تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ صفحة الدروس المفرغة -تدبر القرآن-


أم ايمان
12-02-10, 06:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

هنا حبيباتي يتم تفريغ الأشرطة الصوتية لتدبر القرآن الكريم للشيخ علي السلطان

فلنتعاون على تفريغ الدروس ولنتعاون على الخير، بحيث نقسم العمل بيننا ونكون مجموعة لكل شريط

فيسهل العمل وإن كان اقترح آخر فعلى الرحب والسعة

جزاكن الله خيرا

أم ايمان
16-02-10, 01:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تفريغ الشريط الأول - تدبر القرآن -

الحمد لله نحمده جلا وعلا ونُثني عليه الخيرَ كله وأشكره على نعيم أفضاله وجزيل إحسانه أن وفقنا وهدانا واختارنا من جميع خلقه، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، أنعم علينا بنعمة الإسلام وكفى بها من نعمة، نسأله جلا وعلا أن يتم علينا هذه النعمة للثبات على الحق حتى نلقاه، نسأله جلا وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى وأن يجعلنا جميعا هداة مهتدين
.
اللهم إنا نسألك يا الله أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تربط على قلوبنا برباط الحق وأن تعافينا جميعا في أرواحنا و نفوسنا وقلوبنا وأجسادنا وأن ترزقنا الإيمان واليقين وأن ترزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح، الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله أن جمعنا في هذه الروضة المباركة، روضة القرآن نسأله جلا وعلا أن يبارك في هذه الساعة التي سنقضيها إن شاء الله تعالى في تدبر كلامه والوقوف على هداياته وأنواره لننتفع بها في ديننا ودنيانا وأصلي وأسلم بعد حمده والثناء عليه على خيرته من خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، الرحمة المهداة، القدوة صلى الله عليه وسلم، وأن يحيينا على سنته وأن يمتنا على ملته وأن يوردنا جميعا حوضه وأن يسقينا بيده الشريفة من الحوض ومن الكوثرشربة لا نظمأ بعدها إنه جواد كريم.

أخواتي الكريمات

في بداية دروسنا في التدبر، نبدأ نتعرف على ماذا سنفعل مع التدبر؟ ما معنى التدبر؟ مقاصد التدبر ؟ خطوات التدبر ؟ كيف سننظر في السور والآيات وبأي السور سنبدأ؟

من المعلوم أن العلماء لهم كلام كثير في موضوع التدبر لغةً واصطلاحاً، فبودي أن آخذ مقدمة يسيرة عن التدبر في دلالاته اللغوية ودلالته الشرعية وكيف سنوظف التدبر في نفعنا في ديننا ودنيانا.

معنى التدبر:
لغة : هو النظر في عواقب الأمور وما ينجم عن ذلك عند تطبيق هذا الأمر في الحياة بأخذ الحيطة والحذر لألا يقع المرء في المحظور، أو يقع الأمرعلى خلاف أصله وما وُضِع له قدراً ووظيفةً كما خلقه الله سبحانه وتعالى. في الحقيقة، الإنسان وهو ينظر في عاقبة الأمر يريد أن يقع الأمرعلى أحسن الوجوه وأكملها وأن يستثمر صلاحا وإصلاحا ونجاحا وتقدما هذا في دلالته اللغوية.
ثم بعد ذلك استعمل هذا اللفظ أي كلمة التدبر في كل تأمل وتدبر وتفكرونظرعلى الإطلاق وعلى وجه أوسع أو نقول مطلقا
كما قال الكماني : التدبرأن يتصرف القلب بالنظر في العواقب وأن يتذكر بالنظر في الدلائل، هذا التعريف يدخل في هذا المعنى
تدبر الكلام في اللغة العربية سواءا في القرآن أوالحديث أوما صح في كلام العرب الجميل، الحسن، الرائق، البليغ، الجيد، الفصيح ، فالتدبر بصفة عامة بدون تمييز بين كلام وآخرأو في كلام البلغاء عامة عبر الحقب والتاريخ يراد به التفكر والنظر في محتوى الكلام منظوما أو منثورا في المحتوى جملة وتفصيلا لماذا؟ للكشف عن غايات هذا الكلام ومقاصد الكلام وعاقبة العامل بهذا الكلام سواءا كان العمل على الوجه المادي أوالمعنوي، محتوى الكلام يحتاج إلى تطبيق فإذا طُُبق هذا المحتوى أوهذا الحكم أوهذه الدلالة أوهذا التركيب ينظر في عاقبته، عاقبة العمل وعاقبة العامل بهذا العمل في حالة التطبيق، وفي نفس الوقت ينظر في عاقبة المخالف.
لذلك النظر في الكلام أي كلام يجب أن يرتبط بالنفع، النفعية بذلك الكلام، نحن ننظر في الكلام ليس عبثا نريد أن ننتفع من هذا الكلام فنبحث عن أنْفع الكلام في ديننا ودنيانا نبحث عن جيد المنظوم في كلام الناس ولكن أفصح الكلام وأبلغه وأنفعه، فأنفع الكلام ما كان نافعا لنا في ديننا ونفوسنا وقلوبنا وأرواحنا وكل ذرة من ذرات كياننا، وأبلغ الكلام وأفصحه كلام ربنا عز وجل، والقرآن ميسرجعله الله بين أيدينا وجعله في قلوبنا وذلك بفضل الله تعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لذلك الله تبارك وتعالى قال{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يونس 58
" خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " أي ما يُجمع من حطام الدنيا مع أن الأفضل والأحسن القرآن الكريم هو أفضل ما في الوجود، إذا أردنا النفع بكل معانيه فعلينا أن ننتفع على مائدة القرآن علينا بما في القرآن الكريم.

هذا المعنى العام للتدبر والتفكر في الكلام عامة

لذلك قيل التدبروالتفكرالشامل الواسع الذي يوصل صاحبه إلى معرفة أواخرالدلالات، أواخردلالات الكلمة أو مرامي الكلام، ومقاصده، الغايات القريبة والبعيدة كل ذلك داخل في معنى التدبر.
إذا أردنا معرفة معنى التدبر الحقيقي، التدبر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى، علينا أن نتدبر أحسن الكلام وأفضل الكلام كما قال الله عز وجل {الله نزل أحسن الحديث}

التدبر المقصود في كلام الله عز وجل

الآيات الثلاث التي ذُكر فيها التدبربلفظ صريح :
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد:24
{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } صّ:29
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} سورة النساء :82

الآية الجامعة للتدبرهي{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } صّ:29

لمذا نتدبر القرآن الكريم ؟ ما معنى التدبر في القرآن ؟

تعريف التدبر الحقيقي في القرآن :
1- التدبر الذي أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والذي نسعى إلى تطبيقه هوالتفكر بعمق والتأمل وتدبرألفاظه ومعانيه وأساليبه وآياته حرفا حرفا، كلمة كلمة، وجملة جملة ومقطعا مقطعا وجزءا جزءا، وسورة سورة وقصة قصة ومثلا مثلا وأمرا أمرا ونهيا نهيا في كل موطأ انذاروتخويف وكل موطأ تبشيرووعد وموطأ الإشارة وتكليف وهكذا....
هذا التدبر بعمق من أجل فهم القرآن كما أُنزل ونظرا لضعف لغتنا اليوم، نحتاج إلى معرفة اللغة التي نزل بها لذلك نحتاج إلى تأمل في كلماته وجمله وتراكيبه حتى نستظهرالمعاني خلف التراكيب وننتفع بها.
هذا التأمل في الحروف والمقاطع والأجزاء والسوروالقصص والإنذاروالأوامر والنواهي والإشارة ...
* من أجل فهم معاني القرآن على وجهها والمراد شرعا
* محاولة القرب من المقاصد التي نزل بها القرآن ومن المعنى الذي أراده الله تعالى
* فهم وإدراك مقاصد هذا الكتاب الكريم، مقاصد التشريع
* اقتباس الحكم والمراد منها
* الكشف عن وجوه الإعجاز والبيان في نظمه وتراكيبه وتشريعاته زاد خضوعنا وخشوعنا ويقيننا بالله تبارك وتعالى . هذا ليس كلام بشر، صورالإعجاز ظاهرة في كل حرف وكلمة وفي كل آية

2 - من أجل تدبر وبنية تحصيل العلم النافع ثم العمل به مباشرة
3 - أيضا من المقاصد استشعاروطلب الشفاء والعافية في نفوسنا وأبداننا وعقولنا وصدورنا وقلوبنا بالنظر والتفكر في آيات الله، لأنه الشفاء والعافية كما قال الله تعالى{ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } فصلت 44
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } يونس 57
هوالعافية للنفس والقلب والبدن والجسم وهو غذاء الروح
إذاً نقرأ القرآن ونتدبر فيه ونتأمل فيه من أجل نية الشفاء والتشافي وطلب العافية.
4 - بنية تقوية الإيمان وكسب اليقين: ويكون بالعلم والنظر والتأمل والتفكر الدائم والمستمر
5 - بنية معرفة الله عز وجل حق المعرفة فكلما عرفنا الله تقربنا منه وعبدناه على علم، فإذا عرفناه زدنا خشوعا وذلة لله تعالى، نحن لم نرى الله تعالى ولكنه سبحانه وتعالى أخبرنا عن نفسه بأسمائه وصفاته وآثار أسمائه وصفاته في الكون المشهود، وكل هذا يؤخذ بالتدبر
6 - بنية النفع المطلق الحسي والمعنوي
7- بنية الإصلاح والصلاح، نصلح أنفسنا ومن حولنا ونكون من الصالحين،لانترك غيرنا في الظلام فننفع غيرنا
8- إصلاح كل أشكال الفساد من انحراف في العقيدة والسلوك والأخلاق في الإنسانية نحن نرى الآن الفساد في المجتمع، طرأ التحزب والطرائق في الأمة وكل يدعي معرفة الحق، والحق لابد أن يعرف، معرفة الحق تكون من الكتاب والسنة نعرف الحق بأهله، نعرف أهل الحق بالحق وهكذا
مهم جدا أن نوظف القرآن لإصلاح كل أشكال الفساد المنتشرة في جسم الأمة والإنحرافات العقدية والأخلاقية والسلوكية المنتشرة في الإنسانية ورد الناس إلى النبع الصافي من الكتاب والسنة لتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى كما أمر.
9- بنية البناء واالتعميروالقيام بتكاليف الخلافة كما ينبغي: الله جعلنا خلفاء في الأرض فلابد من بناء الأرض وإعمارها بطاعة الله عز وجل، ونبني حضارة راقية متقدمة، لايسبقنا إليها الكافر، لابد أن يكون لنا أثروبصمة في الوجود وهذا لا يتأتى إلا بمعرفة السنن التي أودعها الله، سنن التعمير والبناء التي أودعها الله تعالى في الوجود والقرآن أشارإليها في مواطن كثيرة منه، والتدبر في القرآن يقودنا إلى هذه السنن ونستثمرهذه السنن في التعمير والبناء ولايمكن للإنسان أن يتقدم وأن ينال العزة والرفعة والمكانة في الدنيا إلا بأخذ الأسباب وهذه الأسباب أشارالله إليها في كتابه الكريم.

-كذلك ينبغي قراءة القرآن أفراد وجماعات، ذكورا وإناثا أن نفكرفي العزة والريادة والخيرية لهذه الأمة في كل ميادين الحياة ونستثمر عطاءات القرآن وأنواره في إنقاذ البشرية لتصحيح الموازين المنقلبة عند الناس، ووضع الموازين الحقيقية لإقامة العدل ونشرالسلام والمحبة في الإنسانية في كل أقطار الدنيا.

إذا المقصد الحقيقة من هذا التدبرحرفا حرفا، كلمة كلمة، مقطعا مقطعا ...لماذا ؟
تحصيل مصالح الدين والدنيا وفي النهاية نفوزبرضوان الله عز وجل، والنجاة من العقاب والفوز بالجنة يوم نلقاه جلا وعلا.
هذه قضايا هامة لذلك يجب أن نضع الهدف الأسمى والأعظم في حياتنا، لماذا نحن نسعى ونكدح ونتعب في الحياة؟ ومن وسائل السعي والبذل والجد والإجتهاد في الحياة أن نطلب الهدايات من القرآن الكريم، هذا عمل وعبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى ونريد أن يترتب على هذا العمل أن نفوز برضا الله عز وجل وأن يدخلنا في عباده الصالحين وأن يدخلنا في عباده المؤمنين وأن يجعلنا من أوليائه المقربين وفي النهاية نفوز بالحسنى والزيادة والحمد لله رب العالمين. هذه هي المقاصد العظيمة الحقيقية التي نريدها من التدبرفي القرآن الكريم.
تلخيص ما تقدم في معنى تدبر القرآن ، التدبر الحقيقي للقرآن ؟
- تأمل معاني الآيات
- العلم والعمل به
- الترغيب والترهيب والتفكر
- تحقيق مصالح الدين والدنيا والأخرة
.....

يتبع إن شاء الله

أم ايمان
16-02-10, 05:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

بين يدي التدبر

- القرآن في عمومه ظاهرواضح لا لبس فيه ولا غموض وميسروالكل ممكن أن ينتفع من القرآن{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر
فقط الإنسان يصدق في التوجه، يخلص النية ويفتح كتاب الله وينظرفيه فيهبه الله ما كتبه له من الخير، ولذلك ابن عباس – رضي الله عنه – لما قال التفسير (التفسيرلاينفصل عن التدبر وهو صورة من صور تدبرالقرآن ولا يمكن أن ينفصلا) على أربعة أوجه :
وجه تعرفه العرب من كلامها
وجه لا يعذر أحد بجهالته
وجه تعلمه العلماء والراسخون في العلم
ووجه في القرآن استأثر الله به في علمه وتفرد ولا يعلم هذه المواطن والتراكيب إلا الله جلا وعلا

لو نظرنا في القرآن عامة وجدنا أن عدد أيّ القرآن 6236 آية منها تقربا 500 آية أحكام وتشريعات والبقية يتمثل في القصص والأمثال والأخلاق، عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وآياته الكونية.
وعليه لونظرنا في تقسيم القرآن كما قسمه ابن عباس رضي الله عنه نجد أنَّ أغلب القرآن في القسمين الأولين : القسم الذي تعلمه العرب والقسم الذي لا يعذرأحد بجهالته
أما الذي يعلمه العالمون الراسخون في العلم هذا في كل القرآن وكل عالم يأخذ على قدرعلمه من الآية الظاهرة الواضحة أو الآية التي تحتاج إلى عمق في النظروالتدبر، العالم يأخذ من هذه وتلك مالايستطيع غيره أن يأخذ منها، ولكن في الغالب الناس يستوون في الإستفادة في الأخذ وكل حسب ما عنده من نية وحسب صدقه وسنذكرالأشياء التي تعين على فهم وتدبرآيات القرآن.

النظرفي القرآن ليس حكرعلى العلماء أو صرف من الناس الجميع مدعو إلى النظر في القرآن حتى العصاة والكفرة وأهل النفاق، القرآن مفتوح لهم للقراءة ، فكم من واحد اهتدى بالنظر في القرآن ، فباب القرآن مفتوح للجميع.
نقطة مهمة : انصراف معظم الناس عن التدبربحجة عدم العلم الكافي وعدم ملك أداة التدبر والتفسيروهي في الحقيقة مثبطات ومدخل من مداخل الشيطان تحول بين الإنسان وبين الإستفادة من أنوار القرآن وهداياته لا ينبغي أن تنطلي علينا هذه الحيل، لا أملك الأداة، لا علم لي بالتفسيروأصوله ليس لدي علم لأنظر في القرآن ، أخشى أن أقول على الله بغيرعلم، كل هذه وسائل صرف الناس عن هدايات القرآن ولا ينبغي للإنسان أن يقول مثل هذا بل ينبغي عليه أن يلجأ إلى رحاب القرآن ويأخذ منه ما يستطيع كل حسب حاجته من القرآن

كذلك على العبد أن يتعلق قلبه بالقرآن بياض نهاره وسواد ليله ولا يكتفي بالبرهة أو زمن معين من اليوم بل يجعل له نظر ما استطاع في الليل أوالنهار وأن يعلم يقينا أن كل ما يحتاج إليه من وسائل لصلاح نفسه وطهارة قلبه وسلامة قلبه من الأفات والأمراض وما فيه صلاح لغيره وأنّ السعادة والطمأنينة والراحة والأمن وأنّ الشفاء الحسي والمعنوي لا توجدإلا في القرآن، الإنسان ينبغي أن يكون له يقين بهذه الحقيقة.
قال الله تعالى {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام 37
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: الآية 89
{ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء 9
فكل ما نحتاجه في حياتنا نجده في القرآن الحمد لله رب العالمين.
كذلك إذا نظرنا في حال السلف الصالح كانواعلى صلة وثيقة بالقرآن ، كانوا ينظرون فيه نظر يقين ، نظر إيمان وحب وتدبر ورغبة وشغف وتعظيم للقرآن ويأخذ منه على قدر ما عنده من إيمان ويقين ونية والعمل والقصد...
وبقدر ما يبذل من الجهد والإخلاص فيفتح الله عز وجل عليه من فيوض العلم والنور والهدى
قال سهل بن عبدالله التستري :لوأعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لانهاية لفهم كلامه وإنما يفهم كل عبد بمقدار مايفتح الله عليه وعلى قلبه ، كلام الله تعالى غير مخلوق ولا يبلغ نهاية فهمه فهوم المحدثة.
وهذا يصدقه قوله تعالى{ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } الكهف 109
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لقمان :27

وسائل معينة للفهم وتدبر القرآن
- الإيمان بالله وصدق الإيمان وتحقيق التوحيد الخالص ونقاء العقيدة من كل شائبة، صحة التوحيد ونقاء صفاء العقيدة، الإنسان الذي يكون في توحيده شوائب وشرك ما يجد تحلية، الله سبحانه وتعالى لا يفتح عليه، نحتاج إلى إيمان قوي الإيمان الناتج عن علم وعن يقين ليس إيمانا ناتج عن التقليد إيمانا ضعيف ليس له أساس، بل العلم الناتج عن علم ويقين وهذا لايتأتى إلابالنظروالتفكر.
تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاث ، فالنجاة معلقة على التوحيد { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} النساء 48 فمن صحت عقيدته كان أجدر بالفتح أما من علق بإيمانه وعقيدته شوائب فيحال بينه وبين التدبر.
ومن يريد الإستزادة عليه بكتب التوحيد، فالتوحيد هو الركن الركين والأصل الأصيل والذي نعول عليه في فهم القرآن.
- السلامة من البدعة: بحيث لا يتصل بها ولا يعمل بها وكل ما خالف نصوص الشرع، السلامة من البدعة جانب كبير من الأهمية، وأن يخلو القلب من الأمراض كالحسد والرياء والنفاق والشرك والبغضاء....الأمراض التي يَتلبس بها القلب وتؤثرعليه سلبا، تؤثر على طمأنينته، تؤثرعلى الإيمان واليقين.
- السلامة من سجن الشهوات : فالشهوة تحول بينه وبين أن ينطلق إلى رحاب واسعة والنظر والتفكر في آيات الله الشرعية.
- البعد عن الشبهات : ظلمة الشبهات
- الرّان التي تجلبه المعاصي وتسببه السيئات { كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين 14. فيجب أن يصفى القلب من الشوائب وما علق به من الرّان بالتوبة النصوح والبعد عن الشبهات والشهوات والبعد عن البدع.
- لزوم الطاعة والحرص على أداء الفرائض والواجبات في أوقاتهاعلى الوجه الذي يحبه الله ويرضى، فأنا أقرأ القرآن ولا أستفيد منه لا أنتفع لا أرى الفتوح ولا أرى الأنوارولاأرى أثرالقرآن على نفسي، فيحال بينك وبين القرآن لأنك مقصر في طاعة الله عز وجل، فعليك بلزوم الطاعات والحرص على أداء الواجبات وهي أحب ما يتقرب به العبد من الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذ نه ) رواه البخاري
فالإنسان يترقى بأداء الواجبات ثم النوافل ويكثر من النوافل كالصدقة ،الصلاة، الصيام ، قيام الليل...
سؤال هل ممكن يقع من الإنسان تقصير؟ طبعا لذلك عند التقصيريجب اتباع السيئة الحسنة كما جاء في الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتق الله حيثما كنت. وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الإمام أحمد والترمذي.
وكما قال الله عز وجل { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } هود 114

- إفراغ القلب من الشواغل والصوارف فالمشغول بأمورالدنيا تحول بينه وبين أنوار القرآن فلا يجب أن يفتح الإنسان كتاب الله وهو مشغول بأمور الدنيا.
- إخراج الأغيارمن القلب الموحشة المهلكة التي تجلب الوحشة للقلب: فكل ما سوى الله غير إذا لا نجعل في القلب إلا الله وكتاب الله وما يحب الله تعالى من الأقوال والأفعال والأعمال، يستقر في قلبي محبوبات الله، وأطرد من القلب كل ما يبغضه الله وكل ما يصرف العبد عن ربه، مثلا الإنسان الذي يحب الصور، محبوب من محبوبات الدنيا، ويتعلق بمحبوب من دون الله تعالى فتحول بينه وبين أنوار القرآن، يكون في القلب ما يحبه الله فالله يحب التقوى ، الصلاة ، العمل الصالح ولا يكون في قلبه إلا هوولا ينشغل الإنسان بالدنيا وينسى الآخرة.
- الحرص الشديد على الطهارة الحسية والمعنوية : فيكون الإنسان طاهر الثوب حسن الملبس، طاهر المكان، يكون دائما متطهرا فأنا الأن جالس في روضة القرآن أستمع وانتفع والملائكة تحفني من كل جانب فلذا على الإنسان أن يتطهر ثم يأتي إلى هذه الروضة فيكون نظيفا في فمه وملبسه وقلبه وفكره طهارة بكل معنى الكلمة، الطهارة الحسية والمعنوية جانب مهم جدا.

- الجِدُ في العلم : العلم الشرعي أعظم العلوم وأشرفها ( الفقه، الحديث...) والتزود بالعلم النافع.
وعليه بعلوم الألة المعينة : كالصرف والنحو وعلم البلاغة لتوسيع المدارك والمعارف، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، ولا يُفهم أن فاقد علوم الألة لا يستزيد من القرآن ،لا بل القرآن مفتوح للجميع
- الإقبال على القرآن وتدبره بشوق وصدق وحرقة ورغبة وحب واحضارالقلب
- قراءة القرآن بنية التَطَهُر:التطهر من الشوائب والدنايا والأدناس
وبنية القربى والزلفى من الله لأني أناجي الله تعالى وبنية زيادة الإيمان
الإفتقار إلى الله والذل والإنكسار بين يدي الله تعالى، لأنك عندما تقرأ القرآن لا تظن أنك أوتيت علما
- المداومة والكثرة على قراءة وتلاوة القرآن : أفضل الذكر هو قراءة القرآن
- تجويد التلاوة : تحسين القرآن من فم نقي وصوت متخشع فالله تعالى يسمعك ويفتح عليك ، فالقراءة وتردديها والتأني في القراءة ويكررويُنغم ويسمع ويُسمع غيره { ورتل القرآن ترتيلا} ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى الصحابي فيقول اقرأ علي القرآن فيقول كيف اقرأ عليك وعليك نزل فيقول -صلى الله عليه وسلم-:(إني أحب أن أسمعه من غيري ) وكذلك لما سمع قراءة أبي موسى قال له لقد أوتيت مزمارا من مزاميرآل داوود عليه السلام
فتحسين القراءة مطلب شرعي، قال ابن كثيررحمه الله تعالى : المطلوب شرعا إنما تحسين الصوت الباعث على تدبرالقرآن وعلى تفهمه
وقال النووي رحمه الله تعالى: الترتيل مستحب للتدبر
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تهذوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
نعم لا يكون هم أحدنا آخر السورة ، يجب الوقوف على عجائب القرآن ويُثوِرالقرآن في نفسه ، حتى تثور المعاني وتكون بردا وسلاما على قلبه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى : لا يصح التدبر مع الهذ
- ومن الأشياء المعينة كذلك على التدبرالإنصات و الإستماع بِأذن القلب لا أذن الرأس من أجل الإنتفاع والعمل فأسمع نفسي وأُسمع غيري فالإستماع من الوسائل المعينة على التدبر، قال الله تعالى
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الأعراف 204

انتهى الدرس الأول

والحمد لله رب العالمين

أم جهاد وأحمد
16-02-10, 06:08 PM
بارك الله فيك وبارك في وقتك وجهدك أختي الحبيبة أم إيمان

خلود أم يوسف
19-02-10, 12:19 AM
بارك الله بكِ أختنا الفاضلة أم إيمان وبورك في وقتك اللهم آمين
جزيت خيرا على التفريغ والنقل سلمت يمناكِ

أمة الله المغربية
20-02-10, 05:15 PM
بارك الله فيك أختي أم أيمان .في الحقيقة أخواتي الكريمات, أنا للحين بدأت طلب العلم وربما مستواي في العلم الشرعي لا يخولني لأن أكون بينكن في هذه الدورة,ولكنني أحببت الإنضمام فلربما يكون ذلك مفتاح خير لي في بدايتي لطلب العلم ,وأسأل الله العظيم أن يعينني على ذلك ,ثم بمساعدتكم أخواتي الحبيبات

أمة الله المغربية
20-02-10, 06:47 PM
السلام عليكم.أود معرفة آخر موعد لتدوين فوائد التدبر للدرس الأول,وجزاك الله خيرا أختي أم أيمان

أم ايمان
20-02-10, 11:54 PM
بارك الله فيكن أخواتي

بارك الله فيك أختي أم أيمان .في الحقيقة أخواتي الكريمات, أنا للحين بدأت طلب العلم وربما مستواي في العلم الشرعي لا يخولني لأن أكون بينكن في هذه الدورة,ولكنني أحببت الإنضمام فلربما يكون ذلك مفتاح خير لي في بدايتي لطلب العلم ,وأسأل الله العظيم أن يعينني على ذلك ,ثم بمساعدتكم أخواتي الحبيبات

فتح الله عليك أختي الحبيبة اقبلي على العلم وتوكلي على الله بل هذه من حيل الشيطان ليثبطك ففري إلى الله وتأملي ما قصَّه علينا بن عباس رضي الله عنه في رحلته في طلب العلم :

عن حبر الأمة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، روى الحاكم في المستدرك وغيره "عن عكرمة قال:
قال ابن عباس: لما قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا شاب، قلت لشاب من الأنصار: هلم لنسأل أصحاب رسول الله ولنتعلم منهم. فإنهم اليوم كثير، فقال: يا عجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم. قال: فترك ذلك وأقبلت أنا على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله، فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله فأجده قائلاً ـ أي نائماً ـ في منتصف النهار فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الرياح على وجهي التراب حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله فأحببت أن أسمعه منك، فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله واجتمع حولي الناس يسألوني فيقول هذا الفتى كان أعقل مني"

أم ايمان
21-02-10, 12:00 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم.أود معرفة آخر موعد لتدوين فوائد التدبر للدرس الأول,وجزاك الله خيرا أختي أم أيمان
لدينا درس في كل أسبوع نفرغ الشريط ونتدارسه ونستنبط الفوائد بإذن الله

استعيني بالله وأي استفسار لا تترددي

فاطمة أم يوسف
21-02-10, 12:24 AM
بارك الله فيك أختي أم إيمان وبارك لك في وقتك وجهودك ونفعنا الله جميعا بالعلم

أم يوسف و هبة
25-02-10, 11:38 AM
حبيبتي هل تم تفريغ الشريط الثاني واين ساجده هل في هذه الصفحة
وجزاك الله كل خير ام ايمان على المجهودات

أم ايمان
25-02-10, 02:32 PM
حبيبتي هل تم تفريغ الشريط الثاني واين ساجده هل في هذه الصفحة
وجزاك الله كل خير ام ايمان على المجهودات

تقريبا انتهينا من تفريغ الشريط الثاني تجيدين في هذه الصفحة سير عمل المجموعات
www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=33634
بارك الله فيك

أم ايمان
28-02-10, 06:27 PM
تفريغ الشريط الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صل الله و سلم على نبينا محمد و على آله و أصحابه و أزواجه و أتباعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا يا ربنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علما، ربي اشرح لي صدري و يسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى و صفاته العلا أن يفتح علي و عليكن أبواب فضله و علمه و أن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين و أن يدخلنا برحمته في عباده المؤمنين و أوليائه الصالحين وأن يجعلنا جميعا و من نحب و إخواننا المسلمين في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، اللهم اجعلنا يا ربنا عندك مرضيين و اجعلنا عندك رضيين و ارضى عنا رضاءً لا سخط بعده يا أرحم الراحمين و تغمدنا جميعا بواصل فضلك و رحمتك يا ارحم الراحمين . اللهم أصلح أحوالنا و أحوال المسلمين، اللهم ارزقنا علما نافعا يورثنا خشيتك في السر و العلن، اللهم ارزقنا عملا صالحا يقربنا إليك، اللهم ارزقنا خشيتك في السر و العلن، اللهم ارزقنا خشيتك في السر و العلن و وفقنا للصالحات، اللهم املأ قلوبنا نورا و إيمانا و يقينا، اللهم اشرح صدورنا و يسر أمورنا، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا و نور صدورنا و جلاء همومنا و ذهاب أحزاننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا و ذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته و تدبره آناء الليل وأطراف النهارعلى الوجه الذي يرضيك يا ذا الجلال والإكرام.

أخواتي الكريمات الحمد لله الذي يسر لنا هذا اللقاء في هذا اليوم أسأل الله تعالى أن يجعله لقاء خير و بركة و أن يعم -بما نقول و نسمع - الجميع بالنفع و البركة بفضله ورحمته إنه جواد كريم.
لا يخفى عليكن أخواتي الكريمات أن نستحضر النية وأن نجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم و أن نطلب من الله سبحانه و تعالى أن يفتح علينا من خزائن علمه ما ينفعنا في ديننا و دنيانا، إخلاص النية و الإقبال بشوق وحب لأننا بحول الله تعالى في روض من رياض الجنة، اجتمعنا حول مائدة القرآن و في ظلال القرآن، في ظلال الوحي المطهر المنزل من الله تبارك وتعالى وهو خير من الدنيا وما فيها هذه الساعة المباركة نقضيها معا في ظني أنها من ابرك ساعات اليوم بل من ابرك ساعات العمر فنسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلها ذخرا لنا يوم نلقاه فباستحضارالنية وحضور القلب والإقبال كما قلنا بحب و شوق و دعاء.
ندعو و نتضرع بإخلاص واستكانة و خشوع و ذل وانكساربين يدي الله سبحانه و تعالى فالله يسمعنا و الله سبحانه وتعالى يباهي بفعلنا و بمجلسنا هذا ملائكته في السماء و الحمد لله اجتمعنا على محبة الله و طاعته فنحمد الله سبحانه و تعالى على فضله و إحسانه. و نريد أن نستثمر كل ما نسمع من الخير في هذا الدرس المبارك في حياتنا، نريد أن نرى أثره في صلاتنا، في معاملاتنا مع الأهل مع الجيران، مع الناس أجمعين، نريد أن نكون رحمة كما اخبر الله سبحانه و تعالى عنا بقوله رحمة للعالمين
لنكن مصدر خير و نور و سلام و أمن للناس من حولنا مسلمين و كافرين فلابد أن يظهر أثرالمسلم في الوجود بأن يكون داعية بأخلاقه وسلوكه وأفعاله وأن يمثل الإسلام خير تمثيل حيث كان في مشارق الأرض و مغاربها وأن يكون مصدرراحة وأمن و طمأنينة لمن حوله حتى نذب عن ديننا.
بعض أبناء جلدتنا وإخواننا من المسلمين صغارا و كبارا ذكورا و إناثا من ينتسبون إلى العلماء، أو أهل العلم أوطلبة العلم ربما اخطأوا الطريق و تأولوا النصوص فزلواوارتكبوا أخطاء كبيرة عادت بالضررالكبيرعلى الإسلام والمسلمين ولذلك يجب الحذر.

الهدف و الغاية -كما قلنا- من هذه الدروس المباركة أن نعيد الناس أجمعين إلى الواحد القهار، أن نخرج الناس جميعا من الظلمات إلى النور، أن نعرف الله سبحانه و تعالى حق المعرفة و أن نعبده كما شرع أو بما شرع و نرد الناس إلى المعين الصافي، إلى العقيدة النقية الطاهرة التي كانت في قلوب الأنبياء و الرسل، في قلوب الصالحين و الأولياء و الأخيار منذ أبينا آدم إلى يومنا هذا، نريد هذه العقيدة النقية هي التي تشرق في الجوارح و في القلوب و في العقول و تكون سفر سعادة للبشرية جمعاء.
الناس أحوج ما يكون إلى ديننا، الناس بحاجة كبيرة إلى قرآننا فحتى يحب الناس هذا الدين و يقبل الناس على هذا القرآن العظيم لا بد أن نتمثل الإسلام في سلوك حي راشد من الذكور و الإناث، نريد أن نتمثل الإسلام كما تمثله الرعيل الأول القدوة محمد عليه الصلاة و السلام، هو الذي مثل المنهج، جاء بالمنهج السماوي القويم والخالد الراشد النظيف الطاهر و تمثله سلوكا و أخلاقا وأفعالا و أقوالا
فهو القدوة كما قال الله جل و علا ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر :7 ]
(قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31 ]
فالحمد لله أن جعل لنا خير الرسل و خير الأنبياء، جعل لنا محمد صل الله عليه وسلم النوروالهدى و المشكاة والمصباح أن جعلنا من أتباعه عليه الصلاة و السلام.

هكذا يا بنياتي نريد أن نكون مع هذا الدرس المبارك، نستثمر عطاءات هذا الدرس، إشراقات هذا الدرس في إصلاح نفوسنا وأخلاقنا وتقويم ما اعوج من عقيدتنا، ما اعوج في توحيدنا وأيضا الأفكار المشوشة الغير صحيحة في عقولنا يجب أن نقومها أيضا بالقرآن و بهدايات القرآن والحمد لله رب العالمين.
بنياتي كنا تحدثنا في درسنا الماضي عن معنى التدبرلغة واصطلاحا، قلنا ماذا نعني بالتدبر في كتاب الله عز و جل فََتَدَبُرُالقرآن الذي أُمرنا به من الله تبارك و تعالى كما قال جل و علا :
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [ محمد:24]

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82 ]

قلنا ماذا نعني بالتدبر أو كما فهمه العلماء أو كما فهمه الأسلاف نريد أن نَلُمَ ما تفرق من هذه المعاني في كتب أهل العلم وما جرى على ألسنة العلماء و طلاب العلم، نلمه في كلمات نافعة ومضيئة ترينا الدرب، الطريق إلى الله تبارك و تعالى أثناء النظر والتدبر في كتاب الله تبارك و تعالى و لذلك يا بنياتي من الضرورة بمكان أن نسترجع ما دار حول هذه المسألة المهمة في غاية الأهمية.
فالآن بودي من الأخوات الكريمات اللاتي يستمعن إلي أن يلخصنا لي ما قلناه في التدبر الراشد، التدبر الحسن التدبر الكريم، لا أريد شروط التدبر، لا أريد الوسائل المعينة على التدبر التي ذكرناها، أريد التدبر الذي نرمي إليه و نقصده.
ما التدبر القويم، الراشد، المفيد، النافع في تعريف أغلب أهل العلم الذين تكلموا عن التدبر ؟؟ أريد الآن أخواتي أن تكتبن لي ملخص لماذا الموضوع لكي اطمئن فقط لوصول الفكرة إلى الجميع.

ماذا يقصد بالتدبر، التدبر الحسن الذي أمرنا به في كتاب الله غز و جل و في سنة النبي صل الله عليه و سلم و الآن أهل العلم و طلاب العلم يؤكدون عليه و يحثون عليه بقوة ؟

التدبر الذي أمرنا به هو التأمل والنظر و التفكر بعمق بوعي تام وبحضور القلب في ألفاظ القرآن وفي أساليبه وفي معانيه وفي موضوعاته، قلنا نتأمل القرآن حرفا حرفاً لأن كل حرف من كتاب الله وضع بعناية كبيرة دقيقة و تتعلق به معاني جليلة لم يوضع حرف في قران هكذا عبثا أو زيادة، لا، بل لحكمة ربما تظهرلأحد العلماء في جيل من الأجيال و ربما تخفى لكن ما من حرف في كتاب الله إلا و يتعلق به معنى و سر من الأسرار و لذلك الله تبارك و تعالى جعل القرآن محكما و متشابها:
- المحكم البين الظاهر
- ومن القرآن من آيات الله عزوجل منه المتشابه الذي يرد علمه إلى الله تبارك و تعالى، لا يعلمه إلا الله جلا و علا كما في فواتح السور، الحروف المقطعة، العلماء اجتهدو في تفسير أو الوقوف على المقاصد و الدلالات وراء هذه الحروف المذكورة في أوائل السور لكن الذي عليه جنب كبير من العلماء أن يرد علم هذه الحروف إلى الله تبارك و تعالى وإن ظهر بعض الحكم و بعض المعاني و بعض الفوائد المتعلقة بها فلا مانع أن تذكر و هي إن شاء الله نافعة ومفيدة ولكن لايمكن القطع بها ولذلك نرد علم هذه الحروف إلى الله تبارك و تعالى ولذلك قال بعض أهل العلم الحروف في القرآن لدينا :
- حرف مبنى
- و حرف معنى
- وحرف لا معنى ولا مبنى
* حروف المباني هي الحروف العربية المعروفة مثل با، تا، ثا، جيم....
حروف المباني في الحقيقة لا معنى لها لكن إذا اجتمعت على هيئة معينة وعلى طريقة معينة أعطتنا معنى تكلم به المتكلم أوالواضع ابتداءا في لغة العرب الفصيحة ثم نقل إلينا.

* حروف المعاني مثل همزة الاستفهام، واوالعطف، تا القسم وهكذا....
حروف المعاني كل حرف له معنى سواء كان على حرف واحد أوعلى حرفين مثل مِنْ الجارة أو إلى، كل هذه حروف المعاني سواء كانت على حرف على حرفين أو ثلاثة أو أربعة هذه حروف المعاني، كل حرف له معنى.

* وهناك حروف حقيقة لا يمكن أن نقول عنه حرف معنى أو حرف مبنى
اختصه الله سبحانه و تعالى بعلمه كما قلنا مثل الحروف التي افتتح بها السورولذلك لا يمكن أن نقرأها كما نقرأ كلمات العربية مثلا -الم- نقول ألم، لا لها قراءة خاصة ما لم نسمعها ممن أوحي إليه بها لا يمكن أبدا أن نقرأها، لوأعطينا إنسان عامي بدأ يتعلم العربية في أي قطب من أقطاب الدنيا ثم وضعنا بين يديه أوائل سورة البقرة على سبيل المثال وقلنا له اقرأ و لم يكن له علم بطريقة قراءة هذه الآيات الكريمة في فاتح سورة البقرة لا يمكن أبدا أن يقرأ (الم، ألف لام ميم ) سيقول المْ و بالتالي يجب فيها التلقي عن الله تبارك وتعالى والنقل المباشر، فالقضية على جانب كبيرجدا من الأهمية.

إذن نعود نتأمل القرآن بدقة وعناية بحضور قلب وتفكر وخشوع ورغبة و دعاء و تضرع لله تبارك و تعالى أن يفتح علينا أبواب العلم والفضل والرحمة والبركة، البركة في النظر والقراءة في كلام الله تبارك و تعالى، أتأمله حرفا حرفاً و نتأمله كذلك كلمة كلمةً فالكلمات في القرآن موضوعة أيضا بعناية و دقة و قلنا الكلمة في الآية الكريمة ينظر إليها من زوايا مختلفة، من دلالة اللغوية الوضعية و الدلالة الشرعية السياقية والدلالة الوظيفية فهناك دلالات كثيرة ممكن تُأخذ أيضا من البناء الصرفي للكلمة فالبناء الصرفي للكلمة له معنى أيضا فاسم الفاعل غير صيغ المبالغة و صيغة اسم الفاعل غير صيغ المبالغة و هكذا.
و بالتالي ينظر للكلمة من زوايا مختلفة و سنرى ذلك أثناء النظر والتأمل في آيات الله عز و جل في دروس التدبر التطبيقية بإذن الله تعالى.
إذن نتأمل حرفا حرفاً و كلمة كلمةً و آية آيةً كما قلنا نتأمله مقطعا مقطعاً وجزءا جزءاً و هكذا حتى نستظهر ما فيه من دلالات و هدايات ونأخذ من أنواره ما ننتفع فيه في ديننا و دنيانا، نريد هذه الآيات أن تشرق في قلوبنا و أن تهدينا سواء السبيل قال تعالى (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40]

نتأمل الأوامر و النواهي، مواطن الإنذاروالتخويف والتبشير و التكليف ....الخ
كل هذا من اجل ماذا؟؟؟
- كل هذا التأمل الطويل، نتأمل في القصص، في الأمثال...
قصص القرآن كثيرة، نتأمل في القصص، هدايات القصص، مقاصد القصص القرآني، القصص القرآني قصص حقيقي مأخوذ من الواقع الإنساني و بالتالي فهو مثال حي من تاريخ الإنسان فالله جلا وعلا يبين لنا في قصص من قبلنا ما فيه نفع و خير لنا و بالتالي يطيل الإنسان التأمل في قصص القرآن وكذلك الأمثال، ضَرْبُ الأمثال في القرآن هذا موضوع كبيروعظيم في القرآن الكريم إذن القصص والأمثال و فواتح السور و خواتم السور و هكذا.... جوانب كثيرة جدا في القرآن يمكن أن نتأملها و نتفكر فيها ونستثمر عطاءات هذه الآيات وهدايات هذه الآيات فيما يعود به علينا بالنفع والخيرالكثير.

كل هذا من أجل فهم معاني القرآن التأمل الطويل العميق والنظروترداد أي نقرأ الآية ونرددها نقصد بذلك أن ننتفع بها من أجل ماذا ؟؟ من أجل فهم معاني القرآن على وجهها، إدراك مقاصد الأحكام من هذا التنزيل الكريم وما المراد من التنزيل.

- الكشف عن وجوه الإعجاز والبيان فالقرآن في أبهر سورالإعجاز معجزة بيانية، ولا يمكن أن نقف على هذا الإعجازالبياني إلا بالعلم بالنظر والتفكر والأخذ عن أهل العلم فالعرب وقفوا في محراب التأمل والنظر والتفكر في آيات الله عاجزين أن يأتوا بمثله وقد بهرهم ببيانه وبأحكامه وبتشريعاته فخروا له ساجدين، كما ورد في القصة المشهورة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرة خرج على صناديد قريش، على جمع من قريش
وهم في ناديهم حول الكعبة وهم مجتمعون فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم سورة النجم ويرتل القرآن ترتيلا يقرأ القرآن قراءة خاشعة جميلة حسنة بصوت حسن فأُخذوا جميعا هؤلاء بما في القرآن، بجمال القرآن وبيان وإعجاز وحسن بناء ومعنى، فأُخذوا بجمال وبلاغة القرآن حتى لما انتهى النبي إلى قوله تعالى (فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا) [النجم 62] فخرت قريش وخرالجمع ساجدين لله تبارك وتعالى مع أنهم كانوا على الكفر.
فالقرآن في بيانه يستحق منا النظر والتفكر وبذلك تقوم الحجة على الناس أجمعين.

- بنياتي قضية كبيرة ومهمة للغاية في الموضوع، نحصل العلم النافع المورث للخشية و ينبغي بعد التحصيل العلم، أي كان هذا العلم، يجب التطبيق، العمل مباشرة، لا يكفي أن آخذ هذا العلم والنوروالهداية من الآية وأكتفي بذلك ينبغي أن أُحول هذا العلم إلى عمل إلى سلوك في الحياة، فإن كان عندي تقصيرفي جانب العبادة أصلح هذه العبادة، وإن كان عندي جانب من التقصير في السلوك أصلح هذا السلوك كتعاملي مع أهلي جيراني مع إخواني في ميدان العمل في الحارة في المجتمع الصغيرالذي أحيا فيه ينبغي للإنسان أن ينظر إلى عيوب نفسه، إلى أخطائه إلى جوانب التقصير في حياته ويحاول أن يصحح وأن يصلح وأن يجتهد في الإصلاح لأن الله تعالى أمرنا أن نسعى جاهدين في إصلاح أنفسنا، جاهدين أن نُزكي أنفسنا، نزكي أنفسنا بالعمل الصالح بالعلم النافع، فالتزكية مهمة
وعلى جانب كبير في الإسلام، يقول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) [الشمس 9-10]
(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) [ الأعلى: 14]
نقرأ القرآن ونقصد أن نزكي نفوسنا بهذا القرآن، بالعلم والعمل مباشرة، وأن نشفى من أمراضنا سواء تلك الأمراض التي في القلوب أوالأمراض المتعلقة بالجوارح، أي نوع من أنواع الأمراض يمكن أن نتعافى منه وأن نشفى منه بالقرآن بالوحيين (الكتاب والسنة) نطلب العافية في أجسادنا، وفي أنفسنا وقلوبنا وهذا ما يتأتى إلا بصدق النية والإخلاص والرغبة والدعاء المخلص والأخذ بالأسباب كما أمر الله تعالى
إذن نريد العافية في نفوسنا وأبداننا وعقولنا ونريد أن نقوي الإيمان ونكتسب اليقين كلما ترقى الإنسان درجات العمل، درجات الإيمان، درجات اليقين، كلما كان من الله أقرب كان لله أطوع حتى أنَّ التوفيق يكون ملازم له كما قال الله عز وجل (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) [العنكبوت: 69] قال سبحانه وتعالى: سنهدينهم سُبُلنا لم يقل سبيلنا
ثم ذكر الله تعالى المعية الخاصة
إن الله مع المحسنين، معية خاصة، معية نصرة، معية حفظ، معية توفيق، معية عطاء، معية صلاح وإصلاح وخير وبركة لايُحد ولا يُقدر قدرا، الحمد لله رب العالمين.
في الحقيقة فضل الله علينا واسع وكبير
والإنسان في ساحة القرآن يشهد كل هذه الخيرية بالنظروالتفكر والتدبر حتى ينال الرفعة والعزة.

* وهناك قضية من أعظم المقاصد في النظر والتأمل والتفكر في القرآن معرفة الله العظيم، الذي أُمرنا أن نخضع له و الذي يجب أن نوحده ونعبده ونسجد له.
من الله؟؟ من هذا الخالق العظيم ؟؟ من هذا الرازق الكريم؟؟؟
معرفته سبحانه وتعالى من خلال آياته الشرعية بأسمائه وصفاته عرفّ نفسه جلا وعلا وذكر أسمائه وصفاته وذكر آثار هذه الأسماء والصفات في الوجود ، أمرنا بالنظر في آياته الشرعية وآياته الكونية حتى نعرف الله تعالى ونعبده العبادة التي تليق به جلا وعلا بدون إشراك ورياء.
هذه من المقاصد العظيمة من التدبر إلى غير ذلك من الأمور التي ذكرناها لذلك أريد التركيز عليها واستحضارها باستمرار.
الأن السؤال الذي يجب أن أطرحه وهو مهم في هذا الجانب ممكن أن نستخلص إجابته مما استمعنا آنفا ونزيد عليها إن شاء الله تعالى.

إذا قلنا وسألنا ما الغايات الكبرى من إنزال القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم.
ما المقاصد الكبرى من التدبر؟

نريد أن نخلص هذه النقاط وهي على جانب كبير من الأهمية، غايات التدبر والمقاصد مرتبطة ونريد أن نستمنع منكن. السؤال :
ما الغايات من إنزال القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم؟
- وماالمقاصد الكبرى من التدبر؟
كما قلنا هذان الموضوعان متلازمان تلازم كبير، الغايات الكبرى من الإنزال والمقاصد الكبرى من التدبر.

غايات تنزيل كتاب الله عز وجل
1 – معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته وآلائه وآثارهذه الأسماء والصفات في الوجود، من آياته الشرعية وآياته الكونية.
الدليل :
(اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) [ البقرة 255 ]

2 – إخراج الناس من الظلمات إلى النور:
الأدلة من كتاب الله (الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم 1]

3 – فطر الله الناس على التوحيد والإيمان كما قال عز وجل (.طْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم :30 ]
فالناس فطروا على التوحيد وعلى معرفته ومحبته وعلى عبادته
كان الناس على التوحيد والعمل الصالح من آدم إلى نوح عليهما السلام ولما حصل انحراف في العقيدة والسلوك أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الكتب ليرد الناس إلى هذه العقيدة النقية، إلى التوحيد.
فهناك انحراف في العقيدة ، في التوحيد، في أعمال القلوب وفيما يستقر في القلوب، في معرفة الله عز وجل، تشويش وخلل، حصل انحراف عن التوحيد لذلك ابتعث الله تعالى الرسل ليردوا الناس إلى التوحيد فالله تعالى لا يقبل أبدا إلا دين الإسلام، دين التوحيد، دين الحنيفية السمحة، دين إبراهيم الخليل،الإسلام.
قال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [التوبة 115]
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ ابراهيم :4]
ليقيم الله الحجة على الناس ، فإذا حصل انحرف الناس أرسل الله لهم الأنبياء والرسل ليدلوا الناس على الطريق ويردوهم إلى الفطرة السليمة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ) متفق عليه ولم يقل يسلمانه لأن الإسلام هو الأصل.

لماذا أُنزل القرآن ؟
ليصلح ما فسد وما اختل من أمرالعقيدة والتوحيد في القلوب والعقول وحتى يدخل الناس جميعا في دين الله أفواجا، دين الإسلام الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده، قال تعالى (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء 48 ]
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران :85]
لأن الإسلام هو دين الرسل جميعا

كل الرسل جاءوا بالإسلام، نحمد الله تعالى لأننا أبناء الإسلام نؤمن بالرسل جميعا، من أولهم نوح إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، دون التفريق بينهم وأنهم جاءوا بالحق والتوحيد ودعوا الناس جميعا إلى التوحيد إذن هذه الغاية الثالثة من الإنزال.

4 – إصلاح ما فسد من أخلاق الناس وسلوكهم ومعاملاتهم، حصل عندهم انحراف في معاملاتهم، ظهر فيهم الزنا، الربا، اللواط، التطفيف في الميزان.... في كل أمة وفي كل قوم حصلت انحرافات سلوكية وأخلاقية متعلقة بالجوارح لذلك أنزل الله هذا الكتاب الكريم ليصلح ما فسد من أخلاق الناس ومعاملاتهم وعباداتهم.
وحتى تشيع المودة والرحمة ويشيع العدل بين الناس
(إنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [ النحل: 90 ]
الله سبحانه وتعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والوصايا العشر في أواخر سورة الأنعام معروفة.
إذا الله أنزل الكتاب ليصلح الأخلاق والسلوك و ينشرالعدل والسلام والمحبة والرحمة بين الناس ويعيش الناس في وأمن وأمان ورغد من العيش بمقتضى السنن التي أودعها الله وسخرها للناس في الأرض والسموات.

5 –تزكية النفوس وتطهير النفوس والجوارح والأرواح ويحقق للناس أكبر قدر من السعادة في الدنيا والآخرة، كذلك القرآن الكريم يحمل الناس إلى دارالخلود في جنات الخلود، في النعيم المقيم في الجنة.

6- القرآن يرشد الناس لما فيه سعادتهم وصلاحهم وخيرهم في الدنيا والآخرة ويحذرهم من كل ما يضرهم ولا ينفعهم ويضع لهم المنهج القويم للحياة والمعاش، المتمثل ذلك في الشريعة الكاملة الخالدة في عهد الإسلام.
أخذ العبرة والعضة من أسلافهم والأمم السابقة، كيف أنهم لما غيروا غير الله ما بهم لذلك حتى يثبتوا
على ما هم فيه من حق، لذلك الله تعالى اسبغ عليهم الله النعم والبركات من السماء والأرض.
القرآن يكون لهم حصنا وملجأ وملاذا من كل ما يؤذيهم ويضرهم في دينهم ودنياهم وفي أجسامهم وقلوبهم وأرواحهم كلما وجدوا الأذى والضرر فزعوا إلى القرآن وعاشوا في ظلاله وأنواره فيزيح الله عنهم الظلمات ويكشف عنهم الحجب التي تحول بينهم وبين الخير ويهديهم به إلى التي هي أقوم وإلى الخير والصلاح.
7- ليكون للناس و للمسلمين معراجا وسلما للعزة والتمكين في الأرض ونيل كل البركات والرحمات من الله ناهيك أن يمكن لهم في الأرض فيعبدوا الله سبحانه وتعالى على هدى ونور، يقول الله تعالى على أحد أنبيائه (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52 ]
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 44]
(لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10]
(طه ﴿١﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) [طه: 1- 2]
لم ينزل علينا القرآن لنشقى بل أنزله الله تعالى هدى وبشرى وشفاء وموعظة وحجة، الخيرية كل الخيرفيه.
قال تعالى (قالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) [طـه: 123]

(يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) [النحل: 89 ]
هذه في ظني أبرزغايات التنزيل لهذا الكتاب الكريم وهناك غايات آخرى خاصة ورديفة لها.
تلخيص النقاط أبرز الغايات من التنزيل :
هناك سبعة نقاط ذكرت....
هذه الغايات ينبغي أن نستحضرها في كل لحظة من لحظات التدبر لاتغيب عنا أبدا في كل مجلس من مجالس التدبر تكون حاضرة وتكون في أذهاننا ولا تغيب كل ما جئنا ننظر في الآيات الكريمة نجعل هذه الغايات نصب أعيننا بمثابة المشكاة والمصباح التي تضيء الطريق لاستظهار والإنتفاع بهدايات الآيات الكريمة في كل تدبر.

أنواع التدبر.....يتبع

أم ايمان
01-03-10, 07:44 PM
نلخص النقط التي ذكرناها
الغايات الكبرى لتنزيل القرآن الكريم
7 غايات :
- معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه و صفاته وآلائه
- إخراج الناس من الظلمات إلى النور
- إصلاح ما فسد من العقيدة
- الشفاء والرقية
- تصحيح الأخلاق والسلوك
- الفطرة السليمة:عبادة الله على هدى ونور
- تقوية الإيمان وتزكية النفوس

هذه الغايات ينبغي أن نستحضرها في كل لحظة من لحظات التدبر
لاتغيب عنا أبدا
كل ما جئنا ننظر في الآيات الكريمة نجعل هذه الغايات نصب أعيننا بمثابة المشكاة والمصباح التي تنير الطريق وتيسر الانتفاع .

أنواع التدبر :
1.التدبر الموضوعي :
أن نختار موضوع وننظر فيه على مستوى القرآن بصفة عامة : مثلا موضوع الإنفاق أوالصحبة أو الاستئذان أو الأمثال القرآنية أوالقصص أو آيات الخلق أو القدرة والتدبير أو السنن الكونية.....
موضوعات كبيرة أو صغيرة، موضوعات متكررة أو موضوعات محدودة تذكر مرة أو مرتين أو أكثر
ننظر في هذا الموضوع ونجمع كل ما تفرق فيه من آيات ثم نتدبره .

2. التدبر على مستوى السورة :
في البداية نتعرف على أبرز موضوعات السورة أوالمحاورالرئيسة التي يقوم عليها بناء السورة أوالأغراض العامة والخاصة بهذه السورة ، وكذلك يستحسن كثيرا التعرف على مكان النزول هل هذه السورة مكية أو مدنية ؟
وكذلك إن وجدت بعض أسباب النزول على مستوى السورة أو بعض الآيات أو مقاطع من السورة ، هذا يعين على الفهم و على التدبر القويم وفي الحقيقة هذا شيء حسن وجيد ومهم يعين على الفهم.
بعد ذلك نتعرف على فاتحة السورة ، ما الموضوعات والمعاني التي اشتملت عليها فاتحة السورة ، الفاتحة تطول وتقصر ، أحيانا تكون الفاتحة بآيتين أو ثلاث أو أربع حسب طريقة بناء السورة .
نتعرف على الموضوعات أو المعاني التي اشتملت عليها فاتحة السورة ثم ننتقل بعد ذلك إلى الخاتمة
وما بين الفاتحة والخاتمة هناك ما يسمى بجسم السورة أي الجسم الرئيسي للسورة ، نتعرف على الأقسام أو المقاطع أوالأجزاء التي يتكون منها هذا الجسم أو هذا الجزء الكبير من السورة ، نتعرف على موضوعاته.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى الخاتمة ، نتعرف على الموضوعات والمعاني التي اشتملت عليها الخاتمة والغايات والأهداف فيها. ثم بعد ذلك ننظر في عملية الربط بين الفاتحة والخاتمة.
هذا الربط وهذا النظر ينبغي أن يكون على جانبين :
الجانب الأول من حيث المعاني ، المعاني قد تكون مكررة في الفاتحة والخاتمة ولكنها ليست على بناء واحد ، المعنى يكون واحدا ولكن البناء مختلف ، هذا الاختلاف يتعلق بمعاني نحتاج أن نتدبرها ونستفيد منها وننتفع بها.
إذن المعاني المكررة في الفاتحة والخاتمة وطريقة التعبير عنها في الفاتحة والخاتمة والنظر في التعبيرين أو في الأسلوبين وأوجه الاختلاف والاتفاق بينهما في البناء يتعلق بها معاني عظيمة وجليلة يمكن أن ننتفع منها في استظهار الآيات الكريمة .
الجانب الثاني من حيث الألفاظ : نجد أحيانا الألفاظ تتكرر في الفاتحة والخاتمة وإن اختلف البناء وهذا أيضا مهم، من الناحية الصوتية مهم فعندنا في علم البلاغة ما يسمى ردُ الأعجاز على الصدور معنى ولفظا ، أحيانا يكون باللفظ والمعنى وأحيانا باللفظ ، فالقرآن معجز كبير يحتاج إلى تدبر عميق .
نرد الخاتمة على الفاتحة هذا نوع من التدبر على مستوى السورة ، وننظر في الغايات والأهداف من ذلك لانقف فقط على الجوانب اللفظية بل النواحي المعنوية مهمة .
بعد ذلك ننظر في الأجزاء المكونة لجسم السورة وعلاقتها بالفاتحة والخاتمة حتى نقف على الغايات والأهداف من السورة ثم ننظر في السورة وعلاقتها بما قبلها وما بعدها ، بحيث أحيانا تكون لها علاقة بخاتمة ما قبلها أو فاتحة ما بعدها وأحيانا تكون لها علاقة بفاتحة وخاتمة ما قبلها و ما بعدها.
وهذا يحتاج إلى تفكر وتدبر في هذا الجانب نستفيد منه إن شاء الله تعالى .
طبعا من المناسب أيضا بما كان أن نعرف أوقات أي ترتيب النزول ، ليس ترتيب المصحف المقصود بل ترتيب النزول، مثلا سورة كذا نزلت بعد سورة كذا في عام كذا. فترتيب النزول وزمان النزول هذا يعين على معرفة مقاصد السورة وأهدافها غير الترتيب في المصحف
اعتمادنا على كتب التفاسير وكتب أسباب النزول أو كتب علوم التفاسير عموما يعين كثيرا على فهم مقاصد السورة . وهناك أمور أخرى مهمة في التدبر على مستوى السورة إن شاء الله تعالى نأت عليها في حينها.

3- التدبر على مستوى الآية
أن ننظر في الآية مجملة ثم ننظر فيها كلمة كلمة وحرفا حرفا من حيث الدلالة اللغوية للكلمة والدلالة الشرعية في الآية الكريمة لأن الكلمة في اللغة أحيانا يكون لها أكثر من معنى ، فما المعنى القرآني المراد في سياقه ؟ وهذا شيء مهم ولذلك في بعض التعبيرات أو في بعض الجمل القرآنية أو في بعض الكلمات تكون من الغريب بسبب بعدنا عن أصول الفصحى ، ولذلك نحتاج أن نستدل على المعنى في كتب غريب القرآن ، أو في كتب التفاسير لأنه لا غنى لنا عليهما ،فننظرفي معنى اللفظ وإذا كان معناها بعيدا فنحتاج أن نعود إلى معني التفاسير لنعرف معنى اللفظة أو معنى التركيب.
* كذلك إذا نظرنا في الآية ننظر في الآيات الأخرى الشبيهة بها على مستوى سور القرآن جميعا ، هل تكرر المعنى الذي تناولته الآية في الآيات الأخرى من القرآن ؟ نأت بالآيات الأخرى الشبيهة أو النظيرة أو المماثلة أو التي تتكلم عن المعنى نفسه أو الموضوع نفسه ونعمل موازنة ، ننظر في الآيتين حتى نستدل على الفروق بينها في التعبير أو في التركيب ونعرف المغازي والمقاصد المتعلقة بالآيتين
.تتفقان في الموضوع والمعنى وتختلفان في الغايات كل آية في موضعها
* كذلك ننظر في علاقة مفردات الآيات في أولها ، في وسطها ، في آخرها ، لفظة تقدم ، لفظة تأخر ، أحيانا لفظة تُعَرّف ، لفظة تُنكّر ، كل هذه الأحوال التي تطرأ على الكلمة في الآية تتعلق تتعلق بها معاني فعند النظر فيها والتفكر نجد أشياء نافعة ومفيدة تخدم مقاصد التنزيل ، سنقف على بعض الشواهد والأمثلة إن شاء الله تعالى .
* كذلك ننظر في علاقة الآية بما قبلها وما بعدها، الآية في سياقها ننظر في مقطعها أو في الجزء التام من المعنى أو الموضوع في السورة، وهذا في الحقيقة أيضا جانب مهم في عملية التدبر.
* ننظر كذلك في جمل السورة تكون موصولة ، تكون مفصولة ، يكون نوع من الإطناب ، نوع من الإيجاز في الجمل في الآية تكون مقيدة أحيانا أو تكون مطلقة ، القيد أحيانا يكون بمثابة الشرط أو بمثابة الوصل أو بمثابة الحال هذه القيود في الحقيقة لها دلالة نافعة في خدمة المقاصد من التنزيل ، هذا يكون على مستوى الآية.

التدبر على مستوى القصة القرآنية
مثلا قصة موسى نجمع ما تفرق منها في القرآن الكريم ثم ننظر فيها ونأخذ الفصول التي اختيرت ووضعت في سور القرآن، ما الغاية منها ؟ أحيانا تكرر القصة في مواضع كثيرة ولكن فصول القصة مجتمعة لا توجد في سورة واحدة، هي متفرقة وإذا جمعناها ظهرت القصة متكاملة ثم ننظر في الجزء المختار منها في السورة الفلانية ما الغاية؟ ما الغرض ؟ ما المقصد؟ نجد أنها تخدم مقاصد السورة العامة بشكل كبير، هذا مهم في موضوعنا.
هذا نوع من التدبر نافع ومفيد غاية النفع في القصص القرآنية.
أكتفي اليوم بهذه الأنواع من التدبرو إن شاء الله في الدرس القادم نبدأ التطبيق العملي نأخذ آية كريمة ونبدأ نطبق عليها كيف نتدبر الآية، ثم نأخذ مقطعا كيف نتدبره، الفاتحة ننظر فيها كيف نتدبرها، الخاتمة وهكذا ...
كل نوع من هذه الأنواع التي ذكرناها نبدأ نطبق عليها ثم نشرع في التدبرالعام في اختيار السور حتى تكون لدينا أرضية وخلفية علمية بينة واضحة في طريقة النظر والتدبر حتى ننتفع جميعا ويشارك الجميع في الإنتفاع في هدايات الآيات والسورالقرآنية.
انتهى الدرس
توقف الشيخ وطلب إن كانت هناك أسئلة أواستفسار او زيادة أو إضافات ...
سؤال : متى يكون التدبرغيرمستحب؟
جواب الشيخ : لما يكون الإنسان منشغل الذهن ولم يستحضر قلبه للتدبر، لما يكون ساهيا لاهيا وهو يستمع لشيء غير القرآن، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، التدبر يحتاج إلى صفاء الذهن ورغبة.

- أنصحكن بنياتي بقراءة القرآن باستحضارالغايات الكبرى والعظمى من إنزاله ونتفكر في الخطوات التي ذكرناها، كيف نستفيد عند النظرعلى مستوى الآية والمقطع والفاتحة والخاتمة، نحاول أن نربط بين معاني السورة ، فاتحتها خاتمتها، ونحن ننظر في الآية، ونحن ننظر في فاتحتها أو خاتمتها نستحضر غايات الإنزال، يجب ان نعرف الله عزوجل، أن نعبد الله على علم، على هدى، ونحقق التوحيد وأن نصلح حالنا وواقعنا وأن نتزود من الهدى والنور والخيروأن يكون القرآن شفاءا وضياءا ونورا وهدى لعقولنا، هذه غايات مهمة جدا أثناء قراءة القرآن والتدبر فيه، نقرأ القرآن ونحن نستحضر هذه المعاني. بودي من الأسبوع القادم أن نستحضر هذه الغايات ونحن نقرأ الآيات نحاول أن نتدبر على المستويات الثلاث التي ذكرناها ثم ننظرفي النتائج وكل أخت تأخذ سورة وتنظر فيها على مستوى المقطع والجزء والفاتحة والخاتمة وتعطينا النتائج وحنى تكون متضحة في الأذهان الأسبوع القادم إن شاء الله.

سؤال : يا شيخ أنا لاأشعر بالطمأنينة؟
جواب الشيخ : ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، وبذكر القرآن ينبغي للإنسان أن ينظر في نفسه ، ربما كان الإنسان مقصرا في عبادته وهومرتكب ما يغضب الله تبارك وتعالى في جانب من جوانب حياته فيؤثر على إيمانه وحرارة الإيمان في القلب وبالتالي تحصل وحشة في القلب، الإنسان وهو يقرأ القرآن يجب أن ينظر في نفسه يرى أين جوانب التقصيروهل له من ذنب؟ يحاول أن يتطهر وينقص خاصة من الكبائر، وقبل أن يقرأ القرآن يتضرع إلى الله عزوجل إن شاء الله يجعل الطمأنينة في قلبه.

سؤال : هل يمكن أن نحدد سورة ونتدبر فيها؟
جواب الشيخ: في الحقيقة بودي أن نحدد سورة من السور مثلا سورة الجاثية ونتدبرها على مستوى السورة والآيات والفاتحة والخاتمة ونأخذ الفوائد
سؤال : هل يؤثر القرآن على شخص لايفهم العربية؟
نعم إذا كان مسلما مؤمنا وقرىء عليه القرآن بنية صادقة وبنية الشفاء يؤثر فيه القرآن فيتعافى بإذن الله تعالى.

سؤال: كيف نجمع بين الحفظ والتدبر أو هل ممكن الجمع بينهما؟
نعم، يجمع بين التدبر والحفظ ، يقرأ القرآن ثم يحفظ في صدره فيفهم المعاني ويتدبر ولا شك هذا يكون عونا له على تثبيت الحفظ وممكن أن نضع في الأسبوع القادم خطوات للحفظ القوي إن شاء الله تعالى.

اترككن في حفظ الله ورعايته وأسأل الله لكن جميعا التوفيق والهداية وإلى مزيد من الهدى والنور والعزة والرفعة لهذا الدين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم ايمان
13-03-10, 07:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تفريغ الشريط الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على على محمد .السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات,وأسأله وهو الجواد الكريم أن يتولانا جميعا بواسع فضله ورحمته وأن يفتح علينا أبواب العلم وأن يهدينا جميعا سواء السبيل وأن يربط علينا برباط الحق حتى نلقاه .
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

حياكم الله أخواتي الكريمات في هذه الروضة الطيبة المباركة ، روضة القرآن,أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا في هذه الساعة وأن يكتبها في ميزان حسناتنا يوم نلقاه
كما وعدتكن في الدرس الماضي ، اليوم إن شاء الله تعالى كما اتفقنا سننظر في سورة الجاثية ونطبق عليها بعض القواعد التي ذكرناها في التدبر.
أريد أن نتفق على الخطوات هل أتكلم وتعلقن أو أسمع منكن ثم أعلق على نظر الأخوات في الآيات الكريمات وفق الخطوات التي ذكرناها آنفا في الدرس الأول والثاني.
فأريد أن أسمع رأي الأخوات أولا
نفتح سورة الجاثية ثم ننظر فيها بصفة عامة أبرز الموضوعات والمحاور التي تتكلم عن السورة ثم بعد ذلك نتكلم عن المقاطع التي سارت عليها السورة ثم بعد ذلك نحاول ننظر في صدر السورة وفي عجز السورة ثم ننظر في الآيات آية آية لنستظهر أبرز الهدايات والعضات والعبر والفوائد منها حتى إن شاء الله ننتفع بها في الحياة الدنيا وتكون لنا نورا وهدى يوم القيامة.
فما رأي الأخوات الكريمات ؟
الآن أريد من الأخوات الكريمات أن ينظرن في سورة الجاثية ويتأملن هذه السورة من أولها إلى آخرها حتى نقف على محاور السورة أو أبرز الموضوعات التي تكلمت عنها السورة والسورة كما تعلمن :هل هي مكية أو مدنية؟ سورة مكية كما تعلمن جميعا.
والقرآن المكي له صفات ، يدور حول محاور معينة أو موضوعات معينة محددة ،غالبا ما تتكرر في معظم السور المكية .
فهل هذا ينطبق على هذه السورة؟
الآن ننظر أبرز موضوعات السورة والمحاور التي قامت عليها السورة ،ننظر فيها جميعا ثم نسمع من الأخوات الكريمات نتعلم جميعا أسلوب التدبر وننتفع به ونعلم به غيرنا إن شاء الله تعالى.
ما أبرز موضوعات السورة أو المحاور التي قامت عليها السورة والمقاصد العامة منها؟ وهي لم تخرج كما قلنا عن مقاصد المكي في العموم.
نعم تقرير الربوبية ، ماذا أيضا.
طبعا نحتاج إلى لأن نقرأ السورة بتأن ونتأملها سويا حتى نقف على هذه الموضوعات
طبعا تقرير الربوبية كما تعلمن جميعا ، الكفار، لما نزل نزل الكتاب الكريم عليه الصلاة والسلام,كانوا يقرون توحيد الربوبية {وإذا سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } فتقرير توحيد الربوبية ليس هو المقصد الأساس في الجملة، المقصد الأساس تقرير توحيد الألوهية فهم يقرون توحيد الربوبية ولا يجادلون فيه.
إذا القرآن المكي في العموم يدور حول قضية كبيرة مهمة جدا وهي ما يتعلق بتقرير عقيدة ماهي الألوهية ، أن الله سبحانه وتعالى موجود وأنه صاحب الكمالات والصفات المطلقة الكاملة، وأنه المستحق وحده للعبادة دون سواه، لما نصب من الآيات الشاهدة على وجوده وعلى كماله ، كمال قدرته وحكمته جل وعلا، ولذلك الله سبحانه وتعالى يأمر بتوحيد الألوهية ، أن نخلص الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ونصب الأدلة في الآفاق وفي الأنفس على كماله وعلى استحقاقه للألوهية.
فالقضية الأولى الكبيرة تحدث عنها القرآن المكي، تقرير عقيدة الألوهية أو توحيد الألوهية أو ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى ، بأسماءه وصفاته واستحقاقه للعبادة دون ما سواه، هذه القضية الأولى.

القضية الثانية التي اشتملت عليها السورة
كما قلت أخواتي الكريمات هل نسمع من الأخوات يكتبن ما يرين في الآيات يعلقن عليها أو أتكلم ثم تكون مداخلات، أريد من الأخوات أن يقترحن علي الطريقة المناسبة حتى نصل للمراد.
نعم أخواتي الكريمات ، أريد أن أسمع منكن جميعا، الطريقة المثلى التي ترينها مناسبة لعرض التدبر.
هل أترك التدبر للأخوات ثم أعلق وأستدرك ونسمع من الأخوات طبعا آراءهن فيما يكتبنه ، أو أتكلم ثم بعد ذلك تكون مداخلات للأخوات الكريمات ، ماالمناسب؟ أبدأ بمفردي، حسنا
إذا أردنا أن نبدأ سويا وتسمعنني.
سورة الجاثية سورة مكية، من السور العظيمة تتحدث في أولها عن الكتاب الكريم وأنه من الله تبارك وتعالى وأن هذا الكتاب يشتمل على كل خير، فيه الهداية وفيه النور
وفيه الآيات البينات الظاهرات التي تقود الإنسان إلى معرفة الله تبارك وتعالى وإلى الخضوع والذل والانكسار له جل وعلا .
{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
السورة في أولها تنوه بهذا الكتاب العظيم، ومما اشتمل عليه من الآيات البينات والدلائل والمعجزات على أن هذا الكتاب من الله تبارك وتعالى، وعلى وجوب النظر فيه والتدبر فيه والإننتفاع بالهدايات والعبر والعظات التي فيه.
ثم الله سبحانه وتعالى بعد ذلك لما ذكر الكتاب الكريم وبدأ جل وعلا في إشارة إلى الآيات التي خلقها ونصبها للأعيان ، للناس جميعا لينظروا ويتفكروا فيها، في الآيات الكونية المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، في الآفاق البعيدة في السماوات وفي الأرض التي أعدها الله سبحانه وتعالى سكنى للمكلفين من الجن والإنس .
{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } وهذه الآيات التي بثها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون العظيم الذي ينطق بوحدانية الله سبحانه وتعالى وبكمال قدرته وعلى استحقاقه بالعبادة دون سواه.
آيات متنوعة { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } من سينتفع بهذه الآيات؟
الذي سينتفع بها هم أهل الإيمان فقط ، من فتح قلبه لأنوار القرآن والمعجزات الكاملة في كل خلق الله تبارك وتعالى، نظر فيها نظر معتبر ومتفكر ومتدبر تقوده هذه الآيات حتما إلى الله تبارك وتعالى ، إيمانا وخضوعا وانكسارا وذلا له جل وعلا:{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ}

إذا نفكر في هذه الآيات المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس فهي على أنواع,لو نظرنا في الكتاب الكريم نجد الآيات على أربعة أنواع:
النوع الأول: -آيات الذكر الحكيم - الآيات المعجزات التي بين دفتي المصحف المقروءة التي نزلت على محمد عليه الصلاة والسلام المكتوبة في المصحف والمحفوظة في الصدور.
وهذه الآيات الله سبحانه وتعالى تكلم بها ولها صفة الديمومة والبقاء والقدم، وهذه الآيات لا يأتيها الباطل من يديها ولا من خلفها { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[فصلت:42] وتشتمل على كل خير.
هذه الآيات التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، التي بين دفتي المصحف ، هذه مما يجب النظر فيها { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }[النساء:82]
بنياتي، قلنا الآيات على الأربعة أنواع التي ينبغي النظر فيها والتأمل فيها حتى يزداد المؤمن إيمانا ويقينا بالله تبارك وتعالى.
وكم قلنا هذه الآيات العظيمة لا ينتفع بها إلا أهل الإيمان الذين أخلوا قلوبهم مما يدنسها من الآثام والذنوب والمعاصي، وكبائر الذنوب والمعاصي كالشرك والنفاق والكفر والأخلاق الرديئة والأمراض، واستقر فيها الإيمان والخير فتنتفع بالآية الكريمة نظرا وتدبرا.
إذا الآيات الأربع:
الآيات الشرعية التي في كتاب الله عز وجل، التي في المصحف الذي نقرأه ونتلوه.
الآيات الكونية المنصوبة في الآفاق والأنفس.
والآيات المعجزات التي أجراها على أيدي الرسل والأنبياء ، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في عدد من كتابه الكريم، وهي كثيرة في عهد محمد صلى الله عليه وسلم.
والآية الرابعة التي ينبغي النظر فيها في الكون، آيات التدمير والعذاب التي نزلت بالكافرين.
والله سبحانه وتعالى أشار لذلك في عدد من المواطن من كتابه الكريم كما قال عز وجل { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ﴿١٣٧﴾ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[الصافات]
وكما قال الله عز وجل (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ ﴿٧٦﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٧٧﴾) [ الحجر]
إذا آيات التدمير والعذاب التي وقعت بالكافر مثل أصحاب الأحقاف وأصحاب الرس وثمود أصحاب الأيكة ومثلا قرى قوم لوط كيف أن الله سبحانه وتعالى خسف بها، حتى أن العلماء اكتشفوا أن أخفض منطقة في العالم هي تلك المنطقة التي تم فيها التدمير في قوم لوط الذين كذبوا رسولهم وأتوا بالفواحش الكبيرة.
إذن هذه الآيات التي ينبغي أن ينظرفيها المؤمن ليعتبر ويتدبر{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} عظيمة وكبيرة جدا لمن؟ للمؤمنين، إذن شروط الإنتفاع بالآيات هو الإيمان
ثم بعد ذلك الله سبحانه وتعالى بعد هذا التعميم جاء بنوع من التفصيل لبعض هذه الآيات فقال { وَفِي خَلْقِكُمْ }
بدأ بخلقنا، بالآيات التي في نفوسنا، وفي خلقكم أيها المكلفون
ثم انتقل بعد ذلك إلى الدواب، وفي قوله جل وعلا { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } يعني والذي يبثه من الدواب الصغيرة والكبيرة ، الظاهرة والباطنة، التي نراها والتي لا نراها، كل ما يتحرك في الأرض يطلق عليه اسم دابة، سواءا كان من خلق الله ابتداءا أوحتى من صنع الإنسان في ثقل الله تبارك وتعالى بنعمه، بفضله وإحسانه وتعليمه للخلق ، كل هذا يدخل في هذا.
{وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون} إذا الآن حتى يتلقى الإنسان درجة الإيمان حتى درجة اليقين، يمكن له ذلك من خلال التدبر في التفكير فيما حوله من خلق الله تبارك وتعالى.

طبعا في قوله جل وعلا { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } هنا عبر بفعل مضارع { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } هذا دليل على أن الخلق متجدد ومستمر في الدوام ويدخل في ذلك حتى في ظني، الخلايا في داخل جسم الإنسان ، فهي تتحرك في حركة دائمة، والخلايا تموت وتحيا بقدرة من الله تبارك وتعالى.
فالبث لفظة تحتمل معان كثيرة { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } في كل مكان في ما كان فوق الأرض وما كان تحت الأرض وما كان في أعماق المحيطات و الأنهار كل هذا يدخل في هذا المعنى { وَفِي خَلْقِكُمْ }
{ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } طبعا التفكر في الدواب ليس فقط في الشكل والهيئة، أيضا في الوظيفة ، فالشكل والهيئة معجز ، أشكال مختلفة متلونة متنوعة، تشكيلا وألوانا ، شيء معجز، ولذلك لو تأملنا في الأفلام الوثائقية التي تصور لنا خلق الله سبحانه وتعالى سواء في البحار أو في الغابات، في خلق الحشرات في خلق الطيور في خلق الأسماك في خلق الزواحف ، سنجد معجزات في الخلق، كما قلنا في الشكل والهيئة والوظيفة وطبيعة الحياة والنظام الذي يحكم كل مملكة من ممالك الحيوان ، آيات معجزات تدل على قدرة الله تبارك وتعالى ، ولذلك هذا من النظر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به يجب أن ننظر في حياة هذه الكائنات حتى نأخذ العبرة والعبر ، إذا كانت هذه الكائنات مهدية لقدرة الله عز وجل ، تسير وفق سنن رتبها الله سبحانه وتعالى تحكم حياة هذه الممالك: مملكة النمل ومملكة النحل ومملكة الأسماك وهكذا...لها نظام يحكم حياتها، فكيف بحياة الإنسان .
الله سبحانه وتعالى وضع هذا المنهج الرباني العظيم ، الإسلام ، الدين الخاتم، دين الأنبياء والرسل جميعا لينظم الحياة، ولذلك الإسلام مهيمن على كل شأن من شؤون الحياة صغيرها وكبيرها ، والإسلام ماترك شيئا ولاشأنا من شؤون الحياة إلا نظمه ووضع له القواعد، حتى يعيش الإنسان في سعادة وفي أمن وأمان ويحقق وظيفته في الأرض، عمارة وبناءا وفق المنهج الرباني، حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد برحمة الله في الآخرة { لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } التعبير بفعل مضارع يدل على أن هذا البث مستمر ومتجدد عبر العصور وعبر الأزمان وفي كل مكان وهذا كله يدل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
إذا طريق اليقين هو النظر والتفكر والتدبر، ويلزم منه بعد العلم العمل، لابد من العمل، ولذلك الله تبارك وتعالى يقول { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أيضا يذكر لنا بعض الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرته وعلى استحقاقه للعبودية دون سواه وفي اختلاف الليل والنهار كيف يتعاقبان وكيف يدخل هذا في هذا ويأخذ هذا من هذا بقدرة الله تبارك وتعالى، في استمرار وعدم انقطاع، من القائم على ذلك؟ إنّه الله تبارك وتعالى
{ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }
طولا قصرا حرارة وبرودة ، كما قلنا كل هذه الآيات العظيمة نورا وضياءا وظلاما ، معاشا وسكنا ، هيئة وشكلا ووظيفة ، بالليل والنهار ، كل ذلك آيات عظيمة تستحق من النظر والتفكر لذلك قال الله { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [القصص:72] { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } فالله عز وجل يثير العقول أن تنظر في هذه الآية العظيمة تتفكر فيها حتى تنتفع هذه العقول من هذه الآيات.
بسبب الإلف والعادة ، آيات الليل والنهار مكرورة كل يوم بسبب الألف والعادة ، ألفها الإنسان واعتادها فلا يشعر بعظمتها وإلا لو وقف وتفكر وتدبر لعلم عظمة من خلقها، العظمة ، لو تفكرنا مثلا في آية الليل والنهار بعمق، لوجدنا على سبيل المثال أن النهار بضيائه ونوره وبياضه لا يكون إلا على جزء بسيط جدا من الكون الكبير الفسيح الواسع العظيم الذي لا يعلم مداه إلا الله تبارك وتعالى.
في جزء يسير جدا من سطح الأرض، فقط الجزء المقابل للشمس يوجد فيه النهار وهذا الضياء وهذا البيان، الجزء المقابل للشمس فقط ولا يكاد يتجاوز حوالي أكثر من 360 كلم ، يعني حجم الغلاف الجوي من الأرض إلى نهاية الغلاف الجوي تقريبا في هذه المنطقة من الكون المحدودة هو الذي يوجد فيه النور والضياء والبياض أما إذا تجاوزنا ذلك بعدها سنجد ظلمة، قرص الشمس قرص أحمر لا ضياء له، فتلتقي ظلمة الأرض بظلمة الكون ، فالكون كله مظلم ، شديد الظلمة ، من الذي نوَّره؟ الله سبحانه وتعالى بقدرته، فالكون الفسيح الواسع الكبير العظيم كله مظلم نوَّره الله وجمله وحسنه وزينه بهذه النجوم، بهذه المصابيح وقال { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [الصافات: 6-7] نحن الآن نرى هذه الزينة وهذا الجمال إلا إذا كنا على الأرض، إذا جاوزنا الأرض إلى ما بعد ذلك سنجد الأجرام ، هذه مجرد قطع حمراء، بعيدا عن الغلاف الجوي، فسبحان من خلق هذا الكون فأحكمه.
ولذلك في الليل، إذا جاء الليل التقت ظلمة الأرض بظلمة السماء، فنرى النجوم البعيدة التي تبعد عنا بملايين السنوات الضوئية، وهذه النجوم التي فارقت مكانها كما يقول العلماء، ليست في مكانها، فالكون في اتساع دائم وهذا كله يزيد الإنسان إيمانا وخضوعا لله تبارك وتعالى { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ } يعني العلو سمى الله سبحانه وتعالى هذا الخير النازل من السماء، الماء المبارك الطيب الفرات الذي يجريه الله سبحانه وتعالى أنهارا في الأرض و يسلكه وينابيع في الأرض ينتفع بها الناس، ما أنزل ماءا عذبا برحمته وفضله وإحسانه، تحمله السحاب بقدرة الله ويسوقه الله كيف يشاء، متى شاء إلى من شاء بقدرته جل وعلا، وسماه الله سبحانه وتعالى رزقا، نعم هو سبب الرزق في الأرض، هذا الرزق من الأسباب المهمة للحياة للكائنات جميعا، ينزل هذا الماء الزلال الفرات الطيب المبارك على الأرض فتنتفع به الحيوانات والطيور، كيف يخرج الله سبحانه وتعالى الزرع مختلفا أكله، يخرج به الله سبحانه وتعالى النبات الأخضر البهيج، الأزهار والأشجار، يخرج بعد ذلك منه الثمر من الأشجار، طيبا مباركا بأنواع شتى بطعم شتى بقدرة الله سبحانه وتعالى وفضل إحسانه، كل هذا لمن؟ للمؤمنين { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] الله يخرج الطيبات لمن؟
{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦﴾ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨﴾ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴿٢٩﴾ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠﴾ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } [عبس ]
سبحان الله أخرجه الله سبحانه وتعالى متاعا وبركة وخيرا لنا وصحة وعافية لأبداننا ومتاعا إلى حين ، فالحمد لله رب العالمين.
سبحان الله ! أخرجه الله سبحانه وتعالى متاعًا وبركةً وخيرًا لنا ، وصحةً وعافيةً لأبداننا ، ومتاعًا إلى حين، والحمد لله رب العالمين ،هذا فضل من الله سبحانه وتعالى، قال: (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ..) يستحق الإنسان أن يقف عند هذا الرزق النازل من السماء ، كيف يرفعه الله بقدرته ، ملايين الأطنان من الماء بخار يحمله الله سبحانه وتعالى بقدرته في السحاب ، ويكون السحاب كالجبال في السماء ، السحاب الركام كالجبال في السماء ، ثم بعد ذلك ينزله الله مطرًا وغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا غدقا ، فينفع الله به العباد والبلاد فضلا منه ورحمة ، وذلك الماء إذا نزل مصحوبا بالبركة خرجت الأرزاق.
هذا الماء النازل من السماء ، ينبغي للإنسان المسلم أن يتفكر فيه وينظر ، إذا حبس عن الناس عاشوا في ضنك من العيش وفي قلق وفي تعب وفي حسرة وفي ألم وفي قحط ، ولذلك ليس لهم ملجأ من الله إلا إليه ، يجأرون إليه بالدعاء أن ينزل عليهم الغيث ، فالماء المبارك إذا نزل مصحوبا بالبركة نفع الله سبحانه وتعالى به العباد والبلاد ، وربما ينزل آية من آيات الله ، آية تدمير : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا...) [سورة الأحقاف] إذن الماء الذي ينبغي أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطينا هو الماء المبارك الماء الطيب الهنيء المريء ، فهذا رزق من الله تبارك وتعالى ، فإذا نزل نحمد الله سبحانه وتعالى على فضله وإحسانه ، ونتفكر كيف أن الله تعالى رفع هذا الماء بقدرته وأنزله بقدرته على العباد متى شاء ، كيف شاء ، أين شاء ، يهبه لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور : 43] .
قال: (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) وهناك علاقة وثيقة بين السحاب وبين الرياح ، الرياح بقدرة الله تسوق السحاب ، فهذه الرياح أيضا آية من آيات الله العظيمة ، فاختلاف المناطق في الأرض حرارة وبرودة ، هدوءً وحركة يؤثر على حركة الرياح في الأرض بقدرة الله تبارك وتعالى ، فهي محل تفكر وتدبر ، هذه الرياح في هدوئها وفي عصفها الشديد تستحق لوقفة وتدبر وتفكر حتى نعلم قدرة الله سبحانه تعالى في الخلق وتكوين هذا الكون ، لذلك الله عز وجل قال: (آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) إذن من هذه الآيات الكريمة نستفيد الآتي:
أنّ الإنسان المؤمن ينبغي عليه أن يستخدم جميع ملكاته ، وجميع قدراته العقلية في التفكر والنظر في آيات الله الشرعية وآيات الله الكونية ، لماذا؟ حتى يزداد يقينا وإيمانا وخضوعًا وذلا وانكسارًا لله .
وأن طريق زيادة الإيمان وزيادة اليقين والطمأنينة والأمن الذي يسكن القلب ، طريقه: النظر والتفكر ، عبادة التفكر من أعظم العبادات المورثة للإيمان الحق ، الإيمان الحقيقي الذي يظهر أثره على الإنسان خضوعًا وانكسارًا وذلًا وخشيةً لله تبارك وتعالى ؛ ولذلك أهل العلم أشد الناس خشية لله تبارك وتعالى ، كما قال الله عز وجل : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر : 28] .
وقد ذكر هذه الآية في حديثه جل وعلا عن الآيات الكونية ، هذه الطرق المتنوعة في أشكالها وصورها في الأرض والجبال ، وفي خلق الناس والدواب في أشكل مختلفة وصور مختلفة ، بعد ذلك قال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر : 28] فهؤلاء الذين ينظرون ويتفكرون في خلق الله وفي سنن الله هم أشد الناس خشية وخوفًا من الله تبارك وتعالى ، فهذا طريق اليقين وطريق الإيمان هو طريق التفكر والتدبر في آيات الله الكونية وآياته الشرعية ، لذلك قال الله عز وجل : (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ) يا محمد وعلى كل من يفهم ويعقل هذا الخطاب (بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) إذن مطلع السورة يركز على جانب مهم، هو أن الواجب على المؤمن أن يستخدم عقله وأن يتفكر في آيات الله على اختلاف صورها ، سواءً كانت الآيات المبثوثة في الكون ، والآيات التي بين دفتي المصحف ، الآيات الشرعية ، وكما قلنا الآيات التي أجراها على أيدي الرسل ، معجزات على أيدي الرسل ، وآيات التدمير التي وقعت بالكافرين ، وأيضا: آيات النصرة والتمكين لعباد الله المؤمنين من الرسل والأنبياء والأولياء ، كل هذه محل اعتبار وتفكر للمؤمن حتى يزداد يقينا وإيمانا بالله تبارك وتعالى.
إذن بعدما ذكر الله الكتاب الكريم نصب الأدلة على صدق هذا الكتاب الكريم (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) أن هذا الكتاب هو الحق (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53] ، قال الله عز وجل عز وجل (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : 88] ولذلك الله عز وجل بعد ذلك توعد هؤلاء الذين يصدون عن آيات الله وينكرونها ويكذبونها (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)) هؤلاء الذين قامت عليهم حجة ، الذين نظروا وتفكروا وعلموا أن هذه الآيات المنصوبة دالة على وجود الخالق ، وأن هذا الخالق هذا موجود، وأنه كامل الصفات جل وعلا وأنه القادر الحكيم المدبر ، وأن هذا الكون لم يكن موجودا هكذا عبثا ولا صدفة ، هؤلاء الذين علموا هذه الحقيقة فلم يعملوا بموجبها لهم عذاب شديد عند الله تبارك وتعالى ، قامت عليهم الحجة ، ولذلك المؤمن إذا علم وأيقن عليه أن يباشر بالعمل ، العمل الموصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى والفوز بوعده جل وعلا بالفوز بالنعيم المقيم في الدنيا والآخرة. (يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)) هذا الاستكبار عن الآيات والغرور كان جزاؤه عند الله تبارك وتعالى من جنس عمله ، هذا الاستكبار وهذا العلو جعل الله سبحانه وتعالى له عذابه يهينه (لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) مصحوب بذلة شديدة لهم في الدنيا والآخرة ، جزاء مكرهم واستكبارهم وعلوهم في الأرض بغير الحق
(مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا) إذن هؤلاء لهم ذلة ولهم الخزي ولهم العار في الدنيا والآخرة جزاء استكبارهم عن آيات الله تبارك وتعالى ، وفي الآخرة عذاب شديد وأشد من عذاب الدنيا ، (وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا) من الأموال والأولاد والتجارات وما جمعوا من حطام الدنيا (وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ..) من الأصنام والأوثان والأنداد من غير الله تبارك وتعالى لن يغني عنهم من الله شيئا (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
فانظرن كيف أن الله سبحانه وتعالى وهو يتوعد هؤلاء المستكبرين من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، تدرج في وعيدهم ، أولا قال: (فَبَشِّرْهُ) طبعا تهكمًا بهم (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) و (لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) ثم (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) نسأل الله سبحان وتعالى أن يعافينا جميعا من عذاب الله في الدنيا والآخرة.

يتبع بإذن الله

أم ايمان
13-03-10, 08:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

(هَذَا هُدًى)
س/ أليس المقصود بالإعراض عن الآيات الشرعية؟ نعم ، الآيات الشرعية والآيات الكونية كذلك ؛ لأن الآيات الكونية منصوبة لتدل على الله تبارك وتعالى (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس : 101] ، فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن ننتظر في آيات الله الكونية ، فالذي يعمي بصره ويصم آذانه عن سماع الآيات ، آيات الله الكونية –كما قلنا- وآيات الله الشرعية ، فهذا في ضلال مبين ، يدخل في زمرة هؤلاء الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، يقول الله عز وجل: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت : 20] ، فالنظر في الكون ، في آيات الله عز وجل ، وكما قلنا ما أودع من أسرار فيه مطلوب شرعا ، فالذي يرى الآيات ويعرض عنها يدخل في زمرة هؤلاء الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم .
تعبير بالسمع (يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا) نعم، آيات الله الكونية ، إذا سمع ، الله سبحانه وتعالى يأمره الآن أن يتدبر وينظر في آيات الله الكونية ، فهو لما سمع النداء من الله عز وجل والأمر من الله عز وجل أن ينظر في الآيات من حوله في النفس وفي الآفاق ، فلم يسمع لهذا النداء ، لم يسمع لهذا الأمر، ولم يطبق هذا الأمر في واقع حياته حتى ينتفع به ، هو داخل في الوعيد ، نعم يسمع آيات الله ، طيب كيف نستدل على الله سبحانه وتعالى ، الله هو الذي أمرنا أن ننظر في هذه الآيات ، الآيات الكونية ، فالآيات الشرعية هي التي دلتنا على النظر في الآيات الكونية ، هي التي عرفتنا بالله تبارك تعالى بأسمائه وصفاته وبآثار أسمائه وصفاته خلقًا وتدبيرًا وصنعًا وتكوينا وتصويرًا ، فالطريق الأول هو طريق النظر في آيات الله الشرعية ومن ثم النظر في آيات الله الكونية ، وإن كان المقصود ابتداءً هو سماع آيات الله الشرعية ، لكن يقودنا ذلك إلى آيات الله الكونية.
هنا.. الله تعالى بعد ذلك قال: (هَذَا هُدًى) طبعًا هنا الإشارة هنا إلى الهدى إلى الكتاب الكريم الذي بين أيدينا (هَذَا هُدًى) هذا الذي أنزل الله على محمد –صلى الله عليه وسلم- ، هذا الكتاب العظيم فيه الهدى وفيه النور ، وفيه كل المصالح المادية والمعنوية ، (هَذَا هُدًى) هذا القرآن يهدي إلى الطريق المستقيم ، يهدي إلى صراط الله العزيز الحكيم ، هذا القرآن وما اشتمل عليه من الخيرات وأحكام وتشريعات ، وما اشتمل عليه من الخير لا ينتفع به إلا أهل الإيمان ، (هَذَا هُدًى) ، هو هدى لهم وبشرى ورحمة لمن؟ للمؤمنين ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) طيب ، ثم بعد ذلك ، الله تبارك وتعالى بعدما توعد هؤلاء الذين صموا آذانهم وأغلقوا آذانهم عن سماع الحق بالعذاب الشديد ، رجع جل وعلا يُذكر بإنعامه وأفضاله وإحسانه على عباده جل وعلا ، وأن يتفكروا فيما أعد لهم من الخير الكثير العظيم فيما حولهم ، بفضله ورحمته ، ألا يستحق جل وعلا أن يعبد دون سواه.
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ..) إذن من جملة هذه الآيات التي ذكر الله سبحانه وتعالى بعضها في أول السورة، بدأ يفصل جل وعلا بعض نعمه وفضله وإحسانه ، هذه الآيات النعم على عباده ، (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) لكم أيها الناس ، كما قال جل وعلا في أول سورة البقرة : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة : 29] ، فالله سبحانه وتعالى ما خلق هذه الطيبات وهذه الأرزاق ، وما هيأ هذه الأسباب التي تعين الإنسان على حياة هانئة في الأرض فجعل الأرض فراشًا والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً مباركًا فأجراه أنهارًا عذبة على الأرض ، وسلكه ينابيع في الأرض ، وسخر البحار بما فيها من المياه ، محفوظة بحفظه تعالى مالحة ، محفوظة بقدرته جل وعلا ، وأسكن فيها من مخلوقات لا يعلمها إلا الله جل وعلا ، (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ..) بما فيه من الخيرات ، وبما فيه من الآيات ، ومن آيات الله سبحانه وتعالى في البحار أن تجري الفلك بقدرته على الماء فلا تغرق فيه (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) وبقدرته (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه الآية عظيمة ، خلق البحار ثلاثة أرباع سطح الأرض مياه ، واستودع كبير الماء ، فالماء هو سر الحياة ، كما قال الله عز وجل (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء : 30] فالماء من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان في الأرض ، ولا وجود لحياة بدون الماء ، ولذلك الله عز وجل حفظ الماء على سطح الأرض بما سخره جل وعلا من الملوحة الشديدة ، ليكون محفوظًا أن يأسن وأن يفسد ، وحفظه كذلك في مكان في الأرض بقدرته جل وعلا ليستخرجه الإنسان ، فيتفجر عيونًا عذبًا زلالًا بقدرة الله سبحانه وتعالى ، (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
ثم قال جل وعلا بعد ذلك: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ..) كل ما في السماوات وما في الأرض مسخر بقدرة الله سبحانه تعالى لنا نحن العباد ، فالحمد لله رب العالمين (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، إذن الشيء المهم الذي ينبغي على الإنسان المؤمن أن يعلق النظر فيه ، أن ينظر في آيات الله سبحانه وتعالى الكونية ، إذا جلس أمام الفاكهة ، وضعت بين يديه، ينظر في خلق الله فيها ، في ألوانها الزاهية الجميلة الحسنة ، هذا أصفر وهذا برتقالي ، وهذا أخضر وهذا أحمر، هذا مدور ، وهذا مثلث ، وهذا بيضاوي ، بأشكال وألوان وطعوم شتى ، كل هذا من آيات الله سبحانه وتعالى ، من الذين خلقها؟ ، من الذي سخرها ؟ الله بقدرته ، لمن؟ للإنسان ، فينبغي على الإنسان وهو يستمتع بالنظر إلى هذه الفاكهة ، ويستمتع بأكل هذه الفاكهة أن يتذكر فضل الله سبحانه وتعالى ، فضل المنعم جل وعلا عليه بما وهبه من هذه الخيرات ، وسخره بفضله ورحمته له ، فيشكر الله سبحانه وتعالى عبادةً وذلًا وانكسارًا وطاعة ، حتى تدوم هذه النعم بين يديه (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) طبعًا يدخل في التفسير كذلك حتى السنن الكونية التي يستفيد منها الإنسان في تسيير مراكب هوائية وتسيير مركبات على الأرض ، ومركبات في البحار ، كل هذه وفق سنن أودعها الله خلقه في الكون ، هذه من ضمن –أيضا- ما سخر الله جل وعلا ، لولا وجود هذه السنن الدقيقة المحكمة ما استطاع الإنسان أبدًا أن يسير مركبة فضاء ، أو أن يتجاوز حدود الأرض بحال من الأحوال ، أو يسير مركبة تسير على الأرض ، لكن الله العزيز الحكيم خلق السنن وأودعها في الأرض وسخرها للإنسان ، وكشفها بفضله ورحمته للإنسان ، فاستفاد منها وانتفع منها في صنع هذه الآلات ، وصنع مختلف المنافع المادية التي نراها مبثوثة في الكون بقدرة الله سبحانه وتعالى ، تدخل في ضمن ما سخر الله جل وعلا للإنسان ، كيف لا ، والله تعالى يقول: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات : 96] ، وقال جل وعلا: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل : 8] كل هذا فضل من الله سبحانه وتعالى ورحمة ، والحمد لله.

إذن يذكر الله سبحانه وتعالى بنعمه العظيمة التي أغدقها علينا ، ويذكرنا بالآلاء –كما قلنا- المبثوثة من حولنا ، ويذكرنا بالآيات الشرعية ، كل هذه تقود للإيمان ، تقود لليقين ، وتحمل المؤمن على مزيد من الذل والخضوع والانكسار لله سبحانه وتعالى والرغبة فيما بيديه الكريمتين ، والحمد لله رب العالمين .
فالآيات الكريمة من أول السورة تركز على أنه ينبغي للمؤمن أن ينتفع بالنظر في آيات الله الشرعية وآيات الله الكونية وبالنظر فيما سخر الله سبحانه وتعالى للإنسان من نعم عظيمة ظاهرة وباطنة ، الكبيرة والصغيرة ، في القليل والكثير مما نرى ونبصر في خلق الله جل وعلا في مختلف أشكاله وصوره ، آية منه ورحمة ، فالحمد لله رب العالمين.
طيب .. الآن بعد هذه المرورة السريعة من فاتحة السورة ، الآن أريد تدبر أخواتي الكريمات معي في الآيات الكريمة ، فاتحة السورة ، من قوله جل وعلا (حم) إلى قوله جل وعلا (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) ، تعليق الأخوات الكريمات على هذه الفاتحة.
طبعًا ، إذن فاتحة السورة تنوه بشأن الكتاب العظيم ، وتدعو إلى التفكر والنظر في آيات الله الكونية ، التي تقود إلى الإيمان واليقين ، وتحذر كل من يسمع أو ينظر في هذه الآيات فلم ينتفع بها بأنّ الله سبحانه وتعالى سيعاقبه بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، هذا مجمل ما اشتملت عليه الآيات فاتحة السورة.
طبعًا من الملاحظ في كتاب الله عز وجل : حيثما وجدنا الحروف المقطعة في أول السورة نجد إشارة بعدها إلى الكتاب الكريم ، (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ..) ، (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)) ، وهكذا..
قال العلماء: ما الفائدة من مثل هذا الربط؟ ، بعد الآيات المقطعة يأتي الحديث عن الكتاب الكريم ، ماذا نستفيد من ذلك؟
1- الإعجاز ، ماذا أيضًا؟ : أنه معجز بألفاظه ، العلماء طبعًا اختلفوا في موضوع الحروف المقطعة : هل لها معنى أو ليس لها معنى؟ هل يمكن أن تفسر أو أن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلمها؟ والذي عليه جمهور العلماء: أن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم هذه الحروف ، ونحن كما قررنا في الدرس الأول ، قلنا: الحروف على ثلاثة أنواع : حرف مبنى ، وحرف معنى ، وحرف لا مبنى ولا معنى ، فهذه الحروف المقطعة في أوائل سور الكتاب الكريم لا يمكن أن نقول إنها حرف مبنى ؛ لأنها ليست كحروف المباني في "تَنْزِيل" التاء والنون والزاي ،لا ،"حـم " نقرؤها هكذا: حا ميم ، "ألـمـ" ألف لام ميم ، ولا حرف معنى مثل واو القسم أو تاء القسم أو "من" الجارة ، وهكذا ، ليس من حروف المعاني ، فهو ليس حرف مبنى ولا حرف معنى ، إنما استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه ، فهو من المتشابه يرد علمه إلى الله ، وهذا هو الأظهر ، والله أعلم.
2- لأمر الآخر : أن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الحروف المقطعة ، ولو جمعناها نجد أنها تشكل تقريبًا نصف الحروف العربية أو قريبًا من ذلك ، وهي من أكثر الحروف تكرارًا في الكلمات العربية ، ولله سبحانه وتعالى الحكمة في ذلك ، من أرق الحروف وأجمل الحروف التي تدور في بناء الكلمة العربية ، ففيه إشارة إلى أن هذا الكتاب الكريم مكون من هذه الأحرف ، فأيها العرب ! ، أيها الناس! ، أيها المكلفون! ، أيها المخاطبون من الإنس والجن! ، ائتوا بمثل هذا القرآن من جنس هذه الأحرف ، كَوِنوا كلمات وجملًا من جنس هذه الكلمات التي نزل بها الكتاب الكريم ، وانظموا وائتوا بمثله ، ففيه إشارة وتحدٍ للناس جميعًا.
ماذا نستفيد من قول الله عز وجل: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ؟
1- أنَّ القرآن منزل ليس مخلوق ، هذا صحيح..
2- ثانيًا: مكانة القرآن العالية.
3 – { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } [الشعراء:193-194]
فنَزَل و التنزيل وأُنْزل يدل على العلو وهذا يُصدق أنّ الله سبحانه وتعالى في العلوفي السماء فلا يحويه مكان ولا يجري عليه الزمان فهو خالق الزمان وخالق المكان جل وعلا لكنه في الجهة العليا سبحانه وتعالى في جهة تليق بجلاله وعظمته
اثبات علو الله جل وعلا على خلقه تنزيل الكتاب من الله العلي العظيم العزيز الحكيم....
طيب الأن تعريف تنزيل الكتاب: ماذا نستفيد من تعريف الكتاب و تنزيل الكتاب ؟
هل هناك كتب أخرى نزلت غير الكتاب الكريم ؟ بالطبع نعم التوراة والإنجيل والزبور، فما المقصود من تنزيل الكتاب؟ "ال" في الكتاب ماذا نسميها ؟
الكتاب هل هي جنسيةأوعهدية ؟
هي "ال" التعريف صحيح ولكن ال التعريف لها معان كما تعلمن بنياتي
ال التعريف إذا دخلت على "ال" النكرة يكون لها معان منها لام العهد ولام الإستغراق ولام الجنس هي أنواع...لا يمكن أن نقول أنها لام استغراق هنا، لا تصلح
هنا تنزيل الكتاب هي لام العهد ، الكتاب المعهود هو الكتاب الكريم ، تنزيل الكتاب ، هذا الكتاب الكريم الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
تنزيل الكتاب ، الكتاب الذي بلغ في العلو وفي الشرف الغاية و ليس بعده كتاب بلغ مثل هذا المبلغ من الشرف و العلو والمكانة والاشتمال على كل خير، فهو الكتاب الذي يستحق أن يسمى الكتاب وما سواه فليس بكتاب ولا يستحق أن يسمى بالكتاب.
الكتاب الكامل في الهداية والخير ، الكامل في النفع ، والكامل في النور هو الكتاب الكامل والمهيمن على جميع الكتب.
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ويستحق أن يكون كذلك لأنه من العزيز الحكيم جل وعلا.
ماذا نستفيد من قول الله عز وجل تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم؟ الله تعالى ذكروصفين للكتاب العزيز والحكيم ماذا نستفيد منه؟
- لأنه محكم في آياته ، هذا صحيح أ نزله الحكيم فهوحكيم و محكم والدليل من الكتاب
{ الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1]
- والدليل أنه حكيم من كتاب الله عزوجل، وصف الكتاب بأنه حكيم ، قال تعالى { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف:4]
إذا الكتاب حكيم وآياته محكمة وأنزله الحكيم إذن هم مشتمل على الحكمة يقول الله تعالى { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [البقرة:269] من أوتي القرآن فعلمه وعمل به فقد أوتي الحكمة { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} الفقه في الدين العلم ، الحكمة هي وضع الشيء في موضعه ، الحمد لله رب العالمين.
إذا أراد الإنسان الحكمة ، أراد العلم ، أراد الخير فعليه بالقرآن إذا حتى يضع الشيء في موضعه ويعمل على هدى وعلى نور ويُهدى إلى الخير ويُسجّد ويعان و يستثمر العمل في الخير أن يعمل وعمله مسجد و يكون له ثمرة يجب أن يكون على الهدي ، هدي الكتاب و السنة أحسنت (تعليق الطالبة) ماشاء الله
طيب والعزيز ماذا نستفيد من ذكر وصف الله العزيز؟ ماذا ننتفع من { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
- لا غالب لأمره ولا يغلب جل وعلا هذا صحيح ...
- تعظيم القرآن هذا صحيح ، ماذا أيضا
- حفظه من التحريف، صحيح وأيضا
فهذا الكتاب مادام أنزله العزيز واراد العزة فعليه أن يأخذ بهذا الكتاب
ما بال الأمة تعيش الأن في مهانة وذل؟ لأنها تخلت عن هذا الكتاب الكريم { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر:10] فيه إشارة إلى المؤمنين عليهم أن يأخذوا بهدي هذا الكتاب إذا أرادوا العزة ، إذا أرادوا العزة فعليهم بهذا الكتاب العزيز لأنه أنزله العزيز، وإذا أرادوا الحكمة وأرادوا الخير والسداد فعليهم بأخذ هذا الكتاب الكريم ، وإذا أرادوا الرفعة ويُمكن لهم وأن يكونوا السادة القادة في الأرض فعليهم بهذا الكتاب الكريم
{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
{ وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8]

فكيف نعيش الآن، للأسف الأمة تعيش في ذلة ببسبب تخليها عن منهج الله تبارك وتعالى
{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴿٤١﴾ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:41-42]
الله عزيز ووصف الله الكتاب بأنه عزيز، ومن أراد العزة فليأخذ بهذا الكتاب.
إذا الكتاب حكيم وآياته محكمة وأنزله الحكيم
والكتاب عزيز أنزله العزيز ومن أراد العزة فليأخذ بهذا الكتاب
الحمد لله رب العالمين ، ما شاء الله تبارك الله.
طيب ،الأن الله تبارك وتعالى شرع في حفز وارشاد العقول إلى النظر في آيات الله عز وجل بعدما أمرنا بالنظر في آيات الله الشرعية في الكتاب الكريم
في آيات الله الكونية { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } الجاثية
لماذا بدأ الله عزوجل بالسماوات قال { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ } مع أن الأرض أقرب إلينا والسماء بعيدة عنا ؟؟؟
والآية القريبة يكون الإعتبار بها أكبر وأظهر ، والسماء بعيدة عنا بأجرامها نحتاج إلى مكبرات ومناظير كبيرة حتى ننظر في أعماق الكون وننظر ما فيه
- لأنه على مستوى نظر الإنسان، ممكن ماذا أيضا

بدأ الله بالسماوات وثنّى بالأرض { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [غافر:57]
- لأنها أعظم المخلوقات
طيب ما الدليل على أنها أعظم المخلوقات ؟؟
لأنها زاخرة بالآيات التي تدعوا للتفكر كيف؟
لا حظنا معي ، جواب آخر قامت بغير عمد أحسنت يا بنتي ، هذه المسالة مهمة جدا
الأية الدالة على ذلك من الكتاب بأن السماء قامت بغير أعمد ...
{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا }[لقمان:10]
{ للَّـهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد:2]
طيب ما فائدة جملة ترونها - بغير عمد ترونها - فلو قال خلق السماوات بغير عمد وسكت لفهم المخاطب بأن السماء خلقت بغير أعمدة ، فما فائدة جملة ترونها ؟؟؟
- لأن هناك عمد لا نراها ، نعم هذه فائدة عظيمة
خلق السماء بغير عمد ، ممكن تحمل على وجهين :
- أن هناك أعمدة ولكن لا ترى
- أو أنه لا أعمدة أصلا
بغير عمد تكون تأكيد أنها لا ترى أبدا
الأن العلماء وهم يدرسون الأفلاك والأجرام السماوية وكيف تدور وفق نظام دقيق جدا، كيف أنها لا تتصادم وجدوا انه فعلا أن السماوات بما فيها من أجرام ممسوكة بحبال شديدة وقوية جدا فلا ينفلت جرم أبدا من فلكه أو من مداره بقدرة الله سبحانه وتعالى يمسكه والعلماء ينظرون ويفكرون لأن الله تعالى قال (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:53]
بدأ بالأفاق ، ينفقون المليارات من الدولارات ويدرسون عالم الكون، لماذا؟
ليقيم الله تعالى الحجة عليهم وليصدق الله سبحانه و تعالى كتابه الكريم بما يجريه من الآيات على أيدي هؤلاء الناس ، يظهر صدق الله الكريم فينفقون المليارات من الدولارات ، ويسيرون المراكب العظيمة في الفضاء الخالي البعيد ليكتشفوا كيف وُجد هذا الكون ، فيوم بعد يوم يكتشفون آيات عظيمة تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى وقوته ...
فسبحان من أحكم هذا الكتاب الكريم وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم
طيب ، بنياتي إذا السماوات أعظم خلق ، أعظم مخلوقات الله عزوجل ، فيها آية عظيمة أنها رغم اتساعها وما فيها من الأعداد الهائلة الكثيرة جدا ، الملايين من النجوم ، كيف وهي معلقة هكذا من يمسكها ؟ الله تعالى
أحجامها كبيرة جدا جدا جدا ، أضعاف وأضعاف ملايين أضعاف حجم كوكب الأرض ، وهي أجرام مشتعلة ، من الذي أشعلها على مدى هذه الأزمان المتعاقبة ، ملايين السنوات الضوئية والله على كل شيء قدير ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (إن في السماوات...) جمع ، يدل على أنها أطباق ،طبق فوق طبق ،ثم قال (...وفي الأرض ) أفرد كلمة الأرض وقال أنها لآيات للمؤمنين

طيب حسن في هذه الكريمة قال تعالى (إن ما في السماوات والأرض ) بينما في آيات أخرى نجد أن الله تعالى يكرر الجار والمجرور يقول ( إن في السموات وفي الأرض آية ....بغير هذا الموضع نجد أن حرف الجر في الظرفية يكرر وهنا أُفرد (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) ما السر؟
ماسبب إفراد حرف الجر هنا ؟
جواب : لأن هناك آيات مشتركة بين السماء والأرض ، نعم هذا ممكن ، ماذا أيضا
طيب ، كل هذه الإشارات حتى نستثمر عطاءات الكلمة في القرآن ، كيف توظف وما الدلائل
أولا : في ، تفيد الظرفية (في السماوات) ماذا نستفيد منها؟ لم يقل الله تعالى إن ما على الأرض وعلى السماوات بل قال (إن ما في السماوات) مع أننا إذا نظرنا على الأرض لوجدنا الآيات المنصوبة على الأرض أظهر ...
في الأرض ، أي الآيات أظهر للأبصار ؟ ما كان على الأرض ؟ أو ما كان في جوف الأرض ؟
طيب ، كما قلت يا أخوات ما كان على الأرض اظهر ، الجبال ، الأنهار، البحار والأطيار أكثر الآيات على الأرض فلم يقل في السماوات وعلى الأرض ، إذا تأملتم ماذكرت قبل الآية
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة: 29]
بينما نجد الذي على الأرض هو الذي الأظهر والأكثر ما فائدة الظرفية "في" هنا وفي افرادها ؟ هيا بنياتي
جواب : للتأمل فيما خفي ، هذا جميل وحسن
لأن الآية وإن كانت ظاهرة تحتاج إلى تأمل ، فكلما تأمل الإنسان وتعمق في النظرفيها وصل إلى سرها وانتفع بهذا السر
جواب طالبة : أخذ العبرة والعظة ،كلام جميل ، أحسنت يا بنتي ، ماذا أيضا
الآن لو سألت ، نحن الآن جلوس أمام الشاشة ، نحن في الأرض أو على الأرض ؟
كلاهما؟؟؟؟ كيف كلاهما؟
هذا من أسرار اللفظ القرآني ، ومن بلاغة القرآن ، كتاب محكم ، غاية الإحكام ، غاية الدقة موظف بطريقة معجزة ، له دلائل عظيمة جدا.
الآن العلماء لما درسوا الأرض ومكونتها وجدوا أن الغلاف الجوي المحيط بالأرض الذي قلنا أنه يمتد حوالي 360 كلم حول الأرض هو في الحقيقة جزء من الأرض لأنه خرج من الأرض ، فهو محيط بالأرض وهو منها ، فهو الأرض ، الغلاف الجوي بكل مافيه ، في الحقيقة جزء مُكون للأرض ولا يمكن أن ينفصل عنها وهو مشدود إليها بقوة بقدرة الله عز وجل ، ففي الحقيقة نحن في الأرض ، فالغلاف الأرض الجوي بما فيه من العناصر الحياة من أوكسجين وكربون وكل العناصر، وكما قلنا أن بسبب هذه العوالق خلقها الله تعالى وأوجدها في الغلاف الجوي ، لما أشعة الشمس تنفذ إلى الغلاف الجوي يحصل تأيل ويحصل الشعاع الأبيض الذي نراه في النهار.
لولا هذه العوالق الترابية وغيرها مما خلق الله سبحانه وتعالى في هذا الغلاف الجوي ما أمكن أن نرى النور الأبيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى.
في الحقيقة نحن في الأرض ولسنا على الأرض ، ويجوز أن نقول نحن على الأرض، ونقول في الأرض كما قالت الأخت الكريمة وهذا صحيح
(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) انظرنا إلى الإبداع والإعجاز في نظم القرآن الكريم ، كل حرف يعطينا دلالة عظيمة ، كذلك بنياتي لو تأملنا بعمق أكثر
سؤال : هل تأتي في بمعنى على؟
نعم ، بعض العلماء يقولون حروف الجر تتناوب ولكن لو أبقينا الحرف على دلالته الأصلية وكان فيه دلاله مصحوبة معه أخرى لكان أفضل وأولى ، تتناوب ، تتعاقب ، الأفضل أن نقول يضمن الفعل ، معنى فعل آخريتعدى لتعدية -على- مثلا ونحافظ على دلالة الحرف وهذا أفضل يكثف المعنى أكثر ويعطيه دلالة أقوى
فيه لطيفة بيانية جميلة أيضا بنياتي في قول الله عز وجل (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ) نسأل لو تأملنا هذه الجملة ، ما نوع هذه الجملة ؟ والمؤكدات التي فيها ؟
إنّ ولام التوكيد، أحسنت وماذا أيضا
اسمية الجملة
التقديم والتأخير أحسنت
إذن إذا أردنا إعادة بناء الجملة كما تعلمن ، آيات اسم إنّ مؤخر
إنّ الآيات في السماوات والأرض للمؤمنين ، حصل تقديم
ما سر التقديم والتأخير ولام التوكيد واسمية الجملة ...؟
تفيد الحصر، لا ليس هذا المراد
المؤمن ينتفع بها أكثر ، لا ليس ذلك
عظم المؤكد، ممكن

يخاطب المُنكر، نعم ، طيب كيف يكون هذا الإنسان منكر ؟ المؤمن لا ينكر
يعني هذه الآيات المنصوبة على ظهورها وعظمتها وكثرتها الناس لا ينتفعون بها فنُزِّلوا منزلة من يُنكرها فجيء بهذه التوكيدات الكثيرة للأسف هذه الآيات رغم ظهورها وبروزها وكثرتها في السماوات والأرض لا ينتفع بها الناس ونقصد الإنتفاع هي أن تقود الإنسان إلى مزيد من الذل لله تبارك وتعالى والطاعة والعبادة والخضوع والعمل بأمره تعالى واجتناب ما نهى ، يجد الآيات كثيرة وعظيمة يراها ويبصرها ويتأثر بها لكن لا يعمل بها ، لايخاف الله تعالى ، يعصي الله عز وجل ويصر على المعصية فلا يقلع علن المعصية ، رغم أن الآيات يراها ويبصرها، ويعظم الله سبحانه وتعالى ، يسبح الله ويرى الآية ، فالآية التي تقود الناس إلى المزيد من الإيمان و اليقين و طاعة الله عزوجل ، في الحقيقة و إن كانت قائمة ومشهودة فلا ينتفع بها.
(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
يأيها المؤمنون ، يا أيها المكلفون ، يا أيها العقلاء ، انظروا إلى الآيات التي خلقتها لكم في السماوات والأرض ، انتفعوا بها ، نفع مؤمن يريد ما عند الله عز وجل من خير ، نفع مؤمن يعمل بأمر الله تعالى في حياته فيكون هاديا مهديا ، صالحا مصلحا ، راشدا ، نافعا لنفسه وللناس أجمعين .
(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ )
إذن الخطاب للمؤمنين ، للناس جميعا على أنه يجب عليهم أن يوظفوا عقولهم في النظر في هذه الآيات لأنها حتما ستقودهم إلى اليقين والإيمان وإلى المزيد من الذل لله تبارك وتعالى .

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرزقني وإياكم حسن العلم والعمل ، وأن يوفقنا لطاعته وأن يربط على قلوبنا برباط الحق ، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ، إنه جواد كريم.
إن قلت من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه بريئان ، وصل الله على نبينا محمد وسلم .

أم ايمان
24-03-10, 11:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تفريغ الشريط الرابع لدروس التدبر

الحمد لله رب العالمين و صل الله و سلم على نبينا محمد و على آله و أصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات,وأسأله وهوالجواد الكريم أن يتولانا جميعا بواسع فضله ورحمته وأن يفتح علينا أبواب العلم وأن يهدينا جميعا سواء السبيل وأن يربط علينا برباط الحق حتى نلقاه .
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وادخلنا برحمتك في زمرة عبادك المؤمنين وااحشرنا مع عبادك الصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم إنا نسألك الهداية والتوفيق على ما تحبه وترضى من الأقوال والأفعال والنيات والهدى إنك على كل شيء قدير
اللهم اهدنا واهدي بنا ويسر الهدى لنا واجعلنا جميعا هداة مهتدين، وارزقنا الثبات على الدين حتى نلقاك.
اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وأعمارنا، واجعل ما بقي من أعمارنا في طاعتك وتوفنا على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين أعدائك أعداء الدين واهدي ضال المسلمين
اللهم واجمع كلمة المسلمين ذكورا وإناثا، حكاما ومحكومين على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم اجمعهم على الهدى والتقى والعفاف، اللهم اجمعهم على التوحيد والإيمان واليقين يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضى وخذ بنواصينا للبر والتقوى، واجعلهم هداة مهتدين، واجعلهم رحمة على رعاياهم، إنك جواد كريم .
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب همومنا وأحزاننا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته وتدبره والتفكر في آياته أناء الليل وأطراف النهارلعلك ترضى يا أرحم الراحمين. واجعله دليلنا وسائقنا إلى جناتك جنات النعيم، اللهم بارك لنا في ساعتنا هذا، واجعل اجتماعنا اجتماعا مرحوما وتفرقا من بعد تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا معنا ولا من حولنا ولا من نحب شقيا ولا محروما إنك جواد كريم.
بنياتي أهلا بكن جميعا في درس التدبر في هذا اليوم، نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للخير، كما قلت آنفا أخذنا سورة الجاثية كنموذج تدبر وسنحاول قدر المستطاع تجربة سنعيشها معا ونستفيد من عطاءات هذه التجربة في سور القرآن الأخرى، لم يكن لنا سابق تجربة مع التدبر في دروس مفتوحة مع الأخوات عن طريق الغرف الصوتية، وإن كان تجارب في المعاهد والجامعة في الدروس الخاصة، ولكن هذه التجربة الأولى عن طريق المحادثة عن طريق الغرف الصوتية، سنحاول أن نستجمع كل الخبرات والتجارب التي عشناها عن التدبر وأيضا عاشها غيرنا من الأئمة والدعاة والخيرين والصالحين عباد الله، ونستفيد منها في استنطاق واستظهار دلالات الآيات الكريمة لننتفع بها في الدارين، فالخبرات التي معي وعند غيري و ربما تكون عند إحداكن، لامانع أن نتبادل هذه الخبرات ونتناقش ونتحاور للوصول للطريقة المثلى والطريق الأمثل، والطريق الأحسن والأفضل للوصول إلى الغاية وهي كما قلنا في النهاية أن نستفيد من إضاءات وهدايات الآيات الكريمة تزيدنا إيمانا وخشوعا وذلا وانكسارا وطاعة لله تبارك وتعالى .
نحن في الحقيقة إذا جئنا لهذه الروضة الوارثة الغناء، الناعمة الطيبة، هي روضة من رياض الجنة، روضة القرآن، في الحقيقة نحن نريد أن نغتسل من ذنوبنا من معاصينا، من تقصيرنا، نريد أن نتزود من زاد الإيمان حتى نواجه الحياة بكل تابعاتها، ألامها وعقباتها، نستمد القوة من الله تبارك وتعالى، ولا أظن أننا يمكن أن نجد طريقا أو سبيلا أنفع وأنجع من الإعتصام بكتاب الله عز وجل وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فكلما الإنسان واجه لهيب الحياة و ألم الحياة وأصابه الهم لسبب أولأخر، بسسب تحرقات الحياة وتكلفاتها، عليه أن ينطرح في رياض القرآن، أن يعود مباشرة للقرآن، يجزع للقرآن، يقرأ القرآن قراءة تفكر، تدبر ونظروبكاء وخشوع لله سبحانه وتعالى، فيجد الراحة والطمأنينة لأنه يتكلم مع الله تبارك وتعالى، يتحدث مع الله تبارك وتعالى بكلامه، الله سبحانه و تعالى يتنزل عليه بالرحمة والطمأنينة، يتنزل عليه بالفضل والبركة فيرزقه الإيمان الذي يجد حلاوته في قلبه، فينزع في قلبه الهم والحزن ويشعر بالراحة، راحة كبيرة، فما أحوجنا إلى العودة باستمرار إلى القرآن كلما حزبنا أمر، أو أصابنا هم أو حزن أو بلاء في هذه الدنيا.
الحمد لله أن جعل كتابه بين أيدينا، نسأله سبحانه وتعالى كما جعله ميسرا للوصول إليه قراءة، أن يجعله في صدورنا آيات بينات نستفيد وننتفع منها في الحياة الدنيا والآخرة.
ربما سبب اختياري للجاثية ، أسباب عديدة :
- السورة مكية، تشتمل على أبرزأهداف القرآن المكي، والقرآن كما تعلمن جميعا يعتني بقضايا كبرى من قضايا في الدين، قضية التوحيد والعقيدة وقضية السلوك والأخلاق وقضية صفات الفريقين، صفات أهل الإيمان وصفات أهل النفاق والشرك، والتكذيب والعناد والاستكبار، بصفة عامة، وإن كان الحديث عن المنافقين لم يكن مفصلا وفيه نوع من الأصد لم يكن في العهد المدني، لكن في العموم القرآن المكي يعرض الصفات العامة لأهل الإيمان والتقوى والصلاح، والصفات العامة التي يتصف بها أهل الكفر ويدخل في زمرة هؤلاء ممن كان على شاكلة أهل النفاق والضلال، ويبين جزاء الفريقين في الحياة الدنيا والآخرة.
- البعث والنشور : يركز القرآن المكي على قضية البعث والنشور، كما نحن في حاجة ماسة لعطائته وهداياته وفوائده واشعاعته، لأن المشكلة الكبرى التي يعاني منها الكثيرمن أبناء الإسلام ذكورا وإناثا، ضعف العقيدة في قلوبهم، فلو عرفوا من يعبدون، لوعرفوا من يوحدون، ولو عرفوا من هو الذي هم له مستسلمون، والذي له هم يصلون، عرفوه حق المعرفة بأسمائه وصفاته وأثار أسمائه وصفاته في الوجود لعرفوا معنى العزة ولعرفوا معنى الاستعلاء على الشهوات، ولعرفوا معنى الإيمان وقيمة الإيمان في حياة المسلم ولكان ذلك لمحالة صادا لهم عن ارتكاب والوقوف في حماءات الشهوات والنمكرات والكبائر، يكون لهم الإيمان عاصما للوقوع من المحذور، لأنهم يعرفون الله سبحانه وتعالى وهم أشد له خشية من غيره، فمن خاف الله أطاعه وأحبه وأخلص له العبادة، وأخلص له الطاعة، فلا يراه إلا حيث أمره لأنه يخاف الله ولأنه يعرف عظمة الله سبحانه وتعالى.
هذه السورة العظيمة تمثل لنا المنهج القويم للوصول إلى الله تبارك وتعالى، فيها تعليمات على جانب كبير جدا من الأهمية، نحن في أمس الحاجة إليها، طريق اليقين طريق الإيمان ، لا يمكن الوصول إليه إلا أن نسلك الدعوة الكبيرة من الله تبارك وتعالى لنا في هذه السورة وغيرها من السور، أن نتفكر ونتدبر، أي نستخدم العقل، العقل نعمة عظيمة من الله، أعظم النعم الله على العبد في ذاته، إذا نزع الله منه هذا العقل أصبح هو وسائرالحيوان والجماد، لافرق بينه وبين سائر المخلوقات المهدية تلقائيا بالقدرة الإلاهية والهدى الرباني الفطري، تلقائيا يقوم بوظيفته ولكن ليس له عمل وأثرواضح في التغيروالبناء الحضاري للحياة في هذه الدنيا، فالعقل من نعم الله تبارك وتعالى الكبيرة.

هذا العقل يجب أن يوظف ويستخدم في غاية عظمى، الله سبحانه وتعالى يقول (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴿٥٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴿٥٨﴾ [الذاريات]
إذن يستخدم هذا العقل للاستدلال على الله تبارك وتعالى، على الطريق الموصل إلى الله تبارك و تعالى، فالعقل الذي لا يوصل إلى الله تبارك و تعالى يعني الفكروالنظر والتدبر استخدام العقل والقلب الذي يوصل إلى الله تعالى، هو القلب في الحقيقة السليم والعقل السليم ، الخالص الصحيح، أو نقول الصحيح، السليم من الآفات القادحة.
العقل المشوش، العقل الصدء، المليىء بالشبهات هذا لا يدخل في زمرة العقلاء، بل هو دون البهائم، لاقيمة لعقله، وإن استخدم في الحياة المادية وصار لها أثر في الحياة المادية تصنيعا أو بناء فهذه حضارة جوفاء لا قيمة لها، وهذا الصنيع المادي الذي صنعه هوفي الحقيقة سيكون حجة عليهم يوم القيامة وسيجازى على عمله في الدنيا لكن لا يأخذ شيئا في الآخرة، أبدا، يجازى لأنه يعمل بالسنن فيأخذ جزاء هذا العمل. يستخدم عقله لكنه في الحقيقة هو دون البهيمة كما قال الله عز وجل
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]

هنا بنياتي، يجب أن نستخدم هذا العقل استخداما صحيحا سليما، أن نستفيد من هدايات القرآن، من دلالات القرآن، من دعوات القرآن، أن نستفيد من هذا القلب والعقل الذي وهبه الله لنا.
لهذا نجد هذه السورة العظيمة تركزعلى أمرين اثنين، على جانب كبير من الأهمية:
- في زيادة اليقين
- معرفة الله بأسمائه وصفاته للحصول على كمال الذل والخضوع له جل وعلا
التفكر والنظر بالعقل أين يكون وأين ينبغي أن يكون؟
يكون في أمرين اثنين :
- التفكر في الآيات العينية المشاهدة، الكونية التي بثها الله سبحانه وتعالى من حولنا ، في القريب والبعيد مخلوقاته، في السماوات والأرض والأنفس، هذه الآيات منصوبة دالة على كمال قدرة الله وتعالى، دلائل القدرة والصنع والتكوين والإتقان في الخلق والتصوير.
كلما أمعن الإنسان النظر فيها في هذه الآيات تفكرا وتدبرا ازداد ذلا وخضوعا لله تبارك وتعالى وعلم أن الله واحد، وأنه كامل الصفات جل وعلا، وأنه لا يمكن أن يشاركه أحد، لا في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في ملكه جل وعلا، هو المتفرد بالصنع والخلق، كلما ازدادا تعمقا ونظرا في آيات الله الكونية.
فالتفكر في آيات الكونية المشهودة من أقوى الطرق الموصلة إلى اليقين، الموصلة إلى الإيمان فهؤلائك الذين فقدوا النظر والتفكر هم في الحقيقة عميان، وهم في الحقيقة في عداد الموتى الله تبارك تعالى يقول : (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 122]
هل يستوي الأحياء والأموات؟ لا
هل تستوي الظلمات والنور؟ لا يمكن
هل يستوي من على الأرض ومن في القبور؟؟؟ لا
الحياة الحقيقية حياة الإيمان لا يمكن...بالإيمان الحر والإيمان القوي، الإيمان الخالص ، الإيمان الناضج النافع، الحي المحرك للخيروهذا لا يمكن إلا بالعلم بالتفكر والنظر، أما الإيمان الناتج عن التقليد كما قال تعالى في كتابه :( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف:22]
وجدت أهلي على الإسلام فأصبحت مسلما، وجدت أهلي يصلون فصليت مثلهم، فهو مقلد لغيره
لا يستخدم عقله، لا يتفكر ولا ينظر ولا يتدبر، في الحقيقة هو يخسرالكثير، يجب أن يستخدم عقله وينظر ويتفكر ويحمد الله تعالى أن جعله من أمة مسلمة، وفي ذرية أمة مسلمة وجعل والديه من المسلمين، هذه نعمة كبيرة عظيمة وعليه أن يستفيد من هذا الانتماء إلى الإسلام بأن يكثر من النظر والتفكر والتدبر وأن يتعلم لأن من أراد الجاه عليه بالعلم من أراد المال عليه بالعلم ومن أراد العزة في الحياة الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الرفعة في الآخرة فعليه بالعلم، العلم الموصل إلى الله، العلم المورث للخشية، ليس أي علم.
إذا الطريق الأول التفكروالتدبر والنظرفي مخلوقات الله.
بنياتي إشارة بسيطة :
لو استخدمنا العقل، العقل السليم الخالي من الآفات، العقل الصحيح السليم واستخدمنا قلوبنا الواعية العاقلة ونظرنا، الله تبارك وتعالى هوالمصور حل وعلا، قال (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:6]
من أسماء الله تعالى المصور، لو نظرنا إلى وجوهنا، وجوه البشر، كم خلق الله سبحانه وتعالى من هذه الوجوه منذ آدم إلى يومنا هذا، نظرنا إلى وجوه الناس عجب !!!
العينان في مكانهما لم يتغيرا منذ آدم إلى يومنا هذا، الأنف في مكانه، الفم في مكانه ، والخد في مكانه، والأذنان في مكانهما، فكل جارحة وكل في مكانها، لم يتغير هذا المكان ومع ذلك لا تجد صورة تشبه صورة على الإطلاق، حتى التوأم الذي يخرج من بطن واحد ومن أم واحدة وإن كان بينهما تشابه كبير إلا أن هناك فوارق بينهما تظهر عند التدقيق
من هو المصور؟ الله تبارك وتعالى
ولو نظر كل واحد منا في وجهه ووجه أخيه سيجد فارق في اللون في الزينة العامة لهذا الوجه ، وكلنا نملك نفس الجارحة وفي نفس المكان...أي فنان؟ أي مبدع هذا ؟ لو جعلنا لفنان ولأبرع مبدع في الوجود وجعلنا له مربعا عشرة سنتيمتر في عشرة أو متر في متر، ثم حددنا له نقاط معينة فيه وقلنا له ارسم لنا صورة في هذا المربع لا تتكررولا تتجاوز هذه الحدود والنقاط كم سيرسم لنا من صورة؟ ألف ألفين مليون، مليار ثم يقف، يصل إلى حد يقف، ويعجز العقل.
كم خلق الله من المليارات منذ آدم إلى يومنا هذا؟؟ لا تجد وجها يشبه الأخر هنا يظهر معنى عظمة المصور (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
هذا الخالق عظيم، هنا تتجلى العظمة، هذا فقط في خلق الإنسان فكيف في خلق سائر الكائنات والأحياء سبحان الخالق العظيم.
انظر إلى عالم الطيور بأشكالها وصورها وألوانها الزاهية، نجد الصغير والكبير مختلف الأشكال والألوان والأصوات...سبحان الله
نعود للإنسان نفسه، ثبت علميا الآن أنه لا يوجد هناك أحد من البشر منذ آدم إلى يومنا هذا يماثل الآخر لافي صورة وجهه، ليس فقط في الوجه لكن حتى في نبرة الصوت، كل إنسان له نبرة خاصة به، لا تشابه النبر الأخرى عند مخلوق آخر من جنسه.
وبصمة العين، العين لها بصمة خاصة بها، ليس هناك عين تشبه الأخرى في بصمتها، سبحان الله سبحان الله سبحان الله.
ليس فقط هذا بل حتى في هيكله العظمي، في مشيته لا تجد أحدا يشبه الأخر في مشيته في حركته، ولا تجد أحدا يشبه الأخر في مشاعره سبحان الخالق المصور جل في علاه.
وهنا يظهر لنا معنى قوله تعالى (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية
ولكن بسبب الإلف والعادة تغيب عنا المعجزة في الخلق، لما نرى الأشياء مألوفة كل يوم نراها لا نتفكر فيها ولكن لو وقفنا للتفكر والتدبر أدركنا العظمة الهائلة في التصويروالخلق والإبداع، سبحان الخالق العظيم سبحان الخالق العظيم.
إذا الإشارة وقوية جدا من الله تبارك وتعالى إلى العقول السليمة، الصحيحة، الخالية من الآفات، أن تنظر وتتفكر في خلق الله تعالى (وَفِي خَلْقِكُمْ )
في الخلق معجزات عظيمة جدا جدا، لو تصورنا العين كم فيها من صور الإعجاز؟
الإعجاز في خلق العين شيء عجيب جدا، الآن العين فيها ماء ومع ذلك نجد الإنسان يعيش في مختلف درجات الحرارة، هناك درجات شديدة الحرارة، شديدة البرودة، لو وجد في درجات منخفضة جدا ربما خمسين أو ستين تحت الصفر ومع ذلك لايغطي العينين، يغطي الأذنين، يغطي الرأس، يغطي جزء كبير من الوجه، ولكن لا يمكن أن يغطي العينين لأنه يحتاج إليهما ومع ذلك هاتان العينان حماهما الله سبحانه وتعالى من التجمد مع أنه سائل لا يتجمد، من أودع هذه الخاصية في ماء العين أن لا يتجمد مهما كانت درجة الحرارة الخارجية؟؟ إنه الله الحكيم سبحانه وتعالى، قدرة هائلة.
العين كم يمكن أن تميز من الألوان؟ يقال أن في الميكرو المربع الواحد من العين، فيه أكثر من مئة مليون مستقبل ضوئي في هذا الجزء اليسير جدا من العين.
قدرة العين على التفرقة بين الألوان، لها قدرة أن تفرق بين ثمانية ملا يين لون من درجات الألوان المختلفة، ثمانية ملا يين تستطيع العين أن تميز بينهما، أي كاميرة مهما كانت درجة الوضوح أوالقدرة على استقبال الضوء، الكاميرات الرقمية الكبيرة التي وصل إليها العلم، لا تستطيع أن تأتي ولا بواحد في المئة من وظيفة العين، هذا في خلق الإنسان، سبحان الخالق العظيم.
إذا التفكر في الآيات الله المبثوثة في الكون الكبير سواء في الأجرام السماوية البعيدة عنا وفي المخلوقات القريبة منا سواء عالم الحيوانات، أو عالم النبات أو عالم الطيور، أوعالم الجبال أوعالم البحار والأنهار، أوعالم البراري في عالم الحشرات ....معجزات عظيمة كبيرة جدا لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.
إذا كثرة النظر والتفكر والتدبر في هذه المخلوقات، الحقيقة يحتاج الإنسان أن يقف عندها وقفة نظر وتأمل، سبحان الله، يعني كما قلت بسبب الإلف والعادة، أشياء مكرورة نراها كل يوم، مثل حركة الليل والنهار، تقلب الليل والنهار، الليل يأخذ من النهار، والنهار يأخذ من الليل في حركة دائبة مستمرة لا انقطاع لها ولا تبدل ولا تغير ولا تحول منذ أن خلق الله السموات والأرض إلى يومنا هذا.
سبحان الله هذه الحركة الدائبة المستمرة لا تلتفت الأنظارإليها، يقول الله تعالى وفي اختلاف الليل والنهار آية من آيات الله ولكن بسبب الإلف والعادة لا ندرك حقيقتها.
أنظرنا بنياتي شيء عظيم جدا سبحان الخالق العظيم، نجد أن الكون الواسع الكبيرالعظيم حدده علماء الفضاء عمقه أربع وعشرون ألف مليون سنة ضوئية، في عمق الفضاء، ومع ذلك هذا الكون الواسع جدا الذي لا يستطيع العقل أن يتصوره، يعني أربعة وعشرون مليون سنة ضوئية لا يمكن للعقل أن يتصوره فوق الخيال، السنة الضوئية، لما نأتي نتصورها، لايخفى عليكن معنى السنة الضوئية، الضوء يقطع في الثانية حوالي 186000 ميل، حوالي 300000 ميل في الثانية الواحدة ، فسرعة الضوء في الثانية الواحدة يضرب في 60 حتى نعرف في الدقيقة ثم نضرب في ستين حتى نعرف في الساعة ثم نضرب في 24 في اليوم ثم في الشهر ثم في السنة فنجد هذا الرقم العظيم الضخم، سنة ضوئية واحدة.
أقرب نجم إلينا الشمس 39 مليون ميل تقريبا بيننا وبين الشمس، لكن لو تجاوزنا الشمس، سر الحياة على الأرض ولها اعتبار خاص لأن الله سبحانه وتعالى خلقها وأوجدها لتكون آية من آياته الله عز وجل وهي مرتبطة ارتباط وثيق بحياة الناس وحياة الكائنات الحية على الأرض، حتى قيل أن الطاقة الموجودة على الأرض، كل الطاقة متشكلة سواء في صورة النفط أو الفحم، الفحم الحجري أو الفحم النباتي أوالمتشكل في صورة النبات أو أي مخلوق على الأرض كله مخزون من الطاقة التي جاءت من الشمس، فالطاقة التي تأتي من الشمس تُخزن بأشكال مختلفة بقدرة الله تعالى وهي بقدر فسبحان الخالق العظيم.
هذا النجم القريب، فماذا لو تجاوزنا الشمس، فأقرب نجم إلينا يبعد عنا حوالي خمس سنوات ضوئية، وأبعد مجرة في عمق الكون تبعد عنا 24 مليون سنة ضوئية، مسافات هائلة...
هذا الخلق يظهر لنا مع قول الله عز وجل (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
نبدأ في السماوات : (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ)
(وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) ولكن بسبب الإلف والعادة لا ندرك عظمة هذا التقلب في الليل والنهار، مع أنه آية من آيات الله تعالى.
إذا قلت العمق الكبير جدا في الكون وهو في اتساع دائم كما يقول العلماء مظلم، شديد الظلمة ولذلك أول البشر الذين خرجوا إلى أجواء الفضاء في مراكب الفضاء، هؤلاء لما صعدوا إلى السماء في مراكبهم، كلما تجاوزوا الغلاف الجوي في مراكبهم، هذا الغلاف يرتفع عن الأرض بحوالي ألف كيلومتر محيط بالأرض هذا الغلاف الجوي بعد ما تجاوزوه دخلوا في ظلمة، لما كانوا داخل الغلاف الجوي بقدرة الله تعالى، الجزء المقابل للشمس نرى النور والبياض، نرى النهار في هذا الجزء المقابل للشمس بينما الجزء الأخر الذي لا يقابل الشمس يقابل ظلمة السماء، فإذا جاء الليل التقت ظلمة الأرض بظلمة السماء الكبيرة فنرى النجوم البعيدة كما نعلم ونرى.
إذاالكون كله مظلم بدليل أنه إذا غابت الشمس في الجهة الأخرى من الأرض، في القسم المقابل للشمس سيكون نهارا، والجزء الأخر سيكون ليلا، وإذا جاء الليل التقت ظلمة الأرض بظلمة السماء فنرى النجوم الغائرة البعيدة عنا كما قلنا بالمئات وألوف السنوات الضوئية البعيدة عنا في أعماق الفضاء، نراها لأن الكون كله مظلم، شديد الظلمة، من الذي نوره ؟؟؟ إنه الله تبارك وتعالى ولذلك الله قال: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) [فصلت: 12]
وقال (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ) [الصافات:]
وقال تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض )
الله تعالى بقدرته هو الذي نور السماوات بهذه النجوم التي لا يأتي عليها العد، المليارات والمليارات من النجوم تملأ السماء، ولا تتصادم وفي أفلاكها بقدرة الله ممسكة، مع أنها بحجم نجم كبير ضخم جدا جدا، شيء لا يتصوره إنسان، شمسنا مثلا حجمها مئة ألف مرة ضعف حجم أرضنا حتى نصل إلى حجم الشمس، فهذا نجم قريب منا، كيف النجوم الأخرى، مئات ألاف ملايين المرات ضعف حجم الشمس، نجوم كبيرة في السماء فسبحان الله الخالق العظيم، وبعدها كلها نار، يعني كميات هائلة من الطاقة التي تطلقها هذه النجوم، من الذي يمسك كرات الناراللهب المشتعلة بهذا هذا الحجم الهائل في السموات، من الذي يمسكها؟؟؟ إنه الله
هنا يظهر لنا قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴿٧٥﴾ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴿٧٦﴾ ) [الواقعة] (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ) [النجم :1]
(وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ) [النجم:49] يقسم الله تعالى بالنجم، فسبحان الله العظيم.
موضوع النجوم، موضوع عظيم كبير جدا، السموات بما فيها من إعجاز في الخلق تستحق وقفة، (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحج:65]
ويقول تعالى: (نَّ اللَّـهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) [ فاطر:41]
فهو الذي يمسك السموات والأرض فسبحان الخالق العظيم. هذا التدبروالتفكر الذي يولد اليقين ، كلما
تلتقي ظلمة الأرض بظلمة السماء فنرى تلك النجوم العظيمة، إذا ظلام شديد فهنا كما قلت بسبب الإلف والعادة تغيب عنا الآية، آية الليل والنهار، فالنهار آية من آيات الله سبحانه وتعالى، الطبقة القليلة جدا المقابلة للشمس نرى هذا البياض المشرق لا يكون إلا في قطعة صغيرة جدا جدا جدا يمكن أن نقول إذا وضعنا خطا على صفحة بيضاء ، خيط صغير بالقلم الأسود، يعني يكون واحد من الألف من الخط هذا بالنسبة لصفحة الكون الكبيرة جدا، خط البياض الموجود في الجهة المقابلة للشمس على الأرض، فسبحان الخالق العظيم، فسبحان الخالق العظيم، فسبحان الخالق العظيم.
(وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) هذا الإختلاف والتعاقب المستمر دون انقطاع ولا تغير ولا تبدل ولاتحول منذ أن خلق الله السموات والأرض إلى يومنا هذا ألايستحق منا أن نقف عنده ونتفكر فيه؟؟
إذا من أقوى الطرق الموصلة إلى محبة الله، إلى الخضوع لله تبارك وتعالى ، إلى استغراق الإنسان في العبودية التامة لله عز وجل، أن يعرف الله عز وجل، ولا يمكن أن يعرف الله عز وجل إلا عن طريق الآيات الكونية والآيات الشرعية، كتابه الكريم، كلامه الكريم، الذي أنزله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام حجة علينا وعلى الخلق أجمعين، وهو الذي يهدينا إلى سواء السبيل، هو الذي يدلنا على معرفة آياته الله الكونية، فهو الذي أمرنا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) [آل عمران:190] هذه الآيات لأصحاب العقول
قال تعالى لقوم يعقلون ، لقوم يتفكرون ...فينبغي للإنسان أن يستخدم عقله في النظر في آيات الله سبحانه وتعالى
لذا نسأل بدلائل توحيد الألوهية، توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات إذا سألنا طفل صغيربماذا تعرف ربك؟ قال بآياته ومخلوقاته، آياته المبثوثة في الكون، وأعرفه بآياته الشرعية المعجزة للناس، ليه؟
لأن هذا الكتاب الكريم حجة على الخلق، معجز لهم في نظمه وبلاغته ولغته وأحكامه وتشريعاته وهداياته، في كل جانب من جوانبه، ولذلك يقول تعالى (حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) الجاثية
إشارة إلى أن يقول الله عز وجل أن هذا الكتاب أنزلته عليكم من جنس كلامكم، بحروف كلامكم التي تتكلمون بها وتنشئون منها كلماتكم وتنتفعون بهذه اللغة فيما بينكم ، هذه اللغة التي تتكلمون بها أنزلت عليكم كلامي بها معجز لكم .
هل تستطيعون أن تأتوا بمثله ؟ تشتمل على بعض معاني إشارة إلى إعجاز القرآن للبيان والتشريع
(حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [الإسراء:88]
بين أيدي الناس، خمسة عشر قرنا مازال يتحداهم ، ويعلن النداء للناس جميعا ائتوا بمثله ، ائتوا بآية، ائتوا بعشر سور غير مفتريات ، ولم يستطع أحدا أبدا من البشر أن يأتي بمثل هذا الكتاب الكريم .
إذا هذا الكتاب حق للمرء أن يفرح به، وأن يسعد به، وأن يتمسك به، وأن يحرص على حفظه، وعلى تلاوته وتدبره، لأنه أعجز الناس جميعا، فهو الآية، آية الصدق التي بقيت خالدة منذ محمد عليه الصلاة والسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فمعجزة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت معجزات كثيرة حسية ومعنوية كبيرة عظيمة، لكن أعظم معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدق رسالته هذا الكتاب الذي بين أيدينا، هذا حجة الله تعالى على الخلق.
محمد صلى الله عليه وسلم مات وغابت معه معجزاته، نقلت إلينا، ونحن نؤمن بها والحمد لله وبقي شيء منها لأن الله تعالى قال:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [ فصلت:53]

الله سبحانه وتعالى يريهم بعض الآيات التي أجراها على أيدي محمد عليه الصلاة والسلام ليقيم الحجة على الخلق أجمعين، منها شق القمر، ذاك العهد الأول لما تحدى المشركين، فالله سبحانه وتعالى شق القمر للنبي عليه الصلاة والسلام، آية حسية دالة على صدقه ومع ذلك لم يؤمن هؤلاء بل قالوا سحرنا محمد عليه الصلاة والسلام
ولا تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ولذلك قال تعالى في الجاثية: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٧﴾ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )
سبحان الله الآية عظيمة وقوية ودامغة وحسية ومع ذلك يقولون سحرنا محمد.
جاء العلم الحديث وينفق هؤلاء الكفار المليارات من الدولارات ليذهبوا إلى عمق الفضاء ويكتشفوا ما فيه، ويأخذوا من تربة القمر، ويروا الشق الذي في القمر، ثم يدرسوا هذه التربة فيتبين لهم أن القمر فعلا قد شق من أربعة عشرة قرنا، وحددوا الزمن، وإذا هو في زمن محمد عليه الصلاة والسلام، يوم تحدى العرب وأجرى الله تلك المعجزة.
من اكتشف هذه؟ ليس المؤمنون بل الكفار وما علموا أن ذلك آية صدق محمد عليه الصلاة والسلام ، قال الله سبحانه وتعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴿١﴾ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) [القمر] سبحان الخالق العظيم .
هذا الكتاب حجة على الخلق، شهادة صدق محمد عليه الصلاة والسلام ، صدق رسالته هذا الكتاب العظيم، لذلك نحن بحاجة أن نتمسك به ونأخذ من هداياته، وننتفع بتعاليمه وإرشاداته ونصائحه وتوجيهاته، ونستظهر الفوائد ونقف عليها، نقرأ في كتاب الله تعالى حتى نزداد خضوعا وذلا وانكسارا لله سبحانه وتعالى، فسبحان الله الخالق العظيم.
إذا دعوة هذه السورة العظيمة المكية إلى الناس أجمعين أن يتفكروا وأن ينظروا في آيات الله المبثوثة في الأفاق والأنفس، في القريب والبعيد والصغير والكبيرمن خلق الله تبارك وتعالى، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى إشارات، والإشارة تكفي، لأن المقام مقام إيجاز لذلك قال تعالى : (وَفِي خَلْقِكُمْ ) أي يا أيها الناس في خلقكم أيها المكلفون، وبالتالي ينسحب ذلك على كل ما خلق الله تبارك وتعالى، في خلقكم وفي خلق جميع الكائنات وجميع المخلوقات الصغيرة والكبيرة.
وفي خلقكم ، ليه؟ لأن هذه الآية فيك، لذلك قال تعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وقال (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ) الآية في النفس لأنها قريبة منك، تنظر في نفسك، كما قال الحكيم : فيك انطوى العالم وأنت جرم صغير، شيء عظيم ، كبير جدا لا يتصوره الإنسان، كيف أن الله عز وجل خلق هذا الإنسان من التراب وهو بهذا الخلق المعجز بتفكيره ومشاعره وقوته وفي بأسه وآثره في الوجود يعني شيء عظيم هذا الإنسان، كلما قرأ الإنسان في خلق الإنسان سواء في أجهزته أوقدرته على التشكيل والصنع، ترك الأثر في الوجود، يقول سبحان الخالق العظيم .
فالإنسان ينبغي عليه أن يتفكر في كل المخلوقات البعيدة والقريبة، الصغيرة والكبيرة ، ينظر فيها ويتدبر، كيف خلقها الله عز وجل؟
لذلك سألني مرة أحد طلبة العلم، سبحان الله لماذا يخلق الله هذه الخنافس وهذا النمل في الصحراء، في أعماق الصحاري والبراري، ما الفائدة منه؟؟؟ممالك من النمل والحشرات والدواب، ما الفائدة من خلقها؟؟؟
قلت سبحان الله، لو لم يكن لها من فائدة إلا أنها تسبح الخالق لاكتفى بذلك، حكمة، يقول الله سبحانه وتعالى : (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) [ الإسراء:44]
يكفي أن الله يخلق ما يشاء، ليسبح وليس أحد يحب المدح مثل الله تبارك وتعالى، الله تعالى يحب المدح والثناء من خلقه، كل مخلوق في الوجود يثني على الله، السماوات والنجوم، والكواكب والجمادات والحيوانات والأشجار والأحجار، كلها تثني على الله تبارك وتعالى.
هناك زجل من التسبيح هناك غناء يملئ الوجود تسبيحاً وتهليلاً وتعظيماً لله تبارك وتعالى يملئ الوجود لكن الله سبحانه وتعالى أخفاه عنا جعل حد لمدى الصوت (الرينج) أو المدى الذي نحن نسمع فيه محدود وما قبله وما بعده أخفاه عنا ولو اسمعنا الله سبحانه وتعالى أصوات من في القبور أو أصوات الكائنات المسبحة حولنا ما استمتعنا بالحياة كيف نستطيع أن ننام وسريرك الذي تحتك أو الفرش الوثيرة الطيبة التي تنام عليها تسبح كيف تنام والجدار الذي حولك يسبح والمصباح الذي حولك يسبح والدولاب الذي أمامك في غرفة النوم يسبح والأرض سبحان الله .. كيف يطيب لك نوماً كيف يهنأ لك عيشاً ولذلك أخفى الله سبحانه وتعالى عنك كل ذلك رحمة منه وفضلاً قال :( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ابراهيم:34 ] سبحان الله وهنا يظهر معنى قول الله عز وجل :( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) الجاثية .
يعني كل تلك المخلوقات مع أنها موجودة للتسبيح والذكر والتعظيم لله تبارك وتعالى لكن خلقت لمن ؟ خلقت لك أيها الإنسان فضلاً من الله ونعمة فضلاً من الله ونعمة قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة : 29].
ياسبحان الله يارب كل مافي هذه الأرض لمن ؟ لك ! نعم ..
الآن العلماء بدأئوا يدرسون هذه المخلوقات الموجودة في البراري و في الصحاري و في الكهوف وفي الجبال وفي الأنهار وفي المحيطات وفي غير ذلك من الأماكن... فماذا وجدوا ؟ وجدوا توازن بيئي يعني هذه الكائنات وهذه المخلوقات مهمة جداً للتوازن البيئي من حيث التوازن في نسبة الأكسجين الموجودة ونسبة الهيدروجين ونسبة العناصر في الهواء كل هذه مهمة جداً الإنسان الآن يأتي يدمر الفطرة يدمر الطبيعة بيده ويقضي على الحياة كما قال الله عز وجل :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم :41] الآن الغطاء النباتي الموجود موزع بدقة وحكمة كبيرة في الكون يعني الغطاء النباتي في الغابات موزع بدقة كبيرة مثلاً في الحزام حول خط الاستواء في اندونيسيا وفي أوساط أفريقيا وفي أمريكا الجنوبية في البرازيل وحولها هذا الغطاء النباتي الكبير العظيم مهم جداً في التوازن البيئي كذلك سائر الكائنات فلها وظيفة وخلقها الله لحكمة.....


يتبع بإذن الله تعالى

أم ايمان
25-03-10, 07:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تتمة المجلس الرابع
كذلك سائر الكائنات فلها وظيفة وخلقها الله لحكمة وأيضاً من حكم الخلق يابنياتي لكن الناس في غفلة الناس في غفلة كبيرة الآن مااكتشف الإنسان واخترع وصنع من وسائل الاتصال ، أو وسائل مانسميها المراكب التي يتجول بها الإنسان وينتقل بها الإنسان من مكان إلى آخر سواء في الفضاء أو على الأرض من سيارات ومن طيارات وغير ذلك ليس هناك صورة من الصور التي صنعها الإنسان وكونها ورسمها لسيارة أو لطيارة أو لدبابة أو لمركبة فضائية وغيرها إلا ولها صورة موجودة في الفضاء في الوجود أخذها من صورة حشرة أو من صورة طير أو من صورة مخلوق موجود في الوجود ما استطاع الإنسان أن يوجد مخلوقاً أو مصنوعاً لا نظير له في الوجود أبداً ويشكل المصنوعات هذه مما يرى في الطبيعة كثير من مصنوعات الإنسان لها شبيه بالحشرات ينظر الحشرة بحركتها فيقلد هذه الحركة بمصنوع من المصنوعات مستخدمة فيها الحديد وغير ذلك من عناصر الطبيعة ماذا للإنسان ؟ ليس له إلا إلهام من الله وتعليم وإلا هو قدرته محدودة جداً ولذلك الله تبارك و تعالى قال :( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات :37] قال :( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) [النحل :8] قال : (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ماذا للإنسان ؟ ماذا للإنسان ؟ يقول أنا صنعت وأنا خلقت ماذا خلق الإنسان الخالق هو الله سبحانه وتعالى والملهم هو الله سبحانه وتعالى و المعلم هو الله سبحانه وتعالى والفتاح هو الله سبحانه وتعالى على الإنسان يفتح على الناس من خزائن فضله ورحمته وعلمه مما يسهل عليهم من أمر الحياة :( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ما سمع الله يقول ( خلق لكم مافي الأرض جميعاً) وقال جل وعلى : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ) جميعاً منه سبحانه وتعالى ولذلك الله تبارك وتعالى يقيم الله سبحانه وتعالى الحجة على العباد قال : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20] سبحانه جل في علاه سبحانه جل وعلا يقول : (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ) [النحل ك53] فهذه النعم التي تتوالى وتترا علينا التي يعني بسبب الإلف والعادة ونحن نتقلب في أحضانها لا نعرف قدرها ما نعرف قدرها إلا عندما نفقدها نعمة الأمان لا نعرف قدرها إلا عندما نفقدها ن نعمة الصحة والعافية في الأجساد لا نعرف قدرها إلا عندما نفقدها نعمة الفواكه بألوانها المختلفة وأشكالها المختلفة وطعومها المختلفة ونحن نلتذ بها أكلاً ونظراً هذه لا نعرف قيمتها إلا عندما نفقدها ، الماء العذب الزلال الذي أنزله الله من السماء وبقدرته أودعه في الأرض في مخازن نستخرجه ونشربه ماءاً سائغاً للشاربين هذه نعمة من الله تبارك وتعالى لا نعرف قدرها إلا عندما نفقدها لما نفقد هذا الماء نعرف قدره. سبحان الله العظيم بسبب الإلف والعادة تٌغيّب عنّا النعمة ولذلك الله تعالى يقول : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال :53].
نعمة سبحان الله نعمة الله تبارك وتعالى على الخلق كما قالت بنياتي عملية البناء الضوئي هذا في النبات أمر معجز ن الطاقة التي يأخذها من الشمس وكما قلنا الشمس آية من آيات الله تبارك وتعالى آية من آيات الله وهي من أهم أسباب الحياة على الأرض لولا وجود هذه الشمس لا أظن حياةً ستقوم على الأرض أبداً فالشمس والماء والأكسجين من أهم ضروريات الحياة للكائنات على هذه الأرض - سبحانه جل في علاه- الذي يقول للشيء كن فيكون . فكل هذا يابنياتي ينبغي علينا أن نمعن النظر فيه فكل ما يمر علينا من خلق الله نتفكر الحشرة نتفكر لذلك العلماء لما سخروا من ضرب الأمثال في القرآن لا استغفر الله عفواً ليس العلماء بعض ضعاف الإيمان وضعاف العقول أو بعض منتكسي الفطرة ممن تاهت بهم العقول وطغوا وتكبروا وظنوا أن المعرفة المادية هي كل شيء في حياة الناس هؤلاء الذين اعتزوا بغير الله سبحانه وتعالى بالجاه أو بالمال أو بالسلطان أو بالأولياء أو بالأنصار من دون الله تبارك وتعالى هؤلاء كانوا يسخرون من الأمثال التي يضربها الله تبارك وتعالى في القرآن (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) [البقرة :26] الله سبحانه وتعالى يضرب مثلاً بالبعوضة يضرب مثلاً بالذبابة يضرب مثلاً بالعنكبوت .
الآن يأتي العلماء ينظرون في هذه المخلوقات فنجد أن البعوضة هذه البعوضة الصغيرة التي لاوزن لها لايكاد يكون لها وزن من أعجب مخلوقات الله ، خلق عجيب عجيب عجيب يعجز الإنسان عن وصفه ، ثلاثة قلوب عندها في كل جناح قلب وقلب في الوسط ، وكم في فمها من سكين، ست سكاكين، وعندها جهاز استشعار حراري بعيد، وعندها جهاز تخدير، وعندها جهاز مص ، وعندها........ في هذا المخلوق الصغير البسيط جداً من عجائب كبيرة جداً جداً في خلقه هذا المخلوق الصغير ، كم يرف أو يتحرك جناح البعوضة في الثانية الواحدة، كم ؟! مئات في الثانية الواحدة.. نسمع الطنين فقط ، لكن كم خفقة في جناح البعوضة في الثانية ؟! .. فسبحان الله ستمائة مرة أو نحوها أو أقل أو أكثر في الثانية الواحدة خفق جناح البعوصة فسبحان الخالق العظيم ... فكلما الإنسان أمعن النظر في مخلوقات الله تبارك وتعالى سواء في عالم الحشرات أو عالم النبات في الحقيقة يزداد إيماناً، وخضوعاً، وذلاً، وانكساراً لله تبارك وتعالى، ولذلك بنياتي أقول أعود مرة أخرى للسؤال الذي قال لي لماذا يخلق الله الخنافس ولماذا يخلق الله سبحانه وتعالى الذباب، ويخلق الله تعالى النمل في الصحاري والبراري وفي الغابات، أقول سبحان الله .. يقول الله تبارك و تعالى : (مَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [ الأنعام :38].
سبحان الله ..إلا أمم أمثالكم ، وفعلاً الآن بدأ الناس يدرسون عالم الحشرات وعالم الحيوانات جمالها وجمال الممالك وجدوا أن لها نظاماً يحكم حياتها . النمل نظام عندهم قوانين وعندهم محاكم وعندهم شغالات وعندهم ملكة وعندهم نظام في الحياة وعندهم سكك وطرق وعندهم غرف ،نفس حياتنا..
والطير في بعض الغابات في أفريقيا وبعض الصحاري أو الأراضي والأماكن في أفريقيا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية يبني الطير كيف يبني ؟! .. يبني عمارة طويلة كبيرة من طوابق كل طابق فيه غرف وفيه تهوية وفيه نوافذ ... سبحان الله ... من علمه..من علمه؟! .. إنه الله تبارك وتعالى الذي يقول :( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿٢﴾ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [الأعلى] فسبحان من قدر فهدى ..
كل هذه قضايا على جانب كبير جداً جداً في حياة المؤمن، حياة المؤمن حياة تفكر ، ولذلك أعظم عبادة يمارسها الإنسان المسلم في حياته هي ( عبادة التفكر ) التفكر في مخلوقات الله الكونية والشرعية ، أفضل من الصلاة .. أفضل من الصلاة عبادة التفكر ؛ لإن الصلاة لايظهر الإنسان لذة الصلاة ولا معنى الصلاة ولامعنى الخضوع ولا معنى وضع الجبهة على الأرض في الصلاة إلا لما يعرف هذا الخالق العظيم ولايعرف إلا بعلامات الله لأننا لم نرى الله تبارك وتعالى لكن نرى الله تبارك وتعالى من خلال آياته التي خلقها وبثها في الأفلاك وفي الأنفس فسبحان الخالق العظيم ... هنا يظهر معنى التسبيح لما نسبح الله تعالى نقول سبحان ربي العظيم في الصلاة وسبحان ربي الأعلى نعرف معنى العظيم سبحانه وتعالى ...
رأينا هذا الخلق العظيم الكبير للكون وهذا لا يساوي شيء عند الله تبارك وتعالى قال : (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ) [الزمر :67] والسموات مطويات بيمينه يعني هذا الخلق العظيم الكبير لايساوي شيء في قبضة الله تبارك وتعالى يوم القيامة فكيف بالله تبارك وتعالى إذن !! ... خلق الله عظيم .. إذن هو عظيم ..هو سبحانه هو تعالى خالق المكان وخالق الزمان .. ولا يحويه مكان ولا يأتي عليه زمان سبحانه وتعالى .. لأنه خالق الزمان والمكان .
فهذا الخالق العظيم الذي لا يحويه مكان ولايأتي عليه زمان كيف هو؟! .. سبحانه من خالق عظيم .. هنا تتجلى عظمة الله تبارك و تعالى على العبد فيزداد حبه لله تبارك وتعالى، وخضوعه لله جل وعلا، وانكساره لله سبحانه وتعالى، ورغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى ، ويكون على يقين بوعد الله ووعيده ..
هناك قضايا يا بنياتي على جانب كبير جداً في حياة المؤمن، نحن بحاجة ماسة إلى أن نعيد الناس إلى عبادة التفكر، نأمر الناس إلى أن يتفكروا دائماً وأبداً فيما يدور حولهم من الأحداث سواء كما قلنا في المخلوقات الصغيرة أو الكبيرة، أو فيما سخر الله سبحانه وتعالى للعباد من الخيرات والمنافع الكبيرة ، سواء كما قلنا في النباتات، أو الحيوانات ،أو الطيور أو الحشرات .
كل هذه يابنياتي على جانب كبير .. إذن الطريق الموصل إلى اليقين والإيمان هو عبادة التفكر والنظرفي آيات الله التي خلقها و بثها في هذا الكون العظيم .
والطريق الآخرهو النظر والتفكر في آيات الله الشرعية عندما قلت آيات الله الشرعية آيات القرآن الكريم لما ننظر إلى آيات الله تبارك وتعالى :( ويل لكل أفاك أثيم ) -نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء- أفاك لايقول إلا الإفك، كذاب، دجال، كثير الكذب، كثير الإفك، كثير القول بالباطل هذا الأفاك وهذا الأثيم الذي استغرق بل غرق في الذنوب والمعاصي والكبائر هذا لايكمن أبداً أن ينتفع بالآيات لا آيات كونية ولا آيات شرعية ، ويلٌ له ثم ويل له في الدنيا والآخرة عذابٌ أليم له في الدنيا والآخرة، ويكفي له عذاب وحسرة وندامة ما يعيش من ألم نفسي ومن حزن وكبد عنده من الأموال وعنده من الجاه وعنده من السلطان ما لا يعلمه إلا الله تعالى مع ذلك يعيش في ضيق يعيش في الم يعيش في نكد لماذا؟ لأنه لم يغني عنه ماله شيئاً لايغني ولايسمن من جوع، لأن السعادة تنبع من القلب، ولا يمكن أن تستقر السعادة في قلب إنسان مالم يكن فيه إيمان أبداً ،مهما ملك الإنسان من الدنيا ولذلك نجد أصحاب المليارات وأصحاب القصور وأصحاب الدور وأصحاب الجاه واصحاب..إذا لم يكن معهم الإيمان فهو في الم وفي حسرة لذلك الله سبحانه وتعالى يقول :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه :124] عن ذكري : القرآن أعظم ذكر القرآن الذي يعرض عن القرآن يعيش ألم الحياة .
مهما ملك من الحياة مهما ملك ما يجد أبداً الطمأنينة ولا السعادة ولا الراحة ...
لاالزوجة الجميلة تحققه ولا الزوج الجميل العالم يحقق السعادة ، ولا القصر المشيد العظيم يحقق السعادة ولا السيارة الفارهة الوفيرة الجميلة تحقق السعادة، ولا الذهب بكل أشكاله ولا ألوانه يحقق السعادة في الحياة، ولا السفر والتجوال في الحياة والاستمتاع والتفكر والنظر يحقق السعادة ...
السعادة تنبع من القلب، ولا يمكن أبداً أن تستقر السعادة الحقيقية والطمأنينة والأمن والأمن الحقيقي إلا بالإيمان بالله تبارك وتعالى وإخلاص العبودية لله تبارك وتعالى
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) نعوذ بالله من شر ذلك ..
لذلك بنياتي لابد أن نصحو من غفلاتنا نصحو من الغفلة وأن نداوم النظر والتفكر في آيات الله الشرعية وآيات الله الكونية تكون حياتنا دائماً نظر وتفكر، لا تمر علينا الأحداث من حولنا هكذا جزافاً لاننتظر ولا نتفكر مثلاً :الآن أنا قلت لكن لو تتذكرن معي في الدرس الأول عندما قلت الآيات التي ينبغي للمسلم أن يتفكر فيها ويأخذ العظة والعبرة منها ، وينتفع بها انتفاعاً عظيماً .. في الحقيقة حياة المسلم على خمسة صور أو خمس أشكال أو نقول خمس مراتب فنريد أخواتي الكريمات يذكرنني فيها ..الآيات عندنا أربع صور من الآيات التي ينبغي للمسلم أن ينتفع بها أو نقول خمس صور :
الصورة الأولى : قلنا منها آيات الله الكونية المشهودة المعاينة المنصوبة في الآفاق والأنفس من حولنا هذه آيات.
الآيات الثانية : الآيات الشرعية الكتاب الكريم آيات الله عز وجل التي أنزلها على محمد عليه الصلاة والسلام التي نتولها بين دفتي المصحف .
وبقي ثلاث ما هي ؟
ها يابنياتي الآيات الثلاث الأخرى ذكرناها في الدرس الأول ..
المعجزات التي أجراها على أيدي أنبياءه ورسله وقد ذكر الله سبحانه وتعالى طرفاً منها في كتابه الكريم. هذه محل تفكر ونظر. كما قلنا انشقاق القمر، وتسبيح العصافير عند النبي عليه الصلاة والسلام، تكلم الشاة المسمومة، آيات كثيرة و معجزات كثيرة حسية كانت على يد النبي عليه الصلاة والسلام ، الرمد الذي أصاب علي رضي الله عنه ثم بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام شفاه الله عز و جل في حينه. معجزات كثيرة أجراها الله عز وجل على يد محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى أيدي عيسى عليه الصلاة والسلام، وعلى يد موسى علبيه السلام .
فهذه المعجزات الحسية التي أجراها الله على أيدي رسله محل تدبر ونظر، والتي تزيد المؤمن إيماناً وثقة بالله تبارك وتعالى .. لماذا ؟
لأن الله سبحانه وتعالى يقص عليك طرفاً من هذه القدرة الهائلة التي كما ذكرت الأخت قبل قليل الله سبحانة وتعالى يقول للشيء كن فيكون .. نعم :( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس :82] كن فيكون هذا الذي قال للشيء كن فيكون هو الذي لما قال أصحاب موسى(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) قال : (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء :61-62] جاء المدد من السماء، القوة صاحب القوة، صاحب العظمة، صاحب الكبرياء، صاحب العزة، صاحب حكمة جل وعلا : (فقلنا اضرب بعصاك البحرفانفلق فكان كل فلق كالطود العظيم ) القدرة الهائلة ، قدرة الله سبحانه وتعالى، الإنسان عندما ينظر في هذه القدرة الهائلة، يثق بالله تبارك وتعالى ، الله قادر، الله حكيم ، ويقول للشيء كن فيكون ... إذن مما نخاف ؟!
كيف نسأل المخلوق والخالق موجود ؟!
إذا احتجت إلى طعام أو إلى شراب أو إلى رزق أو إلى وظيفة أو إلى ولد أو إلى زوج أو إلى نعمة من النعم أسأل من ؟ أسأل المخلوق ؟! أسأل الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون، وأسأله بثقة ... يعطيني ؟! نعم يعطيك ... يقول الله سبحانه وتعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل :62] .. لاإله إلا الله هذا الذي يجيب المضطر إذا دعاه أنظر ماذا يقول الله تبارك وتعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [ الأنبياء :87] شوفوا يابنياتي مفاتيح الرزق والخير والبركة والحفظ والسلامة والهداية والتوفيق يعطينا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :( فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] طيب ماذا حدث
:( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88] نجاه الله سبحانه وتعالى لتضرعه وانكساره وإخباته بين يدي مولاه جل وعلا، واعترافه بتقصيره بين يدي مولاه، فتاب الله عليه، وأيده بنصر منه وبرحمة منه و فضل جل وعلا قال :( وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ) [الصافات] هذا يونس عليه السلام من كرامة الله له لأنه صدق مع الله سبحانه وتعالى في توكله وإخباته وهذا الذي نحن بحاجه إليه يقول :( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ) [يونس:98] حتى يقال في التاريخ لا يوجد في التاريخ مدينة آمنت جميعها بجميع من فيها وصدقت في إيمانها إلا هؤلاء أتباع يونس عليه السلام ..
فسبحان الله العظيم الله على كل شيء قدير ..
و أيوب عليه السلام لما تعرض لنفحات الرب جل وعلا في خضوع وذل وإنكسار بين يدي الله حتى لم يطلب مباشرة :( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء :83] ماذا كان الجواب قال:( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴿٤١﴾ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿٤٢﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿٤٣﴾ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿٤٤﴾) [ص ] الله أكبر إذن هذا الذي نحن بحاجة إليه بحاجة ماسة أن نثق في وعد الله ووعيده وان نرغب فيما في يديه الكريمتين جل وعلا فهو مجيب من دعاه ومن سأل بإخلاص وهو قريب جداً منا فلمن يقول الصحابي ( يارب أربنا بعيد فنناديه أم بعيد فنناجيه قال هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) ...
قريب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة :186] إذن هناك شروط الاستجابة :
* (وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) للإستجابة، (وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) استجابة، استجابة تستجيب لأمر الله سبحانه وتعالى وتعرف حق الله سبحانه وتعالى عليك وتكون من الراشدين المهديين كما كان أصحاب الكهف لما فروا بدينهم وثبتوا على التوحيد وعلى الإيمان فجعلهم الله سبحانه وتعالى للناس آية فضربنا على آذانهم ثلاث مائة سنة ثلاث مائة سنة ضرب الله على آذانهم في الكهف ثم بعثهم ليقول للناس أنا الله على كل شيء قدير ..
فسبحان القدير العظيم سبحانه جل في علاه ..
إذن يابنياتي كل همنا ينبغي أن نصرفه إلى أن نتعلم وهذا العلم ينبغي أن يورثنا الخشية لله سبحانه و تعالى، ولا يمكن أن نخشى الله حتى نعرف الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن نعرف الله تبارك وتعالى إلا أن ننظر في آياته الكونية وآياته الشرعية نظرة تفكر، نظرة تدبر، نظرة الموقن الذي يعلم يقيناً أن الله على كل شيء قدير ..
فالحمد لله رب العالمين .. الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله رب العالمين
إذا يا بنياتي يعني إذا افترضنا أن نمضي معا، لماذا إخترنا هذه السورة ؟

يتبع بإذن الله

أم ايمان
25-03-10, 07:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إذا يا بنياتي يعني إذا افترضنا أن نمضي معا، لماذا إخترنا هذه السورة ؟
كما قلت نريد أن نعرف الطريق إلى الله تبارك وتعالى، و نعرف مقاصد شرعنا الحكيم مقاصد الكتاب الكريم، من أعظم مقاصد إنزال هذا الكتاب الكريم أن يعبد الناس جميعا لله الواحد القهار جل وعلا أن نعبد الله سبحانه وتعالى وحده دون شريك، أن نعرفه ونعبده وفق ما شرع، وفق ماشرع ولذلك نحتاج إلى العلم، العلم به سبحانه وتعالى وأن نعمل بما نعلم كلما علمنا عملنا إذا ضروري جدا الآن أن نوظف التفكر، التفكر في كل شيء كل مايعرض حولنا ويدور حولنا فكما قلت إن الآيات مثلا، كما ذكرت الآيات الكونية والآيات الشرعية قلت المعجزات العددية وكل شيء، وقلت كذلك آيات التجميع وآيات التخويف التي يجريها الله سبحانه وتعالى تدمير للأقوام المكذبين، جعل منها آيات قائمة كما قال " منها قائم وحصيد " منها ما ذهب ومنها ما بقي شاهد على كبر هؤلاء وصرف هؤلاء وطغيان هؤلاء و كفر هؤلاء الذين عذبهم الله، مثل قوم ثمود ومثل قوم لوط (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ﴿١٣٧﴾ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) [ الصافات] وكما قال الله عز وجل : (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) [الحجر : 76] فآيات التدمير التي أجراها الله أو التي أنزلها الله تبارك وتعالى على القوم المكذبين من الذين كانوا من قبلنا يجب أن نقف عندها ونعتبر ونتفكر بها لأنها كما جرت عليهم يمكن أن تجري علينا فنخافه تبارك وتعالى ولذلك نجد قول الله عز وجل : (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [ الإسراء : 59] إذا للذين يقولون مثلا هذه عوامل طبيعية و ما يجري من زلازل وبراكين وسيول، هذه عوامل طبيعية وبسبب الاحتباس الحراري كل هذا كلام في الحقيقة لا قيمة له وينبغي علينا أن كل ما يجري من أحداث من حولنا سواء بصنع الإنسان، بيد الإنسان أو بعوامل خارجة عن يد الإنسان من عوامل طبيعية في الظاهر لكنها تدار بقدرة الله سبحانه وتعالى.
(وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) فما جرى على سبيل المثال في هاييتي يعني في ثواني قليلة، الناس تحت البنيان مئات الألوف أو نقول ألوف من البشر كلهم ماتوا في لحظات أصبحت (قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه] سبحان الله، الذي جرى في هاييتي يمكن يجري علينا إذا في أي مكان من بلاد الإسلام، وقد جرى في إيران ورأينا ذلك، و عندنا الحزام البركاني أو الحزام الزلازل وإن كنا بعيدين عنه لكن الله أعلم على كل شيء قدير، جزيرة العرب مرشحة أن تكون فيما ثورات بركانية وبلاد الحجاز كلها جبال بركانية، وفي السابق كانت تثور بكميات كبيرة، فهو على كل شيء قدير.
فالإنسان ينبغي عليه أن يخاف الله جل وعلى فإذا رأى الآيات يعتبر بها، كل ما يجري من أحداث في الكون، كل ما يجري من أحداث على الأرض، في الشرق أو الغرب، في الصين أو في أمريكا أو في أوروبا أو في آسيا أو في إفيرقيا، لا نقول هذا بعيد عنا، هذا لا دخل لنا فيه، لاهذا آيات من آيات الله، ينبغي على الإنسان أن يتفكر فيها ويعتبر ويتأمل وينظر.
إذا هذه هي الآية الرابعة : آيات التدمير والتخويف ، التي يرسلها الله عز وجل على العباد سواء في الأقوام الذين سبقونا أو فيما يجري من حولنا من أحداث هنا وهناك في القريب أو البعيد، كلها ينبغي أن تكون محل تفكر ونظر وتدبر .
الآية الخامسة : التي ينبغي أن ننظر فيها ونتفكر فيها، آيات النصرة والتأييد والحفظ لأوليائه، والتمحيص كما قال الله عز وجل : (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمرا : 179] فتأتي الأحداث الجسام الكبيرة اللي تهز الأمة فتمييز الصف ، الصف المؤمن يحصل التمحيص ويحصل التنظيف للصف ويظهر المنافق ويظهر المؤمن الصادق ويظهر الذي بين بين، المذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فالأحداث العظام الكبيرة التي تجري في الأمة في الحقيقة هي لتمحص الصف، ينبغي علينا أن نتفكر فيها كيف أن الله عز وجل ينصر أولياءه ويؤيد أولياءه ويحفظ أولياءه، وكيف أن الله يذل أعداءه ويجعل الدائرة عليهم، إذا عندنا هذه الآية محل تفكر والإنسان كلما جال ببصره في هذه الأمور كلما ازداد يقينا وخضوعا وذلا وانكسارا للواحد القهار.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يرزقني وإياكم الإيمان واليقين وأن يرزقنا التفكر والتدبر في آياته الكونية والشرعية وأن يورثنا جميعا الخشية له والرغبة في ما عنده والذل بين يديه والانكسار له وحسن العبادة له وحسن التوكل عليه، وأن ينصرنا وأن يؤيدنا بفضله ورحمته إنه جواد كريم، اللهم اغفر لنا جميعا وتقبل منا جميعا إنك أنت السميع العليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

بارك الله فيكم، بنياتي جميعا، أترك المجال لكن إن كان هناك من سؤال أو استفسار أو إضافة
سؤال...
- التأمل والتفكر واحد، يعني التأمل إطالة النظر والتفكر استخدام العقل لكن في ظني ليس هناك فرق بينهما في العموم، لكن ربما الإنسان يتأمل ببصيرته في قلبه أو ينظر في العواقب ، عواقب الأشياء، والتفكر ربما يكون مصحوب بنظر بصري وعملي والتأمل ربما يكون بالعقل في عواقب الأشياء والتفكر يكون يعني التأمل يدخل تحت التفكر، والله اعلم .
- يكون هذا وهذا نعم، التفكر يكون في آيات الله الكونية ويكون أيضا في آيات الله الشرعية بدليل قول الله عز جل : (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل :44] ولعلهم يتفكرون، يعني لآيات الله الشرعية حتى يستنبطوا الأحكام والدلالات، ولذلك اتستدل العلماء من هذه الآية على وجود يعني أن من أحكام الشريعة من كتاب وسنة أو المصادر التشريع الذين يأخذون منها الأحكام كالكتاب والسنة والقياس استدلوا بهذه الآية " ولعلهم يتفكرون "
- القلب يخشع ولكن أحيانا يكون القلب فيه فتور، من أين يأتي الفتور في القلب؟ الفتور يأتي بسبب ضعف الإيمان، وضعف الإيمان له أسباب كما قلنا هو قلة العلم لذلك الإنسان لا بد يقوي علمه، علمه بالشرعي، علمه بالله تبارك وتعالى، يزداد بطلب العلم ، العلم نور، العلم بركة، العلم خير، العلم بكل ما تعنيه كلمة العلم من معنى، يعني مثلا على سبيل المثال لما أنا آخذ كتاب مثلا في علم الأحياء وأقرأ في علم الأحياء هذا يورثني خشية لله تبارك وتعالى، علم الأحياء يصف لي المخلوقات كيف تعمل أجهزة هذه المخلوقات، علافتها، المخاطبة مع بعضها البعض، آخذ كتاب مثلا في علم الفلك، أقرأ كيف هي معالم الكون، وكيف تسير هذه الأفلاك ومكوناتها والعلاقات بينها، أتعرف على قدرة الله تبارك وتعالى، فالقراءة العلم والثقافة تورث الإنسان الإيمان، لأنه يقرأ يتزود بالعلم النافع، العلم الموصل لله تبارك وتعالى ، إذا هذا نوع من زيادة الإيمان، القراءة، إن كان للإنسان قدرة على الدأب، يجعل الإنسان يدمن على القراءة النافعة في كتب العلم سواء في الأحياء أو في الفيزياء أو في الكيمياء أو في الرياضيات أو في الفلك أو في شروح الحديث، في التفاسير، ينوع قراءاته، العلم نافع غاية النفع، هذا شيء.
الشيء الثاني يحاول أن يجالس الصالحين، الأخت الكريمة تجالس الصالحات الخيرات اللي عندهم شفافية وعندهم معرفة بالله تبارك وتعالى وعندهم لباقة وحسن كلام وحسن حديث، تجلس إليها وتتناصح معها وتسمع منها النصيحة، هذا يجلو القلب، مثل هذه المجالس تجلو القلب من الصدر وتنزع من على الإنسان الضعف لأنه يسمع الذكرى، كما قال الله عز وجل : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [ الذاريات :55] إذا الجلوس إلى الصالحات الخيرات الداعيات المؤثرات الصادقات المؤمنات المخبتات الخاشعات.
كذلك الإنسان ينظر في نفسه وين مكمن الخطأ أوالتقصير عنده؟ إن كان مرتكب لكبيرة أو معصية، يحاول أنه يتوب إلى الله تعالى منها، يترك المعصية، لأن المعصية تأثر على القلب، تأثر على الإيمان، وتضعف الإيمان، وتطفئ نورالإيمان في القلب فيحتاج الإنسان أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، فتنظر الأخت الكريمة أين موطن التقصير، وإن كانت على كبيرة أو على معصية تحاول أن تقلع عنها وتتوب إلى الله تعالى منها.
كذلك من الوسائل التي تعين الإنسان على قوة الإيمان الصلاة، يسعى الإنسان إلى الصلاة، يكثر من النوافل، يصلي ويضع جبهته على الأرض و يبكي ويمرغ وجهه بالأرض ويدعو الله سبحانه وتعالى، يدعو الله بصدق "يا رب، ارزقني الإيمان، يا رب ارزقني اليقين، يا رب افتح علي، يا رب يسر أمري" فيتضرع ويكثر من الدعاء، فيتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وجبهته على الأرض في خشوع وذل وانكسار ويطيل و يطييييل الدعاء والبكاء بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذا يورث الإنسان الخوف، اليقين والإيمان، ويزيد في اليقين، يلتزم بالصلاة ويكثر من الصلاة النافلة .
كذلك من وسائل تقوية الإيمان، أن الإنسان يعتبر بالأحداث التي من حوله كما قلنا الاحداث التي تمر عليه لا بد أن يعتبر و يتفكر فيها، الذي يصيب غيره يمكن أن يصيبه فيخاف، يصير عنده الخوف من الله تبارك وتعالى، ثم لا مانع أن يتفكر في أحوال الموتى، أحوال الموتى أصحاب القبور، يعني يتذكر الموت إن كان الموت لا يجيء على باله فيخاف من سوء الخاتمة يخاف من العاقبة فيستعد للقاء الله سبحانه وتعالى فهذا أيضا من وسائل تقوية الإيمان فأسأل الله سبحانه وتعالى يا بنتي أن يرزقني وإياك بالإيمان و اليقين إنه جواد كريم .
- كيف يمكنني معرفة موضوع السورة ؟ طبعا من الأشياء المعينة ( يا بنتي ) على معرفة موضوع السورة كما قلت نقسم السورة إلى مقاطع فالآن لامانع مثلا أن ننقل معارف سورة الجاثية , ويفترض أني طبعا أفعل هذا لكن سبحان الله أخذني الحديث عن القرآن بصفة عامة وحديث الإيمان لا يمل كما قلنا من الآية بس لو رأيت بنتي خلينا نتابع مع بعض الخواطر اللي معي:
من الآية الأولى إلى السادسة : هذا مقطع
من السابعة إلى عشرة : مقطع ,
الحادية عشرة : تعقيب بالطبع على الحالة لوحدها
ثم من الآية الثانية عشر إلى الثالثة عشر : نعتبرها أيضا مقطع
من الآية الرابعة عشر إلى الآية الخامسة عشر : مقطع
من الآية السادسة عشر إلى الآية السابعة عشر : مقطع
من الآية الثامنة عشر إلى الآية التاسعة عشر : مقطع
من الآية الحادية والعشرين إلى الآية السادسة والعشرين : مقطع
من الآية السابعة والعشرين إلى الآية الحادي والثلاثين : مقطع
من الآية الثانية والثلاثين إلى الآية الخامسة والثلاثين : مقطع
ثم من الآية السادسة والثلاثين إلى الآية السابعة والثلاثين : مقطع
هذه المقاطع التي تشتمل عليها السورة ثم بعد ذلك نتعرف على موضوع كل مقطع.
الآن نمر عليها بسرعة مع بعض، نتعرف على المقاطع التي ذكرتها الآن، فقلنا في المحاضرة السابقة أن من الآية الأولى إلى الآية السادسة تتكلم عن ماذا ؟ في فاتحة السورة تنويه بشأن هذا الكتاب الكريم وعلى أنه الكتاب الذي أنزله الله على الناس معجزة لمحمد عليه الصلاة والسلام لصدق محمد عليه الصلاة والسلام، وفيه الهدى وفيه الخير وفيه العزة وفيه الحكمة، إذا تنويه بشأن الكتاب الكريم وعلى أنه من عند الله تبارك وتعالى وأنه لم يأت به محمد وليس من أساطير الأولين كما ذكر الكفرة وليس بقول كهنة بل هو من عند الله تبارك وتعالى أنزله الله معجزة خالدة باقية لنفع العباد والبلاد .
ثم بعد ذلك الله سبحانه وتعالى يأتي ويذكر دلائل القدرة والعلم والحكمة والصنع ليدلل على وحدانيته واستحقاقه للألوهية دون سواه، يدلل على ربوبيته وعلى وجوده وعلى أنه منفرد بالوجود و منفرد بالخلق ومنفرد بالتدبير وعلى استحقاقه للألوهية دون سواه، إذا أدلة على العلم والقدرة والحكمة والصنع على استحقاقه للألوهية دون سواه، أدلة الربوبية وأدلة الألوهية.
- من الآية السابعة إلى العاشرة لا قبل هذا قلنا ماذا ؟ نعم وفي بين ذلك عقاب من صد عن التفكر والاستفادة من هذه الآيات، آيات الشرعية وكذلك تدخل فيها الآيات الكونية لأن الذي دل على الأمر بالنظر إلى الآيات الشرعية والكونية هو القرآن الكريم. فاستجابة له ننظر في الآيات الكونية والذي لا ينظر في الآيات الكونية استجابة لأمر الآيات الشرعية في الحقيقة هو مكذب لهذه الآيات الشرعية.
طيب ثم بعد ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى جزاء من يكذب بالآيات ولا ينتفع بالآيات ولا يستفيد من الآيات سواء كما قلنا شرعية وهو الوارد في السياق أو الآيات الكونية.
ثم بدأ الله عز وجل يعدد النعم على العباد – الآية الثانية عشر إلى الآية الثالثة عشر –
ثم كما قلنا مواقف الجماعة المسلمة المؤمنة من الكفار – الآية الرابعة عشر والخامسة عشر- والسيرة الجماعية والسيرة الفردية كما قلنا وأشرنا في المحاضرة السابقة –" كل نفس بما كسبت رهينة "
- في الآية السادسة عشر إلى الآية قبلها ( اللهم صلي على مجمد ) " ولقد آتينا بني إسرائيل" : الآية السادسة عشر إلى الآية السابعة عشر : يضرب الله سبحانه وتعالى مثل بحال بني إسرائيل مع الآيات وعن ما عمل الله تبارك وتعالى لما كذبوا وعاندوا وما انتفعوا علموا وما عملوا , كيف كانت تجزئة هؤلاء ؟ وفيه تسلية و تثبت للفئة المؤمنة الصابرة في أوائل الدعوة في العهد المكي فيضرب المثل للنبي عليه الصلاة والسلام ولصحابته الكرام في حال بني إسرائيل في حال بني إسرائيل وموقف بني إسرائيل من الآيات الاختلاف في صورها التي ذكرناها آنفا.
هذه كيف نقسم السورة إلى مقاطع و نعرف محتوى كل مقطع ثم بعد ذلك نحدد الموضوعات التي اشتملت عليها السورة ثم بعد ذلك نستدل على طبعا مهم جدا أيضا أن نعرف موطن النزول لأن فيها عامل كبير على معرفة موضوعات السورة، القرآن المكي له صفات عامة تنطبق على معظمه السورة من أي مجموعة لأي مجموعة تنتمي.
قلنا الجاثية تنتمي إلى مجمعة "حم" إلى "الحواميم" إذا لها صفات خاصة القرآن المكي له صفات خاصة كما أن كل هذا يعيننا على معرفة مواضيع السورة.
إذا مكان النزول والمجموعة التي تنتمي إليها السورة كذلك أسباب النزول إن كان فيه أسباب نزول مهمة أيضا في كشف موضوع والمرحلة الزمنية التي تم إنزال فيها هذه السورة يعني كثير من السور لا زالت تسلية وتذكير للفئة المؤمنة وفيها وعد ووعيد فلو نظرنا إلى مجمل سورة الجاثية نجد فيها نبرة الوعيد والتخويف والتسلية والتصبير ظاهرة، ظاهرة طبعا للمكذبين والمعاندين والمقصرين واللي يتبعوا الأهواء في التخويف والتذكير والإنذار والقرآن مكي و نبرة ظاهرة وقوية جدا في القرآن المكي عالية وواضحة، وإن كانت أقل من غيرها لكنها موجودة بدليل قول الله سبحانه وتعالى في " ويل لكل أفاك أثيم " من وراءها ارتجاءات قوية وكذلك قوله عز وجل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية :21] "ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " إلى آخر الآيات .. (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) فتجد نبرة الوعيد والإنذار والتخويف قوية وظاهرة في السورة .
- نعم – هل هناك كتاب يهتم بموضوع السور ؟ -
طبعا الكتب كثيرة تهتم بهذا الموضوع لكن من الكتب النافعة في هذا الباب- تفسير المنير- جيد , يعني يحدد موضوعات السورة , أهداف السورة والمؤلف اظنه الدكتورالسحيري جمع طبعا أقوال العلماء ب بصيغ مختلفة ، تفسير محدث وجيد ونافع. كذلك عندنا كتاب تفسير -التحرير والتنوير – لمحمد الطاهر ابن عاشور _ يتعرض للموضوعات. كذلك عندنا أيضا كتاب التفسير يسمى - نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام البقاعي - يذكر شيء من هذا، أيضا من كتب التي تهتم أذكر مثلا ( اللهم صلي على محمد ) كتاب أيضا – صفوة التفاسير - كتب يتعرض في هذا الموضوع، كتب عديدة في هذا الباب .
طيب على كل حال بنياتي الآن وصلنا إلى التاسعة والنصف، قضينا ساعة ونصف، نقف هنا على أن نلتقي إن شاء الله تعالى الأسبوع القادم في درس إن شاء الله جديد مع آيات الله عز وجل.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم العلم النافع العلم الصالح وأن يرزقنا الإيمان واليقين والتدبر والتفكر المولد للخشية له جل وعلا إنه سميع عليم ، أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
اللهم اغفر لنا وارحمنا إنك غفور رحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

أم ايمان
28-04-10, 11:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفريغ الدرس الخامس لتدبر القرآن

بنياتي سلام الله عليكن جميعا ورحمته وبركاته، أسأل الله تعالى أن ينورقلوبكن جميع بالإيمان وأن يجعل هده الدقائق في ميزان حسناتنا يوم نلقاه وأن يزيدنا بالتدبر و التفكروالنظر في كتابه إيمانا و يقينا وأن يرزقنا الإيمان الكامل واليقين الراسخ، و الحمد لله رب العالمين.
بنياتي مازلنا في رحاب هذه السورة الكريمة، سورة الجاثية و كنا قد تحدثنا في ظلال هده الآية الكريمة في المحاضرة السابقة عن بعض القضايا المهمة التي يحتاجها المؤمن في حياته، يتزود من الإيمان واليقين والرضا والتسليم لله تبارك و تعالى بالمزيد من النظروالتفكر في آيات الله الملفوفة من حوله في نفسه وفي الكون من حوله.
و كما قلت في السابق وكررت أن هذه من القضايا المهمة في حياة المؤمن عبادة التفكروالنظرو التدبر في الآيات، عبادة عظيمة يحبها الله قد أمر بها في مواضع كثيرة من كتابه الكريم وحث عليها نبيه صلى الله عليه و سلم وهذا هو ديدن الأنبياء والرسل كانوا ينظرون ويتفكرون يتدبرون في عواقب الأمور و في آيات الله سبحانه و تعالى الملفوفة من حولهم و كانوا يزدادون بذلك يقينا وإيمانا.
فيا بنياتي ما أحوجنا إلى أن نطيل النظر كما قلت والتفكر في الأشياء من حولنا، فالأحداث المتغيرة في الكون في المادة بطبيعتها المتمثلة في المتحرك أوالساكن، كلما أطال الإنسان النظروالتفكر وجد الآيات العظيمة الدالة على عظمة الله في الخلق والتكوين والتدبيرو لذلك الله سبحان و تعالى إذا أمربطاعته وبتوحيده وبإخلاص العبودية لله تبارك و تعالى يقيم الأدلة والبراهين على استحقاقه للتفرد بكمال الذل و كمال الخضوع فعبودية الإنسان إذا كانت تامة و خالصة لله تبارك وتعالى وأسلم وجهه و قلبه لله وجد الراحة التامة والسعادة والأمن والطمأنينة فان لم يمتلأ هذا القلب بمحبة الله سبحانه و تعالى و بالقرب منه و بالأنس بذكره و بمعرفته سبحانه و تعالى فإنه لا محال سيبحث عن غيره عن غير الله يأنس به و لذلك كثيرا من الناس يتخذون المعبودات لهم من دون الله تبارك و تعالى، هذه المعبودات إما أن تكون متعقلة بالشهوة بأن تشبع عنده شهوة أو تحقق له مطالب هو بحاجة لها من أمور مادية في الحياة أو تكون سبب في تحصيله بمنافع محدودة آنية فبعض الناس يتمثل ذلك مثلا في الشمس فيعبدها من دون الله أو في النهار فيعبده من دون الله أو في حجر يعتقد أنه ينفع أو يضر فيعبده من دون الله أو في قبر أو في ولي فهؤلاء أضلهم الله سبحانه و تعالى عن العلم لكن العاقل الذي عنده العقل الصحيح و السليم الخالص الخالي من الآفات إذا نظر و تفكر لا يمكن أبدا أن يكون أحد من خلق الله تبارك و تعالى سواء كان صغيرا أو كبير أو عظيما أو حقيرا يستحق الذل و يستحق العبادة و يستحق أن يسأل لأنه لا ينفع و لا يضر لا يملك كمال النفع و الضر فهو ضعيف في غاية الضعف أو متحول و متبدل و متغير فبينما الواحد الأحد الفرد الصمد سبحانه و تعالى و له الكمالات، كمال الصفات جل وعلا عزيزوحكيم و قدير و رحيم و عظيم له الصفات الكاملة التامة، صفات الكمال جل و علا، فالإنسان إذا انتصر بالله عز و جل أعطاه الله سبحانه و تعالى من صفاته فإذا أحب الرحيم أعطاه الله الرحمة و إذا أحب العظيم عرف عظمته أعطاه الله سبحانه وتعالى العظمة فيكون عظيما بكمال ذله لله تبارك و تعالى و يكون عزيزا بكمال إنكسراه و خضوعه لله تبارك و تعالى و يستمد من الله سبحانه و تعالى العزة و يستمد من الله سبحانه و تعالى القوة
فهذه المسائل في غاية الأهمية لذلك نجد أن الله تبارك و تعالى وهو يأمرنا بعبادته دائما و أبدا يتبع ذلك بالأدلة و البراهين من آياته التي بثها في الأكوان وفي الأفاق التي تدل على استحقاقه دون سواه لهذه العبادة التي أمر بها جل و علا و الله سبحانه و تعالى يغار لا يرضى لمؤمنة أو مؤمن، مسلمة أو مسلم أن يصرف شيء من العبادة في قليلها أو كثيرها لغيره، لا تكون إلا له سبحانه وتعالى.
والعبادة كما تعلمن جميعا بنياتي توقيفية فلا ينبغي للإنسان إلا أن يعبد الله بما شرع لا بد من العلم فلا يخترع الإنسان لنفسه عبادة، عبادة ما مثلا عبادة تظن أنها تقربه إلى الله سبحانه و تعالى لا يقبل أبدا إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم و كان موافقا لشريعته و لأمره جل و علا ، جعل من العبادات ما يكون ميسرا سهلا يسيرا على العبد يؤديه و لا يعيقه عن الانتفاع بوجوده في الحياة أكلا و شربا وبناءا وتطورا و إقامة حضارة ، لا يمنعه ذلك بل إن حركة الإنسان في الحياة و هو يسعى يمكن أن تتحول هذه الحركة جميعها إلى عبادة إذا كانت خالصة لله غير متصادمة لثوابت دينه و قواعد شريعته فان حركة الإنسان في الحياة في البناء والتطور حركة في صميم العبادة و لذلك قال الله سبحانه و تعالى قال في هذه السورة الكريمة :
{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } [الجاثية] يعني هذه الشريعة كاملة تامة و الدليل أنه قال جل و علا :
{ هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم } [الجاثية 11]
{ هذا هدى } تمام الهدى، هذا : اسم إشارة للقريب، القريب جدا للإنسان وذلك هدى تعظيما له في رفعته وكماله وشرفه
وهذا هدى ، الهدى قريب للعقول و القلوب و الأيدي، متناول الأيدي، الإنسان يفتح كتاب الله عز و جل فينظر فيه فينتفع بهذا الهدى و هذا النور فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا الهدى و لذلك الله تباك و تعالى يقول في نبييه صلى الله عليه و سلم كما نعلم تعليما لنا جميعا نساء و رجالا و ذكورا و إناثا ثم جعلناكم جميعا على شريعة من الأمر فاتبعوها ولا تتبعوا أهواء الذين لا يعلمون لماذا ؟ لأنهم لن يغنوا عنكم من الله شيئا و الظالمون بعضهم أولياء بعض و الله ولي المتقين
ثم يعود الله سبحانه وتعالى ويقول هذا بصائر للناس
هذا الكتاب لما فيه من وعظ و الهدى و النور و الخير العميم الذي لا حدود له
هذا الكتاب الذي بين أيديكم، هذا النور الذي يأخذكم إلى التي هي أقوم، يهديكم للتي هي أقوم، وهو يأخذكم إلى مواطن ومواضع ومنازل السعداء ويجنبكم مواطن الزلل، ومساكن وسير أخلاق الأشقياء لذلك قال الله تعالى (هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فقال تعالى (هَـٰذَا بَصَائِرُ ) لمن؟ للناس جميعا، فتح باب التوبة للناس جميعا على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم ولغاتهم وأجناسهم.
هذا هدى، هذا بصائر، بصيرة، نور وهدى لمن ؟ للناس جميعا.
وهدى ورحمة لمن؟ لقوم يوقنون.
الحمد لله الذي جعل هذا الكتاب هدى ورحمة للناس أجمعين.

إذا بنياتي نحن بحاجة ماسة إلى العلم، لذلك العبادة والعمل بدون علم تكون وبالا على صاحبها فالعلم من أنفع ما يكون على صاحبها لذا قال تعالى : (آتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) قامت عليهم حجة العلم، فالعلم إما أن يكون يقود إلى البغي والعدوان لأنه لم يستعمل للدلالة على الطريق الموصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، إلى معرفة الله عز وجل بل للإ ستكبار في الأرض والعدوان واتباع الشهوات ونصرة الباطل فهو يضلهم الله سبحانه وتعالى ويطمس على قلوبهم ويجعل على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون معالم الطريق إليه سبحانه وتعالى، وإن ربحوا شيئا في الدنيا ولكنهم في خسارة عظيمة.
العلم على جانب كبير من الأهمية في حياة المؤمن، لابد من العلم فالمؤمن إذا حرص أشد الحرص على أن يتعلم العلم النافع، العلم الموصل إلى طريق الهدى، المورث للخشية كان في مأمن من الزلل وفي مأمن أن تدخل عليه الشبهة أو تستوطن الشبهة في قلبه، فيدفعها بالعلم، العلم النافع المتصل بالكتاب والسنة.
لذلك في هذه السورة الكريمة أمرنا الله بالتفكر والنظر وهذا من طُرق كسب المعرفة النافعة المفيدة، وذم أهل الأهواء، وتوعدهم بالعقاب الشديد لذلك قال تعالى:
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )
في هذه السورة موطن يستحق النظر يقول تعالى لما ذكر حال بني اسرائيل
(وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿١٦﴾ ) أعطاهم الله تعالى من الخير، أعطاهم الكتاب والعلم فكانوا يحكمون بين الناس، لهم نظر، لهم دراية ولهم وعي وبعث لهم موسى وهارون وكثير من الأنبياء من بني إسرائيل منهم عيسى عليه السلام، ورزقهم من الطيبات، المن والسلوى، خيرات عظيمة وأصبحت عليهم وجعلهم في زمانهم أفضل الناس (وفضلناهم على العالمين) فهل شكروا هذه النعم ؟؟؟ لا فهل قاموا بهذه النعم؟ لا
طغوا وتكبروا وحرفوا وبدلوا فالله سبحانه وتعالى أبدلهم هذا النعيم وأورثهم بعد العزة ذلة، وبعد النعيم فقر، وهذا مثل ضربه الله تعالى لنا نحن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام كما أعطى بني إسرائيل فقد أعطانا الخير الكثير والطيبات الشيء الكثير، فيجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تشكر هاته النعم كما أمر الله سبحانه وتعالى حتى تدوم علينا نعم الله سبحانه وتعالى ويعطيها سبحانه وتعالى ما وعدها وأعدها بالعزة والتمكين والنصرة، والآن هي في ذلة وتخلف بسبب التخلي عن القيام بالنعم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى ، الشريعة بين يديها وتتحاكم إلى غيرها، والقرآن بين أيدي المؤمنين ويبتغون العزة في غيرهم.
فهذا يورثهم مزيد من التخلف والذل، فعليهم أن يعودوا إلى هذا الكتاب الكريم ويشكروا الله سبحانه وتعالى حق شكره على نعمه العظيمة التي لا حد لها، ولا تقف عند حد، نعم ظاهرة وباطنة يتقلب فيها أهل الإيمان، فيستحق الله جل وعلا أن يشكر على هذه النعم باللسان وبالجارحة وبالقلب وأن يداوم الإنسان على شكر نعم الله تعالى حتى الكتاب والنعم، لا أقصد النعم في عموم الأمة، لا أتكلم على النعم الخاصة التي في بلد أو في مجتمع أو في عائلة أو في فرد أو في بيت كل هذه النعم التي يتقلب فيها الإنسان على اختلافها وتنوعها تحتاج إلى حفظ ولا يمكن أن تحفظ إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى كمال الذل له جل وعلا، ذلك أن الله لم يكن أن يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فهذه النعم التي يتقلب فيها الإنسان كما قلت بسبب الإلف والعادة لا يشعر بأهميتها لكن إذا فقدها أو فقد شيئا منها عرف وعند ذلك يسأل الله سبحانه وتعالى أن تعود إليه النعمة.
يحتاج الإنسان أن يحس بقيمة النعمة التي يعيش فيها، نعمة الصحة والعافية، نعمة الولد، نعمة الأمن، نعمة الهداية إلا الخير، نعمة أن تكون فيه ذرية مؤمنة مسلمة كل هذه النعم عظيمة جدا. ومن سمع في بقعة من بقع فيها من الأشجار والأنهار والخيرات والنعيم المقيم شيء عظيم، هذه النعم تحتاج إلى حفظ إن كان في بلد كفار أو غيرها يحتاج أن يشكر الله سبحانه وتعالى عليها وأن يزداد خضوعا لله عز وجل وذكرا له سبحانه وتعالى ودائما يتذكر هذه النعم بين عينيه ويشكر الله سبحانه وتعالى عليها حتى يديمها الله تبارك وتعالى عليه.
الله سبحانه وتعالى قال (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) كان حق هؤلاء أن يشكروا هذه النعم حتى تدوم عليهم لكنهم لم يشكروا الله سبحانه وتعالى عليها، لم يعبدوه حق عبادته ولم يقيموا الأمر كما أمر الله جل وعلا بحياتهم فضربت عليهم الذلة والمسكنة وبائوا بغضب من الله إلى يوم القيامة.
فينبغي للمسلم أن يستفيد وأن ينتفع بهذه العبرة بحياة هؤلاء بأن يشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه على الكتاب، القرآن بين يديه وربما أعطاك الحكمة وأعطاك العلم، تشكر الله سبحانه وتعالى عليه، والنبوة الحقة والحمد لله بين يديك وأنت من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير الرسل والأنبياء وقد جعل شريعته حاكمة ومهيمنة على كل الكتب والشرائع السابقة فالحمد لله رب العالمين.
والطيبات حدث ولا حرج التي أخرجها الله سبحانه وتعالى، الطيبات التي أخرجها الله سبحانه وتعالى من الأرض جعلنا نتقلب فيها في الليل والنهار.
قضية أيضا على جانب كبير من الأهمية، والله سبحانه وتعالى (وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) إذا هناك طيب وخبيث من الطعام أو من الشراب أو من اللباس، وهنالك كذلك كسب الطيب والخبيث، لذلك ينبغي على المسلم والمسلمة أن لا يأكل إلا الطيب وأن لا يبحث إلا على الطيب ، يبحث على الطيب من الشراب والطعام ولا يدخل إلى جوفه إلا الطيب، طيب الكسب، يأكل الطيب ويحرص على الطيب، فالمؤمن طيب، طيب في قلبه ونفسه في ملبسه وطعامه وشرابه في ملبسه الطيب يكتنف في كل جوانبه.
المؤمن كتلة من النوروكتلة من الطيب ولذلك الله تعالى يأمرنا أن نأكل من الطيبات، أن نلبس من الطيبات، أن نعيش بالطيب والطَيب، حتى في قضاء الشهوة الله سبحانه وتعالى يقول
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾ ) [النساء]
إذا نبحث عن الطيب قال تعالى (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) [المؤمنون:51]
إذن ينبغي على الإنسان أن يعيش بالطيب ويبحث عن الطيب فلا يشم إلا رائحة طيبة، ولا يخرج من فمه إلا الطيب كما قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24-25]
الكلمة الطيبة عند الله صدقة، وأنفاسه تكون طيبة فيطيب فمه بالسواك والمنظفات فالفم طريق كلام الله تبارك وتعالى فيجري على لسانك كلام الله تبارك وتعالى فينبغي أن يكون هذا المجرى طيبا نظيفا.
الطيب يأكل من الطيب ويجعل فمه طيبا ويخرج من فمه الطيب كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الطيب وكانت تفوح منه الرائحة الطيبة عليه الصلاة والسلام من كفه وبدنه ومن ثوبه عليه الصلاة والسلام.
ينبغي على المسلم المؤمن أن يكون طيبا في كل شأنه وفي كل أمره تختارالزوجة الصالحة ويأكل الطيب يكسب من الطيب قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [البقرة:267]
(إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ) الله سبحانه وتعالى قال (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف:58]
سبحان الله حتى البقاع منها الطيب ومنها الخبيث البقعة الطيبة والموطن الطيب الذي يطيب المقام فيه بالإيمان والعمل الصالح ليكون حرا في تدينه في الحياة ويعبد الله سبحانه وتعالى وهو في طمأنينة وأمن وسلام، لو ضيق عليه في إيمانه وعبادته ينبغي أن يهاجر إلى الله تعالى إلى موطن يجد فيه الراحة والأمن في عبادة الله تبارك وتعالى كما كان حال أصحاب الكهف الذين آواهم الله تبارك وتعالى وجعلهم آية للناس لما فروا بدينهم.
إذا الإنسان يبحث عن الموطن الطيب والمكان الطيب ويعيش في الطيب دائما وأبدا.
قضية على جانب كبير من الأهمية، نحن نحتاج إلى النور، ينبغي للمسلم ينبغي أن يكون نورا يمشي على الأرض ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا أخذ النورمن الكتاب الكريم، يتحول إلى قطعة من النور لأن النور سيملأ قلبه، فإذا امتلأ قلبه بالنور انعكس هذا النور على جوارحه فأصبحت مضيئة ومشرقة، فترى النور في وجهه في محياه وينطلق النور من عينيه إذا كان النور في جوارحه يشع بقدرة الله جل وعلا وبفضله ورحمته على هذا المؤمن قال تعالى :
(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى:52] إذا صفتان مهمتان في حياة المؤمن :
أن يعيش بالطيب
وأن يكون طيبا
فالمؤمن لا يكون خبيثا ولا يتمثل الخبث في حياته ولا ينبغي أن يوصف المؤمن بالخبث، على الإطلاق.
الخبث يكون صفات المنافقين والعياذ بالله وصفات المشركين أما عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، عباد الرحمن الذين سلكوا الصراط المستقيم فهؤلاء طيب يمشي على الأرض، فليس فيهم خبث ولا ينبغي أن يوصفوا بالخبث أبدا لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول : [لاتقل خبثت نفسي، وقل:لقست نفسي ] البخاري ومسلم
حتى أن الإنسان لما يصيبه ما يصيبه من هم الدنيا يحثه النبي أن لا يخسر نفسه في حالة الضيق وحالة الهم وحالة الغم بالخبث لا يقل خبُث مزاجي أو خبثت نفسي، هذا لا ينبغي أبدا، الخبيث ليس من صفات المؤمنين على الإطلاق، لذلك قال الله عزوجل بعد حديث طويل عن غزوة أحد وما ترتب عليها قال :
(مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران:179] فجعل في مقابلة أهل النفاق وصفهم بالخبث وجعل في مقابلتهم أهل الإيمان ووصفهم بالطيب مايستوي أبدا العمل الطيب والعمل الخبيث ولو أعجبك الخبيث
الخبيث كثيرالأن وللأسف الناس الآن أصبحوا يتندرون ويتمدحون بالخبيث في المأكل والمشرب والمطعم والخبيث من سلوك الكفار والخبيث من حياة الكفار ظنا منهم أنّ هذه الحياة وهذه المتعة وهذه العزة وهذه المفخرة وبئس ما ظنوا وبئس ما عقلوا وبئس ما فعلوا، الحقيقة أنهم أضاعوا الطريق، أضاعوا الطريق لا محالة فسبحان الله الذي يقول (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة:100]
على الإنسان أن يسلك سبيل الطيبين لذلك قال تعالى (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) [النور] والله عجبت سبحان الله أن يكرر الله سبحانه وتعالى الأمر فيقول الطيبات للطيبين هذا يكفي لا بل يكرر الطيبون للطيبات كان ممكن يكتفي بقوله الطيبين للطيبات
ينبغي للمؤمنة أن تكون طيبة والمؤمن أن يكون طيب
سبحان الله الطيب لهذه الدرجة مهم في حياة المؤمن؟ نعم على جانب كبير من حياة المؤمنين.
ولذلك بنياتي يجب علينا أن نتمثل حياة الطيبين وحياة الأخيار من المؤمنين كيف عاش الطيب في حياتهم ؟ ولا يمكن أبدا أن نجد أطيب ولا أفضل ولا أحسن ولا أكرم من حياة النبي صلى الله عليه وسلم لقد تمثل فيه عليه الصلاة والسلام نموذج الإنسانية الكامل والكمال لله تبارك و تعالى الذي يجب أن يحتذ ى ويتمثل صلى الله عليه وسلم فقد جمع الطيب بكل صوره وأشكاله، طيب النبي صلى الله عليه وسلم، طيب وزكي، زكاه الله تبارك وتعالى، زكى قلبه وعقله وزكى نفسه و جوارحه عليه الصلاة والسلام وزكاه فقال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)
فهو نور وهو الطيب بكامله فإذا أراد الإنسان أن يعيش حياة الطيبين فعليه أن يعيش حياة النبي صلى الله عليه وسلم، يتمثل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة النبي عليه الصلاة والسلام بفضل الله تبارك وتعالى أن جعلها مكشوفة منقولة إلينا بالتواتر، ما من شيء من حياة النبي عليه الصلاة والسلام الأسرارالدقيقة من بيته نقلها لنا الثقات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى من جاء بعدهم من أتباع وتابعي التابعين إلى يومنا هذا بحمد الله وتعالى.
حياة النبي عليه الصلاة والسلام حياة مكشوفة واضحة، في كل شأنه، كيف يتعامل مع الله وكيف يتعامل مع الناس، كيف كان في فراشه، كيف كان في طعامه، كيف كان في حركته في الحياة في السوق في المسجد مع الناس في ساحات الدعوة مع الناس فحياه مكشوفة فينبغي للمؤمنة أن تتدارس هذه السيرة العطرة وأن تعيشها لماذا؟ حتى تكسب الطيب وأعلى درجات الطيب حتى تكسب الطيب لحياة الطيبين فالله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، جعلنا الله وإياكم من الطيبين.
طيب الله أنفاسي وأنفاسكم آناء الليل وأطراف النهار

يتبع بإذن الله

أم ايمان
28-04-10, 11:48 PM
تتمة المجلس الخامس

إذن هذه فائدة عظيمة من قوله تعالى : ( ورزقناهم من الطيبات) العجيب أن الله تعالى يقول ورزقناهم من الطيبات، ما الطيبات التي رزقنا إياها الله عز وجل؟ منها ماذكره الله تعالى ونصه في كتابه الكريم إشارة لبعض نعمه على هؤلاء وكل خير يتمتع فيه هؤلاء هو من رزق الله تعالى ومن فضل الله تعالى، فالطيب لا يتمثل في أمر ما الأمر حسي بل الإنسان إذا ألهمه الله سبحانه وتعالى طلب العلم الشرعي وحبب إليه الإيمان وحبب إليه العمل الصالح وحبب إليه الخير هذا من رزق الله الطيب لأنه أهداه ووفقه وملأ قلبه بحب الله وبحب الخير هذا من عطاء الله تعالى ورزق الله الطيب فهنيئا للطيبين والطيبات إذا عاشوا حياة الأنبياء والرسل و محمد عليه الصلاة والسلام.
كذلك بنياتي من عطاءات الله تعالى الخاصة والنافعة والمفيدة للمؤمن والمؤمنة في هذه الحياة أن يعطيه الله تبارك وتعالى الحكمة بعد العلم أو العلم والحكمة معا لأنه على جانب كبير من الأهمية في الحياة.
ولذلك لما نفر من بني إسرائيل طلبوا أن يكون لهم ملكا ويقاتل في سبيل الله بعث لهم طالوت ملكا
(قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ) [البقرة:247]
انظرن كيف الناس الآن يظنون أن العزة والأبهة والجاه والمكانة والشرف محصورة في الشيء المادي يعني يكون الإنسان له مال، ومال واسع فيكون أفضل الناس وأحسن الناس هذا الذي ينبغي نسعى إليه وهذا الذي نحرص عليه كما يفعلن كثير من النساء تتمنى أن تعيش في كنف زوج غني المهم أن يكون غني حتى تستمتع بالحياة سفرا أكلا وشرابا ولباسا ظنا منها أن هذه الحياة الطيبة وهذا ظن فاسد وغريب أن يصدر عن عقل صحيح صريح كما قلنا سليم من الآفات لأن وجدنا نماذج كثيرة من تاريخ الإنسان ممن ملكوا الكنوز لم يغني عنهم مالهم من الله شيئا كانوا أشقياء بهذا المال، عاشوا أشقياء وماتوا أشقياء فسبحان الله حُرموا لذائذ الحياة وهم يملكون المال وفي الآخرة يعذبون بهذا المال فنسأل الله تعالى أن يعافينا فلا ينبغي للإنسان المؤمن أن يحرص على الأمور المادية بقدر ما حرصه مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمور المعنوية المتصلة بالقلب، سلامة القلب امتلاء القلب بحب الله تبارك وتعالى، امتلاء القلب بالإيمان واليقين، إذا رزق الإنسان الإيمان واليقين وامتلأ قلبه بهذا وفاض ذلك على جوارحه، وإن والله عُدِمت الدنيا من يديه وهولا يملك من حطام الدنيا شيىء فهو من أسعد الناس.
و لذلك النبي عليه الصلاة والسلام، انظرن في حياته عليه الصلاة والسلام كيف عاش ؟ عاش فقيرا، عاش مسكينا صلى الله عليه وسلم (ألم يجدك يتيما فأوى) من الذي عطف عليه بماله أليست زوجه خديجة رضي الله عنها، كانت تملك المال فعطفت على زوجها عليه الصلاة والسلام آوته واحتضنته عليه الصلاة والسلام، النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك وراءه شيئا ما ترك من متاع الدنيا فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتحدث عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته عليهن جميعا الرضا والرضوان، كن يحدثن عن حياة النبي عليه الصلاة والسلام يعني لما يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيت رسول الله نار يعني يطبخ عليها كما نفعل اليوم والحمد لله من الخيرات والأرزاق كثيرة ووفيرة وعميمة ميسرة تمتلىء بها منازلنا وبيوتنا وتمتلىء بها مخازننا ومع ذلك سبحان الله النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق لو مسك التراب بيده الشريفة فدعا الله تبارك وتعالى تحول التراب في يده تبرا أي ذهبا خالصا، ولو أمر الجبل من حوله لصار ذهبا، سبحان الله مع ذلك عليه الصلاة والسلام لم يطلب شيئا من متاع حياة الدنيا، يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أشهر لا يوقد نار في بيته عليه الصلاة والسلام، نار تطبخ عليها فتُسأل رضي الله عنها، ماكان طعامكما يا أم المؤمنين؟ قالت طعامنا الأسودان، الماء والتمر سبحان الله سبحان الله سبحان الله .
تقول توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وما شبع من خبز الشعير بل في رواية - مات عليه الصلاة والسلام وآل محمد لم يشبعوا الخبزوالشعير- وهو القمح والذرة لم يشبعوا منه آل محمد عليه الصلاة والسلام سبحان الله سبحان الله يعني عليه الصلاة والسلام لما أراه الله سبحانه وتعالى الجنة ونظر فيها ماذا وجد فيها؟ وجد أكثرداخليها من المساكين والفقراء، ماذا معهم ؟ معهم الإيمان كما كان حال أهل الصفة، لا إله إلا الله كم صبروا، لم يكن لهم لباس يواري سوئا تهم، ولم يكن لهم طعام يسد جوعهم ومع ذلك صبروا، كان معهم الإيمان فكان وعد الله لهم بالجنة خير لهم من الدنيا وما فيها
كان أكثر سكان الجنة ومن يدخل الجنة بل هم أول من يدخل الجنة، يحاسب على ماذا؟ لا يملك من حطام الدنيا شيئ .
أما الكفار وأهل المال والجاه يحبسون ويحاسبون على النقير والقطمير، يحاسبون على الأموال من أين جاءت وفيما أنفقت دينارا دينارا ودرهما درهما يحاسبون عليه أما هؤلاء ماذا عندهم؟ ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح فالحمد لله رب العالمين وكما قالت الأخت الكريمة : كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني مع زمرة المساكين) والحمد لله رب العالمين.
إذا بنياتي نعود إلى الآية الكريمة (قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) لا حظنا معي (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) العلم على جانب كبير من الأهمية في حياة المؤمن والمؤمنة، من أراد العزة فعليه بالعلم، من أراد الجاه فعليه بالعلم، من أراد السعادة فعليه بالعلم، من أراد الغنى فعليه بالعلم، العلم من أعظم الوسائل لكسب المحامد وكسب الدرجات العلا في الدنيا والآخرة، سبحان الله ما أحوج المؤمن والمؤمنة للعلم.
مجلسنا الذي جلسنا واستمعنا فيه والحمد لله وحوله الغرض منه أن نطلب العلم النافع الذي يورثنا خشية الله تبارك وتعالى والرغبة فيما عنده والزهد في الدنيا وأن تكون عيوننا على الآخرة دائما وأبدا ونطلع إلى ما عند الله من الخير العميم والحمد لله رب العالمين.
إذا بنياتي الله سبحانه وتعالى يقول (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم و لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض صفاته، ذكر في موطن عظيم في سورة طه ( وقل ربي زدني علما ) ما قال ربي زدني جاها أو مالا أو سلطانا، فلم يطلب له شيء من الزيادة في الحياة الدنيا من متعها وزخارفها إلا ما كان فيه عزة ورفعة وخير له ولأتباعه ( وقل ربي) تعليم لنا في الحقيقة، والله سبحانه وتعالى قال وهو في الحقيقة خطاب لنا أبناء الإسلام، نحن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام.
إذا أردنا أن نتزود من خير الدنيا علينا أن نسأل الله تعالى أن يعطينا من العلم، وأي علم؟ العلم النافع المورث لخشية الله تبارك وتعالى ومحبته والقرب منه، لذلك الله تبارك وتعالى لما ذكر بعضا من آياته في خلقه جل وعلا، في مخلوقاته قال:
(لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿٢٧﴾ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ) [فاطر] قال : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) إذا هل الذين ليس لديهم علم لا يخشون الله ؟ لا لا حتى الذين عندهم قليل من العلم لديهم خشية عرفوا الله تعالى فهم يخشونه لكن الخشية الحقيقية، تمام الخشية، الخشية النابعة من اليقين تختلف تماما ..
محل التدبر والتأمل (نَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]
انظرن بنياتي صورة من صور خشية الله تبارك وتعالى الناتجة على علم ، في مشهد عظيم من مشاهد التي وصفها القرآن مع موسى.
فرعون تحدى موسى وأراد أن يثبت للناس كما كان يدعي أتباعه من سفهاء قومه فأظلهم الله تعالى على علم طلبا في المناصب والبقاء فيها، سبحان الله الكثير من الناس للحفاظ على المناصب الدنيوية المادية يتخلى على المبادئ والقيم.
كذلك وزراء فرعون من كلن حوله، ملأه لما قالوا (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف:127] هؤلاء والعياذ بالله بسبب المكاسب المادية التي كانوا فيها والمناصب والقيادة ليحصلوا عليها ما يستطيعوا أن يتغيروا أو يذعنوا للحق، يجردهم من هذه المناصب. الناس في الحقيقة يستووا فهؤلاء لما امتحن الله تبارك وتعالى موسى امتحانا شديدا ولكن الله سبحانه وتعالى معه وناصره طبعا هذا النصر لموسى عليه السلام هو نصر لكل مؤمن في كل أمة، كل من صدق مع الله سبحانه وتعالى نصره سواء كان من الأنبياء و الرسل أو من أتباع الأنبياء و الرسل كما قال الله عز وجل (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]
(إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿٥٢﴾) [غافر]
فانظرن إلى هذا المشهد العظيم لما جاء موسى وجمع السحرة جُمع الناس إلى ميقات يوم معلوم وأوتي بالسحرة من كل مكان ولما اجتمع السحرة وبدا الابتلاء العظيم (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) [الشعراء:44]
انظرن اعتزوا بمن ؟ بالمخلوق
ما من إنسان يعتز بالمخلوق إلا وأذله الله عز وجل ولذلك على المؤمن والمؤمنة ألا يعتز أبدا إلا بالله وحده ولا يركن إلا إلى الله وحده وأن يجعل حاجته بين يدي الله ولا يجعلها بين يدي مخلوق أبدا قط سواء كان صغيرا أو كبيرا أميرا أو مأمورا.
أبدا لا يجعل حاجته إلا عند الله وحده فالله إذا أحببته الله حبا صادقا وجعلت حاجتك بين يديه قضاها لك الله سبحانه وتعالى جعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافيه لأن الله ما يسلم أولياءه أبدا ما يمكن يسلم أولياؤه لأحد من خلقه على الإطلاق لأن الله يتولاهم، يحبهم لا يمكن أبدا لذلك سبحان الله عزوجل الله جعل أولياءه في كنفه وفى رحمته قولا وسعا لذلك قال :( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس:62]
سبحان الله لا يخافون المستقبل أبدا لأنهم في أمن وأمان في كنف الله تبارك وتعالى أبدا في حفظ الله ورعايته (فانك بأعيننا) كما قال الله عز وجل فمن كان بعين الله كيف يضل أو كيف يشقى أو كيف يخذل لا، لا يمكن أبدا لذلك يا بنياتي دعوتي إليكن ولنفسي بالذات ولكل مؤمنة ولكل مسلمه في كل مكان أن تركن إلى الواحد القهار جل وعلا وتجعل حاجتها مهما بلغت عند الله وحده بين يديه لا تسأل أحدا من خلقه ولذلك انظرن بنياتي النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أبى بكر رضي الله عنه وأرضاه قد كان صديقه، أبو بكر صديق النبي صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إليه ومن أحب الرجال إليه اقرب الناس إليه رضي الله عنه وأرضاه ماذا قال له صلى الله عليه وسلم : (يا أبا بكر إني احبك فلا تسأل الناس شيئا) يا الله يا الله يا الله ما هذه العزة ما هذه العظمة انظرن: إني احبك فلا تسأل الناس شيئا حتى يقول الراوي كان أبا بكر رضي الله عنه يسقط منه سوطه من فوق دابته والغلام ربما بعض الناس واقف بجوار دابته ويقول ولا يقول ناولني السوط من الأرض، ينزل رضي الله عنه وأرضاه عن دابته فيأخذ سوطه بيده استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسأل الناس شيئا الله أكبر أي بيان بعد هذا؟ هذا نحن في حاجة إليه فهذا الذي استغن بالله تعالى أغناه الله هل معنى ذلك ألا يأخذ الإنسان بالأسباب؟ لابد للإنسان أن يأخذ بالأسباب وأن يجعل حاجته بين يدي الله ويأخذ بالأسباب للحصول عليها، الإنسان يطلب و يريد المال يريد الغنى يقول يا رب أغننا وأن يجلس ولا يعمل بدون أن أتحرك ولا يبذل أي سبب أنت الرزاق ألم تقل يا رب (إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] يا رب ارزقني وأنا جالس هذا ما يمكن أبدا هذا ما يمكن، لابد من الحركة كما قال الله عز وجل (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿٣٩﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) [النجم] و يقول جل وعلا (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ) ففي سعي في حركة للحياة لابد في سعى نعود للمشهد العظيم هنا لما جمع السحرة واجتمعوا لميقات يوم معلوم قالو بعزة فرعون لما نظروا ماذا فعل الله تبارك وتعالى بهذا الذي آتوا به فهذا موسى أوجس في نفسه خيفة قلنا لا تخف انك أنت الأعلى ليه؟ لأنه قال كلا إن معي ربى سيهدين كما قالت الأخت الكريمة لما قالو أصحابه إنا لمدركون قال كلا يهدين، نفس هذا المشهد العظيم لما قال الله عز وجل (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ) [الأعلى:68] هنا قال ألقوا ما أنتم ملقون فألقو حبالهم وعصيهم فيخيل إليه صلى الله عليه وسلم أنها تسعى يخيل إليه تسعى.
هنا موسى عليه السلام أمره الله عز وجل بإلقاء العصا بتوكل و يقين وإيمان يملأ قلبه عليه السلام فلما ألقى العصا - فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين- الله أكبر
فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون هؤلاء الآن الذين خروا لله سجدا مؤمنين كانوا قبل قليل كفارا سحرة وبعد يسير من الوقت أصبحوا مؤمنين أتقياء برره سبحان الله الكريم سبحان الله العظيم سبحان من يقلب القلوب سبحان من يقلب القلوب بين لحظه وأخرى يغير الله من حال إلى حال، غير الله حال هؤلاء من الكفر إلى الإيمان.
انظرن بعد ذلك قال آمنتم له أو في آيه أخرى : (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) [الشعراء: 49]
انظرن دعوات التافهين والخالين من كل علم و من كل فهم ومن كل وعى و من كل عقل انظر دعوه فاسدة دعوه باطله ليس عليها برهان ولا دليل سبحان الله (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) والله عجب، عجب تجمع السحرة تتحدى بهم ثم تقول
(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
انظرن الإيمان و اليقين
(قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿٥٠﴾ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) الله اكبر
ماذا قالوا؟ قالوا: (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٧٢﴾ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)
والله خير وأبقى هذا يا بنياتي الذي نحتاج إليه في هذا الوقت في الوقت الحساس الذي تعيشه الأمة وفى الوقت العصيب الذي تعيشه الأمة والتحديات الكبيرة التي تمر بنا ذكورا وإناثا صغارا وكبارا دولا ومجتمعات نحن نواجه طوفان من التحديات طبعا والباطل يدخل إلى بيوتنا ويغزوا حياتنا دون رغبة منا لكن ماذا نفعل وليس لنا من يعصمنا من كل ذلك إلا أن نجعل حاجتنا بين يدي الله وأن نركن إلى العزيز الحكيم ونبذل غاية الأسباب في سبيل الحفاظ على عقيدتنا و على هويتنا وعلى أخلاقنا ونعيش بعزة الإسلام ونعتز بالإسلام ونحافظ على الإسلام وأن تكون لنا دعوه ليس بألسنتنا ولا بأفواهنا دعوه بأخلاقنا نحن نحتاج أن نكون دعاة في كل مكان بين وسط أهلينا في وسط المجتمع الصغير الذي نعيش فيه حيثما انتقلنا في أي مكان من دول العالم يجب أن تكون الرسالة التي نبعثها للناس جميعا رسالة أخلاقية يتمثل الإسلام في أخلاق في سلوك في عطف في محبه في رحمه في شفقه على الناس أجمعين إذا كنا دعاة سبحان الله العظيم الحمد لله رب العالمين.
كما قلتي بنيتي العلم هم الذي صنعوه من التخيل و التصوير و التمويه على الناس يعلمون أنها بالعلم بالسحر، أنّ هذا سحر لكن لما رأوا الحية حقيقة تلقف و تأكل كل ما صنعوه من السحر أيقنوا أن العصا التي تحولت إلى حيه حقيقية ليست من صنع موسى من رب موسى الذي دعا إلى عبادته فامنوا بهذا الخالق العظيم إلا أنهم رأوا الآية فهؤلاء عندهم علم فالعلم والعقل قادهم تلقائيا أن يؤمنوا أن موسى صادق وأن الله قد بعثه بالصدق ويحمل الآيات الدالة على صدقه وينبغي علينا نحن العقلاء أن نؤمن به حتى نفوز بما وعدنا به رب موسى وهذا هو المطلوب أن الإنسان يوظف عقله ولهذا يا بنياتي لما الله عز و جل يقول يجب علينا أن ننظر إلى السماء والأرض يجب علينا أن ننظر في خلقنا ليه؟؟؟ حتى نزداد بهذا العلم يقينا بالنظر يقينا وإيمانا فيكون الإيمان في قلوبنا قويا متوهجا يحمينا كما قلت من هذا الطوفان العظيم الذي يجتاح مجتمعات المسلمين.
جميل جدا يا بنياتي أن نتزود بالعلم النافع وأن نحرص على العلم النافع وأن يكون لنا دائما وأبدا تفكر وتدبر في آيات الله الشرعية وآيات الله الكونية على الدوام على الدوام بالليل و النهار لا يمكن أن تمر عليك ، بنيتي أختي الكريمة آية أو عبره أوعظه أو صورة من صور الحياة سواء كانت ماديه بشقها المادي وشقها المعنوي إلا وتنظرين فيها نظرة تفكر ونظر و تدبر يعنى في عاقبة الأمر أنظري فيها والله ستجدين فيها من دلائل القدري وعجائب التكوين وعجائب التقدير ما يجعل الإنسان يخر لله ساجدا على نعمة الإسلام ونعمة الإيمان الحمد لله رب العالمين.

إذا يا بنياتي الآن في قول الله (ولقد آتينا ) وكذلك في ملمح بياني جميل في كلمة ولقد آتينا لما استقرت كلام الله جل و علا في مواطن كثيرة في كتابه الكريم وجدت أن كلمة الإيتاء والإعطاء ، الإيتاء تكون في
مواطن الخير و الرحمة والبركة مصحوبة بفضل الله وعطائه وبرحمته للمؤمنين خاصة فتأملنا واقرأن، وأنت تقرئين القرآن تأملنا هذه اللفتة البيانية.
الإيتاء كلمة الإيتاء أو فعل الإيتاء دائما مصحوب بالفضل والرحمة ويكون لخاص المؤمنين غالبا،
بينما الإعطاء يكون له ولغيره وإذا ذكر لفظ الإعطاء أو فعل الإعطاء يكون خاصا مقيدا بعطاء خاص كما قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) فسبحان الله في لفظ العطاء كما قلت يكون له ولغيره وإذا كان للمؤمنين أو للرسل يكون مقيدا ولسوف يعطيك انظرن يعطيك ماذا ؟ فترضى عطاء مع الرضا عطاء عظيم كذلك يظهر والله اعلم لفظ الإعطاء يكون
فيه كَلَفه يعنى الإنسان لما يعطي شيئا بكلفه يجاهد نفسه معه .قال الله عز وجل (حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29]
يكون فيه كلفه بعكس الإيتاء (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60] (وأتوا الزكاة) يعطونها عن رضا نفس وطواعية ودون كلفه هؤلاء الذين يؤتون بغض يعنى عن كلفه وعن جهد مجبول على الشح.
فتأملنا هذه المعاني كثيرا وانتن تقرأن القرآن فستجدن خيرا كثيرا فيه إذا في هذا المثل العظيم الذي ضربه الله عز وجل لنا بعد أن عدد لنا نعمه جل وعلا وذكّرنا بها قال جل وعلا وحذرنا بعاقبة أعمالنا كما قال ( ثم إلى ربكم ترجعون) سيحاسبنا على القليل والكثير والنقير والقطمير، ستحاسبوا كما قال الله تبارك وتعالى قال : (ولقد آتينا بنى إسرائيل) وذكرنا ببعض نعمه على عباده في آية لنا نحن فتذكر النعم ولذلك هذه النعم الست التي عددها الله لنا نحن نتقلب فيها اليوم ولذلك يجب علينا ذكورا وإناثا أن نحافظ عليها وان نشكر الله سبحانه وتعالى فقد أعطانا الكتاب خير الكتب (حم تنزيل الكتاب) الكتاب يعنى الكامل في الشرف
الكامل في الهداية الذي ليس بعده كتاب كامل الأوصاف كامل الكتاب الذي فيه العزة فيه الحكمة فيه الخير كلام الله جل وعلا فأعطى بنى إسرائيل كتاب وأعطانا كتاب لكن أي كتاب القرآن الوحي المبين المهيمن على الكتب السماوية كلها قال (ومهيمنا عليه) الحمد لله رب العالمين.
ولذلك أعظم عطاء في الوجود للوجود على الناس جميعا أن أنزل كتابه الكريم للناس ليس هناك عطاء للخلق أفضل من هذا شرّفهم الله بان جعل كلامه بين أيديهم وقرآنه وكلامه صفه من صفاته له صفات
الخلود والديمومة يعنى لايأتي عليه ثناء كلام الله جل وعلا صفه من صفاته متصلة بذاته لها صفة الديمومة والخلود والبقاء، فكذلك كلامه جل وعلا الذي أنزله على العباد له صفة الديمومة و الخلود فمن أعظم عطاء من الناس للناس على الناس من الله جل و علا هذا الكتاب الكريم ولذلك يوم القيامة أوقبل يوم القيامة يرفعه الله جل وعلا من الصدور والسطور فلا يبقي منه شيئا تعظيما لكتاب الله جل وعلا فهنيئا للمؤمنات إذا جعل الله القرآن في صدرها إذا جعل الله القرآن في صدرها آيات
بينات نحفظها ونراجعها وننظر فيها ليس هناك عطاء من الله أفضل من هذا أبدا، لا جمال ولا زوجه ولا ولد ما في شيئ أبدا يعادل أن يعطى الله العبد القرآن في صدره يقرأه بالليل و النهار وينتفع به ذكرا الله تبارك وتعالى وخضوعا وذلا له يناجى ربه تبارك وتعالى في ظلمات الليل ما هناك شيئ أفضل من هذا أبدا أبدا أبدا فاحفظن ذلك يا بنياتي واشكرن الله تبارك وتعالى عليه (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب) ولقد آتينا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب القرآن الحكيم والحمد لله رب العالمين.
طبعا أعطاهم الكتاب وأعطانا كتاب أي كتاب هذا القران العظيم الحمد لله رب العالمين أعطاهم الله الحكم وأعطانا الحكمة و السنة الطاهرة المطهرة (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [النساء:113]
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ) [الأحزاب:34] فأعطانا الله تبارك وتعالى كتاب الله عز وجل وأعطانا سنة محمد صلى الله عليه وسلم المعصومة في حفظ الله جل وعلا كما قال الله سبحانه
وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] يدخل في الذكر السنة الطاهرة المطهرة المحفوظة بحفظ الله تبارك وتعالى قد يسر الله حفظها لذلك فقد قال الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في سورة النحل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٤٣﴾ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤﴾) أي إني أوتيت القرآن ومثله معه الحمد لله رب العالمين عندنا النية المطهرة نقرأ فيها ونتدبر فيها ففيها خير عظيم جدا فعندنا الكتاب وعندنا السنة ولذلك قال (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) [النساء:174]
ولذلك سبحانه وتعالى قال (فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) [التغابن:8] فمحمد صلى الله عليه وسلم نور وما جاء به نور كما قال الله جل وعلا : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿١﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) فعلينا أن ننظر إلى كتاب الله عز وجل وننظر في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفى معجزاته عليه السلام ففيها خير كثير فيها النور وفيها البركة وفيها الهدى الحمد لله رب العالمين.
ويقول جل وعلا والحمد لله جعلنا أتباع خير الرسل و الأنبياء محمد عليه السلام وأعطانا خيرا مما أعطى بنى إسرائيل ورزقنا كما قلت من الطيبات حدثن ولا حرج انظرن ماذا أعطانا الله من الطيبات حدثن ولا حرج في
الطيبات التي أعطانا الله عز وجل سنأتي عليها في الدرس القادم إن شاء الله لنتحدث عن بعض مظاهر الخير والطيب الذي أعطانا الله في أمر الإسلام والحمد لله رب العالمين وقد فضلنا الله سبحانه وتعالى على كل الناس أجمعين فقد قال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28]
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ) [آل عمران :110]
فالخيرية في كتاب الله باقية فيه إلى قيام الساعة فالحمد لله رب العالمين أسأل الله العظيم أن يجعلني وإياكم جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن ينير قلوبنا جميعا بالنور واليقين ويرزقنا العلم والحكمة إنه جواد كريم وصلى الله على نبيه وعلى آله أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

أم ايمان
29-04-10, 12:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

المجلس السادس لتدبر القرآن

اللهم صلي و سلم على محمد و على آله و صحبه أجمعين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مما علمتنا و زدنا علما.
رب اشرح لي صدري و يسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهه قولي، اللهم آمين اللهم اجعل خير قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النورواجعلنا هداة مهتدين اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين و الدنيا و الآخرة و نسألك العفو و العافية في أهلنا و مالنا و في أسماعنا وأبصارنا و في قلوبنا اللهم من علينا بالهدي و الإيمان و اهدي قلوبنا و اهدنا و يسرالهدى لنا و اجعلنا جميعا هداة مهتدين اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك مؤمنين موحدين صادقين قانتين انك جواد حكيم.
أخواتي الكريمات عودة أخرى إلى روضة من رياض الجنة مع هذه السورة العظيمة سورة الجاثية و كنا قد تحدثنا في دروس سالفة عن بعض الهدايات و العبروالعضات.

أخواتي الكريمات و كما وعدناكن بهذا الدرس إن شاء الله تعالى، سأترك المجال لكن جميعا كل واحدة منكن كما اتفقنا سنبدأ إن شاء الله في درس التدبر من الآية اتفقنا عليها فيما أظن الآية الحادي والعشرين على ما أظن الآن نبدأ باسم الله تعالى النظر في الآية الكريمة و لا بأس نعم نذكر مجموعة من القضايا المهمة في رحاب التدبروالنظر والتأمل والتفكر.
فالسورة الكريمة نستحضر النية الخالصة لله تبارك و تعالى وأن نقبل على القرآن بقلوب مليئة بالإيمان بحب الله تبارك و تعالى بخشوع و ذلّ وانكسار بين يديه نطلب منه جلّ وعلا، نبدأ على بركة الله قلت نذكر مجموعة من القضايا استحضارالنية والإخلاص لله تبارك وتعالى والجلوس إلى مائدة القرآن بذل وانكسار وطلب من الهو سبحانه وتعالى الفاتحة و الهداية إلى الخير و
أن يفتح علينا فتوح العارفين وأن يلهمنا جميعا النور المبين حتى نستضيء به معالم الطريق لله تبارك و تعالى ويملأ الله جلّ قلوبنا نورا وهُدى من هذا الكتاب العظيم.
فالسورة كما قلنا مكية وعليه فالقضايا الكبرى التي تتحدث عليها السورة كما قدمتُ آنفًا :
* تعرف الناس بالله تبارك و تعالى بأسمائه و صفاته و كماله وآثارأسمائه وصفاته في خلقه سواءً كان كبيرا أو صغيرا، بعيدا أو قريبا.
* و تحث على الإيمان بالله تبارك وتعالى والصدق والإيمان بالعلم واليقين لا بالإتباع والتقليد.
* الأخذ بالإيمان بقوة عن علم ووعي ودراية وإذا المسلم استبصر معالم الطريق، وعرف الحق وعليه أن يتمسك به ولايترك هذا الحق الذي أضاء جوانب نفسه وأن يتمسك به بقوة حتى يلقى الله تبارك و تعالى.
*والسورة العظيمة تتحدث أيضا عن حال الفريقين الظالمين المؤمنين الكافرين المحسنين والمسيئين المؤمنين والكافرين؛ أنحاء هؤلاء وهؤلاء في الحياة الدنيا و في الآخرة وأنه لا يمكن أن يستوي حال هؤلاء وهؤلاء وإن استوى الظاهر في الأمر المادي لكنهم حتما وقطعا يختلفون فيما يتعلق بأمر القلوب والأرواح في الحياة الدنيا و هم لا محال سيفترقون وسيختلفون في الآخرة في الجزاء والثواب و العقاب حينما يرجعون إلى الله تبارك و تعالى و عند الله سبحانه و تعالى يُقتّص من الظالم للمظلوم و يقام العدل هناك بين الناس فلا تظلم نفس شيئا فالحمد لله ربّ العالمين.
* كذلك من القضايا المهمة في هذه السورة العظيمة أنّ الله تبارك وتعالى يقرر قضية البعث والنشورالتي خاصم وجادل فيها الكفار كثيرا في وقت البعثة وجهاد النبي صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة
كانت قضايا كبيرة التي جادل فيها الكفار وخاصم فيها الكفار كثيرا قضية البعث و النشور ولذلك السورة تنشغل بهذا الأمرو تُأكد أن النّاس لا محال سيرجعون إلى الله سبحانه و تعالى و أن سيبعث الناس ويحاسبهم على الكبيروالصغير والنقير والقطمير، والله سبحانه و تعالى قد حفظ على الناس جميعا أعمالهم و أحصاها عليهم وسيوفيهم جزاء أعمالهم يوم يرجعون إليه سبحانه و تعالى، هذه القضية كبيرة ومهمة جدا في الموضوع .
* كذلك السورة الكريمة تذكر الناس بنعم الله تبارك وتعالى عليهم في الظاهرو الباطن فنعم الله تترى على الناس والله سبحانه وتعالى يذكر الناس على فضله إحسانه على الخلق في أول سورته و في آخرها و كل نفس ستجزى بما عملت ( كل نفس بما كسبت رهينة)
كسب الإنسان أو كسب الناس جميعا مرهون بهم، كل إنسان سيلقى جزاء عمله خيرا فخيرا أو إن شرا فشر.
* وأيضا تميزالجزاء الذين يستكبرون عن ذكر الله وعن طاعة الله وعن آيات الله تبارك و تعالى يرونا و يبصرون ثم لا يتعظون بها ولا يأخذونا الفائدة منها إيمانا و تصديقا و يقينا وعملا لله تبارك و تعالى وهؤلاء خاسرون لا محالة و قد توعدهم الله سبحانه و تعالى بالجزاء العظيم والعذاب المقيم في الحياة الدنيا والآخرة لما قال تعالى : (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٧﴾ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا)

نبدأ على بركة الله ننظر في الآيات، الآية الحادي والعشرين إلى آخرالسورة كل واحدة من الأخوات تعطينا تنظر في هذه الآية وتعطينا فائدة ثم بعد ذلك نتناقش سويًا في هذه الفوائد، فنمضي على بركة الله طبعا إذا أردتم أن نترك المجال مفتوح للأخوات جميعا، كل أخت كريمة تعطينا فائدة من هذه الآية و لا مانع ممكن أن نقسم الآيات بيننا الآن الأخت أم اليمان ثلاث آيات والأخت عابرة سبيل تأخذ الآيات التي بعدها و هكذا أو آيتين، المهم نسمع الفوائد من كل الأخوات الكريمات و تترك التعليق و المداخلة للجميع.
نعم استنكار بين مجترحي السيئات و فاعلي الحسنات سواءً في الحياة أو في الممات.نعم
الآن الله جل ّوعلى يقررأمراً على جانب كبير من الأهمية وأنه لا يمكن أن يستوي أهل الحسنات وأهل السيئات من كسب الحسنة و كسب السيئة فهذه قضية كبيرة و مهمة نريد أن نقف عندها فنرى حال الناس اليوم وهم يتفاخرون في الأمورالمادية نجد أنّ الكفار قد وهبهم الله وأعطاهم النعم الكبيرة والعظيمة فهم يتمتعون بمتع الحياة الدنيا الظاهرة فلديهم الأنهاروالأطياروالأشجاروالأموال والزينة في الحياة الدنيا وأهل الإيمان ربما يعيشون في فقروفاقة وعوز وحاجة هذا في الحياة الدنيا و الله تعالى يقول :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
كيف نرد على هؤلاء ؟؟ نسمع الأخوات الكريمات
- منزلة يقين في الدين و إن لكل مسلم الهدى والشفاء بقدرالإيمان و اليقين ، نعم هذه فائدة عظيمة ،نعم، نعم
- صفتي العدل والحكمة لله تبارك و تعالى، اللهم نعم
و هذا أيضا، ماذا أيضا يا أخواتي؟
- تذكير الإنسان بأصل خلقه، و أنه خلق من طين و من ماء مهين
من أين أخذت هذه الفائدة؟؟ أي آية؟ نعم. السابعة و الثامنة ؟ أي سابعة و ثامنة؟ نعم.
- تقريرعقيدة الجزاء ؟؟
إذا استنبطنا الفائدة نريد أن نربطها بالآية الفائدة مرتبطة بالآية الكريمة نقول آية مثلا الخامسة والعشرون فيها كذا من الفوائد حتى نتدرب و نتعلم كيف يمكن لنا أن نستنبط الفوائد والهدايات من الآية الكريمة لو امسكنا مع الآيات آية آية، حتى لانتفرق في النظريكون أفضل فلنبدأ بالآية الحادية والعشرون أفضل
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ننظر في الآية كلمة كلمة، كما قلنا أن الله جلّ وعلا يبن أنه لا يمكن أبدا أن يستوي أهل الإيمان وأهل الكفر وأهل الحسنات وأهل السيئات لا في الحياة و لا في الممات لو وقفنا عند قوله جلّ و علا: اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ
ماذا نستفيد من قوله جل و علا :" اجترحوا السيئات" ؟؟
اجترحوا بمعنى اكتسبوا السيئات أو كسبوا السيئات، اقترفوا السيئات، هذا التعبير ماذا نستفيد منه؟ " أم حسب الذين اجترحوا السيئات" يعني كسب
الكسب في الجوارح بمعنى أن الكسب مرتبط بالجارحة. نعم
هذا صحيح، استعملوا جوارحهم فيما يغضب الله تبارك و تعالى. نعم
ماذا أيضا، السرفي استخدام اجترحوا دون اكتسبوا أو كسبوا أو اقترفوا
كما قلنا هذا الأمر مرتبط بالجارحة (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
هل من آية أخرى في كتاب الله تعضد هذا المعنى؟ معنى الإجتراح و الكسب المربوط بالجارحة؟
نستحضر الآيات الكريمة ; في آية في سورة الأنعام، سورة عظيمة (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) [الأنعام:60]
بنياتي لا بد أن نتواصل سويا بسرعة، نريد آيات تعضد معنى الكسب بالجارحة، قلنا في آية في سورة الأنعام.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا) الجاثية
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ) الأنعام
هنا اجترحوا وهناك جرحتم، سبحان الله
الليل وقت النوم والراحة والأمن والنهار وقت العمل والكسب والجد، الكسب والعمل ؛ و لذلك ينبغي أن تعمل الجارحة فيما يرضي الله تبارك و تعالى وتكسب الخير وأخذ الحلال وصاحبها ينبغي أن يحفظ جارحته من أن تقع في الحرام أو أن تتصل بحرام، حفظ الجوارح أمر مهم في الإسلام.
ينبغي على المسلم أن يحفظ جوارحه من أن تلج إلى أذًى أو شر أو منكرأو باطل أو فاحشة، والجوارح تتمثل في اللسان وفي البصروفي السمع وفي اليد وفي الرجل، كل هذه الجوارح يجب على الإنسان أن يصونها وأن يحاسب عليها وأن يستعملها في الخير لأن الله تبارك و تعالى سيحاسبه على كسب جارحته ولذلك جلّ الله تبارك و تعالى في آيات كثيرة من كتاب الله عز و جل ينسب العمل إلى ما كسبت أيديكم (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]

فينسب الكسب إلى الأيدي و الكسب يكون من اليد ومن غيرها لكن الغالب عمل الكسب باليد، ويطلق الجزء من الكل، بما كسب الإنسان، نسب الكسب إلى اليد و المراد به صاحبه. فالجارحة مهمة جدا في حياة المسلم، يحتاج المسلم أن يحفظ جوارحه و لذلك النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث:" من يضمن لي ما بين لحييه و ما بين فخذيه، أو كما قال عليه الصلاة و السلام, أضمن له الجنة".
فاللسان من أشد الجوارح أذى للإنسان و ليس هنالك شيء يحتاج إلى طول سجن من اللسان، إذا من أشد الجوارح فتكا بالإنسان اللسان، و لذلك يحتاج الإنسان أن يحفظ لسانه، قل خيرا أواصمت، من أشد ما يؤذي الإنسان وعمله في الآخرة اللسان
الإنسان يحتاج إلى حفظ، فالإنسان الذي يحفظ لسانه فلا ينطق إلا بخيرولا يتحدث إلا بمعروف كما قال عز و جل :
(لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]

(الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) إذا السيئات هنا "ال" الجنسية، جنس السيئات، كل ما يطلق عليه سيئة فهو داخل في التحذير (أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) طبعا هذا الأمر يتعلق بحال المؤمنين والمسلمين وحال الكافرين والمشركين ولا يستوي الطائع المستقيم المنيب الذي يعمل الصالحات ويحافظ على العبادات ويتزود بالنوافل، نوافل الطاعات، لا يستوي ومن يقصر في حق الله تبارك وتعالى في الطاعات والعبادات، لا يستوي هذا وهذا.
الإستواء ليس فقط بين دائرة الإسلام ودائرة الكفر في الدائرتين بل حتى في دائرة الإسلام في ذاتها، لا يستوي المحسن والمقصروهناك آيات كثيرة تشير إلى مثل هذا المعنى إذا أمكن أن تذكرني أخت بأية كريمة أنّ أهل الإيمان يتفاوتون في أعمالهم التي فيما بينهم في الحياة الدنيا والآخرة، في الدرجات، درجات الدنيا ودرجات الآخرة، نريد ما يدل على هذا المعنى؟؟؟
في سورة فاطر يقول الله عزوجل: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴿٣٢﴾ )
لا يستوي من يتزود بالطاعات والعبادات، بالحسنات والدرجات والفوز والنصرة والتأييد، لذلك الله تبارك وتعالى جعل قاعدة مهمة في ما تقدم من الآيات، قال جل وعلا في الآية 19 من سورة الجاثية : (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)
الإنسان يجب أن يترقى في درجات الله عز وجل حتى يكون من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فهؤلاء الذين تولوا الله عز و جل ورسوله والمؤمنين وكانوا في كنف الله تعالى ورعايته وحفظه و في عينه، فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة والله تعالى منهم قريب ولهم ناصرولهم مؤيد ولهم حافظ دائما وأبدا لماذا؟ لأنهم تقربوا إليه بالطاعات والعبادات وأكثروا من التزود من العبادات حتى وصلوا إلى درجة من الإحسان والإيمان، إنهم يستحقوا من الله تعالى النصرة والتأييد والحفظ وإن لم يملكوا شيئا من حطام الدنيا.
يقول تعالى : (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)

وكذلك الله تعالى قال (وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )
الآن أبدينا تقرير أن الله عز وجل هوالخالق للسموات والأرض وأن خلق السموات والأرض متلبس بالحق وأن جزاء كل نفس بما كسبت.
ما الوجه الرابط بين المعنيين؟؟
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [البقرة:253] الرسل وهم أفضل الخلق والقدوات في حياة البشر يتفاوتون كذلك في الدرجات، فكيف بنا نحن ؟
فعلينا أن نجد حتى نترقى في الطاعات والعبادات لنصل إلى درجة من العبودية تحقق لنا السعادة والأمن وتحقق فينا قول الله عز وجل : ( إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] الله سبحانه وتعالى منا قريب وناصر ومؤيد وهو راض عنا جل وعلا فينزل علينا الرحمة والرضا والإحسان كما قال جل وعلا :
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) [الجاثية :30]
طبعا الرحمة هنا الحسنى وأيضا يمكن معنى آخر
ومعنى لآخر أن جل وعلا يدخل هؤلاء الذين آمنوا وأخلصوا العبادة لله عز وجل وتزودوا بأنواع الطاعات والعبادات فحق لهم أن يكونوا في كنف الله تعالى و معيته الخاصة كما قال تعالى(ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون) وكما قال تعالى في أكثر من آية على لسان نبيه (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأعراف: 151] فأولئك الذين أدخلهم الله عز وجل في رحمته يكون لهم المدد من الله على الدوام، مدد نصرة والتأيد والحفظ على الدوام و لا أدل على ذلك من حال يوسف عليه السلام وقت المحنة وقت الكربة كان الله له ناصرا ومؤيدا جل وعلا وكما قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:23-24 ]
يجب علينا نحن أبناء الإسلام ذكورا وإناثا أن نكون من المُخلَصين ونكون من المُخلِصين، هؤلاء هم الذين يكونون في كنف الله جل وعلا و في رحمته وإحسانه فنريد أن نترقى في درجة العبودية لله جل وعلا حتى يدخلنا الله جل وعلا في عباده الصالحين ويدخلنا الله جل وعلا في رحمته وهو أرحم الراحمين، فإذا الله عز وجل أدخلنا في رحمته نلنا الفوز في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
هنا بنياتي لنا وقفة مع قوله تعالى :
(وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )

ما وجه الربط بين قضية الخلق للسموات والأرض بالحق وبين جزاء كل نفس بما كسبت ؟؟؟
طالبة - محبة الجنة - : تحقيق العدل
الشيخ : اللهم نعم وماذا أيضا ؟
طيب لوعدنا إلى آيات كريمة في غير هذه السورة لأن القرآن يفسربعضه بعضا كما قلنا،
الله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [البقرة:29]
الأرض وما فيها خلقها الله عز وجل للإنسان، تكون مزرعة للآخرة
خلق الله تعالى السموات والأرض، كل ما في السموات وكل ما في الأرض للإنسان والدليل في السورة نفسها (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) الجاثية: 13
هذا التسخير وهذا الخير وهذا التفضيل وهذا الإحسان والتكريم من الله تبارك وتعالى للإنسان ، من أنزله إلى الأرض وجعل الأرض مستقرا له إلى حين وهيأ له فيها من الأسباب للسعادة، أسباب الرزق وأسباب الفلاح وأسباب النماء وأسباب الظهور وأسباب البناء، وأسباب ما يستحق الله جل وعلا الشكرعليها.
هذه الدنيا مزرعة للآخرة والإنسان مكلف وهو يعمل على المنهج الرباني وربما حاد على المنهج ربما ظلم نفسه وظلم غيره وأفسد في الأرض فيقع الفساد ويقع الظلم في الأرض والإنسان مكلف أن يعمر هذه الأرض لطاعة الله تعالى.

(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود:61] خلقنا من الأرض وجعلنا في الأرض لنعمرالأرض بطاعة الله عز وجل، فالمسلم مطلوب منه البناء، يبني الأرض وأن يعمرها بالمنهج الرباني القويم فلا ينبغي أن نتوانى بالقيام بهذه الوظيفة.
الله عز وجل استخلفنا في الأرض، جعلنا خلفاء في الأرض، هذه الخلافة من لوازمها :
أن نقوم بالتكاليف المنهج الرباني على أحسن ما يكون فلا نتخلف على أداء الواجب الذي كلفنا به من عمارة الأرض على المنهج الرباني.
الناس في مشارق الأرض ومغاربها وعلى اختلاف نحلهم و أجناسهم وبقاعهم أحوج ما يكون إلى ديننا، أحوج ما يكونون إلى إسلامنا، أحوج ما يكونون إلى أخلاقنا فيجب علينا نخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وكل دعوة يدعيها ممن ينتسبون إلى الإسلام من أبناء الإسلام أو من غيرهم، قضية التقارب بين الأديان وقضية المساواة بين الأديان خاصة الأديان السماوية على أن هؤلاء مؤمنون وأنهم على الحق وأنهم مثلنا وأنهم أحسنوا في دينهم سيجازون بالجنة هذا الكلام لا يمكن أبدا أن يقبل وهو كلام غير صحيح ومصادم للدقائق التي نفهمها من الكتاب والسنة، ليست هناك هواة بين المسلم وغيره من الملل الأخرى وإن كانت في الأصل سماوية، وإن كانت سماوية ولكنها محرفة ولذلك الله تبارك وتعالى كلما أرسل رسولا وزوده بالآيات والبينات والمعجزات وبالمنهج الشريعة حتى يقوم الناس بهذه الشريعة ويسعدوا بهذه الشريعة، يسعدوا ويسعدوا من حولهم ويقيموا حشدا قويما يسعد بها الناس جميعا فإذا انحرفوا عن المنهج الرباني ولم يقوموا بتكاليف الشريعة على ما ينبغي، على الوجه الذي أمرالله جل وعلا به، فحرفوا وبدلوا إتباعا للهوى ورغبة وطمعا في كسب الحياة الدنيا وزخارفها ليشتروا به ثمنا قليلا، ليحافظوا على المناصب وعلى المكاسب الدنيوية فهؤلاء لا محالة خاسرون فغيروا المنهج وبدلوا وحرفوا وتوفى الله عز وجل رسوله وبعد أمة وبعد زمان وبعد دهور حصل انحراف عن المنهج فالله سبحانه وتعالى أنزل كتابا أخر ليرد الناس للمنهج القويم.
كلما ذهبت أمة بعث الله عز وجل في أمة أخرى رسولا آخر يدعوإلى الله سبحانه وتعالى بالحسنى ليردوا الناس إلى المنهج.
كل الرسل من نوح عليه السلام إلى محمد عليه الصلاة والسلام، كلهم دعوا إلى الله تبارك وتعالى،دعوا الناس إلى توحيد الله جل وعلا جاءوا بالإسلام، كل هؤلاء الرسل دينهم الإسلام من نوح عليه السلام إلى محمد عليه الصلاة والسلام، كل هؤلاء مسلمون وأتباع هؤلاء مسلمون فالحمد لله أن سمانا الله بالمسلمين.
وعليه لما انحرف اليهود عن المنهج وبدلوا وغيروا بعث الله لهم عيسى عليه السلام، ولما عيسى عليه السلام رفعه الله جل وعلا إليه حصل انحراف في بني إسرائيل، في أتباع عيسى عليه السلام بعث محمد عليه الصلاة والسلام.
وما من رسول جاء إلى قومه إلا وبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام، بأحمد عليه الصلاة والسلام بشربه نبيا ورسولا للناس أجمعين وأخذ الميثاق والعهد على قومه أنه إذا بُعث عليهم أن يصدقوه وأن يتبعوه وأن ينصروه ولكن هؤلاء حرفوا وبدلوا وغيروا، فهؤلاء الذين بدلوا وغيروا الشريعة فالله تعالى جاء بالشريعة الكاملة التامة المستوفية المستوعبة لكل الأحكام السابقة في الشرائع السابقة، فأنزل الله القرآن كلامه جلّ وعلا مهيمنا على جميع الكتب السابقة.
الرسل جميعا متفقون في الثوابت والأسس التي تقوم عليها الحياة في أمور التوحيد والأخلاق وما يصلح شأن الإنسان في الحياة .
جميع الرسل متفقون في إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونهي الفواحش وحفظ النسل وحفظ كليات الخمس كل الرسل جاءوا بأمر الحفاظ عليها ولا خلاف بينهم، الخلاف بينهم في الفرعيات ولكن في الأسس والثوابت متفقون جميعا ومحمد عليه الصلاة والسلام لما جاء بالشريعة المهيمنة الحاكمة بعد ذلك على جميع الأديان والشرائع وجميع النحل، فلا يمكن أبدا أن تعتقد مسلم أو مسلمة بالمساواة بين دين الإسلام وبين الأديان ، هذا لايمكن أبدا في دين الله عزوجل، فقد نسخ الله عزوجل جميع الشرائع السابقة ولم يبقي إلا شريعة واحدة هي دين الإسلام ولذلك يجب علينا أبناء الإسلام أن نقوم بما كلفنا به من نشر دعوة الحق ونشر دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ورد الناس إلى الحق الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام.

يتبع بإذن الله تعالى

أم ايمان
30-04-10, 05:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تتــمة الدرس السادس

بنياتي، تأملن قوله تعالى:
(وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) فمن نظر في السموات والأرض نظر عاقل مستبصر، العقل الخالي من الآفات، من القوادح، المتجرد من الهوى ونظر في آيات الله تعالى المنصوبة في الكون والآيات الشرعية المنزلة في كتابه الكريم بتجرد وأخرج من قلبه الأغيار وحصل فيه التخلية قبل التحلية ونظر نظر متجرد كما قلنا من الهوى ودون التقليد والتبعة لقومه أو لجنسه أو لأرضه أو لملته، فهذا لابد أن يهدى إلى الحق كما قال تعالى : (وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) فالحق موجود في كل خلق جل وعلا متلبس يالسموات ومن فيها، في الأرض ومن فيها وكل خلق متلبس بالحق، فهو آية ناطقة بأنّ الله موجود وحاكم ومهيمن و قيوم على كل مخلوق.
ولذلك لو عدنا لأول السورة بنياتي إعجاز عظيم فينا يقول الله تعالى : (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ ) لو تأملتن قليلا في الآية الكريمة يقول الله عز وجل (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ) لم يقل (إن في خلق السموات) لو أعدنا بناء الآية فيها إنّ، آيات، سموات، كل مخلوق سواء كان كبيرا أو صغيرا فهو آية متلبسة بالحق دالة على خالقها، كل كبيرو كل صغير في السموات أو في الأرض ناطق بأن الله واحد جلّ وعلا، وهنا يظهر قول الله سبحانه وتعالى (وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) تقوم الحجة على الناس إذا نظروا في آيات الله عز وجل.
والله تعالى يقول: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٧﴾ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٨﴾)
لذلك الله تعالى قال أيضا في الآية العشرين: (هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )
نصبه الله في كتابه الكريم ومنه الآيات في الأفاق (هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هذا في الآية العشرين قبل الآية يظهرالإعجاز العظيم (وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) كل ما يجري من الأحداث في هذه الحياة الآن، نرى الكفار يبطشون ويظلمون ويسفكون وما لهم هم رادع فالله سبحانه وتعالى يمهلهم و يمد لهم كما قال تعالى ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]
فهؤلاء يملي الله لهم ويمد لهم في طغيانهم وأعمالهم السوء ليزدادوا إثما وليزدادوا إجراما وليزدادوا كسب السيئات حتى يجازون عليها الجزاء الأوفى يوم القيامة، أين؟ في نــار جهنم نسأل الله السلامة والعافية.
و لذلك كان لزاما بعد ذلك أن يأتي بعده والناس الآن في الحياة وهو من جنس ما خلق الله عز وجل يكسبون ويعملون ويرتزقون وينتفعون بما خلق الله وسخرفي السموات والأرض ولكنهم مع ظلمهم وإفسادهم لابد أن يجازوا. الذين لم يجازوا على أعمالهم في الحياة الدنيا لابد أن يكون هناك يوم يقام ليجتمع فيه الخصوم جميعا، يجتمع فيه الظلمة والصالحون جميعا، الصالحون كانوا صالحين أو مصلحين لابد أن يجازى هؤلاء، صبروا واحتسبوا وأوذوا وقتلوا في سبيل المبدأ فلا بد أن يجتمعوا جميعاعند الله تبارك وتعالى وتجزى كل نفس بما كسبت.
إذا القضية مرهونة لابد من بعث ونشور، حساب وعقاب، خلق الله السموات والأرض بالعدل لابد اليوم الذي يقام، يوم القيامة حتى يقتص حتى من الحيوان، يقتص من بعضها بعض، الله سبحانه وتعالى يقتص من هذا لهذا حتى بين الحيوانات فكيف بالمكلفين فنسأل الله تعالى أن يحفظنا وأن يدلنا على صراطه المستقيم.
إذا بنياتي (وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
(إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس:40]
بعد ذلك نأتي إلى آية على جانب كبير من الأهمية يقول اليوم تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) يحق لكل مسلم أن يقف عند هذه الآية ويتفكر فيها ويتبصر وينظر في حال الناس اليوم (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ )
النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عظيمة جليلة حذر من اتباع الهوى لذلك قال أهل العلم ما ذكر الهوى في موضع من المواضع إلا قدمه الله جل وعلا ولذلك قال :
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) [الأعراف:176]
وكما قال تعالى في سورة الروم ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) الآية 29
(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـه) [[ص :26]
اتخذ الهوى إلها له يعني كل شهوة كل ما ينقدح في نفسه من شيء يلهو به أو يلعب أويستلذ ولو كان من طريق غير مشروع جعله إلها يعبده من دون الله تبارك وتعالى، فهو آني ما يلبث أن ينقضي، فالنفع الآني يزول، لامحال يزول ولذلك يغير هذا الإله بتغير اللذة والمتعة المتعلقة بهذا المعبود، مرة يكون في صورة امرأة مرة يكون في صورة حجر أو شجر أو نهرأو مال أو نحو ذلك، فهو متبع لهواه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ) نسأل الله السلامة والعافية و لذلك النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك في أحاديث كثيرة ، في قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي [ إذا رأيت شحا مطاعا و هوى متبع ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ] والله هذا هو الزمن نسأل الله العافية والسلامة نسأل الله أن يعافينا جميعا.
بنياتي انظرن إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام [إذا رأيت شحا مطاعا أو هوى متبع ..] الحديث
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن شداد بن أوس [ الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى ]
وفي حديث آخر فيه ضعف أخرجه الطبراني في الأوسط، الحديث إن كان فيه ضعف إلا أن معناه
صحيح [ المهلكات ثلاث: إعجاب المرء بنفسه، وشح مطاع، وهوى متبع ]
هناك أبيات في ذم الهوى ذكرها عدد من أهل العلم وهي نفيسة وحسن أن نذكر بها كما قلت قول عبد الله ابن المبارك :
ومن البلايا للبلايا علامة أن **** لايرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها **** والحر يشبع تارة ويجوع
ويقول آخر :
إذا طالبتك النفس يوما بشهوة **** وكان إليها للخلاف طريق
فدعها وخالف ما هويت فإنما **** هواك عدو والخلاف صديق
ويقول آخر:
نون الهوان من الهوى مسروقة **** فإذا هويت فقد لقيت هوانا
إن الهوى لهو الهوان بعينه **** فإذا هويت فقد كسبت هوانا
وإذا هويت وقد تعبدك الهوى **** فاخضع لحبك كائنا من كان

نسأل الله أن يعافينا من ذلك وأن يجعل قلوبنا متعلقة به وحده سبحانه تعالى وأن يقينا جميعا شرهوانا وشر نفوسنا.
نعود بنياتي إلى الآية الكريمة : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)
قوله عز وجل : (وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)
إما أن يعود الأمرإلى أن الله عالم بحالهم وأنه مستحق للضلالة وأن يكون في الضلال لأن الله خلقه وهو أعلم الناس به جل وعلا يعلم حاله قبل خلقه وبعد خلقه وما سيؤول إليه حال هذا العبد ( وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ) لأنه مهما أبصر من الآيات فلن تغني عنه شيئا، ولن تؤثر فيه شيء ولن يستفيد منها كما قال الله عز وجل : (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]
هؤلاء ختم الله على قلوبهم على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فلا يمكن أن يبصروا الحق، فالله عليم بهؤلاء قبل خلقهم وبعد خلقهم فقد أضلهم الله وهو عالم بحالهم (وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)
معنى آخر أن هذا الإنسان أبصر الطريق وأبصر الحق ومع ذلك حاد عنه واستكبر كما هو حال أبي جهل يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان صادقا وأمينا وأنه على الحق لكن الهوى والاستكبار، أخذته العزة بالإثم فأبى أن يقبل الحق استكبارا وطغيانا فهو يعلم يقينا أن محمد عليه الصلاة والسلام على حق.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
ختم على سمعه فلا يسمع كلام الله ولا يسمع الحق ولا يعتبر ولا يسمع من العبر والعضات التي تنطلق من تنطلق من أفواه الصالحين والخيرين والدعاة وأتباع الرسل المخلصين فهذا يسمع ولكن لا يدخل الكلام إلى قلبه ذلك لأن الكلام لا يتجاوز الأذنين ولا يصل إلى القلب ولا ينتفع به (وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) فالهدى والنور الذي يسمع الآيات والأحاديث والكلام الطيب لا يصل إلى القلب يقف فقط عند حاسة الأذن لكن لايصل إلى القلب، وإن وصل لا يهتدي به ولا ينتفع به لذلك الله عز وجل قال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) التغابن
يحتاج الإنسان إلى إيمان وإخلاص حتى القلب يهدى إلى الخير ويستفيد من الكلمات والعضات التي يسمعها، والله عز وجل وضع على بصره غشاوة وإن كان يرى بعين بصيرته، بالعين التي في وجهه لكن هيهات هيهات، هذا النظر الذي لا يقوده إلى أن يرى الحق القائم في كل مخلوق صغير أو كبير فيعلم أن ما أودع الله عز وجل العبر والعضات في هذا المخلوق الواجب أن تهديه وأن تأخذ بيده إلى الخير وأن يؤمن بهذا الخالق العظيم وأنه موجود، وأنه سبحانه وتعالى مستحق لصفات الكمال وأنه مستحق لصفات العزة والكبرياء والعظمة جل وعلا مما يشاهد من الآيات العظيمة في خلقه، وإن يرى الآيات لا يؤمن (وجعلنا على بصره غشاوة ) ويقول تعالى : (فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أفلا تذكرون )
لذلك هذه السورة العظيمة تدعونا لنُعْمِل أبصارنا و عقولنا فيما حولنا ونستدل من خلال ما أودع الله من المعجزات والآيات البينات في خلقه على كماله جل وعلا فيورثنا ذلك الخشية له والحب له جل وعلا والخضوع له جل وعلا في الصغير والكبير على سبيل المثال لا الحصر.
والآن سبحانه وتعالى يقول : (اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) وما في البحر فكل ما في البحر مسخرله (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) [النحل:14] فالأسماك بمختلف أشكالها وألوانها وكذلك ما أودع الله من أسرار في البحار لهذا آيات تستحق النظر والتفكر والتدبر ولذلك المسلم لما يعمل عقله وينظر في المخلوقات العجيبة التي جعلها بألوان وأشكال مختلفة في البحار والمحيطات يزداد خضوعا وذلا وانكسارا لله تبارك وتعالى.
وهذا التسخير لله تبارك وتعالى، فالبحر مسخر للإنسان فينبغي له لما يوضع بين يديه الطري الطيب من الأسماك على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها أن يتذكر نعمة الله تبارك وتعالى عليه ويشكر الله تبارك وتعالى لأنه ساقها الله إليه من غير حول منه ولا قوة ، يأكل منه ويتلذذ فضلا منه تبارك وتعالى فلذلك الله تبارك وتعالى يذكر العباد بهذه النعم ( وهو الذي مرج البحرين يلتقيان)

وقال في سورة فاطرالآية 12 : (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
فالله سبحانه وتعالى يلفت الأنظار لهذه النعم التي سخرها ويسرها لنا جميعا.
ولذلك لما ننظر إلى الفواكه المختلفة الأشكال والألوان والطعوم وتوضع بين أيدينا فنأكل منها، هذا حامض وهذا حلو وهذا بين وبين وهذا أصفر وهذا أحمر وهذا أخضر وهذا أبيض، كل هذا ينبغي للإنسان أن ينظر فيه ويتدبر، من الذي خلقها ؟ من الذي شكلها؟ من الذي أودع فيها هذا الحسن وهذا الجمال وهذه الألوان وهذه الطعوم الجميلة الرائقة من ؟؟ إنه الله جل وعلا لذلك الله تعالى يقول : (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦﴾ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨﴾ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴿٢٩﴾ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠﴾ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢) [عبس]
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) دعوة من الله للتدبر والتفكر يجب على الإنسان أن يعمل عقله وذهنه وينظر ويتفكر في كل ما بين يديه من العبر والآيات والعضات في خلق الله جل وعلا تسخيرا وفضلا ونعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده. فصحن الفاكهة إذا وضع بين أيديكن تأملن وتفكرن فيه فانظرن إلى الموز كيف شكله وطعمه وكيف ليونته وكيف حلاوته أو البرتقال أو التمرأو الطماطم وهكذا.
والله تعالى ذكر أيضا في سورة فاطر : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا) [فاطر: 26] هنا الله سبحانه وتعالى أن نتفكر في اللون لنأخذ العبرة والعضة من الذي جعل بهذه الألوان الجميلة الزاهية البهية تسرالناظرين وهذه الطعوم الحلوة الجميلة، من ؟؟ إنه الله جل وعلا ولذلك الله تعالى يقول :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70] هذا من فضل الله تبارك وتعالى على عباده ولذلك ينبغي على العبد أن يديم النظر في كل من حوله وعليه أن يتفكر حتى يزداد خضوعا وذلا وانكسارا لله عز وجل فيستفيد من الآية والله تعالى سجل على هؤلاء وبكتهم جل وعلا وذمهم جل وعلا الذين لا يستفيدون ولا ينتفعون مما يرون من الآيات لأن على أبصارهم غشاوة، لذلك على المؤمن إذا أراد أن ينتفع ببصره عليه أن ينظر في كل من حوله كل ما يمرعليه من الأشياء ولكن بسبب الإلف والعادة فهو لا ينظر فيها ولا يتفكر ولكن ينبغي عليه أن يعيد النظر ويتفكر في قدرة الله تعالى في التصوير وفي التكوين وفي الفضل والرحمة منه جل وعلا أن أخرجه طيبا مستساغا حسنا، سائغا للآكلين وللشاربين هنيئا مريئا فالحمد لله رب العالمين.
أقف هنا بنياتي وإن كان هناك سؤال أو مداخلة إلى أن نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تبارك وتعالى.
أترككن في أمان الله وأسأل الله تعالى لكن التوفيق والهداية وأسأله تعالى أن يمتعكن بالصحة و العافية وأن يكتب لكن الأجر والثواب وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

أم ايمان
10-05-10, 12:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

تفريغ المجلس السابع :إلى الدقيقة الأربعين


أخواتي المستمعات سلام الله عليكن وعلى سائر إخواننا المسلمين كبارا وصغارا والرجال والنساء بالعفو والعافية والصحة والأمن والإيمان إنك جواد كريم يارب العالمين اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق إنك جواد كريم.
اللهم ألف قلوبنا على الخير وأصلح قلوبنا إلى سبل السلام واجمع قلوب قادة الإسلام، قادة الأمة في كل مكان على ما تحب وترضى على الكتاب والسنة واجعلهم رحمة على رعياهم وجنب بلادنا وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ورد كيد أعداء دين الإسلام في نحورهم واكفنا شرورهم وأخرجهم أذلة صاغرين من بلاد الإسلام يا أرحم الراحمين.
أخواتي الكريمات أهلا بكن جميعا في هذه الروضة الطيبة المباركة، روضة الإيمان والبركة والخير في أحضان النظر والتدبر في كلام المولى جل وعلا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح علي وعليكن من باب فضله وإحسانه .
أذكر نفسي وأذكرأخواتي الكريمات بأننا في هذه الدروس المباركة الغرض منها في المقام الأول أن نتزود بزاد الإيمان والقرب من الرحمن ونعيش لحظات سعيدة وآمنة في ظلال كلام الله جل وعلا، نريد أن نجني بركة ثمرة التدبر والنظر في كلام الله تعالى ، نأخذ العبر والعضات والفوائد وإن كررنا مرة ومرة بعد أخرى وإن بقينا مدة طويلة ونحن ننظر في آيات قليلة أو في سورة وذلك لا يضيع بل هو من الأمور التي يحبها الله سبحانه وتعالى ويرضاها، فطول النظر في كلامه الله جل وعلا يورث الخشية والإيمان واليقين والفهم الدقيق ويفتح مغالق القلوب، تستنير به القلوب والعقول والجوارح، العبد في الحقيقة ينتفع غاية النفع بكثرة النظر والتدبر والتأمل في كلام الله تعالى، كلما أطال النظر كلما انفتحت مغالق العلم عليه وجنى خيرا كثيرا عظيما من كلام الله عز وجل وكفى بذلك دليلا قول الله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109] فكتاب الله جل وعلا وآياته الكثيرة الغزيرة بالعلم النافع، وما نأخذ منها إلا اليسير والقليل فلا مانع أن نعيد النظر مرة بعد أخرى وأن نطيل التدبر ولكن ذلك يحتاج منا إلى الإخلاص والإقبال بشوق ورغبة ورهبة وذل وانكسار لله تعالى في النفوس المباركة.
نطلب من الله تبارك وتعالى المدد والعون، فبدون مدد الله تبارك وتعالى وفضله وإحسانه وعطائه لا نستطيع أبدا أن ننتفع بالنظر والتدبر والتفكر.
من خلال تأملي للآيات في الأيام الماضية، في الساعات الماضية، في الحقيقة كأني لم أقل شيئا فيها وكأننا لم نتحدث عن شيء من معانيها وكأني لأول مرة أقرأ السورة لكثرة ما أرى فيها من الفوائد العظيمة والجليلة الكبيرة التي لا يأتي عليها العد.
بنياتي، على سبيل المثال، لو عدنا في أوائل السورة في قول الله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:12 -13]
وأنا أتدبر وأتفكر وأتأمل هذه الآيات الكريمة بعد أن حذر الله تعالى من عاقبة من يسد عن آيات الله ولا ينتفع بسماع الذكر و الوحي المبين، الذي يتلى أناء الليل وأطراف النهار ولا ينتفع بالنظر في آيات الله الكونية الذي دل عليه الكتاب والسنة بالوجوب بالنظر فيها والإعتبار بها وفي الحقيقة الله سبحانه وتعالى ذكر بعض فضله وإنعامه على خلقه مذكرا لهم بالأفضال والإنعام، صفات الربوبية على الخلق، فالله الخالق الكريم الرازق المعطي جل وعلا، عطائه لا حد له، فيذكر الله تعالى من جملة فضله وإنعامه خلق البحر.
لو تفكرنا وتأملنا سبحان الله لماذا خص الله تبارك وتعالى بالنعم التي في البحر مع أنّ الأرض مليئة بالنعم الكثيرة فلماذا خص البحر على دون سائر آياته الظاهرة والباطنة في اليابسة ؟
البحر يشكل نسبة كبيرة من الأرض ، ثلاثة أرباع مساحة الأرض بحر، والأرض كانت في يوم من الأيام بحرا، الماء يغطي جميع اليابسة ثم بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته أخرج ويسر ومنّ على الخليقة بجزء منها ، من الأرض المغمورة بالماء واليابسة وسخرها وهيأها على أحسن ما يكون لتكون مستقر للإنسان ومزرعة للآخرة ويقام الدين لله تبارك وتعالى وتقام العبودية لله جل وعلا فيها ويصبح الإنسان المكلف منسجما مع سائر مخلوقات الله عز وحل المسبحة الذاكرة العابدة لله تعالى فالحمد لله رب العالمين.
فشأن البحر شأن عظيم جدا لو تأملنا معظم الخيرات التي يستمتع بها الإنسان من الزروع والثمار، مصدرها في الحقيقة من الماء ولذلك الله تبارك وتعالى سما هذا الماء من السماء رزقا، في أول السورة قال الله جل وعلا :
(مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا )

فسبحان الله ما أعظم خلق الله تبارك وتعالى وما أعظم خلق الله تعالى في البحر على وجه الخصوص، فهذا البحر العظيم والمحيطات الكبيرة التي تملأ الدنيا وهذا الماء العظيم الذي لا يأسن يحفظه الله تبارك وتعالى بحفظه ورعايته وجوده ورحمته جعله مالحا، الملوحة تختلف من موقع لأخر لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ، تجدد في مياه البحار والمحيطات على الدوام، حركة دائمة ، التيارات المائية تنتقل باستمرار من موطن إلى آخر بفضل الله تعالى. كذلك اختلاف كثافة الماء والملوحة من مكان إلى آخر بقدرة الله تعالى، ونجد أن الحركة دائمة في البحر بقدرة الله سبحانه وتعالى.
هناك آيات عظيمة جدا موجودة في البحار تحتاج إلى المسلم أن ينظر فيها ويعتبر فيها حتى يزداد خضوعا وذلا لله تعالى ورغبة فيما عند الله جل وعلا.
قال الله تعالى (سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) سخر البحر لكم أيها الناس دون غيركم فضلا منه جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى غني جل وعلا وما يعطي للإنسان من خزائنه شيء يسير قليل لايعد شيئا ولا يذكر أمام ما عند الله تعالى من خزائن ملكه من النعم العظيمة الكبيرة ، وما الأرض بالنسبة لهذا الكون الفسيح؟؟؟ وما الأرض بالنسبة للكواكب المحيطة بنا و النجوم المحيطة بنا والمجرات المحيطة بنا ؟؟؟ قطرة في بحر أو حبة رمل في صحراء ومع ذلك هذا الخلق العظيم وهذا الكون العظيم جعل فيه من العبر والعضات والآيات الشيء الكثير يستحق من العبد المؤمن أن ينظر فيه ويتفكر فيه فالإنسان إذا ركب البحر أو ركب النهر يشعر بالخوف والرهبة، ويشعر بعظمة الله تبارك وتعالى، يعني هذا البحر العظيم الماء المخيف الذي يمتد إلى أعماق سحيقة، تصل إلى أكثر من ثلاثة ألاف أو أربعة ألاف الكيلومترات في بعض المواقع، كلها مليئة بالخيرات والنعم العظيمة منها ما علم الإنسان ومنها ما جهله الإنسان.
كل هذا مسخر بفضل الله ورحمته لهذا الإنسان، ولولا تسخيرالله سبحانه وتعالى ما شيد مثل هذه المراكب العظيمة الضخمة وما تحركت، فالإبرة تغرق في البحر والسفينة الهائلة الضخمة تحمل ألاف الأطنان من البضائع والخيرات لا تغرق بفضل الله تبارك وتعالى هذه آية، ولكن بسبب تكرار هذه السنة أو هذه النعمة مكرورة ومألوفة، هذا الإنسان لا يشعر بعظمتها، وإلا فهي عظيمة وكبيرة إذا كيف هذه السفن، هذه الفلك الكبيرة العظيمة الهائلة التي تحمل ألاف الأطنان كما قلنا من البضائع والخيرات لاتغرف وتبقى طافية على الماء بقدرة الله تبارك تعالى، هو الذي يمسكها هو الذي يسيرها جل وعلا ولذلك قال (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) تصريف الرياح في الأرض لتكون سببا في حركة هذه السفن والفلك في البحار بقدرة الله تبارك وتعالى وإن تحركت الآن بالطاقة، ولكن في الحقيقة نرجع للأساس إلى هذه الخيرات النازلة من السماء، إلى هذا الماء النازل وإلى هذه الريح التي تصرف هذا السحاب من مكان إلى آخر لولا فضل الله سبحانه وتعالى ثم هذا الماء النازل من السماء وما خرج منه وما ترتب عنه من مخلوقات الله العظيمة ما تكون البترول وما تكون الفحم الحجري الذي هو الآن مصدر للطاقة للإنسان، أصبح يستفيد منها من تسير المراكب في البر والبحر والجو بقدرة الله عز وجل.
كل هذا يستوجب على الإنسان أن يتفكر وينظر (الله الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) لماذا؟
قال (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
ويقول تعالى (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحج :65]
ويمسك السفن أن تغرق في البحر بقدرته سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى وهو مودع هذه السنن، سنن الطفو والتجاذب بين الكواكب حتى تكون في حالة اتزان وحركة المد والجزر، حركة متزنة بسبب عوامل الجذب المتزنة القائمة بين القمر والشمس والأرض في معادلة غاية الإعجاز بقدرة الله تعالى.
يقول تعالى : (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
انظرن هذه الخيرات والنعم العظيمة التي تنقل لنا وسط المراكب الضخمة العظيمة من الصين والهند والأمريكتين بقدرة الله عز وجل لولا هذا التسخير ولولا هذا الفضل والنعم من الله تبارك وتعالى لتعطلت الحياة بين الناس بعضهم ببعض بفضل الله تبارك وتعالى، هذه نعمة والله سبحانه وتعالى يذكرنا بها ولا يمكن أن تمر علينا بدون تفكر، ليست هي من صنع الإنسان أو اجتهاد الإنسان وبقدرة الإنسان فقط يجري ما يجري في هذا الكون وينتفع الإنسان بالتصنيع والتطور في عالم المادة.

كل وسائل التصنيع والتطوير للآلة وفق سنن أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون ليكتشفها الإنسان وينتفع بها على إثرها بدأ يصنع هذه الآلات الضخمة والكبيرة ويترتب عليها من المنافع شيء كبير وعظيم.
لذلك الله تبارك وتعالى يشير إلى هذه الحقيقة في سورة يس يقول سبحانه وتعالى : (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤﴾ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٥﴾) ، في الحقيقة هو الذي دلهم، في الزراعة والصناعة بفضل الله ورحمته.
العطاء من الله والتعليم من الله والخلق من الله والله تعالى يقول : (والله خلقكم وما تعلمون) [الصافات :96]
انظرن قوله تعالى (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) فمرد الفضل في النهاية إلى الله تبارك تعالى، كل هذه الأمور تحتاج من الإنسان أن ينظر ويتفكر ويعلم أن الله تعالى وعد ووعده صدق.
قال تعالى في الآية 13 الجاثية : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ) هذه السنن المسخرة ليستفيد منها الإنسان الآن الإنسان يصنع ويطورمن وسائل حياته ما استطاع أن يصل إلى شيء، كل ذلك بفضل الله تبارك وتعالى.
وشيء عجيب في هذه الآية الكريمة، عدّ الله تعالى نعمة من نعمه وهي نعمة البحر وما فيها وما عليها وما يترتب على تلك النعمة من الخيرات والنفع على الإنسان وذكره الله تعالى على وجوب أن يشكر الله تعالى على هذه النعم، وهذه النعمة جاء على إثرها إنعام عام كأن عطف العام على الخاص، تسخير عام كالبحر، قال : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ)
ثم بدأ بالسموات لأنها أبعد ما تكون من الإنسان فليس للإنسان من سبيل إليها لا ينتفع بما فيها إلا أن يسخرها وأن ييسرالله للإنسان الوصول إليها.
فهذا سحاب في السماء فمن يستطيع أن ينزل الماء منه؟ ومن يستطيع أن يسيره كيف يشاء ؟؟
(فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور: 43]
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يسير السحاب وهو الذي يرفع السحاب، ولذلك له الأمر من قبل ومن بعد
فقال (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ)
يعني ما في السماء لاسبيل له إلى السماء أبدا كما قال تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن:33] سبحان الله العظيم
ولذلك قال (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ) فهذا البعيد العظيم الشاهق العالي الذي لا سبيل إليه إلا بفضل من الله ورحمة سخره الله تعالى لهذا الإنسان الضعيف الذي يعيش على الأرض.
فكل ما في السماوات من كواكب وأفلاك ومجرات وخيرات وسحب وهواء وعناصر مهمة للحياة تحيط بالأرض بغلافها الجوي، والغلاف الجوي والمنافع المترتبة عليه، هذا الحجاب الحامي للأرض بفضل الله تبارك وتعالى كل هذا لا سبيل لإنسان إليه إلا بفضل الله تعالى ورحمته.
فقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
ما : موصولة ،موصولة عامة فكل ما في السموات، ما كان قريبا منا بفضل الوسائل للإ رتقاء كالمراكب ونحوها أو ما كان بعيدا عنا لايمكن الوصول إليه، كله مسخر ولولا تسخير الله ما استطاع الإنسان أن يصل إلى شيء أبدا كعلوم الفضاء وهذا من فضل الله تعالى وأنا أستغرب الآن أن تبنى المحطات الدائمة في الفضاء وتدور في أفلاكها بقدرة الله سبحانه وتعالى وبإمساك الله تعالى تحمل مئات الأطنان وتدور في حركة دائمة كما تدور سائر الأقمار التي خلقه الله جل وعلا بقدرة الله عز وجل و العلماء يحاولون تطويرها ويدرسون حال النبات والكائنات فيبعثونها إلى الفضاء ويدرسون حالها وأثر اختلاف الجاذبية ونحو ذلك في الفضاء ويروا أثر ذلك عليها حتى يطوروا حياة الإنسان على الأرض ويحموا الإنسان الكثير من الأمراض والفيروسات إلى آخره.
كل هذا فتح من الله ، فضل من الله ونوع من التسخير فقال الله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذا هو التسخير وإن كان الإنسان يبذل المليارات فإنه نوع من التسخير، ولولا التسخير ما استطاع الإنسان أن يصنع هذه الآلات الضخمة التي تسير إلى المريخ ويضع قدمه على المريخ ويدرس المريخ وما فيه، هذا كله من فضل الله تبارك وتعالى رحمته وإحسانه.
مثلا الآن المنظار الذي ينقل لنا ويصور لنا من أعماق الفضاء البعيد ويدرس العلماء هذه الصور ويكتشفون عظمة الخلق، كل ذلك من تسخيرالله تعالى ليقيم الحجة على الناس أنه الله الواحد الخالق القادر المستحق جل وعلا للإجلال والإعظام والعبادة والذل والانكسار.
ولذلك قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) إذا كانت الأعيان الصغيرة والكبيرة الظاهرة والباطنة، جميع هذه الأعيان مسخرة للإنسان إذا هي تحت ملك الله تبارك وتعالى وهو سبحانه وتعالى قيوم عليها، وهي محتاجة إلى خالقها وهي مسيرة بقدرة الله تعالى وهي ومسخرة لهذا الإنسان فإذا لماذا يخاف منها وهي مسخرة له وتحت قدرة الله عز وجل فهي في الحقيقة ستكون له ومعه ما دام لله سبحانه وتعالى، وإذا أسلم وجهه لله تعالى وأخلص العبودية لله تعالى كانت جميع هذه المخلوقات صغيرها وكبيرها كانت كما أمر الله خادمة له .
ولذلك لا ينبغي للعبد إذا استسلم لله أن يخضع لشيء من خلق الله تعالى كبر أو صغر لماذا ؟ لأن الله تعالى يريدك لنفسه. هذا الكون الكل بأعيانه الصغيرة والكبيرة مسخرة خادمة لك أيها الإنسان، كيف تكون خادما لها؟ كيف يكون المخدوم خادما للخادم؟؟ لا يمكن.
فالله جعل هذه الكائنات العظيمة والمخلوقات الصغيرة والكبيرة ، في السماء والأرض، في الأرض وفوق الأرض مسخرة للإنسان فلا ينبغي أن يخضع لها ولا أن يعبدها وأن لا يتخذها إلها من دون الله أولا ناصرا أو مؤيدا أو حافظا أو أن يطلب منها نصرا أو فتحا أو عطاء أو بركة أو رزقا لأنها له، مخلوقة له مسخرة له بل حتى سائر الناس الذين هم من جنسه هم في الحقيقة لن يغنوا عنه له من الله شيئا، هم خدم في الحقيقة لله تبارك وتعالى وهم بقدرة الله تعالى وبقدرة الله وقوته مقهورون إرغاما لأن يكونوا عبيدا لله تبارك وتعالى لا يخرجون بشيء من أمرالله تعالى فهؤلاء جميعا إن كانوا عبيدا لله تعالى كانوا معه وكانوا خدما له سبحانه و تعالى، استخدمهم الله تعالى في نصرة عبده وفي قضاء حوائجه لأنه لجأ إليه جل وعلا فقضى حاجته على يد أخيه الإنسان، سواء كان مسلما أو غير مسلما.

فلذلك من المعاني العظيمة من هذه الآية لما قال الله عز وجل (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) وقال (جميـــعا) الأعيان المشاهدة ، الجبال والأنهار والبحار و الأشجار والطيوروالحيوانات و الإنسان، المتحرك والجامد والظاهر، المرئي المشاهد المادي للإنسان وسائرما حوله من الكائنات والخفي من الجان، كل هؤلاء تحت قدرة الله وتحت يد الله جل وعلا يسخرهم لهذا العبد، وهم يخدمون هذا العبد.
قال (جميـــعا منه) : دليل واضح على أن الله يريدك لنفسه، خلقك الله حرا فلا ينبغي أن تكون عبدا لغيره فلذلك هذه الآية تحرم على الإنسان أن يكون عبدا لشيء من المخلوقات صغيرا كان أو كبيرا ملكا أو مملوكا، لا ينبغي أن يكون ذليلا أو خاضعا أو يطأطأ برأسه لأحد من الخلق مهما كان، لا يكون الإنسان ذليلا أو منكسرا إلا لله وحده جل وعلا ، إذا الله تعالى يحرر الإنسان أن يكون عبدا لشهوته أو لهواه أو لشياطين الجن أو الإنس أو الصغار أو الكبارأو أصحاب الرئاسة والأموال فالله يريد من الإنسان أن يكون له جل وعلا.
فإذا كان الإنسان لله وحده جل وعلا وأسلم وجهه لله تعالى كملت عبوديته لله تعالى وصار أعز الخلق وأرفع الخلق وأعظم الخلق لله تعالى فسخر الله تعالى له كما قال جميع الخلق ، الصغير والكبير لا إله إلا الله بل إن الكبير والصغير مخلوقات الله يحبه ويألفه ويشتاق إليه ويحزن لفراقه ويبكي عليه، قال تعالى : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان : 26] سبحان الله
فسخر لكم أيها الناس ما في الأرض وما في الأرض جميعا منه لماذا؟؟؟؟
لتشكروه على هذه النعم ومن أعظم وسائل الشكر لله تعالى أن يستسلم العبد لله جل وعلا وحده، أن يوحد الله عز وجل أولا، وأن يخلص العبودية لله تبارك وتعالى.

فلا يذل ولا ينكسر ولا يسأل أحد من الخلق أبدا، لا يسأل إلا الله تبارك وتعالى صلى الله على الحبيب محمد القدوة عليه الصلاة والسلام، ما كان يسأل أحدا من الخلق، لايسأل إلا ربه ولا يلجأ إلا لربه جل وعلا ولا يكون إلا مع الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء فهو القدوة عليه الصلاة والسلام، وكان يعلمهم ويحثهم على ذلك أن يستغنوا بما عند الله عما في أيدي الناس، فمن استغنى بما في أيدي الناس واستغنى بما عند الله جعله الله تعالى وجعله زاهدا في الدنيا وراغبا في الآخرة ورضي بالقليل وكان أسعد الناس بطاعة الله تبارك وتعالى.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
إذا إشارة منه سبحانه وتعالى إلى قضية التسخير وكل الأعيان وكل المخلوقات ما نراه وما لانراه ما نبصره وما لا نبصره بما أقسم الله تعالى به كما في سورة الحاقة (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٨﴾ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٩﴾)
كل هذا الذي نبصره ولا نبصره هو في الحقيقة مسخر لك أيها الإنسان ، لكن هذا التسخير ينتفع منه الكافر والمسلم، لكن الانتفاع الحقيقي الجالب للسعادة والجالب للرفعة والجالب للعزة والأنفة الحقيقية لا تكون إلا للمؤمن، فهذا العبد الذي استغنى عن الله تعالى باعتماده على السنن وعلى المادة، هو في الحقيقة عبدا لشهوته وعبدا للدينار وللدرهم وعبدا للسلطان وعبدا للكرسي والجاه فهذا استعبدته الشهوة واستعبده الملك والشهرة، وربما انتكس ونسي خالقه، ربما ألحد ونسي أن الله موجود وأن الله خالق الوجود جل وعلا.
انظرن إلى غاية ما وصل إليه الإنسان إلى غاية الذل لما عبدا لغير الله تعالى والحمد لله الذي حررنا بأن نكون عبيدا لله جل وعلا والحمد لله الذي حررنا وكنا أعزاء بهذا الدين العظيم والإسلام القوي.

(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٣﴾)
هذا ملمح من الملامح المهمة التي ترفع درجة الإيمان عند العبد ومن أجل أن يعتز ويسمو بفضل العبودية لله تبارك وتعالى وبالاستغناء عن الخلق.
لذلك إذا شعر العبد المؤمن أن الله سخر ما في السموات والأرض لي أنا، وقد خلق ما في السموات والأرض لي أنا لماذا؟ لأنتفع بهذا الخلق وأسأل الله تعالى أن يعطيني بركة هذا الخلق وأن أنتفع بهذا الخلق الذي سخره الله تعالى لي ، وإن منع عني الله تعالى شيء من فضله ومنه وإحسانه فلحكمة، وإن أعطاني شيئا من عطائه فلحكمة، فأشكر الله تعالى على هذين الحالين، فإن أعطاني رضيت وشكرت وإن منعني رضيت وشكرت لأن الله تعالى أعلم كما قال :
( وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [يوسف:21]

ولذلك وجدنا في قصة يوسف عليه السلام وهوأيضا من النماذج الحية، القدوة في تاريخ الإنسان، الإنسان الكريم الذي يعتز بشرف العبودية الله تبارك وتعالى.

وجدنا هذا العبد المؤمن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، شرف العبودية رفعه وجعله عزيزا، مستكبرا على شهوته ما استسلم لشهوته لماذا؟ لأنه عزيز بعبوديته لله تبارك وتعالى ما كان ينسى فضل الله عليه عز وجل، طفلا صغيرا ولا في مرحلة الشباب أبدا، ولا في غاية العهد لله تبارك وتعالى، لما كان مستغنيا عن الخلق وكان في تمام الذل لله تبارك وتعالى، وكما قال تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )
انظرن (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الله أكبر، ظهرت عليه علامات الخلق النبيل وكرم الأخلاق وطيب المعشر ولين الكلمة وحسن السمت وكل هذا السبب لشرف العبودية لله تبارك وتعالى .
انظرن هؤلاء أحبوه وألفوه وأقبلوا عليه، لماذا ؟؟؟ لأنه كان متلبسا بشرف العبودية لله تبارك وتعالى أوتي الحق واستسلم لله تبارك وتعالى ، انظرن ماذا قال ؟ قال (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ )

اتبعت ملة إبراهيم، التوحيد الخالص، ذكر التوحيد الخالص
ذكر (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿٣٩﴾ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

أكثر الناس لا يعلمون
أكثر الناس لا يؤمنون
أكثر الناس لا يشكرون...
لا إله إلا الله ، التوحيد، كمال الذل لله تبارك وتعالى

هذا العبد الذي أخلص لله العبودية وتلبس لباس التوحيد الخالص، في طفولته وفي شبابه وظل على العهد والوعد، استعلى، استكبر على شهوته، الشهوة لم تذله أبدا، لما همت به امرأة العزيز قال : معاذ الله
كما قال تعالى : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الله أكبر
ولما غرر به وأدخل السجن قال : (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)
انظرن كيف الإنسان يضع حاجته بين يدي الله عز وجل، ولا يستغني عن خالقه في كل أحواله حتى إذا كان في درجة عالية من العبودية لله جل وعلا
ولا يستغني عن الله أبدا طرفة عين، دائما يحتاج إلى المدد من الله عز وجل في حالة السراء والضراء، في حالة المحنة وحالة المنحة، محتاج إلى فضل الله ورحمته ولذلك نجد أن سليمان عليه السلام في وقت المنحة وقت العطاء لم ينسى خالقه لماذا ؟؟
لأن كمال الذل والعبودية لله جل وعلا، كمال الاستسلام لله تعالى فلما شغله بعض ماله عن ذكر ربه تعالى قال : تعالى في سورة ص : (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴿٣٢﴾ رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) هذا الخير الذي شغله عن ذكر الله، قام بتقطعيها رغبة ورهبة فيما عند الله تبارك وتعالى، كمال الذل وكمال الخضوع لله تبارك وتعالى ولذلك في أوج العزة وفي أوج الأنفة وفي أوج الملك، لم ينسى سليمان عليه السلام خـــالقه.
ولما مر بواد النمل، قالت نملة : (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) ماذا قال : (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) سبحان الله
الإنسان في وقت المنحة لا ينسى خالقه ويتذكر فضل الله عز وجل عليه، ويكون في تمام الذل والانكسار في حالة السراء وحالة الضراء.
موقف آخر من المواقف الجليلة العظيمة التي ينبغي للمسلم دائما أن يتذكرها وأن يستحضرها بين عينيه أن الله تبارك وتعالى ما وقف عبد في محراب العبودية له فسأله بإخلاص نية وإقبال قلب فرد يديه صفرا، أبدا ، لابد أن يعطيه لابد أن يمنحه جل وعلا، وإن أخرعنه المنحة ولكن الله سبحانه و تعالى أعلم متى يضع النعمة في يد عبده، يمنعها عنه لحكمة ويضعها عليه لحكمة ويؤخر عنه لحكمة، و لذلك قال تعالى في سورة يوسف : (وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
كل هذه المواقف الحية، الغنية بالعبرة والعضة ينبغي على المسلم أن يستفيد منها وأن يتذكرها وأن يعيش معها لحظات خشوع ولحظات بكاء ولحظات انكسار لله سبحانه وتعالى فسبحان العظيم، سبحان الكريم.
هنا بنياتي ينبغي على المسلمة وعلى المؤمنة دائما وأبدا أن تتذكر فضل الله جل وعلا وإحسانه على خلقه.
وفي ضلال هذه الآية الكريمة أيضا فيما جاء بعدها، يقول جل وعلا : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا) قل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين آمنوا بقلوبهم ، وصدقوا بقلوبهم، صدقوا بعمل جوارحهم، صدقوا بإيمانهم وصدقوا بأعمالهم الصالحة ( لِّلَّذِينَ آمَنُوا) : الذين استسلموا لله ولم يستسلموا لغيره، هؤلاء لأن عندهم عزة الإيمان يترفعون عن الصغائر وعن النقائص وأن ينزلوا إلى مستوى أصحاب الأحقان والحززات وأصحاب الأضغان وأصحاب الانتقام، يستعلون بفضل الله ورحمته على شهوات نفوسهم، وعلى أن ينتقموا من أعدائهم، فيترفعوا ويعلموا ما دام ما في السموات والأرض مسخر لهم فلماذا أشقى وأتعب من عبد ذليل مسخر أصلا بقدرة الله جل وعلا في الخلق ومن الخلق في الكون مسخر إما لي أو لغيري، هذا الإنسان الذي أساء لي و أذاني و الله جل وعلا قادر أن ينتقم منه ويأخذ حقي منه، والله سبحانه وتعالى مكنه من أن يؤذيني أو يتعدى على حق من حقوقي أو أن يتسبب في الأذى لي، هذا الله سبحانه وتعالى قادر على أن يمنعه، والله سبحانه وتعالى لم يحل بينه و بين أن يفعل ما فعل يختبر إيماني، يختبر قدرتي على الصبر ولذلك قال الله عز وجل عن هؤلاء، انظرن بنياتي كيف الله تعالى يعلمنا و يهذب أخلاقنا بالقرآن لما ذكر الجنة قال : (أعدت للمتقين ) وذكر أوصاف هؤلاء فقال : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران :134]
انظرن بنياتي (قل للذين آمنوا) هؤلاء ملكوا حقيقة الإيمان، هؤلاء استغنوا بالإيمان عن الخلق، هؤلاء في كمال الرفعة والعزة، هؤلاء يمرون على الصغائرمرالكرام (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [المؤمنون: 63]
وقوله تعالى معلما له (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83]
يقولون الحسن ويمرون مر الكرام على الأخطاء وعلى الجراح يبتغون ما عند الله سبحانه وتعالى.

(قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية:14]

لاتربطنا بهم صلة الإيمان، صلة العقيدة، أعظم الروابط وأفضل المنح من الله جل وعلا من حيث الإيمان بينه وبين المؤمنين، هؤلاء إذا كان الله عز وجل يأمرنا أن نغفر لأولئك الذين لا يرجون أيام الآخرة، الذين كفروا بالدار الآخرة، كفروا بالله جل وعلا، كفروا بآيات الله عز وجل، أمر الله عز وجل أن نسامح أن نغفر فكيف بإخواننا المؤمنين؟ كيف من يشاركونا في العقيدة؟ وكيف من كانوا معنا من أهل القبلة؟
في الحقيقة ينبغي على المؤمن أن يرتفع وأن يستعلي على شهوات نفسه وحظوظها وأن لا تدفعنا النفس الأمارة بالسوء إلى الإنتقام و إلى الإيذاء للخلق، فمن آذاك فاصبرعلى أذاه ودعه لله تبارك وتعالى والله منتقم ولابد أن يأخذ حقك منه إن آجلا أو عاجلا وإن لم ينزل بهذا الظلم أو هذا المؤذي إما بقول أو فعل بالعقوبة في الدنيا فإن الله تبارك وتعالى جعل المرد إليه، قال سبحانه وتعالى في سياق هذه الآية : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)

يتبع بإذن الله تبارك وتعالى