أم إلهام
20-02-08, 05:19 AM
إن الله عز و جل موصوفٌ بصفات الكمال ، و له جل و علا أفعال الحكمة ، و أفعال العدل ، و أفعال الرحمة و البرّ ، فهو سبحانه كاملٌ في أسمائه و صفاته و ربوبيته ، و من كماله في ربوبيته ، و في أسمائه و صفاته أنه لا يفعل الشيء إلا لحكمةٍ بالغةٍ ، و الحكمة : هي أنه جل و علا يضع الأمور في مواضعها التي توافق الغايات المحمودة منها ، و هذا دليل الكمال ، فله سبحانه صفات الكمال , و نعوت الجلال و الجمال ، فلهذا وجب لكماله جل و علا أن يُظنّ به ظنّ الحقّ ، و أن لا يُظنّ به ظنّ السوء ، و أن يُعتقد فيه ما يجب لجلاله من تمام الحكمة و كمال العدل و كمال الرحمة و كمال أسمائه و صفاته سبحانه و تعالى ([1]) .
و هذا السبب أي سوء الظنّ مترتّبٌ غالبًا على الغلوّ في الصالحين ، فإن الشخص إذا غلا في المخلوق و جهل حقّ الله سبحانه ، اتّخذ المخلوق وسيطًا يقرّبه إلى الله ، فيعطفه عليه في قضاء حاجاته ، فيكون بذلك قد أساء الظنّ بربه سبحانه و بفضله و إحسانه عليه ، قال تعالى: ]يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [ ([2]) ، و يقول سبحانه متوعّدًا من يظنّ به الظنّ السيء : ]وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [ ([3]) .
و قد يكون سوء الظنّ بالله أحيانًا غير ناتجٍ عن الغلوّ في المخلوق ، و ذلك كمن يصف الله عز و جل الكامل من جميع الوجوه بصفات المخلوق الناقص ([4]) .
و السؤال : كيف كان سوء الظن بالله سببًا من أسباب الشرك ؟
وقع الشرك في كثيرٍ من الأمم بسبب سوء ظنّهم بالله ، و ذلك أنهم ظنّوا أن الله سبحانه و تعالى لا يقبل عبادةً إلا بواسطةٍ من خلقه ، و أن هذه الواسطة لا بد أن يكون لها جاهٌ عند الله كالأنبياء و الأولياء ، و قاسوا الله سبحانه على خلقه إذ قالوا : إن ملوك الدنيا لا يدخل عليهم أحدٌ إلا بواسطةٍ ، فوجب اتخاذ الوسائط مع الله ، فأساءوا ظنهم بربهم حيث قاسوه على خلقه ، و حيث زعموا أنه لا يقبل من خلقه إلا بواسطةٍ ، فوقعوا في الشرك به سبحانه .
قال ابن القيم _رحمه الله_ : و من ظنّ أن له ولدًا أو شريكًا أو أن أحدًا يشفع عنده بدون إذنه ، أو أن بينه و بين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقرّبون بهم إليه ، و يتوسّلون بهم إليه و يجعلونهم وسائط بينهم و بينه ، فيدعونهم و يحبّونهم كحبّه و يخافونهم و يرجونهم ، فقد ظنّ به أقبح الظنّ و أسوأه ([5]) .
و ألخّص الكلام عن سوء الظنّ بالله في الفروع التالية :
الفرع الأول : أنواع الظنّ بالله :
الظنّ بالله عز وجل على نوعين ([6]) : الأول : أن يظنّ بالله خيرًا ، و الثاني : أن يظنّ بالله شرًّا ، و الأول له متعلّقان :
1_ متعلّقٌ بالنسبة لما يفعله في هذا الكون ، فهذا يجب عليك أن تحسن الظنّ بالله عز وجل فيما يفعله في هذا الكون ، و أن تعتقد أنّ ما فعله إنما هو لحكمةٍ بالغةٍ ، قد تصل العقول إليها و قد لا تصل ، و بهذا تتبيّن عظمة الله و حكمته في تقديره ، فلا يظنّ أن الله إذا فعل شيئًا في الكون فعله لإرادةٍ سيئةٍ ، حتى الحوادث و النكبات لم يحدثها الله لإرادة السوء المتعلق بفعله ، أما المتعلق بغيره بأن يحدث ما يريد به أن يسوء هذا الغير فهذا واقعٌ ، كما قال تعالى : ] قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً [ ([7]) .
2_ تعلّقٌ بالنسبة لما يفعله بك ، فهذا يجب أن تظن بالله أحسن الظنّ ، لكن بشرط أن يوجد لديك السبب الذي يوجب الظن الحسن ، و هو أن تعبد الله على مقتضى شريعته مع الإخلاص ، فإذا فعلت ذلك فعليك أن تظنّ أن الله يقبل منك ، و لا تسيء الظنّ بالله بأن تعتقد بأنه لن يقبل منك ، و كذلك إذا تاب الإنسان من الذنب ، فيحسن الظنّ بالله أنه يقبل منه ، و لا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لا يقبل منه ، و أما إن كان الإنسان مفرّطًا في الواجبات فاعلاً للمحرّمات ، وظنّ بالله ظنًّا حسنًا ، فهذا هو ظنّ المتهاون المتهالك في الأمانيّ الباطلة ، بل هو من سوء الظنّ بالله ، إذ إن حكمة الله تأبى مثل ذلك .
النوع الثاني : و هو أن يظنّ بالله سوءًا ، مثل أن يظنّ في فعله سفهًا أو ظلمًا أو نحو ذلك ، فإنه من أعظم المحرّمات و أقبح الذنوب ، كما ظنّ المنافقون و غيرهم ممن يظنّ بالله غير الحقّ .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مستفاد من كتاب : التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 539_540 .
(2) آل عمران : 154 .
(3) الفتح : 6 .
(4) الشرك في القديم و الحديث ( 1 / 574 _ 575 ) .
(1) زاد المعاد ( 3 / 209 ) .
(2) مستفاد من كتاب : القول المفيد ( 2 / 382 _ 383 ) .
(3) الأحزاب : 17
نقلته لكم من هذا الموقع / http://www.sunnah.org.sa/index.php?
و هذا السبب أي سوء الظنّ مترتّبٌ غالبًا على الغلوّ في الصالحين ، فإن الشخص إذا غلا في المخلوق و جهل حقّ الله سبحانه ، اتّخذ المخلوق وسيطًا يقرّبه إلى الله ، فيعطفه عليه في قضاء حاجاته ، فيكون بذلك قد أساء الظنّ بربه سبحانه و بفضله و إحسانه عليه ، قال تعالى: ]يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [ ([2]) ، و يقول سبحانه متوعّدًا من يظنّ به الظنّ السيء : ]وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [ ([3]) .
و قد يكون سوء الظنّ بالله أحيانًا غير ناتجٍ عن الغلوّ في المخلوق ، و ذلك كمن يصف الله عز و جل الكامل من جميع الوجوه بصفات المخلوق الناقص ([4]) .
و السؤال : كيف كان سوء الظن بالله سببًا من أسباب الشرك ؟
وقع الشرك في كثيرٍ من الأمم بسبب سوء ظنّهم بالله ، و ذلك أنهم ظنّوا أن الله سبحانه و تعالى لا يقبل عبادةً إلا بواسطةٍ من خلقه ، و أن هذه الواسطة لا بد أن يكون لها جاهٌ عند الله كالأنبياء و الأولياء ، و قاسوا الله سبحانه على خلقه إذ قالوا : إن ملوك الدنيا لا يدخل عليهم أحدٌ إلا بواسطةٍ ، فوجب اتخاذ الوسائط مع الله ، فأساءوا ظنهم بربهم حيث قاسوه على خلقه ، و حيث زعموا أنه لا يقبل من خلقه إلا بواسطةٍ ، فوقعوا في الشرك به سبحانه .
قال ابن القيم _رحمه الله_ : و من ظنّ أن له ولدًا أو شريكًا أو أن أحدًا يشفع عنده بدون إذنه ، أو أن بينه و بين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقرّبون بهم إليه ، و يتوسّلون بهم إليه و يجعلونهم وسائط بينهم و بينه ، فيدعونهم و يحبّونهم كحبّه و يخافونهم و يرجونهم ، فقد ظنّ به أقبح الظنّ و أسوأه ([5]) .
و ألخّص الكلام عن سوء الظنّ بالله في الفروع التالية :
الفرع الأول : أنواع الظنّ بالله :
الظنّ بالله عز وجل على نوعين ([6]) : الأول : أن يظنّ بالله خيرًا ، و الثاني : أن يظنّ بالله شرًّا ، و الأول له متعلّقان :
1_ متعلّقٌ بالنسبة لما يفعله في هذا الكون ، فهذا يجب عليك أن تحسن الظنّ بالله عز وجل فيما يفعله في هذا الكون ، و أن تعتقد أنّ ما فعله إنما هو لحكمةٍ بالغةٍ ، قد تصل العقول إليها و قد لا تصل ، و بهذا تتبيّن عظمة الله و حكمته في تقديره ، فلا يظنّ أن الله إذا فعل شيئًا في الكون فعله لإرادةٍ سيئةٍ ، حتى الحوادث و النكبات لم يحدثها الله لإرادة السوء المتعلق بفعله ، أما المتعلق بغيره بأن يحدث ما يريد به أن يسوء هذا الغير فهذا واقعٌ ، كما قال تعالى : ] قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً [ ([7]) .
2_ تعلّقٌ بالنسبة لما يفعله بك ، فهذا يجب أن تظن بالله أحسن الظنّ ، لكن بشرط أن يوجد لديك السبب الذي يوجب الظن الحسن ، و هو أن تعبد الله على مقتضى شريعته مع الإخلاص ، فإذا فعلت ذلك فعليك أن تظنّ أن الله يقبل منك ، و لا تسيء الظنّ بالله بأن تعتقد بأنه لن يقبل منك ، و كذلك إذا تاب الإنسان من الذنب ، فيحسن الظنّ بالله أنه يقبل منه ، و لا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لا يقبل منه ، و أما إن كان الإنسان مفرّطًا في الواجبات فاعلاً للمحرّمات ، وظنّ بالله ظنًّا حسنًا ، فهذا هو ظنّ المتهاون المتهالك في الأمانيّ الباطلة ، بل هو من سوء الظنّ بالله ، إذ إن حكمة الله تأبى مثل ذلك .
النوع الثاني : و هو أن يظنّ بالله سوءًا ، مثل أن يظنّ في فعله سفهًا أو ظلمًا أو نحو ذلك ، فإنه من أعظم المحرّمات و أقبح الذنوب ، كما ظنّ المنافقون و غيرهم ممن يظنّ بالله غير الحقّ .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مستفاد من كتاب : التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 539_540 .
(2) آل عمران : 154 .
(3) الفتح : 6 .
(4) الشرك في القديم و الحديث ( 1 / 574 _ 575 ) .
(1) زاد المعاد ( 3 / 209 ) .
(2) مستفاد من كتاب : القول المفيد ( 2 / 382 _ 383 ) .
(3) الأحزاب : 17
نقلته لكم من هذا الموقع / http://www.sunnah.org.sa/index.php?