المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم )


فنار
14-01-08, 01:38 PM
"بسم الذي ماطابت الدنيا إلا بذكره ولا طابت

الأخرة إلا بعفوه ولا طابت الأخرة إلا برؤيته والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد

و على آله وصحبه وسلم .. وبعد

َقال تعالى : (( وعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى

أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ))


في هذه الأية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد , فإن للعبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فإن الله يعلم منها ما لايعلمه العبد وأوجب له ذلك أموراً ...

أولاً : أنه لاأنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع ..
وكذلك لاشئ أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه فإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصية العقل تحمُّ ل اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبها من الألم العظيم العظيم والشر الطويل , فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غاياتها , والعاقل الكيس دائماً ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها فيرى ماوراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة . فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خُلط فيه سُم قاتل فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه مافيه من السم . ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مُفْضٍ إلى العافية والشفاء , وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول .
ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها و قوة صبرٍ يوطن به نفسه على تحمُّل مشقة الطريق لما يؤمل عند الغاية . فإذا فقد اليقين والصبر تعذّر عليه ذلك وإذا قوي يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة ..


ثانياً : أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة ..


ثالثاً : أنه لا يقترح على ربه و لايختار عليه و لايسأله ماليس له به علم فلعل مضرته و هلاكه فيه وهو لايعلم , فلا يختار على ربه شيئاً بل يسأله حسن الإختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك ..


رابعاً : أنه إذا فوّض إلى ربه و رضي بما يختاره له أمدَّه فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر و صرف عنه الأفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه و آراه من حسن عواقب اختياره له مالم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه ..


خامساً : أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الإختيارات و يفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما قُدر عليه , فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلاّ جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه ..

إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيُّله في رده

فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحاً كالميتة

فإن السبع لا يرضى بأكل الجيف



المرجع : كتاب الفوائد لابن القيم

اختكم فى الله
14-01-08, 05:14 PM
جزاك الله خيرا
فعلا كلام رائع
بارك الله فيك اختاة

مروة عاشور
14-01-08, 07:41 PM
رائعة أختى الحبيبة فنار
جزاك الله خيرا كم نحن بحاجة لمثل هذا الكلام الذي يريح الصدر
أنار الله دربك وسدد خطاك وحفظك من كل سوء...

أم البراء
16-01-08, 08:49 AM
جزاك الله خيرا يا فنار
وبارك الله فيك


انتقاء جميل..

لؤلؤه لامعه
18-06-08, 02:09 PM
موضوع قيم .. جزاكِ الله خيرا