المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : // الرفيــــــــق والطريــــــــــــق //


أروى آل قشلان
01-01-14, 11:14 PM
http://im32.gulfup.com/IRhBX.gif


الرفيقُــــــــــــــــــ والطريقــــــــــــــــــــــــــــ

إن القلب لما تحوَّل لسفر الهجرة إلى الله ورسوله
طلب رفيقًا يأنس به في السفر
فلا يجد إلا معارضًا مناقضًا أو لائمًا بالتأنيب مصرّحا أو فارغًا من هذه الحركة معرضًا
وليت كل ما ترى هكذا، فلقد أحسن إليك من خلاكَ وطريقكَ ولم يطرح شره عليكَ
كما قال القائل:
إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
فإذا كان هذا المعروف من الناس
فالمطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض وترك اللائمة والاعتراض
إلا ما عسى ان يقع نادرًا فيكون غنيمة باردرة لا قيمة لها
ولا ينبغي أن يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير و لو وحيدًا غريبًا
فانفراد العبد في طريق طلبه دليل على صدق المحبة
ومن أراد هذا السفر - سفر الهجرة إلى الله ورسوله -
فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده
وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات فإنهم يقطعون عليه طريقه
فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة وأوفق له من هذه المفارقة
فقد قال بعض السلف : "شتانَ بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم وبين أقوامٍ أحياء تموت القلوب بمخالطتهم "
فما على العبد أضرُّ من عشائره وأبناء جنسه فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ومباهاتهم
والسلوك أين سلكوا حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍ لأحب أن يدخله معهم
فمتى صرف همته عن صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودة ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم موجودة
استحدث بذلك همة أخرى وعملا آخر وصار بين الناس غريبًا وإن كان فيهم مشهورا ونسيبا
ولكنه غريبٌ محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه يقيم لهم المعاذير ما استطاع
ويحضهم بجهده و طاقته سائرًا فيهم بعينين؛ عينٍ ناظرة الى الأمر والنهى بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ويؤدي لهم الحقوق و يستوفيها عليهم
وعينٍ ناظرة الى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و يستغفر لهم ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر ولا يعود بنقض شرع
وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته وقفًا عند قوله تعالى " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"
متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم
فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم فان العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذله من أموالهم و أخلاقهم
فهذا ما منهم إليه ...
وأما ما يكون منه اليهم فأمرهم بالمعروف وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه وهو ما أمر الله به
وأما ما يتقي به أذى جاهلهم فالإعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والاقتصاص لها
فأي كمال للعبد وراء هذا وأي معاشرة وسياسة لهذا العالم أحسن من هذه المعاشرة والسياسة
فلو فكر الرجل في كل شر يلحقه من العالم أعني الشر الحقيقي الذي لا يوجب له الرفعة والزلفى من الله
وجد سببه الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها وإلا فمع القيام بها فكل ما يحصل له من الناس
فهو خير له وإن شرًا في الظاهر فإنه يتولد من الأمر بالمعروف ولا يتولد منه إلا خيرا وإن ورد في حالة شر وأذى
كما قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ"
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"
وقد تضمنت هذه الكلمات مراعاة حق الله وحق الخلق:
فإنهم إما يسيئوا في حق الله وفي حق رسوله فإن أساءوا في حقك فقابل ذلك بعفوك عنهم
وإن أساءوا في حقي فاسألني أغفر لهم وأستجلب قلوبهم
واستخرج ما عندهم من الرأي بمشاورتهم فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذل النصيحة،
فاذا عزمت فلا استشارة بعد ذلك، بل توكل وامض لما عزمت عليه من أمرك فإن الله يحب المتوكلين.

والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا أبدا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين

منقول من كتاب " زاد المهاجر إلى ربه .. لابن القيم - رحمه الله -

فاطمة أم معاذ
02-01-14, 11:42 AM
اللهم بارك
سبحان الله جزاك الله كل خير أتحفتنا حقا بهذا الكلام النفيس...

بُشريات
02-01-14, 12:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله عنّا خيراً أختي وبارك الله فيكِ.
اختيار موفق بفضل الله وكلام ماتع نافع، نفعنا الله وإياكِ به.

فاطمة أم معاذ
31-01-14, 01:40 PM
وهاقد عدت هنا مجددا
لله دره رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عنا كل خير ونفعنا جميعا بما تركه لنا السلف الصالح من نفائس
سبحان الله هم قوم كانوا حقا يعيشون لله تعالى
جزاك الله كل خير أختي

أروى آل قشلان
04-02-14, 07:37 AM
أحسن الله إليكن أخواتي .. طالبة مبتدئة وبُشرياتhttp://www.t-elm.net/moltaqa/images/icons/icon54.gif
نفعني الله وإياكن به

وهاقد عدت هنا مجددا
لله دره رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عنا كل خير ونفعنا جميعا بما تركه لنا السلف الصالح من نفائس
سبحان الله هم قوم كانوا حقا يعيشون لله تعالى
جزاك الله كل خير أختي

حياكِ اللهhttp://www.t-elm.net/moltaqa/images/icons/icon54.gif
صحيح .. صدقتِ
من يتأمل سيرة الإمام ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وأحوال زمانهما - رحمهما الله -
يدرك السبب في أن كتابات الإمام ابن القيم رحمه الله من أروع وأجمل وأصدق ما كُتب عن غربة الدين وأهله
نسأل الله أن يلحقنا بهم غير مبدلين ولا مغيرين

لؤلؤة الدعوة
04-02-14, 09:00 PM
جزاكم الله خيراً أختنا أوبة .

أروى آل قشلان
22-02-14, 10:33 PM
وإياكِ أختي الكريمة لؤلؤة الدعوة

رقية مبارك بوداني
20-03-14, 03:10 PM
كلام نفيس من إمام رئيس ـ لله دره عالمنا ابن القيم رحمه الله تعالى ـ فما أحوجنا لمثل هذه الدرر النفيسة ، واللآلىء القيمة ، تنعش الروح وتغذي القلب ..
بوركت غاليتي أوبــة انتقاء موفق ، وموضوع قيم ..p1s1

أروى آل قشلان
23-04-14, 08:44 PM
أسعدكِ الله أختي الحبيبة أم حاتم
نسأل الله من فضله

طالبة علم مصرية
08-05-14, 12:22 PM
بارك الله فيك

فاطمة سالم
12-06-14, 12:34 AM
جزاكِ الله خيرًا أوبة الحبيبة على هذا الانتقاء الرائع
أعجبتني هذه



ومن أراد هذا السفر - سفر الهجرة إلى الله ورسوله -
فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده
وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات فإنهم يقطعون عليه طريقه
فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة وأوفق له من هذه المفارقة
فقد قال بعض السلف : "شتانَ بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم وبين أقوامٍ أحياء تموت القلوب بمخالطتهم "

أروى آل قشلان
12-06-14, 06:22 AM
حيا الله الحبيبتين "طالبة علم مصرية" و"أم سعد الجزائرية"
كم يسعد القلب بجمال طَلَّة تلك الأنفس الطيبة على صفحات مشاركاتي

....

نُكتة :
اللبيبُ الفطن من يفهم معنى مرافقة الأموات .. فليس المقصود منها انقطاعه عن أهل زمانه واعتزالهم؛
بل كما بيَّن - رحمه الله -


ولكنه غريبٌ محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه يقيم لهم المعاذير ما استطاع
ويحضهم بجهده و طاقته سائرًا فيهم بعينين؛
عينٍ ناظرة الى الأمر والنهى بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ويؤدي لهم الحقوق و يستوفيها عليهم
وعينٍ ناظرة الى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و يستغفر لهم ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر ولا يعود بنقض شرع
وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته وقفًا عند قوله تعالى " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"
متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم


أسألك ربي من فضلك
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها

فاطمة سالم
12-06-14, 11:43 AM
نُكتة :
اللبيبُ الفطن من يفهم معنى مرافقة الأموات .. فليس المقصود منها انقطاعه عن أهل زمانه واعتزالهم؛
بل كما بيَّن - رحمه الله -





أكيد حبيبتي أنه ليس المقصود عزلة الناس ، فهذا أمر يكاد يكون مستحيلًا في هذا الزمن

وإنما فهمتُ من قول الإمام ابن القيم رحمه الله - ولعلّ فهمي يكون خاطئًا - أرجو تصويبي :

أن مصاحبة الأموات - من سلفنا الصالح رضوان الله عليهم - تكون بالاستنان بسُننِهم والسير على ما ساروا عليه اعتقادًا وعلمًا وعملًا
" فمن كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤتمن عليه "
ولا يستوحش العبد لتفرده في الطريق - وياما احسسنا بهذا - ونظن أننا على خطأ ؛ لكن يأتيك الأنس بمن قد سبقوا فتزول الوحشة .



والعبد لا يخالط إلا من ينفعه أو ينتفع به ويحذر من الثالث ؛ وإن كان لابد من مخالطته فيكون معه جسمًا ويفارقه روحًا وقلبًا


أسأله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين .

أروى آل قشلان
12-06-14, 12:53 PM
اللهم آمين
بوركتِ أختي الحبيبة اللبيبة .. أم سعد
والله أعلى وأعلم