العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة التزكية وآداب الطلب > روضة آداب طلب العلم

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-08, 08:33 PM   #1
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
Lightbulb مفاتيح طلب العلم !

بسم الله الرحمن الرحيم

مفاتيح طلب العلم

الشيخ/ عبد الكريم الخضير ـ حفظه الله تعالى ـ



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ففي هذه الليلة المباركة، وفي هذا المكان المبارك، في بيت من بيوت الله نجتمع لنتدارس شيئاً مما لعله أن ينفعنا في طريقنا ومشوارنا الطويل في طلب العلم.

وأخونا الشيخ المقدم الشيخ علي -حفظه الله- حكم على أمور لم يتصورها بعد، وحكم بجودتها ولما يسمعها، وهذا إحسانُ ظنٍ منه، أرجو أن أكون عند حسن ظنه.

وهذا المكان الطيب المبارك يحمل اسم علم يعد من المجددين في التعليم، حيث بذل عمره في تحصيل العلم وتعليمه، وبسطه للطلاب، فالشيخ محمد -رحمة الله عليه- ابن صالح العثيمين الذي سمي باسمه هذا المسجد، في تقديري أنه ذلل العلم لسالكيه ولطالبيه، ذلل الطريق لسالكيه، وسهل العلم لطالبيه، كثيرٌ من طلاب العلم المتوسطين لا يجرؤون على قراءة بعض الكتب كزاد المستقنع حتى ذلله -رحمة الله عليه- بطريقته وأسلوبه وبسطه وإيضاحه.

ومثل هذا لا يتأتى من فراغ، فالتصوير الصحيح الدقيق الواضح البين لا يتم إلا بعد تصور صحيح دقيق،

الذي لا يتصور المسائل على وجهها لا يستطيع أن يصورها لغيره على وجهها، ففي هذا المكان الطيب المبارك نجتمع مع ثلة من طلاب العلم، لنبين لهم، وقد سمعوا من غيرنا الشيء الكثير في هذا الباب، وما نقوله إلا ما هو شيء مكرر مما سمعوه من غيرنا، وبعضه ألقيناه في مناسبات متعددة، وأشرطة مدلولة، لكن من الإخوان من لم يسمع مثل هذا الكلام.

تعريف مفاتيح العلم:

المفاتيح والمفاتح -كما هو معلوم- جمع مفتاح، كالمساند والمسانيد والمراسل والمراسيل، تقال بالياء وبدونها، وهي عند أهل العربية يسمونها صيغة منتهى الجموع، بالياء وبدونها، والذي في القرآن من ذلك بالياء أو بدون الياء؟ {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ} [(59) سورة الأنعام] على كل حال الجمع بالياء -كما فعل الإخوان- سائغ، وهو الشائع، وهو جمع مفتاح، والمفتاح هو وسيلة الوصول إلى الشيء، فالذي يريد الدخول إلى المكان المحكم المغلق بدون مفتاح لن يدخل، والأصل فيه المحسوس الذي في الجيوب، وأطلق على المفتاح المعنوي من باب الحقيقة الشرعية والعرفية، وليس مجاز كما يقول بعضهم، وأعظم مفتاح يملكه الإنسان مفتاح الجنة "لا إله إلا الله"، هذا هو المفتاح الذي يدخل به الجنة، لكن المفتاح لا بد له من أسنان، فإذا جاء الإنسان بمفتاح ليس له أسنان لن يدخل؛ لأنه لن يفتح ولن ينفع، فالمفاتيح والمفاتح هي الطرق الموصلة إلى المراد.

والعلم يطلق لإزاء الجهل، وهذا هو المقصود، كما أنه يطلق قسيماً للظن والشك والوهم، وليس مراداً هنا، إنما يريد هنا ما يقابل الجهل.

فضل العلم:

والعلم رفعة، رفعة منزلة في الدنيا والآخرة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] والجهل ضعة، وكل واحد يطلب لنفسه الرفعة، ويرفع عنها الضعة، يطلب رفعتها بالعلم ويرفع عنها هذه الضعة، وهذا الوصف الذميم بالمثابرة والجد والاجتهاد في تحصيل العلم.

مفاتيح العلم:

العلم له مفاتح ومفاتيح، منها المفاتح الغريزية التي ليس للإنسان فيها يد، مفاتح غريزية، وهذه يتفاوت فيها الناس، ولا اعتراض، كالفهم والحفظ، هم متفاوتون في هذين الوصفين، ولا بد من الفهم والحفظ لتحصيل العلم الشرعي.

