المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصفى في شرح أسماء الله الحسنى‏.للشيخ:عبد العزيز الداخل.


علو الهمة
27-03-08, 06:53 PM
p1s2
الموضوع الأول: مقدمة في فضل العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى
الحمدُ لِلَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ، لهُ الأسماءُ الحسنَى، والصفاتُ العُلَى، الكاملِ في ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ العظمَى، المُتَنـزهِ عن النقائِصِ، والمعايِبِ، وسائرِ ما لا يليقُ بكمالِهِ الأعلَى، المتقدِّسِ عنْ أنْ يكونَ لهُ شريكٌ، أوْ نظيرٌ، أوْ شبيهٌ يُسَامِيهِ في المقامِ الأَسمَى، المستحقِّ لكمالِ الحُبِّ، والحمدِ، والتعظيمِ، والإجلالِ على الوجهِ الأوفَى.
فلهُ الحمدُ كلُّهُ، وبيَدِهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليهِ يرجعُ الأمرُ كلُّهُ، لا إلهَ إلاَّ هوَ وَحدَهُ لا شريكَ لهُ في الآخرةِ والأُولَى.
خلقَ الخلقَ من العدَمِ، وأسبغَ عليهم النِّعَمَ، وتعرَّفَ إليهم بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وأظهرَ آثارَها في أوامرِهِ ومخلوقاتِهِ؛ ليستدِلَّ بها الموفَّقُونَ على وحدانيَّتِهِ وصِدْقِ رُسُلِهِ وآياتِهِ، ويعرِفوا بها كمالَ ربِّهِم وجلالَهُ وجمالَهُ.
والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وهدايَةً للسالكينَ، وحُجَّةً على الناكبينَ، نبيِّنَا محمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif
أمَّا بعْدُ:
فإنَّ أشرفَ العلومِ وأفضَلَها، وأجَلَّهَا وأَنْبَلَها: عِلْمُ العبدِ برَبِّهِ تعالى وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِهِ.
فهوَ العلمُ الجديرُ بأنْ تُصْرَفَ نفائسُ الأوقاتِ في تحصيلِهِ، وتُقَدَّمَ أعظمُ التضحياتِ في سبيلِ بلوغِهِ؛ فإنَّ ثمرَتَهُ لا تعدِلُها ثمرَةٌ، وحسرةَ حرمانِها لا تعدِلُها حسرةٌ، والحاجةَ إليهِ لا تعدِلُها حاجةٌ.
بلْ كلُّ علمٍ لا يُوصِلُ إليهِ ولا يُعِينُ عليهِ مَضْيَعةُ وقْتٍ، ومَجْلَبَةُ مقْتٍ.
وهلْ أشرفُ مِنْ عِلْمٍ: معلومُهُ بارئُ البَرِيَّاتِ، ومُبدعُ الكائناتِ، الذي لهُ الخلقُ والأمْرُ، بَهَرَ العقولَ ببديعِ خلقِهِ، وحارَت الألبابُ في حِكَمِ شَرْعِهِ، وأَنِسَت القلوبُ بلذيذِ مُناجاتِهِ، واستنارتْ بمعرفةِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، وشَرُفَتْ بعلمِ أحكامِهِ وتشريعاتِهِ، مَنْ ذِكْرُهُ أُنْسٌ، وطاعتُهُ غُنْمٌ، والزُّلْفَى لديهِ أغلى الأمنياتِ.
وهلْ أفضلُ مِنْ علْمٍ: منْ ثمراتِهِ رؤيَةُ الملكِ العلاَّمِ، ومرافقةُ خِيرةِ الأنامِ، في جَنَّةٍ قدْ زُيِّنَتْ بما تشتهيهِ الأنفسُ وتَلَذُّ الأعينُ، لا يخالطُ نعيمَها بؤْسٌ، ولا يُكَدِّرُ صفوَها شائبةُ كَدَرٍ، موضعُ سَوْطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها من الحُطامِ.
وهلْ أجلُّ مِنْ علْمٍ: هوَ أساسُ الإيمانِ، ومعقدُ الامتحانِ، ومِضْمارُ تسابُقِ الفُرْسانِ، السابقُ فيهِ هوَ السَّبَّاقُ ((مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً))، والحائدُ عنهُ هوَ المُعَذَّبُ الملهوفُ، المنقطِعُ الموقوفُ، قدْ خسِرَ خَسارةَ مَنْ لا يُسْتَصْلَحُ أمرُهُ، ولا يَنْجَبِرُ كسرُهُ، نعوذُ باللَّهِ العظيمِ من الخسرانِ.
وهلْ أَنْبَلُ مِنْ عِلْمٍ: يحملُ النفسَ على مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسنِ الآدابِ، ويُخَلِّصُها منْ شَبَهِ الأنعامِ، وأخلاقِ سَفَلَةِ الأنامِ، يُهَذِّبُ النفسَ فَتَزْكُو، ويُطَهِّرُ القلبَ فيسْمُو، ويُنَقِّي السَّريرةَ فتصْفُو، ويُنِيرُ البصيرةَ، ويَشْحَذُ الهِمَّةَ، بهِ يَسْلَمُ القلبُ، ويصحُّ العلْمُ، ويصلحُ العملُ، و تُحمدُ السيرةُ، وتَحسُنُ العاقبةُ، ويَجْمُلُ الذكرُ.
فلا جَرَمَ كانَ الاشتغالُ بهِ عُنوانَ السعادةِ والفلاحِ، والاشتغالُ عنهُ آيَةَ الشقاوةِ والهلاكِ.
قالَ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللَّهُ تعالى في نُونِيَّتِهِ المُباركةِ:
والعلْمُ أقسامٌ ثلاثٌ مـا لهـ***مِنْ رابعٍ والحـقُّ ذُو تبيـانِ
علمٌ بأوصافِ الإلـهِ وفعلِـهِ***وكذلـكَ الأسمـاءُ للرَّحْمَـنِ
والأمرُ والنهيُ الذي هوَ دينُهُ***وجزاؤُهُ يومَ المعـادِ الثانِـي
والكلُّ في القرآنِ والسُّنَنِ التي ***جاءَتْ عن المبعوثِ بالفُرْقَانِ
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif
فعلى قدرِ علمِ العبدِ بربِّهِ وعملِهِ بما يقتضيهِ ذلكَ العلمُ ترتفعُ درجتُهُ، وتسْمُو هِمَّتُهُ، وتزْكُو نفسُهُ، ويُثْمِرُ غرسُهُ؛ فإنَّ الدنيا مزرعةُ الآخرةِ، وإنَّما صلاحُ العبادةِ بصلاحِ العلْمِ؛ فالعلمُ باللَّهِ أصلُ الدينِ كلِّهِ.
قال ابن القيم رحمه الله:
(أَفْضَلُ العِلمِ والعَمَلِ والحالِ: العِلمُ باللَّهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، والعملُ بمرْضَاتِهِ، وانجذابُ القلبِ إليهِ بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ، فهذا أشْرَفُ ما في الدُّنيا، وجزَاؤُهُ أشرفُ ما في الآخِرَةِ.
وأجلُّ المقاصدِ معرفةُ اللَّهِ ومحبَّتُهُ والأُنْسُ بقربِهِ، والشَّوقُ إلى لِقَائِهِ والتَّنَعُّمُ بِذِكْرِهِ، وهذا أجَلُّ سعادةِ الدُّنيا والآخرةِ، وهذا هوَ الغايَةُ التي تُطْلَبُ لِذَاتِها.
وإنَّما يشعرُ العبدُ تمامَ الشُّعورِ بأنَّ ذلكَ عينُ السعادةِ إذا انكشفَ لهُ الغطاءُ وفارقَ الدُّنيا ودخلَ الآخرةَ، وإلاَّ فهوَ في الدنيا - وإنْ شعرَ بذلكَ بعضَ الشعورِ - فليسَ شعورُهُ كاملاً للمعارضاتِ التي عليهِ، والمحنِ التي امْتُحِنَ بها، وإلاَّ فليست السعادةُ في الحقيقةِ سِوَى ذلكَ.
وكلُّ العلومِ والمعارفِ تَبَعٌ لهذهِ المعرفةِ، مُرَادَةٌ لأجْلِها، وتفاوتُ العلومِ في فضلِها بحسَبِ إفضائِها إلى هذهِ المعرفةِ وبُعْدِها، فَكُلُّ علمٍ كانَ أقربَ إفضاءً إلى العلمِ باللَّهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ فهوَ أعلى ممَّا دُونَهُ، وكذلكَ حالُ القلبِ؛ فكلُّ حالٍ كانَ أقربَ إلى المقصودِ الذي خُلِقَ لهُ فهوَ أشرفُ ممَّا دُونَهُ، وكذلكَ الأعمالُ، فكلُّ عملٍ كانَ أقربَ إلى تحصيلِ هذا المقصودِ كانَ أفضلَ منْ غيرِهِ، ولهذا كانت الصَّلاةُ والجهادُ منْ أفضلِ الأعمالِ وأفْضَلِهَا لقُرْبِ إفضَائِها إلى المقصودِ.
وهكذا يجبُ أنْ يكونَ؛ فإنَّ كلَّ ما كانَ الشيءُ أقربَ إلى الغايَةِ كانَ أفضلَ من البعيدِ عنها، فالعملُ المُعِدُّ للقلبِ المُهَيِّئُ لهُ لِمَعرفةِ اللَّهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ ومحبَّتِهِ وخوفِهِ ورجائِهِ أفضلُ ممَّا ليسَ كذلكَ.
وإذا اشتركتْ عِدَّةُ أعمالٍ في هذا الإِفْضَاءِ فأفضلُها أقْرَبُها إلى هذا المُفْضِي، ولهذا اشتركت الطَّاعاتُ في هذا الإفضاءِ فكانتْ مطلوبةً للَّهِ، واشتركت المعاصي في حَجْبِ القلبِ وَقَطْعِهِ عنْ هذهِ الغايَةِ فكانتْ مَنْهِيًّا عنها، وتأثيرُ الطاعاتِ والمعاصي بحَسَبِ درجاتِها).ا.هـ
وسنبدأ معكم بإذن الله تعالى سلسلة مواضيع في شرح أسماء الله الحسنى ، وفضل العلم بها، والتعبد لله عز وجل بها، ومعنى إحصاء أسماء الله الحسنى، ودعاء الله عز وجل وبها، ومعنى الاسم الأعظم، وقواعد وفوائد في الأسماء والصفات، وغيرها من المواضيع
نسأل الله تعالى أن يعين على تقديمها كما يحب ويرضى، وأن يوفقنا في ذلك توفيقاً مباركاً من عنده إنه سميع مجيب.
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif

علو الهمة
29-03-08, 09:09 PM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif
الأمر الثاني: التعظيم والإجلال، فإن العابد معظِّمٌ لمعبوده أشد التعظيم، ومُجِلٌّ له غايةَ الإجلالِ، فالتعظيم من لوازم معنى العبادة.
ولذلك تجد المؤمن بالله معظِّماً لربه جل وعلا، ومعظماً لحرماته وشعائره، كما قال تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) وقال: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) فتعظيم الشعائر والحرمات من آثار تعظيم المؤمن لربه جل وعلا، وإجلاله له.
وكما أمر الله بذلك في قوله تعالى: (وكبره تكبيراً) أي عظمه تعظيماً شديداً،
وقوله: (ولتكبروا الله على ما هداكم) أي: تعظموه شكراً له على هدايته لكم.
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif
الأمر الثالث: الذل والخضوع والانقياد، يقال طريق معبَّد أي مذلَّل، فالعابد منقاد لمعبوده خاضع له.
وهذا الذل والخضوع والانقياد لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
وذل العبد لله عز وجل وانقياده لطاعته هو عين سعادته، وسبيل عزته ورفعته
ومن ذل لله رفعه الله وأعزه، ومن استكبر واستنكف أذله الله وأخزاه، وسلط عليه من يسومه سوء العذاب، ويذله ويهينه.
ولذلك فإن أعظم الخلق خشية لله وانقياداً لأوامره الأنبياء والملائكة والعلماء والصالحون، وهم أعظم الخلق عزة رفعة وعلواً وسعادة
وأعظم الخلق استكباراً واستنكافاً مردة الشياطين، والطغاة والظلمة، وهم أعظم الخلق ذلاً ومهانة.
ومن تأمل أحوال الشياطين وأعمالهم الشريرة المهينة وأماكنهم النجسة القذرة ،وأحوال أتباعهم من المجرمين والطغاة والعصاة، وعرف أخبارهم ونهاياتهم تبيَّن له الفرق الكبير بين من أكرمه الله وأعزه، ومن أذله الله وأخزاه.
قال الله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif
وهذه الأمور الثلاثة (المحبة والتعظيم والانقياد) هي معاني العبادة ولوازمها التي يجب إخلاصها لله عز وجل، فمن جمع هذه المعاني وأخلصها لله فهو من أهل التوحيد والإخلاص، ويبقى عليه أمر آخر وهو الاتباع فيعبد الله عز وجل بما شرعه الله وبينه لنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) .
وبتحقيق هذين الشرطين : إخلاص العبادة لله عز وجل، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، يكون العبد من المسلمين الموعودين بدخول الجنة، ومن نقض شرطاً منهما فليس من أهل الإسلام والعياذ بالله.
فالشرط الأول هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
والشرط الثاني هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله.
ولا يصح إسلام عبد حتى يشهد هاتين الشهادتين
ولذلك فإن من شهد أن لا إله إلا الله فقد عاهد الله أن يخلص العبادة له وحده
وقد علمتَ معنى العبادة فيما سبق من الشرح والبيان.
فإذا شهدت أن لا إله إلا الله فاعلم أنك قد عاهدت الله أن تحبه أعظم محبة، وأن تعظمه أعظم تعظيم، وأن تخضع له وتنقاد لأمره.
ولذلك كانت (لا إله إلا الله) أعظم الحسنات، وأعلى شعب الإيمان، ومفتاح الجنة، وأفضل الذكر، ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة.
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif
وهذا العهد العظيم جزاء من وفى به أن يدخله الله الجنة، ومن خان هذا العهد وغدر ونقضه أدخله الله النار.
فهذا العهد الذي بين العبد وربه بالتوحيد وإخلاص العبادة له هو أعظم العهود، وأعظم الأمانات.
وجزاؤه وثوابه أعظم الجزاء والثواب.
وعقاب نقضه ونكثه أعظم العقاب.
فشأن هذا العهد عظيم، ولذلك شرع أن يجدده العبد في اليوم والليلة مراراً حتى لا ينساه أو يغفل عنه.
وكُرِّرَ في الأذان للصلوات الخمس في جميع الأوقات في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وكرر في الإقامة عند الحضور للصلاة واجتماع المصلين.
ويكرره العبد في صلواته فلا تصح الصلاة بغير التشهد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التشهد في الصلاة كما يعلمهم السورة من القرآن.
وهذا العهد تضمنه سيد الاستغفار الذي يستحب للعبد أن يقوله إذا أصبح وإذا أمسى ورُتِّبَ على قوله الثواب العظيم، كما في صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم قال: « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى ، اغْفِرْ لِى ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ » . قَالَ « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ »
ولذلك كان الشيطان حريصاً على أن لا يفي العبد بهذا العهد، فيوسوس له، ويمنيه، ويثبطه عن الوفاء بهذا العهد العظيم، ويزين له الذنوب والمعاصي التي يقدح فعلها في الوفاء بهذا العهد العظيم، ولا يزال بالعبد حتى ينقض هذا العهد الذي بينه وبين الله نقضاً تاماً، فينقض عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ فيرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام ينقض به هذا العهد فيموت العبد كافراً والعياذ بالله.
وقد بين الله لنا في كتابه الكريم الذي هو أعظم الهدى والبيان عداوة الشيطان للإنسان وحرصه على إغواء بني آدم في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}.
ومعنى لأحتنكن: أي لأستولين عليهم ولأقودنهم إلى المعاصي كما يقود الرجل دابته فيلقي على حنكها حبلاً يحتنكها به ويقودها به إلى حيث يشاء.
فإذا علمت ذلك فأكرم نفسك عن أن تكون دابة لإبليس يلقي عليك حبله ويحتنكك كما تحتنك الدابة، فتسلَّم له القياد، يقودك إلى المعاصي والفواحش، ويوردك المهالك، ويخدعك بما يزينه لك من زخرف القول الذي لا يغني عنك من الله شيئاً، حتى إذا جاءت سكرة الموت بالحق، وجاءت رسل ربك لتقبض روحك تبرَّأَ منك، ولا تجد من تلوم إلا نفسك التي ظلمتها ظلماً عظيماً وفرطت في الثواب العظيم الذي جعله الله لمن وفى بعهده، وصدق بوعده.
وفقني الله وإياكم للوفاء بعهده، والفوز بوعده،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
http://smiles.3z.cc/sml/30/030.gif

مفكرة إسلامية
02-04-08, 06:40 AM
علو الهمة :

بارك الله تواصلك , ولا حرمك الله الأجر .

علو الهمة
03-04-08, 10:55 AM
جزاك الله خيرا أخيتي

علو الهمة
03-04-08, 11:42 AM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif

إن الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى ليهدي المؤمن إلى عبادة الله عز وجل كأنه يراه، وهذه هي مرتبة الإحسان العظيمة التي هي أعلى مراتب الدين - نسأل الله عز وجل بلوغها والثبات عليها حتى الممات-؛ فيجتهد العبد في التقرب إلى ربه جل وعلا بما يحب، واجتناب ما يكرهه ويبغضه، حتى يحب ما يحبه الله ، ويبغض ما يبغضه الله، ويعظم ما يعظمه الله، ويحقر ما يحقره الله، فيكون من أولياء الله المخبتين الذين يحبهم ويحبونه، ويقذف الله في قلبه نوراً عظيماً، وفرقاناً مبيناً، ويجد من حلاوة الإيمان وبرد اليقين وطمأنينة القلب وانشراح الصدر والحياة الطيبة ما يعتبر بحق أعظم نعيم يمكن أن يناله أحد في هذه الحياة الدنيا.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

فمَنْ عَلِمَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يرى مكانَهُ، ويسمعُ كلامَهُ، ويعلمُ سريرَتَهُ وعلانيتَهُ،،،
وعَلِمَ أنَّهُ ذو الفضلِ العظيمِ، والإحسانِ العميمِ، والكرمِ الجزيلِ،،،
وأنَّهُ قريبٌ مجيبٌ، رحيم ودود، شاكرٌ عليمٌ، حفيظ لأعمال عباده،،،
وأنه مع من ذكره، وآمن به واتقاه، وصبر ابتغاء وجه وطلب رضاه،،،
وأنه يحب المحسنين، ويحب المتوكلين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين،،،
وأنه لا يُضيعُ عملَ عاملٍ منْ ذكرٍ أوْ أُنْثَى وهوَ مؤمنٌ، بلْ يَقْبَلُهُ ويُنَمِّيهِ، ويُباركُ لعاملِهِ فيهِ، ويضاعف له المثوبة والأجر في الدنيا والآخرة،،،

واستقرَّ هذا العلمُ في قلْبِهِ، وضربَ بجُذُورِهِ فيهِ، آتَى أُكُلَهُ كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّهِ عملاً صالحاً وحالاً مُرْضِياً؛ ذلكَ فضلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يشاءُ واللَّهُ واسعٌ عليمٌ.
فيبذُلُ العبدُ جُهْدَهُ، ويستفرغُ وُسْعَهُ في التقرُّبِ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ بأنواعِ القُرُباتِ، وتخليصِ العملِ من الشوائبِ والمُحْبِطَاتِ.

وإنَّما يضْعُفُ عزمُهُ، وتفْتُرُ هِمَّتُهُ إذا ضَعُفَ عندَهُ هذا النورُ الإيمانيُّ.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

وهذا المعنى كثيرٌ جدًّا في القرآنِ العظيمِ:
قالَ اللَّهُ تعالى:{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
[الشعراء: 217-220.]
وقالَ: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }[البقرة: 186].
وقالَ:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }[البقرة: 110]
وقالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر: 18]
وقالَ: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [5البقرة: 215]
وقالَ: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115]
وقالَ: { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } [الكهف: 30]
وقالَ: { وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }[محمَّد :53]
وقالَ:{ كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 1-3]

ومِنْ ألطفِ ما وردَ في ذلكَ قولُهُ تعالى:{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } [آل عمرانَ: 38].
وذلكَ بعدَ قولِهِ جلَّ وعلا في سياقِ قِصَّةِ مريمَ الصِّدِّيقَةِ: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمرانَ:37]
وقالَ تعالى:{ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 102-105]
فانظر كيف يرغبهم في التوبة والتصدق بقوله: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة ويأخذ الصدقات) فالله هو الذي يقبل توبة عبده ويفرح بها جل وعلا محبة لعبده المؤمن ، وإلا فإن الله غني عن عباده لا يحتاج إلى أحد طرفة عين.
والله هو الذي يأخذ الصدقات ويتقبلها من عبده الذي أخرجها إيماناً واحتساباً من كسب طيب فينميها لعبده المؤمن ويضاعفها له أضعافاً كثيرة.

ألا يحرك ذلك في نفس العبد المذنب الضعيف دواعي الرجوع إلى الله و الانطراح بين يديه والفرار إليه ؟!!
فهو البر الرحيم، والتواب الحليم، والعفو الغفور، يفرح بتوبة التائبين، ويغفر ذنوب المذنبين، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، بل يغفر الذنوب لمن آمن به ودعاه ورجاه مهما بلغت ولا يبالي كما جاء في الحديث القدسي العظيم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) رواه الترمذي وحسنه الألباني

ألا يحثه قوله: (ويأخذ الصدقات) على التصدق ابتغاء فضل الله والتقرب إليه ؟!! لعلمه بأنه الله هو الذي يأخذها، وإذا كان الله هو الذي يأخذها فلن يضيعها، بل ينميها لعبده المؤمن، ويضاعفها له، ويخلف عليه ما أنفق كما قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)
فيؤمن بأن الله يأخذها ويبارك فيها، ويؤمن بأن الله يخلف عليه ما أنفق ويرزقه رزقاً حسناً، فما الذي يمنعه بعد من التصدق؟
لذلك كان الإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة والتصدق من أعظم صفات المؤمنين التي ورد ذكرها كثيراً في القرآن الكريم.

ومن الأدلة أيضاً قول الله تعالى:{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54]
وقوله: { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ } الآيَةَ [آل عمرانَ: 15-17]
وقوله: { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنـزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

أم كلثوم
13-04-08, 10:26 PM
بارك الله فيك علو الهمة على هذا النقل الطيب

ونعم ، الله جل شأنه غيب بالدنيا لا يرى ولا سبيل إلى محبته و الشوق إليه إلا بمعرفته ولا سبيل إلى معرفته إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا ولا سبيل إلى معرفتها إلا بتدبر كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام .......... فسبحان الله كيف يرجع كل خير إلى كلامه تبارك ربنا وجل في علاه .
قال الحق جل جلاله :" قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "
كان السلف إذا فهم أحدهم الآية من كتاب الله لا ينام ليله فرحا بها .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ......

جزاك الله خيرا علو الهمة على الموضوع

علو الهمة
20-04-08, 06:12 PM
جزاك الله خيرا أخيتي
أم كلثوم !!!

علو الهمة
20-04-08, 06:34 PM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif

بل ما ارتكبَ عبدٌ معصيَةً ولا قَصَّرَ في طاعةٍ إلاَّ بسببِ جهلِهِ باللَّهِ تعالى وبما يستحِقُّهُ من التعَبُّدِ بمقتضى أسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى، والناسُ في هذا العلمِ على مراتبَ كثيرةٍ لا يُحْصِيهم إلاَّ مَنْ خلقَهُم:

فَمَنْ عَلِمَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ عليمٌ سميعٌ بصيرٌ، وأنَّهُ شديدُ العقابِ والبطْشِ، يَغَارُ إذا انْتُهِكَتْ محارِمُهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا يخافُ عاقبةَ فعلِهِ، وأن عذابه أليم، وعقابه شديد، واستقرَّ ذلكَ في قلبِهِ ارتعَدَتْ فرائِصُهُ قبلَ أنْ يُفَكِّرَ في الإقدامِ على المعصيَةِ، فكانَ في هذا العلمِ خيرُ زاجرٍ لهُ عنْ فعلِ المعاصِي.

فلا يُقْدِمُ على المعصيَةِ إلاَّ حينَ يغيبُ عنهُ ذلكَ النورُ الإيمانيُّ أوْ يَضْعُفُ،

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

وقدْ ذكرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ هذا المعنى في الكتابِ العزيزِ في غيرِ ما آيَةٍ:

فقالَ تعالى:{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14( } [العلق: 9-14]

وقالَ: { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) } [البروج: 4-9]

وقالَ:{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 75-77]
وقالَ: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } [النساء: 108]
وقال:{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة : 76-77]
وقالَ: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]
وقالَ: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور: 30 ]
وقالَ:{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } [الحجر: 49-50]
وقالَ:{ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28]

ومِنْ ألطفِ ما وردَ في ذلكَ قولُهُ تعالى:{ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} [الممتحنة: 1]
والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

والمقصودُ أنَّ العبدَ إذا عَلِمَ معانيَ أسماءِ اللَّهِ الحسنى وَفَقِهَ لَوَازِمَها وآثارَها دَعَاهُ ذلكَ إلى التعَبُّدِ للَّهِ تعالى بمُقْتَضَاهَا، فيجتنبُ المُنْكَرَاتِ، ويُسَارعُ في الخيراتِ.

ولا يزالُ بهِ الأمرُ حتَّى يتَزَكَّى في ضوءِ هذهِ الأسماءِ الحسنى التزكيَةَ الإيمانيَّةَ الطيبةَ؛ فيتحلَّى بمكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الآدابِ، ويتركُ ما لا يليقُ بأمثالِهِ منْ مَعَايبِ القولِ والعملِ.

وكُلَّمَا عَلِمَ أنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أمراً سارعَ في أنْ يكونَ منْ أهلِ ذلكَ الأمْرِ.
وإذا علمَ أنَّ اللَّهَ يكرهُ أمراً سارعَ في اجتنابِهِ والتحَرُّزِ منْهُ.
وهذا هوَ اتباع رضوانِ اللَّهِ تعالى، نسألُ اللَّهَ منْ فضلِهِ.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

علو الهمة
02-05-08, 06:47 PM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif


من آثار الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

إنَّ أسماءَ اللَّهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى لهي قُرَّةُ عينِ العابدِ المستقيمِ، وسَلْوَةُ خاطرِ المُحْزَنِ المُسْتَضِيمِ، ونُصْرَةُ المسلم المظلومِ، وفرجُ المهمومِ والمغموم، ومُتَنَفَّسُ البائسِ المكروبِ، إذا تكَالَبَتْ عليهِ الكروبُ، وتَعَاوَرَتْهُ الخطوبُ، وضاقتْ عليهِ الأرضُ بما رَحُبَتْ، والنفسُ بما اسْتَجْلَبَتْ؛ عَلِمَ أنَّ لهُ رَبًّا يرى مكَانَهُ ويسمعُ كلامَهُ، ويعلمُ حالَهُ؛ يُحبِيبُ دعوةَ المُضْطَرِّ، ويكشف الضر، وينصرُ المظلومَ.
وهوَ المستعانُ يُعِينُ مَن استعانَ بهِ.
وهوَ المُغِيثُ يُغِيثُ مَن استغاثَ بهِ.
وهوَ الرحمنُ الرحيمُ ، و الوهَّابُ الكريمُ ، و الغنيُّ الحميدُ.
وعلم أنَّهُ عزيزٌ ذُو انتقامٍ ينتقمُ لعبدِهِ المؤمنِ ممَّنْ كادَهُ وآذَاهُ.
وأنه ولي المؤمنين، وخير الناصرين، وخير الحافظين، وأرحم الراحمين.
وأنه مع من ذكره، وآمن به وشكره، وتاب إليه واستغفره.

فيفْزَعُ قلبُهُ إلى إلهه العظيم، ومولاه الكريم، يعتصمُ بهِ، ويلوذُ بجَنَابِهِ، ويستمْسِكُ بحَبْلِهِ المتينِ؛ ويعلمُ أنَّ ما هوَ فيهِ من الكربِ والضيقِ إنَّما هوَ بعلْمِهِ ومشيئتِهِ، وأنَّهُ لمْ يُقَدِّرْهُ عليهِ إلاَّ لما لهُ في ذلكَ من الحِكَم البالغةِ، والنِّعَمِ السابغةِ التي يستحقُّ عليها الحمدَ والحبَّ كُلَّهُ:
- فإمَّا مذنبٌ آبِقٌ يريدُ أنْ يَرْجِعَهُ إلى روضةِ الطاعةِ، ويُذِيقَهُ مرارةَ العصيانِ، وعاقبةَ الطغيانِ؛ فيَرْجعُ و يَسْتَعْتِبُ.
- وإمَّا مؤمنٌ صالحٌ يريدُ أنْ يرفعَ درجاتِهِ، ويُكَفِّرَ سيئاتِهِ، ويُعْلِيَ منـزلتَهُ، ويبتليَ في الإيمانِ والصبرِ قُوَّتَهُ، ويُبَاهِيَ بهِ ملائكتَهُ.

فتهدأُ بذلكَ نفسُهُ، وتَقَرُّ عينُهُ، ويَسْكُنُ جأْشُهُ، ويطْمَئِنُّ قلْبُهُ { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] وهذا من السكينةِ التي يُنـزلُها اللَّهُ تعالى على قلوبِ عبادِهِ المؤمنينَ.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

انظرْ إلى قولِ اللَّهِ تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
[الحجر: 97-99].
وتأمل أثرها على قلب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه المشركون بأنواع الكلام السيء، والاتهامات الباطلة المتناقضة التي لا غاية منها إلا الإيذاء والصد عنه بأي وسيلة كانت.
فقالوا عنه: ساحر ، وقالوا: {إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} ،
فاعجب: كيف يجتمع الاتهامان؟!!
وقالوا: هو كاهن، وقالوا: {إنما يعلمه بشر} ،
فاعجب أيضاً: كيف يجتمعان؟!!
وقالوا عنه مجنون، وقالوا: يريد الملك والرئاسة،
فاعجب :كيف يمكن لمجنون أن يكون أهلاً لطلب الملك والرياسة؟!!
حتى إنهم من فرط ولَعِهِم بالاتهامات الباطلة قالوا عنه: شاعر،
وهم يعرفون الشعر وبحوره وهزجه ورجزه، ويعرفون أن القرآن لا يلتئم مع الشعر ولا يشبهه أي شعر.
ويعرفون أنه لم يقل قصيدة قط وقد لبث فيهم عمراً قبل بعثته لا يقيم وزن بيت من الشعر.

فانظر إلى اتهاماتهم الباطلة المتناقضة التي تدل على أنهم إنما يريدون أذيته والصد عنه، ويعرفون أنهم مبطلون أفاكون فيما يقولون.
وتأمل كونها صادرة من قومه وقرابته الذين نشأ بينهم فعرفه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، بصدقه وأمانته، وحسن خلقه وسيرته، وإحسانه إليهم وصلته لهم.
ثم هو يدعوهم لما فيه عزهم وخيرهم ونجاتهم ومجدهم في الدنيا والآخرة فيقابلونه بهذه الأقوال السيئة والاتهامات الباطلة
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif


فانتقل بذهنك إلى تلك البقاع، وإلى ذلك الزمان، وتفكر في نفسك كيف أثر تلك الاتهامات الباطلة، والحرب النفسية، وذلك التآمر البغيض من كبراء القوم وسفهائهم على نفس الرسول الكريم الذي جاء ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليأخذ بحجزهم عن النار.
بل تعدى الأمر إلى السخرية به والاستهزاء المقيت.
{وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا}
يقول له أحد المستهزئين: أمرطُ ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك !
ويقول له آخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟!

والحظ معنى الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار بشخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في قولهم: {لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}
إلى غير ذلك من أقوالهم السيئة المشينة، التي تنمّ عما تنمّ عنه.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

أم كلثوم
03-05-08, 10:58 AM
جزاك الله خيرا اخية

وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

النقل جميل والشرح اجمل ............ بارك الله فيك

علو الهمة
16-07-08, 03:01 AM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif

وتأمَّلِ الآياتِ في أواخرِ سورةِ الحجِّ، وهيَ قولُهُ تعالى:{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [الحجِّ: 58]
والآياتِ التي بعْدَها؛ فإنَّ لها شأناً عظيماً، ومعانيَ جليلةً يحسنُ الوقوفُ عليها وبيانُها.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

وذلكَ أنَّ المهاجرينَ لمَّا كانوا قدْ تعرَّضُوا للفقرِ بتركِ أموالِهِم وأوطانِهِم، ومنهم مَنْ خرج لا يملكُ إلاَّ ثوْبَهُ الذي عليهِ، ولَحِقَهُمْ منْ ذلكَ ما يلحقُ الفقيرَ المظلوم من الهمِّ و الغمِّ، وكانوا بعدَ ذلكَ على قسمَيْنِ:
القسم الأول: منهم مَنْ يموتُ أوْ يُقْتَلُ والحالةُ هذهِ؛ وعدَهُم اللَّهُ عزَّ وجلَّ أنْ يرزُقَهُم رزقاً حسناً أحسنَ من الذي خلَّفُوهُ، ثمَّ بيَّنَ لهم منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ ما هوَ كفيلٌ بذلكَ، وأنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ هوَ خيرُ الرازقينَ.
وتأمَّلْ كيفَ ذكرَ هذا الاسمَ في صفةِ جوابِ القَسَمِ تقريراً لهذا المعنى ومبالغةً في رفعِ الهمِّ والغمِّ منْ قلوبِهم ؛ لئَلاَّ يأْسَوْا على ما أُخِذَ منهم في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

ثمَّ قالَ:{ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } [الحجِّ: 59] عليمٌ بصِدْقِ وعدِهِ، عليمٌ بما يُرْضِي عبادَهُ المؤمنينَ، حليمٌ يتجاوزُ عنْ سَيِّئَاتِهِم وتقصيرِهِم، حليم لا يعجل لأعدائه العقوبة لما له في ذلك من حكم بالغة، فيملي لهم ويستدرجهم حتى إذا أخذهم علموا أن أخذه أليم شديد.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif


القسمُ الثانِي: الذينَ يَبْقَوْنَ فيقاتلونَ الكُفَّارَ منْ بعدِ ما أصابَهُم البغيُ والظلمُ؛
فقالَ تعالى: { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } [الحجِّ: 60] فتكَفَّلَ اللَّهُ بنَصْرِهِمْ وتمكِينِهِم وجَعْلِ العاقبةِ لهم في الدُّنْيا والآخرةِ،
وأخبَرَهُم بعدْلِهِ وفضْلِهِ، فقالَ:{ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ }، وهذا مُقْتَضَى عدْلِـهِ عزَّ وجلَّ، فينتصرُ لعبدِهِ المؤمنِ وينتقمُ لهُ ممَّنْ ظلمَهُ، وفي هذا رفعٌ للضررِ الدنيويِّ اللاحقِ بهِ.

وقولُهُ تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } فيهِ البشارةُ لهُ بالعفوِ والمغفرةِ؛ وهذا منْ فضْلِهِ سُبحانهُ وبحمدِهِ، وذلكَ يتضمَّنُ إزالةَ الضررِ اللاحقِ بهِ منْ جهةِ الذنوبِ والمعاصِي.

فرفعَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ عنهُ ما يضرُّ بدِينِهِ ودنياهُ، وجعلَ لهُ العاقبةَ في الدنيا بالنصرِ والتمكينِ، وفي الآخرةِ بالعفوِ والمغفرةِ.


http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

ثمَّ لمَّا كانَ الظلمُ ثقيلاً على نفوسِ المظلومينَ، يسْتَبْطِئُونَ النصرَ والفرَجَ، وقدْ يَعْرِضُ لقلوبِهم من الوساوسِ والخَطَرَاتِ ما يغُمُّهُم بهِ الشيطانُ منْ كَوْنِ هذا الظلمِ مُسْتَحْكِماً لا يُمْكِنُ ارتفاعُهُ، أوْ أنَّ أسبابَ النصرِ بعيدةٌ عسيرةُ المنالِ؛ ليُقَنِّطَهُم منْ رحمةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، أرْشَدَهُم اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى التفكُّرِ في آلائِهِ وأسمائِهِ وآياتِهِ؛ فإنَّ التفكُّرَ فيها يُسَكِّنُ النفسَ، ويُطَمْئِنُ القلبَ، ويُسَلِّي المحزونَ.

فقالَ تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحجِّ: 61] فكما أنَّهُ قادرٌ على تصريفِ الليلِ والنهارِ، فيَذْهَبُ بالنهارِ ويأتي بالليلِ، ويذهبُ بالليلِ ويأتي بالنهارِ، فهوَ قادرٌ على إزالةِ هذا الظلمِ والانتقامِ للظالمينَ وإِدَالَةِ عبادِهِ المؤمنينَ عليهِمْ؛ فكما أنَّ الليلَ إذا اشتدَّ ظلامُهُ فهوَ أمارةُ قُرْبِ الفجْرِ، فكذلكَ الظلمُ إذا اشتدَّ فهوَ أمارةُ قُرْبِ الفرَجِ، وإنَّما هيَ ساعاتٌ معدودةٌ يبتلي اللَّهُ فيها عبادَهُ؛ فيرضى عن المؤمنينَ ويَمْحَقُ الكافرينَ.
ثمَّ ذكرَ لهم أمراً آخرَ يُطَمْئِنُ قلوبَهُم بهِ، فقالَ: { وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يسمعُ ويُبْصِرُ ما يقعُ من الظلمِ، وهذا يستلزمُ عنايتَهُ عزَّ وجلَّ بعبادِهِ، وأنَّهُ لا يُقِرُّ الظلمَ عليهم، وأنَّ هذا الإمهالَ إنَّما هوَ لحِكَمٍ يعلَمُها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وأنَّهُ لا يُهْمِلُ عبادَهُ ولا يخْذُلُهُم ولا يتْرُكُهُم عُرْضَةً لأعدائِهِ.
ثمَّ قالَ تعالى مُقَرِّراً هذا المعنى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [الحجِّ: 62]، فكونُهُ الحقَّ يقتضي عدمَ إقرارِ الباطلِ والظلمِ وهضمِ الحقِّ، بلْ لا بدَّ أنْ ينصُرَ الحقَّ ويُعْلِيَهُ على الباطلِ.

ثمَّ بيَّنَ لعبادِهِ المؤمنينَ أمراً آخرَ يُطَمْئِنُ قُلوبَهُم، وهوَ أنَّهم يعبدونَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ((الحقَّ)) الذي لا أحدَ أحقُّ بالعبادةِ منهُ، بلْ لا يستحقُّ العبادةَ أحدٌ سِوَاهُ، وأنَّ الظالمينَ المشركينَ إنَّما يَدْعُونَ منْ دُونِهِ الباطلَ؛ والإلهُ الحقُّ لا بُدَّ أنْ يغلِبَ الآلهةَ الباطلةَ ويَنْصُرَ أتباعَهُ على أتباعِها.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

مروة عاشور
16-07-08, 08:13 AM
أختى علو الهمة بارك الله تواصلك

موضوع قيم

الله يعينكم على طاعته وينفع بكم.آمين

أم كلثوم
16-07-08, 03:03 PM
أثابكِ الرحمن على هذا النقل الجميل علو الهمة

الشرح ممتع جدا للآيات باختصار وربط وتركيز على الفائدة المقصودة

علو الهمة
09-08-08, 07:55 AM
حياكن الله أخواتي :
زهرة
وأم كلثوم
وجزاكن الله خيرا ونفع بكن

علو الهمة
09-08-08, 08:04 AM
http://www.imamsadeq.org/IMAG/besmbook-01.gif

ثمَّ ذكرَ منْ أسمائِهِ ما يقتضي نُصْـرَةَ أوليائِهِ وتمكِينَهُم ورفعَ الظـلمِ عنهُمْ، وهوَ أنَّهُ سبحـانَهُ ((العليُّ الكبيرُ)) ، فهوَ العليُّ بذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، ودينُهُ هوَ أعلى الأديانِ، وعبادُهُ المؤمنونَ هم الأعْلَوْنَ، ومَنْ سِوَاهُم فهم الأذلُّونَ الأرْذَلُونَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يغلبَ الأذلُّ الأعلَى.

وكذلكَ كونُهُ ((الكبيرَ)) أكبرَ منْ كلِّ شيءٍ بذاتِهِ وصفاتِهِ؛ وهذهِ الصفةُ تستلزمُ عِدَّةَ صفاتٍ أخرى؛ كالقُوَّةِ والقدرةِ والقهرِ والجبروتِ وشدَّةِ البطْشِ، وغيرِها من الصفاتِ التي تَقَرُّ بها عيونُ أوليائِهِ بأنَّ ربَّهُم الذي يعبدونَهُ ـ وهذهِ صفاتُهُ ـ لا يمكنُ أنْ يخْذُلَهُم، ولا يَعْجَزُ عنْ نُصْرَتِهِم.

فكونُهُ العليَّ يقتضي عدمَ خِذْلانِهِم، وكونُهُ الكبيرَ يقتضي عدمَ عَجْزِهِ عنْ نُصْرَتِهم.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

ثمَّ لمَّا كانت النفسُ البشريَّةُ مجبولةً على الاستعجالِ، وكأنَّ قائلاً قالَ: ما دامَ الأمرُ كذلكَ فَلِمَ لا يُعَجِّلُ النصرَ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) } [الحجِّ: 63]، فلفتَ أنظارَهُم إلى التفَكُّرِ في آيَةٍ منْ آياتِهِ المُشَاهَدَةِ ليَسْتَدِلُّوا بها على حكمتِهِ تعالى فيما غابَ عنهم علمُهُ، وذلكَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قادرٌ على أنْ يُنْبِتَ النباتَ بغيرِ ماءٍ أصلاً، ولكِنَّهُ لطيفٌ خبيرٌ يُوصِلُ الخيرَ إلى عبادِهِ بأسبابٍ خَفِيَّةٍ وجليَّةٍ على ما تقتضيهِ حكمتُهُ ورحمتُهُ؛ فكما أنَّهُ يُنـزلُ الماءَ من السحابِ وهوَ سببٌ مُشَاهَدٌ، ثمَّ يأخذُ الماءُ دَوْرَتَهُ معَ بذورِ النباتِ تحتَ الأرضِ الصالحةِ للنباتِ وهوَ سببٌ خفِيٌّ، ثمَّ ما تَلْبَثُ الأرضُ أنْ تَخْضَرَّ ويَعُمَّها الربيعُ فيستبشرُ بهِ أهلُ الأرضِ ويُسَرُّونَ مِنْ بعدِ ما كادُوا يُبْلِسونَ منْ شدَّةِ الجدْبِ والإمحالِ؛ فكذلكَ ماأنـزلَ اللَّهُ إلى عبادِهِ منْ أوامرِهِ وأوْحَى إليهم منْ كلامِهِ هوَ كالغيثِ إذا خالطَ القلوبَ المستقيمةَ أخذَ دَوْرَتَهُ معَ بَذْرةِ الفطرةِ السليمةِ، فأينعتْ ثمارُهُ، ورَبَعَتْ أقطارُهُ، وانجلَتْ عنهُ القسوَةُ، وعمَّتْهُ الصحوَةُ، فانطَلَقَت التباشيرُ بطلوعِ الفجرِ وإدبارِ الليْلِ، وانقشاعِ سحابةِ الظلامِ الدامسِ.

وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ المسلمينَ إنَّما يُنْصَرُونَ بتمَسُّكِهِم بما أُوحِيَ إليهم واستِقَامَتِهِمْ على طاعةِ ربِّهِم، فلا تَلْبَثُ الآثارُ والنتائجُ أنْ تَبْدُوَ ظاهرةً جليَّةً بإذنِ اللطيفِ الخبيرِ، فعليهم الاشتغالُ بإصلاحِ قلوبِهم وأعمَالِهِم وتركِ الاستعجالِ؛ فكلُّ ما قدَّرَ الرحمنُ مفعولٌ. وهكذا بَقِيَّةُ الآياتِ.

فانظرْ إلى جلالةِ هذا الكتابِ العزيزِ كيفَ يُجَلِّي الحزنَ، ويُذْهِبُ الهمَّ عنْ قلوبِ أولياءِ اللَّهِ المؤمنينَ الذينَ يتلونَهُ حقَّ تلاوتِهِ.


http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif


إنَّ أسماءَ اللَّهِ الحسنى ربيعُ قلوبِ المؤمنينَ العارفينَ تَفْتَحُ لهم بابَ الإيمانِ واليقينِ، وتجْلُو الرَّانَ والرَّيْبَ عنْ قلوبِهم، فتَرَاهُم يُسارعونَ بامتثالِ أوامرِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ واجتنابِ نواهيهِ وتصديقِ أخبارِهِ، وإذا دهَمَهُمْ أمرٌ كانَ فزَعُهُم وفِرَارُهُم إلى ربِّهِم عزَّ وجلَّ لما عَلِمُوا منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ.
فهم أولياء الله تعالى الذين يحبهم ويحبونه، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويؤيدهم بنصره، ويحفظهم بحفظه، فهم حزبه المقربون، ومن عداهم فحزب الشيطان، استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.
وما ثم خيار ثالث:
- فإما أن تكون من حزب الله جل وعلا، فتؤمن به وتتوكل عليه، وتقوم بما أوجبه عليك، فتجد الحياة الطيبة في الحياة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة في جنة عرضها كعرض السماء والأرض، أعد الله فيها لعباده المؤمنين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

-وإما أن تعرض فتكون من حزب الشيطان، تمتع في الدنيا قليلاً، ثم تذاق فيها الخزي والذل والهوان، وفي الآخرة عذاب شديد في نار جهنم وبئس المصير.

فكن من حزب الله وبادر إلى التقرب إليه ونصرة دينه بما أقدرك الله عليه.
ولا تكن من حزب الشيطان فتكون من الخاسرين، واحذر كيده وحبائله، وتسويفه وتزيينه، وإياك أن تتبع خطواته ، فإنه عدو مضل مبين.

http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

اللَّهُمَّ هَيِّئْ لنا منْ أمْرِنا رَشَداً، ووفِّقْنا لصالحِ الأقوالِ والأعْمَالِ، والأخلاقِ والأحوالِ، يا حيُّ يا قَيُّومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهم ربَّنَا باركْ لنا في أوْقَاتِنا وأعْمَالِنا، وأنْ يُوَفِّقَنا لاتِّبَاعِ رِضْوَانِهِ واجتنابِ مَسَاخِطِهِ، وأنْ يُيَسِّرَ لنا العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ والدعوةَ إليهِ على بصيرةٍ إيماناً واحتساباً.
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينْفَعُنا، وانْفَعْنَا بما علَّمْتَنَا، وزِدْنَا علماً وهُدًى وصلاحاً، إنَّكَ قريبٌ مُجِيبٌ.
اللَّهُمَّ تقَبَّلْ منَّا إنَّكَ أنتَ السميعُ العليمُ، واغفِرْ لنا وارْحَمْنَا إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ.


اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ، وَبَارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ في العالمينَ، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.


http://www.alriyadh1.com/vb/images/smilies/fw/FW19.gif

سمية بنت إبراهيم
14-08-08, 02:03 AM
رائع جدا

ما شاء الله عليكِ علو الهمة

لا حرمتِ الأجر على هذا النقل المبارك إن شاء الله تعالى