــلـــوب الصـــائــميـــن



لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الحــــــــــــــــزن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

أما بعد...فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ،



والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم : [ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم .



وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه ) ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين ( أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، إذ لا يليق بالمؤمن الحزن ، إذ أن المؤمن هو الأعلى الذي يرجو نصر ربه في الدنيا ، وهو الذي يؤمل رفعة الدرجة في الآخرة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق : [لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة ..



إن الشيطان يحرص على إيقاع الأحزان في قلوب أهل الإيمان ، كما ورد في الحديث ( لو، تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح الحزن والجزع ،وهذا يضر ولا ينفع ، قال الله تعالى ) إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشَيطَانِ لِيَحزَُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً الا بإذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل ِالمُؤمِنُون (.


ومن الرؤيا المنامية ما يكون تحزيناً من الشيطان كما ورد ذلك في الصحيحين .

والنهي عن الحزن .. لأن الحزن يُضعف القلب ، ويوهِن العزم ، ويضرّ بالإرادة .



فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه .



والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله .



إن المؤمن حريص على إبعاد الحزن عن قلبه ، ولذلك كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :[ اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن ] ، وفي الحديث :[ التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ] والتلبينة هي الحساء أو الشوربة من البرّ أو الشعير وربما وضع معهما شيء من العسل أو اللبن .



والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى ) حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون ( ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون] .

و الأولى بالعبد أن يسعى جهده في إزالة الحزن عنه ، فإن الحزن مضعف للقلب ، موهن للعزيمة ،لا يردّ من قضاء الله شيئا .



وإذا أصاب الحزن قلب المؤمن .. شكاه إلى ربه القادر على كل شيء ، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام ) إنّمَا أَشكُوا بَثي وَحُزنِي إلى اللهِ وَاعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُون ( .



ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه ) الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة ( ، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب ..



ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه ) فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون (.



إنّ الدار الخالية من الأحزان هي الجنّة ..كما قال تعالى ) الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعْضُهم لِبعض ٍعَدو الا المُتّقِين يَا عِبَادي لا خَوفٌ عَلَيكُم اليَومَ ولا أنتم تَحْزَنُون ( ، وقال تعالى عن أهل الجنّة ) وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الّذِي اَذهَبَ عَنّا الحَزَن إنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُور(، وقال ) إنَّ الّذِينَ قَالُوا رَبُنَا الله ثُمّ استَقَاموا تتنزّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَة الا تَخَافُوا ولا تَحزَنُوا وابشِرُوا بِالجَنّةِ الّتِي كُنتم تُوعَدون(..



ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى) قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن ( وقال ) ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم ( وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم ( وقال ) واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) ومَنْ كَفَرَ فَلا يَحزُنُكَ كُفرُه إليَنَا مَرجِعَهم فَنُنَبِئَهُم بِمَا عَمِلُوا إنّ اللهَ عليمٌ بِذاتِ الصُدُور( ، وقال ) فَلا يَحزُنُكَ قَولُهم إنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعلِنُون( وقال ) قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَا انظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِين ولا تَحزَن عَلَيهم وَلا تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَات( وقال ) لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ الا يَكُونُوا مُؤمِنِين(.

إنّ المؤمنين لا يحزنون إذا حصل انتصار مؤقت لأعدائهم عليهم ، فإن الآخرة خالصة لهم ، وإنّ العاقبة الحميدة في الدنيا تكون لهم ، وما حصل ذلك الانتصار لأعداء الإسلام ، الا لينقّي الله المؤمنين ويُصَفّيهم ، كما قال تعالى ) ولا تَهِنُوا وَلاَ تَحزَنُوا وَأنْثُمُ الأعَلَونَ إن كُنتم مُؤمِنِين* إن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقد مَسّ القَومَ قَرحٌ مِثلُه وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنكُم شُهَداء واللهُ لا يُحبُ الظَالِمِين* ولِيُمَحِّصَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَيَمحَقَ الكَافِرين* أم حَسِبتُم أنْ تَدخُلُوا الجَنَّة وَلَمّا يَعلَم ِاللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنكُم ويَعلَمَ الصَّابِرِين ( .



لم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم ..

أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-08-10, 09:54 PM   #2
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بســم اللــه الــرحــمــن الــرحــيـم
قــلــوب الصـائــميــن
فــضــيلـة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري
التـــفــاؤل
الحمد لله فارج الكُرُبات ..وأشهد أن لا إله الا الله مجيب الدعوات ..وأشهد أن محمد عبده ورسوله عليه أتم التسليم وأفضل الصلوات ، أما بعد ..
فإن من أعمال قلوب الصائمين ..التي يتقربون بها لله أن يتفاءلوا .. بحيث يتفاءل المرء بأن يغفر الله له في هذا الشهر الكريم ،شهر رمضان ، ويتفاءل بأن يستجاب له دعاءه ، ونتفاءل أيضا أن يمحّص الله ذنوبنا في شهر رمضان ،وأن يتقبل الله منا عباداتنا .

تأميل الناس في فضل الله عز وجل:
إذا أمّل الناس في فضل الله ، ورجوا إحسانه جلَّ وعلا عند كل سبب ضعيف أو قوي ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء ، فإن الرجاء خير لهم .

وإذا قطع العباد أملهم من الله ، وقطعوا رجاءهم من الله كان ذلك من أعظم الشرّ عندهم ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{قال الله ـ عزَّ وجل ـ أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء} وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{لا طيره وخيرها الفأل ، قالوا :وما الفأل ؟!قال :الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم}.
وفي الحديث { لا طيره ، وأحب الفأل الصالح }،وفي الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يعجبه إذا خرج لحاجه أن يسمع ( يا راشد ، يا نجيح )، وفي السنن من حديث بريده ،أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه فإذا أعجبه فرح به ورؤيا بشر ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤيا بشر ذلك في وجهه.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قيل له :{ منّا رجال يتطيرون ، فقال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنهم }..وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد ذكر أن سبعين ألفاً من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب ، وقد وصفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بأنهم لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون .

فقوله "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون ، فإذا نهي عن التشاؤم ، دل ذلك على مشروعية ضد الا وهو التفاؤل .

وليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك ، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، ومن حب الفطرة الإنسانية ، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها ، والله تعالى فد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه .
وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باِسم الفلاح والسلام ، والنجاح والتهنئة والبشرى ، والفوز والظفر ونحو ذلك ..

فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع ، استبشرت بها النفس.. وانشرح لها الصدر ..وقوي بها القلب ، وإنما كان صلّى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق.

أما التفاؤل ..فإنه حسن ظن بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال .
وإذا كان التفاؤل محبوباً محموداً عند الله ـ عزّ وجل ـ فإن الذي يقابله التشاؤم ، وهو من الأمور المذمومة ، ومن أمثلة ذلك ..أن يتشاءم الإنسان بالأعداد أو الطير أو المرضى ..وهذا من الأمور المحرمة في الشرع .
والتطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف ، وأما من لم يبالي به ولم يعبأ به شيئا فإنه لا يضره البتة .
والطيرة باب من أبواب الشرك .. ومن إلقاء الشيطان الوساوس في قلوب العباد، فهو من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ..ولهذا يعظم شأنه ويكبر عند من يكثر العناية به .
فمن تطير .. زاده التطير شرّاً وشؤما ، والمتطير متعب القلب .. منكّد الصدر .. كاسف البال .. سيء الخلق .. يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، فهو أشدّ الناس وجلا ، وأنكدهم عيشا ، وأضيقهم صدرا ، وأحزنهم قلبا .
كم حرم نفسه بذلك من حظ ، وكم منعها من رزق ، وكم قطع عليها من فائدة .
واعلم .. بأنه ليس شيء أضر بالرأي ، ولا أفسد بالتدبير من اعتقاد الطيرة ..
ومن ظن أن خوار بقرة .. أو نعيق غراب .. يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل .وفي السنن (الطيرة شرك) ، وفي المسند ( من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك ) .

وقد عاب الله تعالى على بعض الأمم السابقة التطير ، فقال سبحانه) وإن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِ اللهِ وإن تُصِبهُم سَيئة يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندك قُل كلٌّ مِن عِندِ الله فَمَا لِهَؤلاءِ القوم ِلا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ حَدِيثَا (وقال ) فَإذَا جَاءَتُهمُ الحَسَنَة َقالُوا لَنَا هذه وإن تُصِبهُم سَيئة يَطَيّرُوا بمُوسَى ومَن مَعَه ألا إنمَا طَائِرُهم عِند الله ولكنّ أكثَرَهُم لا يَعلَمُون) وقَومُ صَالح ٍقَالُوا اِطيّرنَا بِكَ وبِمَن مَعَك قَالَ طَائِرُكُم عِند الله بل أنتُم قَومٌ تُفتَنُون( فكان عاقبتهم سوء العاقبة دنيا وآخرة ،) وأصحَابُ القَرية ِقَالُوا إنّا تَطيّرنَا بِكم فَردَّ عَليهِم أنبَيَاءهُم قَالُوا طَائِركُم مَعَكم أئِن ذُكِّرتُم بَل أنتُم قَومٌ مُسرِفُون( .

