المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استشارة عن الحب الزائد


دنيا غريبة صح
10-07-07, 07:09 AM
الســـــلام عليكم

شيخنا كيف يمكن للانسان ان يحب في الله دون ان يقع في حب زياادة ينكد عليه حيااته....

جزاكم الله كل خير

عبد السلام بن إبراهيم الحصين
18-07-07, 05:19 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذا موضوع مهم، وهو سبب لانحراف كثير من الناس عن التوسط في باب الحب، والدخول في متاهة العشق والوله والإعجاب المذموم.
والواجب أن يكون مدار الحب وأوله ومنتهاه هو الله جل وعلا؛ لأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي يحب لأجلها محبة كاملة لا يعدلها حب لأحد غيره، فأسماؤه كلها جمال وجلال وكمال، وصفاته كلها جمال وجلال وكمال، وأفعاله عدل ورحمة وإحسان وجود وفضل، فله الخير كله، والحمد كله، وما من جمال في الوجود إلا منه، ولا وإتقان في الصنعة إلا منه.
فالخير كله بين يديه، والشر ليس إليه.

فمن أعجبك منه جماله فالله هو الجميل، وهو الذي أعطى هذا المخلوق الجمال.
ومن أعجبك منه حسن خلقه؛ فهو من الله، والله جل وعلا يرزق عباده بالليل والنهار، ويعطيهم كل ما فيه تحقيق مصالحهم.
فأي شيء أعجبك من أي مخلوق فهو من الله جل وعلا؛ فإن مرجع النعم كلها منه، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}.

وإذا تعلق القلب بالله، وأحبه محبة خالصة صادقة فإن القلب لا يشقى بهذا الحب أبدًا، أما محبة غيره فإنها قد تكون سببا للشقاء والعناء.

والحب في الله أوثق عرى الإيمان لأنه يزيد الإيمان ثباتا ورسوخا وقوة، لأنه يحمل على التواصي والتناصح والصبر، والتعاون على البر والتقوى، أما المحبة للشخص والإعجاب به فإن قد يكون سببا في ترك الواجبات، أو الوقوع في المحرمات لأجله.

وعلى هذا فالحب في الله إنما يكون لما في المحبوب من الطاعة لله جل وعلا، أما الصفات الأخرى من جمال، أو خفة دم، أو موافقة في خلق، أو لكونه من نفس البلد، أو موافقة في اللون والطباع، فهذه يكون الحب لها أمرا طبيعيا لا دينيا.

ومتى تعلق القلب بالمحبوب لأجل هذه الأمور فإنه لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يبادله المحبوب نفس الشعور، فيكون بينهما اتصال قوي، وتوافق كبير، ويتبادلان الحب فيما بينهما، ثم يكون حب كل واحد منهما للآخر وموافقته لما عليه هو المقرر لأفعالهما، والمحرك لجوارحهما، فإن وافق ذلك أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه فعلاه، وإن خالفه فعلا ما اتفقا عليه واجتمعا عليه، وتركا أمر الله وراء ظهورهما.
وهذا هو الحب المذموم، الذي يكون مرده إلى الهوى وموافقة المحبوب في غير طاعة الله جل وعلا.

الثانية: أن يكون المحبوب قد تعلق غيره بغير من أحبه، أو لم يقابل محبة المحب بمثلها، بل أعرض عنه، أو أهمله، أو عاملة معاملة عادية جدًا كما يعامل سائر الناس، وهنا يحصل للمحب النكد والشقاء، وقد يورث قلبه البغض والكراهية والحقد والحسد، بل وكل خلق ذميم، فقد يفعل كل شيء من أجل أن يعود إليه محبوبه، وأن يحبه كما يحبه.

وهذا إنما يقع لغلبة العاطفة على العقل، والهوى على الهدى.
ولو أن الإنسان تفكر في عاقبة هذا الحب ومآله لما أقدم عليه.

وأقرب طريق ليكون الحب خالصا لله، دون أن يتعلق بالمحبوب تعلقا ذاتيًا هو أن يجعل حبه لله أعظم من كل حب، ورضاه به أعظم من كل رضا، كما قال تعالى: {يحبهم ويحبونه}، وقال تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}.
فإذا أسلم العبد قلبه لله وأخلص في حبه لله، قاده ذلك إلى كل خير، وجنبه كل شر، وعلم أن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئا، وأن الله لا يرد من سأله، ولكن العبد يرد السائل، وأن الله كريم، وأما العبد فهو بخيل، وأن الله يحب منا سؤاله، والعبد يكره السؤال، وان الله يقبل على من أقبل عليه، كما قال في الحديث القدسي: {من تقرب إلي شبرا تقربت إلى باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة}، وأما العبد فإنك إذا أقبلت عليه وتعلقت به، وسلمت قلبك إليه أعرض عنك، وذهب إلى غيرك.
كما قال الشاعر:
علقتها، وعلقت غيري....... وعلق غيرها ذلك الرجل

وأيضا يجب ألا تضخمي شخصية من تحبينه لله، وتضفين عليه أوصاف الكمال، وتحجبين عن عينك صفات النقص، فإن مشاهدة النقائص تمنع من التعلق به، ولا أعني أننا نتنقص الناس، كلا، ولكن نضعهم في مواضعهم، ولا نرفعهم فوق قدرهم.

إن الحب عمل قلبي، وقد لا يكون لنا قدرة على دفعه في بعض الحالات، ولكننا نستطيع أن نضعه في مكانه الصحيح، وألا نجعله سببا للنكد.

الحب من أحلى الأعمال وألذها، وبدونه لا يكون للحياة طعم أبدا، فهو مادة القلب وغذاؤه، هو للقلب كالماء للحياة، وهو المحرك للجوارح والموقف لها.

الحب كلمة عظيمة قصيرة، تحمل في طياتها معاني جليلة كريمة.
هو سبب للسعادة، ولكن بعض الناس بسوء تصرفه مع الحب، ووضعه في غير موضعه يكون سببا للشقاء.
هو سبب لانتشار الخير، والمودة، والرحمة، والعطف، ولكن بعض الناس يجعله سببا للشر والبغضاء والحقد والحسد والقسوة والغلظة؛ لأنه لم يعرف معنى الحب، ولم يدرك حقيقته.