المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مظاهر ضعف العقيدة , للشيخ العلّامة: صالح بن فوزان الفوزان


قمم
09-12-09, 06:26 PM
*بسم الله الرحمن الرحـيم*




هذه المادة من شريط مظاهر ضعف العقيدة، في عصرنا الحاضر، وطرق علاجها، للدكتور العلامة صالح بن فوزان الفوزان ,وتم تفريغ مادة هذا الشريط ،من قبل مجموعة آل سهيل الدعوية..وإليكم هذه المادة..


http://www.box.net/shared/ikv6gubj86




الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد...
فإن العقيدة يراد بها:ما يعتقده الإنسان بقلبه، ويجزم به وينطق به بلسانه، ويعلنه، ويعملُ بجوارحه بما تتطلبه هذه العقيدة.
أقول من عقد الشيء، إذا شدّه وأحكمه، والمراد بها هنا: عقيدة التوحيد، التي هي أساس الإسلام, وأساس الملة والتي تبنى عليها جميع الأعمال، فهي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصح به الأعمال، والأقوال، وهي الركن الأول من أركان الإيمان،
والركن الأول من أركان الإسلام
فأول ركن من أركان الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله.
وأول ركن من أركان الإيمان كذلك، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ..
وهي أول ما يدعوا إليه الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم، وكل رسول يقول لقومه ( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ)
وقال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )
فهي البداية، وهي الأساس، وهي المعتبرة في صحة الأعمال أو بطلانها، فإن كانت العقيدةُ صحيحةً مبنيةً على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، صحّت معها جميع الأعمال، إذا كانت موافقةً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن العملَ لا يُقبل إلا بشرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله عزٌ وجل، بأن لا يكون فيه شيءٌ من الشرك، وهذا معنى" لا إله إلا الله "
الشرط الثاني: أن يكون العمل موافقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس بهِ بدعة، ولا إحداثٌ في الدين، وهذا من معنى"شهادة أن محمدًا رسول الله"

فهذه هي العقيدة، وهذه أهميتها في دين الإسلام، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم كإخوانه من النبيين، أول ما بعثه الله في مكة، أول ما دعا إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
قال"صلى الله عليه وسلم" : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ،فإذا قالوها عصموا مني دمائهم، وأموالهم إلا بحقه"

فأمضى صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة، في مكة قبل الهجرة، يدعو إلى التوحيد، وينهى عن الشرك، ولقي في ذلك ما لقي كإخوانه من النبيين من الأذى،
وتحمل ذلك في سبيل الله عزَّ وجل، وتبِع رسول صلى الله عليه وسلم على ذلك صحابته الكرام، والتابعون لهم بإحسان،
ومن جاء من بعدهم من الأئمة ، يعتنُون بهذه العقيدة، وتأصِيلها، وتعليمها للناس، والدعوة إليها، والذب عنها، وأثارهم في ذلك موجودة في مؤلفاتهم التي تقوم على هذا الأساس.
وهذا مما يدل على أهمية العقيدة، وأنها يُبدأ بها أولاً، فإذا صحت اُتجه إلى بقية الأعمال.

ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن، قال له : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله -أول ما تدعوهم إليه ..شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله- فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وتُرد في فقرائهم ".
فلم يطلب من معاذ أن يُعْلِمهم الصلاة، والزكاة، إلا بعد أن يجيبوا شهادة أن لا إلا الله وأنّ محمداً رسول الله.. لأنه لا فائدة، من الصلاةِ، والزكاةِ، وسائر الأعمال، بدون تحقيق الشهادتين، وهذا مما يدل على أهمية العقيدة، ومكانتها في الإسلام، وأنها يُبدأ بها قبل كل أمرٍ بمعروف، أو نهيٍ عن منكر، وهي عبادة الله وحدهُ لا شريكَ لهْ، وترك عبادة ما سواه، كما قال تعالى:"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"
"أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"
والطاغوت: هو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، لأن العبادة لا تصح إذا كان معها شرك، لا تصح إلا إذا كانت خالصةً لله عز وجل، أما الذي يعبد الله ،ويعبد معه غيره، عبادته غير صحيحة،
كما في الحديث القدسي أ ن الله جلٌ وعلا قال: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عَمِل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه" وفي رواية : "فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء"

ولا يأتي الأمر بالتوحيد، إلا ومعه النهي عن الشرك، لأن التوحيد لا يتحقق إلا بِتجنبْ الشرك، فهما متلازمان، فلا يكفي أن الإنسان يقول: أنا أعبد الله، أُنا أُصلي، أنا أصوم، أنا أحج، أنا أتصدق، ولا يمنع هذا أن أدُعو الحسن والحسين وعبد القادر،
وأستغيث بالأموات، هذا لا يُقبل منه عمل، ولا تصح منه حسنةً واحدة، حتى يُخلصَ عبادته لله سبحانه وتعالى فلا يشرك بربه أحدا.
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا)
"فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِيِنَ له الدِّينَ"
أي مُخلصين له الدُعاء، فلا تدعو الله، وتدعو معه غيره، من أصحاب القبور والأموات، والغائبين، تستنجدوا بهم، تدعوا هذا وهذا ،وهذا شركٌ أكبر، يُخرج من الملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أو تعبد الله، وتقول لا إله إلا الله، ثم تذبح للقبور، أو تنذر للأموات وغير ذلك، فهذا تناقض لا يقبله الله سبحانه وتعالى ،كما سمِعتم في الحديث"من عمل عملاً، أشرك معي فيه غيري، تركته و شركه "وفي رواية:"فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء"


أما مظاهر ضعف العقيدة، في عصرنا، فهي كثيرة تجب معالجتها، وإلا فإنها سيكون لها أثارٌ قبيحة على العقيدة، وقد لا تبقى معها عقيدة إذا لم تُعالج.

*من مظاهر ضعف العقيدة *

1/ التقليلُ من شأنها: لأن بعض الناس مع الأسف وقد يكونون من المتعلمين، أو من الدعاة حتى، لا يهتمون بالعقيدة، ويقولون العقيدة تُنفِّر، فلا تُنفروا الناس، لا تُعلموهم العقيدة، اتركوا كلاً على عقيدته،
ولكن ادعوهم إلى التآخي والتعاون، وادعوهم إلى الاجتماع، وهذا تناقض، لأنه لا يمكن التآخي، ولا يمكن التعاون، ولايمكن الاجتماع، إلا على عقيدةٍ واحدة صحيحة سليمة، وإلا فإنه سيحصُل الاختلاف، وكلٌ يُؤيد ما هو عليه،
ولا يجمع الناس إلا كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" نطقاَ، واعتقاداً، وعملاً، أما مجرد أنهم ينتسبون إلى الإسلام، وهم مختلفون في عقيدتهم فهذا لا يُجدي شيئاً.

المشركون الذين بُعثَ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية، يعتقدون أن الله هو الرب وحده، وهو الخالق وهو الرازق وهوالمحيي المميت المدبر، ولكنهم في العبادة لا يخلصون العبادة لله، وإنما كلٌ يعُبد ما استحسنه، فصاروا متفرقين في عباداتهم، وإن كانوا يعترفون كلهم بتوحيد الربوبية، لكنهم في العبادة والتأله متفرقون، منهم من يعبُد الشمس والقمر،ومنهم من يعبُد المسيح وعُزير، ومنهم من يعبُد الشجر والحجر، ومنهم من يعبُد ويعبُد....الخ

كلٌ له آلهة، وكان من أثر ذلك أنهم مُتناحرون، أنهم مُتفرقون، أنهم مُتباغضون، أنهم مُتعصبون، كلٌ يتعصب لآلهته
لهذا قال يُوسف عليه السلام (ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
(مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

فكانوا مُتفرقين، مُتناحرين، كلٌ يتعصب لِملته، ونِحلته، وآلِهته، وإن كانوا يقولون ربُنا واحد، لكن معبوداتهم متفرقة،
فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد، وإفراد الله بالعبادة، استجاب له من استجاب، اجتمعوا وصاروا إخوة متحابين، وصاروا أمةً واحدة، وصار سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وغيرهم من سادات المسلمين، صاروا إخوة لبني هاشم أشرف العرب، صاروا إخوة مُتحابين مُتلاحمين بكلمة التوحيد، التي وَحَدْتِهم (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) بالمؤمنين:ما اجتمعوا إلا بالإيمان
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

ألّف بينهم بأي شيء ؟

بالعقيدة الصحيحة، بالتوحيد لا إله إلا الله، هذا الذي ألّف الله بهِ بينهم، ولا يؤلّف المسلمين اليوم، ويردهم إلى وحدتهم وقوتهم، إلا ما ألف بين السابقين,
ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لا يصلح أخر هذه الأمة، إلا ما أصلح أولها "
فإذا كانوا يُريدون جمع الأمة، والتآخي، والتعاون، فعليهم بإصلاح العقيدة، وبدون إصلاح العقيدة لا يمكن جمع الأمة، لأنه جمع بين المتضادات، ولو حاول من حاول، لو عُقَدت المؤتمرات والندوات لجمع الكلمة
هذا لا يمكن إلا بإصلاح العقيدة-عقيدة التوحيد-

يقول الشاعر:
إذا ما الجُرحُ رُمَّ على فسادٍ
تبين فيه إهمـــــــال الطبيبِ

الجُرح لابد يُعالج، ويُنقى، ويطهر، ويُرَمُّ على دواء نافع، أما إذا رُمَّ على فسادٍ، فذلك إهمال من الطبيب، كذلك الذي يريد أن يجمع الأمة، ويرُمُّها على غير التوحيد، والعقيدة الصحيحة هذا مُهمل.

فبطلت بذلك مقولة، أن العقيدة تنفر الناس، والدعوة إلى التوحيد يُنفر الناس، ادعوهم إلى الاجتماع، ادعوهم إلى الوقوف ضد العدو، العدو يفرح بمثل هذا الكلام، لأنه يعرف أنه لا جدوى له.

ومن أعظم مظاهر ضعف العقيدة التقليلُ من شأنها، لأن فيه من يقلل من شأن التوحيد، ومن شأن العقيدة، ويدعوا إلى الالتفاف تحت مسمى الإسلام، ومظلّة الإسلام العامة مع أنه لا يكون إسلام إلا بالعقيدة الصحيحة، التي هي رأسه، وأُسُّه، لا يكون إسلامًا وإن سموه إسلام، فليس هو الإسلام.

2/كذلك من مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر: عدم اهتمام كثيرٍ من الدعاة بها ، دعاة يدعون إلى الإسلام، لكن أي إسلام يدعون إليه؟!

لا يدعون إلى العقيدة، قد يكون يدعون إلى الصلاة، إلى الصدق، إلى الأمانة، إلى الأعمال الطيبة، لكن العقيدة لا تأتي لهم على بال، فكيف يكونوا دعاةً بهذه الصفة؟!

هؤلاء ليس دعاة إلى الإسلام بالمعنى الصحيح، الدعاة إلى الإسلام يهتمون بأساس الإسلام، ومنبع الإسلام، وقوة الإسلام، وهي العقيدة، فلذلك لا تجد للدعوة إلى التوحيد، في مناهجهم، لا تجد لذلك ذكراً، ولا اهتماماً، فهذا من مظاهر الضعف، بل ربما أن أغلبهم لا يعرفون التوحيد، بالمعرفة الصحيحة ، لأنهم لم يدرسوه، ولم يتعلموه، وهم يدعون إلى الإسلام،
كيف يدعون إلى الإسلام، وهم لا يعرفون أساسه، ويعرفون أصله؟!
فيجب على الدعاة وفقهم الله، أن يتعلموا العقيدة أولاً ويهتموا بها، ويفهموها، وينظروا في واقع الناس اليوم، وما وقع من الخلل في العقيدة، ثم يقومون بإصلاحه قبل كل شيء، هذا هو الإصلاح الصحيح، والمنهج السليم، للدعوة إلى الإسلام، و إلا فإن الدعاة إلى الإسلام، وجماعات، وجمعيات، وجهود، ومراكز،
لكن أين الأثر؟

والشرك يعُج في الأمة الإسلامية الآن، والأضرحة في كل مكان-إلا ما شاء الله- ، وعبادة غير الله، تُعلن جهاراً نهاراً، الاستغاثة بالأموات، والذبح للأموات، وربما للجن، والشياطين، والدعاة ساكتون!!
يدعون إلى أي شيء إذن؟

ولذلك لم تُثمر دعوتهم، بينما لو قام عالم واحد محقق، ودعا إلى التوحيد، نفع الله به الأمة، وهوَ ما عنده أعوان، ولا عنده أموال، ولا عنده ...إلخ

لكن يدعو إلى التوحيد، وإلى العقيدة السليمة، ويدعو إلى الله على بصيرة، كما قال الله عز وجل: لنبيه صلى الله عليه وسلم
‏قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

‏سبحان الله: أي ينزَّه الله سبحانه عما لا يليق به، وما أنا من المشركين، يتبرأ من المشركين، هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى التوحيد ، التي أمره الله أن يُعلِمها للناس على بصيرة،
أنا ومن اتبعني: فأتباع الرسول يدعون إلى الله على بصيرة، أما الذي يدعو إلى الله على جهل، أو على عدم اهتمام بالعقيدة،
فهذا ليس على بصيرة، وإن كان عالماً،
إذا لم يهتم بالتوحيد ليس على بصيرة،
فهذا من مظاهر ضعف العقيدة في عصرنا الحاضر، أن كثيراً من الدعاة، والجماعات والجمعيات لا تعيرها اهتماماً، لا تعلماً، ولا تعليماً، ولا دعوةً، وإنما يهتمون بمخططات يضعونها لأنفسهم، ليست على أساس سليم، فهذه لا تُجدي شيء، وتضيع الجهود كلها، ويبقى الناس على ما هم عليه.
ولا حول ولاقوة إلا بالله.

وكذلك من مظاهر ضعف العقيدة، في عصرنا الحاضر:
3/ عدم التركيز عليها في المناهج الدراسية: لا يركزون عليها، ويجعلون لها الصدارة، في الوقت، وفي الحصص، وفي الكتب المفيدة النافعة،
لا يركزون عليها في الغالب، وإنما المناهج محشوة بمواد دنيوية، علوم دنيوية، أو أمور تنسب إلى الدين، من حسن التعامل، وحسن الجوار، والصدق في المعاملات ... وإلخ،
لكن نصيب العقيدة في المناهج الدراسية -إلا من رحم الله- نصيبٌ ضعيف، ونصيب الأسد لغيرها،
فهذا مما أخّر المسلمين، وأنشأ جيلا جاهلا بالعقيدة، يتخرج من الدراسات العليا وهو لا يعرف العقيدة المعرفة اللائقة،
فكيف يُرجى حينئذ أن العقيدة تنتصر وتنمو وهي لا وجود لها في المناهج، وإن وُجَد لها ذكر، فهو ذكرٌ ضعيف لا يسمن ولا يُغني من جوع،
ما فيه تفصيل، ما فيه بيان، ما فيه تركيز، وحتى لو وُجد في المناهج حيّزٌ للعقيدة فالغالب أن الذين يدرسونها لايهتمون بها، ولا يُفٌهمون الطلاب وإنما همهم التحدث مع الطلاب، ومدح الإسلام، ومدح الدين، لكن من غير اهتمام بالعقيدة، ولا فهمٍ لها، ولا معرفةِ لها، أو همهم أن ينجح الطالب ولو بالدف -على ما قالوا- ولو مع الضعف،
وليس همهم في الغالب أن يكون فاهم للعقيدة، فاجتمع عدم التركيزُ عليها في تخطيط المناهج واجتمع ضعف المدرسين أو عدم اهتمامهم بها وانشغالهم بالأفكار والأشياء والثقافات دون أن يهتموا بالعقيدة ويلقنوها للطلاب تلقيناً صحيحاً ويختبروهم فيها ، ويعلمونهم الاهتمام بالعقيدة، ويُبينُونَ لهم أهمية العقيدة، قلّ هذا في مجتمعات المسلمين.
في بلادنا ولله الحمد، المناهج فيها نصيبٌ كبير للتوحيد والعقيدة، ولكن نرجو الله أن يهيئ لها معلمين، ورجال مخلصين، يَفهمون العقيدة، ويُوصّلونها إلى الطلاب، فليس المقصود وُجُود الكتب، أو وُجُود الحصص، هذا طيب...
لكن المقصود وُجُود المدرس، الذي يُفهم الطلاب العقيدة، وُيوضحها لهم، هذا هو المهم .

كذلك من مظاهر ضعف العقيدة:
4/ التأثر بما يبثه أعداء الإسلام وأعداء التوحيد من تهوين للعقيدة ورمي لها بأنها تشدد: يرْمون العقيدة بأنها تشدد وأنها تكفيرية، وأنها من منابع التطرف، يقولون هذا في الفضائيات، وفي الكتابات، وفي الصحف، والمجلات، بأن العقيدة، و أهل التوحيد أنهم أهل تطرف، وأهل غُلو، فيتأثر بهم من يسمع هذا الكلام، فيزهد في العقيدة، أو لا يُحب الكلام فيها، لئلا يُتهم بأنه متطرف، وأنه غالي ،وأنه تكفيري، وأنه ...إلخ
ياعباد الله هذا أمرٌ لا يجوز، العقيدة لا مساومة عليها مهما قال القائلون، وأثار الأعداء من الشُبهْ، يقولون خلوا عندكم إنسانية، خلوا عندكم محبةً للبشرية، لا تكرهوا الناس كُره الآخر، يتأثر بهذه الأفكار الخبيثةَ من هو ضعيفُ الإدراك فيزهد بالعقيدة.

العقيدة عبادة لله عز وجل، العقيدة ولاءٌ وبراء، ولاء للمؤمنين، وبراء من المشركين،
العقيدة فارقة بين الحق والباطل، بين الشرك والتوحيد، بين الكفر والإيمان، وإلا إذا ضعُفت العقيدة وضعُفت مداركها في الناس حصل الضلال والفساد الكبير في الأرض، بسبب ترك العقيدة، المسلم يتميز بعقيدته، وتوحيده، ولكن مع هذا يكون عنده حكمة، ويكون عنده فقهٌ في دين الله، ويكون عنده رغبة في هداية الناس، ودعوتهم إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ليس الغرض من تعلُمنا للعقيدة والتمسك بها أننا نُصبح وحشاً كاسراً كما يتصورنا الأعداء ، وأننا نكفر الناس، وأننا....الخ .

لكن مهمتنا أننا نحمل هذه العقيدة، حملاً صحيحاً، ونبينها للناس، ونوضحها للناس بالحكمة، والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، نحنُ لا نريد الشر للبشرية، نريد الخير للبشرية، نريد لهم الخير، نريد لهم الإيمان، نريد لهم التوحيد، ونريد لهم النجاة من النار،
هذا الذي نريده للبشرية، النصح لعباد الله، لا كما يتصورن أننا نَنْغَلقْ، وأننا نُبْغِض البشرية،
نحنُ لا نُبْغِضُ إلا من يُبْغِضَهُ الله ورسوله، نُوالي في الله، ونُعادي في الله، ولكن نبذل جُهدنا، وعلمنا، وإمكانياتنا، في إخراج الناس من الظلماتِ إلى النور،
فنحنُ أنفع للبشرية من الذين يُداهنون في دين الله، ويساومون على دين الله، ويريدون بذلك كما يقولون، يريدون التآخي لبني الإنسان والإنسانية ...وإلخ

الإنسانية الصحيحة هي في عبادة الله سبحانه، هي في اِتباع أوامر الله، هي في ترك ما نهى الله عنه،
ليست الإنسانية بالبهيمية والشهوانية، ليست البهيمية بالشرك بالله عز وجل، ليست الإنسانية بالشرك بالله تعالى، ليست الإنسانية بالبدع والمحدثات،
الإنسانية الصحيحة هي عبادة الله وحده لا شريك له، كما شرع الله لنا على لسان نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، هذه هي البشرية الصحيحة،
أما ما عداها فهو البهيمية، ماعداها هو الجاهلية، وإن كانوا يسمونه بالتقدم، والرقي، والحضارة،
الحضارة والرقي والتقدم في الإسلام، في دين الإسلام، الذي هو دين الله جٌل وعلا، الذي هو دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هذا هو الذي فيه الرقي، والحضارة ،والتقدم، والخير للبشرية،
الله جلٌ وعلا خلق الخلق لعبادته، ما خلقهم لأن يعبدوا فلانًا وفلانًا، وما يهوون، خلقهم لعباداته، وتكفل لهم بالأرزاق والهداية،
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)

وهو لا تنفعه عبادة العابد أو طاعة المُطيع، ولا تضره معصية العاصي وشرك المشرك، و أنما هذا يرجع إلى العباد، فالله أمرهم بعبادته لمصلحتهم هم، وإلا فإن الله غني عنهم.
( إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)
ولكنه يأمره بعبادته، وطاعته، لمصلحتهم، لصلتهم بالله عزٌوجل، ليرزقهم ،ويعافيهم، ليهديهم، ليدخلهم الجنة، والله يدعوا إلى دار السلام، يدعوكم ليغفر لكم، من ذنوبكم،"أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ"
فهو حينما أمر الخلق لعبادته، إنما أمرهم لمصلحتهم هم، أما لو كفروا جميعاً، فإنهم لن يضروا الله جل وعلا، ولو صلحوا جميعاً، لن ينفعوا الله عزٌ وجل، فهو النافع، الضار، الغني، الكريم سبحانه وتعالى،
فكيف نزهد بعقيدةٍ هذا شأنُها؟ كيف نذهب إلى غير الله؟ نعبد غير الله؟ نترك الحي الذي لا يموت ونعبد الأموات؟
والرمم البالية في القبور؟ أين العقول؟ أين المدارك؟
ولا حول ولا قوة إلابالله .
لكن كما قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"هربوا من الرق الذي خُلقوا له وبُلوا برق النفسِ والشيطانِ"

فمن لم يكن عبداً لله، صار عبداً للشيطان.
قال تعالى":وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" " أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ"

كيف تعبدوا عدوكم؟ "وأن اعبدوني، هذا صراطٌ مستقيم"
فمن ترك عبادة الله، اُبْتُلِيَ بعبادة الشيطان، وحينئذ لا يدري أين يذهب؟ ولا أين يصير؟
وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
هذا مآل الشرك بالله عز ٌوجل، فنحنُ إذا نظرنا إلى المجتمعات البشرية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظرنا إلى اجتماع المسلمين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، عرفنا الفرق بين الكفر والإيمان، وبين الشرك والتوحيد، فهذه مظاهر سببت ضعف العقيدة في وقتنا، أو اِنعدامها في بعض البلدان، ولاحول ولا قوة إلا بالله
فلا بد من لفتة صادقة من المسلمين نحو عقيدتهم، في تعليمها، وتعلمها، في الدعوةِ إليها، في المحافظة عليها.

