المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسرار الصَّلاة


نفحات بنت محمد الصياد
28-12-10, 02:52 PM
أسرار الصَّلاة
و الفَرق و الموازنَة بين ذَوق الصَّلاة و السَّماع

للإمَام العلامَة أبي عَبد الله محمَّد بن أبي بَكر بن أيُّوب الزَّرعي الدِّمشقي الشَّهير بابن قيِّم الجَوزيَّة
691-751
بسم الله الرحمن الرحيم


ربِّ يسّر و أعن يا كريم
قال الإمام محمد بن أبي بكر بن القيِّم الجَوزية رحمه الله تعالى .


فصلٌ


في الموازنة بين ذوق السَّماع وذوق الصلاة و القرآن ، و بيان أنَّ أحد الذوقين مباين للآخر من كل وجه ، و أنه كلَّما قوي ذوق أحدهما و سلطانه ضعف ذوق الآخر و سلطانه.

الصلاة قرة عيون المحبين و هدية الله للمؤمنين(1) (http://www.nabdaldaawah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=89#_ftn1)

فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين ، و لذة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذة نفوس الخاشعين ، و محك أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكين ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين .
هداهم إليها ، و عرَّفهم بها ، و أهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين ، رحمة بهم ، و إكراما لهم ، لينالوا بها شرف كرامته ، و الفوز بقربه لا لحاجة منه إليهم ، بل منَّة منه ، و تفضَّلا عليهم ، و تعبَّد بها قلوبهم و جوارحهم جميعا ، و جعل حظ القلب العارف منها أكمل الحظين و أعظمهما ؛ و هو إقباله على ربِّه سبحانه ، و فرحه و تلذذه بقربه ، و تنعمه بحبه ، و ابتهاجه بالقيام بين يديه ، و انصرافه حال القيام له بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده ، و تكميله حقوق حقوق عبوديته ظاهرا و باطنا حتى تقع على الوجه الذي يرضاه ربه سبحانه.
و لما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة و أشباهها من داخل فيه و خارج عنه ، اقتضت تمام رحمته به و إحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان و التحف و التحف و الخلع و الخلع و العطايا ، و دعاه إليها كل يوم خمس مرَّات ، و جعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة ، لذة و منفعة و مصلحة و وقار لهذا العبد ، الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ليست في اللون الآخر ، لتكمل لذة عبده في كل من ألوان العبودية و يُكرمه بكلِّ صنفٍ من أصناف الكرامة ، و يكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مُكفّرا لمذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نورا خاصا ، فإن الصلاة نور و قوة في قلبه و جوارحه و سعة في رزقه ، و محبة في العباد له ، و إن الملائكة لتفرح و كذلك بقاع الأرض ، و جبالها و أشجارها ، و أنهارها تكون له نورا و ثوابا خاصا يوم لقائه.
فيصدر المدعو من هذه المأدبة و قد أشبعه و قد أشبعه و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه ، و ذلك أن قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة ، قد ناله من الجوع و القحط و الجذب و الظمأ و العري و السقم ما ناله ، فصدر من عنده و قد أغناه و أعطاه من الطعام و الشراب و اللباس و التحف ما يغنيه .



(1) (http://www.nabdaldaawah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=89#_ftnref1)ـ العناوين الجانبية من وضع مُحقِّق الرسالة

نفحات بنت محمد الصياد
28-12-10, 02:53 PM
يـــــــــــــــــــــــــــــــــــتــــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــع00000000000,,,,,

نفحات بنت محمد الصياد
05-01-11, 07:57 PM
تشبيه القلب بالأرض


و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ، و قحطُ النفوس متوالياً عليها ، جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ، و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ، و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ، و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ، فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ، يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ، و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.
فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ، فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ، و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة ، فإذا تمكَّنت الغفلة منه ، و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ، و سنته جرداء يابسة ، و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم.
فتصير أرضه بورا بعد أن كانت مخصبة بأنواع النبات ، و الثمار و غيرها ، و إذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزت أرض إيمانه و أعماله و ربت ، و أنبتت من كلِّ زوج بهيج ، فإذا ناله القحط و الجدب كان بمنزلة شجرة رطوبتها و خضرتها و لينها و ثمارها من الماء ، فإذا منعت من الماء يبسَت عروقها و ذبلت أغصانها ، و حُبست ثمارها ، و ربما يبست الأغصان و الشجرة ، فإذا مددت منها غصناً إلى نفسك لم يمتد ، و لم ينْقَد لك ، و انكسر ، فحينئذ تقتضي حِكمة قيِّم البستان قَطع تلك الشجرة و جعلَها وقوداً للنار .