مشاهدة النسخة كاملة : - 2 - كتاب الصلاة من "المختصر من الممتع شرح زاد المستقنع" (كاملة الكواري)
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:46 PM
كِتَابُ الصَّلاةِ
تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسَلِمٍ مُكَلَّفٍ،إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَيَقْضِي مَنْ زَالَ عَقَلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ وَنَحَوِهِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ، فَإِنْ صَلَّى فَمُسْلِمٌ حُكْمًا، ويُؤْمَرُ بِهَا صَغِيرٌ لِسَبْعٍ، ويُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، فَإِنْ بَلَغَ فيِ أَثْنَائِهَا، أَوَ بَعْدَهَا فيِ وَقْتِها أَعَادَ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إِلَّا لِناوِي الجَمْعِ، وَلِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا الَّذِي يُحصِّلُه قَرِيبًا.
_________________________________
قوله: «تجب» والمراد بالوجوب هنا:الفريضة «على كل مسلم»؛ فالكافر لا تجب عليه، فلا يُلْزم بها حال كفره ولا يلزمه قضاؤها بعد إسلامه،ويحاسب عليها في الآخرة «مكلف» أي بالغ عاقل «لا حائضًا ونفساء» فلا تجب عليهما الصلاة.
قوله: «ويقضي من زال عقله بنوم» وفي العبارة شيء من التساهل؛ لأن النائِمَ ليس زائِلَ العقل، بل مغطّى عقله وفاقد لإحساسه الظاهري «أو إغماء» هو التطبيق على العقل، فلا يكون عنده إحساس إطلاقًا، فلو أيقظته لم يستيقظ فذلك يقضي الصلاة.
والراجح أنه لا يقضى مطلقًا؛ لأن قياسه على النائم ليس بصحيح، فالنائم يستيقظ إذا أوقظ، وأما المغمى عليه فإنه لا يشعر([1]).
ولو زال أيضًا بـ«سكر أو نحوه» كالبنج والدواء.
والذي يترجح عندي أنه إن زال عقله بفعله فعليه القضاء، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه([2]).
قوله: «ولا تصح من مجنون»([3]) ومثله الهرم الذي لا يعقل «ولا كافر»، سواء أكان أصليًّا أم مرتدًّا.
قوله: «فإن صلى فمسلم حكمًا» أي: نحكم بإسلامه حكمًا لا حقيقة، حتى وإن لم ينو الإسلام بما فعله، فنطالبه بلوازم الإسلام، فيرث أقاربه المسلمين ويرثونه.
قوله: «ويؤمر بها» مبني للمجهول؛ لأن الآمر لا يتعين، فكل من له الإمرة على هذا الصبي فإنه يأمره بالصلاة؛ كالأب والأم والجد.
وقوله: «صغير لسبع» أي: لتمامه لا لبلوغها، وكذا نأمره بلوازم الصلاة من الطهارة وغيرها من الواجبات، ويستلزم تعليمه ذلك «ويضرب»مثل «يؤمر».
وقوله: «عليها» أي على الصلاة ليفعلها، ولا يكون ذلك إلا بالترك، والضرب باليد أو الثوب أو العصا، أو غير ذلك، ويشترط ألا يكون ضربًا مبرحًا.
قوله: «فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد» أي أثناء الصلاة أو بعد انتهائها لكن في وقتها.
والراجح أنه لا يعيد الصوم والصلاة؛ لأنه صام وصلى على الوجه الذي أمر به، فسقط عنه الطلب بالفعل([4]).
قوله: «ويحرم تأخيرها عن وقتها» أي المختار حرمة تأخيرها بالكلية أو تأخير بعضها بحيث يؤخر الصلاة، حتى إذا لم يبق إلا مقدار ركعة صلى، ولكن لا يحرم «لناوِي الجمعِ»؛ وذلك لأنه إذا جاز الجمع بين الصلاتين صار وَقْتُهُمَا وقتًا واحدًا، وكذا «لمشتغل بشرطها الذي يُحَصِّلُهُ قريبًا» كخياطة ثوب انشق وليس له غيره، ومثله لو وصل إلى الماء عند غروب الشمس، فإن اشتغل باستخراجه غربت الشمس فله أن يؤخرها عن وقتها، وإن كان يحتاج إلى حفر البئر وهو بعيد فلا يؤخرها.
والصواب أنه لا يجوزأن يؤخرها عن وقتها مطلقًا، وأنه إذا خاف خروج الوقت صلى على حاله([5]).
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/222)، وما رجحه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين. انظر الإنصاف (1/389).
([2]) وهو ما تئول إليه عدة أقوال في الإنصاف (1/389-390).
([3]) ولا تجب عليه، ولا يقضي إذا أفاق، إلا أن يفيق في وقتها، والأبله الذي لا يفيق كالمجنون. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (1/414).
([4]) والإعادة هي المذهب، كما في كشاف القناع (1/226)، والذي رجحه الشيخ تخريج لأبي الخطاب واختاره الشيخ تقي الدين وغيره. انظر الإنصاف (1/397).
([5]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/226-227)، وروى في الإنصاف (1/399) عن الشيخ تقي الدين وابن المنجا وغيرهما أن في جواز التأخير لأجل الاشتغال بالشروط نظرًا.
__________________
المصدر (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=315953)
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:47 PM
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ، وَكَذَا تَارِكُهَا تَهَاوُنًا وَدَعَاهُ إِمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ فَأَصَرَّ وَضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ عَنْهَا، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا فِيِهمَا.
_________________________________
قوله: «ومن جحد وجوبها كفر» أي: وجوب الصلاة المجمع على وجوبها، وهي: الصلوات الخمس والجمعة، واستثنى العلماء منه ما إذا كان حديث عهد بكفر وجحد وجوبها، فإنه لا يكفر، لكن يُبَيَّن له الحق.
قوله: «وكذا تاركها تهاونًا، ودعاه إمام أو نائبه فأصر وضاق وقت الثانية عنها» أي إذا تركها تهاونًا وكسلًا مع إقراره بفرضيتها فإنه كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة، ولكن بشرطين: أن يدعوه«إمام أو نائبه» إلى فعلها، وأن يضيق «وقت الثانية عنها»، وعليه فإذا ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها فإنه لا يكفر، سواء كانت تجمع إلى الثانية أو لا تجمع، وعلى هذا فمذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه أنه لا يمكن أن يحكم بكفر أحد ترك الصلاة في زماننا؛ لأنه لم يدعه الإمام ولم نتحقق أنه تركها كسلًا؛ إذ قد يكون معذورًا.
وأما تضايق وقت الثانية دون الأولى؛ فلأنه قد يظن جواز الجمع من غير عذر؛ فلاحتمال هذا الظن لا نحكم بكفره.
قوله: «ولا يقتل» التارك والجاحد «حتى يستتاب»ويستتيبه من له الأمر، فيقول له: تب إلى الله وصل ثلاثة أيام، ويُعلم أنه لو مات قبل الثلاثة أيام فإنه كافر، ويستتاب «ثلاثًا فيهما»أي: في الجحود والترك، فإن تاب وإلا قتلناه.
__________________
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:48 PM
بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ
هُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ المُقِيمِينَ لِلصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةِ،وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا، وَتَحْرُمُ أُجْرَتُهُمَا، لَا رَزْقٍ مِنْ بَيْتِ المَالِ لِعَدَمِ مُتَطَوِّعٍ، وَيَكُونُ المُؤَذِّنُ صَيِّتًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ. فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ قُدِّمَ أَفضَلُهُمَا فِيهِ، ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الجِيرَانُ، ثُمَّ قُرْعَةٌ.
_________________________________
قوله: «هما فرضا كفاية» هذا بيان لحكمهما، وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
قوله: «على الرجال» أي البالغين، فخرج بذلك الصغار والإناث، فلا يجب عليهم، والمذهب كراهة الأذان والإقامة للنساء.
قوله: «المقيمين»فالمسافرون لا أذان عليهم واجب، ولا إقامة، ولكن يسن، والصواب وجوبه على المقيمين والمسافرين([1]).
قوله: «للصلوات الخمس المكتوبة» أي المفروضة دون المنذورة -ومنها الجمعة- «المؤداة» خرج بهذا المقضية([2])، والصواب وجوبهما للصلوات الخمس المؤداة والمقضية([3]).
قوله: «يقاتل أهل بلد تركوهما» ويقاتلهم الإمام إلى أن يؤذنوا([4]).
قوله: «وتحرم أجرتهما» أي: أن يُستأجر شخص يؤذن أو يقيم، أما الجعالة: بأن يقال: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا بدون عقد وإلزام، فهذه جائزة؛ لأنه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة.
قوله: «لا رزق من بيت المال» أي: لا دفع رزق، فلا يحرم أن يعطى المؤذن والمقيم عطاء من بيت المال، وهو ما يعرف في وقتنا بالراتب.
قوله: «لعدم متطوع» هذا شرط لأخذ الرزق، فإن وجد متطوع أهل فلا يجوز أن يعطى من بيت المال.
قوله: «ويكون»أي يستحب أن يكون «المؤذن صيتًا» أي قوي الصوت، أو حسن الصوت، وكلاهما مستحبان «أمينًا» أي: عدلًا «عالمًا بالوقت ليتحرَّاه»فيؤذن في أوله.
قوله: «فإن تشاح فيه اثنان»أي: تزاحما فيه، وهذا في مسجد لم يتعين له مؤذن، فإن تعيَّن بقي الأمر على ما كان عليه.
وقوله: «قدم أفضلهما فيه» أي: في الأذان من حسن الصوت والأداء والأمانة والعلم بالوقت، «ثم أفضلهما في دينه وعقله» حسن الترتيب، فيستطيع أن يرتب نفسه، ويجاري الناس بتحملهم في أذاهم «ثم من يختاره الجيران» أي: أهل الحي، «ثم قرعة» هذا إذا تعادلت جميع الصفات.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/232)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/407).
([2]) قال ابن قاسم النجدي في حاشية الروض المربع (1/431): «فلا يشرع الأذان ولا الإقامة لمنذورة ولا مقضية ولا نافلة ولا جنازة ولا عيد؛ لأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة على الأعيان والقيام إليها».
([3]) المذهب أنهما مسنونان للمقضية، كما في كشاف القناع (1/232)، وما صوبه الشيخ قول، كما في الإنصاف (1/408).
([4]) قال أبو بطين في حاشية الروض المربع (1/82): «وظاهره أنهم إذا تركوا أحدهما لا يقاتلون. صرح به نصر الله».
__________________
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:49 PM
وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ جُمْلَةً يُرَتِّلُهَا عَلَى عُلْوٍ، مُتَطَهِّرًا، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، جَاعِلًا إِصْبَعَيْهِ فيِ أذُنَيْهِ، غَيْرَ مُسْتَدِيرٍ، مُلْتَفِتًا فيِ الحَيْعَلَةِ يِمِينًا وَشِمَالًا، قَائِلًا بَعْدَهُمَا فيِ أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ. وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ يَحْدُرُهَا، وَيُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ فيِ مَكَانِهِ إَنْ سَهُلَ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبَا، مِنْ عَدْلٍ، وَلَوْ مُلَحِّنًا أَوْ مَلْحُونًا، وَيُجْزِئُ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَيُبْطِلُهُمَا فَصْلٌ كَثِيرٌ، وَيَسِيرٌ مُحَرَّمٌ..
_________________________________
قوله: «وهو خمس عشرة جملة يرتلها على علو» فالتكبير في أوله أربع، والشهادتان أربع، والحيعلتان أربع، والتكبير في آخره مرتان، والتوحيد واحدة، وهذا أول الشروط في الأذان: ألا ينقص عن خمس عشرة جملة.
وقوله: «يرتلها على علو» أي: يقولها جملة جملة، وهذا هو الأفضل، ويكون الأذان على شيء عال، في حال كونه «متطهِّرًا» أي: من الحدث الأكبر والأصغر، وهو سنة، ولكن يُكْرَه أذان الجنب دون أذان المحدث حدثًا أصغر، وفي حال كونه «مستقبل القبلة» قال صاحب الفروع: وهو متوجه في كل طاعة إلا بدليل، و«جاعلًا إصبعيه في أذنيه»أي السبابتين «غير مستدير» أي: لا يستدير بأن يمشي فلا يزيل قدميه في منارة ولا غيرها.
قوله: «ملتفتًا في الحيعلة يمينًا وشمالًا» الحيعلة: أي: قول حي على الصلاة، وهي مصدر مصنوع، ومثله: بسملة وحوقلة وحمدلة، فيلتفت يمينًا لحَيِّ على الصلاة وشِمَالًا لحي على الفلاح في المرتين جميعًا.
قوله: «قائلًا بعدهما» أي بعد الحيعلتين: «في أذان الصبح»أي الأذان الذي سببه طلوع الفجر «الصلاة خير من النوم، مرتين».
قوله: «وهي» أي: الإقامة «إحدى عشرة»جملة «يحدرها»أي: يسرع فيها، فلا يرتلها، وكانت إحدى عشرة؛ لأن التكبير في أولها مرتان، والتشهد للتوحيد والرسالة مرتين، والحيعلة مرتين، و(قد قامت الصلاة) مرتين، والتكبير مرتين، والتوحيد مرة.
قوله: «ويقيم من أذن استحبابًا في مكانه إن سهل» أي: مكان أذانه إن سهل، فإن صعب كما لو كان في منارة فإنه يقيم حيث تَيَسَّرَ، وفي وقتنا الحاضر يمكن لمن أذن أن يقيم في مكانه بواسطة المكبر.
قوله: «ولا يصح» الأذان «إلا مرتبًا»والترتيب: أن يبدأ بالتكبير ثم التشهد ثم الحيعلة ثم التكبير ثم التوحيد فلو نكس لم يجزئ، ولا يصح كذلك إلا «متواليًا» بحيث لا يفصل بعضه عن بعض، ولا يصح إلا «من عدل» فلابد أن يكون مسلمًا عدلًا، ولو أذن المعلن بفسقه فإنه لا يصح أذانه، «ولو مُلَحِّنا» الملحن: المطرب به؛ أي: يؤذن على سبيل التطريب به، كأنما يجر ألفاظ أغنية فإنه يجزئ لكنه يكره، «أو ملحونًا» الملحون: هو الذي يقع فيه اللحن؛ أي: مخالفة القواعد العربية فيصح مع الكراهة، فإن كان يتغير به المعنى فلا يصح معه الأذان.
قوله:«ويجزئ» الأذان «من مميز» والمميز من بلغ سبعًا إلى البلوغ.
قوله:«ويبطلهما» أي الأذان والإقامة «فصل كثير» فلو كبر أربع تكبيرات، ثم انصرف وتوضأ، ثم أتى، فإن الأذان لا يصح، بل يجب أن يبتدأه من جديد، ويبطلهما أيضًا «يسير محرم»أما إذا كان يسيرًا مباحًا، كما لو سأله سائل وهو يؤذن: أين فلان؟ فقال: ذهب، فهذا يسير مباح، فلا يبطله.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:49 PM
وَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْوَقْتِ، إِلَّا الفَجْرَ بَعْدَ اللَّيْلِ، وَيُسَنُّ جُلُوسُهُ بَعْدَ أَذَانِ المَغْرِبِ يَسِيرًا، وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مُتَابَعَتُهُ سِرًّا، وَحَوْقَلَتُهُ فِي الحَيْعَلَةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ: «اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ».
_________________________________
قوله: «ولا يجزئ قبل الوقت» ويسن أول الوقت.
قوله: «إلا الفجر بعد نصف الليل» فيصح الأذان، وإن لم يؤذن في الوقت، وعلى هذا؛ فلو أن المؤذنين أذنوا في الساعة الثانية عشرة، ولما طلع الفجر لم يؤذنوا فهذا يجزئ.
والقول الثالث أنه لا يصح لصلاة الفجر؛ ولو كان فيه من يؤذن بعد الفجر، وأن الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النوم من أجل أن يتأَهَّبُوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، وهذا القول أصلح([1]).
قوله: «ويسن جلوسه بعد أذان المغرب يسيرًا» بحيث يفصل بين الأذان والصلاة.
قوله: «ومن جمع»ويتصور بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وسيأتي بيان سبب الجمع«أو قضى فوائت أذن للأولى، ثم أقام لكل فريضة»أي يؤذن مرة واحدة ويقيم لكل فريضة.
قوله: «ويسن لسامعه متابعته سرًّا»لسامعه يشمل الذكر والأنثى، والنداء الأول والثاني، ولو كان المؤذنون يختلفون فيجيب الأول ويجيب الثاني، ولكن لو صلى ثم سمع مؤذنًا بعد الصلاة فلا يجيب؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه، فإن رآه ولم يسمعه، فلا تسن المتابعة.
قوله: «وحوقلته في الحيعلة» هذان مصدران مصنوعان ومنحوتان؛ فالحوقلة مصنوعة من «لا حول ولا قوة إلا بالله»، والحيعلة من «حي على الصلاة» «حي على الفلاح» فتقول إذا قال المؤذن: «حي على الصلاة»: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: «حي على الفلاح» لا حول ولا قوة إلا بالله.
قوله: «الدعوة التامة»هي الأذان؛ ووصفها بالتامة؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة، والدعوة إلى الخير.
«والصلاة القائمة» أي: ورب هذه الصلاة القائمة، والمشار إليه ما تصوره الإنسان في ذهنه، والقائمة: التي ستقام فهي قائمة باعتبار ما سيكون.
«آت محمدًا الوسيلة والفضيلة» آت: بمعنى أعْطِ، والوسيلة: دَرَجَة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، قال صلى الله عليه وسلم: «وأرجو أن أكون أنا هو»، والفضيلة: هي المنقبة العالية التي لا يشاركه فيها أحد.
«وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته» ابعثه يوم القيامة في مقام محمود الذي وعدته، وهو يشمل كل مواقف القيامة، وأخص ذلك الشفاعة العظمى.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/242)، والقول الذي رآه الشيخ أصله هو رواية، كما في الإنصاف (1/420).
_________________________________
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:50 PM
بَابُ شُرُوطِ الصَّلاةِ
شُرُوطُهَا قَبْلَهَا: مِنْهَا: الْوَقْتُ، وَالطّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَوَقْتُ الظّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ فَيْئَهُ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ، إِلّا فيِ شِدَّةِ حَرٍّ وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ غَيْمٍ لِمَن يُصَلِي جَمَاعَةً، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْعَصْرِ إِلَى مَصِيرِ الْفَيْءِ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَالضَّرُورَةُ إِلَى غُرُوبِهَا، وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا، وَيَلِيهِ وَقْتُ المَغْرِبِ إِلَى مَغِيبِ الحُمْرَةِ، وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا إِلَّا لَيَلةَ جَمْعٍ، لِمَن قَصَدَهَا مُحْرِمًا، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَهُوَ البَيَاضُ المُعْتَرِضُ، وَتَأْخِيرُهَا إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ.
_________________________________
قوله: «شروطها قبلها» أي: الشروط الواجبة قبلها، والتي لا تصح إلا بها.
قوله: «منها الوقت» والإسلام والعقل والتمييز، والتعبير بالوقت فيه تساهل؛ لأن الوقت ليس بشرط، بل الشرط دخول الوقت؛ لأننا لو قلنا: إن الشرط هو الوقت لزم ألا تصح قبله ولا بعده، ومعلوم أنها تصح بعد الوقت، وإن كان الصحيح أنها لا تصح بعد الوقت إذا لم يكن هناك عذر([1]).
قوله: «الطهارة من الحدث والنجس»أي النجس في الثوب والبقعة والبدن.
قوله: «فوقتُ الظهْرِ مِنَ الزّوَالِ»أي: ميل الشمس إلى المغرب «إلى مُسَاوَاةِ الشيء فيئه» أي: ظله «بعد فيء الزوال»أي: أن الظـل الذي زالت عليه الشمس لا يحسب، وذلك أن الشمس إذا طلعت صار للشاخص ظل نحو المغرب – والشاخص الشيء المرتفع- ثم لا يزال هذا الظل ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقف عن النقص، ثم زاد بعد توقف النقص - ولو شعرة واحدة - فهذا هو الزوال.
قوله: «وتعجيلها أفضل» أي: تعجيل صلاة الظهر أفضل «إلا في شدة الحر» فالأفضل تأخيرها «ولو صلى وحده»([2]) وقال بعض العلماء: إنما الإبراد لمن يصلي جماعة، ويجوز أيضًا التأخير لمن صلى في بيته.
قوله: «أو مع غيم لمن يصلي جماعة»فإذا كان غيم فإنه يسن تأخيرها لمن يصلي جماعة في المسجد؛ لأجل أن يخرج الناس إلى صلاة الظهر والعصر خروجًا واحدًا.
والصواب عدم استثناء هذه الصورة، وأن صلاة الظهر يسن تقديمها إلا في شدة الحر فقط، وما عدا ذلك فالأفضل أن تكون في أول الوقت([3]).
قوله: «ويليه وقت العصر»فلا فاصل بين الوقتين ولا اشتراك بين الوقتين.
قوله: «إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال» قلنا: إن فيء الزوال لا يحسب، فنبدأ منه، فإذا صار الظل طول الشاخص فهذا نهاية وقت الظهر ودخول وقت العصر، وإذا كان طول الشاخص مرتين: فهو نهاية وقت العصر، فالظهر من فيء الزوال إلى مثله، والعصر إلى مثليه، فالظهر أطول بكثير؛ لأن الظل في آخر النهار أسرع، وكلما دنت الشمس إلى الغروب كان الظل أسرع.
قوله: «والضرورة إلى غروبها»أي: يمتد وقت الضرورة إلى غروب الشمس.
قوله: «ويسن تعجيلها» أي يسن في صلاة العصر تعجيلها.
قوله: «ويليه المغرب إلى مغيب الحمرة» أي: يلي وقت العصر بدون فاصل وبدون اشتراك بينهما في الوقت، فوقت المغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة في السماء، فإذا غابت الحمرة لا البياض، فإنه يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء.
قوله: «ويسن تعجيلها إلا ليلة الجمع» أي: يسن تعجيل صلاة المغرب إلا ليلة الجمع وهو اسم مزدلفة، وذلك «لمن قصدها محرمًا» فالحاج إذا دفع من عرفة فإنه لا يصلي في عرفة ولا في الطريق على وجه الاستحباب، بل يصلِّي في مزدلفة.
قوله: «ويليه وقت العشاء»أي: يلي وقت المغرب وقت العشاء«إلى الفجر الثاني؛ وهو البياض المعترض» في الأفق من الشمال إلى الجنوب، والفجر الأول يخرج قبل الثاني بنحو ساعة أو ساعة إلا ربعًا أو قريبًا من ذلك، وهو ممتد لا معترض، أي: ممتد طولًا من الشرق إلى الغرب، وهو يكون نورًا لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نورًا وإضاءة، والفجر الثاني متصل بالأفق؛ ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق، بينه وبين الأفق ظلمة.
«ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس» فيكون من طلوع الفجر، وظاهر كلامه: أن تأخير صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل جائز؛ لأنه لم يقل: إنه وقت ضرورة، والمذهب تحريم تأخيرها بعد ثلث الليل بلا عذر؛ لأنه وقت ضرورة.
قوله: «وتعجيلها أفضل» مطلقًا أي صيفًا وشتاءً([4])«وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل» فإن شق فتعجل في أول الوقت.
_________________________________
([1]) المذهب أنها تصح فيقضيها، كما في كشاف القناع (1/260)، وما صححه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (1/443)، قال: «واختار الشيخ تقي الدين أن تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع».
([2]) ليس المراد أنه يترك الجماعة ويصلي وحده؛ إذ لا يترك واجب لمسنون، وإنما مرادهم العذر لمرض ونحوه. من حاشية أبي بطين (1/88).
([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/251)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/431).
([4]) ويجب التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب أمكنه تعلمه في الوقت، وكذا لو أمره والده بالتأخير؛ لأن طاعة الوالد ألزم من الصلاة أول الوقت؛ لأنه سنة وطاعته واجبة. انظر: الروض المربع مع حاشية أبي بطين (1/89).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:51 PM
وَتُدْرَكُ الصَّلَاةُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي وَقْتِهَا، وَلَا يُصَلِّي قَبْلَ غَلَبةِ ظَنِّهِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا، إِمَّا بِاجْتِهَادِهِ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ مُتَيَقِّنٍ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَبَانَ قَبْلَهُ فَنَفْلٌ وَإِلَّا فَفَرْضٌ، وِإِنْ أَدْرَكَ مُكَلِّفٌ مِنْ وَقْتِها قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ زَالَ تَكْلِيفُهُ، أَوْ حَاضَتْ، ثُمَّ كُلِّفَ وَطَهُرَتْ قَضَوْهَا، وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا، وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ الْفَوَائِتِ مُرَتّبًا، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِنِسْيَانِهِ، وَبِخَشْيَةِ خُرُوجِ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْحاضِرَةِ.
_________________________________
قوله: «وتدرك الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها» سواء من أول الوقت أو من آخر الوقت؛ فلو أن امرأة أدركت مقدار تكبيرة الإحرام من صلاة المغرب، ثم أتاها الحيض فيجب عليها إذا طهرت أن تصلي المغرب، ولو كانت حائضًا ثم طهرت قبل خروج الوقت بقدر تكبيرة الإحرام فإن الصلاة تلزمها، والصحيح أنه لا تدرك الصلاة إلا بإدراك ركعة([1]).
ويُثَابُمن أدْرَكَ مقدار تكبيرة الإحرام ثواب من أدرك جميع الصلاة، وتكون الصلاة في حقه أداء، لكنه لا يجوز أن يؤخرها أو بعضها عن وقتها ويأثم، لكنه مع ذلك أدركها.
وقوله: «بتكبيرة الإحرام في وقتها» يشمل وقت الضرورة ووقت الاختيار، وليس عندنا صلاة لها وقتان إلا صلاة العصر والعشاء.
قوله:«ولا يصل قبل غلبة ظنه بدخول وقتها»فإذا تيقن فيصلي؛ كأن كان الجو صحوًا وشاهد غروب الشمس فيصلي المغرب، وإذا كانت السماء مغيمة ولم يشاهد الشمس، ولكن غلب على ظنه أنها قد غابت فيصلي، ولا يصلي مع الشك ولا يصلي مع غلبة الظن بعدم دخول الوقت.
قوله: «إما باجتهاد أو خبر ثقة متيقن» الطرق التي يحصل بها غلبة الظن: الاجتهاد، لكن بشرط أن يكون المجتهد عنده أداة الاجتهاد بأن يكون عالمًا، وخبر ثقة متيقن ولو امرأة، كرجل أخبرك عن يقين بأن الوقت دخل، بأن قال: رأيت الشمس غربت أو قال: رأيت الفجر قد طلع، فإن أخبرك عن اجتهاد أو عن غلبة ظن فإنك لا تعمل بقوله.
قوله: «فإن أحرم باجتهاد فبان قبله فنفل وإلا ففرض» أحرم أي: دخل في الصلاة، فإن كان الإحرام قبل وقتها فنفل إن لم يكن وقت نهي،وقوله: «وإلا ففرض» أي: وإلا يتبين قبله ففرض. ولم يقل بيقين؛ لأنه إذا أحرم بيقين لا يمكن أن يتبين أنه قبل الوقت.
قوله: «وإن أدرك مكلف» وهو البالغ العاقل «من وقتها قدر التحريمة» أي تكبيرة الإحرام «ثم زال تكليفه» بأن جُنَّ بعد العقل أو أغمي عليه «أو حاضت» أي: المرأة «ثم كلف وطهرت قَضَوْها» أي: تلك الصلاة.
قوله: «ومن صار أهلًا لوجوبها» أهلية الوجوب تكون بالتكليف وزوال المانع؛ فيصير أهلًا لوجوبها إذا بلغ قبل خروج الوقت، وإذا عقل قبل خروج الوقت، وزال المانع، مثل: إذا طهرت قبل خروج الوقت.
قوله: «قبل خروج وقتها لزمه» تلك الصلاة التي أدرك من وقتها قدر التحريمة، ولزمه أيضًا «ما يجمع إليها قبلها» فمثلًا: إذا أدرك من صلاة العصر قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضًا.
وقوله: «ويجب فورًا قضاء الفوائت» سميناه قضاء؛ لأنه بعد الوقت، وفائتة؛ لأنها خرج وقتها قبل فعلها فتكون فائتة، لا فرق بين أن يدعها عمدًا بلا عذر أو يدعها لعذر.
والقول الثاني في المسألة: أنه إذا فاتت العبادة المؤقتة عن وقتها لعذر قُضِيَتْ، وإن فاتت لغير عذر فلا قضاء([2]).
قوله: «مرتبًا» أي: يبدأ بها بالترتيب «ويسقط الترتيب بنسيانه وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة» فلو كان عليه خمس فرائض تبتدئ من الظهر، فنسي فبدأ بالفجر مع أنها هي الأخيرة فقضاؤه صحيح؛ لأنه نسي، ولو ذكر أن عليه فائتة، وقد بقي على أن يكون ظل كل شيء مثليه ما لا يتسع للفائتة والحاضرة فيقدم الحاضرة.
_________________________________
([1]) المذهب هو ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/257)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/439).
([2]) المذهب أنه يقضيها، كما في كشاف القناع (1/260)، والقول الثاني هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (1/443)، قال: «واختار الشيخ تقي الدين أن تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:51 PM
وَمِنْهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَيَجِبُ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَعَوْرَةُ رَجُلٍ، وَأَمَةٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُعْتَقٍ بَعْضُهَا مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَكُلُّ الحُرَّةِ عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهَهَا، وَتُسْتَحَبُّ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَيُجْزِئُ سَتْرُ عَوْرَتِه فِي النَّفْلِ، وَمَعَ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فِي الْفَرْضِ، وَصَلَاتُهَا فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمَلْحَفَةٍ، وَيُجْزِئُ سَتْرُ عَوْرَتِهَا.
وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ، أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أَوْ نَجِسٍ أَعَادَ، لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَمَنْ وَجَدَ كِفَايةَ عَوْرَتِهِ سَتَرَهَا، وَإِلَّا.. فَالْفَرْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا فَالدُّبُرَ، وَإِنْ أُعِيرَ سُتْرَةً لَزِمَهُ قَبُولُها.
_________________________________
قوله: «ومنها» أي: من شروط الصلاة، والستر: بمعنى التغطية، والعورة: ما يسوء الإنسان إخراجه والنظر إليه.
قوله: «فيجب» ستر العورة، «بما لا يصف البشرة»أي: يشترط للساتر ألا يصف البشرة، أي لا يبين العضو.
قوله: «وعورة رجل وأمة وأم ولد ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة» العورة ثلاثة أقسام:
مخففة: وهي عورة الذكر من سبع إلى عشر سنوات وهي الفرجان فقط.
مغلظة: وهي عورة الحرة البالغة، فكلها عورة إلا وجهها، فإنه ليس بعورة في الصلاة.
متوسطة: ما سوى ذلك، وحدها ما بين السُّرّة والركبة، ويدخل فيها الذكر من عشر سنوات فصاعدًا، والحرة دون البلوغ، والأَمَة ولو بالغة.
وأم الولد: هي الأَمَة التي أتت من سيدها بولد، وهي رقيقة حتى يموت سيدها ثم تعتق، وحكمها حكم الأمة أي: عورتها من السرة للركبة.
قوله: «ومعتق بعضها» أي: نصفها حر ونصفها رقيق، أما المكاتب فهو عبد ما بقي عليه درهم.
قوله: «وكل الحرة عورة إلا وجهها» أي: في الصلاة فليس بعورة.
وأنا أقلد شيخ الإسلام في أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها، وهو الوجه والكفان والقدمان([1]).
قوله: «وتستحب صلاته في ثوبين» أي: ينبغي للإنسان أن يصلي في ثوبين؛ لأنهما أستر، ومن الثوبين الإزار والرداء.
قوله: «ويجزئ ستر عورته في النفل» أي: عورة الرجل، وهي ما بين السرة والركبة، إلا من سبع إلى عشر فهي الفرجان، القبل والدبر، فيكفي ستر العورة، أما الزيادة فهو سنة([2]).
«ومع أحد عاتقيه في الفرض» والعاتق: هو موضع الرداء من الرقبة، فالرداء يكون ما بين الكتف والعنق، ففي الفريضة لابد أن تضيف لستر العورة ستر أحد العاتقين الأيمن أو الأيسر، ولو بما يصف البشرة.
قوله: «وصلاتها في درع وخمار وملحفة» أي صلاة المرأة في درع وهو القميص السابغ الذي يصل إلى القدمين، والخمار: ما يُلَفّ على الرأس، والملحفة: ما يُلَفّ على الجسم كله؛ كالعباءة، والجلباب، وما أشبههما، فيُسَنُّ للمرأة أن تصلي في هذه الأثواب الثلاثة: درع، وخمار، وملحفة.
قوله: «ويجزئ ستر عورتها»ولو بثوب واحد، فلو تَلَفْلَفَتِالمرأة بثوب يستر رأسها وكفّيْهَا وقدميها وبقية بدنها، ولا يخرج منه إلا الوجه أجزأ .
قوله: «ومن انكشف»أي: زال الستر عن «بعض عورته»ويشمل السوأة وغيرها مما قلنا إنه عورة«وفحش» أي: غلظ وعظم، ويرجع فيه إلى العرف، فإن فحش ولكنه في زمن يسير، كما لو هبت ريح، بحيث انكشف ثم ستره في الحال لم تبطل، وذلك بلا تعمد، ولو تعمد لم تصح صلاته، سواء كان الانكشاف يسيرًا أو فاحشًا.
قوله: «أو صلى في ثوب محرم عليه» -لكسبه كأن يكون مغصوبًا أو لعينه كأن يكون حريرًا لرجل- لم تصح صلاته.
قوله:«أو نجس»أي: المتنجس نجاسة لا يُعْفَى عنها.
وقوله: «أعاد» مطلقًا، سواء كان عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا أو ذاكرًا أو واجدًا أو عادمًا.
قوله: «لا من حُبس في محل نجس»فلا يعيد إذالم يتمكن من الخروج إلى محل طاهر؛ فإن كانت النجاسة يابسة صلى كالعادة، وإن كانت رطبة صلى قاعدًا على قدميه بالإيماء.
قوله: «ومن وجد كفاية عورته سترها» أي وجوبًا.
قوله: «وإلا فالفرجين»أي وإن لم يجد كفايتها فليستر الفرجين.
قوله: «فإن لم يكفهما فالدبر»أي: يستر الدبر؛ لأن القبل إذا انضم عليه ستره.
قوله: «وإن أعير سترة لزمه قبولها»؛ لأنه قادر على ستر عورته بلا ضرر فيه، بخلاف الهبة للمنة، ولا يلزمه استعارتها، والقول الراجح في هذه المسألة أنه يلزمه تحصيل السترة بكل وسيلة ليس فيها ضـرر ولا منة؛ سواء ببيع أو باستعارة أو باستيهاب أو بقبول هبة، أو ما أشبه ذلك([3]).
_________________________________
([1]) المذهب أنها كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، كما في كشاف القناع (1/266)، وصوب في الإنصاف (1/453) رأي شيخ الإسلام.
([2]) وقوله: «في النفل» ظاهره ولو فرض كفاية، قال الخلوتي: ولعل مثله النذر واليمين. من حاشية أبي بطين (1/92).
([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/272)، وقال في الإنصاف (1/464): «قوله: (وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إذا كانت عارية)؛ وهو المذهب، وعليه الجمهور، وقطع به أكثرهم، وقيل: لا يلزمه. فائدتان: إحداهما: لو وهبت له سترة لم يلزمه قبولها على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وهو ظاهر كلام المصنف هنا، وقيل: يلزمه، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب. الثانية: يلزمه تحصيل السترة بقيمة المثل، والزيادة هنا على قيمة المثل، مثل الزيادة في ماء الوضوء على ما تقدم في باب التيمم».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:52 PM
وَيُصَلِّي الْعَارِي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ؛ اسْتِحْبَابًا فِيهِمَا، وَيَكُونُ إِمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، فَإِنْ شَقَّ صَلَّى الرِّجَالُ وَاسْتَدْبَرَهُمُ النِّسَاءُ ثُمَّ عَكَسُوا، فَإِن وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبَةً فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ سَتَرَ وَبَنَى وَإِلَّا ابْتَدَأَ.
_________________________________
قوله: «ويصلي العاري قاعدًا بالإيماء» ولو كان قادرًا على القيام؛ لأنه أستر لعورته، وقال بعض أهل العلم: إن كان حوله أحد صلى قاعدًا، وإن لم يكن حوله أحد أو في ظلمة أو حوله شخص لا يبصر فإنه يصلي قائمًا؛ لأنه لا عذر له، وهذا القول أقرب الأقوال إلى الحق([1]).
قوله: «استحبابًا فيهما» أي: أننا نستحب له ذلك في القعود والإيماء استحبابًا.
قوله: «ويكون إمامهم وسْطهم»([2])؛أي: إمام العراة يكون بينهم وجوبًا، فلا يتقدم، ويُصَلُّون قُعُودًا على المذهب استحبابًا، ويومِئون بالرُّكُوع والسجود استحبابًا أيضًا، ويستثنى ما إذا كانوا في ظلمة أو لا يبصرون، فإن إمامهم يتقدم عليهم كالعادة.
قوله: «ويصلي كل نوع وحده»فإذا اجتمع رجال ونساء عراة، فلا يصلون جميعًا، بل يصلي كل نوع وحده.
قوله: «فإن شق» بحيث لا يمكن أن يصلي كل نوع وحده «صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم عكسوا» أي: إذا لم يكن مكان صلوا جميعًا لكن يصلي الرجال وحدهم وتلقيهم النساء ظهورهن، فتكون ظهور النساء إلى القبلة، ثم بعد ذلك يصلي النساء جماعة استحبابًا؛ لأن الجماعة على النساء غير واجبة، فيصلي النساء ويستدبرهن الرجال، فتكون ظهور الرجال نحو القبلة.
قوله: «فإن وجد سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر وبنى، وإلا ابتدأ»إن وجد الذي يصلي عريانًا في أثناء الصلاة سترة؛ فإن كانت قريبة -أي: لم يطل الفصل- أخذها وستر وبنى على صلاته، وإن كانت بعيدة فإنه يقطع صلاته، ويبتدئ الصلاة من جديد.
_________________________________
([1]) المذهب أن العاري يستحب له أن يصلي قاعدًا، كما ذكره المصنف، وكما في كشاف القناع (1/272)، وما رآه الشيخ أقرب الأقوال إلى الحق هو مقتضى ما حكاه الشيرازي وجهًا في المنفرد: أنه يصلي قائمًا بخلاف من يصلي جماعة؛ قال: بناء على أن الستر كان لمعنى في غير العورة، وهو عن أعين الناس. انظر الإنصاف (1/465).
([2]) ذكروا أن الفرق بين وسط بالسكون أو بالتحريك أن ما يصلح فيه لفظ بين يكون بالتسكين، وما لا يصلح فيه يكون بالتحريك. من حاشية أبي بطين (1/94).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:53 PM
وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ، وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَتَغْطِيَةُوَجْهِهِ،وَاللِّثَامُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ، وَكَفُّ كُمِّهِ وَلَفُّهُ، وَشَدُّ وَسَطِهِ كَزُنَّارٍ، وَتَحْرُمُ الخُيَلَاءُ فِي ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ، وَالتَّصْوِيرُ، وَاسْتِعْمَالُهُ.
_________________________________
قوله: «ويكره في الصلاة السدل»وهو أن يطرح الرداء على كتفيه، ولا يرد طرفه على الآخر، لكن إذا كان مما يلبس هكذا كالعباءة فلا بأس به.
قوله: «اشتمال الصماء» أي لُبسة الصماء بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره؛ أي: يكون عليه ثوب واسع إزار ورداء ثم يضطبع فيه –على المذهب- والاضطباع: أن يخرج كتفه الأيمن ويجعل طرف الرداء على الكتف الأيسر.
قوله: «وتغطية وجهه» أي: يكره أن يغطي الإنسان وجهه وهو يصلي، وكذا يكره «اللثام على فمه وأنفه»أي بأن يضع الغُترة أو العمامة أو الشماغ على فمه أو على أنفه، ويستثنى منه ما لو كان للحاجة كزكام معه حساسية.
قوله: «وكف كمه ولفه»؛ أي: يكره أن يكف الإنسان كمه في الصلاة بأن يجذبه حتى يرتفع، أو يلفه بأن يطويه حتى يرتفع.
قوله: «وشد وسطه كزنار» أي: يكره أيضًا للإنسان أن يشد وسطه بأن يربط على بطنه حبلًا أو سيرًا أو ما أشبه ذلك([1])؛ لكن ليس مطلقًا، بل بما يشبه الزنار وهو: سير معروف عند النصارى يشدون به أوساطهم.
قوله: «وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره»فالخيلاء أن الإنسان يجد في نفسه شيئًا من التعاظم على الغير، وكذا يحرم «التصوير» أي على صورة الحيوان، ويحرم كذلك«استعماله» يعني استعمال المصوَّر هذا حرام إن استعمله على سبيل التعظيم، سواء كان مجسمًا أو ملونًا، فإن اتخذه على سبيل الإهانة، مثل أن يجعلها فراشًا أو مخدة أو وسادة فلا يحرم، فإن اتخذها لا لتعظيم ولا امتهان، فهذا يحرم على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر.
والأورع الأحوط ألا تستعمل الصُّور ولو على سبيل الامتهان كالفراش والمخدَّة([2]).
_________________________________
([1]) وذلك في الصلاة أو في غيرها. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (1/514).
([2]) جواز استعمالها مخدًّا وافتراشها بلا كراهة هو المذهب كما في كشاف القناع (1/353)، وباب الورع مفتوح.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:53 PM
وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَنْسُوجٍ أَوْ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ، وَثِيَابُ حَرِيرٍ وَمَا هُوَ أَكْثَرُهُ ظُهُورًا عَلَى الذّكُورِ، لَا إِذَا اسْتَوَيَا، وَلِضَرُورَةٍ، أَوْ حِكَّةٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ قَمْلٍ، أَوْ جَرَبٍ، أَوْ حَشْوًا، أَوْ كَانَ عَلَمًا أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ، أَوْرِقَاعًا، أَوْ لَبِنَةَ جَيْبٍ وسُجُفَ فِرَاءٍ، ويُكْرَهُ المُعَصْفَرُ وَالمُزَعْفَرُ لِلرِّجَالِ.
_________________________________
قوله: «على الذكور» يعني يحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو مموه به، والمنسوج بذهب هو أن يكون فيه خيوط من الذهب تنسج، سواء كانت هذه الخيوط على جميع الثوب أو في جانب منه؛ كالطوق مثلًا أو طرف الكُمّ أو في أي موضع، ولباس الخالص من الذهب بالنسبة للرجل من باب أولى؛ كخاتم من ذهب أو قلادة.
وقوله: «مموه بذهب قبل استحالته» المطلي بالذهب حرام على الرجل، إلا إذا استحال هذا الذهب وتغير لونُه، وصار لو عرض على النار لم يحصل منه شيء، فهذا لا بأس به([1]).
وقوله: «ثياب حرير» أي الحرير الطبيعي دون الصناعي.
وقوله: «وما هو أكثره ظهورًا» أي: يحرم ثوب يكون الحرير أكثره ظهورًا على الذكور، ولو كان الحرير أقل فليس بحرام، مثل أن يكون فيه الحرير خطوطًا إذا نسبناها إلى ما معه من القطن أو الصوف وجدنا أنها الثلث، فالثوب حينئذ حلال اعتبارًا بالأكثر، فإن تساويا فليس بحرام أيضًا.
قوله: «ولضرورة» هذا عائد على الحرير أي: أو لبسه لضرورة، ومن الضرورة ألا يكون عنده ثوب غيره، ومن الضرورة أيضًا أن يكون عليه ثوب، ولكنه احتاج إلى لبسه لدفع البرد.
قوله: «أو حكة» أي: أنه إذا كان فيه حكة جاز لبسه الحرير، وكذا لو كان به «مرض» لا يشفى منه إلا إذا لبس الحرير، أو لبسه يهوِّن المرض عليه، والمرجع في ذلك إلى الأطباء.
قوله: «أو قمل» يقرص الإنسان ويتعبه، والحرير لليونته ونظافته ونعومته يطرد القمل؛ لأنه أكثر ما يكون مع الوسخ، وكذا لو كان به «جرب» ولو بلا حاجة.
قوله: «أو حشوًا» أي: يجوز أن يلبس الإنسان ثوبًا محشوًّا بالحرير، «أو كان عَلَمًا» والعلم معناه: الخط يطرز به الثوب، فإن كان فيه خط من الحرير فهو جائز، لكن بشرط ذكره أن يكون العلم «أربع أصابع فما دون» بأصابع إنسان متوسط وهذا يرجع فيه إلى الوسط.
ومراده في قوله سابقًا: «وما هو أكثره ظهورًا» إذا كان الثوب مشجَّرًا، أو إذا كان فيه أعلام أقل من أربعة أصابع، أما إذا كان علمًا متصلًا فإن الجائز ما كان أربعةأصابع فما دونها.
قوله: «أو رقاعًا أو لبنة جيب»الرقاع: جمع رقعة، أي: لو رقع الثوب بالحرير، فإنه يجوز بقيد أن يكون أربعة أصابع فما دون، وكذلك «لبنة الجيب» والجيب هو الذي يدخل معه الرأس، و«لبنة» هي: ما يوضع من حرير على هذا الطوق.
قوله: «وسجف فراء» الفراء: جمع فروة، وهي مفتوحة من الأمام، و«سجفها»أطرافها؛ فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فما دون.
قوله: «ويكره المعصفر والمزعفر للرجال» والمزعفر – وهو المصبوغ بالزعفران- والمعصفر -وهو المصبوغ بالعصفر- يكرهان كراهة تنزيه، فالفقهاء المتأخرون إذا قالوا: يكره؛ فالمراد كراهة التنـزيه.
_________________________________
([1]) التمويه أن يُماع الذهب والفضة، ثم يُغمس فيه الإناء أو نحوه فيكتسب منه لونه، والتطعيم أن يجعل الذهب أو الفضة قطعًا بقدر حفر في الإناء ونحوه وتوضع فيها، والطلاء جعلها كالشريط ليجعلا في شبه حجارة تجعل في الإناء ونحوه ويضرب عليه حتى يلصق به. انظر: حاشية أبي بطين (1/25).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:54 PM
وَمِنْهَا: اجْتِنَابُ النَّجَاسَاتِ، فَمَنْ حَمَلَ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا، أَوْ لَاقَاهَا بِثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِه لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ طَيَّنَ أَرْضًا نَجِسَةً، أَوْ فَرَشَهَا طَاهِرًا كُرِهَ وَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِطَرْفِ مُصَلًّى مُتَّصِلٍ بِهِ صَحَّتْ إِنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِمَشْيِهِ، وَمَنْ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَجَهِلَ كَوْنَهَا فِيهَا لَمْ يُعِدْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنْ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا أَعَادَ، وَمَنْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ مَعَ الضَّرَرِ، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ مِنْ عُضْوٍ، أَوْ سِنٍّ فَطَاهِرٌ.
_________________________________
قوله: «ومنها اجتناب النجاسات» وهذا في البدن والثوب والبقعة، وقوله: «فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها»كمن تلَطّخَ ثوبه بنجاسة فهذا حامل لها في الواقع؛ وكذا لو جعل النجاسة في قارورة في جيبه، كَمَنْ أَرَاد أن يُحَلِّلَ البراز أو البول([1]).
قوله: «أو لاقاها» أي: لاقى النجاسة، وإن لم يحملها كمن استند إلى جدار نجس.
قوله: «بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته» فإن مس ثوبه شيئًا نجسًا، لكن بدون اعتماد عليه فلا يضر.
قوله: «وإن طين أرضًا نجسة»أي: كساها بالطين وإن سُمِّتت أو زُفّتَت فمثله «أو فرشها طاهرًا»-أي: فرش عليها شيئًا طاهرًا مثل: ثوب أو سجادة- وصلى على هذا الطين الذين كُسِيَتْ به هذه الأرض وهذا الفُرُش«كره وصحت» فصلاته تصح لعدم مباشرته النجاسة، وتكره لاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه.
والصحيح: أنها لا تكره؛ لأنه صلى على شيء طاهر يحول بينه وبين النجاسة ([2]).
قوله: «وإن كانت»النجاسة«بطرف مصلى متصل به صحت» كرجل صلّى على سجادة وطرفها نجس، وهذا الطرف متصل بالذي يصلي عليه، ولكنه لا يباشر النجاسة ولا يلاقيها؛ فصلاته صحيحة «إن لم ينجر بمشيه» أي إذا كانت النجاسة متصلة بشيء متعلق بهذا الرجل، فإن كانت تنجر بمشيه لم تصح صلاته؛ كرجل ربط حبلًا بيده أو ببطنه وربطه في رقبة كلب صغير، فهذا الرجل صلاته لا تصح؛ لأنه إذا مشى انجرَّ الكلب، فهو مستتبع للنجاسة الآن.
وإن كانت لا تنجر صحت صلاته كرجل ربط حبلًا بحجر كبير متلوث بالنجاسة وربط الحبل بيده أو على بطنه، فصلاته صحيحة؛ لأن الحجر الكبير لا تنجر بمشيه.
قوله: «ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته، وجهل كونها فيها لم يعد، وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد» أي: لا يدري أصابته وهو في الصلاة، أو بعد أن صلى، فلا إعادة عليه.
قوله: «ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر»كرجل انكسر عظمه فكسروا عظم كلب وجبروا به عظم الرجل فلا يجوز أن يصلي؛ لأنه حامل للنجاسة، فإن كان بحيث إذا قلعه تضرر وعاد الكسر، وربما لا يجبر فلا يجب قلعه؛ فإن كان قد غطاه اللحم لم يجب التيمم؛ لأنه غير ظاهر، وإن كان لم يغطه وجب التيمم؛ لأن النجاسة ظاهرة، هذا هو المذهب، والصحيح أنه لا يجب التيمم([3]).
قوله: «وما سقط منه»أي من الإنسان«من عضو»كإصبع أو ذراعأو ساق«أو سن فطاهر»إن أعاده في الحال، فلا يلزمه أن يزيله إذا أراد الصلاة.
_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته (1/532): «أي ولو كانت النجاسة مسدودة في القارورة، وهي ما يقر فيها الشراب ونحوه، أو يختص بالزجاج، فإذا حمل نجاسة بقارورة لم تصح صلاته لحمله النجاسة في غير معدنها، أشبه ما لو حملها في كمه، أو حمل آجرة باطنها نجس، أو بيضة فيها فرخ ميت، أو بيضة مذرة، أو عنقودًا من عنب حباته مستحيلة خمرًا، لم تصح صلاته، وصوبه في تصحيح الفروع، وقيل: تصح وفاقًا، للعفو عن نجاسة الباطن».
([2]) المذهب أنها تُكْرَه، كما في كشاف القناع (1/290)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/484).
([3]) المذهب أنه يجب التيمم، كما في كشاف القناع (1/292)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/489).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:55 PM
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي مَقْبَرَةٍ، وَحُشٍّ، وَحَمَّامٍ، وَأَعْطَانٍ إِبِلٍ، وَمَغْصُوبٍ، وَأَسْطِحَتِهَا، وَتَصِحُّ إِلَيْهَا، وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا فَوْقَهَا، وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ بِاسْتِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنْهَا.
_________________________________
قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» بتثليث الباء([1])«وحش» وهو المكان الذي يتخلى فيه الإنسان من البول أو الغائط «وحمام» وهو المغتسل، «وأعطان الإبل» جمع عطن، وهو ما تقيم فيه وتأوى إليه، سواء كانت مبنية بجدران أو محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك([2])، «ومغصوب» فلو غصب إنسان من آخر أرضًا وصلى بها فصلاته لا تصح، والصحيح أنها تصح في المكان المغصوب مع الإثم([3]).
قوله: «وأسطحتها» يعني لا تصح في أسطحة هذه الأماكن.
قوله: «وتصح إليها» أي: تصح الصلاة إذا كانت هذه الأماكن في قبلتك، قالوا: وتكره إذا لم يكن هناك حائل ولو كمؤخرة الرَّحْل، ومؤخرة الرحل يكون نصف متر في نصف متر.
قوله:«ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها» أي لا تصح داخلها ولا على سطحها، وأما النذر المقيد في الكعبة فيصح فيها وعليها، مثل: أن يقول: لله عليَّ نذر أن أصلِّي ركعتين في الكعبة، فتصح في الكعبة.
والصحيح في هذه المسألة أن الصلاة في الكعبة صحيحة فرضًا ونفلًا([4]).
قوله: «وتصح النافلة باستقبال شاخص منها»([5]) لابد أن يكون بين يديه شيء شاخص حتى في النافلة، والشاخص: الشيء القائم المتصل بالكعبة المبني فيها، وعلى هذا فلو صلى إلى جهة الباب وهو مفتوح، وهو داخل الكعبة لا تصح؛ فإن وضع لبنة أو لبنتين بين يديه لا تصح أيضًا؛ لأنها ليست منها، وليست متصلة، والمذهب صحة الصلاة فيها.
_________________________________
([1]) قال في الاختيارات: المطبوع مع الفتاوى الكبرى (5/327): «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سدًّا لذريعة الشرك، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة؛ لأنه لا يتناول اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدًا. وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب؛ والمقبرة كل ما قُبِرَ فيه. لا أنه جمع قبر. وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه».
([2]) وأما ما تبيت فيه الإبل أو تُنَاخ فيه لعلفها فلا يمتنع من الصلاة فيه؛ لأنه ليس بعطن. من حاشية أبي بطين (1/101).
([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في كشاف القناع (1/295)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/491).
([4]) المذهب عدم الصحة، كما في كشاف القناع (1/299)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/496).
([5]) إذا كانت النافلة مما شرع لها الجماعة وكان فعلها داخلها مما تفوت به الجماعة وخارجها لا كان فعلها خارجها أفضل، وهذا مبني على قاعدة مهمة، وهي أن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، ومن هنا فُضِّلَ النفل في البيت لما فيه من الإخلاص والبعد من الرياء على النفل بالمسجد مع شرفه، وفضل الرمل مع بعده عن البيت على القرب بلا رمل. من حاشية أبي بطين (1/102).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:56 PM
وَمِنْهَا: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِلَّا لِعَاجِزٍ، وَمُتَنَفِّلٍ رَاكِبٍ سَائِرٍ فِي سَفَرٍ، وَيَلْزَمُهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَمَاشٍ يَلَزَمُهُ الِافْتِتَاحُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إِلَيْهَا، وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ بَعُدَ جِهَتُهَا، فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِيَقِينٍ، أَوْ وَجَدَ مَحَارِيبَ إِسْلَامِيَّةً عَمِل بِهَا.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ بِالْقُطْبِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِمَا، وَإِنِ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فَاخْتَلَفَا جِهَةً، لَمْ يَتبعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَيَتْبِعُ المُقَلِّدُ أَوْثَقَهُمَا عِنْدَهُ. وَمَنْ صَلّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ قَضَى إِنْ وَجَدَ مَنْ يُقَلّدُهُ، وَيَجْتَهِدُ العَارِفُ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ لِكُلّ صَلَاةٍ، وَيُصَلّي بِالثّانِي، وَلَا يَقْضِي مَا صَلّى بِالْأوَّلِ.
_________________________________
قوله:«ومنها استقبال القبلة»أي: من شروط الصلاة استقبال الكعبة.
قوله: «فلا تصح» الصلاة «بدونه» أي: استقبال القبلة «إلا لعاجز» مثل: أن يكون مريضًا لا يستطيع الحركة وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة، وكذا حال اشتداد الحرب، فيسقط استقبال القبلة، ومثل ذلك لو هرب الإنسان من عدو أو سيل أو حريق أو ما أشبه ذلك، وكذا يسقط استقبالها عن «متنفل راكب سائر في سفر»فخرج المفترض والماشي والمقيم ومن هو في حضر.
قوله: «ويلزمه»أي الراكب «افتتاح الصلاة إليها»أي: إلى الكعبة، ثم بعد ذلك يكون حيث كان وجهه([1]).
قوله: «وماش» معطوف على «راكب» يعني ويسقط استقبال القبلة عن متنفِّل مسافر يمشي على قدميه.
قوله: «ويلزمه»أي: الماشي: «الافتتاح والركوع والسجود إليها» أي: إلى القبلة، أما الراكب فلا يلزمه ركوع ولا سجود، وإنما يومئ إيماء، والصحيح أننا وإن جوَّزْنا للماشي التنفّلَ فإنه لا يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة؛ لأن في ذلك مشقة عليه([2])..
قوله:«وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها»أي يلزم من قرب من القبلة استقبال عين الكعبة، والقرب؛ أي من أمكنه مشاهدة الكعبة ففرضه استقبال عين الكعبة.
وظاهر كلامهم أن المراد الإمكان الحسِّيّ، وأنه إذا أمكنه المشاهدة حسًّا وجب عليه إصابة العين، وعلى هذا فمن كان في صحن المسجد، فاستقبال عين الكعبة عليه فرض.
وقوله: «من بَعُدَ، جِهَتُهَا» أي: من بعد عن الكعبة بحيث لا يمكنه المشاهدة، فعليه إصابة الجهة.
قوله: «فإن أخبره ثقة بيقين»أي يستدل على القبلة بمشاهدتها، أو بخبر ثقة لكن عن يقين؛ فلو أخبره ثقة بيقين -أي عن مشاهدة- رجل أو امرأة -ولا يشترط التعدد- أن هذه هي القبلة لزم الأخذ بقوله، فلو أخبره الثقة عن اجتهاد فإنه لا يُعْمَل بقوله وهو المذهب([3])، والصواب: أنه لو أخبره ثقة، سواء أخبره عن يقين أو عن اجتهاد فإنه يعمل بقوله([4]).
قوله:«أو وجد محاريب إسلامية»يستدل على القبلة بالمحاريب الإسلامية، ولو كانت غير إسلامية فلا يُعمل بها.
قوله: «ويستدل عليها في السفر بالقطب»وهذا دليل آفاقي، أي: دليل في الأفق، والقطب: نجم خفي جدًّا من جهة الشمال الشرقي بالنسبة للقصيم، قال العلماء: لا يراه إلا حديد البصر في غير ليالي القمر إذا كانت السماء صافية، لكن له جار بَيِّن واضِح، استَدَلّوا به عليه وهو الجَدي.
قوله: «والشمس والقمر»أي: الشمس والقمر يُسْتَدَل بهما على القبلة.
قوله: «ومنازلهما» أي: منازل الشمس والقمر، وهذه لا يعرفها إلا من تمرَّسَ وصار في البر، وليس حوله أنوار كهرباء بحيث يعرف هذه النجوم([5]).
قوله: «وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة»المجتهد في جهة القبلة هو: الذي يعرف أدلتها. والمقلد: فرضه التقليد، ولكن سبق أنه لابد أن يكون المقلد يخبر عن يقين على المذهب ([6])..
قوله:«لم يتبع أحدهما الآخر» فلا يجوز أن يتبع أحدهما الآخر، حتى ولو كان أعلم منه وأعرف، ما دام خالفه.
قوله: «ويتبع المقلد أوثقهما عنده» إذا اجتهد مجتهدان إلى القبلة وعندهما مقلد فيتبع أوثقهما، فإن تبع غير الأوثق مع وجود الأوثق فصلاته باطلة.
قوله: «ومن صلى بغير اجتهاد»إن كان يحسنه «ولا تقليد» إن كان لا يحسنه «قضى إن وجد من يقلده»؛ لأنه لم يأت بما يجب عليه، فكان بذلك مفرطًا؛ فيقضي ولو أصاب وهو المذهب؛ فإن لم يجد من يقلده وتحرى فإنه لا تلزمه الإعادة.
قوله: «ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة»العارف بأدلة القبلة هو: المجتهد؛ فإذا اجتهد مثلًا لصلاة الظهر، وتبين له أن القبلة أمامه ووضع العلامة على القبلة وصلى فصلاته صحيحة، فإذا جاء العصر لا يعتمد على الاجتهاد الأول، ويجب أن يعيد الاجتهاد مرة ثانية.والصواب أنه لا يلزمه أن يجتهد لكل صلاة ما لم يكن هناك سبب، مثل أن يطرأ عليه شك في الاجتهاد الأول، فحينئذ يعيد النظر([7]).
قوله: «ويصلي»أي: المجتهد «بالثاني» أي: بالاجتهاد الثاني «ولا يقضي ما صلى بالأول» أي: إذا تبين له خطؤه.
_________________________________
([1]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/102): «وراكب المحفة الواسعة والسفينة والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل صلاته»، قال أبو بطين في الحاشية: «إلا ملاحًا فلا يلزمه استقبال القبلة لانفراده بتدبيرها».
([2]) المذهب أنه يلزمه ذلك، كما في كشاف القناع (1/304)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/4).
([3]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/170).
([4]) وما صوبه قول ذكره في الإنصاف (2/10).
([5]) قال في الروض المربع: «ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت» قال ابن قاسم النجدي في حاشيته عليه (1/560): «وذهب إلى وجوبه على المسافر طائفة، قال في شرح الهداية: وهو متجه، ويحتمل ألا يجب فإن التباس جهة القبلة مما يندر، والمكلف إنما يتعين عليه ما يعم مسيس الحاجة إليه لا ما يندر».
([6]) سبق بيان هذا قريبًا.
([7]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/174).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:56 PM
وَمِنْهَا النِّيَّةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ، وَالْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ، وَالنَّفْلِ، وَالْإِعَادَةِ نِيَّتَهُنَّ، وَيَنْوِي مَعَ التَّحْرِيمَةِ، وَلَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا بِزَمَنٍ يَسيرٍ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ بَطَلَتْ، وَإِذَا شَكَّ فِيهَا اسْتَأنَفَ. وَإِنْ قَلَبَ مُنْفَرِدٌ فَرْضَهُ نَفْلًا فِي وَقْتِهِ المُتَّسَعِ جَازَ، وَإِنِ انْتَقَلَ بِنِيَّةٍ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ بَطَلَا.
_________________________________
قوله: «ومنها» الشرط التاسع والأخير من شروط الصلاة: النية، والثمانية السابقة هي: الإسلام، والعقل، والتمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطهارة من الحدث، واجتناب النجاسة، واستقبال القبلة.
قوله: «فيجب»على من أراد الصلاة أن ينوي عينها إذا كانت معينة، فلو أراد أن يصلي الظهر فيجب أن ينوي صلاة الظهر، أو أراد أن يصلي الوتر فيجب أن ينوي صلاة الوتر؛ فلو نوى فرض هذا الوقت أو الصلاة مطلقًا فصلاته لم تسقط الفرض على المذهب ويؤجر عليها، فإن كانت غير معينة؛ كالنفل المطلق فينوي أنه يريد أن يصلي فقط بدون تعيين.
والذي يترجح عندي القول بأنه لا يُشْتَرَطُ التعيين فيهما، وأن الوقت هو الذي يعين الصلاة، وأنه يصح أن يصلي أربعًا بنية ما يجب عليه وإن لم يعينه([1]).
قوله: «ولا يشترط في الفرض»أي: لا يُشْتَرط في الفرض نية الفرض، كمن نوى صلاة الظهر لا يشترط أن ينوي أنها فرض، وكذا لا يشترط نية «الأداء والقضاء»وهو الذي فعل بعد وقته المحدد له شرعًا كصلاة الظهر، إذا نام عنها حتى دخل وقت العصر، وكذا لا يشترط نية «النفل»المطلق أو المعين «والإعادة» وهي ما فعل في وقته مرة ثانية، سواء كان لبطلان الأولى أو لغير بطلانها؛ فلا يشترط نية ما مضى اكتفاء بالتعيين.
قوله: «وينوي مع التحريمة»محل النية عند الصلاة أن تكون مقارنة للتحريمة، فإذا أراد أن يكبر كَبَّر، وهو ينوي في نفس التكبير أنها صلاة الظهر أو المغرب أو العشاء([2]).
قوله: «وله تقديمها بزمن يسير في الوقت» فلو نوى الصلاة قبل دخول وقتها ولو بزمن يسير، ثم دخل الوقت وصلى بلا نية فصلاته غير صحيحة.
قوله: «فإن قطعها»أي النية([3])«في أثناء الصلاة أو تردد»أي: تردد في القطع، مثاله: أن يسمع قارعًا يقرع الباب، فَيَتَرَدَّد أأقطع الصلاة أم أستمر؟ فإن الصلاة تبطل؛ لأن استمرار العزم شرط على المذهب([4]).
وقال بعض أهل العلم: إنها لا تبطل بالتردد؛ وذلك لأن الأصل بقاء النية، والتردد هذا لا يبطلها، وهذا القول هو الصحيح ([5]).
قوله: «وإذا شك فيها استأنف» أي: هل نوى أو لم ينو، أو شك هل نوى الصلاة المعينة أو لم ينوها ؟ فإنه يستأنفها.
حكم الانتقال من نية إلى نية:
قوله: «وإن قلب منفرد»فرضه «نفلًا في وقته المتسع جاز، وإن انتقل بنية فرض إلى فرض بطلا» كمن شرع يصلي العصر، ثم ذكر أنه صلى الظهر على غير وضوء، فنوى أنها الظهر فلا تصح صلاة العصر ولا صلاة الظهر، ولو انتقل من فرض إلى فرض بتحريمه، كأن ينتقل من العصر ويكبر للظهر؛ فتبطل صلاة العصر وتصح الظهر. وقوله: «بطلا» تسامح وتغليب، والصواب أن يقول: بطلت الأولى، ولم تنعقد الثانية.
_________________________________
([1]) المذهب وجوب التعيين، كما في شرح منتهى الإرادات (1/176)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/19).
([2]) والتلفظ بالنية ليس بشرط، قاله في الروض المربع، قال ابن قاسم النجدي في حاشيته (1/565): «أي فيستحب، والمنصوص عن أحمد وغيره خلافه، بل ذكر شيخ الإسلام أن التلفظ بها بدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم ينقل عنه مسلم ولا عن أصحابه أنه تلفَّظَ قبل التكبير بلفظ النية، لا سرًّا ولا جهرًا ولا أمر بذلك؛ فلما لم ينقله أحد علم قطعًا أنه لم يكن، وقال: اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، وكذا بقية العبادات، والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لاسيما إذا آذى به أو كرره، والجهر بها منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة الإسلام، وفاعله مسيئ، وإن اعتقده دينًا خرج عن إجماع المسلمين، ويجب نهيه، وبعض المتأخرين خرج وجهًا من مذهب الشافعي، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، قال الشافعي: إن الصلاة لابد من النطق في أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية، وإنما أراد التكبير، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه يقولون: نويت... إلى آخره، ولم يرد عنهم حرف واحد في ذلك، وفي الإقناع: والتلفظ بها بدعة»، وانظر: الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/87).
([3]) كأن يقصد خلاص خصم. انظر: حاشية أبي بطين (1/105).
([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/176).
([5]) وهو وجه كما في الإنصاف (2/24).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:57 PM
وَتَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ، وَإِنْ نَوَى المُنْفَرِدُ الِائْتِمَامَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا، كَنِيَّةِ إِمَامَتِهِ فَرْضًا، وَإِنِ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ؛ فَلَا اسْتِخْلَافَ، وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامُ الْحيِّ بِمَنْ أَحْرَمَ بِهِمْ نَائِبُهُ وَعَادَ النَّائِبُ مُؤْتَمًّا صَحَّ.
_________________________________
قوله: «وتجب نية الإمامة والائتمام» أي: يجب أن ينوي الإمام الإمامة، والمأموم الائتمام.
وهو شرط لصحة الصلاة على المذهب، فلو أتى شخص إلى إنسان يصلي فاقتدى به ونوى الائتمام به، وهذا الذي يصلي لم يعلم بأن أحدًا يصلي وراءه، وأنه إمام له فالمذهب أن صلاة الإمام جماعة لا تصح؛ لأنه لم ينو، والمأموم لا تصح صلاته أصلًا؛ لأنه نوى الائتمام بمن لم يكن إمامًا له.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يأتم الإنسان بشخص لم ينو الإمامة وهو أصح([1]).
قوله: «وإن نوى المنفرد الائتمام لم تصح»كمن ابتدأ صلاته منفردًا، ثم حضرت جماعة فصلوا جماعة، فانتقل من انفراده إلى الائتمام بالإمام الذي حضر، فإن صلاته على المذهب لا تصح([2]).
والقول الثاني أنه يصح أن ينوي المنفرد الائتمام، وهو الصحيح([3]).
قوله: «كنية إمامته فرضًا» أي: كما لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض بأن صلى منفردًا؛ ثم حضر شخص أو أكثر، فقالوا: صل بنا، فنوى أن يكون إمامًا لهم.
وعلم من قوله أنه لو انتقل المنفرد إلى الإمام في نفل فإن صلاته تصح، والمذهب عدم الصحة في الفرض والنَّفْل.
قوله: «وإن انفرد مؤتم بلا عذر بَطَلَتْ» فإذا دخل المأموم مع الإمام في الصلاة، ثم طرأ عليه أن ينفرد فانفرد، وأتم صلاته منفردًا وانصرف؛ فإن كان لعذر كتطويل الإمام زائدًا على السنة فصحيح، وإن كان لغير عذر فغير صحيح.
وصلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، ولهذا يتحمل الإمام عن المأموم أشياء كثيرة، منها: التشهد الأول إذا قام الإمام عنه ناسيًا، ومنها سترة الإمام سترة للمأموم، ولذلك «تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام» ولا يستثنى من ذلك شيء إلا إذا صلى الإمام محدثًا، ونسي أو جهل ولم يعلم بالحدث، أو لم يذكر الحدث إلا بعد السلام، فيلزمه الإعادة، ولا يلزم المأموم الإعادة.
وقوله: «فلا استخلاف» أي: فلا يستخلف الإمام من يتم بهم الصلاة بعد بطلان الصلاة؛ فإن أحس بالحدث مثلًا واستخلف قبل أن تبطل صلاته فهذا جائز، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو المشهور من المذهب([4])، والقول الثاني في المذهب أنه يستخلف، وأن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة الإمام([5]).
وإذا انتقل الإنسان من إمامة إلى ائتمام صَحَّت صلاته في صور؛ منها: «إن أحرم»شخص بقوم نائبًا عن«إمام الحي» أي الراتب الذي تخلف، ثم حضر إمام الحي فتَقَدَّم إلى المحراب فنائبه يتأخر إن وجد مكانًا في الصف؛ وإلا بقي عن يمين الإمام؛ فهنا ينتقل الإمام النائب من إمامة إلى ائتمام وهذا جائز.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/178)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/28).
([2]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/179).
([3]) وهو رواية، كما في الإنصاف (2/29).
([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/181).
([5]) انظر: الإنصاف (2/33).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:59 PM
بَابُ صِفَةِ الصَّلاةِ
يُسَنُّ الْقِيَامُ عِنْدَ (قَدْ) مِنْ إِقَامَتِهَا، وَتَسْوِيَةُ الصَّفِّ، وَيَقُولُ: «اللهُ أَكْبَرُ» رَافِعًا يَدَيْهِ، مَضْمُومَتَي الْأَصَابِعِ، مَمْدُودَةً حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ كَالسُّجُودِ، ويُسْمِعُ الإِمَامُ مَنْ خَلْفَهُ كَقِرَاءَتِهِ فِي أُولَيَيْ غَيرِ الظّهْرَيْنِ، وَغَيْرَهُ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَقْبِضُ كُوعَ يُسْرَاهُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَيَنْظُرُ مَسْجِدَهُ، ثمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ يَسْتَعِيذُ وَيُبَسْمِلُ، سِرًّا، وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
_________________________________
صفة الصلاة: أي الكيفية التي تكون عليها.
قوله: «يسن»للمأموم «القيام عند (قد) من إقامتها» أي إذا قال المقيم: «قد قامت الصلاة».
هذا إذا رأوا الإمام، فإن لم يروه انتظروا حتى يروا الإمام، ويسن أيضًا «تسوية الصف» بحيث لا يتقدم أحد على أحد، والمعتبر المناكب في أعلى البدن والأكعب في أسفل البدن، والقول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون ([1]).
قوله: «ويقول»المصلي بلسانه لا بقلبه: «الله أكبر» وهذا ركن لا تنعقد الصلاة بدونه، ولو قال: «الله الأجل، أو الله أجل، أو الله أعظم» أو ما شابه ذلك فإنه لا يجزئ.
قوله: «رافعًا يديه» أي: يقول ذلك في حال رفع يديه حذاء كتفيه([2])«مضمومتي الأصابع» يعني يضم بعضها إلى بعض «ممدودة» غير مقبوضة «حذو منكبيه» هما الكتفان، فيكون منتهى الرفع إلى الكتفين؛ «كالسجود»أي: كما يفعل في السجود إذا سجد؛ فإنه يجعل يديه حذو منكبيه.
قوله: «ويُسمع الإمام من خلفه» فإن كان من خلفه واحدًا فالصوت الخفي يكفي، وإن كان من خلفه جمعًا فيستحب رفع الصوت، وإذا كان لا يسمع صوته من وراءه استعان بمبلّغ يبلغ عنه.
قوله: «كقراءته في أوليي غير الظهرين» أي كما يسمع القراءة في أوليي غير الظهرين، وهما الظهر والعصر.
قوله: «وغيره نفسه» أي: ويسمع المأموم والمنفرد نفسه؛ يعني يتكلم وينطق بحيث يسمع نفسه، فإن أبان الحروف بدون أن يسمع نفسه لم تصح قراءته وتكبيره وفي التكبير لا تنعقد صلاته، ويشترط لوجوب إسماع نفسه ألا يكون هناك مانع من الإسماع، فلو كان يصلي وحوله أصوات مرتفعة فيكفي أن ينطق بحيث يسمع نفسه لولا المانع.
قوله: «ثم يقبض كوع يسراه» أي: بعد التكبير ورفع اليدين يقبض كوع يسراه من حين أن ينزلهما من الرفع، بحيث تكون يده اليمنى واليسرى «تحت سرته، وينظر»أي الإمام والمأموم والمنفرد «مسجده» أي موضع سجوده.
قوله: «ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك»وهاتان الجملتان جامعتان للتنـزيه والإثبات، «وتبارك اسمك»اسم مفرد مضاف فيشمل كل اسم من أسماء الله، «وتعالى جَدّك» تعالى: أي ارتفع ارتفاعًا معنويًّا، والجد بمعنى العظمة، «ولا إله غيرك» هذه هي كلمة التوحيد التي أرسل بها جميع الرسل.
ولا يُستفتح في صلاة الجنازة على المشهور من المذهب.
قوله: «ثم يستعيذ»وفائدة الاستعاذة: ليكون الشيطان بعيدًا عن قلب المرء،«ثم يبسمل» أي: يقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}«سرًّا»يعني إذا كانت الصلاة جهرًا.
«وليست»البسملة«من الفاتحة».
_________________________________
([1]) المذهب أنه يسن، كما في شرح منتهى الإرادات (1/182-183)، وما رجحه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (2/39).
([2]) المراد باليدين هما الكفان؛ فلو قطعت يده من الكوع رفع الساعد ومن المرفق رفع العضد. انظر: حاشية أبي بطين (1/109).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 04:59 PM
ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، فَإِنْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ، أَوْ سُكُوتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَيْنِ وَطَالَ، أَوْ تَرَكَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً، أَوْ حَرْفًا، أَوْ تَرْتِيبًا لَزِمَ غَيْرَ مَأمُومٍ إِعَادَتُهَا، وَيَجْهَرُ الْكُلّ بِآمِينَ في الجَهْرِيَّةِ، ثُمَّ يَقْرَأ بَعْدَهَا سُورَةً تَكُونُ فَي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ المُفَصَّلِ، وَفِي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ.
_________________________________
قوله: «ثم يقرأ الفاتحة» سُمِّيَتْ فاتحة؛ لأنه افتتح بها المصحف في الكتابة، ولأنها تفتح بها الصلاة في القراءة، ولابد أن يقرأها كاملة مرتَّبَةً بآياتها وكلماتها وحروفها وحركاتها، فلو قرأ ست آيات منها لم تصح، ولو أسقط «الضالين» أو أسقط حرفًا لم تصح، ولو أخلف الحركات فإنها لا تصح إن كان اللحن يحيل المعنى، وإلا صحت، ولا يجوز أن يتعمد اللحن وإن كان لا يحيل المعنى.
قوله: «فإن قطعها بذكر» بأن قال:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَيِن} ثم جعل يثني على الله سبحانه وتعالى: سبحان الله والحمد لله... ثم قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}فهذا غير مشروع، وكذا لو قطعها بـ«سكوت» وذلك إذا طال أحدهما، فيجب عليه الإعادة، ذلك إذا كان الذكر أو السكوت «غير المشروعين» فإن كانا مشروعين، كما لو قطعها ليسأل الله أن يكون من الذين أنعم الله عليهم، أو سكت لاستماع قراءة إمامه، وكان يعلم أن إمامه يسكت قبل الركوع سكوتًا يتمكن معه أن يكملها فإن هذا مشروع لا يضر ولو طال.
قوله: «أو ترك منها تشديدة» كترك تشديدة الباء من قوله: «رب العالمين» وإنما لم يصح؛ لأن الحرف المشدد عن حرفين، فإذا ترك التشديد أنقص حرفًا.
قوله: «أو حرفًا» وهذا يقع كثيرًا من الذين يدغمون بسبب إسراعهم في القراءة فلا تصح.
قوله: «أو ترتيبًا» أي أخل بترتيبها، فإنها لا تصح.
قوله: «لزم غيرَ مأموم إعادتها»أي لزمت إعادتها على غير مأموم؛ لأن قراءة الفاتحة في حق المأموم ليست بواجبة، فلو تركها المأموم عمدًا لم يلزمه إعادتها، أما المنفرد فيعيدها من أولها إن فعله متعمدًا([1])، ويبني إن لم يكن عن تعمد.
فإن أبدل الضاد في قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} بالظاء، فالمشهور من المذهب أنها تصح.
قوله: «ويجهر الكل بآمين في الجهرية» أي المنفرد، والمأموم والإمام بالجهرية، ومعنى آمين:اللهم استجب، قال الفقهاء: فإن شدد الميم بطلت الصلاة؛ لأن معناها حينئذ «قاصدين»([2]).
وقوله: «ثم يقرأ بعدها» أي بعد الفاتحة، فلا تُشرع القراءة قبل الفاتحة، فلو نسي وقرأ السورة قبل الفاتحة أعادها بعد الفاتحة.
قوله:«سورة» أي لا بعض السورة، ولا آيات من أثناء السورة، والذي نرى أنه لا بأس أن يقرأ الإنسان آية من سورة في الفريضة وفي النافلة([3]).
قوله: «تكون في الصبح من طوال المفصل» أي تكون السورة في صلاة الصبح من طِوال المفصل، والمفصل ثلاثة أقسام: من {ق} إلى {عم} طوال، ومن {عم} إلى (الضحى) أوساط، ومن (الضحى) إلى آخره قصار، وسمي مفصلًا لكثره فواصله، لأن سوره قصيرة.
قوله:«وفي المغرب من قصاره»هذا هو الأفضل، «وفي الباقي من أوساطه».
وقوله: «لا تصح الصلاة» عام يشمل الفريضة والنافلة «بقراءة خارجة عن مصحف عثمان»ومصحف عثمان - رضي الله عنه - هو الذي جمع الناس عليه في خلافته، وقد نقل إلينا نقلًا متواترًا، لكن هناك قراءات خارجة عن هذا المصحف، وهي قراءات صحيحة ثابتة عمن قرأ بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها تعتبر عند القراء اصطلاحًا شاذة، وإن كانت صحيحة.
_________________________________
([1]) كذا قال في الروض المربع: «إعادة الفاتحة فيستأنفها إن تعمد»، قال أبو بطين في حاشيته عليه (1/112): «قوله: (إن تعمد... إلخ) مفهومه أنه إذا لم يتعمد لم يعد، وهذا صحيح فيما إذا رجع إلى قطع الموالاة في الفاتحة، وأما إذا رجع إلى ترك التشديد أو حرف فلا يصح؛ فإنه لا فرق بين ترك ذلك عمدًا أو غيره، وعلى كل حال في هذا القيد احتمال يجب تمييزه، وهو أن يقال: إن كان من جهة قطع الموالاة في قراءة الفاتحة نظرنا؛ إن كان القطع عمدًا أعادها، وإلا لم يعدها وبنى، وأما إذا كان ترك تشديدة أو حرفًا أعاد الفاتحة بكل حال إن فاتت الموالاة، وإلا أعاد الكلمة، والله أعلم».
([2]) كذا نص في المنتهى بحاشية ابن قائد (1/210)، قال أبو بطين في حاشية الروض المربع (1/112): «مع أنه في شرح الشذور لابن هشام حكى ذلك لغة فيها عن بعضهم».
([3]) المندوب على المذهب سورة كاملة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/191)، وفي كشاف القناع أنه تجزئ آية، قال: «إلا أن الإمام أحمد استحب أن تكون الآية طويلة كآية الدين وآية الكرسي»، قال: «والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى أو حكم؛ نحو: «ثم نظر»، «مدهامتان». انظر: كشاف القناع (1/342).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:00 PM
ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا، رَافِعًا يَدَيْهِ، وَيَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفْرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ مُسْتَوِيًا ظَهْرُهُ، وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ قَائِلًا إِمَامًا وَمُنْفَرِدًا: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَبَعْدَ قِيَامِهِمَا: [رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ] وَمَأمُومٌ في رَفْعِهِ: [رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ ] فَقَطْ، ثُمَّ يَخِرُّ مُكَبِّرًا سَاجِدًا عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: رِجْلَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَبْهَتِهِ مَعَ أَنْفِهِ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ لَيْسَ مِنْ أَعْضَاءِ سُجُودِهِ.
_________________________________
قوله: «ثم يركع» الركوع هو الانحناء في الظهر«مكبرًا»؛ أي: بعد القراءة يركع مكبرًا في حال هُويه إلى الركوع، فلا يبدأ قبله ولا يؤخره حتى يصل إلى الركوع، ويكون «رافعًا يديه» مع ابتداء الركوع «ويضعهما»أي كفيه «على ركبتيه» معتمدًا عليهما، وليس مجرد لمس، بحيث تكونا «مفرجتي الأصابع» يعني لا مضمومة، بل مفرجة كأنه قابض ركبتيه، ويكون المصلي «مستويًا ظهره» والاستواء يشمل استواء الظهر في المد واستواءه في العلو والنـزول، يعني لا يقوس ظهره ولا يهصره حتى ينـزل وسطه، ولا ينـزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستويًا.
والمشهور من المذهب: أنه ينحني بحيث يمكن أن يمس ركبتيه بيديه إذا كان وسطًا، يعني إذا كانت يداه ليستا طويلتين ولا قصيرتين.
قوله: «ويقول»في ركوعه«سبحان ربي العظيم» ومعنى التسبيح: التنـزيه، والعظيم أي في ذاته وصفاته([1])، وظاهر قول المؤلف: أنه لا يزيد عليها شيئًا؛ فلا يقول على المشهور من المذهب: «وبحمده» ([2])، ولكن المشروع أن يقولها أحيانًا؛ لأن ذلك قد جاءت به السنة([3]).
قوله: «ثم يرفع رأسه» أي وظهره -والرفع من الركوع ركن- «قائلًا إمامًا ومنفردًا: سمع الله لمن حمده» فلا يقال قبل الرفع ولا يؤخر لما بعده.
قوله: «وبعد قيامهما»أي الإمام والمنفرد يقولان:«ربنا ولك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد»، ويقول «مأموم» في حال الرفع: ربنا ولك الحمد «فقط» فلا يزيد على ذلك، والصحيح أنه يزيد ما جاءت به السنة([4]).
وقوله:«ثم يخر»ولا يرفع يديه«مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه»وأفادنا المؤلف بالنص الصريح أن الركبتين مقدمتان على اليدين في السجود.
ويسجد على الأرض «ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده» كثوب وغترة ومشلح، وما كان من جنس الأرض، وما كان من غير جنسها؛ فهو عام، لكن لابد أن يكون طاهرًا، ولا يجوز أن يسجد على حائل من أعضاء السجود؛ بأن يضع جبهته على كفيه مثلًا، أو يضع يديه بعضهما على بعض.
فإن رفع عضوًا من أعضائه حال سجوده يدًا أو رجلًا أو نحوهما فإن كان في جميع حال السجود فسجوده لا يصح، وإن كان في أثناء السجودفالعبرة بالأعم والأكثر، فإذا كان الأعم والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئًا، وليصبر حتى لو أصابته حكة في يده مثلًا، أو في فخذه، أو في رجله فليصبر حتى يقوم من السجود.
ومن عجز عن السجود بالجبهة لم يلزمه بغيرها، فإذا كان يستطيع أن يومئ بحيث يكون إلى السجود التام أقرب منه إلى الجلوس التام فهذا لا يلزمه أن يسجد ببقية الأعضاء، فيدنو من الأرض بقدر ما يمكنه ثم يضع يديه.
_________________________________
([1]) قال في الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/350): «وإذا رفع رأسه من الركوع فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد إلى الركوع إذا ذكره بعد اعتداله؛ فإن عاد إليه فقد زاد ركوعًا تبطل به الصلاة بعمده؛ فإن فعله ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل ويسجد للسهو» قال في كشاف القناع بعده: «أي وجوبًا؛ لأنه زيادة فعلية».
([2]) انظر: كشاف القناع (1/347)؛ حيث قال: «والأفضل الاقتصار عليها من غير زيادة: «وبحمده»، وهو المذكور في مطالب أولي النهى (1/445)، ولكنه قال في شرح منتهى الإرادات (1/194): «والأفضل عدم الزيادة عليه؛ فإن زاد: «وبحمده» فلا بأس».
([3]) وهو رواية، كما في الإنصاف (2/60).
([4]) المذهب ألا يزيد عليه، كما في شرح منتهى الإرادات (1/196)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/64) أنه يزيد: «ملء السماء... إلى آخره».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:01 PM
وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى».
_________________________________
قوله: «ويجافي»المصلي الساجد«عضديه عن جنبيه»يعني يبعدهما حتى لو شاءت أن تمر البهيمة -وهي صغار الغنم- من تحته لمرَّت من شدة مجافاته، ويستثنى من ذلك ما إذا كان في الجماعة وخشي أن يؤذي جاره فإنه لا يستحب له.
ويجافي أيضًا «بطنه عن فخذيه»أي: يرفعه عن فخذيه، وكذلك أيضًا يرفع الفخذين عن الساقين.
«ويفرق ركبتيه» أي: لا يضم ركبتيه بعضهما إلى بعض، وكذلك يفرق رجليه؛ لأن القدمين تابعتين للساقين والركبتين، فإذا كان السنة تفريق الركبتين، فلتكن السنة أيضًا تفريق القدمين، والذي يظهر من السنة أن القدمين تكونان مرصوصتين ([1]) ،وإذا طال السجود فإنه يعتمد على فخذيه إذا شق عليه طول السجود.
قوله: «ويقول سبحان ربي الأعلى» أي: حال السجود يقول ذلك.
_________________________________
([1]) نص في كشاف القناع (1/353) على أنه يفرق بين ركبتيه ورجليه.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:01 PM
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشًا يُسْرَاهُ نَاصِبًا يُمْنَاهُ، ويَقُولُ: «رَبِّ اغْفِر لِي»، وَيَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا نَاهِضًا عَلَى صُدُورِ قَدَميْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيهِ إِنْ سَهُلَ، وَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ، مَا عَدَا التَّحْرِيمَةَ وَالِاسْتِفْتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ، وَتَجْدِيدَ النِّيَّةِ.
_________________________________
قوله: «ثم يرفع رأسه»وما يتبعه من اليدين«مكبرًا» ويكون التكبير في حال الرفع([1])«ويجلس»أي بعد السجدة الأولى«مفترشًا يسراه» أي: يضعها تحته مفترشًا لها لا جالسًا على عقبيه، وعليه، فيكون ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، ويكون «ناصبًا يمناه» أي جاعلها منتصبة، والمراد: القدم، وحينئذ لابد أن يخرجها من يمينه، فتكون الرجل اليمنى مخرجة من اليمين، واليسرى مفترشة، أي أنه يجلـس بين السجدتين هكذا، لا يجلس متورِّكًا.
قوله: «ويقول رب اغفر لي» الواجب مرة، والكمال ثلاث، والصحيح أنه يقول كل ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: «رب اغفرلي وارحمني وعافني واهدني وارزقني» أو اجبرني مكان ارزقني، وإن شاء جمع بينهما؛ لأن المقام مقام دعاء([2]).
قوله: «ويسجد الثانية كالأولى» أي: في القول والفعل «ثم يرفع»من السجدة الثانيةولا يجلس للاستراحة«مكبرًا ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل» أي: وإن لم يسهل عليه فإنه يعتمد على الأرض، ويبدأ بالنهوض من السجود بالجبهة والأنف، ثم باليدين فيضعهما على الركبتين، ثم ينهض على صدور القدمين.
قوله: «ويصلي»الركعة«الثانية كذلك» أي كالأولى يعني في القيام والركوع والسجود والجلوس وما يقال فيها.
قوله: «ما عدا التحريمة» أي: تكبيرة الإحرام؛ لأن التحريمة تفتح بها الصلاة، وقد استفتحت، بل لو كبر ناويًا التحريمة بطلت صلاته، وما عدا «الاستفتاح» فلا يسن في الركعة الثانية، وما عدا «التعوذ» فإنه يشرع في الأولى ولا يشرع في الثانية؛ لأن قراءة الصلاة واحدة،فإن الصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، فإذا تعوذت لأول مرة كفى، والأمر في هذا سهل؛ يعني لو قيل: إنه يخير لتكافؤ الأدلة لكان له وجه، فنقول: إن استعذت بالله من الشيطان الرجيم فحسن، وإن لم تستعذ اكتفاء بالأول أجزأ أيضًا([3]).
فإذا لم يتعوذ في الأولى فيتعوذ في الثانية، مثل أن يدرك الإمام راكعًا فإنه سوف يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر للركوع ويركع، وتكون القراءة في الركعة الثانية، وحينئذ يتعوذ.
قوله: «وتجديد النية» فلا يأتي بنية جديدة بخلاف الركعة الأولى، فلو نوى الدخول بنية جديدة في الركعة الثانية لبطلت الأولى؛ لأن لازم تجديد النية في الركعة الثانية قطع النية في الركعة الأولى.
_________________________________
([1]) أي يكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/57).
([2]) ما صححه الشيخ لا يكره على الصحيح من المذهب، وقيل: يستحب في الفرض والنفل، انظر: كشاف القناع (1/354)، الإنصاف (2/71).
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/356)، وما ذكره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/74).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:02 PM
ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، وَيَدَاهُ عَلَى فَخِذَيْهِ يَقْبِضُ خِنْصَرَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَبِنْصَرَهَا، وَيُحَلِّقُ إِبْهَامَهَا مَعَ الْوُسْطَى وَيُشِيرُ بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدِهِ، ويَبْسُطُ الْيُسْرَى، ويَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ)، ثُمَّ يَقُولُ: الَلَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَيَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ.
_________________________________
قوله: «ثم»بعد أن يصلي الثانية بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها«يجلس مفترشًا» وهذا الجلوس للتشهد إما الأول وإما الأخير، وفي هذا الجلوس تكون «يداه على فخذيه» ولا يقدمهما حتى تكونا على الركبة([1]).
قوله: «يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى»الخنصر: الإصبع الأصغر، والبنصر: الذي يليه، والوسطى: هي التي تلي البنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى: وتبقى السبابة مفتوحة لا يضمها.
قوله: «ويشير بسبابتها» وسُمِّيَت سبابة؛ لأن الإنسان يشير بها عند السب، وتسمى أيضًا سباحة؛ لأنه يسبح بها الله - عز وجل - لأنه يشير بها عند تسبيح الله؛ فإذا قلت التحيات لله، تشير. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، تشير. السلام علينا وعلى عباد الله،تشير. أشهد أن لا اله إلا الله، تشير، هذه أربع مرات في التشهد الأول([2])، اللهم صل، خمس؛ لأن اللهم أصلها الله. اللهم بارك، ستٌّ. أعوذ بالله من عذاب جهنم، سبعٌ. وكذلك يشير بها عند الدعاء، فكلما دعوت حَرِّك إشارة إلى علو المدعو سُبْحَانَهُ وتعالى.
قوله: «ويبسط اليسرى» يعنى أصابعها على الفخد الأيسر.
قوله: «ويقول: التحيات لله...» يقول بلسانه متدبرًا ذلك بقلبه، والتحيات: جمع تحية وهي التعظيم، «والصلوات» أي الخمس أو الرحمة أو العبادات كلها أو الأدعية، «والطيبات» أي: الأعمال الصالحة، وقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله» المراد بالسلام: اسم الله عز وجل، و«ورحمة» معطوفة على «السلام» يعني ورحمة الله عليك «وبركاته»جمع بركة، وهي الخير الكثير الثابت، والبركة هي: النماء والزيادة في كل شيء من الخير، و«السلام علينا» أي على جميع الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة «وعلى عباد الله الصالحين» جمع صالح، و هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده.
قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله»([3]) أي أخبر بأني قاطع بالوحدانية، «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» المرسل إلى كافة الناس.
قوله: «هذا» -من قوله: «التحيات» إلى قوله: «وأن محمدًا عبده ورسوله» هو «التشهد الأول».
قوله: «اللهم»معناها: يا الله «صل على محمد» الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء.
لكن الصحيح في الصلاة من الله أن الصلاة أخص من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون عل جواز الدعاء بالرحمة لكل مؤمن، واختلفوا: هل يصلي على غير الأنبياء.
قوله: «وبارك» أي: أنزل عليه البركة.
قوله: «إنك حميد مجيد»«حميد» فعيل بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، فهو حامد ومحمود، حامد لعباده وأوليائه الذين قاموا بأمره، ومحمود يحمد الله - عز وجل - على ماله من صفات الكمال، وجزيل الإنعام، وأما «المجيد» فهي فعيل بمعنى فاعل أي: ذو المجد، والمجد هو العظمة وكمال السلطان.
قوله: «ويستعيذ» أي: يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، والعياذ: هو الالتجاء أو الاعتصام من مكروه.
قوله: «من عذاب جهنم» أي العذاب الحاصل منها أو فيها؛ أي يستعيذ بالله من فعل الأسباب المؤدية إلى عذاب جهنم أو من عقوبة جهنم إذا فعل الأسباب التي توجب ذلك.
قوله: «ومن عذاب القبر» أي: من عذاب البرزخ الذي بين موته وبين قيام الساعة.
قوله: «وفتنة المحيا والممات» أي: اختبار المرء في دينه في حياته وفي مماته، وفتنة الحياة تدور على شيئين: شبهات وشهوات، وفتنة الممات قيل: سؤال الملكين، وقيل: ما يكون عند الموت في آخر الحياة.
قوله: «وفتنة المسيح الدجال»سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض بسرعة سيره فيها، أو لأنه كان ممسوح العين، وفتنته: أن الله تعالى جعل معه جنة ونارًا بحسب رؤيا العين، لكن جنته نار، وناره جنة، من أطاعه أدخله هذه الجنة فيما يرى الناس، ولكنها نار محرقة والعياذ بالله، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس، ولكنها جنة وماء عذب طيب.
قوله:«ويدعو بما ورد»فينبغي أن يبدأ الإنسان بما ورد؛ ومما ورد في هذا [اللهم أعِنِّي على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك] ثم يتخير من الدعاء ما شاء، ولا يدعو بشيء من أمور الدنيا، مثل أن يقول: اللهم ارزقني بيتًا واسعًا، أو اللهم ارزقني زوجة جميلة أو ما أشبه ذلك؛ حتى قال الأصحاب: لو دعا بشيء مما يتعلق بأمور الدنيا بطلت صلاته، والصحيح أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلق بأمور الدنيا([4]).
_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/63): «اليمنى على الفخذ اليمنى، باسطًا ذراعه على فخذه، ولا يجافيها، فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه، واليسرى على الفخذ اليسرى، ممدودة، وأطراف الأصابع على الركب».
([2]) قال أبو بطين محشِّيًا على قوله في الروض المربع (1/117): (ويشير بسبابتهامن غير تحريك في تشهده ودعائه في الصلاة وغيرها عند ذكر الله تعالى): «قوله: (عند ذكر الله) انظر هل المراد عند ذكر لفظة الله وعند كل لفظ دل على الله حتى اللهم والضمائر، فليراجع، ثم رأيت ابن نصر الله أفصح عن المسألة في شرحه على الفروع: أي عند لفظ الله، وتبعه الشيخ م ص في شرحه، ومقتضى ذلك أن يشير بها في تشهده أربع مرات؛ لأن فيه ذكر الله أربع مرات».
([3]) قال أبو بطين (1/118): «ويشترط موالاته وذكر العاطف بين الشهادتين، ولفظ أشهد، ورعاية حروفه وتشديداته والإعراب؛ لئلا يخل بالمعنى وإسماع نفسه» اهـ شرح كفاية.
([4]) المذهب أن صلاته تبطل إذا دعا بذلك، كما في كشاف القناع (1/361)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/82).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:03 PM
ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ في ثُلَاثِيَّةٍ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، نَهَضَ مُكَبِّرًا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَصَلَّى مَا بَقِيَ كَالثَّانِيَةِ بِالحَمْدِ فَقَطْ، وَالمَرْأَةُ مِثْلَهُ. لَكِنْ تَضُمُّ نَفْسَهَا وَتَسْدِلُ رِجْلَيْهَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا.
_________________________________
قوله:«ثم يسلم»أي: بعد التشهد والدعاء «عن يمينه» فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يزيد: وبركاته، وعن يساره فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وإنما يسلم على الجماعة إذا كان معه جماعة، وإذا لم يكن معه جماعة فالسلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، وإذا سلم الإنسان مع الجماعة، فلا يجب على الجماعة أن يردوا عليه.
قوله: «وإن كان في ثلاثية»مثل المغرب«أو رباعية» مثل الظهر والعصر والعشاء «نهض مكبرًا» ويكون التكبير في حال النهوض «بعد التشهد الأول» وقد سبق بيانه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يرفع يديه؛ لأنه لم يقل ويرفع يديه، وهذا هو المشهور من المذهب([1])، ولكن الصحيح أنه يرفع يديه([2]).
قوله: «وصلى ما بقي كـ»الركعة «الثانية بالحمد فقط» أي: فليس فيه تكبيرة إحرام ولا استفتاح ولا تعوذ ولا تجديد نية، ويقتصر فيهما على الحمد، ويسر فيهما بالقراءة.
فإذا أتى بما بقي: إما ركعة إن كانت الصلاة ثلاثية، وإما ركعتين إن كانت رباعية«يجلس في تشهده الأخير متوركًا»بأن يُخْرج الرِّجْل اليسرى من الجانب الأيمن ويجلس على مقعدته على الأرض، وتكون الرجل اليمنى منصوبة.
قوله: «والمرأة مثله» أي: مثل الرجل «لكن تضم نفسها» فالمرأة لا تجافي، بل تضم نفسها، فإذا سجدت تجعل بطنها على الفخذين، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعت تضم يديها، والقول الراجح أن المرأة تصنع كما يصنع الرجل في كل شيء، فترفع يديها وتجافي، وتمد الظهر في حال الركوع وترفع بطنها عن الفخذين،والفخذين عن الساقين في حال السجود([3]).
قوله:«وتسدل رجليها في جانب يمينها» الرَّجُلُ يُسَنُّ له الافتراش أو التورُّك، أما هي فتسدل الرجلين بجانب اليمين في الجلوس بين السجدتين وفي التشهُّدَيْن.
_________________________________
([1]) انظر: كشاف القناع (1/363).
([2]) وهو رواية، اختارها المجد والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وابن عبدوس، انظر: كشاف القناع (1/363).
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/364)، وقال في الإنصاف (2/90): «والمرأة كالرجل في ذلك؛ إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود، وكذا في بقية الصلاة بلا نزاع».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:03 PM
فَصْل
وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ الْتِفَاتُهُ، وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَإِقْعَاؤُهُ، وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا، وَعَبَثُهُ، وَتَخَصُّرُهُ وَتَرَوُّحُهُ، وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ، وَتَشْبِيكُهَا، وَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا، أَوْ بحَضْرَةِ طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ، وَتَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ، لَا جَمْعُ سُوَرٍ فِي فَرْضٍ كَنَفْلٍ، وَلَهُ رَدُّ المَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَدُّ الْآيِ، وَالْفَتْحُ عَلَى إِمَامِهِ، وَلُبْسُ الثَّوْبِ، وَقَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَقَمْلٍ، فَإِنْ أَطَالَ الْفِعْلَ عُرْفًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا تَفْرِيقٍ بَطَلَتْ، وَلَوْ سَهْوًا.
_________________________________
قوله:«ويكره في الصلاة التفاته» ولكن إذا كان لحاجة فلا بأس، ويُكْرَه أيضًا «رفع بصره إلى السماء» وهو يصلي، سواء في حال القراءة أو في حال ركوعه، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال، ويكره«تغميض عينيه وإقعاؤه» أي في الجلوس، وله عند أصحابنا صور: أن يجعل قدميه ظهورهما نحو الأرض، ثم يجلس على عقبيه، أو ينصب قدميه ويجلس على عقبيه، أو ينصب فخذيه وساقيه ويجلس على عقبيه، لا سيما إن اعتمد بيديه على الأرض، وهذا هو المعروف من الإقعاء في اللغة العربية.
قوله: «وافترش ذراعيه ساجدًا» أي: يُكْرَه أن يفترش ذراعيه حال السجود، ولو افترشهما جالسًا فهو أشد كراهة، إلا أن الفقهاء قالوا: إذا طال السجود وشق عليه فله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه.
وكذا يكره «عبثه» أي: عبث المصلي «وتخصره» أي وضع يده على خاصرته وهي: المستدق من البطن الذي فوق الورك أي وسط الإنسان، ويُكره أيضًا «تروحه» أي: أن يروح على نفسه بالمروحة([1])، وأما التروُّح الذي هو المراوحة بين القدمين بحيث يعتمد على رجل أحيانًا وعلى رجل أخرى أحيانًا فهذا لا بأس به، لا سيما إذا طال وقوف الإنسان، ولكن بدون أن يُقَدِّم إحدى الرِّجْلَيْنِ على الثانية.
قوله: «وفرقعة أصابعه» أي ويُكْرَه أيضًا فرقعة أصابعه، ويكره أيضًا «تشبيكهما» وهو إدخال بعضها في بعض في حال الصلاة، وأما بعد الصلاة فلا يكره شيء من ذلك، لا الفرقعة ولا التشبيك.
قوله: «وأن يكون حاقنًا» أي: يكره أن يصلي وهو حاقن؛ وهو المحتاج إلى التبول([2])، «أو بحضرة طعام يشتهيه» أي بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وينبغي أن يزاد شرط: وهو أن يكون قادرًا على تناوله حسًّا وشرعًا؛ فإن لم يحضر الطعام، ولكنه جائع فلا يؤخر الصلاة، ولو كان الطعام حاضرًا ولكنه شبعان لا يهتم به فلْيُصَلّ، ولا كراهة في حقه، وكذلك لو حضر الطعام، لكنه ممنوع منه شرعًا كصائم أو حسًّا كطعام حارٍّ لا يستطيع أن يتناوله([3]).
قوله: «وتكرار الفاتحة» أي: ويكره تكرار الفاتحة مرتين أو أكثر.
قوله: «لا جمع سور في فرض كنفل» أي لا يكره أن يقرأ سورتين –أي ما عدا الفاتحة- فأكثر سواء كان في الفرض أو النفل.
قوله: «وله»أي يباح للمصلي«رد المار» ويشمل الآدمي وغير الآدمي، ومن تبطل الصلاة بمروره ومن لا تبطل الصلاة بمروره، والمذهب أنه يُسَنُّ للمصلي الرد، فإن أبى فليدفعه بشدة، ويستثنى من ذلك المار إذا كان محتاجًا أو كان بمكة أو غلبه المار، وعلى القول الراجح يفرق بين الفرض والنَّفل، فإذا كانت الصلاة فريضة، ومر من يقطعها وجب رده؛ لأن الفريضة إذا شرع فيها حرم أن يقطعها، إلا لضرورة، وإلا لم يجب رده([4]).
قوله: «بين يديه» أي: بمقدار ثلاثة أذرع من قدمي المصلي، وقيل ما بين رجليه وموضع سجوده، وهو أقرب الأقوال ([5]) .
وللمصلي أيضًا «عد الآي» والتسبيح وتكبيرات العيد بأصابعه، «والفتح على إمامه» إذا أُرْتِجَ عليه أو غلط، ولا يفتح على غير إمامه، فإن فعل لم تبطل، وله «لبس الثوب ولف العمامة» لو أنها انحلت،«وقتل حية وعقرب وقمل» القملة: حشرة صغيرة تتولد داخل الثياب، وتقرص الجلد وتمتص الدم، وتشغل الإنسان، فله أن يقتلها، ودمها ليس نجسًا؛ لأنه لا يسيل.
قوله: «فإن أطال الفعل عرفًا»العرف: بمعنى العادة، وهو ما اعتاده الناس وألفوه.
قوله: «من غير ضرورة» أي: من غير أن يكون مضطرًا إلى الإطالة، مثل أن يهاجمه سبع، فإن لم يعالجه ويدافعه أكله، أو حية إن لم يدافعها لدغته، أو عقرب كذلك، فهذا الفعل ضرورة.
قوله: «ولا تفريق» بمعنى: أنه يكون متواليًا.
فشروط بطلان الصلاة بالحركة ثلاثة: الإطالة، وألا تكون لضرورة، وأن تكون متوالية، أي: بغير تفريق.
قوله: «ولو سهوًا» أي: ولو كان الفعل سهوًا، فلو فرضنا أن شخصًا نسي أنه في صلاة فصار يتحرك ويكتب، ويعد الدراهم ويتسوك، ويفعل أفعالًا كثيرة، فإن الصلاة تبطل.
_________________________________
([1]) ولا يكره للحاجة كغم شديد من حر، ما لم يكثر من التروّح فيبطل الصلاة، وكذا كل فعل من غير جنس الصلاة إذا طال عرفًا أبطلها إجماعًا. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/92).
([2]) وكذا كل ما يمنع كمال الصلاة؛ كاحتباس غائط أو ريح وحر وبرد وجوع وعطش مفرط؛ لأنه يمنع الخشوع، وسواء خاف فوت الجماعة أو لا، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/97).
([3]) ومن أتى بالصلاة على وجه مكروه استحب له أن يأتي بها على وجه غير مكروه ما دام وقتها باقيًا؛ لأن الإعادة مشروعة للخلل في الأولى، انظر: الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/374).
([4]) المذهب أنه يسن رد مار بين يديه بدفعه بلا عنف، آدميًّا كان أو غيره، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا، انظر: كشاف القناع (1/375)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/94).
([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/376).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:04 PM
وَيُبَاحُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا، وَإذَا نَابَهُ شَيْءٌ سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَتِ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأخْرَىَ، وَيَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ يَسَارِهِ، وَفِي المَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ، وتُسَنُّ صَلَاتُهُ إلَى سُتْرَةٍ قَائِمَةٍكَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا فَإِلَى خَطّ، وتَبْطُلُ بِمُرُورِ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ فَقَطْ، ولَهُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ آيَةِ وَعِيدٍ، وَالسُّؤَالُ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ.
_________________________________
قوله: «ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها» أي: أنه ليس بممنوع «وإذا نابه» أي عرض للمصلي «شيء»أي شيء يكون، سواء كان مما يتعلق بالصلاة، كما إذا أخطأ إمامه أو مما يتعلق بأمر خارج، كما لو قرع عليه شخص الباب وهو يصلي؛ فإنه يسبح الرجل فيقول: سبحان الله، ولا تبطل إن كثر، وتصفق المرأة «ببطن كفها على ظهر الأخرى» أي تضرب بطن كفها على ظهر الأخرى([1])، وتبطل الصلاة إن كثر.
وقوله:«يبصق في الصلاة» أي: إذا احتاج للبصاق فيبصق «عن يساره»ولا يبصق عن يمينه ولا أمام وجهه، ولو كان «في المسجد» فيبصق «في ثوبه» فلا يبصق في المسجد.
قوله:«وتسن صلاته»أي صلاة المصلي «إلى سترة» إلا أن المأموم تكون سترة إمامه سترة له، حضرًا أو سفرًا، ولو لم يخش مارًّا.
قوله: «قائمة كمؤخرة الرحل» يعني منصوبة، ومؤخرة الرحل: خشبة توضع فوق الرحل إذا ركب الراكب استند عليها، وهي حوالي ثلثي ذراع أو ذراع إلا ربعًا وما أشبهها، ورحل البعير هو: ما يشد على ظهره.
قوله:«فإن لم يجد شاخصًا» أي: شيئًا قائمًا يكون له شخص «فإلى خط» إن كانت الأرض مفروشة بالرمل أو بالحصباء، فيكون الخط له أثر، وقد يقال: يجزئ خط التلوين عن الخط الذي له أثر.
قوله: «وتبطل»الصلاة النافلة والفريضة «بمرور كلب»أي: عبور الكلب من يمين المصلي إلى يساره، ومن يساره إلى يمينه، وأما صعود الكلب بين يدي المصلي فلا يبطلها، ولو فرضنا أن كلبًا أمامك فإن صلاتك لا تبطل، لكن لو مر بطلت.
ولا تبطل بمرور حمار ولا بعير ولا فرس ولا شاة ولا خنـزير، وهنا لم يقيسوا الخنـزير على الكلب، وفي باب النجاسة قاسوه.
بحيث يكون الكلب «أسود بهيم»، أي: خالص لا يخالط سواده لون آخر.
قوله: «فقط»؛ أي: لا غير؛ فيخرج الكلب الأحمر والأبيض، وتخرج المرأة والحمار، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقوله: «يقطع» واضح أنه يبطل. قوله: «له» الضمير يعود على المصلي.
قوله: «التعوذ» هو اللجوء إلى الله عز وجل.
قوله: «عند آية وعيد» أي: إذا مر بآية وعيد، فله أن يقول: أعوذ بالله من ذلك.
قوله: «والسؤال عند آية رحمة» أي: فيسأل الرحمة، مثاله: مر ذكر الجنة، يقول: اللهم إني أسألك الجنة، وله أن يسأله من فضله، ولو مر ثناء على الأنبياء أو الأولياء أو ما أشبه ذلك؛ فله أن يقول: أسأل الله من فضله، أو أسأل الله أن يجعلنا منهم، أو ما أشبه ذلك.
قوله: «ولو في فرض» لأن هذا لا يعدو أن يكون دعاء، والصلاة فيها دعاء.
ولو قرأ القارئ:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ المَوْتَى} ونحوها، فله أن يقول: بلى.
_________________________________
([1]) أو ظهرها، أو ضرب ظهر كف على بطن الأخرى، بإمام وجوبًا، وبمستأذن استحبابًا، وكذا أعمى خشيت وقوعه في محذور ونحو ذلك، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/111).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:05 PM
فَصْل
أَرْكَانُهَا: الْقِيَامُ وَالتَّحْرِيمَةُ وَالْفَاتِحَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْكُلِّ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجَلْسَتُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ.
_________________________________
قوله: «أركانها» وهي لا تسقط عمدًا ولا سهوًا:
- «القيام» وحده ما لم يصر راكعًا، وإذا كان لا يتمكن من القيام إلا بالاعتماد جاز له أن يعتمد، وإن كان يتمكن بدون اعتماد لم يجز أن يعتمد، إلا إذا كان اعتمادًا خفيفًا فلا بأس به، وضابطه: إن كان بحيث لو أزيل ما استند إليه سقط فهذا غير خفيف، وإن كان لوأزيل لم يسقط فهو خفيف.
«والتحريمة» أي: تكبيرة الإحرام، «والفاتحة» أي: في الفرض والنفل، ويتحملها الإمام عن المأموم، «والركوع» في كل ركعة، «والاعتدال عنه» والاعتدال لا يكون إلا بعد القيام التام؛ ويُسْتَثْنَى من هذا: الركوع الثاني وما بعده في صلاة الكسوف، فإنه سنة، كما يستثنى أيضًا العاجز، «والسجود على الأعضاء السبعة والاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين»؛ ولا يتصور جلوس بين السجدتين إلا باعتدال من السجود، «والطمأنينة في الكل» أي: في كل ما سبق من الأركان الفعلية، والاطمئنان معناه: الاستقرار، ولهذا قالوا: إن الطمأنينة هي: السكون وإن قل، حتى وإن لم يتمكن من الذكر الواجب، وهذا هو المذهب.
قوله: «والتشهد الأخير وجلسته» أي: من أركان الصلاة، وجلسته أيضًا ركن، وأضاف الجلسة إلى التشهد ليفهم منه أن التشهد لابد أن يكون في نفس الجلسة.
قوله: «والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه» أي: في التشهُّد الأخير لا في التشهد الأول، وأما الصلاة على الآل فسنة، والقول الراجح أن الصلاة على النبي e سنة وليست بواجب ولا ركن،وأن الإنسان لو تعَمَّد تركها فصلاته صحيحة([1]).
قوله: «والترتيب» أي: بين أركان الصلاة؛ قيام، ثم ركوع، ثم رفع منه، ثم سجود...
قوله: «والتسليم» أي يقول: «السلام عليكم ورحمة الله»، ومشهور المذهب: أن كلتا التسليمتين ركن في الفرض وفي النفل.
_________________________________
([1]) المذهب أنها ركن، كما في كشاف القناع (1/388)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/113).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:06 PM
وَوَاجِبَاتُهَا: التَّكْبِيرُ غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَتَسْبِيحَتَا الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وسُؤَالُ المَغْفِرَةِ مَرَّةً مَرَّةً، وَيُسَنُّ ثَلَاثًا، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجَلْسَتُهُ، وَمَا عَدَا الشَّرَائِطَ، وَالْأَرْكَانَ، وَالْوَاجِبَاتِ المَذْكُورَةَ سُنَّةٌ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ الْبَاقِي، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُنَنٌ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ. لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِتَرْكِهِ، وإِنْ سَجَدَ فَلَا بَأسَ.
_________________________________
قوله: «واجباتها» أي: واجبات الصلاة، وتسقط بالسهو، ويجبرها سجود السهو:
«التكبير غير التحريمة» لأن التحريمة سبق أنها ركن؛ ويدخل بذلك التكبير للركوع وللسجود وللرفع منه... والتكبيرات الزوائد في صلاة العيد والاستسقاء سنة، وتكبيرات الجنازة أركان، وتكبيرة الركوع لمن أدرك الإمام راكعًا سنة.
قوله: «والتسميع» أي: قول الإمام والمنفرد: «سمع الله لمن حمده»، «والتحميد» للإمام والمأموم والمنفرد.
ومحل التكبير والتسميع والتحميد ما بين الركنين في الانتقال، فما كان للركوع فما بين القيام والركوع، وما كان للسجود فما بين القيام والسجود، ولو بدأ به قبله أو كمله بعده لم يجزئ؛ لأنه أتى بذكر في غير موضعه.
قوله: «وتسبيحتا الركوع والسجود»وهما: سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى.
قوله: «وسؤال المغفرة» أي: سؤال المصلي المغفرة بأن يقول: «رب اغفر لي» فلو قال: اللهم اغفر لي، فإنه لا يجزئه، ويكون «مرة مرة» أي: مرة في كل جلسة، «ويسن» أن يكرر سؤال المغفرة ثلاث مرات.
قوله: «والتشهد الأول، وجلسته»بفتح الجيم، فلو تشهد وهو قائم أو ساجد فلا يجزئ.
قوله: «وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة» فلا تبطل الصلاة بتركها.
قوله: «فمن ترك شرطًا لغير عذر»بطلت صلاته، ولعذر لم تبطل «غير النية فإنها لا تسقط بحال»؛لأن النية محلها القلب ولا يمكن العجز عنها، ولو نسي فنوى العصر لصلاة الظهر لا تصح؛ لأنه ترك التعيين، فعين خلاف فرض الوقت فلا تصح؛ لأن النية لا تسقط بحال.
قوله:«أو تعمد ترك ركن»كأن يتعمد ترك الركوع «أو واجب بطلت صلاته»، ولو أنه ندم وهو ساجد، ثم قام وأتى بالركوع فلا ينفعه، ولو ترك التشهد الأول متعمدًا حتى قام، ثم ندم ورجع فتبطل صلاته.
قوله: «بخلاف الباقي» أي: بعد الشروط والأركان والواجبات، فإن الصلاة لا تبطل بتركه، ولو كان عمدًا؛ لأنها سنن مكملة للصلاة.
قوله: «وما عدا ذلك سنن أقوال»أي: يسن قولها؛ كالاستفتاح والبسملة والتعوذ، وسنن «وأفعال»أي: يسن فعلها.
قوله: «لا يشرع»تشمل الواجب والمستحب، فالواجب يقال له مشروع، والمستحب يقال له مشروع، فلا يجب ولا يسن «السجود لتركه» كرجل ترك رفع اليدين عند الركوع فلا يشرع أن يسجد؛ لأنه سنة؛ «وإن سجد فلا بأس».
ومن جملة المسنونات في الصلاة الخشوع؛ أي: حضور القلب، وسكون الأطراف، ولا شك أنه من كمال الصلاة، وأن الصلاة بدونه كالجسد بلا روح.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:06 PM
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ
يُشْرَعُ لِزِيَادَةٍ، وَنَقْصٍ، وَشَكٍّ، لَا فِي عَمْدٍ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ، فَمَتَى زَادَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَسَهْوًا يَسْجُدُ لَهُ، وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَجَدَ، وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا جَلَسَ فِي الحَالِ فَتَشَهَّدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ، وَسَجَدَ وسَلّمَ، وَإِنْ سَبَّحَ بِهِ ثِقَتَانِ فَأصَرَّ وَلَمْ يَجْزِمْ بِصَوَابِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ تَبِعَهُ عَالِمًا لَا جَاهِلًا أوْ نَاسِيًا، وَلَا مَنْ فَارَقَهُ.
_________________________________
قوله: «يشرع»أي يجب تارة ويسن أخرى لشيء من ثلاثة: «لزيادة، ونقص، وشك» أي: بسبب زيادة أو نقص أو شك، ولكن في الجملة لا في كل صورة، ولا يشرع «في عمد».
قوله: «في الفرض والنافلة» أي: يشرع إما وجوبًا أو استحبابًا في صلاة الفرض وفي صلاة النفل؛ سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر([1]).
قوله: «متى زاد فعلًا من جنس الصلاة» احتراز، مما لو زاد قولًا أو فعلًا من غير جنس الصلاة.
قوله: «قيامًا» أي: في محل القعود،«أو قعودًا» أي: في محل القيام، «أو ركوعًا» أي: في غير محله،«أو سجودًا» أي: في غير محله، أما لو زاد فعلًا غير هذه الأفعال الأربعة، كرفع اليدين – مثلًا - في غير مواضع الرفع، فإنه لا تبطل الصلاة بعمده، ولا يجب السجود لسهوه.
قوله: «وسهوًا يسجد له» أي: ومتى زاد قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا سهوًا يسجد له.
قوله: «وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها»أي من الصلاة «سجد» كرجل سلم من الصلاة ثم ذكر أنه صلى خمسًا، فإنه يسجد للسهو وجوبًا.
قوله: «إن علم فيها» أي في الركعة التي زادها «جلس في الحال» أي: في حال علمه، ولا يتأخر حتى لو ذكر في أثناء الركوع أن هذه الركعة خامسة يجلس.
قوله: «فتشهد إن لم يكن تشهد» أي: أنه إذا علم الزيادة فجلس فإنه يقرأ التشهد، إلا أن يكون قد تشهد قبل أن يقوم للزيادة.
قوله: «وسجد وسلم» لتكمل صلاته، والقول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن السجود للزيادة يكون بعد السلام([2]).
قوله: «وإن سبح به» أي قال «سبحان الله» تنبيهًا «ثقتان»أو أكثر ولو امرأتان، فإن جزم بصواب نفسه فيأخذ به ولا يرجع إلى قولهما، وإن جزم بصوابهما، أو غلب على ظنه صوابهما، أو غلب على ظنه خطؤهما، أو تساوى عنده الأمران فإنه يأخذ بقولهما على المذهب؛ فإن «أصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته»ولو سبح به رجل واحد فقط أو مجهولان فلا يلزمه الرجوع.
قوله: «وصلاة من تبعه عالمًا لا جاهلًا أو ناسيًا ولا من فارقه»تبطل صلاة الإمام إذا سبح به ثقتان، ولم يجزم بصواب نفسه ولم يرجع إلى قولهما، لكن بالنسبة للمأمومين الآخرين، فإن كان عندهم علم كما عند المنبهين وجب عليهم أن يفارقوا الإمام، فإن لم يفارقوه وتابعوه نظرنا، فإن كان ذلك نسيانًا فلا شيء عليهم، وعليهم سجود السهو إذا كان فاتهم شيء من الصلاة، وإن كان جهلًا بأنها زائدة أو جهلًا بالحكم، فإذا تبعه المأموم جاهلًا فإن صلاته صحيحة من أجل العذر.
وفهمنا من قوله: «ولا من فارقه» أنه لا يجلس فينتظر الإمام؛ لأنه يرى أن صلاة الإمام باطلة، ولا يمكن متابعته في صلاة باطلة.
_________________________________
([1]) فلا سجود للسهو فيها وفاقًا، فأما صلاة الجنازة فلأنها لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى، وأما سجود التلاوة والشكر فإنه لو شرع كان الجبر زائدًا على الأصل، وأما سجود السهو فلأنه يفضي إلى التسلسل، وحكاه إسحاق وغيره إجماعًا، وسواء كان السهو قبل السلام أو بعده، ولو سها بعد سجود السهو وقبل السلام لم يشرع له السجود، وكذا حديث النفس ولو طال، لعدم إمكان التحرز منه، فعفي عنه، ولما ثبت: «إن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدَّثَت به أنفسها»، وسوى نظر إلى شيء فلا يشرع له السجود؛ لأن الشرع لم يرد به، ولا يشرع سجود السهو في صلاة خوف، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/139).
([2]) ما ذكره المصنف هو ما نص عليه في كشاف القناع (1/395)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/154).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:07 PM
وَعَمَلٌ مُسْتَكْثَرٌ عَادَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا، عَمْدُهُ وسَهْوُهُ، ولَا يُشْرَعُ لِيَسِيرِهِ سُجُودٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِيَسِيرِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ سَهْوًا، وَلَا نَفْلٌ بِيَسِيرِ شُرْبٍ عَمْدًا، وَإِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ كَقِراءَةٍ فِي سُجُودٍ، وَتَشَهُّدٍ فِي قِيَامٍ، وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَمْ يَجِبْ لَهُ سُجُودٌ، بَلْ يُشْرَعُ.
_________________________________
قوله:«وعمل مستكثر عادة»أي: محكوم بكثرته في عادة الناس، فلا يتقيد بثلاث حركات.
قوله: «من غير جنس الصلاة» أي لغير ضرورة؛ لأنه إذا كان لضرورة فإنه لا يبطل الصلاة ولو كثر، واحترز مما لو كان من جنس الصلاة، فإن الكثير والقليل من جنس الصلاة إن تعمده بطلت، وإن لم يتعمده سجد لسهوه.
قوله: «يبطلها عمده وسهوه» فلو غفل الإنسان غفلة كاملة في الصلاة، وتحرك حركات كثيرة فتبطل الصلاة.
قوله: «ولا يشرع ليسيره سجود» أي يسير عمل من غير جنسها.
قوله: «لا تبطل» أي الصلاة فرضًا ونفلًا «بيسير أكل أو شرب سهوًا» لكن لو كان كثيرًا تبطل به الصلاة، ولو كان ساهيًا([1]).
قوله: «ولا نفل بيسير شرب عمدًا» أي: ولا يبطل النفل؛ كالراتبة والوتر وصلاة الليل بيسير شرب عمدًا.
قوله: «إن أتى»أي: المصلي«بقول مشروع» سواء كان مشروعًا على سبيل الوجوب؛ كالتسبيح وقراءة الفاتحة، أو على سبيل الاستحباب كقراءة السورة.
قوله: «في غير موضعه» أي إن أتى في غير موضع القول المشروع بالقول المشروع «كقراءة في سجود» أي مع الإتيان بسبحان ربي الأعلى، وكذلك القراءة في الركوع وهما غير مشروعين، بل منهي عنهما، ولكن الصلاة لا تبطل.
وكذا لو أتى بـ«تشهد في قيام وقراءة سورة في الأخيرتين» أي الركعتين الأخيرتين فلا تشرع فيهما القراءة بغير الفاتحة على المشهور من المذهب.
قوله: «لم تبطل» حتى وإن قرأ في الركوع وإن قرأ في السجود؛ لأنه قول مشروع في الجملة في الصلاة، لكنه في غير هذا الموضع.
_________________________________
([1]) ويبطل الفرض بيسير الأكل والشرب عمدًا، قال أبو بطين في حاشيته (1/134): «تتمة: لا تبطل الصلاة بترك لقمة في فمه لم يمضغها ولم يبتلعها حتى فرغ من الصلاة، ويكره ذلك؛ فإن لاكها أي ولم يبتلعها فهو كالعمل إن كثر أبطل، وإلا فلا، ذكره في الكافي والرعاية» اهـ.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:08 PM
وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا وَسَجَدَ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا بَطَلَتْ كَكَلَامِهِ فِي صُلْبِهَا، وَلِمَصْلَحَتِهَا إِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ. وَقَهْقَهَةٌ كَكَلَامٍ، وَإِنْ نَفَخَ أَوِ انْتَحَبَ مِنْ غَيرِ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَبانَ حَرْفَانِ بَطَلَتْ.
_________________________________
قوله: «وإن سلم قبل إتمامها عمدًا بطلت» أي: إذا سلم قبل إتمامها بقصد الخروج من الصلاة عمدًا بطلت «وإن كان سهوًا ثم ذكر قريبًا أتمها وسجد»ولو ذكر وهو قائم فلا بد أن يقعد ثم يقوم؛ لأن نفس النهوض ركن مقصود، فلزم الإتيان به مع النية.
ويشترط أيضًا ألا يفعل ما ينافي الصلاةفإن تحدث أو أكل أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يبني على صلاته لفوات الشرط.
قوله: «فإن طال الفصل» أي عرفًا كثلاث دقائق أو أربع أو خمس وما أشبهها«أو تكلم لغير مصلحتها» أي: بعد أن سلم تكلم بكلام لغير مصلحة الصلاة، فإنها تبطل، ولو كان الكلام يسيرًا، ولو كان الزمن قصيرًا.
قوله: «ككلامه في صلبها» أي: كما أنها تبطل الصلاة إذا تكلم في صلب الصلاة.
قوله: «ولمصلحتها إن كان يسيرًا لم تبطل»والمذهب تبطل الصلاة بالكلام ولو يسيرًا لمصلحتها إذا سلم ناسيًا؛ لأنه فعل شيئًا ينافي الصلاة فلا تصح معه.
قوله: «وقهقهة ككلام» القهقهة: الضحك المصحوب بالصوت، أي إذا قهقه إنسان وهو يصلي بطلت صلاته.
قوله:«إن نفخ» -أي: فبان حرفان- بطلت صلاته؛ لأنه تكلم مثل: أن يقول «أف» يرفع صوته بها، فهذا تبطل صلاته به؛ لأنه بان منه حرفان، وكذا لو «انتحب» أي رفع الصوت بالبكاء «من غير خشية الله تعالى» -بأن بان حرفان من انتحابه- بطلت صلاته.
وكذا تبطل لو «تنحنح من غير حاجة فبان حرفان»والحاجة للتنحنح، إما أن تكون قاصرة كأن أحس في حلقه انسدادًا فلا بأس أن يتنحنح من أجل إزالة هذا الانسداد، أو متعدية كأن يستأذن عليه شخص وأراد أن ينبهه على أنه يصلي فلا تبطل الصلاة بذلك، فإن كان التنحنح لغير حاجة فإنها تبطل الصلاة بشرط أن يبين حرفان.
ولو عطس فبان حرفان لا تبطل صلاته، وكذلك لو تثاءب فبان حرفان.
وعلى ذلك فالزيادة في الصلاة زيادة قول، وزيادة فعل، وزيادة القول؛ إما أن تكون من جنس الصلاة، أو من غير جنسها، وكذلك الفعل؛ فزيادة القول من غير جنس الصلاة تبطل به إن كانت عمدًا، وكذلك إن كانت سهوًا أو جهلًا على المذهب، وإن كان القول من جنس الصلاة فإن كان مما يخرج به من الصلاة، وهو السلام، فإن كان عمدًا بطلت، وإن كان سهوًا أتمها وسجد للسهو بعد السلام، وإن كان مما لا يخرج به من الصلاة، كما لو زاد تسبيحًا في غير محله، فهذا يشرع له السجود، ولا يجب.
أما زيادة الأفعال؛ فإن كانت من غير جنس الصلاة فقد سبق بيانه، وإن كانت من جنس الصلاة، فإن كانت تُغَيِّر هيئة الصلاة، وهي الركوع، والسجود، والقيام والقعود، فإن كان متعمدًا بطلت، وإلا لم تبطل، وسجد للسهو.
وإن كانت لا تُغَيِّر هيئة الصلاة، كما لو رفع يديه إلى حذو منكبيه فيغير موضع الرفع، فإن الصلاة لا تبطل به؛ لأن ذلك لا يغَيِّر هيئة الصلاة.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:08 PM
وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا، فَذَكَرهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى بَطَلَتِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا، وَقَبْلَهُ يَعُودُ وجُوبًا فَيَأْتِي بِهِ، وَبِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ.
_________________________________
قوله: «ومن ترك ركنًا» فإن كان تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، سواء تركها عمدًا أو سهوًا([1])، وإن كان غير التحريمة «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها»أي صارت لغوًا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى فلا يرجع؛ لأنه شرع في ركن مقصود من الركعة التي تليها، والقول الصحيح أنها لا تبطل الركعة التي ترك منها إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية([2]).
قوله: «وقبله يعود وجوبًا فيأتي به وبما بعده» أي: إذا ذكر الركن المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة التي تلي المتروك منها، فإنه يعود إلى الركن المتروك، فيأتي به وبما بعده.
قوله: «وإن علم» بالركن المتروك «بعد السلام»أي بعد أن سلم «فكترك ركعة كاملة»أي: فكأنه سلم عن نقص ركعة، فيأتي بركعة كاملة، ثم يتشهد ويسجد للسهو ويسلم، والقول الصحيح أنه لا يأتي بركعة كاملة؛ وإنما يأتي بما ترك فقط وبما بعده([3]).
_________________________________
([1]) وكذا النية على القول بركنيتها، وغيرهما من الأركان يجب تداركه، ولا يغني عنه سجود السهو، لتوقف وجود الماهية عليه، وإنما يشرع السجود للسهو. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/161).
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/403)، وما صححه الشيخ وجه، كما في الإنصاف (2/139).
([3]) المذهب أنه كترك ركعة كاملة، كما في كشاف القناع (1/403)، وما صححه الشيخ قاله ابن تميم وابن حمدان قالا: «ويحتمل أن يأتي بالركن وبما بعده»، قال في الإنصاف (2/142): «وهو أحسن إن شاء الله تعالى».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:09 PM
وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا، فَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا كُرِهَ رُجُوعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ حَرُمَ الرُّجُوعُ، وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِلْكُلِّ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَِد الرَّكَعَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَكَتَرْكِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لِشَكِّهِ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَا سُجُودَ عَلَى مَأمُومٍ إلّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ لمَا يبْطُلُ عَمْدُه وَاجِبٌ، وَتبْطُلُ بِتَرْكِ سُجُودِ أَفَضَلِيَّتِه قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ نَسِيَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ إِنْ قَرُبَ زَمَنُهُ، وَمنْ سَهَا مِرَارًا كَفَاهُ سَجْدَتَانِ.
_________________________________
إذا أنقص واجبًا ناسيًا كالتشهد الأول ونهض، فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يذكره قبل أن ينهض، أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه، أي: لمّا تهيَّأَ للقيام ذَكَر أن هذا محل التشهد الأول، ففي هذه الحال يجلس ويتشهد، وليس عليه شيء.
الحال الثانية: أن يذكره بعد الوصول إلى الركن الذي يليه؛ مثل: أن يذكر بعد أن يسْتَتِمَّ قائمًا، لكن قبل أن يشرع في القراءة، فهنا يكره له أن يرجع، فإن لم يصل إلى الركن فإنه يرجع، ولو كان إلى القيام أقرب.
الحال الثالثة: أن يذكره بعد الشروع في قراءة الركعة الأخرى فيحرم الرجوع.
قوله: «وعليه السجود للكل» أي: في كل الأحوال الثلاثة: إذا نهض ولم يستتم قائمًا، وإذا استتم قائمًا ولم يقرأ، وإذا شرع في القراءة فعليه السجود.
فإذا ذكر قبل أن ينهض، أي: تأهب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه، فإنه يستقر ولا يجب عليه السجود في هذه الحال.
وما ذُكِرَ في التشهُّدِ الأول يجري على من ترك واجبًا آخر، مثل: التسبيح في الركوع والسجود.
قوله: «ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل» أي: شك: هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فيجعلها ثلاثًا؛ لأن الناقص هو المتيقّن، ولا فرق بين أن يكون لديه ترجيح أو لا، هذا هو المذهب([1])، لكن الذي نقول به أنه إذا شك في عدد الركعات، فإن غلب على ظنه أحد الاحتمالين عمل به وبنى عليه وسجد سجدتين بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين أخذ بالأقل وبنى عليه وسجد([2]).
قوله: «وإن شك في ترك ركن فَكَتَرْكِهِ» أي لو شك: هل فعل الركن أو تركه؟ كان حكمه حكم من تركه؛ فلو قام إلى الركعة الثانية، فشك: هل سجد مرتين أو مرة واحدة؟ فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشروع يرجع، وعلى القول الراجح يرجع مطلقًا ما لم يصل إلى موضعه من الركعة التالية([3])، فيرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم؛ لأن الشك في ترك الركن كالترك.
قوله: «ولا يسجد لشكه في ترك واجب» أي: لو شك في ترك الواجب بعد أن فارق محله.
قوله: «أو زيادة» أي: لو شك هل زاد في صلاته أو لم يزد؟ فلا سجود عليه.
فإن تيَقَّنَ وهو في التشهد الأخير أنه صلى خمسًا، فهنا يجب عليه السجود للسهو، وكذلك إذا شك في الزيادة حين فعلها؛ أي: شك وهو في الرابعة، هل هذه خامسة أو رابعة؟ فيجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا في كونه منها، بخلاف ما إذا شك في الخامسة وهو في التشهد الأخير، فإن الركعة انتهت على أنها الرابعة بلا تردد، وإنما طرأ عليه الشك بعد مفارقة محلها، فليس عليه سجود.
قوله: «ولا سجود على مأموم إلا تبعًا لإمامه» أي: أن المأموم لا يلزمه سجود السهو إلا تبعًا لإمامه فيجب عليه، سواء سها أو لم يسه، فإذا سجد الإمام وجب على المأموم أن يتابعه.
قوله: «وسجود السهو لما يبطل عمده واجب» مثلًا: لو تركت قول: «رب اغفر لي» بين السجدتين وجب عليك سجود السهو؛ لأنك لو تعمدت الترك لبطلت صلاتك، والصحيح أنه إذا تركه نسيانًا يسن له السجود؛ لأنه قول مشروع فيجبره بسجود السهو، ولا يكون سجود السهو واجبًا؛ لأن الأصل الذي وجب له السجود ليس بواجب، فلا يكون الفرع واجبًا؛ فإذا ترك الإنسان سهوًا سنة من عادته أن يأتي بها فسجود السهو لها سنة، أما لو ترك السنة عمدًا فهنا لا يشرع له السجود لعدم وجود السبب وهو السهو([4]) .
ولو أتى بقول مشروع في غير موضعه كأن يقرأ وهو جالس ناسيًا، لا يجب عليه السجود؛ لأنه لو تعمد أن يقرأ وهو جالس لم تبطل صلاته.
قوله: «وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط».
كون السجود قبل السلام أو بعده على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الوجوب، ولو سجد قبل السلام فيما موضعه بعد السلام فلا إثم عليه، ولو فعل العكس فلا إثم عليه، والأفضل: أن يسجد قبل السلام، إلا إذا سلم قبل إتمام الصلاة، فالأفضل: أن يسجد بعد السلام.
والصلاة تبطل إذا ترك السجود الذي محله قبل السلام؛ لأنه واجب في الصلاة؛ لأنه قبل الخروج منها، ولا تبطل إذا ترك السجود الذي محله بعد السلام؛ لأنه واجب لها؛ لأنه بعد الخروج منها، والذي تبطل به الصلاة إذا تعمد تركه هو ما كان واجبًا في الصلاة، لا ما كان واجبًا لها، ولهذا لو ترك التشهد الأول عمدًا بطلت صلاته.
وخرج بقوله: «فقط» ما أفضليته بعد السلام، فلا تبطل الصلاة بتركه.
قوله: «وإن نسيه»أي: السجود الذي قبل السلام«وسلم، سجد إن قرب زمنه»([5]) فإن بعُد سقط وصلاته صحيحة.
قوله: «ومن سها مرارًا كفاه سجدتان»؛ لأن السجدتين تجبران كل ما فات.
_________________________________
([1]) انظر: كشاف القناع (1/406).
([2]) ذكر في الإنصاف (2/146) الرواية الثانية عن الإمام، أنه متى شك في عدد الركعات بنى على غالب ظنه، قال: «واختاره الشيخ تقي الدين».
([3]) سبق قريبًا أن هذا اختيار الشيخ.
([4]) المذهب أنه واجب، كما في كشاف القناع (1/408-409)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/153).
([5]) عرفًا ولو انحرف عن القبلة وتكلم لما تقدم، ولما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: «سجد بعد السلام والكلام»، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/175).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:09 PM
بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ
آكَدُهَا كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ ثُمَّ تَرَاوِيحُ، ثُمَّ وِتْرٌ يُفْعَلُ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَأَقَلّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلّا فِي آخِرِهَا، وَبِتِسْعٍ يَجْلِسُ عَقِبَ الثَّامِنَةِ وَيَتَشَهَّدُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكْعَاتٍ بِسَلَامَيْنِ، يَقْرَأ فِي الْأولَىبـ«سَبِّحْ»، وفي الثَّانِيَةِ بـ«الكَافِرُونَ»، وفِي الثَّالِثَةِ بـ«الْإِخْلَاص».
_________________________________
«صلاة التطوع» أي: الصلاة التي تكون تطوعًا؛ أي: نافلة.
قوله: «آكدها كسوف ثم استسقاء»فهو يليه في الآكدية«ثم تراويح ثم وتر»فَقَدَّمَ التراويح على الوتر، ما أراه إن الوتر مقدم عليها وعلى الاستسقاء؛ لأن الوتر أمرَ به ودَاوَم عليه النبي e، حتى قال بعض أهل العلم: إن الوتر واجب([1]).
قوله: «يفعل بين صلاة العشاء والفجر»أي الوتر وقته بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صلى العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديمًا، فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء.
قوله: «وأقله ركعة»يعني: أقل الوتر ركعة، وقوله: «مثنى مثنى»أي: يصليها اثنتين اثنتين.
قوله: «وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين» أي: أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بواحدة ويسلم.
_________________________________
([1]) هي كما رتبها المصنف على المذهب، كما في كشاف القناع (1/414)، وتقديم الوتر قول ذكره في الإنصاف (2/166).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:10 PM
وَيَقْنُتُ فِيهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ. وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، إِلّا أَنْ تَنْزِلَ بِالمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ غَيْرَ الطّاعُونِ، فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ
_________________________________
قوله: «ويقنت فيها» أي: في الثالثة «بعد الركوع» ظاهر كلام المؤلف: أنه لا يشرع القنوت قبل الركوع، ولكن المشهور من المذهب: أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعد القراءة؛ فإذا انتهى من قراءاته قنت ثم ركع.
قوله: «اللهم اهدني فيمن هديت»،الهداية هنا يراد بها: هداية الإرشاد وهداية التوفيق، فهداية الإرشاد: التي ضدها الضلال، وهداية التوفيق: التي ضدها الغي، «وعافني فيمن عافيت» والمعافاة: المراد بها المعافاة في الدين والدنيا، فتشمل الأمرين أن يعافيك من أسقام الدين، وهي أمراض القلوب، ويعافيك من أمراض الأبدان، وهي اعتلال صحة البدن، «وتَوَلّنِي فيمن توليت» أي اجعلني قريبًا منك، كما يقال ولي فلان فلانًا، واعتن بي فكن لي وليًّا، وناصرًا ومعينًا لي في أموري، فيشمل الأمرين، «وبارك لي فيما أعطيت» أي: أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال، والعلم، والجاه، والولد، ومن كل ما أعطيتني، «وقِنِي شر ما قضيت» والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيه؛ لأن قضاء الله هو فعله، وإن كان شرًّا لكنه في الحقيقة خير؛ لأنه لا يراد إلا لحكمة عظيمة، «إنك تقضي ولا يُقْضَى عليك» فالله - سبحانه وتعالى - يقضي بما أراد، ولا أحد يقضي على الله ويحكم عليه، «إنه لا يذل من واليت» أي: ولاية خاصة، «ولا يعز من عاديت» أي: لا يَغلب من عاديته بل هو ذليل؛ لأن من والاه الله فهو منصور، «تباركت ربنا» معنى التبارك في الله - عز وجل -: أنه - سبحانه وتعالى - منزل البركة، وأن بذكره تحصل البركة، وباسمه تحصل البركة، «تعاليت» من التعالي وهو العلو، «أعوذ برضاك من سخطك» هذا من باب التوسل برضا الله أن يعيذك من سخطه، فأنت الآن استنجدت من الشيء بضده، فجعلت الرضا وسيلة تتخلص به من السخط، «وبعفوك من عقوبتك»وفي الحديث: «وبمعافاتك من عقوبتك»،والمعافاة هي: أن يعافيك الله من كل بلية في الدين أو في الدنيا، «وبك منك»لايمكن أن تستعيذ من الله إلا بالله؛ إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء، «لا نحصي ثناء عليك»أي: لا ندركه، ولا نبلغه، ولا نصل إليه، والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال.
قوله: «اللهم صلّ على محمد»أي: يختم الدعاء بالصلاة على النبي r؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة، «وعلى آل محمد»واقتصر الأكثرون على الصلاة عليه.
قوله: «ويمسح وجهه بيديه»إذا فرغ من دعائه هنا وخارج الصلاة، والأقرب أنه ليس بسنة؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة([1]).
قوله: «ويكره قنوته»أي المصلي «في غير الوتر»كالفرائض والرواتب والنوافل الأخرى؛ «إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة» هي: الشديدة من شدائد الدهر، أما إن نزلت بالكفار نازلة فذلك مما يُشكر الله عليه، وليس مما يُدعى برفعه.
قوله: «غير الطاعون» الطاعون: وباء معروف فتَّاك مُعْدٍ، إذا نزل بأرض فإنه لا يجوز الذهاب إليها، ولا يجوز الخروج منها فرارًا منه، ولا يدعى برفعه، وعُلّل ذلك: بأنه شهادة.
قوله: «فيقنت الإمام في الفرائض» أي استحبابًا، ويقنت بدعاء مناسب للنازلة في جميع الفرائض إلا الجمعة.
_________________________________
([1]) ذكر المسح في كشاف القناع (1/420)، وذكر في الإنصاف (2/173) رواية أنه يكره.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:11 PM
وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً، تُفْعَلُ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي رَمَضَانَ، وِيُوتِرُ الُمتَهَجِّدُ بَعْدَهُ، فَإِنْ تَبِعَ إِمَامَهُ شَفَعَهُ بِرَكْعَةٍ، وَيُكْرَهُ التّنَفّلُ بَيْنَهَا، لَا التَّعْقِيبُ فِي جَمَاعَةٍ.
_________________________________
قوله: «والتراويح عشرون» والتراويح سنة مؤكدة؛ لأنها من قيام رمضان، وإذا أضفنا إليها أدنى الكمال في الوتر تكون ثلاثًا وعشرين، فهذا قيام رمضان، والصحيح في هذه المسألة أن السنة في التراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة، يصلي عشرًا شفعًا وواحدة وترًا([1]).
قوله: «تفعل في جماعة» أي: تُصَلى في جماعة، فإن صلاها الإنسان منفردًا في بيته لم يدرك السنة.
قوله: «مع الوتر» أي: أنهم يوترون معها «بعد» صلاة «العشاء» وسنتها؛ فلو صلّوا التراويح بين المغرب والعشاء لم يدركوا السنة.
قوله: «ويوتر المتهجد بعده» أي: بعد تهجده؛ فلا يوتر مع الإمام.
قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» وهذا هو الطريق الآخر للمتهجد، فيتابع إمامه في الوتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وترًا.
قوله: «ويُكْرَه التنفل بينها» أي بين التراويح، ولا يكره«التعقيب في جماعة» بعد التراويح مع الوتر، ومعنى التعقيب: أن يصلي بعدها وبعد الوِتْرِ في جماعة، وظاهر كلامه: ولو في المسجد.
_________________________________
([1]) المذهب أنها عشرون، كما في كشاف القناع (1/425)، وقال في الإنصاف (2/180) بعد ذكر الأقوال في عددها: «وقال الشيخ تقي الدين: كل ذلك أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة حسن، كما نص عليه أحمد؛ لعدم التوقيت فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:14 PM
ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُمَا آكَدُهَا، وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَأَفْضَلُهَا ثُلُثُ اللَّيْلِ بَعْدَ نِصْفِهِ، وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ كَالظّهْرِ فَلَا بَأْسَ، وَأَجْرُ صَلَاةِ قَاعِدٍ عَلَى نِصْفِ أَجْرِ صَلَاةِ قَائِمٍ.
_________________________________
قوله: «ثم السنن» أي: بعد التراويح، السنن الراتبة وهي الدائمة المستمرة([1]).
قوله: «وركعتان قبل الفجر وهما آكدها» أي: آكد هذه الرواتب.
قوله: «ومن فاته شيء منها»أي من الرواتب«سنّ له قضاؤه».
وصلاة التطوع نوعان: نوع مطلق، ونوع مقيد؛ فالمقيد أفضل في الوقت الذي قيد به أو في الحال الذي قيد بها؛ كتحيَّة المسجد وسنة الوضوء، وهذا أفضل من صلاة الليل.
أما المطلق: ففي الليل أفضل منه في النهار، ويُسَنُّ الإكثار منه كل وقت.
قوله: «وأفضلها» أي: صلاة الليل «ثلث الليل بعد نصفه» أي: أنك تقسم الليل أنصافًا، ثم تقوم في الثلث من النصف الثاني، وفي آخر الليل تنام، و يبتدئ النصف من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
قوله: «وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى» يعني: اثنتين اثنتين، فلا يصلي أربعًا جميعًا، وإنما يصلي اثنتين اثنتين.
قوله: «وإن تطوع»؛ أي: المصلي في النهار لا في الليل.
قوله: «كالظهر»؛أي: بتشهّدَيْنِ؛ تشهد أول وتشهد ثانٍ.
قوله: «وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم» أي: تصح صلاة القاعد؛ لكنها على النصف من أجر صلاة القائم، والمراد هنا في النّفلِ، فإن كان قاعدًا لعذر وكان من عادته أن يصلي قائمًا فإن له الأجر كاملًا.
_________________________________
([1]) ويُكْرَه تركها، وتسقط عدالة من داوم عليها ويأثم، فترد شهادته عند أحمد والشافعي، ويدل على قلة دينه، ويجوز لزوجة وعبد وأجير وولد فعلها مع الفريضة، ولا يجوز منعهم، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/211).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:15 PM
وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ، وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ، يُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ دُونَ السَّامِعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ القَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ.
_________________________________
«صلاة الضحى» سنة غير راتبة يعني: يفعلها أحيانًا وأحيانًا لا يفعلها، «وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان» ركعات بأربع تسليمات،«ووقتها من خروج وقت النهي»وهو من طلوع الشمس، إلى أن ترتفع قيد رمح، أي: بعين الرائي، وبالدقائق المعروفة حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة؛ لأنه أحوط.
وقوله: «إلى قبيل»تصغير قبل «وقت الزوال»أي: قبل زوال الشمس بزمن قليل حوالي عشر دقائق؛ لأن ما قبيل الزوال وقت نهي ينهى عن الصلاة فيه.
قوله: «وسجود التلاوة صلاة» أي: أن حكمه حكم الصلاة فتعتبر له الطهارة من الحدث، والطهارة من النجاسة في البدن والثوب والمكان واستقبال القبلة وستر العورة، وكل ما يشترط لصلاة النافلة.
قوله: «يسن للقارئ» فسجود التلاوة ليس بواجب، ويسن أيضًا «والمستمع»وهو الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع «دون السامع» وهو الذي يسمع الشيء دون أن ينصت إليه.
قوله: «وإن لم يسجد القارئ لم يسجد» المستمع.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:16 PM
وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فِي الحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ، وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ، وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمَ وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ سَجْدَةٍ فِي صَلَاةِ سِرٍّ وَسُجُودُهُ فِيهَا، وَيَلْزَمُ المَأْمُومُ مُتَابَعَتَهُ فِي غَيْرِهَا، وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ.
_________________________________
قوله: «وهو» أي: سجود التلاوة «أربع عشر سجدة» أي: آيات السجود التي في القرآن أربع عشرة سجدة فقط،لا تزيد ولا تنقص([1])، «في الحج منها اثنتان».
قوله: «ويكبر إذا سجد وإذا رفع»يكبر إذا سجد؛ لأنها صلاة وتحريمها التكبير.
قوله: «ويجلس»أي: وجوبًا، لكنه جلوس لا ذكر فيه إلا شيئًا واحدًا، وهو أن «يسلم» مرة عن يمينه «ولا يتشهد».
قوله: «ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده فيها»؛لأنه إن سجد شوش على من خلفه.
قوله: «ويلزم المأموم متابعته» أي: يلزم المأموم إذا سجد إمامه أن يتابعه«في غيرها» أي: في غير صلاة السر وهي صلاة الجهر، وعلم من كلامه - رحمه الله - أنه لا يلزمه متابعة الإمام في صلاة السر؛ بل هو مُخَير في المتابعة.
قوله: «ويستحب» في غير الصلاة «سجود الشكر» والشكر في الأصل هو: الاعتراف بالنعم باللسان، والإقرار بها بالقلب، والقيام بطاعة المنعم بالجوارح.
قوله: «عند تجدد النعم» أي: عند النعمة الجديدة، احترازًا من النعمة المستمرة؛ كسلامة السمع وسلامة البصر وسلامة النطق.
قوله: «واندفاع النِّقَم» التي وجد سببها فسلم منها؛ كإنسان سقط في بئر فخرج سالمًا، وسجود الشكر؛ كسجود التلاوة أي أن يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم.
قوله: «وتبطل به» أي: بسجود الشكر» صلاة غير جاهل وناس» أي: من سجد سجدة الشكر عالمًا بالحكم ذاكرًا له فإن صلاته تبطل.
_________________________________
([1]) وكلها مجمع عليها ما عدا ثانية الحج والمفصل، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/237).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:17 PM
وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَإِذَا شَرَعَتْ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ، وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا، وَفِي الْأوْقَاتِ الثّلَاثَةِ فِعْلُ رَكْعَتَي طَوَافٍ وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ، وَيَحْرُمُ تَطَوّعٌ بِغَيْرِهَا فِي شَيءٍ مِنَ الْأوْقَاتِ الخَمْسَةِ حَتَّى مَا لَهُ سَبَبٌ.
_________________________________
قوله: «وأوقات النهي خمسة» بالبسط وثلاثة بالاختصار:«من طلوع الفجر الثاني»احترازًا من الفجر الأول، إلى أن تطلع الشمس أي: يتبين قرصها؛ فلا تصح صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر،«ومن طلوعها حتى ترتفع قِيد رمح، وعند قيامها»أي: منتهى ارتفاع الشمس في الأفق «حتى تزول»، «ومن صلاة العصر([1]) إلى غروبها»أي إلى شروعها في الغروب، «وإذا شرعت فيه حتى يتم» أي: في الغروب حتى يتم.
قوله: «ويجوز قضاء الفرائض فيها»أي: في هذه الأوقات.
قوله: «وفي الأوقات الثلاثة» يعني بها: القصيرة التي ذكرت في حديث عقبة بن عامر: وهي: «من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» فيجوز فيها «فعل ركعتي طواف»، ومفهومه أن الوقتين الآخرين لا يجوز فيهما فعل ركعتي الطواف، ولكن هذا ليس مرادًا، فالمفهوم هنا مفهوم أولوية لا مفهوم مخالفة؛ لأنه إذا جازت صلاة ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة القصيرة، وهي أغلظ تحريمًا من الأوقات الطويلة، ففي الأوقات الطويلة من باب أولى.
قوله: «وإعادة جماعة» أي: أنه يجوز في هذه الأوقات الثلاثة، وغيرها من باب أولى إعادة جماعة أقِيمَتْ وهو بالمسجد، ويجوز أيضًا على المذهب: سنة الظهر التي بعدها إذا جُمِعت مع العصر.
ومن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين خفيفتين ولو كان عند قيام الشمس، وصلاة الجنازة تُفْعَل في أوقات النهي الطويلة؛ كما لو صلينا العصر وحضرت جنازة فإننا نصلي عليها.
قوله: «ويحرم تطوع بغيرها» أي: بغير المتقدمات «حتى ما له سبب» أي: لا يجوز التطوع في هذه الأوقات حتى الذي له سبب، والقول الصحيح في هذه المسألة أن ما له سبب يجوز فعله في أوقات النهي كلها الطويلة والقصيرة([2]).
_________________________________
([1]) والاعتبار بالفراغ منها لا بالشروع فيها؛ قال ابن قاسم النجدي (2/247): «فمن لم يصل العصر أبيح له التنفل وإن صلى غيره، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وكذا لو أحرم بها ثم قلبها نفلًا أو قطعها لعذر لم يمنع من التطوع حتى يصليها، ومن صلاها فليس له التنفل ولو صلى وحده، لحديث أبي سعيد وغيره».
([2]) المذهب أنه لا يجوز، كما في كشاف القناع (1/452)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/208).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:17 PM
بَابُ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ
تَلْزَمُ الرِّجَالَ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ، وَتُسْتَحَبُّ صَلَاةُ أَهْلِ الثَّغْرِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِم فِي المَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الجَمَاعَةُ إِلَّا بِحُضُورِهِ، ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً، ثُمَّ المَسْجِدِالعَتِيقِ، وَأَبْعَدُ أَوْلَى مِنْ أَقْرَبَ.
_________________________________
وقوله: «تلزم الرجال للصلوات الخمس»فيخرج النساء والعبيد.
قوله: «ولا شرط»؛أي: ليست صلاة الجماعة شرطًا في صحة الصلاة.
قوله: «وله فعلها في بيته» أي: يجوز أن يصلي الجماعة في بيته ويدع المسجد، والقول الصحيح أنه يجب أن تكون في المسجد، وأنها لو أقيمت في غير المسجد لم يحصل بإقامتها سقوط الإثم، بل هم آثمون، وإن كان القول الراجح أنها تصح([1]).
قوله: «تستحب صلاة أهل الثغر في مسجد واحد» أهل الثغر: هم الذين يقيمون على حدود البلاد الإسلامية يحمونها من الكفار، فالأفضل لهم أن يصلوا في مسجد واحد.
قوله: «والأفضل لغيرهم في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره»أي إذا كان هناك مسجد قائم يصلي فيه الناس، لكن فيه رجل إن حضر وصار إمامًا أقيمت الجماعة، وإن لم يحضر تفرق الناس، فالأفضل لهذا الرجل أن يصلي في هذا المسجد من أجل عمارته؛ لأنه لو لم يحضر لتعطل المسجد.
قوله: «ثم ما كان أكثر جماعة»أي: لو قدر أن هناك مسجدين أحدهما أكثر جماعة من الآخر، فالأفضل أن يذهب إلى الأكثر جماعة.
قوله: «ثم المسجد العتيق»المسجد العتيق أولى من الجديد؛ لأن الطاعة فيه أقدم فكان أولى.
قوله: «وأبعد أولى من أقرب» أي: إذا كان حولك مسجدان أحدهما أبعد من الثاني، فالأفضل الأبعد.
_________________________________
([1]) المذهب أنه له فعلها في بيته، كما في كشاف القناع (1/456)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/213-214).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:18 PM
وَيَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِإِلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ عُذْرِهِ، وَمَنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَ فَرْضٌ سُنَّ أَنْ يُعِيدَهَا إِلَّا المَغْرِبَ، وَلَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ جَمَاعَةٍ، فِي غَيرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ.
_________________________________
قوله: «ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب» الإمام الراتب؛ أي: المولى من قبل المسئولين، أو مولى من قبل أهل الحي جيران المسجد؛ فإنه أحق الناس بإمامته.
قوله: «إلا بإذنه» أي: إذا وكله توكيلًا خاصًّا كأن يقول: يا فلان صل بالناس، أو توكيلًا عامًّا كأن يقول للجماعة: إذا تأخرت عن موعد الإقامة المعتاد كذا وكذا فصلوا.
قوله: «أو عذره» كأن يعلم أن الإمام الراتب أصابه مرض.
ولو أن أهل المسجد قدموا شخصًا يصلي بهم بدون إذن الإمام ولا عذره وصلى بهم، فإن الصلاة لا تصح، على ما في المنتهى.
قوله: «ومن صلى» سواء في جماعة أو في غير جماعة، ثم حضر مسجدًا أو مصلى وأُقِيمَتِ الصلاة «سن أن يعيدها([1]) إلا المغرب» أي: فلا تسن إعادتها، والقول الصحيح في هذه المسألة أنه يعيد المغرب أيضًا ([2]).
قوله: «ولا تكره إعادة جماعة» صورتها: أن يصلي الإمام الراتب في الجماعة، ثم تأتي جماعة أخرى فتصلي في نفس المسجد؛ فلا تُكْرَه.
قوله: «في غير مسجدي مكة والمدينة» أي: في غير المسجد الحرام ومسجد النبي r فتكره إعادة الجماعة فيهما.
_________________________________
([1]) أي الفرض ثانيًا مع الجماعة الثانية، سواء كان وقت نهي أو لا، حيث كان الشروع في الإقامة وهو في المسجد على ما تقدم -ولا يجب، وقيل يجب مع إمام الحي؛ لظاهر الخبر، والأولى فرضه، والمعادة نفل لقوله: «فإنها لكما نافلة»- وغيره، قال شيخ الإسلام، على الصحيح، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/270).
([2]) المذهب أنه لا يعيدها، كما في كشاف القناع (1/458)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/218) .
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:19 PM
وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَمكْتُوبَةُ، فَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا إِلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الجَمَاعَةِ فَيَقْطَعُهَا، وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ لَحِقَ الجَمَاعَةَ، وَإِنْ لَحِقَهُ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ وَأَجْزَأَتْهُ التَّحْرِيمَةُ، وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى مَأمُومٍ، وَتُسْتَحَبُّ فِي إِسْرَارِ إِمَامِهِ وَسُكُوتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ لَا لِطَرَشٍ. وَيَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ إِمَامُهُ.
_________________________________
قوله: «وإذا أقيمت الصلاة» والمراد بالإقامة ابتداء الإقامة التي هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة.
وقوله: «فلا صلاة إلا المكتوبة» لا فرق بين أن تُقَامَ الصلاة وأنت في المسجد أو في بيتك، فلو سمعت الإقامة وأنت في بيتك، وقلت: سأصلي سنة الفجر؛ لأن الفجر تطول فيها القراءة وبيتي قريب من المسجد، ويمكنني أن أدرك الركعة الأولى، فإن ذلك لا يجوز.
قوله: «فإن كان في نافلة» أي: حين أقيمت الصلاة أتمها، ولكن يتمها خفيفة.
قوله: «إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها» وتفوت الجماعة بالتسليم قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام.
قوله: «ومن كبر قبل سلام إمامه لحق بالجماعة»أي: إذا كبر المأموم قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، فإنه يدرك الجماعة إدراكًا تامًّا، «وإن لحقه»أي: لحق المأموم الإمام «راكعًا» دخل معه في الركعة، ويكون قد أدرك الركعة.
قوله: «وأجزأته التحريمة» أي: تكبيرة الإحرام أجزأته عن تكبيرة الركوع، فيكبر مرة واحدة وهو قائم، ثم يركع بدون تكبير.
قوله: «ولا قراءة على مأموم» أي: لا يجب على المأموم أن يقرأ مع الإمام لا في صلاة السر، ولا في صلاة الجهر، والقول الراجح في هذه المسألة أن المأموم يجب عليه قراءة الفاتحة([1]).
قوله: «وتستحب في إسرار إمامه وسكوته» أي: يستحب لمأموم قراءة الفاتحة وغيرها في إسرار إمامه وهذا في الصلاة السرية، وسكوته وهذا في الصلاة الجهرية.
والسكتات هي: قبل الفاتحة في الركعة الأولى، وبينها وبين قراءة السورة في الركعة الأولى والثانية، وقبل الركوع قليلًا في الركعة الأولى والثانية، فإذا سكت الإمام في هذه المواضع فإنه يقرأ استحبابًا لا وجوبًا، وإذا سكت لعارض، مثل: أن يصاب بسعال أو عطاس، يقرأ؛ لأن الإمام لا يقرأ.
قوله: «وإذا لم يسمعه» أي: ويستحب أن يقرأ إذا لم يسمع الإمام لبعد «لا لطرش» أي صمم، أي: لا إن كان لا يسمع لصمم.
قوله: «ويستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامه» أي: أن المأموم يقرأ الاستفتاح، ويقرأ التعوذ فيما يجهر فيه الإمام ما لم يسمع قراءة الإمام، فإذا سمع قراءة إمامه فإنه يسكت لا يستفتح ولا يستعيذ.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/263)، وما ذكره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/228).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:19 PM
وَمَنْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إِمَامِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ فَقَطْ، وَإن رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ بَطَلَتْ إِلّا الجَاهِلَ والنَّاسِيَ، وَيُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ قَضَاءً.
_________________________________
قوله: «ومن»أي: مأموم«ركع، أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع» أي: يرجع من ركوعه إن كان راكعًا أو سجوده إن كان ساجدًا«ليأتي به بعده»([1])،والمذهب أن هذا العمل محرَّم، لكن لا تبطل الصلاة إن عاد، والقول الصحيح في المسألة أنه إذا ركع أو سجد قبل إمامه عامدًا بطلت صلاته، سواء رجع فأتى به بعد الإمام أو لا؛ لأنه فعل محظورًا في الصلاة ([2]).
قوله: «فإن لم يفعل عمدًا بطلت» أي: لو ركع أو سجد قبل الإمام، ولم يرجع حتى لحقه الإمام فإن صلاته تبطل، وإن لم يفعل سهوًا أو جهلًا فصلاته صحيحة.
قوله: «وإن ركع ورفع قبل إمامه»أي: قبل ركوع إمامه«عالمًا عمدًا بطلت» صلاته؛ لأنه سبق الإمام بركن الركوع، وإن ركع ورفع قبل إمامه «جاهلًا أو ناسيًا بطلت الركعة» التي حصل فيها هذا السبق «فقط» فيلزمه قضاؤها بعد سلام الإمام.
قوله: «وإن ركع ورفع قبل ركوعه»أي ركوع إمامه«ثم سجد قبل رفعه بطلت»صلاته«إلا الجاهل والناسي، ويصلي تلك الركعة قضاء».
سبق المأموم إمامه:
خلاصة الكلام في سبق المأموم إمامه أنه في جميع أقسامه حرام، أما من حيث بطلان الصلاة به فهو أقسام: أن يكبِّرَ للإحرام قبل إمامه أو معه فلا تنعقد صلاة المأموم حينئذ، فيلزمه أن يكبر بعد تكبيرة إمامه، أو أن يكون السبق إلى ركن فيلزمه أن يرجع ليأتي بذلك بعد إمامه، فإن لم يفعل عالما ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحة، أو أن يكون السبق بركن الركوع، فإن كان عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا بطلت الركعة فقط، أو أن يكون السبق بركن غير الركوع فيلزمه أن يرجع ليأتي بذلك بعد إمامه، فإن لم يفعل عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحة، أو أن يكون السبق بركنين، فإن كان عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا بطلت ركعته فقط.
تخلف المأموم عن إمامه:
إن تخلف لعذر من نوم أو غفلة أو زحام أو نحوه، فإنه يأتي بما تخلف به ويتابع الإمام، ولا حرج عليه، حتى وإن كان ركنًا كاملًا أو ركنين، إلا أن يصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا يأتي به ويبقى مع الإمام، وتصح له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه؛ الركعة التي تخلف فيها والركعة التي وصل إليها الإمام، وهو في مكانه.
فإن كان التخلف لغير عذر، فإذا كان تخلفًا في الركن بأن يتأخر عن المتابعة لكن يدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي عليك آية أو آيتان من السورة وبقيت قائمًا تُكْمِلُ ما بقي عليك، لكنه ركع وأدرك الإمام في الركوع فالركعة هنا صحيحة، لكن الفعل مخالف للسنة.
وإن كان التخلف بالركن بأن يسبقه الإمام بركن، كأن يركع ويرفع قبل أن يركع المأموم، فكالسبق.
موافقة المأموم إمامه:
فإن كانت الموافقة في الأقوال فلا تضر؛ إلا في تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة لا تنعقد إذا وافق، وإلا في السلام فإنه يكره الموافقة.
وإن كانت الموافقة في الأفعال فمكروهة، كما لو قال الإمام: «الله أكبر» للركوع وشرع في الهوى، فهوى المأموم والإمام سواء، فهذا مكروه.
متابعة المأموم إمامه:
وهي السنة، ومعناها أن يشرع الإنسان في أفعال الصلاة فور شروع إمامه، لكن بدون موافقة.
_________________________________
([1]) أي بما سبق به الإمام، وذلك بشرط ألا يدركه إمامه في الركعة؛ فإن لحقه إمامه فيها بطلت كما يأتي، قال في حاشية المنتهى: «فإن لم يتمكن من العود قبل إتيان الإمام به فظاهر كلامه أنه يتابعه ويعتد بما فعله، فلا يعيده، كمن لم يرجع سهوًا»، انظر: حاشية أبي بطين (1/161).
([2]) المذهب هو ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/264)، وما ذكره المصنف رواية، كما في الإنصاف (2/234).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:20 PM
وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ، وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنَ الثَّانِيَةِ،وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمَ يَشُّقُ عَلَى مَأْمُومٍ، وَإِذَا اسْتَأْذَنَتِ المَرْأَةُ إِلَى المَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا، وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا.
_________________________________
قوله: «يسن للإمام التخفيف» أي: أن يخفف للناس «مع الإتمام» وهو موافقة السنة، وليس المراد بالإتمام أن يقتصر على أدنى الواجب، بل موافقة السنة هو الإتمام، إلا أن يؤثر المأموم التطويل([1]).
ويسن أيضًا «تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية» إلا أن العلماء استثنوا مسألتين: إذا كان الفرق يسيرًا، مثل «سبح»، و«الغاشية» في يوم الجمعة وفي يوم العيد، فإن «الغاشية» أطول، لكن الطول يسير.
المسألة الثانية: الوجه الثاني في صلاة الخوف؛ فالإمام في الركعة الثانية يكون وقوفه أطول من وقوفه في الركعة الأولى، لكن هكذا جاءت به السنة من أجل مراعاة الطائفة الثانية.
قوله: «ويستحب»للإمام«انتظار داخل»معه في الصلاة؛ بشرط ألا «يشق على مأموم»، فإن شق على المأموم الذي معه كره له لذلك.
قوله: «وإذا استأذنت المرأة»أي طلبت المرأة البالغة الإذن من ولي أمرها وهو زوجها إن كان لها زوج، وإلا فأبوها، ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها؛ فإن استأذنت «إلى المسجد»لحضور صلاة الجماعة «كره منعها».
وقوله: «بيتها خير لها» أي من المسجد.
_________________________________
([1]) قال في المبدع (2/54): «ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة»، قال في حاشية أبي بطين (1/162): «في قول المبدع هنا نظر ظاهر، والصواب قول الشيخ تقي الدين أنه ليس له أن يزيد على الوارد، وأنه ينبغي أن يقول غالبًا ما كان صلى الله عليه وسلم يفعل غالبًا، ويزيد وينقص للمصلحة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانًا».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:21 PM
فَصْل
الْأَوْلَى بِالإِمَامَةِ: الْأَقْرَأُ العَالِمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ الْأَفْقَهُ، ثُمَّ الْأَسَنُّ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، ثُمَّ الْأَتْقَى، ثُمَّ مَنْ قَرَعَ، وَسَاكِنُ الْبَيْتِ، وَإِمَامُ المسْجِدِ أَحَقُّ، إِلَّا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ، وَحُرٌّ، وَحَاضِرٌ، وَمُقِيمٌ، وَبَصِيرٌ، وَمَخْتُونٌ، وَمَنْ لَهُ ثِيَابٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ.
_________________________________
قوله: «الأولى بالإمامة الأقرأ»أي الأجود قراءة، وهو الذي تكون قراءته تامة بأن يُخْرِج الحروف من مخارجها، ويأتي بها على أكمل وجه.
وقوله: «العالم فقه صلاته» بحيث لو طرأ عليه عارض في صلاته من سهو أو غيره تمكن من تطبيقه على الأحكام الشرعية.
فإذا اجتمع قارئان متساويان في القراءة لكن أحدهما أفقه، فإنه يقدم «الأفقه ثم الأسن» أي: الأكبر سنًّا، «ثم الأشرف» نسبًا، فالقرشي مُقَدَّم على غيره من قبائل العرب، والهاشمي مقدم على القرشي الذي ليس من بني هاشم«ثم الأقدم هجرة»([1]) الأقدم هجرة بعد الأشرف، فيكون في المرتبة الخامسة، والصحيح إسقاط هذه المرتبة يعني الأشْرَفِية، وأنه لا تأثير لها في باب إمامة الصلاة([2]).
قوله: «ثم الأتقى» أي: الأشد تقوى لله عز وجل «ثم من قرع» أي: إذا استوى في هذه المراتب كلها رجلان، فإننا في هذه الحال نستعمل القرعة.
قوله: «وساكن البيت»أحق من الضيف«وإمام المسجد أحق» أحق من غيره، حتى وإن وجد من هو أقرأ.
قوله: «إلا من ذي سلطان» أي: أن ذا سلطان مقدم على إمام المسجد، والسلطان هو الإمام الأعظم.
قوله: «حر وحاضر، ومقيم» الحر أولى من العبد الرقيق الذي يباع ويُشْتَرَى، والذي يسكن الحاضرة أولى من البدوي.
قوله: «وبصير» أولى من الأعمى،«ومختون» أولى من الأقلف، «ومن له ثياب» سترها أكمل أولى ممن عليه ثياب يستر بها قدر الواجب.
_________________________________
([1]) قال ابن قائد في حاشية المنتهى (1/297): «أن يهاجر إلينا اثنان من دار الحرب مسلمين فأسبقهما هجرة إلينا أولى».
([2]) المذهب أنها تعتبر، كما في شرح منتهى الإرادات (1/270)، قال في الإنصاف (2/246): «ولم يقدم الشيخ تقي الدين بالنسب، ذَكَره عن أحمد».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:21 PM
وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ كَكَافِرٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَخُنْثَى لِلرِّجَالِ، وَلَا صَبِيٍّ لِبَالِغٍ، وَلَا أَخْرَسَ،وَلَا عَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ إِلَّا إِمَامَ الحَيِّ المَرْجُوَّ زَوَالَ عِلَّتِهِ، وَيُصَلّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا نَدْبًا، فَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا وُجُوبًا، وَتَصِحُّ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ بِمِثْلِهِ.
_________________________________
قوله: «ولا تصح خلف فاسق» سواء من جهة الأفعال أو الاعتقاد، ولو كان إمامًا لا تمكن مقاومته؛ كمن له سلطان على المذهب، لكنهم يستثنون من هذا: الجمعة والعيد إذا تعذرتا خلف غيره، ولو لم يكن في البلد إلا مسجد إمامُهُ فاسق في غير الجمعة والعيد يصلي منفردًا على المذهب.
والقول الراجح صحة الصلاة خلف الفاسق، فالرجل إذا صلى خلف شخص حالق لحيته أو شارب الدخان أو آكل الربا أو زان أو سارق، فصلاته صحيحة([1]).
قوله: «ككافر» أي: كما لا تصح خلف الكافر. «ولا امرأة» ولا «خنثى للرجال» والخنثى هو : الذي لا يُعْلَم أَذَكَرٌ هو أم أنثى، وتصح أن تكون المرأة إمامًا للمرأة والخنثى يصح أن يكون إمامًا للمرأة؛ لأنه إما مثلها أو أعلى منها.
قوله: «ولا صبي لبالغ» أي: لا تصح إمامة من صبي لبالغ، أما إمامة الصبي للصبي فجائزة، «ولا أخرس» حتى بمثله، والراجح أن إمامة الأخرس تصح بمثله وبمن ليس بأخرس ([2]).
قوله: «ولا عاجز عن ركوع أو سجود» أي: ولا تصح إمامة عاجز عن ركوع -كمريض بظهره- للقادر على الركوع، وأما العاجز عن الركوع فإنه يصح أن يكون مثله إمامًا له، وكذلك عاجز عن «قعود أو قيام»إلا لمثله.
قوله: «إلا إمام الحي» أي: الإمام الراتب في المسجد، وهو مستثنى من الصورة الأخيرة وهو قوله: «أو قيام»، والحي هي الدور والحارات، فإذا كان لهذا المسجد إمام راتب عاجز عن القيام، فإنه يكون إمامًا لأهل الحي القادرين على القيام، لكن بشرط أن يكون «مرجو زوال علته» بأن يكون عجزه عن القيام طارئًا.
قوله: «ويصلون» الضمير يعود على أهل الحي؛ فإنه يصلون «وراءه» أي: وراء إمام الحي «جلوسًا ندبًا» أي: أن هذا الحكم ندب وليس بواجب، فلو صلوا وراءه قيامًا فصلاتهم صحيحة، والقول الصحيح أن الإمام إذا صلى قاعدًا وجب على المأمومين أن يصلوا قعودًا، فإن صلوا قيامًا فصلاتهم باطلة([3]).
قوله: «فإن ابتدأ» الإمام «بهم» أي بالجماعة «ثم اعتل»أي أصابته علة «فجلس أتموا خلفه قيامًا وجوبًا».
وقوله: «وتصح خلف من به سلس البول بمثله»، والقول الصحيح أن صلاة من به سلس البول صحيحة بمثله وبصحيح سليم([4]).
وسلس البول، أي: استمراره وعدم انقطاعه ولا يستطيع منعه.
_________________________________
([1]) المذهب أنها لا تصح كما في شرح منتهى الإرادات (1/272)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/253).
([2]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/273)، وقال في الإنصاف (2/259): «دخل في قوله (ولا أخرس) عدم صحة إمامته بمثله وبغيره، أما إمامته بغيره فلا تصح قولًا واحدًا عند الجمهور، وقيل: تصح إمامة من طرأ عليه الخرس دون الأصلي... وأما إمامته بمثله فالصحيح من المذهب أن إمامته لا تصح... وقال القاضي في الأحكام السلطانية والمصنف في الكافي: يصح أن يؤم مثله».
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/274)، وما صححه الشيخ وجه، كما في الإنصاف (2/261).
([4]) المذهب أنها تصح بمثله فقط، كما في كشاف القناع (1/476)، وما صححه الشيخ قول، كما في الإنصاف (2/260).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:22 PM
وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مُحْدِثٍ وَلَا مُتَنَجِّسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالمَأْمُومَ حَتَّى انَقَضَتَ صَحَّتْ لِمَأمُومٍ وَحْدَهُ، وَلَا إِمامَةُ الأمِّيِّ وَهُوَ: مَنْ لَا يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا لَا يُدْغَمُ، أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا، أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لحْنًا يُحِيلُ المَعْنَى إِلّا بِمِثْلِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلَاحِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.
_________________________________
قوله:«ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك …»أي أن الإمام المحدث إن جهل هو والمأمومون أنه محدث حتى انتهت الصلاة فصلاتهم صحيحة، وهو يعيد صلاته؛ فإن علم أنه محدث في أثناء الصلاة فإن صلاته وصلاة المأمومين تبطل، والمراد أنه تبين عدم انعقادها؛ فإن علم واحد من المأمومين والإمام والباقون لم يعلموا بطلت صلاتهم جميعًا أيضًا، والصحيح أن صلاة المأمومين صحيحة بكل حال، إلا من علم أن الإمام محدث([1]).
وإذا صلى الإمام بنجاسة وهو يجهلها هو والمأموم ولم يعلم بها حتى انتهت الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وأما الإمام فلا تصح صلاته، فيجب أن يغسل النجاسة التي في ثوبه أو على بدنه، ثم يعيد الصلاة، فإن علم في أثناء الصلاة، فيجب عليه أن يعيد الصلاة هو والمأمومون([2]).
قوله: «ولا إمامة الأمي»الأمي: نسبة إلى الأم، والإنسان إذا خرج من أمه فهو لا يعلم شيئًا، وفي الاصطلاح: «من لا يحسن الفاتحة» يعني: لا يقرؤها لا حفظًا ولا تلاوة، ولو كان يقرأ كل القرآن إلا الفاتحة فهو أمِّيٌّ.
قوله: «أو يدغم فيها»أي في الفاتحة«ما لا يدغم» فإذا أدغمت حرفًا بما لا يقاربه ولا يماثله فهو غلط؛ كمن يقول: «الحمد للرب العالمين» أدغم الهاء بالراء.
قوله: «أو يبدل حرفًا» أي: يبدل حرفًا بحرف وهو الألثغ، مثل: أن يبدل الراء باللام، ويستثنى من هذه المسألة إبدال الضاد ظاء فإنه معْفُوٌّ عنه، وذلك لخفاء الفرق بينهما.
قوله: «أو يلحن فيها»أي في الفاتحة «لحنًا يحيل المعنى» واللحن: تغيير الحركات، سواء كان تغييرًا صرفيًّا أو نحويًّا، فإن كان يغير المعنى فإن المغير أمي -كمن يقول: )أهدنا الصراط المستقيم( بفتح الهمزة فهذا يحيل المعنى؛ لأن «أهدنا» من الإهداء- وإن كان لا يغيره فليس بأمي –كمن يقول: «إياك نستعين» بفتح النون الثانية فهذا لا يحيل المعنى- وليس معنى ذلك جواز قراءة الفاتحة ملحونة، فإنه لا يجوز أن يلحن ولو كان لا يحيل المعنى، لكن المراد صحة الإمامة.
قوله: «إلا بمثله» أي: إذا صلى أمي لا يعرف الفاتحة بأمي مثله فصلاته صحيحة؛ لمساواته له في النقص.
قوله: «وإن قدر»الأمي «على إصلاحه»أي إصلاح اللحن الذي يحيل المعنى، ولم يصلحه «لم تصح صلاته» وإن لم يقدر فصلاته صحيحة، دون إمامته إلا بمثله.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، وما صححه الشيخ اختيار القاضي وغيره، انظر: الإنصاف (2/268).
([2]) قال في الروض المربع: «وإن علم معه واحد أعاد الكل»، قال أبو بطين (1/168): «واختار القاضي والشيخ –يعني الموفق- يعيد العالم، وكذا نقله أبو طالب، وإن علمه اثنان وأنكر هو أعاد الكل، واحتج بخبر ذي اليدين».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:22 PM
وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ وَالْفَأْفَاءِوَالتَّمْتَامِ، وَمَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ، وَأَنْ يَؤُمَّ أَجْنَبِيَّةً فَأَكْثَرَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ.وَتَصِحُّ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دِينُهُمَا، وَمَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، وَعَكْسُهُ، وَلَا مَنْ يُصَلِّي الظّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ أَوْ غَيْرِهَا.
_________________________________
قوله: «وتكره إمامة اللحان» أي كثير اللحن، والمراد في غير الفاتحة، فإن كان في الفاتحة وأحال المعنى صار أمِّيًّا لا تصح إمامته على المذهب، وكذلك حكم «الفأفاء» وهو الذي يكرر الفاء إذا نطق بها، وكذلك «التمتام» وهو من يكرر التاء، وكل من يكرر الحروف تكره إمامته من أجل زيادة الحرف، ولكن لو أم الناس فإمامته صحيحة.
قوله: «ومن لا يفصح ببعض الحروف» أي: يخفيها بعض الشيء، وليس المراد أنه يسقطها؛ لأنه إذا أسقطها فإن صلاته لا تصح إذا كان في الفاتحة لنقصانها، أما إذا كان يذكرها، ولكن بدون إفصاح فإن إمامته مكروهة، أما من يقرأ بغير تجويد فلا تكره إمامته، بل ولا قراءته مطلقًا.
ويكره «أن يؤم أجنبية»أي ليست من محارمه «فأكثر»إذا كان «لا رجل معهن»، والصحيح أن ذلك لا يكره، وأنه إذا أمَّ امرأتين فأكثر فالخلوة قد زالت، ولا يكره ذلك إلا إذا خاف الفتنة، فإنه حرام ([1]).
وكذا يكره أن يؤم «قومًا أكثرهم يكرهه بحق» ولو كان الجميع يكرهه لكانت الكراهة من باب أولى، ولو كان الأقل يكرهه فإن ذلك لا يضر، ولو كرهه أكثرهم بغير حق، مثل: لو كرهوه؛ لأنه يحرص على اتباع السنة في الصلاة فإن إمامته فيهم لا تكره([2]).
قوله: «وتصح إمامة ولد الزنا»ولد الزنا خلق من ماء سفاح لا نكاح، فلا ينسب لأحد إلا للزاني، ولا لزوج المرأة إن كانت ذات زوج؛ لأنه ليس له أب شرعي، ولكن له أب قدري.
وكذا تصح إمامة «من يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه».
قوله: «لا مفترض بمتنفل» أي: لا يصح ائتمام مفترض بمتنفل، والقول الراجح أن الفريضة تصح خلف النافلة([3]).
وكذا لا يصح ائتمام «من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما»، والقول الثاني أنه يصح أن يأتم من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي العصر بمن يصلي الظهر ولا بأس بهذا([4]).
_________________________________
([1]) المذهب أنه يكره، كما في شرح منتهى الإرادات (1/277).
([2]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذهب، فلا ينبغي أن يؤمهم؛ لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف» انظر: الفروع (2/11).
([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات(1/278)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/276).
([4]) المذهب القول الأول، كما في شرح منتهى الإرادات (1/278)، والقول الثاني رواية، كما في الإنصاف (2/277).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:23 PM
فَصْل
يَقِفُ الْمأمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيَصِحُّ مَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ جَانِبَيْهِ، لَا قُدَّامَهُ، وَلَا عَنْ يَسَارِه فَقَطْ، وَلَا الْفَذّ خَلْفَهُ، أَوْ خَلْفَ الصَّفِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرأةً.
_________________________________
قوله: «يقف المأمومون خلف الإمام»وأقل الجمع في باب الجماعة اثنان.
قوله: «ويصح»أن يقفوا«معه»أي مع الإمام «عن يمينه أو جانبيه» أي: أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله، ولا يصح أن يقفوا «قدامه»، والقول الوسط أنه عند الضرورة لا بأس به، وإذا لم يكن هناك ضرورة فلا([1]).
قوله: «ولا عن يساره» أي: لا تصح صلاة المأموم إن وقف عن يسار الإمام، لكن بشرط خلو يمينه، والقول الراجح صحة الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه([2]).
قوله: «ولا الفذ خلفه» أي: إذا كان إمام ومأموم، فصلى المأموم خلف الإمام فإن صلاة المأموم لا تصح، والقول الوسط، أنه إذا كان الانفراد خلف الصف لِعُذْرٍ صحَّتْ الصلاة([3]).
والإمام فيه تفصيل: إن بقي على نية الإمامة لم تصح صلاته؛ لأنه نوى الإمامة وليس معه أحد، وإن انفرد فصلاته صحيحة.
ويكون الانفراد إذا رفع إمامه رأسه من الركوع ولم يدخل معه أحد، فإن دخل معه أحد قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع أو انفتح مكان في الصف قبل أن يرفع الإمام من الركوع ودخل في الصف، فإنه في هذه الحال يزول عن الفردية.
«إلا أن يكون»الفذ «امرأة» خلف رجل أو خلف الصف أيضًا، فإن صلاتها تصح، أما المرأة مع جماعة النساء فكرجل مع جماعة الرجال لا يصح أن تقف خلف إمامتها ولا خلف صف نساء.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/279)، والقول الثاني أنها تصح مطلقًا، كما في الإنصاف (2/280).
([2]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/280)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/282).
([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/280)، والقول الوسط الذي ذكره الشيخ هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (20/559).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:24 PM
وَإِمَامَةُ النِّسَاءِ تَقِفُ فِي صَفِّهِنَّ، وَيَلِيهِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ، كَجَنَائِزِهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ مَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ صَبِيٌّ فِي فَرْضٍ فَفَذّ.
_________________________________
إذا صلى النساء جماعة فإن «إمامة النساء تقف في صفهن» أما وقوف المرأة مع المرأة الواحدة فكوقوف الرجل مع الرجل الواحد إن وقفت عن يسارها أو أمامها أو خلفها، فإنها لا تصح صلاتها على المذهب.
قوله: «ويليه»أي الإمام «الرجال ثم الصبيان ثم النساء»على هذا الترتيب؛ كما يرتبون«جنائزهم» فإذا اجتمع جنائز من الرجال والصبيان والنساء، فإنهم يقدمون الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
ولما كان الكافر يمكن أن يصلي إذا كان كفره بغير ترك الصلاة، فإن المصلي خلف الصف إذا «لم يقف معه إلا كافر»فإذا علم بكفره فالمذهب أن صلاته لا تصح؛ لأنه فذ، وإذا وقف مع كافر لا يعلم بكفره فإن صلاته صحيحة([1]).
وكذا إذا لم يقف معه إلا «امرأة» فهو فذ؛ فإن وقفت امرأة مع رجلين فإنه تصح صلاتهما وصلاتها، كما أن صفّا تامًّا من نساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من الرجال.
قوله: «أو من علم حدثه أحدهما» كما إذا دخل رجلان المسجد فوجدا الصف الأول تامًّا فقاما خلف الصف، وأحدهما محدث يعلم حدث نفسه، والآخر على طهارة ولا يعلم أن صاحبه محدث، فالصلاة على كلام المؤلف غير صحيحة([2])، والصحيح في هذه المسألة أن الثاني الموقوف معه صلاته صحيحة؛ لأنه معذور بالجهل فإنه لا يدري أن صاحبه محدث، لكن لو علم أن صاحبه محدث فهو فذ؛ لأنه يعتقد أنه صلى مع شخص لا تصح صلاته.
فإن جهل هو وصاحبه حتى انقضت الصلاة، فصلاة الواقف مع المحدث صحيحة؛ لأنه لم يعلم واحد منهما بالحدث.
قوله: «أو صبي»لم يبلغ«في فرض ففذ» خرج به ما لو وقف معه الصبي في نفل، فإن كانت الصلاة نافلة فالمصافة صحيحة، والقول الراجح أن من وقف معه صبي فليس فذًّا لا في الفريضة ولا في النفل([3]).
_________________________________
([1]) المذهب أن صلاته لا تصح إذا لم يقف معه إلا كافر، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281)، قال في الإنصاف (2/286): «إذا لم يقف معه إلا كافر فإنه يكون فذّا بلا خلاف أعلمه».
([2]) قال في الروض المربع بحاشية ابن قاسم النجدي (2/ 343): (أو من علم حدثه) أو نجاسته (أحدهما) أي المصلي أو المصافف له.
([3]) المذهب أنه فذ، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281)، وما رجحه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/288).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:29 PM
وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً دَخَلَهَا، وَإِلَّا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى فَذّا رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ صَحَّتْ.
