المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : // فتنة القول بخلق القرآن ،، فتنةٌ ثم محنةٌ ثم نصرة //


أروى آل قشلان
29-11-13, 09:53 PM
فتنة القول بخلق القرآن
مفرّغ من كتاب المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد
للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى
___________________
خَبَر القول بخلق القرآن: فِتْنَةٌ، ثم مِحْنةٌ، ثم نصْرةٌ
من بدايتها فتنة في عهد المأمون سنة (212 هـ) - إلى نهايتها نُصرة في عهد المتوكل سنة (234 هـ)
ومواجهة الإمام أَحمد لها في مراحلها -رحمه الله تعالى-

* دور فِتْنة القول بخلق القرآن:
كان أمر الناس جاريًا على السُّنَةِ والسَّدَادِ من إِثبات صفة الكلام لله- تعالى- وأَن القرآن كلام الله، وَلَمْ يَفُهْ أَحد- وحاشاهم- بخلاف ذلك.
هذا الأَصل العقدي كغيره من قضايا الاعتقاد محل إجماع، واجتماع من جميع الصحابة- رضي الله عنهم- وعليه عامة التابعين، وَمؤَدَّاهُ حَتْمًا: أَنه غير مخلوق.
وقد وردت روايات مرفوعة بأَن كلام الله غير مخلوق، لكن لا يصح منها شيء كما بينته في: " التحديث "

قال الذهبي- رحمه الله تعالى (1) -:
(كان الناس أمة واحدة، ودينُهم قائمًا في خلافة أَبي بكر وعمر، فلما استُشهد قُفْلُ بابِ الفتنة عمرُ رضي الله عنه، وانكسر الباب،
قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذُبحَ صبرا، وتفرقت الكلمةُ وتمت وقعةُ الجمل، ثم وقعةُ صِفّين،
فظهرت الخوارجُ، وكفَّرت سادةَ الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القَدَريَّةُ، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية
والمجسمة بخُراسان في أَثناء عصر التابعين مع ظهور السُنَّة وأَهلها، إلى بعد المئتين،
فظهر المأمون الخليفة- وكان ذكيا متكلمًا، له نَظَر في المعقول- فاستجلب كتبَ الأَوائل، وعرَّب حِكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخب ووضع،
ورفعت الجَهميةُ والمعتزلةُ رؤوسها، بل والشيعة، فإِنه كان كذلك، وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتَحنَ العُلماءَ،
فلم يُمْهَلْ، وهَلَكَ لِعامه، وخلَّى بعده شرًا وبلاءً في الدِّين، فإِن الأمة ما زالت على أَن القرآن العظيم كلام الله تعالى وحيُه تنزيلُه، لا يعرفون غيرَ ذلك،
حتى نبغ لهم القولُ بأنَّ كلام الله مخلوق مجعول،
وأَنه إِنما يضاف إلى الله تعالى إِضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، فأنكر ذلك العلماء ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأَمين،
فلما وَلي المأمون، كان منهم، وأَظهر المقالة)
انتهى.

فهذه المقالة الفاسدة، الباطلة، الكافرة، أول من فاه بها: اليهود، والصابئون، والمشركون، والفلاسفة الضالون.
نطق بها يهودي باليمن، فأخذها عنه: لبيد بن الأعصم اليهودي،ساحر النبي صلى الله عليه وسلم،
وعن لبيد، أَخذها ابن أُخته وزوج ابنته: طالوت اليهودي، فزرعها هذا في العراق، وهي دار إِسلام (2) .
وأَول من نطق بها عن طالوت في الِإسلام. أبان بن سمعان، في العراق بحد المائة،
فقتله خالد بن عبد الله القسري، وأَحرقه بالنار ثم تتابع على القول بها في العراق جمع من الموالي:
فعن أَبان أَخذها: الجعد بن درهم، المقتول عليها بمرو سنة (118 هـ) بأَمر هشام بن عبد الملك، على يد عامله: خالد بن عبد الله القسري،
وقيل: بل مات حتف أنفه، وَجَعْدٌ هو أستاذ آخر خلفاء بني أُمية: " مروان بن محمد "، المشهور بمروان الحمار؛ لصبره وَجَلَدِه على الشدائد،
وكان ينسب إلى مؤدبه، فيقال: " مروان الجعد " ولشؤمه عليه ختمت به دولة بني أمية. وعن الجعد، تلقاها: الجهم بن صفوان، المقتول عليها سنة (128 هـ)
وصار له أتباع على هذه الضلالة يقدمهم يوم القيامة.
فقد أَخذ هذه المقالة ودعا إِليها: بشر بن غياث المريسي، المتوفى سنة (218 هـ) وكان والده يهوديًا قَصَّابا، صَبَّاغًا في بغداد وبِشْرٌ لم يلق الجهم، لكنه ورِثَ منه الشقاء،
لهذا لم يُشَيّعْهُ أَحَدٌ من العلماء، وحكم الأَئمة بكفره، وردوا عليه مقالته، هو وقرينه: " ابن الثلجي " ومن أهمها: " رَدُّ الدارمي عثمان بن سعيد على بشر
المريسي العنيد ".
وفي كتاب: " الأَوائل " للعسكري ،
أَن أَول ما اختلف الناس في " خلق القرآن " كان في أَيام الإمام أَبي حنيفة، المتوفى سنة (150 هـ) - رحمه الله تعالى- مع تلميذه أَبي يوسف،
فأَباها أَبو يوسف ونفاها، وقال أَبو حنيفة: " القرآن مخلوق "؛
ولهذا قال مترجموه: استتيب أَبو حنيفة على الكفر مرتين، كما صحح ذلك المعلمي- رحمه الله تعالى- في: " التنكيل ".
وكان ذلك في عهد الرشيد العباسي؛ ولذا كان بشر الشر مختفيًا في دعوته هذه؛
لأن الرشيد كان واقفًا في وجه هذه المقالة، وأَهل الأَهواء، لم يداخلوا بلاط الخلافة، وأَعْرَاقُهُم صافية لم تُهجن بَعْدُ

_____________________________

(1) سير أعلام النبلاء: 11/ 236 وقد بينت تاريخ ظهور أصول البدع في: " الرد على المخالف ": المبحث الأول كما في كتاب " الردود ": (ص: 21-47) وفي حاشية ص/ 31، أشرت إلى الكتب التي اعتنت بذلك التاريخ
(2) تاريخ ابن كثير 9/ 364 حوادث سنة (124 هـ) . الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 109. شرح النونية لابن عيسى 1/ 49

يُتبعــــــــــــــــــــ إن شاء الله ـــــــــــــــــــــــــــــ

أروى آل قشلان
03-12-13, 02:35 PM
دَوْرُ المحنة:
فلما مات الرشيد، سنة (193 هـ) توالى على الانتصار لهذه المقولة ولداه:
فنشأت في أيام المأمون، ثم استفحلت جدّا في أَيام المعتصم،
ثم استمرت على هذا المنوال في أيام حفيده: الواثق بن المعتصم، وثلاثتهم أمهاتهم: أم ولد.

- المحنة في عهد المأمون: " دور نشأة الامتحان بها ":

كانت هذه المقولة إلى وفاة الرشيد، " فتنة " تدور في فلك البحث، والمناظرة، وكان القول بها من المتبنين لها، على وَجَلٍ، وخوف،
وكان القائل بها مقموعًا، والمقولة مكبوتة، والألسنة مكفوفة،
ولم يتدخل أَحد من الولاة بالانتصار لها؛ إذ كان الولاة على الإسلام، والسنة، لم تداخلهم هذه الأَهواء الفاسدة، والمقولات الباطلة، والأعراق الدخيلة.
حتى تولى تلميذ أَبي الهذيل العلاف المعتزلي: سابع خلفاء بني العباس الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، المتوفى سنة (218 هـ)
فصار من أمره ما صار من تعريب كتب اليونان،
ولهذا نقل الصفدي في: " شرح لامية العجم " عن شيخه، شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- قوله:
" ما أظن أن الله يغفل عن المأمون، ولابد أن يُقَابَل على ما اعتمده مع هذه الأمة من إِدخال هذه العلوم الفلسفية بين أَهلها " انتهى.

وقد توغل الفرس في خلافته، وداخله أهل الكلام، وخاصة " بطانة السوء ": " أرباب الاعتزال والتجهم ".
فكانت روحه متشبعة بالاعتزال، والمعتزلة من حوله على بلاط الخلافة، قد اتخذهم له شعارًا، ودثارًا، منهم: ثمامة بن الأَشرس،
و " أَحمد البدعة ": أحمد بن أبي دؤاد، المشؤوم على هذه الأمة، النافخ في كير هذه الفتنة، فكان يُحسن لَهُ هذه المقولة، ويدعوه إليها، حتى استجاب المأمون لها،
وفي عام 212 هـ. فتح باب القول فيها، وإعلان المناظرة عليها في مجلسه وهو في بغداد،
ولم يتجرأ قَبْلُ على مراغمة الناس على القول بها، لوجود شيخ أهل السنة في زمانه: يزيد بن هارون، لما له من سلطان على النفوس، والقلوب، وأمر العامة على الولاة عسير فلما مات يزيد سنة (206 هـ) ،
والمأمون في حال غيابه عن بغداد، وهو في طرسوس، ابتعادًا عن مواجهة العامة والخاصة، وما للعلماء من نفوذ على قلوب العامة،
وفي حال ضعف وتخلف صحة المأمون، دعاه أَحمد البدعة، على حمل الناس عليها، ومراغمتهم على القول بها،
فأَخذ المأمون في هذه الخطة المشؤومة " محنة القول بخلق القرآن " سنة وفاته عام (218 هـ) نعوذ بالله من سوء الخاتمة،
ومن بطانة السوء وهكذا شؤم مخالطة أهل الأَهواء،
______________________

يُتبعــــــــــــــــــــ إن شاء الله ـــــــــــــــــــــــــــــ

لؤلؤة الدعوة
05-12-13, 10:00 PM
جزاك الله خيراً أختنا أوبة ،
واصلي وصلكِ الله برحمته وتوفيقه ..

زهرة ندية
10-05-14, 09:54 AM
جزاك الله خيرا افدتينا

أروى آل قشلان
18-05-14, 03:25 PM
جزاك الله خيراً أختنا أوبة ،
واصلي وصلكِ الله برحمته وتوفيقه ..
أكرمكِ الله على دعائكِ الطيب الغالية لؤلؤة الدعوة .. لا أعلم كيف ذُهلتُ عنه
وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره
جزاك الله خيرا افدتينا
بارك الله فيكِ أختي زهرة .. ومرحبًا بكِ في ملتقاكِ وبين أخواتكِ

أروى آل قشلان
18-05-14, 03:36 PM
وكان متولي كبرها ثلاثة نفر:
1- أَحمد البدعة، النافخ في كير هذه الفتنة، المشؤوم على هذه الأمة رئيس قضاة المأمون: أحمد بن أَبي دؤاد ت سنة (240 هـ)
2- خادمه في بغداد: المصعبي: إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب الخزاعي ت سنة (235 هـ) صاحب الشرطة في بغداد، أَيام المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل.

كان المأمون يبعث له وهو في طرسوس سنة (218 هـ) ، الكتاب يتلوه الكتاب حتى بلغت في هذا العام خمسة كتب،
ساقها المؤرخون منهم ابن جرير الطبري في: " تاريخه: 2/ 112-121 "، وكان ثانيها في شهر ربيع الأول عام 218 هـ.
بدأ بكتابه الأول بدعوة العلماء إلى دار الشرطة ببغداد، وأخذ جوابهم على القول بخلق القرآن، ثم بعث أجوبتهم إليه،
وخص من لهم مناصب من العلماء، وجعل عقوبة من لم يجب العزل من منصبه.
ولم يلتفت لكتابه أَحد من العلماء الأحرار الطلقاء.
فكتب ثانية له ببعث سبعة من المحدِّثين، هم:
محمد بن سعد، كاتب الواقدي، ويزيد بن هارون، وابن معين، وأَبو خيثمة زهير بن حرب وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أَبي مسعود، وأَحمد بن إبراهيم الدورقي.
وتحت التهديد، والامتحان، أجابوا مكرهين.
فلما علِمَ الإمام أَحمد تمنى أَن لو صبروا، وقاموا لله، لكان الأَمر قد انقطع،
وقال: " هم أَول من ثلم هذه الثلمة " لأَنهم أَجابوا، وهم عيون البلد، فاجْتُرِأَ عَلَى غيرهم.
وكان أَحمد لا يرى التحديث عمن أَجاب في الفتنة، ولَمْ يُصَلِّ عَلَى من أَجاب، منهم: أَبو نصر التمار.
ثم تتابعت كتب المأمون، وكان من الذين أَجابوا: أَبو معمر القطيعي، وكان من شدة إِدلاله بالسنة يقول: لو تكلمت بغلتي لقالت: إِنَّها سُنية.
وأخذ في المحنة، فَأَجَابَ، فَلَمَّا خرج قال: كفرنا وخرجنا.
ثم اشتدت لهجة المأمون في كتبه، فجعل فيها عقوبة من لم يُجِبِ " الحبس "، وأَمر بإحضار علماء بغداد، وامتحانهم على ذلك،
فلم يجب أربعة منهم، وهم:
أَحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد، المشهور بلقب: " سجادة "
وقد أَجاب الأخيران بَعْدُ تقية،
وأَصر أَحمد ومحمد بن نوح، على الحق: " القرآن كلام الله غير مخلوق ".
من هنا حُبس الشيخان، وقُيدا، وحُملا على جمل مُتَعادِلَيْن وَبُعِثَ بهما إلى المأمون في طرسوس،
وكان أحمد في الطريق يسأل الله أن لا يرى المأمون، فمات المأمون وهما، في الطريق سنة (218 هـ) .
فَرُدَّا إلى بغداد، ومات محمد بن نوح في الطريق بمحل اسمه: " عانات " فَحُلَّت أقياده، وغُسِّل، وصلى عليه الإمام أحمد،
ودُفِعَ بأَحمد إلى السجن في بغداد.

هذا ولا يشك الدارسون لخبر هذه المحنة، أَن هذه الكتب التي بعث بها المأمون إلى عامله المذكور، من صُنع ابن أبي دؤاد، ونسجه.
3- صحفي الفتنة: فرخ الاعتزال، تلميذ ثمامة بن الأشرس، والنظام: الجاحظ: عمرو بن بحر بن محبوب البصري الكناني،
مولاهم المعتزلي ت سنة (255 هـ) وهو أول من لقب بالجاحظ، ويلقب أيضا بالحدقي.
كان ينشر المناظرة، ويروجها، ويلبس على أنظار الخاصة، والدهماء، وقد أهدى كتابه: " البيان والتَّبَين " لابن أبي دؤاد،
فأجازه عليه خمسة آلاف درهم، وأَخذ ينشر في الناس، مديحه لأَحمد البدعة، ومقادحه في أَحمد السنة.
وكان من العقوبات التي فرضها المأمون على من لم يقل بخلق القرآن، إلزامه القضاة بعدم قبول شهادة من لا يقر بهذه المقالة،
وكان قاضيه على مصر هارون بن عبد الله بن محمد الزهري ثم العوفي، من ذرية عبد الرحمن بن عوف،
قد تسامح في ذلك فَصُرِفَ عن القضاء وولَّى مكانه محمد بن أبي ليلى (1) .

هذه صورة لخطوات الفتنة، فالمحنة، وبينما هي على أَشدها كذلك في عهد المأمون هذا، إِذ ينازعه المرض فَلَمَّا أحس بدنو الأَجل،
كانت وصيته لأَخيه المعتصم الخليفة بعده، أَن يواصل أَمر المحنة على القول بخلق القرآن، وحمل الناس عليه،
ولهذا بلغ البلاء أَشده في عهد المعتصم،
وإليك خبره ...

______________

(1) لسان الميزان: 6/180

فاطمة أم معاذ
19-05-14, 11:33 AM
الله المستعان جزاك الله كل خير ورحم الله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمة واسعة

دعاء بنت وفقي
20-05-14, 06:40 PM
جزاك الله خيرا .

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:30 AM
الله المستعان جزاك الله كل خير ورحم الله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمة واسعة

جزاك الله خيرا .

وإياكما أختيَّ الكريمتين "طويلبة مبتدئة" ," راجية جنة ربي" .. شرُفتُ بمروركما

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:35 AM
المحنة في عهد المعتصم: " دور استفحال المحنة " (2) :

تَوَلَّى المعتصم محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور العباس الملقب بالمعتصم بالله،
وهو أَول من لقب بالمعتصم بالله،وأول من أضاف اسم الله إلى لقبه سنة (218 هـ)
وأمه أم ولد كذلك، وكان يسمى المثمن لأَنه ثامن خلفاء بنى العباس حتى مات سنة (227 هـ)
ولم يكن على درجة المأمون في معلوماته، بل كان موصوفًا بالجهل، وهو القائل:
" لا حول ولا قوة إلَّا بالله: خليفة أُمِّيٌ، ووزير عَامِّي "؛ وذلك لما مرت عليه كلمة: الكلأ فلم يعرف معناها، لا هو، ولا وزراؤه.
اسْتَلَم أَمر الخلافة، وابن أَبي دؤاد، على بلاط الخلافة يترجل، وأَذناب الاعتزال من حوله، يواصلون مسيرة الامتحان بخلق القرآن،
متسترين بالسلطان، يحثونه على إِنفاذ وصية المأمون، ويحسنون له أَنه لا استقرار لِحُكْمِهِ إلَّا بذلك.
وفي هذه النوبة تسلطت الأَضواء على السجين المكبل، المعذَّب الإمام أَحمد بن حنبل الذي باء المعتصم بالأَمر بضربه في عهده حَتَّى خُلِعَتْ يَدَاه،
إذ لم يضرب قبل في عهد المأمون، ولا بعد في عهد الواثق،
وإليك خبره في هذا العهد:

بقي أَحمد مقيدًا في بغداد يُنقل من سجن إلى سجن، حتى حُوِّل إلى سجن العامة، وكان يصلي بأهل السجن، وهو مقيد،
فصار مُكْثُه نحوًا من ثلاثين شهرًا.
وكلان يناظره في السجن رجلان هما: أحمد بن محمد بن رباح، وأَبو شعيب الحجام،
وكانا كلما فَرَغَا من مناظرته، زاداه قيدًا على قيوده وآلت به الحال إلى إِثقاله بالقيود، وجعله في سجن ضيق، مظلم لا نور فيه.
وكان دعا ربه أَن لا يرى المأمون، فمات في نفس العام وأحمد يُساق إليه في الطريق مقيدًا بالحديد سنة (218 هـ) .
وكان ممن توفي في السجن عام 217 هـ شيخ دمشق ومحدثها أَبو مسهر الغساني عبد الأَعلى بن مسهر ببغداد سنة (218 هـ) في حبس المأمون
لكونه لم يجب إلى القول بأن القرآن مخلوق.
ثم حمل الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- على دابة إلى المعتصم في العشر الأَواخر من رمضان عام (219 هـ) ، فيناظره المشؤوم: أحمد البدعة
وجمع كثير من أصحابه المعتزلة في مجالس متعددة، يحاجه هذا، ثم يحاجه آخر وهكذا يستلمه واحد بعد آخر
وأحمد البدعة، يحاج تارة، وتارة يستعمل " الحرب النفسية " مع الإمام أَحمد السنة، فينظر إليه نظرات الغضب،
فإذا انقطع أَحد من أَصحابه في المحاجة، اعترض المشؤوم أحمد البدَعة، ومن المسمين في محاجة الإمام أحمد في مجالس المعتصم، والواثق: عبد الرحمن ابن إسحاق، وبرغوث المعتزلي، ورجلان من أَصحاب ابن أَبي دؤاد، لم يسميا.

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:40 AM
* دَوْرُ النُّصْرَة:

وكان الإمام أحمد، لا يلتفت إلى أحمد البدعة، ولا ينظر اليه،
وكان يرفض أَحيانًا محاجته؛ لأَنه عامي، فيزداد غيظ أَحمد البدعة، وينزل من عيون الحضور.
والإمام أحمد: في هذه المجالس المتعاقبة يرى أن الأخذ بالتقية، والإجابة في الفتنة: هضم للِإسلام والمسلمين،
فاستمر وهو صابر ثابت، محتسب، صَلْبٌ، مصمم، مصر على كلمة الحق، وقرع شبَه الباطل بحجج الحق الظاهر، ومَا ضُبطَ عليه لحن قط،
والناس في رحبة الدار خلق لا يحصيهم إلَّا الله تعالى في أيديهم الصحف والأَقلام والمحابر يكتبون ما يقوله أحمد.
وأما ما يصيبه من الأذى، والابتلاء على رؤوس الملا، فحدِّث ولا حرج:
إحضار الجلادين معهم السياط، يُضْرَبُ بها الإمام حتى يسقط، فإذا أفاق لُعن وسُبَّ،
ومع نخسه بقوائم السيوف، وسحبه على وجهه، وخلع يديه بشدهما في خشبتين حتى ينخلعا، وتطرح على ظهره الحصر والبواري،
والإمام أَحمد في كل هذه الأَحوال مقيد، وفي بعضها وهو في حال الصيام. استمر الإمام على هذه الحال ثمانية وعشرين شهرًا.
والمعتصم في هذه الأحوال، يرقُّ للإمام أحمد، ويقوٍل: لولا أَني وجدتك في يد من كان قبلي، ما عرضت لك، ويريد أن يُخلي سبيله،
وأحمد البدعة يصرفه عما يريد، ويهول عليه سوء العاقبة إن أطلقه وخَلَّى سبيله.
ثم استدعى المعتصم عَمَّ الإمام أحمد، وقال لهم: ها هو صحيح البدن، فقال: نعم، قال: سلمته إِليكم.
وما هذا إِلًا لعظم منزلة الإمام أَحمد في نفوس العامة والخاصة، فخاف أَن يموت من الضرب فتخرج عليه عامة بغداد، ولو خرجوا عليه لربما عجز عنهم.
وخلع عليه المعتصم ثيابًا ورياشا، فلما وصل أَحمد إلى داره
خلع ما كان عليه، وأَمر به فبيع، وتصدَّق بثمنه.
هذا ملخص خبر محنته أَيام المعتصم حتى مات المعتصم سنة (227 هـ) .

استمرت من السنة التي مات فيها المأمون إلى تَوَلِّي أَخيه المعتصم سنة (218 هـ) : ثمانية وعشرون شهرًا ابتداء من شهر جمادى الآخرة، حتى شهر ذي الحجة عن عام سنة (220 هـ)
وبعدها أَطلقه المعتصم من السجن، ورفع عنه المحنة وعن غيره، وعاش الإمام طليقًا يحضر الجمعة والجماعة، بعد برئه من مرض ما لحقه من الضَّرْبِ والتعذيب، يباشر التدريس، والفتوى، والتحديث وذلك لمدة سبع سنين دأبا حتى مات المعتصم سنة (227 هـ) .


* عفوه عمَّن آذاه إلَّا صاحب بدعة:

بدن يُعذب، لكن روحه في نعيم، وأنس بالله- عز وجل-، وصبر واحتساب في ذات الله، ونصرة دينه، وإيثار للدين على الدّنيا؛
لهذا لما أفلت الفتنة في عهد المعتصم، كان من سمو نفسه، وعالي خلقه، وشرف طبعه:
إعلانه العفو عن كل من آذاه وأنه في حل إلا صاحب بدعة، وجعل المعتصم في حِل يَوْمَ فتَحَ بابل، وعمورية.

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:42 AM
* المحنة في عهد الواثق: " دور استمرارها ":


مات المعتصم سنة (227 هـ) ، ثم تولى ابنه الواثق، وهو من أم وَلَدٍ كذلك، وكانت وفاته سنة (232 هـ) .
ولم يُؤثر عنه أَنه أَلحق بالإمام أَحمد أذى، أو محنة في الفتنة؛ لأَنه علم مقام الإمام أَحمد من العامة والخاصة، فخشي ثورتهم عليه،
ولأَن ذلك يزيد أَحمد منزلة عند الناس ويزيد فكره ذيوعًا وانتشارًا، لكن لقاء تحريك ابن أَبي دؤاد لها، وتأليفه للخليفة ضد الإمام أَحمد،
وتعاون قضاة السوء معه، وتخوفهم من الإمام أَحمد لمَّا انبسط في التحديث، كتب الواثق كتابه إلى عامله إِسحاق بن إِبراهيم،
ينهى فيه الإمام أَحمد عن مساكنته وليذهب حيث شاء عندئذِ قطع أَحمد التحديث في آخر سنة (227 هـ) واختبأ بين داره، ودُور أَصدقائه،
وما زال كذلك حتى هلك الواثق سنة (232 هـ) .
وفي موت المعتصم، تم تَوَلِّي الواثق، قال دِعْبِل بن علي الخزاعي المتوفى سنة (246 هـ) :
خليفة مات لم يحزن له أَحد وآخر قام لم يفرح به أَحد
ثم أَجج هؤلاء المبتدعة الفتنة مُتَسَتِّرِيْنَ بالواثق، فاشتد أَحمد البدعة، وأَذناب الفتنة، يتابعون علماء أهل السنة، ويمتحنونهم،
فاشتد أمر المحنة على علماء أهل السنة، وألحقهم صُنُوْفَ الأذى:
فسلَّط الواثق غَضْبَتَهُ على الإمام أَحمد بن نصر الخزاعي،
فقتله الواثق بيده؛ لامتناعه عن القول بخلق القرآن،
وذلك سنة (231 هـ)فرؤي أَحمد بن نصر حين قُتل، قال رأسه: " لا اله إلَّا الله ".
وكان رأسه إلى غير القبلة، فتديره الريح إلى القبلة، وبقي الرأس منصوبًا ببغداد، والبدن مصلوبًا بسامراء،
ست سنين إلى أن أَنزل سنة (237 هـ) فجُمع وَدُفِنَ- رحمة الله تعالى عليه-.
ولعل الدافع لقتله ما ذكر في ترجمته، من أَنه هو وسهل بن سلامة بَايَعَا الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لكن سهلا بايع المأمون لما قدم، فلزم ابن نصر بيته،
ثم تحرك في آخر أيام الواثق، فاحتشد الناس حوله، فخاف الواثق من تفاقم شأنه، في خبر يطول ذكره، فصار ما صار وإلى الله المصير.
وتسلط الواثق على الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأَذرمي، شيخ أبي داود، والنسائي، وغيرهما،
فجيء به مسجونا، مقيدا، مهانًا، ليناظر أَحمد البدعة،
فجرت بينهما مناظرة طويلة كما في: " النجوم الزاهرة: 2/ 261- 262 ".
وانتهت المناظرة بخروج الأذرمي على ابن أبي دؤاد، فَحُلَّ قَيْدُ الشيخ،
وبكى الواثق، وصرفه مكرما
وقيل: إن الواثق تاب من القول بخلق القرآن بسببه.
والحافظ نعيم بن حماد مات في سجن الواثق.
ومن مصر صاحب الإمام الشافعي وتلميذه: البويطي- نسبة إلى بويط من عَمَلِ مصر-: أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي؛ إذ جيء به مصفدًا بالحديد، فسجنه حتى مات في السجن سنة(231 هـ) في عهد الواثق.
وجريمته: أَنه لم يجب أَحمد البدعة إلى مقالته.
وكان من أمر الواثق لما استخلف أنه كتب إلى قاضي مصر محمد بن الحارث بن أبي الليث، المتوفى سنة (250 هـ) ببغداد: بامتحان الناس في القرآن،
فَهربَ كثير منهم، وملأ السجون بالكثير ممن أنكر المسألة، وكتب على أبواب المساجد " لا إله إلا الله رب القرآن وخالقه ".
ثم عوقب بالسجن، والضرب، والطرد، في ولاية المتوكل، نعوذ بالله من الخذلان والضلالة (1)


__________________________

(1) انظرلسان الميزان: 5/110 -111

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:55 AM
* رفع الفتنة والمحنة في عهد المتوكل:


في عهد المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن هارون الرشيد - وهو من أم ولد كذلك- ولد سنة (206 هـ) وتوفي سنة (247 هـ) :
رفع الله به المحنة، وأَظهر السنة، وأَفل نجم التجهم والاعتزال، وكتب بذلك إلى الآفاق سنة (234 هـ) .
ووضعت الحرب أَوزارها، وفرح بذلك المسلمون، وخاب الفاتنون.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
والحمد لله رب العالمين.
هذا مجمل خبر القول بخلق القرآن، في أدواره الثلاثة:


فِتْنة، ثم مِحْنَةٌ ثم نُصْرَةٌ.


انتهى بفضل الله ومنِّه

من كتاب المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد
للشيخ العلامة : بكر أبو زيد - رحمه الله-

فاطمة أم معاذ
22-05-14, 01:08 PM
أمم قدر الله وماشاء فعل
أعتذر جدا اختي الكريمة أوبـة حرصت ألا أقطع الموضوع بمشاركة حتى تكملي ليبقى الكلام متصلا
ولكنك لم تضعي في المشاركة (http://www.t-elm.net/moltaqa/showpost.php?p=517437&postcount=6) يتبع فظننتك أكملت

أروى آل قشلان
22-05-14, 09:41 PM
حياكِ الله أختي الحبيبة
بل مداخلتكِ ومداخلات أخواتي الحبيبات أسعدتني وزادت الموضوع بهاءً
رحم الله إمام أهل السنة ورفع درجته في المهديين
أُثر عن أهل العلم قولهم : "نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة."
فاللهم اجمعنا بهم في جنات النعيم وألحقنا بهم غير مبدلين ولا مغيرين.