فالفهم وحده لا يكفي، والحفظ وحده لا يكفي، الفهم لا بد منه ((من يريد الله به خيراً يفقهه في الدين)) بحيث يفهم عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- مراده، وهذا هو الأصل في الفقه الفهم، {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [(28) سورة طـه] يعني يفهموه، إذاً لا بد من الفهم، كما أنه لا بد من الحفظ، العلم الشرعي لا يقوم إلا على حفظ، ويغالط نفسه ويكابر من يعتمد على حد زعمه على الفهم دون الحفظ، العلم: قال الله، قال رسوله، كيف يفهم كلام الله ولما يحفظه؟!.

نعم أهل العلم يقسمون العلم إلى ما حصوله بالفعل، وإلى ما حصوله بالقوة القريبة من الفعل، من أعطاه الله الحافظة ومنحه هذه الخصلة لا بد أن يكون عالماً بالفعل، بأن تكون النصوص في ذهنه، بحيث يعتمد عليها اعتماداً كلياً ويستنبط منها، ومن لا تسعفه الحافظة يكون من القسم الثاني وهو العالم أو الفقيه كما يقولون بالقوة القريبة من الفعل، يعني يحرص على فهم كلام أهل العلم ويحفظ ما يستطيع، يبذل جهده ويستفرغ وسعه على حفظ ما يستطيع، والذي لا يستطيع لا........

العلم حفظ وفهم:

فلا علم بدون فهم؛ لأن الاعتماد على الحفظ وحده دون فهم يصدق فيه ما يردده بعض الناس من قولهم لإزاء من يحفظ: زاد في البلد نسخة، يعني كون البلد فيها نسخ كثيرة من هذا الكتاب، وهذا يحفظ هذا الكتاب ولا يعاني فهمه هذا بمثابة زيادة نسخة، وهذه العبارة وإن كان أصلها ومنشأها سببه التقليل من شأن الحفظ، وقد راجا قبل نصف قرن من الزمان الدعايات ضد الحفظ، حتى قال قائلهم ممن يزعم أنه يعاني تربية الجيل أن الحفظ يبلد الذهن، وأقول: لا علم إلا بحفظ، وأنتم سمعتم ورأيتم من يُعلم ومن يفتي مع ضعف في حافظته أو عدم عنايةً منه بالحفظ سمعتم ما لا يعجبكم، بخلاف من حفظ العلوم وعلى رأسها النصوص، قال الله، وقال رسوله.

فالذي يفتي بالنصوص على نور من الله -جل وعلا-، أما الذي ليس له نصيبٌ من الحفظ، مثل هذا يتخبط يميناً وشمالاً، وبالأساليب الإنشائية يمضي الوقت، لكن هل يقنع السامع، لا سيما إذا كان السامع طالب علم؟ لا، والساحة مملوءة من أمثال هؤلاء.

يعني فرق بين أن تسمع كلام عالم له عناية بالفقه بالعلم من أبوابه، وله حفظٌ ورصيدٌ من الحفظ من النصوص ومن أقول أهل العلم، ولا سيما من أقوال سلف الأمة فيما يوضح به النصوص، البون شاسع بين هذا وبين من لا يحفظ، فلا بد من الحفظ ولا بد من الفهم، لا يكفي الحفظ وحده، ولا يكفي الفهم وحده، ولو كان الفهم كافياً دون حفظ لرأينا من عوام المسلمين ممن يُعدون من أذكياء العالم، وهم في أسواقهم من الباعة، رأيناهم علماء، وهم يسمعون العلم، يسمعون الخطب، يسمعون الدرس في المساجد، ومع ذلك لا يدركون شيئاً من العلم، وهم على جانب كبير من الفهم.

فعلى هذا المفاتيح الغريزية هي الفهم والحفظ، فإذ حفظ طالب العلم ما يريد حفظه من نصوص الكتاب والسنة ومن أقوال العلماء، من المتون المعروفة عندهم في كافة العلوم، حرص على فهم واحد، وكل منهما يعين على صاحبه، فالفهم يعين على الحفظ، والحفظ يعين على الفهم.

كيف يحفظ الطالب ما يريد حفظه؟

يحدد القدر المراد حفظه، وهو أعرف بنفسه، وأعرف بحافظته قوةً وضعفاً، فإذا كانت حافظته تسعفه لحفظ الكثير فليستكثر، وإذا كانت متوسطة فلا يُرهق حافظته، وإذا كانت ضعيفة فليتقصد في العلم، فمن الطلاب من لا يستطيع أن يحفظ في اليوم إلا آية أو آيتين أو ثلاث، ويضيف إليها حديثاً واحداً، ومنهم من يستطيع أن يحفظ في اليوم الواحد جزء من القرآن، ويستطيع أن يحفظ مائة حديث.

وقد رأيتُ بنفسي طفلين -هما شقيقان- أحدهما في العاشرة، والثاني في الحادية عشرة، يقول والدهم........ حفظا القرآن، وحفظا الصحيحين بالأسانيد، والآن هما بصدد حفظ أبي داود والترمذي، يومياً يحفظان خمسين حديث من سنن أبي داود بأسانيدها، وخمسين حديث من سنن الترمذي بأسانيدها، هذه الحافظة التي تسعف، وبعض طلاب العلم يعانون في حفظ الآية، يرددها حتى يمسي، وإذا أصبح بدأ من جديد، و{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] ومثل هذا لا ييأس، مثل هذا يعوِّد بالحرص والدأب على الطلب من غير انقطاع، ومثل هذا لو لم يحصل علماً البتة يكفيه أن يندرج في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).

وقد زاملنا بعض كبار السن ممن هو في الثمانين من العمر وهم يطلبون العلم، موجود في حلقات التحفيظ منذ ستين أو سبعين سنة، إنما هو مجرد بركة وللاندراج في هذا الحديث، وإلا إذا نوقشوا أو سئلوا -سألهم الشيخ- فإذا بهم لا شيء، ومثل هذا لا ييأس، ألا يكفي الإنسان أن يسهل الله طريقه إلى الجنة؟ هذا يكفي مثل هذا، ولا شك أن مثل هذا جهاد.

فإذا أراد طالب العلم أن يحفظ فليبدأ بكتاب الله -جل وعلا-، وإذا كانت الحافظة تسعفه فلا يخلط معه غيره، إذا كان يستطيع أن يحفظ القرآن في ثلاثة أشهر كما فعل بعضهم، يذكر في ستين يوم الآن، لكن من الشيوخ المعروفين من حفظ خلال ثلاثة أشهر، منهم من حفظ خلال ستة أشهر، ومن حفظ خلال سنة، لكن إذا كان يتمكن من حفظ القرآن من غير خلط، ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر، فمثل هذا لا يخلط معه غيره، ليضمن حفظ القرآن.

وهذه طريقة......... التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته، أنهم يبدأون بحفظ القرآن ولا يخلطونه بغيره، ليضمنوا حفظ القرآن، وكم من واحد من طلاب العلم ممن أدخل العلوم الأخرى مع حفظ القرآن، ثم طال به الوقت في حفظ القرآن إلى أن وصل إلى حد قد يئس فيه من حفظ القرآن، فإذا ضمن طالب العلم حفظ القرآن سهل عليه ما عداه، وحفظ القرآن معينٌ له في تحصيل كل علم شرعي؛ لأنه أصل العلوم وأساسها، والسنة إنما هي بيانٌ له.

اختيار الوقت والمكان المناسب للحفظ:

إذا حدد القدر الذي يستطيعه خمس آيات عشر آيات ردد هذا المقدار حتى يحفظه، يردده حتى يحفظه، وليحرص أن يكون في مكانٍ مغلق، ليس بفسيح، مكان مغلق، صغير مغلق؛ لئلا يتشتت الذهن، وإذا كان في مكان كبير فليذهب إلى زاوية منه كالمسجد ويحفظ، وليحرص على الوقت المناسب للحفظ، ومن أنسب الأوقات للحفظ ما قبل صلاة الفجر، فإن لم يستطع فبعد صلاة الفجر ليس ببعيد، وقت هدوء.

أقول: الوقت المناسب والمكان المناسب للحفظ مهم جداً، بعض الناس من حرصه يأخذ معه ما يزيد حفظه في أماكن الانتظار، هو ذاهب إلى المستشفى وينتظر دوره، أو ذاهب إلى أي مكان يحاول حفظه، هذا ضياع وقت حقيقةً، لو استغله في غير ذلك؛ لأن مثل هذه الأماكن أولاً هذا العلم عزيز لا ينال براحة الجسم، وينبغي أن يفرض له من سنام الوقت، أما مثل الوقت الذي أشرنا إليه وقت الانتظار مثل هذا يكون للعلوم التي هي أقرب للاستجمام، مثل كتب الأدب والتواريخ والرحلات والذكريات وغيرها، وهذه فيها علم، لكن ليست بمثابة العلم الشرعي، وما يعين على تحصيل العلم الشرعي، الفهم يحتاج إلى مكان فيه سعة.

كيف يحفظ الطالب؟

إذا حفظ القدر المحدد هذا اليوم وكرره حتى يحفظه من الغد ينظر في المقدار هل هو قليل وإلا كثير؟ اختبار أول يوم، فإن كان كثيراً قلل، وإن كان قليلاً زاد، يعيد ما حفظه بالأمس خمس مرات قبل أن يبدأ بحصة اليوم، فإذا ضمن أنه حفظه بدأ بحصة اليوم، وقد تكون أكثر مما حفظه بالأمس، وقد تكون أقل وقد تكون مساوية، فيحفظها على الطريقة السابقة.

فإذا كان في اليوم الثالث يعيد ما حفظه في اليوم الأول أربع مرات، وما حفظه في اليوم الثاني خمس مرات، ثم يشرع في حفظ النصيب الثالث لليوم الثالث، وفي اليوم الرابع يعيد ما حفظه في اليوم الأول ثلاث مرات وما حفظه في اليوم الثاني أربع مرات، وما حفظه في اليوم الثالث خمس مرات وهكذا، وهذه طريقة مجربة، وقد ذكرها بعض المتقدمين، وطبقت ووجدت نافعة.

لكن فليحذر طالب العلم من الاندفاع، وتكليف الحافظة فوق ما تطيق، بعض الناس يسمع الحث على العلم وما جاء في فضله، وقول العلماء من النصوص ثم يندفع، ليش أحفظ خمس آيات عشر آيات لماذا ما أحفظ جزء؟ يسمع أن هناك من يحفظ الجزء، ثم بعد ذلك يترك، يدب الملل واليأس إلى قلبه؛ لأنه إذا حفظ مثلاً ورقة أو ورقتين والحافظة لا تتحمل من الغد وجد..........، ما عنده شيء، ثم يكرر ويعيد ولا يستطيع أن يعيد، ثم في اليوم الثالث كذلك، وهكذا ثم يدب اليأس، ثم يقعد شهر ما سوى شيء، وهذا مثله مثل المنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، كثيرٌ من الطلاب يأتي متحمس ويحفظ في أول يوم مقدار كبير، ثم من الغد يثقل عليه؛ لأن العلم في طبعه ثقيل، وقد وصف الله -جل وعلا- القرآن {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] والعلم كله ثقيل على النفس؛ لماذا؟ لأنه موصل إلى الجنة، والجنة حفت بالمكاره، يعني هل يستوي هذا طالب مبتدئ، طالب علم مبتدئ ما شرب قلبه حب العلم، هل يستوي طالب مبتدئ يعاني حفظ متن من المتون، وقد يكون في عبارتها صعوبة، وبين آخر شاب مثله في السن والظروف، في استراحة وأنس مع إخوانه وأصدقائه، فضلاً عن كونه يزاول ما يسمونه بفاكهة المجالس من الكلام في أعراض الناس، مما حفت به النار، وخفف على النفوس، فنأتي على يقين ونوطن أنفسنا أننا في أول الأمر سوف نعاني من ثقل الحمل، وتجد بعض الناس إذا لوح له بأدنى خبر تركه، والله اليوم ربيع، اليوم ربيع نزهة، العلم بعدين، يقبل بسرعة بعض الناس، وبعضهم لأنه يدرك ما وراء هذا التحصيل، وما يوصله هذا العلم من مرضات الله -جل وعلا- وجناته، ومنازله العليا ما........

فنقول: لا بد في أول الأمر من الجهاد، من جهاد النفس، وأطرها على شدائد التحصيل، ثم بعد ذلك إذا تجاوز هذه المرحلة، مرحلة المجاهدة يبشر بالإعانة والتوفيق بحيث يأتي عليه يومٌ من الأيام فيستغرق جميع الوقت إلا ما كان من وقت عبادة أو أكل أو نوم بالعلم والتحصيل.

وشيخٌ من شيوخنا -ما أدركناه- في ليلة زواجه أشكلت عليه آية فنزل إلى مكتبته ليلة الزواج، فنزل إلى المكتبة ومن تفسير إلى تفسير حتى أذن الفجر، وهذا مجرب، يصعب على طالب العلم أن يمسك كتاب ويقرأ ثم بعد ذلك إذا جاهد نفسه في أول يوم يقرأ ورقة أيش المانع؟ قراءة غير الحفظ، في اليوم الثاني يقرأ يزيد على ذلك وفي اليوم الثالث إلى أن يصل الحد إلى أن يقرأ في اليوم خمسة عشرة ساعة، وهذا موجود ومجرب، والأمر يسيرٌ على من يسره الله عليه.

قد يقول قائل: أنا موظف، أنا طالب، وقتي مستغرق في مدرستي أو في وظيفتي، نقول: خذ الأمثلة من العلماء الموجودين الآن، ممن تجاوز المرحلة التي يسميها مرحلة الجهاد، جهاد النفس، عنده دوام من الثامنة إلى الثانية ظهراً، وعنده نصيب وقسط وورد يومي من القرآن يصل عند بعضهم إلى أن يقرأ القرآن في ثلاث، وعنده درس بين المغرب والعشاء، وعنده ارتباطات ولقاء بعد العشاء، ويعود المرضى، ويزور المقابر، ويجيب الدعوات، ويصل الأرحام، قد يقول قائل: أنا......... كيف عنده دوام من ثمانية إلى ثنتين ويفعل هذا؟ نعم هذا موجود، لكن متى؟ بعد مجاوزة المرحلة، مرحلة المجاهدة.

فعلى طالب العلم أن يعزم على نفسه، وأن يحملها على تحصيل العلم لتحمل شدائده، لكن بالطريقة التي شرحناها، بالتدريج، لا يأتي دفعة واحدة؛ لأن الذي يأتي دفعة واحدة لا يلبث أن ينصرف.

كيف يفهم الطالب؟

فإذا حفظ على الطريقة التي ذكرناها، الكتاب الذي يريد حفظه، متن من المتون في أي علم من العلوم ويحضر به درس من الدروس عند أحد المشايخ، إذا حفظ القدر المحدد خمسة أسطر، ستة أسطر، عشرة، كيف يفهم هذا الدرس؟ لأنه لا بد من الحفظ والفهم.

ذكر الشيخ عبد القادر بن بدران طريقة، وهي طريقة ممتازة، يقول: يجتمع خمسة من الزملاء المتقاربين في الفهم، ثم يقرأ كل واحد منهم ما حفظ، ثم ......... كل واحد إلى الآخر فيشرح هذا المقدار قبل الرجوع إلى الشرح، يشرحه من تلقاء نفسه، على حسب فهمه هو، ثم يجتمعون فكل منهم يقرأ شرحه، ويتناقشون الصواب عندي الصواب معك إلى آخره، ثم يُقرأ الشرح من قبل أهل العلم، وتصحح الأخطاء، فإذا صححت الأخطاء هل تعود إلى الذهن مرة ثانية بعد هذه الطريقة؟ لا، لا يمكن أن يعود الخطأ مرة ثانية.

الإشكال الذي يعانيه كثير من طلاب العلم أنهم حفظوا في بداية الطلب وبعض ما حفظوه فيه خطأ في اللفظ، ومن ذلك بعض الأوراد والأذكار، كثيرٌ من الناس حفظ في أول الأمر من غير مراجعة سمع ثم حفظ على خطأ، ويصعب تصحيحه بعد حين، لكن لو كان التصحيح في وقته لسهل، كثير من الناس أذكار الصلوات يقرأه خطأ، وهو في صلاته، أذكار الاستفتاح أذكار الركوع، السجود، يخطي في الكثير حتى من طلاب العلم، لماذا؟ لأنهم حفظوا في السابق، وبعضهم يحفظ على لحن، وبعضهم يحفظ على تصحيف، ثم يستمر الخطأ، أقول: إذا اجتمع هؤلاء الثلة وقرؤوا، كل واحد قرأ شرحه، وصححوا الأخطاء بينهم اجتهاداً منهم، ثم قرؤوا الشرح من قبل أهل العلم، الكتب مشروحة مخدومة، ولذا يوصى بالاهتمام بالكتب المخدومة، أما الكتب غير المخدومة التي ليس لها شروح ولا حواشي ولا تدرس في البلد فلا يوصى بها؛ وإن كان فيها خير كبير، لكن تراجع، لكن ما تكون أساس في التحصيل.

قد يقول قائل مثلاً يعني على سبيل المثال، كافية ابن الحاجب في غاية الأهمية وأهتم بها أهل العلم، بل منهم من نذر نفسه عمره كله لتعليمها، ونسب إليها (الكافيجي) مثلاً، لكن لو قال واحد: أنا لا أحتاج لا إلى الأجرومية ولا القطر ولا الألفية، أنا أحتاج إلى الكافية، ولا يوجد من يدرسها، وأشكل عليك شيء؟.

أقول: على طالب العلم أن يعنى بالكتب المخدومة، ولا مانع من أن يراجع الكتب الأخرى، لكن حفظ وأساس متين يبني عليه، عليه أن يعنى بالكتب المخدومة في بلده.

بعض الناس يترك الكتب المعروفة في البلد والتي تداولها أهل العلم وذلولها لطلابهم، وتداولوها ولا يصعب فيها شيء، إلى كتب لا تذكر عندنا، بل موجودة في بلدان أخرى........... لكن قد يشكل عليهم شيء لا يدرون له حلاً.

فهؤلاء الذين اجتمعوا وقرؤوا شروحهم، وقرؤوا الشرح من قبل أهل العلم، ونظروا في الحواشي، ثم بعد ذلك حضروا الدرس عند الشيخ، ماذا بقي مما يستفاد من الشيخ بعدما ما صنعوه من حفظٍ وشرح وقراءة للشرح ومناقشة، وقراءة للحاشية؟ يأخذون ما عند الشيخ من زيادة، وفي الغالب أن الشيخ اطلاعه على المسائل سواءٌ كان بسعة اطلاع أو من كثرة التعليم، لا شك أنه يفوقهم بهذا، مع الإنصات يحضرون الدرس عند الشيخ مع الإنصات والأدب، وعدم الكبر والعجب؛ لأن بعض الإخوان يحضِّر الدرس، يقرأ الدرس قبل الحضور، ثم يحضر عند الشيخ، ثم إذا جاء الشيخ بالمبتدأ سبقه بالخبر، مثل هذا ما الدافع له أن يفعل مثل هذا؟ الذي يغلب على الظن أنه من أجل أن يعرف الشيخ أنه مطلع، وأن يعرف زملاؤه أنه يفوقهم، وهذه حقيقة مرة، لا يفلح معها الطالب، وكذلك لا يفلح الطالب إذا اعتمد على الدرس فقط، فلا يعرف الكتاب إلا في الدرس، فمثل هذا قلَّ أن يفلح، وقد نص على ذلك أهل العلم، العلم متين لا بد له من حفظ وفهم ومدارسة ومراجعة، على الطريقة التي ذكرناها، ثم يحضر الدرس ويسأل عما يشكل عليه، مجتنباً في ذلك الآفة الكبرى، العائق عن التحصيل وهي الكبر والعجب، وأن لا يستحيي عن الاستفهام عما يحتاجه وما لا يفهمه، ولذا يقول مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر".

فإذا حضر الدرس يناقش الشيخ بكل أدب واحترام، طالباً بذلك المعرفة، لا يطلب بذلك التعالم، ولا يطلب بذلك تعجيل الشيخ، وإذا قُدر أن الشيخ طرح بعض الأسئلة فأجاب عنها كغيره من الطلاب فحسن، ثم إذا انتهى الدرس اجتمع هؤلاء الإخوة، وتناقشوا فيه، ماذا حفظت؟ ماذا فهمت من شرح الشيخ؟ ما الذي زاد عندك بعد درسنا؟ إلى آخره، هذه تسمى مذاكرة العلم.

العلم الذي يؤخذ بهذه الطريقة هو الذي ينفع، وهو الذي يبقى بإذن الله، والملاحظ على كثير من الطلاب أنهم لا يعرفون الكتاب إلا في الدرس، وبعضهم لا يستحي لا من زملائه ولا من الشيخ أيضاً، يترك الكتاب في المسجد إلى الغد ليحضر به الدرس، ومثل هذا -كما قرر أهل العلم- قل أن يفلح.

فالعلم متين ويحتاج إلى معانة، وعلى طالب العلم أن يعنى به، ويهتم بشأنه، ولا يفرط ولا يكسل، ولا يستكبر على غيره، ولا يستحيي من طلبه، فالعلم لا يناله مستحيي ولا مستكبر، كما أنه لا ينال براحة الجسم.



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل كبر السن يمنع من طلب العلم ؟ بداية مشرقة روضة آداب طلب العلم 10 04-12-15 12:07 AM
ملخص حلية طالب العلم للأستاذة عطاء الخير أسماء حموا الطاهر علي أرشيف الفصول السابقة 10 25-12-13 01:00 AM
فضل طلب العلم !!! نبع الصفاء روضة آداب طلب العلم 0 15-06-07 09:44 PM


الساعة الآن 10:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .