المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر


لآلئ الدعوة
13-07-10, 03:53 PM
في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر

فصل: ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما استرضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد

فصل: وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا لقرب عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم

فصل: وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم وقوتهم الهاضمة عن الطعام فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام فإن الله سبحانه أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته ولطفه ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانه

فصل: وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز المنقوع في الماء الحار واللبن والحليب ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه أو رضه رضا ناعما
فصل: فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك ألسنتهم بالعسل والملح الاندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاه

فصل
فإذا حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن ويمرخ خرز العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر وقت نباتها إلى حين تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها

فصل
ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره

فصل
وينبغي أن لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا إلى أن يصير له ملكة وقوة يفعل ذلك بنفسه
فصل
وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة بل تعوده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة
فصل
ومن سوء التدبير للاطفال أن يمكنوا من الامتلاء من الطعام وكثرة الأكل والشرب ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم ليجود هضمهم وتعتدل أخلاطهم وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم لقلة الفضلات في المواد الغذائية
قال بعض الأطباء وأنا أمدح قوما ذكرهم حيث لا يطعمون الصبيان إلا دون شبعهم ولذلك ترتفع قاماتهم وتعتدل أجسامهم ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من الكزاز ووجع القلب وغير ذلك قال فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم القامة غير منحدب فقه كثيرة الشبع فإن الصبي إذا امتلأ وشبع فإنه يكثر النوم من ساعته ويسترخي ويعرض له نفخة في بطنه ورياح غليظة

فصل
ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم بسبب ذلك من الانفتال والاعوجاج بسبب ضعفها وقبولها لذلك واحذر كل الحذر أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول أو إخراج دم فإن لحبس ذلك عواقب رديئه في حق الطفل والكبير
فصل
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوماً ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً

وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير

ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم
ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز فمستقل ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً
- فصل : ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فساداً يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء

فصل : والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره أو عشرة من يخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ في يده فإن ذلك الهلاك كله ومتى سهل عليه ذلك فقد استسهل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
من كتاب أحكام المولود لشيخ ابن القيم رحمه الله