وعلاج الطيرة يكون بحسن التوكل على الله ، والاعتماد عليه ، ومعرفة أنه لا يحدث شيئاً الا بتقدير الله وخلقه ،وأن القدر سابق على هذه الحادثة التي تشاءم منها .
خرج عمر ابن عبد العزيز في سفر فقيل له :{ القمر في الدّبران ، وكانوا يتشاءمون من ذلك ..فقال : إنّا لا نخرج بسمش ولا بقمر ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار }.

التطيّر ينافي التوكل .. ويدلّ على قلة العقل ، ويورث اضطراب النفس ، ويؤدي إلى الكسل وترك العمل ، وكثرة الفشل .

التطيّر ... سيء العاقبة دنيا وآخرة ..فيا أيها المؤمنون اجتنبوا التطيّر في جميع شؤونكم ، واتصفوا بصفة التفاؤل في كل أحوالكم ، والله جلَّ وعلا عند حسن ظن عبده به ، والله جلَّ وعلا قد عوّدكم الجميل ، وبين لكم أنه ينصر أولياءه المؤمنين ، فتفاءلوا بنصر الله تجدوه ...

هذا ... والله جلَّ وعلا أسأله أن يوفقنا وإياكم بخيري الدنيا والآخرة .. وأن يصلح أحوالنا جميعا .. وأن يردّنا إلى دينه ردّاً حميدا .. هذا والله أعلم .

وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-10, 08:15 PM   #3
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسـم اللـه الرحمـن الرحـيـم



قــــلــــوب الصــــائـــمــين



فـضـيــلــة الشــيـخ سعــد بـن نـاصــر الشثري


الـــرضــــــا



أما بعد ...
فإن من الأعمال العظيمة الفائدة ،الكبيرة الأثر ،العميمة الثمرة ،الواسعة النفع ،أن يرضى العباد بقضاء الله ، وأن ترضى القلوب بأمر الله ونهيه ، بحيث تكون القلوب مبتهجة بذلك كله ..راضية به ، فترضى بقضاء الله ، وترضى بأوامر الله ،إذا جاء أمر من أوامر الله أو نهي من نواهيه ، رضيت القلوب بذلك ..



الرضا :سرور القلب بأوامر الله وأقداره ولو كانت مؤلمة ..



الرضا :عدم الجزع مما قضاه الله وقدّره ، فأهل الإيمان يرضون عن الله ، ويرضون بأحكام الله ، فيُسلّمون لها تمام التسليم ، ولا يوجد في قلوبهم أي اعتراض عليها ، سواءً كانت من الأحكام الشرعية أو الأحكام القدرية .



رضا العبد عن الله.. أن لا يكره ما يجري به قضاءه ، وأن لا يسخط شيئاً من أوامره ، كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم ( اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ) ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : { ذاق طعم الإيمان ،}وقال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه } ،وفي سنن ابن ماجه { ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا الا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة فهذه الأحاديث عليها مدار عظيم من مقامات الدين ، وإليها ينتهي منزلة عالية من منزلة هذه الشريعة ، فقد تضمنت هذه الأحاديث الرضا بربوبية الله جلَّ وعلا وألوهيته سبحانه ، وتضمنت أيضا الرضا برسول الله صلّى الله عليه وسلم والانقياد له ، وتضمنت أيضا الرضا بدين الله مع التسليم له ،ومن اجتمعت له هذه الأمور ، فهو الصدّيق حقّا ، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا



فالرضا بإلوهية الله يتضمن:



الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجاءه ، والإنابة إليه ،، مع امتداد قوى القلب كلها لله وحده ،، ولا يحب الا لله ، وذلك فعل الراضي كل الرضا بمحبوبه ، وهذا يتضمن عبادة الله والإخلاص له وحده والتبتل إليه سبحانه بحيث لا يريد العبد الا الله ..



وأما الرضا بربوبية الله فيتضمن الرضا بتدبيره لعبده ..



ويتضمن أن العبد يرضى بكل ما قدّره الله عليه ، ولو كان من المصائب ، ويتضمن إفراد الله بالتوكّل عليه ، وبالاستعانة به ،، وأن يكون المرء راضيا ً بكل ما يفعله الله به ، فالنوع الأول يتضمن رضا العبد بما يؤمر به، والنوع الثاني يتضمن رضا العبد بما يقدّره الله عليه والثقة به والاعتماد عليه.



وأما الرضا بنبيه رسولا ..



فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقّى الهدى الا من مواقع كلماته صلّى الله عليه وسلم ،ولا يحاكم الا إليه وإلى كتاب ربه ، ولا يحّكم غيره ،ولا يكون راضيا ً بحكم غيره ، لا في شيء من أحكامه الظاهرة أو الباطنة ، فإن عجز عن العثور على حكمه ، كان تحكيمه لغيره من باب الاضطرار كالمضطر لا يجد طعاما ً الا الميتة والدم .



وأما الرضا بدين الله ..


فإذا قال شرع الله سلّم له ، ورضي به ، أو حكم الله أو أمر أو نهى .. رضي كل الرضا بذلك ، ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه ، وسلّم له تسليما ولو كان مخالفا ً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلّده أو شيخه أو طائفته، وثمرة الرضا بذلك .. الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى .



من كمال عبودية العبد..



علمه بأن وقوع البلّية عليه من تقدير المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بك يا أيها العبد منك بنفسك ،فيوجب له ذلك الرضا بالله والشكر له على تدبيره ولو كان مكروها ً له ..قال تعالى ) قُل لَن يُصِيبَنَا الا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعلَََى اللهِ فَليَتوكّلِ المُؤمِنُون( أي هو متولي أمورنا الدينية و الدنيوية ، ولذلك فهو لا يقدّر لنا الا ما كان أحسن لنا ، فعلينا الرضا بأقداره .



عدم رضا القلب .. يوجب قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمّه ، ومن ارتقى إلى الرضا في المصائب ، علم أن الرضا جنّة الدنيا ، ومستراح العابدين ، وباب الله الأعظم ، ورأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ، ودينه ، وقربه إلى الله ، وتكفير سيئاته ،ومما يجعله يصدّ عن ذنوب تدعوا إليها شياطين الإنس والجن ، قال الله تعالى ) هذا يَومُ يَنفَعُ الصَادِقينَ صِدقهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجِرِي مِن تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ اللهُ عَنهُم ورَضُوا عنه ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( وقال )والسَابِقُونَ الأَوّلُونَ مِن المُهَاجِرِينَ و الأنصَار والّذينَ اتّبَعُوهُم بإحسَان ٍرَضِيَ اللهُ عَنهُم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( ، وقال) إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاَت أولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّة جَزَاءُهُم عِندَ رَبّهِم جَنَّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار خَالدِِين فِيهَا أبَدا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنه ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبّه( .



إن الصبر والإكثار من الصلوات والأذكار ، يجعل العبد يشعر بالرضا ، قال تعالى) فاصبر عَلَى مَا يَقُولُون وَسَبّح بِحَمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلُوع ِالشَمس وَقبل غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ الليلِ فَسَبّح وَأطرَاف النّهَار لَعَلّكَ تَرضَى كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى و الا فاصبروفي حديث علي :{ إن الله يقضي بالقضاء ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط قال الربيع ابن أنس:{علامة الشكر ، الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه}.



وليعلم العبد بأنّ دعاءه لله وتضرعه بين يديه ،لا ينافي الرضا ، وأن بذله للأسباب التي تكشف ما يكرهه ، ليس مما ينافي الرضا ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بقدر الله وأمره .. هذا والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-10, 08:20 PM   #4
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



سلسلــة قلوب الصائمين

لفضيلة الشيخ: سعد بن ناصر الشثري

======================

القناعـــة



الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

أما بعد ، أسأله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رُزق القناعة في كل شأنه ..إن من عبادات القلوب التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم عبادة القناعة.



القناعة: أن يقنع الإنسان بما قدر له الله من الرزق، والقناعة رضا العبد بالمقسوم من الأرزاق مع عدم تطلع القلب إلى غير ما في يدي صاحبة ..القناعة نعمة عظيمة ينعمها الله على بعض عباده ، فتهنأ نفوسهم وترتاح قلوبهم وقد بشّرت الحياة الطيبة بقوله تعالى ) فَلَنُحِييَنَّهُ حَيَاةً طَيبَةً ( بالقناعة والرضا والرزق الحسن .

إن كثرة مال المرء لا تعني غناه ولا سعادته، وإنما الغنى في القناعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ] .متفق عليه.



ومن أسباب القناعة عدم تطلع الإنسان إلى من فضّله الله عليه في أمور الدنيا وإنما يطالع من كان أقل منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ] وبذلك يحصل للمرء القناعة و الرضا بما رزقه الله فيكون من أهل العفاف،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ومن يستعفف يعفّه الله ومن يستغني يغنه الله] متفق عليه.



إن القناعة كما يحصل بها راحة البال وهدوء النفس.. يحصل بها الفلاح والنجاح دنياً وآخرة، في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه] ،عند ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنّعه الله به] ،وفي الحديث الاخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من أصبح معافىً في بدنه آمناً في سربه، عنده قوت يومه وليلته،فكأنما حيزت له الدنيا].



عند ترك الإنسان للقناعة تنشأ الخصومات الجالبة للسوء في الدنيا والآخرة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم] فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة ، بسبب حبها وشدّة الحرص عليها والمنافسة فيها والجزع من أجلها،فما أشنع آثار ترك القناعة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص الرجل على المال والشرف لدينه ] .



كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يجعله من أهل القناعة، فقد ورد أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين ( ربي قنعّني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليا كل غائبةٍ بخير..).



القناعة لا تعني أن يرد العبد ما يصل إليه من أرزاق الله أو من الهدايا والهبات..ولكن القناعة عدم تطلع العبد إلى ما لم يقّدره الله له وعدم حزنه على فوات بعض الأرزاق عليه..



فمن كان كذلك فما أعظم بركة الله عليه، جاء في حديث حكيم ابن حزام قال:[ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع ].

قال سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه : { يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة ، فإنها مال لا ينفذ ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وعليك باليأس ،فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه.}.



ولن يترك المرء القناعة إلا لأحد أمرين

إما حرص وجشع وإما لخفة ومهانة وإضاعة ...



إن القناعة لا تعني أن يترك الإنسان سبل الاكتساب ، أو أن لا يبذل المرء الأسباب لتحصيل الأرزاق، فذلك ليس من القناعة في شيء ، بل هذا من الكسل وعدم القيام بما رغب الله فيه من الاتّجار ، قال أنس رضي الله عنه : [ أربع من الشقاء .. جمود العين ، و قساوة القلب ، وطول الأمل ،والحرص .] :[] ولذا قيل القناعة كنز لا يفنى ..وأطيب العيش القناعة . فإن الحرص والجشع مما يضاد القناعة .. قال ابن القيم الحرص هو الكَلَبُ على الدنيا رأس كل خطيئة، وأصل كل بلية، وأساس كل رزيّة



قال بعضهم : أول ذنب عصي الله به نتج من الحرص والكبر والحسد ، فالحرص من آدم و الكبر من إبليس والحسد من قابيل ..



وقال ابن القيم عن سوء الخاتمة :[ لسوء الخاتمة أسباب أعظمها الانكباب على الدنيا وطلبها ،والحرص عليها والإعراض عن الآخرة ..] .



إن القناعة تجعل العبد يؤدي حقوق الله المالية ، بل تجعله ينفق في الطاعات من غير الواجبات ، فيعظم بذلك أجره ويخلف الله عليه ما أنفقه ،فإن الله قد وعد المنفقين بالخلف)وَمَا أَنْفَقَُتم مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفه وَهُوَ خَيرُ الرّازِقِين(وفي الحديث القدسي (يا ابن آدم أنفق أُنفِقُ عليك}،وفي الحديث النبوي :[ ما من صباح ٍإلا ويُنادي فيه مُنادِيان يقول أحَدهما اللهم أعطي مُنفقاً خلفا ويقول الأخر اللهم أعطي مُمسِكاً تَلَفا ] .

ومما يعين العبد على تحصيل القناعة .. العلم بأن الأرزاق بيد الله كما قال سبحانه )يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِّن عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ (



ومما يعين على ذلك أن يعلم العبد أن الله قد تكفّل بإيصال الأرزاق إلى العباد ،وتكفّل بإيصال ما قُدّر لكل عبد إليه كما قال سبحانه ) وما منْ دَابّةٍ في الأَرضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزقُها( وفي الحديث :[ إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ].



إن الحرص ينقص من قدر المرء عند الله وعند الخلق ، إن الحرص لا يستجلب رزقا ولا يؤثّر في قضاء الله وفي الخبر[ لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزق له ، فأجملوا في الطلب ، خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم ].



إن الحرص مؤثّرٌ سلباً على قلب المرءِ وتصوراته، فإنه يمنعه من تمام العلم وكمال التصور، فالحرص يمنع من الاستمتاع بنعم الله والقناعة تورث الطمأنينة القلب وانشراح الصدر، بينما الجشع يورث قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمه .

إن ترك القناعة يؤدي إلى الشح والبخل والظلم وهي أفعال مذمومة شرعا ، فإن أصل الشح شدّة الحرص فيتولد عنه البخل والظلم ، قال تعالى )ومنْ يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ( ، أباح الله لبني إسرائيل الصيد في جميع أيام الأسبوع إلا يوم السبت ، فلم يدعهم حرصهم وجشعهم حتى تعدّوا إلى الصيد فيه ، فعاقبهم الله بالحرمان التام مع تحويلهم قردة وخنازير ، ولذا فيترك المرء مجالسة أهل الحرص على الدنيا لعله يسلم مما هم فيه .



أسأل الله جل ّ وعلا أن يرزقنا وإياكم القناعة وان يبعد عنا الحرص و الجشع ، هذا والله أعلم ..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-10, 08:26 PM   #5
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



سلسلــة قلوب الصائمين

لفضيلة الشيخ: سعد ابن ناصر الشثري

======================

اليــقيــــــن



الحمد لله على نعمة الإيمان و اليقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله صدقاً نجزم به جزم اليقين ، والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ...

أما بعد ...فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى باريها جلّ وعلا أن تحصِّل اليقين وتبتعد عن الشبهات .

واليقين طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه ، وضد اليقين الريب و الشك الذي يتضمن الاضطراب وكثرة الحركة ..

واليقين مبني على علم ٍ للقلب وجزم ٍ منه مع عمل القلب بذلك الجزم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : {خير ما ألقي في القلوب اليقين }وقال :{ اليقين الإيمان كله }.

وعلامة اليقين وفائدته أن صاحبه إذا وردت عليه شبهه أو حصلت له فتنة وابتلاء ، فإنه يثبت ولا ينجرف معها ولا يتبع كل ناعق ، قال الحسن: { باليقين طُلبت الجنة ، وباليقين هُرب من النار ، وباليقين أُدّيت الفرائض ، وباليقين صُبر على الحق }.

اليقين مع الصبر من أسباب نيل الإمامة في الدين ، كما قال تعالى ) وَجَعلنا مِنهم أَئِمّةً يَهدُونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنَا يُوقِنُون ( ، وانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله تعالى )( .. الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَا اخْشَوهم فَزَادَهم إيماناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ وَنعمَ الوَكِيل

أهل اليقين هم الّذين يستفيدون من الآيات ويتفكرون فيها ، كما قال سبحانه ) وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنين ( جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك }، فالدعاء من أسباب تحصيل اليقين ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: {اللهم أرزقني من اليقين ما تُهّون به عليّ مصائب الدنيا } ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ سلوا الله العافية و اليقين فإن اليقين نعمة من الله }، قال بعض العارفين : [ اليقين واردات ترد على النفوس ، تعجز النفوس عن ردها ] ...

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب ، طلب العلم الشرعي مع الاهتداء بالكتاب والسنة ، قال سبحانه : )ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيه هُدىً لِلمُتقين ( وقال جلّ وعلا) يُفصِّلُ الآياتِ لَعلََّكم بِلِقاءِ رَبِكم تُوقِنون ( ..

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يعمل المرء بما لديه من العلم ، كما قال سبحانه ) قَد جَاءَكم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين يهدي به اللهُ مَن اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ( ..

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يتفكّر العبد في آيات الله الكونية ، وأن يعرف أنها من الله وأن ينظر إلى ما فيها من العجائب ، قال تعالى ) سنُرِيهِم آياتِنا فِي الآفاق ِوفي أَنفُسِهِم حَتى يتبيّنَ لَهم أَنّهُ الحقََّ أو لم يكفي بِرَبِكَ أَنّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ شَهِيد ( .

إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتخفف العبد من الذنوب ، بتركها قبل فعلها أو بالاستغفار والتوبة منها بعد حصولها ، وقد ورد في الحديث { أن للقلوب صدأ ً كصدأ النحاس وجلاءها الاستغفار} .

ومن أسباب تحصيل اليقين .. أن يعرف المرء عادة الله جلّ وعلا في نصر أولياءه المؤمنين ، وإنزال العقوبة بأعداءه المجرمين ، قال تعالى ) وكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُسُلِ مَا نُثَبِتُ به فُؤَادَك ( .

إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتأمل المرء في عجز الأمم عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، قال تعالى ) وَإِن كُنْتُم فِي رَيبٍ مِمّا نَزّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورةٍ مِن مِثلِه ( ، إن الإقبال على المعاصي والاستجابة لمضلّات الفتن من أسباب زوال اليقين كما في الحديث : { تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتةٌ بيضاء ، حتى تصير على قلبين.. قلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات و الأرض ، والآخر أسود مربادا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه } .

إن عدم التزام الإنسان بما أمر الله به من فعل الطاعات من أسباب زوال اليقين ، قال تعالى ) فَأَعَقَبَهم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إلى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدوه وبِمَا كَانُوا يكذِبُون ( ، إن لدى أهل الإسلام من اليقين ما ليس لغيرهم ، ولدى أهل السنة من اليقين ما ليس لأهل البدع ، ولدى علماء أهل السنة من اليقين ما ليس لعوامّهم ، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد .

وليحذر الإنسان من أن يعاقبه الله تعالى فيزيل اليقين من قلبه ، فإن الله قادر على ذلك كما قال سبحانه ) فَإِن يشَاءِ اللهُ يَختِمُ عَلَى قَلبِك ( ، وقال ) وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المرءِ وَقَلبهِ ( ، وقال )( وَكَذَلِكَ يَطبَعُ اللهَُ علَى قلوبِ المُعتَدين

وقال ) وَكَذَلِكَ نَسلُكُهُ في قُلُوبِ المُجرِمِين لا يُؤمِنُونَ به حَتى يَرَوا العَذَابَ الأليم (.

لقد سمع الله قول أولئك الّذين ضعف يقينهم بسبب ما حصل لديهم من المرض مرض القلب ، ووصفهم بقوله (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَا ) ، فترى اّلذين في قلوبهم مرض يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ..

إن عدم اليقين من أسباب دخول جنهم ، قال الله تعالى حاكياً عمن دخل النار (وَمَا نَحنُ بِمُستَيقِنِين ) ، إن مما يجعل بعض الناس لا يوقن بوعد الله الصادق .. تلك الأماني الكاذبة ، والدعاوي الباطلة التي تغرّ الإنسان وتجعله يغفل عن المطالب القطعية والمسائل اليقينية ، قال تعالى ) يَا أَيُّها الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّك الكَرِيم ( ، وقال سبحانه ) أَمّن هَذَا الذِي يَنصُرُكم مِن دُونِ الرّحمَنِ إنِ الكَافِرُونَ الا في غُرُور ( ، قال ابن مسعود : { كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار بالله جهلا } .

ومما يبعد اليقين ..الغرور بالدنيا ، بحيث تخدع الأمور الدنيوية الإنسان ، فيظن أنها المقصود الأساسي ، فيغفل عن الآخرة ، قال تعالى )الّذِينَ اتَخَذوا دِينَهم لَهُواً وَلَعِبَا وَغرّتُهُمُ الحَياةِ الدُنيا فَاليومَ ننسَاهم كَما نَسُوا لِقَاءَ يَومِهِم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنا يَجحَدُون ( ، وقال ) وَذَرِ اللذين اتْخَذُوا دِينَهُم لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرّّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ( ، وقال ) يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ وَعدَ اللهِ حق فلا تَغُرَّنَكمُ الحياةُ الدنيا ولا يغُرّنَّكم بِاللهِ الغَرور (.

إن مما يصد عن اليقين.. الغرور بوعود الشيطان الكاذبة، قال تعالى) وَمَا يَعِدهُمُ الشَيطَانُ الا غُرُورا ( ، ومن ذلك أن يغترّ بعض الناس بما أعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا ، قال تعالى )لا يغُرّنَّكَ تَقلُّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي البلاد متاعٌ قليل ثُمَّ مَأواهم جهَنّم و بئس المهاد( ، وقال) مَا يُجَادِلُ فِي آياتِ اللهِ الا الّذِينَ كَفَروا فَلا يَغرُركَ تَقلُّبِهِم فِي البلادِ(،

وممّا يصد عن اليقين..
الاغترار بالدعاوى الزائفة التي تطلقها جماعات مبطلة ، يحاولون نشر أكاذيبهم وأباطيلهم ليوهموا الناس وليُموِّهوا على الناس ، قال تعالى ) وَكَذَلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبيٍ عَدُواً شَياطِينَ الإنسِ والجنِ يُوحِي بَعضَهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورا وَلو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهم وَمَا يَفتَرُون( ، وقال سبحانه ) ذَلِكَ بِأَنّهم قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ الا أيَّامَاً مَعْدُودَات وَغَرَّهُم في دِينِهِم مَا كَانُوا يفتَرُون (، وقال ) بَل إن يَعدُ الظَالِمُونَ بَعضُهم بَعضَاً الا غُرُورَا (.

ومما يصد عن اليقين.. اغترار الإنسان بما أعطاه الله من نعم ، وغفلته عن قدرة الله على إزالتها )( وقال ) وَقَالوا نَحنُ أكثَرُ أموالاً وَأولاداً وَمَا نَحنُ بِمُعذَّبِين ( ، اسمع قول الله تعالى ) وَيِِلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة الّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَا يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخلَدَه كلاَ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَة ( .. فَأَمَّا عَادٌ فَاستَكْبَرُوا فِي الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوة أَوَلمْ يَرَوا أنَّ اللهَ الذِي خَلَقَهم هَوَ أشَدُّ مِنهم قُوة وَكَانوا بِآياتِنَا يَجحَدُون

أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين .. اللهم برّد قلوبنا باليقين ..هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....



طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-10, 09:32 PM   #6
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسـم اللـه الـرحـمـن الـرحـيـم


قــلـــوب الصـــائــميـــن


لفــضيـلــة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري


الاعـتـراف بـفـضـل الـلـه ونـعـمـه


الحمد لله المنعم المتفضل .. أنعم علينا فأجزل ..وأعطانا فأكثر..ما أعظم منّة الله علينا ، وما أكثر فضائله الواصلة إلينا ، ومن أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم ..


أما بعد ..
فإن من أعمال القلوب الاعتراف بفضل الله ونعمه , وخصوصاً بما أنعمه الله علينا في شهر رمضان ، من إنزال كتابه ، ومن تعظيم الأجر والثواب على الأعمال فيه ، ومن وجود ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .


وقد ذكّرنا الله بنعمه في مواطن عديدة من كتابه ، كما قال سبحانه) ألَم تَرَوا أنّ اللهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرض وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَه( وقال) الّذي جَعَلَ لَكُم الأرضَ فِرَاشَا ًوالسَمَاء ِِبِناَءَ وأنزَلَ مِنَ السمَاء ِمَاءً فَأخرَجَ به منَ الثَمَرَاتِ رزقَاً لَكُم ( .


وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه ، فقال سبحانه ) يا أيُّهَا النّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم( وقال) واذكُرُوا نِعمَةَ الله ِعَلَََيكُم ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَاقَكُم بِه ِإذ قُلتُم سَمِعنَا وأطَعنَا ( ، فأمر الله المؤمنينبتذكر نعمه الدينية والدنيوية ، ومنذلك تذكر هذه النعم بالقلوب ، وبذلك يزول أعجاب الإنسان بنفسه ، ويعرف أن ما عنده من النعم فإنه فضل من الله جلَّ وعلا .


ومن نعم الله العظيمة .. التي أنعم بها علينا أن جعلنا من أهل الإسلام والقرآن ، فلابد أن يعرف القلب ذلك ، وأن يفرح به ، قال تعالى) يا أيَّهَا النّاسُ قَد جَاءَتُكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُدُور وهُدَىً ورَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين قُل بِفَضل ِاللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون ( .


وأعظم ذلك .. نعمة التوحيد ، بإفراد الله بالعبادة ، وعدم صرف شيء منها لغير الله ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام )مَا كَانَ لَنَا أن نُشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء ذَلِكَ مِن فَضلِ الله ِعَلَينَا وعَلَى النّاس ولَكنَّ أكثَرَ النَّاس ِلا يَشكُرُون ( .


وقد كرر الله في كتابه التذكير بأن الله وحده :هو الذي ينفرد بجلب النعم ، ودفع النقم .. ومن عرف أن النعم كلها الظاهرة والباطنه ، القليلة والكثيرة إنما يتفضل الله بها وحده ، وأنه ما من نعمة الا منه ، ولا من نقمة ولا شدّة ولا كربة الا والله هو المنفرد بدفعها ، وان الخلق لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم جلب نعمة ولا دفع نقمة .


من عرف ذلك .. كان من عبّاد الله ـ جلَّ وعلا ـ بقلبه ، قال تعالى) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرّ فَلا كَاشِفَ لَهُ الا هُوَ وإن يُرِدكَ بخَير ٍفَلا رَادّ لِفَضلِه يُصِيبُ بهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادهِ وهُوَ الغَفُورُ الرّحِيم ( وقال) مَا يَفتَح ِالله لِلنّاسِ مِن رَحمَةٍ فلا مُمُسِكَ لَهَا وَ مَا يُمسِك فَلا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِه ( وقال ) ومَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله ( .


والمؤمن معترف بأن الله هو الذي أوجده من العدم ، وأمدّه بأسباب الحياة ، وواصل عليه النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوّاه وجعله رجلاً كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة ، وبذلك يسّر له من الأسباب ، وهيّأ له من نعم الدنيا ،ولم يحصل ذلك بقوة العبد ولا بقدرته ولا بحيلته ، بل حصل بنعمة من الله وفضل ، قال تعالى ) وأمّا بِنعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث( أي فليتحدّث القلب واللسان بنعم الله تعالى ، وقال) وَذَكِّرهُم بأيّامَ الله( قال ابن عبّاس :{ بنعم الله }.



وجاءت النصوص تحذّر من الاغترار بنعم الله .. وإمهال الله للعبد ، قال تعالى) ولَئِن أَذقنَاهُ نَعمَاءَ بَعدَ ضَرّاءَ مَسّته لَيقُولَنَّ ذَهَبَ السَيئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور ( وقال) وإذَا أنعَمنَا عَلَى الإنسَانِ أعرَضَ ونَاءَا بجَانِبه( وقال) واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ
مُختَالٍ فَخُور( أي متكبر معجب بنفسه ،فخور بنعم الله ينسبها إلى نفسه وــــــــــــــــ وتلهيه تلك النعم .



كما أن العبد يحذر من إضافة نعم الله إلى من كان سبب فيها ، لأن السبب لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يستقلّ بإيجاد تلك النعم ، قال الله تعالى) يَعرِفُونَ نِعمَة َالله ِثُمّ يُنكِرُونَهَا (فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله ، فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره ، فإن الذي يقول هذا .. جاحد لنعمة الله عليه ، غير معترف بها . فهو كالأبرص والأقرع اللذَين ذكرهما الملك بنعم الله عليهما فأنكراها وقالا :{ إنما ورثنا هذا كابرا ًعن كابر }.


وكون النعم موروثة عن الآباء ، أبلغ في إنعام الله عليهم ، إذ أنعم بها على آبائهم ، ثم أورثهم إياها ،فتمتعوا هم وآباءهم بنعم الله .


إن اعتراف القلب بفضل الله .. يكسب رضا الله ومحبته ، اعتراف القلب بفضل الله .. من أسباب حفظ النعمة وزيادتها وعدم زوالها ، فيحسن أن تعالج القلوب غير الشاكرة بأن تعرف وتعرّف بأن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم ترجع ، قال الفضيل ابن عياض :{ عليكم بملازمة الشكر على النعم ، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم }.


والنعم كالحيوانات الوحشية ..لا يمكن تقييدها الا بالشكر ..


إن اعتراف القلب بأن النعم من الله ..يوجب تعلق القلب بالله ..ومحبته له ، والتأله له وحده لا شريك له . إن اعتراف القلب بنعم الله ركن من أركان شكر نعم الله ، وفي الخبر من أسديت إليه نعمه ، فذكرها فقد شكرها ، ومن سترها فقد كفرها .

وقد أمر الله بشكر النعم فقال) فَاذكُرُونِي أذكُركُم واشكُرُوا لِي و لا تكفُرُون ( وقال) لَعَلّكُم تَشكُرُون(،


إن عدم اعتراف القلب بنعمة الله على العبد ، سبب من أسباب نزول العقوبات الدنيوية ، قال تعالى) فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكِرُوا به ِفَتَحنَا عَليهِم أبوابَ كلّ شَيءٍ حَتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذنَاهُم بَغتَة فَإذَا هُم مُبلِسُون فَقُطِعَ دَابِرَ القَومِ الّذينَ ظَلَمُوا والحَمدُ لله ِرَبِّ العَالَمِين( .


اعتراف القلب بنعم الله يكون على الإجمال بمعرفة أن جميع النعم من الله ، واعتراف القلب بنعم الله يكون بالاعتراف بما حضر في القلب من نعم الله بأنها تفضل منه سبحانه .لأن القلب لا يتمكن من الإحاطة بنعم الله لأن نعم الله كثيرة وأقسامها واسعة عظيمة ، وقدرات العباد قاصرة عن الإحاطة بمبادي نعم الله فضلاً عن غاياتها وكمالها ، كما قال تعالى )وإن تَعُدّوا نِعمَةَ الله ِلاَ تُحصُوهَا ( فيدل هذا على أن العباد لا يعرفون نعم الله على سبيل التمام و الكمال ، وإذا كان كذلك فلن يتمكّنوا من الاعتراف بجميع تلك النعم ، وهذا يدل على أن طاعة العبد وشكره لن يوازي نعم الله على العبد .


ولينظر الإنسان في بدنه .. كم من جزء لا يعرف الإنسان نعمة الله عليه فيه الا إذا ظهر فيه أدنى خلل يجعله يتنغّص في عيشه ، ويتمنى إنفاق جميع الدنيا لإزالة ذلك الخلل ، مع أن الله تعالى يدبر أحوال الإنسان على الوجه الأكمل الأصلح ، ومع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ، ولا بكيفية جلب مصالحه ، ولا كيفية دفع مفاسده .


ومن أسباب جعل العبد يعترف بنعم الله عليه .. أن يتفكّر في أحوال أولئك الّذين سلبت نعم الله منهم ، من المرضى والفقراء وأهل المعاصي ، وكيف أن الله ـ جلَّ وعلا ـ تفضّل على العبد فلم يجعله مماثلا ً لهؤلاء الّذين سلبت منهم نعم الله ـ جلَّ وعلا .


ولذلك على العباد أن يعترفوا بأن الخيرات والنعم الواصلة إليهم هي فضل من الله جلَّ وعلا وأنه سبحانه هو المتكرّم بها ، وأنها لم تحصل بسبب من العبد ، وأنها لم تحصل بفعل العبد ، وإنما حصلت بكرم من رب العزّة والجلال ..


أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه .. المعترفين بها .. ممن كانت قلوبهم تضيف تلك النعم إلى الله وحده .

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-10, 09:35 PM   #7
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بـسـم الـله الـرحـمـن الـرحــيــم


قـلـوب الصـائـمـيــن


فـضـيـلـة الشـيـخ سـعــد ابن نـاصـر الشـثــري

التـسـليـم للـنـصـوص الشـرعــيـة



الحمد لله الّذي أنزل كتابه ليكون حجة على العالمين .. فمن آمن به وسلّم له ، و انقاد لأمره ، كان من الناجين المفلحين ، ومن عارضه ولم يستجيب له ، كان من المستحقين للعقوبات الشديدة دنيا وآخرة ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ..المذعن لأمر ربّه ..
أما بعد ..فإن من أعظم أعمال القلوب أجراً وثوابا .. التسليم للنصوص الشرعية ، وعدم معارضتها ، وليكن من أسهل الأمور على العبد ..أن لا يقبل قلبه ما يخالف الكتاب والسنّة ، سواءً كان رأياً له أو قولاً لغيره .


قال الإمام الشافعي : { أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، لم يحلَّ له أن يدعها لقول أحد } .


وقال عمر ابن عبد العزيز :{ لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم }


وقال ابن عبّاس :{ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبوبكر وعمر }.
وهناك نقولات عديدة عن كثير من السلف الصالح ، تؤكد على التشديد فيما إذا ترك المرء النصوص الشرعية ، وعارضها بالرأي أو بتقليد الرجال ، ومن هنا فإنه يجب على كل مؤمن أن ينقاد لما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن يستسلم له ، وأن يُذعن له ، فلا يعارض النصوص الشرعية بما يسمّى المعقولات ، كما يقوله بعض المتكلمين ، الّذين يجهلون حقيقة بعض الأمور ثم يزعمون أن العقل يدّل على نفيها .


وكذلك لا يعارض المؤمن النصوص الشرعية بالأقيسة الفاسدة ، ولا يعارض النصوص بما يقع في النفس أنه أمر الله كما يفعله بعض المتصوفة ، ولا يعارض النصوص الشرعية بما يزعم بعضهم أنه السياسة وإصلاح أحوال العامّة كما يفعله بعض أصحاب الولايات .
فإن أعلى درجات السياسة .. وأعلى ما يصلح أحوال الخلق .. هو اتباع النصوص الشرعية ، فإذا ورد عليك دليل شرعي أيها المؤمن فسلّم له ، ولا تتهم الدليل ولا تصادمه بعقل ولا بقياس ، ولا بسياسة . ومتى عرض لك شيء من ذلك ،فأتهم فهمك ، ولتعرف بأن السبب منك .


وكذلك يجب على المؤمن .. أن يقدم النصوص الشرعية على أراء الرجال ، بحيث لا تخالف يا أيها المؤمن أي نص شرعي لا بباطنك ولا بظاهرك ، لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ، لا بفعلك ولا بحالك ، قال الله تعالى ) ومَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَة ٍإذَا قَضَى اللهُ ورَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَ َلهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم ( وقال سبحانه ) إنَّمَا كَانَ قَولُ المُؤمِنِينَ إذَا دُعُوا إلى اللهِ ورَسُوُلِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأطَعنَا ( وقال سبحانه ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِم حَرَجَاً مِمَّا قَضَيت ويُسَلّمُوا تَسلِيمَا ( وقال جلَّ وعلا )اتّبِعُوا مَا أُنزِلَ إليكُم مِن رَبِّكُم ولا َتتبِعُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء قَلِيِلاًَ مَا تَذَكّرُون(وقال جلَّ وعلا ) وَقَد آتَينَاكَ مِن لَدُنّا ذِكرَا * مَن أعرَضَ عَنهُ فَإنّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرَا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ حِملَا ( .


إن النصوص الشرعية .. قد احتوت على المعاني العظيمة ، والمصالح الكبيرة .. لكن إذا لم يذعن العبد لها فلن يعرف مقدارها ، ولن تتضح له معانيها ، ولن يفتح الله قلبه لفهم أسرارها ، قال تعالى ) ومَن أعرَضَ عَن ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَة ًضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَة ِأعمَى ( .
تلى الإمام أحمد قوله سبحانه ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِه أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (فقال : { أتدري ما الفتنة ؟َ! الفتنة الشرك .. لعلّه إذا رد بعض قوله ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلك }.


إن ترك التسليم للنصوص الشرعية وعدم اعتقاد ما تضمنته :، إنما ينشئ من اتباع الهوى وطاعة الشيطان ، وذلك من أسباب الضلال .. اسمع الله تعالى يقول ) واتلُوا عَلَيهِم نَبَأَ الّذي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلخَ مِنهَا فَأتبَعَهُ الشَيطَان فَكَانَ مِن الغَاوِين وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكّنَّهُ أخلَدَ إلى الأرضِ وَاتّبعَ هَوَاه فَمَثَلُهُ كَمثَلِ الكَلب إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكَهُ يَلهَث ( وقال الله جلَّ وعلا)وأنِ احكُم بَينَهُم بِمَا أنزَلَ الله ولا تتَبِع أهوَاءَهُم وَاحذَرهُم أن يَفتِنُوكَ عَن بَعض ِمَا أنزَلَ اللهُ إليك فَإن تَوَّلوا فَاعلَم أنّمَا يُريدُ اللهِ أن يُصِيبَهُم بِبعضِ ذُنُوبِهِم وإن كَثِيرَاً مِن النّاسِ لَفَاسِقُون أفَحُكمَ الجَاهِليةِ يَبغُون ومن أحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمَا ً لِقَوم يُوقِنُون( وقال سبحانه) ثم ّجَعَلنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِن الأمر فَا اتّبِعهَا ولا تتبَع أهَواءِ الّذينَ لا يَعلمُون ( .


صاحب الهوى .. يعميه الهوى و يصمّه ، فلا يستحضر ما لله ولا ما لرسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، فليس قصده أن يكون الدين كله لله وان تكون كلمة الله هي العليا .. بل قصده الحميّة لنفسه أو طائفته ، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه ، أو لغرض من الدنيا ، فلم يكن لله غضبه ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله . وجميع المعاصي تنشئ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله .


إن ترك النصوص مع اتباع الهوى من أنواع الضلال ، كما قال جلَّ وعلا ) وإنَّ كَثِيرَاً ليُضِلّونَ بِأهوَائِهمِ بِغَيرِ علمٍ إنَّ رَبّكَ هُوَ أعلمُ بالمُعتَدِين( وكما قال ) ومِن أضلُّ مِمّنِ اتّبعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدَىً مِنَ اللهِ إنّ الله لا يَهدِي القَومَ الظَالِمِين ( وقال) أفَرَأيتَ مَن اتخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلّهُ الله عَلَى عِلم وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوة فَمَن يَهدِيهِ من بَعدِ اللهِ أفَلا تَذكّرُون (.
جاء في حديث أبي برزة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :{ إنّ مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم و مضلّات الهوى } وفي حديث أنس :{ ثلاث مهلكات :شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه }.


موسم رمضان .. من أحسن المواسم لربط القلوب بالقرآن والسنّة ، قال تعالى) شَهرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرآن (، وكان النبي صلّى اللُه عليه وسلّم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان ، فإن قيل ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان ، قال العيني :{ ذلك لتجديد العهد واليقين }.

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....

التعديل الأخير تم بواسطة طالبة الرضوان ; 11-08-10 الساعة 09:40 PM
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-10, 09:38 PM   #8
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري


التـــوكــــــــــل





الحمد لله رب العالمين .. ينعم على عباده ، يصرف شؤونهم .. نحمده سبحانه ونشكره ونثني عليه بما هو أهله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ..



أما بعد ..فإن من عبادات القلب التي يعظم أجرها ، ويكثر ثوابها ، حسن التوكل على الله ..



والمراد بالتوكل على الله ، صدق اعتماد القلب على الله ـ عزَّ وجل ـ باستجلاب المصالح ودفع المظالم من أمور الدنيا والآخرة ، مع تفويض الأمور إلى الله ، وتحقيق الإيمان بأنه النافع الضار ، لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع أحد سواه ، مع فعل الأسباب .



فالتوكل على الله .. هو الثقة بما عند الله ، الثقة بما وعد الله به ، والتوكل يكون المؤمن في جميع أعماله عليه ، وفي جميع شؤون حياته متوكل على الله ، ومن أمثلة ذلك :



إذا هم الإنسان بأداء عمل بتحقيق هدف معين , توكل على الله في تحقيق تلك الأهداف ، قال سبحانه) وشَاورهُم فِي الأمرِ فَإذَا عَزمتَ فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِلِين (.

وعند تكالب الأعداء على المسلم ، يتوكل المسلم على ربه في دفع شرورهم مع بذل الأسباب في ذلك ، فينجيه الله تعالى من شرورهم ، قال تعالى ) واللهُ يَكتُبُ مَا يُبيّتُون فَأعرِض عَنهُم وتَوَكّل علَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا( وقال ) قُل لَن يُصِيبَنَا إلا ما كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّلِ المُؤمِنُون ( وقال ) ومَاَلَنَا ألّا نَتَوكّلَ عَلَى اللهِ وقَد هَدَانَا سُبُلُنَا و لَنَصّبِرَنَّ عَلَى مَا آذِيتُمُونَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل المُتَوَكّلُون (.

وعند إعراض المدعوين عمّا تدعوهم إليه من الخير والفضيلة ، توكل على الله ، قال تعالى ) فَإن عَصَوكَ فَقُل إنّي بَرِيءٌ مِمّا تَعمَلُون وَتَوكّل عَلَى العَزيزِ الرَحِيم ( وقال ) فَإن تَولّوَا فَقُل حَسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلاّ هُو عَلَيهِ تَوكّلتُ وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيم (.



وعند مقابلة العدو في القتال ، وحصول القتال ، يشرع تذكر أن النصر من عند الله ، ويشرع التوكل على الله لينصر الله دينه ، ويعلي كلمته ، قال تعالى) إن يَنصُرُكُم الله فَلا غَالِبَ لَكُم وإن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الّذِي يَنصُرُكُم من بَعدِه وَعَلَى اللهِ فَليتَوكّلِ المُؤمِنُون( .



وعند حلول المصائب ، يتوكل المؤمن على ربه ، فينجيه الله منها ، قال تعالى)والّذينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لنُبَوِءَنَّهُم في الدُنيا حَسَنَةً ولَأجرُ الآخِرَةِ أكبَر لَو كَانُوا يَعلَمُون الّذينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .



وعند التنازع والاختلاف ، يتوكل المؤمن على ربه ، ويعود إلى كتابه العزيز ، قال تعالى )ومَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إلى اللهِ ذَلِكُم ُالله رَبِّي عَلَيهِ تَوَكّلت وإليهِ أُنِيب ( ، فتتوكل أيها المؤمن على الله ، أن يعينك على طاعته ، وأن ييسر لك أمر دنياك وآخرتك ، وأن يهديك لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وتتوكل على الله في دفع شرور الأعداء ، وكبت ما يريدونه بك من سوء .



ومن فوائد التوكل على الله .. أن التوكل من أسباب محبة الله للعبد ، قال تعالى ) فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوكِّلِين ( والتوكل سبب لنعيم الآخرة ) ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأبقَىَ لِلّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .

ومن فوائد التوكل ، طرد الشياطين عن المؤمن المتوكل ، قال تعالى) فَإذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللهِ مِن الشَيطَان ِالرَّجِيِم إنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُون إنَّمَا سُلطَانَهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ والّذِينَ هُم بِه مُشرِكُون (، وفي الحديث قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ،لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : هديت وكفيت ووقيت ، فتتنحّى عنه الشياطين ، فيقول شيطان لآخر : كيف لك برجل قد هُديَ وكُفيَ ووقي }.



ومن فوائد التوكل ،أنه من أسباب الرزق ، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتروحوا بطانا} ، وقال :{ من نزلت به فاقه ، فأنزلها بالله ، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل }.

ومن فوائد التوكل .. راحة البال ، وطمأنينة النفس ، وهداآت القلب .



ومن فوائد التوكل ..عصمة العبد من معاصي الله ، والتوكل من أسباب دخول الجنّة بلا حساب ولا عذاب مع السبعين ألفا .



ومن فوائد التوكل .. وقاية الله لعبده المتوكل من مصائب الدنيا والآخرة ، قال تعالى)الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إيمَانَا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيل فانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضل لَم يَمسَسهُم سُوء وَاتبَعُوا رِضوَان اللهِ واللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيِم ( ، وقال الرجل المؤمن من آل فرعون) وأُفَوّضُ أمرِي إلىَ اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَاد فَوَقَاهُ اللهُ سَيئَاتِ مَا مَكَرُوا (.



وتتعدّد الأسباب التي تجعل المؤمن يتوكل على ربه .. ومن ذلك .. أن الأمور كلها بيد الله ، فهو سبحانه الذي يتصرف في خلقه بما يشاء ، قال تعالى) وللهِ غَيبُ السَمَاواتِ والأرضِ وإليهِ يَرجَعُ الأمرَ كُلّهُ فَاعبُدهُ وتَوكّلَ عَلَيه ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُون ( وقال ) إنِّي تَوَكّلتُ عَلَى اللهِ رَبِّي ورَبِّكُم مَا مِن دَابَّةٍ إلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتَهَا إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيِم (.



ومن أسباب التوكل ، أن الله مطلع على أحوال الخلق ،لا يخفى عليه شيء منها ، قال تعالى ) وتَوَكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيم الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَاجِدِين (.



والمؤمن الذي يكون على الحق ، ينتظر معونة الله فيتوكل عليه) فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إنّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِين (.



إن الله جلَّ وعلا وعد من توكل عليه بأن يكفيه ، قال تعالى ) ولا تُطِع ِالكَافِرِينَ والمُنَافِقِينَ ودَع أذَاهُم وتَوَكّل عَلَى اللهِ وكَفَىَ باللهِ وَكِيلا ( وقال )ومَن يَتَوَكّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُه إنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِه قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرَا (.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ} ، وفي حديث أبو موسى الأشعري المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن "لا حول ولا قوة الا بالله " هي كنز من كنوز الجنّة ( والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع ) وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله ، ومعلوم أنه لا يكون شيء إلا بمشية الله وقدرته ، وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه الله فيهم . فإذا انقطع القلب للمعونة منهم ، وطلبها من الله وحده ، فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو ) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُو وإن يُرِدكَ بِخَير ٍفَلا رَادَّ لِفَضلِه (.



وقد حصر الله المؤمنين في المتوكلين ) إنَّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وإذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادتُهُم إيمَانَاً وعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( مما يدل على أن المؤمن إنما يتوكل على الله وحده ، وهذا معنى قوله ( ألّا تتخذوا من دوني وكيلا ) ، روى ابن ماجه في إسناده [ أن من قلب ابن آدم بكل وادٍ شعبة ، فمن اتبع قلبه الشعب كلها ، لم يبالي الله بأي وادٍ أهلكه . ومن توكل على الله كفاه التشعب ] قال العز ابن عبد السلام :{ التوكل ناشئ عن معرفة تفرّد الرب بالضر والنفع ، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز والإذلال ، والإكثار والإقلال }.



ومما يدخل في مفهوم التوكل على الله ..إحسان الظن به سبحانه ، وانتظار الفرج ، وفعل الأسباب .


وأعظم أنواع التوكل .. التوكل على الله في جلب الهداية ونشر الدين وثبات الإيمان .


فتوكل على الله أيها المؤمن ، في أن يعينك على الصيام ، وتوكل عليه بأن يحفظ صيامك من المعاصي والآثام ، وتوكل عليه في أن يقبل صيامك وتؤجر عليه .


وتوكل عليه في أن يهيّئ لك من الطاعات في شهر رمضان ما يرضي ربك عنك ، وتوكل على الله في جميع شأنك .

والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-10, 09:42 PM   #9
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بــســم الــلــه الــرحــمــن الــرحـــيــــم


قــــلــــوب الصـــائـــمــــيـــن

فــضــيلــة الشــيــخ ســعــد بــن نــاصــر الشــثــري



الخـــــــشــــــيــــة



أحمده جلَّ وعلا ونخشاه ... ونصلّي ونسلّم على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم ..أما بعد..

فإن من أعمال القلوب الخشية ، وهي من أعظم الأعمال أجرا ، وأكثرها ثوابا ، والخشية أخص من الخوف .


إذ الخشية خوف مقرون بعلم وتعظيم ، وقد أمر الله جلَّ وعلا المؤمنين أن لا يخشوا أحدا ًمن الخلق كائناً من كان ، وأن لا يخشوا أحداً من دون الله ، كما قال سبحانه ) اليَومَ يئسَ الّذينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلا تَخشَوهُم واخشَوَني ِ( ، وقال جلَّ وعلا ) فَلا تَخشَوا النَّاسَ واخشَوَنِي ( ،وقال تَخشَوَنَهُم فالله ُأحقُّ أن تَخشَوهُ إن كُنتُم مُؤمِنِين ( ، وقال ) والله ُأحقُّ أن تَخشَاه ( ، وقال سبحانه ) الّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أحَدَا ً الا الله وَكَفَى بالله ِحَسِيبَا ( .

جاء في سنن ابن ماجه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :{ لا يحقر أحدكم نفسه . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟! قال : يرى أمراً لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عزّ وجلّ له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا .. فيقول خشية الناس ، فيقول الله فإياي كنت أحق أن تخشى .}.

إن الخشية من الله .. هي شأن الأنبياء عليهم السلام ،
وفي مقدّمتهم نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم الذي قال :{إن الخشية شأن العلماء} ، كما قال سبحانه ) إنّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَاده ِالعُلَمَاء ( يعني إن الذي يخشى الله حق الخشية هم الّذين عرفوا الله ، فعرفوا الله بذاته ، وعرفوا شرعه وأمره ، والمراد بهذه الآية علماء الشريعة ، وقد وصف الله أولي الألباب بأنهم يخشون الله ، كما قال سبحانه )والذينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَل ويَخشَونَ رَبّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب(.


إن الخشية من الله .. شأن الملائكة الذين قال الله عنهم )وَهُم مِن خَشيَتِه ِمُشفِقُون( ، الخشية من الله .. شأن أهل التقوى ، كما قال سبحانه )وذِكرَى للِمُتقِين الّذينَ يَخشَونَ رَبّهم بالغَيبِ وَهُم مِنَ السّاعَةِ مُشفِقُون(.



ما أعظم أجر أهل الخشية .. أسمع الله تعالى يقول في ذلك) وَمَن يُطِعِ ِاللهَ وَرَسُولَه وَيَخشَىَ الله ويتقهِ فَأولَئكَ هُمُ الفَائِزُون( ، ويقول سبحانه) إنَّ الّذِينَ يَخشَوَنَ رَبَّهم بِالغَيبِ لَهم مَغفِرة ٌوأَجرٌ كَبِير( ، وقال جل وعلا)جَزَاؤُهُم عِندَ رَبّهِم جَنّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنّهَار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ الله ُعَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ لِمَن خَشيَ رَبّه(، وقال سبحانه)وَأُزلِفَت ِالجَنّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ * مَن خَشِيَ الرّحمَنَ بِالغيب ِوَجَاءَ بِقَلب ٍمُنيِب* أدخُلُوهَا بِسَلام ذَلِكَ يَومُ الخُلُود* لَهُم مَا يَشَاءُون فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيد ( ، وفي الحديث { عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله }، وفي الحديث الآخر { لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع }..


ومن أسباب الخشية .. تدبر القرآن ، وتأمل معانيه ، قال تعالى )مَا أنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى* الا تَذكِرَة ًلِمَن يَخشَى( .


من أسباب حصول خشية الله تعالى في القلب .. أن يتأمل المرء، قصص الأمم السابقة التي عذبها الله ، وأنزل بها النكال بعد ما كانوا فيه من قوة وعزة ، قال تعالى عن فرعون ) فَأخَذَه ُالله ُنَكَالَ الآخِرَةِ والأولَى * إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرةً لِمَن يَخشَى(.

من أسباب حصول الخشية لله تعالى في القلب .. أن يتذكر المؤمن الموت ، وما بعده من الأهوال العظيمة يوم قيام الساعة ، و تذكر مصير الناس إلى جنة أو نار ، قال تعالى عن الساعة ) إنَّمَا أنتَ مُنذِرُ مَن يَخشَاهَا (.


من أسباب تحصيل الخشية في قلب العبد.. أن يتضرع المرء بين يدي الله وأن يدعه سبحانه من أجل أن ينيله خشيته ، وكان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة )، ومن دعاءه صلّى الله عليه وسلم : ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ) .


مستفيد مما يلقى من الخير والذكر، قال تعالى ) فذكّر إن نَفَعَتِ الذِكرَى*سيذَّكَّرُ مَن يَخشَى ( ، وقال ) إنما تُنذِرُ الّذينَ يخشَونَ رَبّهُم بالغَيب وأقَامُوا الصّلاة (، وقال سبحانه ) إنما تُنذِرُ مَن اتّبعَ الذِّكرَ وَخَشيَ الرّحمَنَ بِالغَيب فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَة ٍ وأجر ٍ كريم ( ، قال عمر رضي الله عنه : { لا أمين الا من خشي الله } وقال { شاور في أمرك ، الّذين يخشون الله }، وقال ابن مسعود : {ليس العلم من كثرة الحديث ، ولكن العلم من الخشية }،وقال الحسن { إن المؤمن ،جمع إيمانا ً وخشية، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنا}، وقال مسروق :{ كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلا ً أن يُعجب بعمله }.


أسأل الله جلَّ وعلا أن ينزل خشيته في قلوبنا وقلوبكم ، وأن يجعلنا ممن يخشاه جلَّ وعلا في ليله ونهاره ، وفي سائر أوقاته وجميع أحواله ، اللهم يا حي يا قيوم اغفر لنا ذنوبنا ،وزلّاتنا وإسرافنا ، وتجاوز لنا عن خطايانا .. اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك ، هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....



طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-10, 04:19 PM   #10
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بـســــم اللـــــه الــرحــمـــن الـرحــيـــم


قــــلــوب الصـــــــــائــمـيـــن


النـــــــــــــــــدم


الحمد لله قابل توبة التائبين .. يغفر الذنوب جميعا .. ويتجاوز عن النادمين .. والصلاة والسلام على من يُحفظ له في المجلس الواحد سبعين مرة (أستغفر الله وأتوب إليه ) ..

أما بعـــــــــد ...

فإن من أعمال القلوب التي يعظم أجرها .. الندم على ما حصل من الذنوب ..

والنــدمركن التوبة ومبدأها ، وفي السنن بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ النــدم تـــــــوبة } ولا خلاف بين أهل العلم أن التوبة من الذنب لا تصح إلا بالندم على فعله ، والنــدم على المعاصي لا يكون توبة ولا قربة إلا إذا كان ندما ًلله ، فمن نــدم على فعل المعصية لما فيها من ضرر دنيوي أو مرض لم يكن تائبا ..

والنــدم يتضمن اعتقادا ًوجزما ، ويتضمن إرادة ً ورغبة ، ويتضمن ألما ًوحسرة ، فإن القلب إذا استشعر أنه فعل ما يضرّه حصل له معرفة ًواعتقاد بأن ما فعله كان من السيئات ، وحصل له كراهية ًلذلك الفعل ، وهذا من باب الإرادات ، ومن حصل له أذى وغم لإقدامه على معصية ربّه ، فالندم يتضمن ثلاثة أشياء :

أولها :اعتقاد قبح ما نــدم عليه .

وثانيها : بغضه وكراهته .

وثالثها :الألم الذي يلحقه بسبب ارتكابه للذنب .

إن النــدمقد يكون بسبب فعل العبد للمعاصي والسيئات ، وقد يكون بسبب فعل العبد للمكروهات ، والنـدم قد يكون بسبب ترك العبد للواجبات ، وقد يكون بتضييع الإنسان لوقته وعدم فعله للمندوبات ، وكذلك قد يكون النــدم بسبب ما حصل على العبد من اعتقادات باطلات .

قال ابن مفلح :[ التوبة هي النــدم على ما مضى من المعاصي والذنوب ، والعزم على تركها دائما ًلله عزّ وجل لا لأجل نفع الدنيا أو زوال أذى] ..

قال الحسن البصري في تفسير التوبة النصوح :[ هي نــدم بالقلب .. واستغفار باللسان ..وترك بالجوارح .. وإضمار ألا يعود] .

إن النــدم على ما كان من الذنوب والمعاصي له أســباب وثــمرات .. فمن ذلك :

أن الله تعالى غفور رحيم ، يغفر الزلّات ويعفو عن الخطيئات ، ويتجاوز عن أهل النــدم ، فمن استشعر ذلك أقدم على التوبة والنــدم فغفر الله ذنبه ، قال تعالى )واعَلَمُوا أنَّ الله يَعلَمُ مَا في أنفُسِكُم فَاحذَرُوُه واعلَمُوا أنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيم (وقال تعالى ) وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحمَةِ ( وقال ) ألَم يَعلَمُوا أنَّ اللهَ هُوَ يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادهِ ( وقال ) وَهُوَ الّذِي يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُوا عَنِ السَّيّئاتِ ويَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ ( .

إن النـدم والتوبة شأن عباد الله الصالحين ، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول ) وتُب عَلَينَا إنّكَ أنتَ التَّوّابَ الَّرحِيم (وموسى يقول ) سُبحَانَكَ تُبتُ إلَيكَ وَأنَا أوَّلُ المُؤمِنِينَ ( وهكذا كتاب الله مليء من ذكر كلام أنبياء الله في تقديم التوبة بين يدي الله ..

أن التوبة سبب لمحبة الله للعبد التائب .. قال تعالى ) إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابين ( إن التوبة طريق الفلاح والنجاح كما قال سبحانه ) وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعَا ًأيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعلّكُم تُفلِحُون ( .

إن التوبة إلى الله والنــدم على المعاصي... سبب لصفاء القلب ، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إنّ العبد إذا أخطئ نُكت في قلبه نُكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه ، وإن عاد زِيدَ فيه حتى تعلو قلبه } وهو الران الذي ذكر الله ) كَلّا بَل رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُون ( ..

النــدم على الذنوب .. سبب لمغفرتها كما قال سبحانه ) قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أسرَفُوا عَلَىَ أنفُسِهِم لا تَقنَطُوُا مِن رَّحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغفِرَ الذُنُوبَ جَمِيعَا ًإنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم (، وقد حكا جماعة من العلماء الإجماع على أن هذه الآية في التائبين ، وقال تعالى) ثم إنَّ رَبَّكَ للذِينَ عَمَلَوا السُوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعَدَ ذَلِكَ وأصلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيم ( وقال )وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَا ًثُمَّ اهتَدَى ( .

إن النــدم على المعصية الذي يعقبه عمل صالح .. يكون سبب لتبديل السيئات لتكون حسنات ، كما قال تعالى عن أهل المعاصي )إلّا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا ًصَالِحَا فَأولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيّئَاتِهِم حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُورَا ًرَحِيمَا( .

النــدم على المعصية ينتج كثرة الاستغفار الذي يكون سببا ًلخيري الدنيا والآخرة قال تعالى ) وإنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِعّكُم مَتَاعَا ًحَسَنَاً ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه ( .

النــدم على المعصية .. سبب لمحبة الله للعبد وفرحه به وإقباله عليه ، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم :{ لله أفرح بتوبة أحدكم ممن ضلّ عنه بعيره وفي فلاة ، وقد آيس منه ، ثم أقبل عليه }.

النــدم والتوبة والاستغفار من أسباب طيب الحياة الدنيا ومن أسباب تفضّل الله على العبد بالنعم في هذه الدنيا قبل الآخرة ، كما قال سبحانه ) وأنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِّعُكُم مَتَاعَا ًحَسَنَا ًإلى أجَلٍ مُسَمَّى ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه ( .

يا من فاته الفوز في سباق الطاعات .. لا تفوتنّك ساعات النــدم في التوبة فما أعظم أثرها على النفس ، وما أكثر ثوابها عند الرب ..

إن من فضل الله على العباد أنه سبحانه يدعوهم إلى النــدم والتوبة ليُثيبهم ويأجُرهم ، ويمحو عنهم ذنوبهم وزلّاتهم ، فهل من عاقل يستجيب لدعوة الله ؟!! جاء في الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ قال الله عز وجل : يا ابن آدم .. لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي } بل اسمع لما رواه الإمام مسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ والذي نفسي بيده.. لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم } .

علامة صـــدق النــدم على ما مضى من الذنوب ..شدّة تحفّظ العبد فيما بقي من عمره مع مواظبته لأنواع الطاعات بالجد والاجتهاد ، وكون العبد يرى أن ما يُؤديه من الطاعة قليل ، وأن ما يُنعم الله به عليه كثير ، مع رقة قلبه وصفاءه وطهارته ، وكثرة بكاءه وحزنه ، وتفويض الأمر إلى الله تعالى ..

فيا أيُّها المؤمنون .. شهر كريم .. شهر موسم للطاعات .. فالله الله .. انــدموا على ما حصل منكم من السيئات واعزموا على عدم العودة إليها ، فإن هذا الموسم مما يجعل المرء يستشعر فضل التوبة إلى الله ، ويجعله يقلع عن معاصي الله ، ويجعل الشياطين لا تتمكن من إيصال الوساوس إلى قلبه لأنها تُصفّد في شهـر رمـضــــان ..

فاستعملوا هذا الشهر في التوبة إلى الله جلّ وعلا ، والنــدم على ما حصل منكم من الذنوب ..

أسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا ولكم .. وأن يهدينا وإيّاكم للتوبـــــــــة النصـــــــــــوح .. هذا والله أعلم ..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وماذا بعد رمضان ؟؟ رقية مبارك بوداني روضة الفقه وأصوله 4 20-08-13 08:16 AM


الساعة الآن 06:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .