تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : درس أهميــة علم الحديث لطالب العلم ,, وأدابــهــــــا


أم الخطاب78
13-11-09, 01:19 AM
شرف الحديث والمحدثين






حث الله تعالى عباده على تعلم العلم ، ومدح العلماء وأشاد بذكرهم ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على توحيده سبحانه ، فقال: { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ( آل عمران 18) ، وحصر خشيته فيهم فقال جل وعلا : { إنما يخشى الله من عباده العلماء} ( فاطر 28) ، ونفى المساواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون فقال :{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ( الزمر 9) ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء هم ورثة الأنبياء ، وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على فضل العلم والعلماء .


وعلم الحديث من أجل العلوم وأشرفها وأعظمها عند الله قدراً ، فبه يعرف المراد من كلام الله عز وجل ، وبه يطلع العبد على أحوال نبيه - صلى الله عليه وسلم - وشمائله ، وناهيك بعلمٍ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بدايته ، وإليه مستندُه وغايته ، وحسب الراوي للحديث شرفًا وفضلاً ، وجلالة ونُبلاً، أن يكون في سلسلة آخِرُها الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال بعض أهل العلم : " أشدُّ البواعث وأقوى الدَّواعي لي على تحصيل علم الحديث لفظ "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " .



فمن تحمل الحديث واشتغل بتعلمه وتعليمه ، كان له الحظ الأوفر من هذا المدح للعلماء ، وكفى بذلك شرفاً للحديث وحملته ، بل إن صرف العمر في تعلم الحديث ونشره أفضل من الاشتغال بنوافل القربات ، وما ذاك إلا لما فيه من بيان القرآن ، وإحياء سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والتأسي به ، ولو لم يحصل لأهله من الفضل إلا كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي ورد فيها ما ورد من الفضل الجزيل ، كقوله عليه الصلاة والسلام :( أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة) رواهالترمذي وحسنه ، وأهل الحديث هم أكثر الأمة صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .



وقد قيل في قوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم } (الإسراء 71) : " ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من هذه ، لأنه لا إمام لهم غيره - صلى الله عليه وسلم- " .





ويكفي أهلَ الحديث شرفاً وفضلاً دخولهم في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال - كما في السنن - : ( نضَّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ) ، قال سفيان بن عُيَينة: "ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نضرة ، لهذا الحديث " .



كما أن الاشتغال بعلم الحديث تبليغ عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - وامتثال لأمره ، حين قال : (بلغوا عني ولو آية) رواه أحمد وغيره .



وقد بشَّر - صلى الله عليه وسلم - بحفظ هذا العلم ، وأن الله عز وجل يهيء له في كلّ عصر خلفًا من العُدُول ، يحمونه وينفون عنه التحريف والتبديل ، حماية له من الضياع ، وكفى بذلك شرفاً وفضلاً ، فقال في الحديث المشهور : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) رواه ابن عبدالبر وغيره وحسنه ، وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول : " لولا أهل المحابر ، لخطبت الزنادقةُ على المنابر" .



ومما يدل أيضاً على شرف الحديث وأهله ، ما ورد عن السلف والأئمة من تعظيم للسنة ، وإجلالهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول عمرو بن ميمون : " ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه ، قال : فما سمعته يقول بشيء قط قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان ذات عشية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فنكس ، قال : فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه ، قد اغرورقت عيناه ، وانتفخت أوداجه " رواهابن ماجة ، وكان ابن سيرين إذا ذُكر عنده حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك خَشَع ، واشتهر عن الإمام مالك رحمه الله في ذلك أَكثر من غيره ، فكان إذا أَراد الحديث اغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه وجلس على منصة خاشعاً ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من الحديث ، ويقول: أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يكره أَن يحدِّث وهو قائم أو مستعجل ، وما ذاك إلا تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإجلالاً لحديثه وكلامه .





وهذا التعظيم للحديث ، والحرص على نقله ، والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - في الدقيق والجليل ، من أعظم علامات محبته ، والمرء مع من أحب يوم القيامة ، وقد جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : وما أعددت للساعة ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال : فإنك مع من أحببت ) ، قال أنس :" فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنك مع من أحببت ، قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكروعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم " ، وأهل الحديث هم أولى الناس بهذا الوصف .



ولذلك قال الشافعي : " أهلُ الحديث في كل زمان كالصحابة في زمانهم ، وكان يقول : "إذا رأيتُ صاحبَ حديثٍ فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " .



أهل الحديث همُ أهل النبيِّ وإن لم يصحبوا نفْسه أنفاسَه صحِبوا


فعلم بذلك شرف أهل الحديث ، وعلو مكانتهم في الدين ، وأن الاشتغال بالحديث من أعظم الطاعات وأجل القربات ، فينبغي على المسلم أن يعتني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظاً وفهماً، وتعلماً وتعليماً .

أم الخطاب78
13-11-09, 01:20 AM
آداب طالب الحديث










ذكر أهل العلم آداباً ينبغي أن يراعيها من يشتغل بهذا العلم الشريف ، وهذه الآداب منها ما يتعلق بالمُحَدِّث ، وقد سبقت الإشارة إلى شيء منها في مقال مستقل ، ومنها ما يتعلق بالطالب ، فطالب الحديث يشترك مع المُحَدِّث فيما ينبغي أن يتحلى به من تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلب الحديث ، والحذر من أن تكون الغاية من طلبه التوصل إلى أغراض الدنيا فقد روى أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة - يعني ريحها - ) ، وقال حماد بن سلمة : " من طلب الحديث لغير الله مُكر به " .






ويختص الطالب بجملة من الآداب منها : أنه ينبغي له إذا عزم على سماع الحديث ، أن يقدم السؤال لله تعالى بأن يوفقه ويسدده وييسر له ما عزم عليه من ضبط الحديث وفهمه ، ثم يفرغ نفسه لهذا الشرف ، ويبذل غاية جهده ووسعه في تحصيله ، فإن العلم لا ينال براحة الجسد ، وقد قال الشافعي رحمه الله : " لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذلة النفس ، وضيق العيش وخدمة العلم أفلح " .



وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة التي تليق بطالب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو عاصم النبيل : " من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين ، فيجب أن يكون خير الناس " .



ثم يبادر إلى السماع بعد ذلك ، من غير توقف ولا تأخير ، فيبدأ بأرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً ، فإذا فرغ من مُهِمَّاتِهِم ارتحل إلى البلاد الأخرى ، للقاء الشيوخ والرواة ، والاستفادة من مذاكرتهم ومجالستهم ، كعادة الحفاظ المبرزين ، وقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه إلى عبد الله بن أُنيس شهراً كاملاً في طلب حديث واحد .



وينبغي لطالب الحديث أن يعمل بما سمعه من أحاديث ، فإن ذلك زكاة ما جمع من الحديث ، وهو من أعظم أسباب حفظه وعدم نسيانه ، قال بشر الحافي : " يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث ، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث " ، وقال وكيع : " إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به " .






ومن أدب الطالب أن يعظم شيخه ومن يسمع منه ، فذلك من إجلال العلم ، ومن أسباب الانتفاع بالشيخ ، فيتحرى رضاه ويحذر من سخطه ، ولا يطول عليه بحيث يضجره ، بل يقنع بما يحدثه به ، ويستشيره في أموره التي تعرض له ، وما هو العلم الذي يشتغل به وكيفية ذلك ، وعليه أن يصبر على جفوة شيخه إن بدر منه شيء من ذلك ، قال الأصمعي : من لم يتحمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا .



وينبغي له أن يعتني بالأهم قبل المهم ، وأن يراعي التدرج في ذلك ، فإن من طلب العلم جملة فاته جمله ، وألا يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها .



وعليه أن يرشد إخوانه وزملاءه في الطلب إلى ما ظفر به من فوائد ولا يكتمها عنهم ، فإن كتمان الفائدة عن الإخوان لؤم يحرم المرء من الانتفاع بالعلم ، ومن بركة الحديث والعلم إفادته ونشره ، قالابن المبارك رحمه الله : من بخل بالعلم ابتلي بثلاث : " إما أن يموت فيذهب علمه ، أو ينسى ، أو يتبع السلطان " .



وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء أو الكبر من السعي في السماع والتحصيل وأخذ العلم ولو ممن هو دونه في السّن أو المنزلة ، فقد قال مجاهد رحمه الله : " لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر " ، وقال وكيع : " لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه " .



وينبغي أن يذاكر محفوظاته على الدوام ، ويباحث بها أهل المعرفة ، وبذلك يحفظ العلم من النسيان ، يقول علي رضي الله عنه : " تذاكروا هذا الحديث ، إنْ لا تفعلوا يدْرُس " أي يذهب ويضيع ، وقال ابن مسعود : " تذاكروا الحديث فان حياته مذاكرة " .



ولا ينبغي للطالب أن يقتصر على سماع الحديث وكتابته من غير تفهم له ، ومعرفة بصحته من ضعفه ، ومعرفة بمعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله ، فإن ذلك من آكد الأمور وأولاها .



هذه هي أهم الآداب التي يذكرها أهل العلم في هذا الباب ، ومعظمها آداب لا تختص بطالب الحديث وحده بل تعم كل دارس لأي فن أو علم ، وبالجملة فالواجب كما قال - الخطيب البغدادي- رحمه الله " أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً ، وأشد الخَلْق تواضعاً ، وأعظمهم نزاهة وتديناً ، وأقلهم طيشاً وغضباً ، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآدابه ، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ، وطرائق المحدثين ، ومآثر الماضين ، فيأخذوا بأجملها وأحسنها ، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها " .