المزدانة بدينها
07-05-07, 06:41 PM
من لم يفقه هذين المثلين فهو ليس من أهلهما
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: وقد ذكر سبحانه المثلين المائي والناري في سورة الرعد ولكن في حق المؤمنين، فقال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ}شبَّه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبَّه القلوب بالأودية، فقلب كبير يسع علمًا عظيمًا، كوادٍ كبير يسع ماء كثيرًا، وقلب صغير إنما يسع بحسبه، كالوادي الصغير، فسالت أوديةٌ بقدرها، واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها، كما أن السيل إذا خالط الأرض ومرَّ عليها احتملت غثاءً وزبدًا، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب، أثار ما فيها من الشهوات والشبهات؛ ليقلعها ويُْذهبها، كما يُثير الدواء وقت شُرْبِه من البدن أخلاطه، فتكرَّب بها شاربه، وهي من تمام نفع الدواء، فإنه أثارها ليذهب بها، فإنه لا يجامعها ولا يساكنها، وهكذا: {يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}،
ثم ذكر المثل الناري فقال: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، فتخرجه النار وتميِّزُه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به، فيرمى ويطرح ويذهب جفاءً، فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها، كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس، ويزرعون ويسقون أنعامهم، كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره، ومن لم يفقه هذين المثلين، ولم يتدبرهما، ويعرف ما يراد منهما، فليس من أهلهما -والله الموفق-.
المرجع: أمثال القرآن
للإمام ابن القيم -رحمه الله-
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: وقد ذكر سبحانه المثلين المائي والناري في سورة الرعد ولكن في حق المؤمنين، فقال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ}شبَّه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبَّه القلوب بالأودية، فقلب كبير يسع علمًا عظيمًا، كوادٍ كبير يسع ماء كثيرًا، وقلب صغير إنما يسع بحسبه، كالوادي الصغير، فسالت أوديةٌ بقدرها، واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها، كما أن السيل إذا خالط الأرض ومرَّ عليها احتملت غثاءً وزبدًا، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب، أثار ما فيها من الشهوات والشبهات؛ ليقلعها ويُْذهبها، كما يُثير الدواء وقت شُرْبِه من البدن أخلاطه، فتكرَّب بها شاربه، وهي من تمام نفع الدواء، فإنه أثارها ليذهب بها، فإنه لا يجامعها ولا يساكنها، وهكذا: {يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}،
ثم ذكر المثل الناري فقال: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، فتخرجه النار وتميِّزُه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به، فيرمى ويطرح ويذهب جفاءً، فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها، كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس، ويزرعون ويسقون أنعامهم، كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره، ومن لم يفقه هذين المثلين، ولم يتدبرهما، ويعرف ما يراد منهما، فليس من أهلهما -والله الموفق-.
المرجع: أمثال القرآن
للإمام ابن القيم -رحمه الله-