ولا تحفظ هذه العقيدة إلا بأمرين :
الأمر الأول: العلم بالعقيدة الصحيحة، وهذا لا يحصل إلا بالتعلم، والدعوة، وكذلك السلطة التي تحمي هذه العقيدة، فإذا توفر العلم، والسلطة فإن العقيدةَ تكون في عز،ٍ وأمانٍ، وحماية، أما إذْا لم يكن هناك علم، أو كان هناك علم، وليس هنا كسلطة، فإن العقيدة تضعُف، فلا بد لِعز العقيدة، ولابد من أمرين: العلم النافع، والسلطة التي تحمي هذه العقيدة من عبث العابثين،
ولهذا لما قام شيخُ الإسلام الإمام محمد ابن عبد الوهاب –رحمه الله- في هذه البلاد، بالدعوة إلى التوحيد، وانضم إليه الإمام محمد بن سعود، بالجهاد في سبيل الله، وحماية الدعوة، أثمرت هذه الدعوة، مما تعيشون الآن في ظله، ونسأل الله، أن يستمر وأن يبقى، وأن ينتشر في البلاد الأخرى،
ما قام إلا على أمرين:على العلم، وعلى السلطة التي تحمي هذه الدعوة، وهذا التوحيد، فلابد من الأمرين، وهذا مما تقوم بهِ العقيدة، ومما يُعالج بهِ ضعف العقيدة، تضافُر العلم مع السلطة،
العلم الذي يُوضح الحق من الباطل، والسلطة التي تنفذ الحق ،وتقمع الباطل،
ونسأل الله سبحانه وتعالى، أن يُعيد لهذه العقيدة عزتها، ومكانتها، وأن يثبتها في قلوبنا، وفيبلادنا، وأن ينشرها في بلاد المسلمين، ولكن هذا لا يحصل بالتمني، و أنما يُحصل بالعمل،
أولاً:الاهتمام بالعقيدة تعلماً، وتعليماً، من المصادر الصحيحة، والكتب الصافية المفيدة، وهي موجودة، ومتوفرة، ولله الحمد
لكنها في الرفوف، وماذا تغني إذا كانت في الرفوف بدون أن يُنتفع بها، ويُشرح ما فيها، للناس ويوضح.
ثانياً: الدعوة إلى هذه العقيدة، وتبصير الناس،وتعليم الناس هذه العقيدة، أما مجرد أنك تعرف التوحيد، وتعرف العقيدة الصحيحة، وتسكت، فوجودك كعدمه، فلابد لمن منَّ الله عليه، بمعرفة هذه العقيدة، أن يقوم بالواجب، بالتعليم، بالدعوة إلى الله، بنشر العلم ،بنشر الخير .
ثالثاً:لما كان التعليم في وقتنا في الغالب تعليماً نظامياً، فلابد أن يُجعل للعقيدة الصدارة في مناهج التعليم، ولابد أن يُختار لها المدرسون الأكفياء، الناصحون، لابُد
وإلا منهج، وكتاب، بدون مدرس، لا يُجدي شيئاً
لابد أن نطرح الأفكار التي تُضاد هذه العقيدة، وهي تُروج الآن مع الأسف ،تُروج الأفكار المضادة لهذه العقيدة، لابد أن نفضحها، لابد أن نطرحها، لابد أن نحذر منها،
إذا كُنا نريد أن تبقى هذه العقيدة، وإلا إن لم نقم بهذا، فإن الله جل وعلا يقول:"وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لايَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ"

نخشى أن تُسلب هذه النعمة من هذه البلاد،والله لا يُضيع دينه، يُقيض له من يقوم بهِ غيرنا، لكن نُحن الذين نضِيع، وإلا فإن الدين والعقيدة لا تضيع بإذن الله، بل يُهيئ الله لها من يقوم بها،
"وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
فإذا لم نتبه لعقيدتنا، ونتدارك ما دبَّ إليه من الضعف، ونقمع من يريد القضاء عليها، أو التقليل من شأنها، فإنها سَتسلب، وتُعطى لغيرنا،
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يوفقنا وإياكم جميعاً، لصالح القول، والعمل ،أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، والتواصي، بالحق والتواصي بالصبر.


وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله أجمعين..
.
تفريغ/مجموعة آل سهيل الدعوية.
بإشراف/ سهيل بن عمر بن عبدالله بن سهيل الشريف.

عقد منثور
10-12-09, 05:28 AM
مجهود طيب بارك الله بك قمم للأمام

أروى آل قشلان
17-05-14, 12:45 AM
جزاكِ الله خيرا أختي قمم .. وجزى الله من قام على تفريغه خير الجزاء
نفع الله بالعلامة صالح الفوزان ومتعنا بعلمه وجعله ذخرا للإسلام والمسلمين

أنصح أخواتي بالاستماع للمادة الصوتية أو قراءة الموضوع بتمعن
فكم نحتاج إلى هذا التأصيل في هذه المحن والفتن التي تعصف بنا من كل جانب
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا

ارتسامات
17-05-14, 03:24 PM
ماشاء الله جميل .... كلام قيم
جزاك الله خير