_________________________________
قوله: «ومن وجد فرجة دخلها»والفرجة هي الخلل في الصف، أي: مكان ليس فيه أحد؛ وإن لم يجد فرجة فليقف «عن يمين الإمام([1])؛ فإن لم يمكنه» أن يتقدم إلى الإمام ويصلي إلى جانبه، مثل: أن يكون الإمام في مكان ضيق كطاق القبلة – أي: المحراب – فلا يمكن أن يصف فيه أكثر من واحد، فهنا لا يتمكن أن يقف عن يمين الإمام، والصحيح أنه يصلي خلف الصف وحده، وأن صلاته صحيحة([2]).
قوله: «فله»أي لهذا الرجل«أن ينبه من يقوم معه»فيقول: يا فلان تأخر جزاك الله خيرًا لتصلي معي، ولكن يكره أن يجذبه بدون أن ينبه، ويتبعه من ينبهه وجوبًا، والصحيح أنه ليس له ذلك؛ لأنه إذا نبهه أحرجه، والصحيح أن الآخر لا يلزمه أن يرجع معه([3]).
قوله: «وإن ركع فذّا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت» إن ركع فذّا ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام صحت صلاته لزوال الفردية قبل تمام الركعة، وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون ذلك لعذر، أو لغير عذر، والمذهب خلافه؛ فلو أن رجلًا وقف خلف الصف وكبر وركع بدون عذر، والصف لم يتم ثم جاء آخر، فدخل معه قبل أن يسجد الإمام فالمذهب في هذه المسألة أنه إن كان لغير عذر فرفع الإمام من الركوع قبل أن تزول فَذّيته فصلاته غير صحيحة([4])، وإن زالت فذيته قبل الرفع من الركوع فصلاته صحيحة، هذا إذا كان لغير عذر، أما إذا كان لعذر، فهو كما قال المؤلف العبرة بسجود الإمام.
والعذر هو خوف فوت الركعة، فإذا خشي إن تقدم حتى ينتهي إلى الصف أن تفوته الركعة فله أن يكبر ويركع فذًّا ثم يدخل في الصف قبل أن يسجد الإمام، فإن سجد الإمام ولو قبل أن تزول فذيته ولو لعذر فصلاته غير صحيحة.
والصحيح أنه إذا كان لعذر فصلاته صحيحة مطلقًا، والعذر تمام الصف، فإذا كان الصف تامًّا فصلاته صحيحة بكل حال، حتى وإن بقي منفردًا إلى آخر الصلاة، وأما إذا كان لغير عذر فإن رفع الإمام من الركوع قبل أن تزول فذيته فصلاته غير صحيحة([5]).
_________________________________
([1]) قال أبو بطين في حاشيته (1/174): «ولا بأس بقطع الصف عن يمينه أو خلفه، وكذا إن بعد الصف منه نصًّا وقربه منه أفضل، وكذا توسطه؛ فإن انقطع عن يساره فقال ابن حامد: إن كان بعد مقام ثلاثة رجال بطلت صلاتهم».
([2]) سبق أن هذا اختيار الشيخ.
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281-282)، وقال في الإنصاف (2/288): «وإذا لم يقدر أن يقف عن يمين الإمام فله أن ينبه من يقوم معه بكلام أو نحنحة أو إشارة بلا خلاف أعلمه، ويتبعه».
([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/282).
([5]) سبق أن اختيار الشيخ صحة صلاة الفذ خلف الصف لعذر.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:30 PM
فَصْل
يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المَأمُومِ بِالْإِمَامِ فِي المَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الْإِمَامَ أَوِ المَأمُومِينَ، وَتَصِحُّ خَلْفَ إِمَامٍ عَالٍ عَنْهُمْ. وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ العُلُوُّ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ، كَإِمَامَتِهِ فِي الطّاقِ، وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ المَكْتُوبَةِ إِلّا مِنْ حَاجَةٍ، وإِطَالَةُ قُعُودِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ لَبِثَ قَلِيلًا لِيَنْصَرِفْنَ. وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُمْ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعْنَ الصُّفُوفَ.
_________________________________
في أحكام اقتداء المأموم بالإمام
قوله: «يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد»([1])أي: في مسجد واحد، ولو كانت بينهما مسافات؛ «وإن لم يره ولا من وراءه» أي: لم ير الإمام، ولا من وراءه من المأمومين، وذلك «إذا سمع التكبير» إما منه أو ممن يبلغ عنه.
قوله: «وكذا»يصح اقتداء المأموم بالإمام «خارجه»أي خارج المسجد«إن رأى الإمام أو المأمومين»ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة أو من شباك ونحوه، وكذا يُشْتَرط سماع التكبير.
ولا يشترط اتصال الصفوف على المذهب، إذا كان يرى الإمام أو من وراءه في بعضها وأمكن الاقتداء، ولو جاوز ثلاثمائة ذراع، والقول الثاني: لا تصح الصلاة إذا لم تتصل الصفوف، والمذهب هو الأول([2])، والصواب الثاني([3]).
قوله: «وتصح»صلاة المأمومين «خلف إمام عالٍ عنهم» يعني: فوقهم، ولكن «يكره إذا كان العلو ذراعًا فأكثر»ويقيد بعض العلماء هذه المسألة بما إذا كان الإمام غير منفرد بمكانه، فإذا كان معه أحد فإنه لا يكره ولو زاد على الذراع؛ لأن الإمام لم ينفرد بمكانه وهذا لاشك أنه قول وجيه([4]).
ويكره كذلك «إمامته في الطاق» والمراد بالطاق طاق القبلة الذي يسمى «المحراب» وطاق القبلة يكون مقوسًا مفتوحًا في عرض الجدار، وأحيانًا يكون واسعًا، بحيث يقف الإمام فيه ويصلي ويسجد في نفس المحراب، فالمؤلف يرى أنه مكروه، ولكن إذا كان لحاجة مثل: أن تكون الجماعة كثيرة، واحتاج الإمام إلى أن يتقدم حتى يكون في الطاق فإنه لا بأس فيه.
أما إذا كان الإمام في باب الطاق، ولم يدخل فيه، ولم يتغيب عن الناس، وكان محل سجوده في الطاق، فلا بأس به.
ويكره للإمام كذلك «تطوعه موضع المكتوبة» أي: في المكان الذي صلى فيه المكتوبة؛ أما المأموم فإنه لا يكره له أن يتطوع في موضع المكتوبة، لكن ذكروا أن الأفضل أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من موضعه.
قوله: «إلا من حاجة» والحاجة هي التي تكون من مكملات مراده، وليس في ضرورة إليها، مثل: أن يريد الإمام أن يتطوع؛ لكن وجد الصفوف كلها تامة ليس فيها مكان، فحينئذ يكون محتاجًا إلى أن يتطوع في موضع المكتوبة.
ويكره للإمام كذلك «إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة»بل يخفف ويجلس بقدر ما يقول: استغفر الله «ثلاث مرات»، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
قوله: «فإن كان ثم نساء» أي: في المسجد «لبث قليلًا»مستقبل القبلة «لينصرفن» قبل الرجال.
قوله: «يكره وقوفهم بين السواري» أي: وقوف المأمومين وراء الأعمدة، وذلك «إذا قطعن الصفوف» عرفًا؛ فإن احتيج إلى ذلك بأن كانت الجماعة كثيرة والمسجد ضيقًا فلا بأس به من أجل الحاجة.
_________________________________
([1]) قال ابن قائد في حاشية المنتهى (1/315): «حاصله أن المقتدي إما أن يكون مع الإمام في المسجد، وإما أن يكون المأموم وحده خارجه؛ ففي الأولى يكفي لصحة الاقتداء أحد أمرين: الرؤية أو سماع التكبير، وفي الثانية: لابد من الرؤية».
([2]) انظر شرح منتهى الإرادات (1/282-283).
([3]) وجزم به الخرقي والكافي والمغني وغيرهم، كما في الإنصاف (2/293).
([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/283).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:30 PM
فَصْل
وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ، وَمُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَام مُحْتَاج إِلَيْهِ، وَخَائِفٌ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ، أَوْ فَوَاتِهِ أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ، أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ، أَوْ أَذًى بِمَطَرٍ أَوْ وَحْلٍ، أَوَ بِرِيحٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ.
_________________________________
في بيان الأعذار التي تُسْقِط الجمعة والجماعة
قوله: «يعذر بترك جمعة وجماعة مريض»([1])مرضًا يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي، ويعذر كذلك «مدافع أحد الأخبثين» البول والغائط، وكذا «من بحضرة طعام محتاج إليه» ويأكل حتى يشبع([2])، وكذا «خائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه»كأن يخاف سرقة ماله، أو يكون معه دابة يخشى لو ذهب للصلاة أن تَنْفَلِت، أو أضاع دابته فعلم مكانها وخاف أن تذهب عن المكان الذي هي فيه، أو كان يخشى من ضرر، أو يخشى من «موت قريبه»وهو غير حاضر، أي أن قريبه في سياق الموت، أو يخشى «على نفسه من ضرر»أو يخشى من «سلطان» مثل: أن يطلبه ويبحث عنه أمير وهو ظالم له، أو يخشى «ملازمة غريم»يطالبه بما له «ولا شيء معه»، أو يخشى «من فوات رفقة» بسفر مباح.
ويعذر بـ «غلبة نعاس أو أذى بمطر أو وحل»والأذية بالمطر أن يتأذى في بَل ثيابه أو ببرودة الجو، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذي بوحل، «أو بريح باردة شديدة في ليلة مظلمة»أما الريح الساخنة فليس فيها أذى ولا مشقة، وكذا لا مشقة أو أذى في الريح الخفيفة ولو كانت باردة، فإذا كانت الرياح باردة وشديـدة فهي عذر بلا شك.
_________________________________
([1]) قال في المنتهى: «وتلزم الجمعة من لم يتضرر بإتيانها راكبًا أو محمولًا وتبرَّع أحد به أو بقود أعمى، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه...» قال ابن قائد (1/319): «هذا كالتقييد لما تقدم من قوله: «يعذر... إلخ»، وحاصله أن المريض والخائف حدوث مرض يعذر في ترك الجماعة ولو أمكنه إتيانها راكبًا أو محمولًا بلا ضرر، وفي ترك الجمعة إن لم يمكنه ذلك».
([2]) قال ابن قائد (1/319): «ليس الحضور قيدًا بل حيث كان تائقًا».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:32 PM
بَابُ صَلاةِ أَهْلِ الأَعْذَارِ
تَلْزَمُ المَرِيضَ الصَّلَاةُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى جَنْبِهِ، فَإِنْ صَلّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَحَّ، وَيُوِمئُ رَاكِعًا وَسَاجِدًا، وَيَخْفِضُهُ عَنِ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قَدَرَ أَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ إِلَى الْآخَرِ.
_________________________________
المراد بالأعذار هنا: المرض والسفر والخوف.
قوله: «تلزم المريض» -وهو الذي اعتلت صحته، سواء كانت في جزء من بدنه، أو في جميع بدنه - «الصلاة قائمًا» أي: واقفًا ولو كان مثل الراكع، أو كان معتمدًا على عصا أو جدار أو عمود أو إنسان، فمتى أمكنه أن يكون قائمًا وجب عليه على أي صفة كان.
قوله: «فإن لم يستطع»، أي: إن لم يكن في طوعه القيام، وذلك بأن يعجز عنه فإنه يصلي قاعدًا، وظاهر اللفظ أنه لا يباح القعود إلا لِعجز، وأما المشقة فلا تبيح القعود، والصحيح: أن المشقة تبيح القعود([1]).
وقوله: «فإن لم يستطع» ظاهره: أنه لا يبيح القعود إلا العجز، وأما المشقة فلا تُبِيح القعود، والمذهب أن المشقة تبيح القعود، فإذا شق عليه القيام صلى قاعدًا.
والضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة.
وقوله: «فقاعدًا» أي: جالسًا متربعًا على أليَتَيْهِ ندبًا، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعًا.
قوله: «فعلى جنبه» والأيمن أفضل.
قوله: «فإن صلى مستلقيًا» أي: المريض «ورجلاه إلى القبلة صح» هذا الفعل، أي: مع قدرته على الجنب، لكنه خلاف السنة؛ والقول الثاني: أنه لا يصح مع القدرة على الجنب.
وإذا كان مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة يكون رأسه إلى عكس القبلة إلى الشرق إن كانت القبلة غربًا؛ لأن هذا أقرب ما يكون إلى صفة القائم، فهذا الرجل لو قام تكون القبلة أمامه، فلهذا يكون مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، والمذهب أنه إن صلى مستلقيًا ورأسه إلى القبلة لا تصح صلاته؛ لأنه لو قام لكان مستدبرًا للقبلة، وكذلك لو صلى مستلقيًا ورجلاه إلى يسار القبلة أو يمين القبلة لا تصح؛ لأنه لو قام لكانت القبلة عن يمينه أو عن يساره، فلابد إذن أن تكون رجلاه إلى القبلة.
قوله: «ويومئ» المريض المصلي جالسًا في الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض، وهذا فيما إذا عَجَزَ عن السجود، أما إذا قدر عليه فيومئ بالركوع ويسجد؛ فإن كان مضطجعًا على الجنب فإنه يومئ بالركوع والسجود إيماء بالرأس إلى الصدر، فيومئ في حال الاضطجاع إلى صدره، قليلًا في الركوع، ويومئ أكثر في السجود.
قوله: «فإن عجز أومأ بعينه» يعني: إذا صار لا يستطيع أن يومئ بالرأس فيومئ بالعين، فإذا أراد أن يركع أغمض عينيه يسيرًا، ثم إذا قال:«سمع الله لمن حمد» فتح عينيه، فإذا سجد أغمضهما أكثر([2]).
قوله: «فإن قدر أو عجز في أثنائها انتقل إلى الآخر» إن قدر المريض في أثناء الصلاة على فعل كان عاجزًا عنه انتقل إليه.
_________________________________
([1]) وهو المذهب كما في شرح منتهى الإرادات (1/287).
([2]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/179-180): «وينوي الفعل عند إيمائه له، والقول كالفعل يستحضره بقلبه إن عجز عنه بلفظه، وكذا أسير خائف، ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا، ولا ينقص أجر المريض إذا صلى ولو بالإيماء عن أجر الصحيح المصلي قائمًا».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:50 PM
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْمَأَ بِرُكُوعٍ قَائِمًا، وَبِسُجُودٍ قَاعِدًا. وَلِمَريضٍ الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَاعِدًا فِي السَّفِينَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ، وَيَصِحُّ الفَرْضُ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ التّأَذِّي بالْوَحْلٍ لَا لِلْمَرَضِ.
_________________________________
قوله: «وإن قدر»المريض «على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائمًا وبسجود قاعدًا» وهذا يحتاج الإنسان إليه في الطائرة إذا كان السفر طويلًا وحان وقت الصلاة، وليس في الطائرة مكان مخصص للصلاة، فإنه يصلي في مكانه قائمًا بدون اعتماد إذا صارت الطائرة مستوية، وليس فيها اهتزاز، وإلا فيتمسك بالكرسي الذي أمامه لكن يومئ بالركوع قدر ما يمكن، والظاهر: أنه لا يستطيع السجود حسب الطائرات التي نعرف، فنقول: اجلس على الكرسي، ثم أومئ إيماءً بالسجود.
وإذا كان لا يستطيع السجود على الجبهة فقط؛ لأن فيها جروحًا لا يتمكن أن يمس بها الأرض، لكن يقدر باليدين وبالركبتين، لم يلزمه بغيرها.
ويباح «لمريض الصلاة مستلقيًا» على ظهره«مع القدرة على القيام» أي: هو قادر أن يقوم، لكن قال له «طبيب مسلم»لابد أن تصلي مستلقيًا ولا تقوم.
قوله: «ولا تصح صلاته قاعدًا في السفينة وهو قادر على القيام» أي: الفريضة؛ لأن النافلة تصح قاعدًا مع القدرة على القيام في السفينة وغيرها؛ وذلك لأن السفينة ليست كالراحلة؛ لأن السفينة يمكن للإنسان أن يصلي فيها قائمًا ويركع ويسجد لاتساع المكان، فإذا كان يمكنه وجب عليه أن يصلي قائمًا، وإذا كان لا يمكنه إما لكون الرياح عاصفة والسفينة غير مستقرة، فإنه يصلي جالسًا، وإما لكون سقف السفينة قصيرًا فإنه يصلي جالسًا.
قوله: «ويصح الفرض على الراحلة» يعني: البعير أو الحمار أو الفرس أو نحو ذلك «خشية التأذّي بالوحل»أو بالمطر أو غير ذلك لو صلى على الأرض، ويجب أن يستقبل القبلة في جميع الصلاة؛ لأن التأذي بالنزول لا يمنع استقبال القبلة، ويومئ بالركوع والسجود؛ هذا في البعير والحمار والفرس، أما الراحلة اليوم؛ كالسيارات، والسفن فيستطيع الإنسان أن يصلي فيها قائمًا راكعًا ساجدًا متجهًا إلى القبلة، فيجب عليه ذلك.
قوله: «لا للمرض» يعني لا تصح الفريضة على الراحلة للمرض؛ لأن المريض يمكنه أن ينيخ الراحلة وينـزل على الأرض ويصلي، ولكن إذا علمنا أن هذا المريض لو نزل لم يستطع الركوب؛ لأنه ليس عنده من يُرْكِبه، وهذا قد يقع، فيصلي على الراحلة؛ لأن هذا أعظم من التأذي بالمطر وأخطر.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:50 PM
فَصْل
مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ سُنَّ لَهُ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ إِذَا فَارَقَ عَامِرَ قَرْيَتِهِ، أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ. وَإِنْ أَحْرَمَ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ، أَوْ عَكْسَهَا، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ يَشُكّ فِيهِ.
_________________________________
قوله: «من سافر»([1])من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير «سفرًا مباحًا»ليس بحرام ولا مكروه، فيشمل الواجب والمستحب والمباح إباحة مطلقة، وذهب الإمام أبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء إلى أنه يجوز أن يقصر حتى في السفر المحرم، وهذا القول قول قوي([2]).
فالسفر لفعل المحرم كسفر المرأة بلا محرم، والسفر وحده مكروه، والسفر للنزهة مباح، والسفر لفريضة الحج واجب، وللمرة الثانية في الحج مستحب.
قوله: «أربعة برد» وهي 82 كيلو مترًا تقريبًا، والبرد جمع بريد، والبريد نصف يوم، والصحيح أنه لا حد للمسافة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف([3])، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر، والإقامة الطويلة في الزمن القصير سفر.
قوله:«سن له قصر رباعية ركعتين» أما الثلاثية فلا تقصر، وأما الثنائية فلا تقصر أيضًا، ولا يمكن قصر بدون سفر، حتى لو كان الإنسان في أشد المرض أوالشغل أوالتعب فلا يكون سببًا للقصر بخلاف الجمع.
ولا يقصر إلا «إذا فارق»، والمفارقة المراد بها المفارقة البدنية؛ لا المفارقة البصرية، أي: أن يتجاوز البيوت ولو بمقدار ذراع، فإذا خرج من مسامته البيوت ولو بمقدار ذراع فإنه يعتبر مفارقًا.
وقوله: «عامر قريته» ولم يقل: بيوت قريته؛ لأنه قد يكون هناك بيوت قديمة في أطراف البلد هجرت وتركت ولم تسكن، فهذه لا عبرة بها، بل العبرة بالعامر من القرية، فإن كان في القرية بيوت عامرة، ثم بيوت خربة، ثم بيوت عامرة، فالعبرة بمفارقة البيوت العامرة، وإن كان يتخللها بيوت غير عامرة.
وأضاف القرية إلى المسافر ليفيد أن المراد قريته التي يسكنها، فلو فرض أن هناك قريتين متجاورتين ولو لم يكن بينهما إلا ذراع أو أقل، فإن العبرة بمفارقة قريته هو.
قوله: «أو خيام قومه» إذا كانوا يسكنون الخيام، وعلم من كلامه أنه لا يجوز أن يقصر ما دام في قريته، ولو كان عازمًا على السفر ولو كان مرتحلًا ولو كان راكبًا يمشي بين البيوت.
ويجب الإتمام في مسائل:
«إن أحرم حضرًا ثم سافر» يعني دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام ثم سافر، كما لو كان في سفينة تجري في نهر يشق البلد، وكانت راسية فكبر للصلاة ثم مشت السفينة ففارقت البلد وهو في أثناء الصلاة،«أو في سفر ثم أقام»أي: أحرم للصلاة في سفر ثم أقام، عكس المسألة الأولى.
«أو ذكر صلاة حضر في سفر»كرجل مسافر، وفي أثناء السفر ذكر أنه صلى الظهر في البلد بغير وضوء، فإنه يصلي أربعًا، «أو عكسها»يعني أو ذكر صلاة سفر في حضر.
«أو ائتم»المسافر «بمقيم»فإنه يتم، أو ائتم «بمن يشك فيه»هل هو مسافر أو مقيم، وهذا إنما يكون في محل يكثر فيه المسافرون.
_________________________________
([1]) قال منصور البهوتي في حواشي الإقناع (1/285): «من ابتدأ سفرًا؛ هذه عبارة الفروع، وعبارة المقنع: من سافر، ويرد عليها من خرج في طلب ضالة أو آبق حتى جاوز ستة عشرة فرسخًا لم يجز له القصر لعدم نيته على المذهب، ويرد عليها أيضًا كون المعتبر نية المسافة لا حقيقتها؛ فلو نواها ثم رجع قبل استكمالها وقد قصر فلا إعادة على الصحيح، مع أنه لم يسافر ستة عشر فرسخًا».
([2]) المذهب خصوص السفر المباح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/292)، وما قواه الشيخ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (24/109).
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/292)، وقال في الإنصاف (2/318): «وقال المصنف والشيخ تقي الدين أيضًا: لا حجة للتحديد، بل الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:51 PM
أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا فَفَسدَتْ وَأَعادَهَا، أَوْ لَمْ يَنْوِ القَصْرَ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ، أَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ،أَوْ مَلَّاحًا مَعَهُ أَهْلُهُ لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ فَسَلَكَ أَبْعَدَهُمَا، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍفِي آخَرَ قَصَرَ، وَإِنْ حُبِسَ وَلَمْ يَنْوِ إِقَامَةً، أَوْ أَقَامَ لِقْضَاءِ حَاجَةٍ بِلَا نِيَّةِ إِقَامَةٍ قَصَرَ أَبَدًا.
_________________________________
قوله: «أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها»يعني: المسافر أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، إذا ائتم بمقيم فقد أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، فإذا فسدت ثم أعادها فإنه يلزمه الإتمام؛ لأن هذه الصلاة إعادة لصلاة يجب إتمامها، فيلزمه أن يصلي أربعًا.
قوله: «أو لم ينو القصر عند إحرامها»يعني: دخل في صلاة الظهر وهو مسافر، لكن نوى صلاة الظهر، ولم يستحضر تلك الساعة أن ينويها ركعتين، فهنا يقول المؤلف: يلزمه أن يتم.
قوله: «أو شك في نيته»أي نية القصر، يعني: شك هل نوى القصر أو لم ينو؟ فيلزمه الإتمام، وهذه المسألة غير المسألة الأولى، فالأولى جزم بأنه لم ينو، والثانية شك هل نوى أو لا؟
قوله: «أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام»في أي مكان كان، سواء نوى الإقامة في البر، أو نوى الإقامة في البلد، فيلزمه أن يتم.
ومثال الإقامة في غير البلد: رجل مسافر انتهى إلى غدير، فأعجبه المكان فنـزل، وقال: سأبقى في هذا المكان خمسة أيام، فيلزمه أن يتم؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام، والقول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن المسافر مسافر ما لم ينو واحدًا من أمرين: الإقامة المطلقة، أو الاستيطان([1]).
قوله: «أو ملَّاحًا معه أهله»([2])الملاح قائد السفينة، وكان معه أهله مصاحبون له، وكان «لا ينوي الإقامة ببلد»المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته.
أما لو كان أهله في بلد فإنه مسافر، ولو طالت مدته في السفر، ولو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر؛ لأنه مسافر، فمثلًا: إذا كان ملاحًا في سفينة وأهله في جدة، لكنه يجوب البحار؛ كالمحيط الهندي والهادي، ويأتي بعد شهر أو شهرين إلى جدة فهذا مسافر؛ لأنه ليس معه أهله، بل له بلد يأوي إليه.
وكذلك أيضًا: لو فرض أن الرجل ينوي الإقامة في بلد، فهذا نقول له: إنك مسافر؛ لأن لك بلدًا معينًا عينته للإقامة.
ومثل ذلك أصحاب سيارات الأجرة الذين دائمًا في البر، نقول إن كان أهلهم معهم ولا ينوون الإقامة ببلد فهم غير مسافرين، لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان، وإن كان لهم أهل في بلد، فإنهم إذا غادروا بلد أهلهم فهم مسافرون يفطرون ويقصرون، وكذلك لو لم يكن لهم أهل، لكنهم ينوون الإقامة في بلد يعتبرونه مثواهم ومأواهم، فهم مسافرون حتى يرجعوا إلى البلد الذي نووا أنه مأواهم.
قوله: «وإن كان له طريقان فسلك أبعدهما» يعني: رجل في بلد يريد أن يسافر إلى بلد آخر، وللبلد هذا طريقان: أحدهما بعيد، والثاني قريب، فسلك أبعدهما فإنه يقصر، ولكن لو فرض أنه تعمد أن يسلك الطريق الأبعد في رمضان من أجل أن يفطر فلا يجوز له الفطر.
قوله: «أو ذكر صلاة سفر في»سفر «آخر قصر»كرجل سافر إلى العمرة، وصلى بغير وضوء ناسيًا، ولما رجع من العمرة سافر إلى المدينة وفي أثناء سفره إلى المدينة ذكر أنه صلى في سفره للعمرة صلاة بغير وضوء، فيصليها قصرًا، وإن ذكر صلاة سفر في حضر، فإنه يتم على المذهب([3])، والصحيح أنه يقصر([4]).
قوله: «وإن حبس» ظلمًا أو بحقٍّ أو بعدو أو بمرض أو في تغيرات جوية أو بخوف على نفسه، أو بأي سبب فإنه يقصر؛ إن كان «لم ينو إقامة»، فإن نوى إقامة مطلقة لا إقامة ينتظر بها زوال المانع فإنه يتم.
قوله: «أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة» مطلقة «قصر أبدًا» ولو بقي طول عمره([5]).
فالإقامة المطلقة: أن ينوي أنه مقيم ما لم يوجد سبب يقتضي مغادرته، فيلزمه الإتمام وصوم رمضان، ولا يزيد عن يوم وليلة في مسح الخفين.
والإقامة المقيدة: تارة تُقَيَّد بزمن، فالمشهور من المذهب أنه إذا نوى أكثر من أربعة أيام يتم ودونها يقصر، وتارة تقيد بعمل، فيقصر فيها أبدًا، ولو طالت المدة، ومن ذلك لو سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/295)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية انظره في مجموع الفتاوى (24/136).
([2]) قال ابن قائد (1/333): «قوله: (معه أهله) أي: أو لا أهل له» .
([3]) انظر شرح منتهى الإرادات (1/295).
([4]) وهو قول ذكره في الإنصاف (2/323).
([5]) فائدة: لو قصر الصلاتين في السفر في وقت أولاهما، ثم قدم قبل دخول وقت الثانية أجزأه على الصحيح من المذهب، ومثله لو جمع بين الصلاتين في وقت أولاهما بتيمُّم ثم دخل وقت الثانية وهو واجد الماء» من حاشية أبي بطين (1/185).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:52 PM
فَصْل
يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظّهْرَيْنِ، وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِفِي وَقْتِ إِحَدَاهُمَا فِي سَفَرِ قَصْرٍ، وَلِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ، وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِ، لِمَطَرِ يَبُلّ الثِّيَابَ، وَوَحْلٍ، وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ. وَالأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ بِهِ مِنْ تَأخِيرٍ وَتَقْدِيمٍ، فَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأولَى اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلّا بِقَدْرِ إِقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ، وَيَبْطُلُ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا وَسَلَامِ الْأولَى، وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثّانِيَةِ اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأولَى، إِنْ لَم يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا، وَاسْتِمرَارُ العُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثّانِيَةِ.
_________________________________
قوله: «فصل» يعني: في الجمع.
قوله: «يجوز الجمع بين الظهرين» هما الظهر والعصر،«و بين العشائين» هما المغرب والعشاء «في وقت إحداهما» أي الأولى أو الثانية، أو في الوقت الذي بينهما.
قوله: «في سفر قصر» هذا أحد الأسباب المبيحة للجمع، وهو سفر القصر سواء كان نازلًا أو سائرًا، وكذا يجوز الجمع «لمريض»أيّ مرض سواء كان صداعًا في الرأس، أو وجعًا في البطن، أو الجلد، أو غير ذلك، إذا كان «يلحقه بتركه مشقة» أما لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع، والمشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة، والمشقات متعددة([1]).
ويجمع «وبين العشائين»لا بين ظهرين «لمطر يبل الثياب» لكثرته وغزارته؛ فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب، فإن الجمع لا يجوز، ويجمع لـ«وحل» وهو الزلق والطين؛ وإن لم يكن المطر ينـزل، ويجمع لـ«ريح شديدة باردة»، ولا يُشْتَرط أن تكون في ليلة مظلمة، والمراد بالريح الشديدة ما خرج عن العادة، وأما الريح المعتادة، فإنها لا تبيح الجمع، والمراد بالبرودة: ما تشق على الناس.
وله الجمع في هذه الأعذار «ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط»والساباط: السقف، هذا إذا كان من أهل الجماعة وذلك لئلا تفوته الجماعة، أما إذا كان يصلي في بيته لمرض، وهو لا يحضر المسجد، فلا يجوز له أن يجمع؛ لأنه لا يستفيد شيئًا، أو كانت امرأة، فإنه لا يجوز لها الجمع من أجل المطر؛ لأنها لا تستفيد بالجمع شيئًا، فهي ليست من أهل الجماعة.
قوله: «والأفضل»لمن يباح له الجمع «فعل الأرفق به من تأخير وتقديم» فإن كان التأخير أرفق فليؤخر، وإن كان التقديم أرفق فلْيُقَدِّم، وقد استثنى أهل المذهب جمع عرفة؛ فالأفضل فيه التقديم، ومزدلفة فالأفضل فيه التأخير.
قوله: «فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامها»فلو فرض أنه دخل في الأولى وهو لا ينوي الجمع، ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع، فإن الجمع لا يصح، والصحيح أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، والذي يشترط هو وجود السبب عند الجمع؛ فالصحيح أن له أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجودًا ([2]).
قوله: «ولا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف»، أي: يشترط أن لا يفرق بين المجموعتين في جمع التقديم إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف.
«ويبطل»الجمع بصلاة «راتبة بينهما» أي بين الصلاة الأولى والثانية، أي: لو جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فلما صلى المغرب صلى راتبة المغرب، فإنه لا جمع حينئذ؛ لوجود الفصل بينهما بصلاة، ولو فصل بينهما بفريضة، فبعد أن صلى المغرب ذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فصلى العصر، فلا جمع؛ لأنه إذا أبطل الجمع بالراتبة التابعة للصلاة المجموعة فبطلانه بصلاة أجنبية من باب أولى، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشترط الموالاة بين المجموعتين، والأحوط ألا يجمع إذا لم يوال بينهما لكن رأي شيخ الإسلام له قوته([3]).
ويشترط كذلك في جمع التقديم «أن يكون العذر»المبيح للجمع «موجودًا عند افتتاحهما»أي الأولى والثانية «وسلام الأولى»، ويشترط كذلك أن يكون موجودًا إلى انتهاء الثانية في غير جمع مطر ونحوه، بشرط أن يخلفه وحل.
فلو لم ينـزل المطر مثلًا إلا في أثناء الصلاة، فإنه لا يصح وإذا لم ينـزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى، أي: كانت السماء مغيمة ولم ينـزل المطر، وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فإن الجمع لا يصح، والصحيح أنه لا يُشْتَرط وجود العذر إلا عند السلام من الأولى، فلو لم ينزل المطر مثلًا إلا في أثناء الصلاة، فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى، أي: كانت السماء مغيمة ولم ينزل المطر. وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فالصحيح أن الجمع جائز على هذا القول الراجح([4]).
ويشترط كذلك في جمع التقديم الترتيب؛ بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية.
قوله: «وإن»نوى «جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأولى»؛ لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز.
قوله: «إن لم يضق» الوقت «عن فعلها» فإن ضاق عن فعلها لم يصح الجمع.
ولابد من «استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية» فإن لم يستمر، فالجمع حرام، ولم يذكر الموالاة إشارة إلى عدم اشتراط الموالاة؛ لأن الموالاة في جمع التأخير ليست بشرط.
_________________________________
([1]) قال أبو بطين (1/186): «فأما الجمع لأجل المطر بين الظهر والعصر، فالصحيح أنه لا يجوز؛ قيل لأحمد: هل يجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ فقال: لا، ما سمعته، اهـ شرح، قال في الإنصاف: واختار الشيخ أن الجمع بين الظهر والعصر يجوز للمطر». اهـ.
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/299)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/341).
([3]) المذهب أن الموالاة تشترط، كما في شرح منتهى الإرادات (1/299)، وذكر في الإنصاف (2/343) أن الشيخ تقي الدين لا يشترط الموالاة في الجمع.
([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/300).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:52 PM
فَصْل
وَصَلَاةُ الخَوْفِ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِصِفَاتٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهَا مِنَ السِّلَاحِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَشْغَلُهُ وَلَا يُثْقِلهُ؛ كَسَيْفٍ وَنَحْوِهِ.
_________________________________
قوله: «فصل: صلاة الخوف» من خاف من عدو، سواء كان آدميًّا أو سَبْعًا، تُشْرَع له صلاة الخوف، وقد «صحت عن النبي r بصفات كلها جائزة» أي: وردت على ستة أوجه، أو سبعة عن النبي r؛ من هذه الأوجه ما يوافق ظاهر القرآن، وهي: أن يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلي معه، وطائفة أمام العدو، فيصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإمام لا يزال قائمًا، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الأولى أمام العدو، وجاءت الطائفة الأولى ودخلت مع الإمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإمام فيصلي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قبل أن يسلم قامت هذه الطائفة من السجود رأسًا وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإمام في التشهد فيسلم بهم.
ومنها: إذا كان العدو في جهة القبلة، فإن الإمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعًا، ويركع بهم جميعًا ويرفع بهم جميعًا، ويسجد بالصف الأول فقط، ويبقى الصف الثاني قائمًا يحرس، فإذا قام وقام معه الصف الأول سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلى بهم الركعة الثانية جميعًا قام بهم جميعًا وركع بهم جميعًا، فإذا سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإمام بهم جميعًا، وهذه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة.
قوله: «ويستحب أن يحمل»السلاح «في صلاتها»؛ أي يحمل في صلاة الخوف «ما يدفع به عن نفسه» فلا يحمل سلاحًا هجوميًّا؛ لأنه مشغول في صلاته عن مهاجمة عدوه، ولكن بحيث يكون ما يحمله «لا يشغله ولا يثقله»؛ لأنه إذا حمل ما يثقله أو يشغله عن الصلاة زال خشوعه.
قوله: «كسيف ونحوه» أي: كالسكين، والرمح القصير، وفي وقتنا كالمسدس.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:53 PM
بَابُ صَلاةِ الْجُمُعَةِ
تَلْزَمُ كُلَّ ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ اسمُهُ وَاحِدٌ وَلَوْ تَفَرَّقَ، أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَمَنْ صَلَّى الظّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحّ، وَتَصِحُّ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْأَفْضَلُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ.
_________________________________
قوله: «تلزم»صلاة الجمعة «كل ذكر»فخرج به الأنثى والخنثى، فلا تلزمهم صلاة الجمعة.
قوله: «حر»فلا تلزم العبد؛ أي المملوك ولو كان أحمر أو قبيليًّا.
قوله: «مكلف»أي جَمَعَ وصْفَيِ البلوغ والعقل.
قوله: «مسلم»فالكافر لا تجب عليه الجمعة، بل ولا تصح منه.
قوله: «مستوطن»فالمسافر لا جمعة عليه؛ بحيث يكون المستوطن مستوطنًا «ببناء» أي بوطن مبني، سواء بُنِي بالحجر أو المدر أو الإسمنت أو بغيرها، وهو يحترز بذلك مما لو كانوا أهل خيام كأهل البادية، فإنه لا جمعة عليهم.
قوله: «اسمه واحد ولو تفرق»أي: أن يكون مستوطنًا ببناء، اسم هذا البناء واحد ولو تباعد وتفرق أحياء بينها مزارع، مثل: مكة، المدينة، عنيزة.
قوله: «ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ» هذا الشرط السادس، أي: ليس بين الإنسان وبين المسجد أكثر من فرسخ؛ فعلى هذا لا يلزم الشخص الذي يكون بينه وبين البلد أكثر من فرسخ جمعة، هذا إذا كان خارج البلد، أما إذا كان البلد واحدًا فإنه يلزمه، ولو كان بينه وبين المسجد فراسخ؛ فإن كان بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ قالوا فإنها تلزمه بغيره، أي: إن أقيمت الجمعة وهو في البلد لزمته، وإلا فلا.
قوله: «ولا تجب»الجمعة «على مسافر سفر قصر»أي: سفرًا يحل فيه القصر، لكن تجب عليه بغيره كما سبق، ولو أن رجلًا سافر إلى بلد يبلغ المسافة، ولكن سفره محرم فلا تسقط عنه الجمعة؛ لأن السفر سفر قصر، وكذا لو دخل بلدًا ليقيم فيه خمسة أيام ثم يسافر، فتلزمه الجمعة بغيره.
قوله: «ومن حضرها منهم» أي المسافر سفر قصر والعبيد والنساء من حضر الجمعة منهم، وصلى مع الإمام «أجزأته ولم تنعقد به»([1])، أي: لم تنعقد بواحد من هؤلاء، ومعنى: لا تنعقد به؛ أي: لا يحسب من العدد المعتبر.
والصحيح في العبد والمسافر أنها تنعقد بهما، ويصح أن يكونوا أئمة فيها وخطباء أيضًا([2]).
قوله: «ولم يصح أن يؤم فيها» أما المرأة فلا شك أنه لا يصح أن تؤم فيها، وأما العبد ففي الجمعة لا يصح؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
قوله: «سقطت عنه»، أي: الجمعة قوله: «لعذر»كمرض.
قوله: «وجبت عليه وانعقدت به» أي: تلزمه بنفسه، وتنعقد به.
قوله: «ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح» أي: من صلى الظهر وهو ممن يلزمه الحضور، فإن صلاته لا تصح.
وقال: «ممن عليه حضور الجمعة» ولم يقل: ممن تجب عليه الجمعة من أجل أن يكون كلامه شاملًا للذي تجب عليه بنفسه -وهو: الذي يصح أن يكون إمامًا فيها وتنعقد به- والذي تجب عليه بغيره -وهو: الذي لا تنعقد به ولا يصح أن يكون إمامًا فيها.
مثال ذلك: مسافر حَلّ بلدًا تقام فيه الجمعة، وأذن لصلاة الجمعة، فهذا عليه الحضور، وليست واجبة عليه بنفسه، بل بغيره، فإذا صلى هذا المسافر قبل صلاة الإمام فإن صلاته لا تصح؛ لأنه فعل ما لم يؤمر به، وترك ما أمر به، فهو مأمور أن يحضر الجمعة وقد صلى ظهرًا.
قوله: «وتصح ممن لا تجب عليه» أي: لو صلى إنسان لا تلزمه الجمعة؛ كمريض مرضًا تسقط به عنه الجمعة قبل صلاة الإمام الظهر فتصح؛ لأنه لا تلزمه الجمعة.
قوله: «والأفضل حتى يصلي الإمام» أي: أن الأفضل أن يؤخر صلاة الظهر حتى يصلي الإمام، وعلى هذا نقول للنساء: الأفضل في يوم الجمعة ألا تصلين الظهر حتى يصلي الإمام، أما الظهر فالأفضل أن تصليه في أول الوقت ولو قبل صلاة الإمام.
قوله: «ولا يجوز»السفر «لمن تلزمه»الجمعة؛ إذا كان «السفر في يومها بعد الزوال»سواء كانت تلزمه بنفسه أو بغيره، وذلك أنه بعد الزوال دخل الوقت بالاتفاق، أما السفر قبل الزوال يوم الجمعة فجائز،لكن مع الكراهة، ويُستثنى من تحريم السفر ما إذا خاف فوات الرفقة، ومثله خوف إقلاع الطائرة.
_________________________________
([1]) قال ابن المنذر: «أجمعوا أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن» من حاشية أبي بطين (1/192).
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/310)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/369-370)
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 05:54 PM
يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الْإِمَامِ. أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظّهْرِ، فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَإِلّا فَجُمُعَةً. الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا بِقرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ، وَتَصِحُّ فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا اسْتَأنَفُوا ظُهْرًا، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا إِذا كَانَ نَوَى الظّهْرَ.
_________________________________
قوله: «ليس منها إذن الإمام»وهو صاحب أعلى سلطة في البلد.
قوله: «أحدها الوقت» فلا تصح قبله ولا بعده([1])«وأوله أول وقت صلاة العيد» وسيأتي، ورجح الموفق في المغني أنها لا تصح قبل السادسة ولا في أول النهار، كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي([2])، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقًا لأكثر العلماء،«وآخره آخر وقت صلاة الظهر» وقد سبق.
قوله: «فإن خرج وقتها»أي الجمعة«قبل»أن يدركوا «التحريمة»أي تكبيرة الإحرام في الوقت «صلوا ظهرًا»،وإن أحرموا بها في الوقت «فجمعة»، والصحيح أن الإدراك لا يكون إلا بركعة([3]).
قوله: «الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها» وتقدم بيانهم، وأقرب الأقوال إلى الصواب أنها تنعقد بثلاثة وتجب عليهم([4]).
قوله: «الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين» أي: متخذيها وطنًا، سواء كانت وطنهم الأول أو وطنهم الثاني؛ فإن كانوا في خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم.
والقرية في اللغة العربية تشمل المدينة والمصر، سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
قوله: «وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء» أي: أن أهل القرية لو أقاموا الجمعة خارج البلد في مكان قريب، فإنها تصح، فلا يُشْترط أن تكون في نفس البلد، بشرط أن يكون الموضع قريبًا، أما ما كان بعيدًا لا تصح فيه الجمعة.
قوله: «فإن نقصوا»عن العدد«قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا»أي: بطلت صلاتهم، ووجب عليهم أن يستأنفوا ظهرًا؛ كما إذا دخلوا في الجمعة على أنهم أربعون ثم أحدث أحدهم وخرج فيستأنفون ظهرًا؛ لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان الوقت متسعًا لإعادتها جمعة.
والقول الراجح أنهم إن نقصوا بعد أن أتموا الركعة الأولى أتموا جمعة، فإذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعة، وإن نقصوا في الركعة الأولى، استأنفوا ظهرًا، وهذا اختيار الموفق([5]).
قوله: «ومن أدرك مع الإمام»أي إمام الجمعة «منها ركعة» تامة بسجدتيها([6])«أتمها جمعة»، أما إذا «أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرًا» أي: بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية، فهنا لم يدرك شيئًا، فيتمها ظهرًا.
قوله: «إذا كان نوى الظهر» أي: يشترط أن ينوي الظهر ودخول وقت الظهر؛ لأن فيه احتمالًا أن تُصَلّى الجمعة قبل الزوال، فإذا صُلِّيَتْ قبل الزوال وأدرك منها أقل من ركعة فإنه لا يتمها جمعة، بل يتمها نفلًا، ثم إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر.
فإن لم ينو الظهر بأن دخل مع الإمام بنية الجمعة؛ لأنه يظن أن هذه هي الركعة الأولى، وذلك بأن جاء والإمام قد قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الثانية، فظن أنها الركعة الأولى، ثم تبين أنها الركعة الأخيرة، فعلى كلام المؤلف يتمها نفلًا؛ لأنه لم ينو الظهر، والصحيح أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لا يدرك ركعة فلْيَنْوِهَا ظهرًا بعد سلام الإمام ([7]).
_________________________________
([1]) ولذا لم يقل: (دخول الوقت) لئلا يوهم صحتها بعد الدخول، سواء كانت في الوقت أو بعده. ابن قائد على المنتهى (1/351).
([2]) انظر: المغني لابن قدامة (2/104).
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (2/26).
([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/312)، وما اختاره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/378).
([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/313)، وما رجحه المصنف هو احتمال ذكره في الإنصاف (2/380)، وقال: «واختاره المصنف».
([6]) قال الشيخ منصور البهوتي في حاشية الإقناع (1/297-298): «وتظهر فائدته فيما إذا زحم عن السجود؛ قاله في المبدع، لكن جزم المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما فيما يأتي فيما إذا زحم ونحوه بعد أن أحرم مع الإمام حتى فاتته الأولى وركوع الثانية وسجد جهلًا لنفسه أنه تصح له ركعة ويتمها جمعة مع أنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها».
([7]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/314)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/380).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:06 PM
وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ. مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُضُورُ الْعَدَدِ المُشْتَرَطِ، وَلَا يُشْرَطُ لهُمَا الطَّهَارَةُ، وَلَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ.
_________________________________
قوله: «ويشترط تقدم خطبتين» والخطبة بالضم: خطبة الوعظ، وما أشبه ذلك، فإن لم يتقدمها خطبتان،لم تصح، وإذا لم يتقدمها شيء من الخطبة، أو تقدمها خطبة واحدة فلا تصح، ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة فلا تصح([1]).
قوله: «من شروط صحتهما»؛أي الخطبتين «حمد الله» بأن يحمد الله بلفظ: الحمد لله في كل خطبة، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أو في آخرها، والأفضل أن يكون في الأول، ومن شروط صحتهما كذلك «الصلاة على رسوله محمد r» في كل خطبة، ويتعين لفظ الصلاة، كما يشترط «قراءة آية»كاملة في كل خطبة، ولكن يشترط في الآية أن تستقل بمعنى، فلو قرأ {مُدْهَامَّتَانِ}فلا تجزئ، ويشترط لصحتهما أيضًا «الوصية بتقوى الله عز وجل في كل خطبة» بأن يوصي الخطيب المستمعين بتقوى الله، سواء قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، أو قال: يا أيها الناس اتقوا الله؛ فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها، بأن قال: يا أيها الناس افعلوا أوامر الله، واتركوا نواهي الله فيصح، كما يشترط في الخطبتين«حضور العدد المشترط»، والصحيح أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب كما مر بنا؛ فإذا قلنا يُشترط حضور ثلاثة لإقامتها صار لابد من حضور الثلاثة هنا أيضًا([2]).
قوله: «ولا يشترط لهما الطهارة» أي: لو خطب وهو محدث فالخطبة صحيحة؛ لأنها ذكر، وليست صلاة، ولا يشترط أيضًا «أن يتولاهما»أي الخطبتين «من يتولى الصلاة» فلو خطب رجل وصلى آخر فهما صحيحتان، والصلاة صحيحة.
_________________________________
([1]) في بحث ابن قندس أن الجمعة في الأصل أربع قامت الخطبتان مقام ركعتين منها؛ لأنها ظهر مقصورة، ولهذا يصلي من فاتته أربعًا. من حاشية أبي بطين (1/196).
([2]) سبق أن الثلاثة اختيار الشيخ.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:07 PM
وَمِنْ سُنَنِهِمَا: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وَيُسَلِّمَ عَلَى الَمأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ، وَيَخْطُبَ قَائِمًا، وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَيَقْصُدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَيُقْصِرَ الخُطْبَةَ وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ.
_________________________________
قوله: «ومن سننهما أن يخطب على منبر»أي على شيء مرتفع «أو موضع عال» ولو كومة من التراب، من أجل أن يبرز أمام الناس، كما يُسَنّ أن «يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم» أي: إذا صعد المنبر يتجه إلى المأمومين، ويسلم عليهم، «ثم يجلس إلى فراغ الأذان ويجلس بين الخطبتين»؛لأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز بينهما؛ إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام، كما يسن أن «يخطب قائمًا ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا».
قوله: «ويقصد تلقاء وجهه» أي: يستقبل تلقاء وجهه، فلا يتجه لليمين أو لليسار، بل يكون أمام الناس، والظاهر ألا يلتفت الخطيب يمينًا ويسارًا، بل يقصد تلقاء وجهه ومن أراده التفت إليه.
قوله: «يقصر الخطبة» أي: يجعلها قصيرة، وينبغي أيضًا في الخطبة أن «ويدعو للمسلمين» الرعية والرعاة؛ لأن في ذلك الوقت ساعة تُرْجَى الإجابة، والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:09 PM
فَصْل
وَالجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ، يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا فِي الْأولَى بِالجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالمُنَافِقِينَ، وَتَحْرُمُ إِقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْبَلَدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، فَإِنْ فَعَلُوا فَالصَّحِيحَةُ مَا بَاشرَهَا الْإِمَامُ، أَوْ أَذِنَ فِيهَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِذْنٍ أَوْ عَدَمِهِ، فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى بَطَلَتَا، وَأَقَلّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ.
_________________________________
قوله: «والجمعة ركعتان» إجماعًا «يسن أن يقرأ جهرًا»؛فلو قرأ سرًّا لصحت الصلاة، لكن الأفضل الجهر، ويقرأ «في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين».
قوله: «وتحرم إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة»كما إذا ضاق المسجد عن أهله ولم يمكن توسيعه، أو إذا تباعدت أقطار البلد وصار الناس يشق عليهم الحضور.
قوله: «فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام» أي: أعلى سلطة في الدولة أي ما صلى فيها، سواء كان هو الإمام، أو كان مأمومًا ولو تأخرت.
قوله: «أو أذن فيها» أي: إن لم يباشرها، وهذه المسألة ليست مبنية على ما سبق في قول المؤلف:«لا يشترط لها إذن الإمام»؛ لأن إذن الإمام هناك لا يشترط في إقامة الجمعة الواحدة، أما في التعدد فلابد من إذن الإمام.
قوله: «فإن استويا»أي الجمعتان «في إذن أو عدمه» بأن يكون الإمام قد أذن فيهما جميعًا، أو لم يأذن فيهما جميعًا «فالثانية باطلة».
قوله: «وإن وقعتا معًا» بطلتا معًا، وكذا إن«جهلت الأولى بطلتا» أي: صلوا ولا يُدرى أيهم الذي تقدم بتكبيرة الإحرام.
قوله: «وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ولا سنة لها قبلها» أي: راتبة فيصلي ما شاء بغير قصد عدد.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:10 PM
وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لهَا فِي يَوْمِهَا –وَتَقَدَّمَ- وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِيًا، وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ، وَيَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا، وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَتَخَطّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، أَوْ إِلَى فُرْجَةٍ، وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ.
وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلَاةُ، وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ قَرِيبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا. وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إِلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ يُكَلِّمُهُ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا.
_________________________________
قوله: «ويسن أن يغتسل لها في يومها» أي من طلوع الفجر، والصحيح أن الاغتسال واجب ([1]).
قوله: «ويتنظف» أي: ويسن أن يتنظف «ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إليها» أي: إلى الجمعة «ماشيًا» ولكن لو كان منـزله بعيدًا، أو كان ضعيفًا أو مريضًا واحتاج إلى الركوب فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.
قوله: «ويدنو من الإمام» مستقبل القبلة «ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء»رجاء ساعة الإجابة «ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتخطى رقاب الناس»؛ لأنه مكروه «إلا أن يكون إمامًا» فإن كان إمامًا فلا بأس أن يتخطى، ولا بأس أن يتخطى «إلى فرجة» أي: مكان متسع في الصفوف المقدمة.
قوله: «وحرم أن يقيم غيره»من المكان الذي جلس فيه «فيجلس مكانه إلا» شخصًا «قدم صاحبًا له في موضع يحفظه له» مثل: أن يقول لشخص ما: يا فلان أنا عندي شغل، ولا ينتهي إلا عند مجيء الإمام، فاذهب واجلس في مكان لي في الصف الأول، فإذا فعل وجلس في الصف الأول فله أن يقيمه؛ لأن هذا الذي أقيم وكيل له ونائب عنه([2]).
قوله: «وحرم»أي صار حرامًا «رفع مصلى» أي ما يصلي عليه مثل السجادة«مفروش»أي بمكان، وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد، فجاء الناس لا يجوز أن ترفع هذا المصلى.
وقوله: «ما لم تحضر الصلاة»أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه.
فإذا حجز الإنسان المكان، ثم «قام من موضعه لعارض لحقه»كاحتياجه للوضوء «ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به»فإن تأخر طويلًا فلغيره أن يجلس فيه.
قوله: «ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس» أي: بمكانه «حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما» فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل.
قوله: «ولا يجوز والإمام يخطب إلا له»أي للإمام «أو لمن يكلمه لمصلحة» والمصلحة قيد للمسألتين جميعًا، فلا يجوز للإمام أو لمن يكلمه أن يتكلم كلامًا بلا مصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه؛ كاختلال صوت مكبر الصوت وهو يتكلم؛ وإذا كان لحاجة فيجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل.
قوله: «ويجوز»الكلام «قبل الخطبة وبعدها» ولو بعد حضور الخطيب، ولو بعد الأذان ما دام لم يشرع في الخطبة، ويجوز كذلك بعد انتهاء الخطبة، وسواء كان ذلك بعد انتهاء الخطبة الأولى أو بعد انتهاء الخطبة الثانية.
_________________________________
([1]) المذهب أنه سنة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/320)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/407) قال: «وعنه: يجب على من تلزمه الجمعة، اختاره أبو بكر، وهو من المفردات، لكن لا يشترط لصحة الصلاة اتفاقًا، وأوجبه الشيخ تقي الدين على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس، وهو من المفردات أيضًا».
([2]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/204): «وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال في الشرح: لأن النائب يقوم باختياره، لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله أبو المعالي، وكره إيثاره غيره بمكانه الفاضل لا قبوله، وليس لغير المؤثر سبقه».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:11 PM
بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ
وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا تَرَكَهَا أَهْلُ بَلَدٍ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى، وَآخِرُهُ الزَّوَالُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلّا بَعْدَهُ صَلَّوْا مِنَ الْغَدِ، وَتُسَنُّ فِي صَحْرَاءَ، وَتَقَدِيمُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَعَكْسُهُ الْفِطْرُ، وَأَكْلُهُ قَبْلَهَا وَعَكْسُهُ فِي الْأَضْحَى إِنْ ضَحَّى، وَتُكْرَهُ فِي الجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُسَنُّ تَبْكِيرُ مَأمُومٍ إِلَيْهَا مَاشِيًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَتَأَخُّرُ إِمَامٍ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، إِلّا المُعْتَكِفَ فَفِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَمِنْ شَرْطِهَا اسْتِيطَانٌ، وَعَدَدُ الجُمُعَةِ، لَا إِذْنَ إِمَامٍ.
_________________________________
العيدان هما عيد الأضحى وعيد الفطر، وصلاة العيد «فرض كفاية» إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، و«إذا تركها أهل بلد»وعلم الإمام أنهم تركوها ودعاهم إلى فعلها، ولكنهم أصروا على الترك«قاتلهم الإمام» حتى يُصَلوا([1] (http://alrawdhatulnadiyah.eb2a.com/#_ftn1))، والمقاتلة غير القتل، فهي أوسع، فليس كل من جازت مقاتلته جاز قتله.
قوله: «ووقتها كصلاة الضحى» ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح،«وآخره الزوال» أي: زوال الشمس.
قوله: «فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده»أي بعد الزوال «صلوا من الغد» قضاء في وقت صلاة العيد.
قوله: «وتسن»إقامتها «في صحراء» خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس، كما يسن «تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر» أي: تأخير صلاة الفطر.
قوله: «وأكله»أي الإنسان «قبلها»أي قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر، «وعكسه في الأضحى إن ضحى» أي: يترك الأكل في الأضحى إن ضحى؛ فالأفضل في عيد الأضحى أن يتأخر حتى يضحي؛ فإن لم يكن لديه أضحية فإنه لا يشرع له الإمساك عن الأكل قبل الصلاة.
قوله: «وتكره في الجامع»أي جامع البلد «بلا عذر» إلا بمكة؛ فإن صلوا في الجامع لعذر كمطر وريح شديدة وخوف فلا كراهة.
قوله: «ويسن تبكير مأموم إليها»أي إلى صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، إذا كان المسجد قريبًا، كما لو كانت البلدة صغيرة والصحراء قريبة([2] (http://alrawdhatulnadiyah.eb2a.com/#_ftn2))؛ ويأتيها«ماشيًا بعد الصبح» أي: بعد صلاة الصبح، فلا يخرج بعد الفجر، كما يسن «تأخر إمام إلى وقت الصلاة»، ويسن أن يخرج الإمام والمأموم «على أحسن هيئة» في لباسه وفي هيئته، كأن: يحف الشارب، ويقلم الأظفار، ويلبس أحسن ثيابه.
قوله: «إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه» أي: يستحب أن يخرج المعتكف في ثياب اعتكافه، ولو كانت غير نظيفة؛ لأن هذه الثياب أثر عبادة.
قوله: «ومن شرطها استيطان» أي: من شرط صلاة العيد([3] (http://alrawdhatulnadiyah.eb2a.com/#_ftn3)) أن تقام في جماعة مستوطنين، فخرج بذلك المسافرون والمقيمون؛ فلو فرضنا أن جماعة تبلغ مائتين في بلد غير إسلامي، وكانوا قد أقاموا للدراسة لا للاستيطان، وصادفهم العيد فإنهم لا يقيمون صلاة العيد؛ لأنهم ليسوا مستوطنين.
قوله: «وعدد الجمعة» أي: ومن شرطها أيضًا عدد الجمعة، والقول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة فهذا يبنى على ذاك ([4] (http://alrawdhatulnadiyah.eb2a.com/#_ftn4)).
قوله: «لا إذن إمام» أي: لا يشترط إذن الإمام لصلاة العيد.
_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/ 494): كالأذان، فيقاتلون على تركها، وذلك مع استكمال شروطها فيهم، وقال عثمان: من الأصحاب من عبر هنا وفي باب الأذان بالاتفاق، وبعضهم بالترك، والظاهر أنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يحذف من الجملتين ما يدل على الأخرى، فالتقدير: إذا حصل اتفاق وترك، قاتلهم الإمام، أما الاتفاق وحده، فهو عزم على الترك، لا ترك حقيقة، وكذا الترك بلا اتفاق، يكون جهلًا أو كسلًا أو تهاونًا، فلا يقاتلون عليه ابتداء، بل يؤمرون أولًا، فإن امتثلوا وإلا قوتلوا لاجتماع الأمرين إذًا، أعني الترك والاتفاق اهـ. وكره أن ينصرف من حضر مصلى العيد ويتركها، كتفويتها من غير عذر، ويحرم على القول بوجوبها عينًا وإن لم يتم العدد إلا به وجب.
([2]) قال أحمد: يكبر جهرًا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى. من حاشية أبي بطين (1/207).
([3]) قال منصور: لعل المراد من شرط الصلاة التي يسقط بها فرض الكفاية؛ بدليل أن المنفرد تصح صلاته بعد صلاة الإمام وبعد الوقت، وقال ابن نصر الله: المراد شرط وجوب صلاة العيد لا شرط صحتها. من حاشية أبي بطين (1/207).
([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/326)، وسبق اختيار الشيخ في العدد المشترط للجمعة.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:12 PM
وَيُسَنُّ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالقِرَاءَةِ سِتًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسًا، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِـ(سَبِّح) وَبـ(الْغَاشِيَةِ) فِي الثَّانِيَةِ.
_________________________________
قوله: «ويسن»للمصلي إذا خرج من طريق «أن يرجع من طريق آخر».
قوله: «ويصليها ركعتين قبل الخطبة» فلو قدم الخطبة لم يعتد بها، وكيفيتها أن «يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستًّا»،أي: يكبر تكبيرة الإحرام ثم يستفتح، ثم ست تكبيرات «الله أكبر»، ثم يستعيذ ويقرأ، فالاستفتاح إذًا مقدم على التكبير الزائد، ويكبر «في الثانية قبل القراءة خمسًا» ليست منها تكبيرة القيام، «يرفع يديه مع كل تكبيرة([1]) ويقول:» بين كل تكبيرة وأخرى«الله أكبر كبيرًا …».
قوله: «ثم يقرأ جهرًا»،أي: الفاتحة وما بعدها من السور.
_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي (2/ 506): (2) نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء؛ أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وداود وابن المنذر وغيرهم، ورواية عن مالك، وروي عن عمر، وقياسًا على الصلاة قاله الشافعي وغيره، وروى الأثرم عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، في الجنازة وفي العيد، ولم يعرف له مخالف من الصحابة.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:12 PM
فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيِ الجُمُعَةِ، يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ. يَحُثّهُمْ فِي الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهمْ مَا يُخْرِجُونَ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِيَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا. وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالذِّكْرُ بَيْنَهَا.
_________________________________
قوله: «فإذا سلم خطب»الإمام أو غيره كالجمعة «خطبتين كخطبتي الجمعة» وخطبتا العيد لا يجب الحضور إليهما، بل للإنسان أن ينصرف، ولكن إذا بقي يجب عليه أن لا يكلم أحدًا، وهذا ما يشير إليه قول المؤلف:«كخطبتي الجمعة».
قوله: «يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع»قائمًا نسقًا «يحثهم» أي: يحث الخطيب الناس«على الصدقة» أي: صدقة الفطر «ويبين لهم ما يخرجون»ويبين لهم الحكم، فيبين لهم النوعية من أنها تخرج من الطعام، ويبين لهم الكمية: صاع بالصاع النبوي.
قوله: «ويرغبهم» أي: يحثهم على الأضحية، ويبين لهم فضلها وأجرها وثوابها «ويبين لهم حكمها» أي: أنها سنة مؤكدة على المذهب، وكذلك يبين لهم ما يضحي به وهو ثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم؛ فإن ضحى بظبي أو بفرس لم يجزئه، ويبين لهم أيضًا مقدار السن مما يضحَّى به.
قوله: «والتكبيرات الزوائد» الزوائد أي: عن الواجبة في الصلاة، «والذكر بينها»وقد سبق.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:13 PM
وَالخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، وَيُكْرَهُ التَنَفُّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ أَوْ بَعْضَهَا قَضَاؤُهَا عَلَى صِفَتِهَا، وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، وَفِي فِطْرٍ آكَدُ، وَفِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالمُقَيَّدُ عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلِلْمُحْرِمِ مِنْ صَلَاةِ الظّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ نَسِيَهُ قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ، وَصِفَتُهُ شَفْعًا: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أكبرُ، لَا إلَهَ إِلّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ».
_________________________________
قوله: «والخطبتان»أي خطبتي العيد «سنة»ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي e لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن([1]).
قوله: «ويكره التنفل»أي بالصلاة «قبل الصلاة وبعدها في موضعها»،أما في بيته فلا كراهة، والصواب أن الصلاة غير مكروهة في مصلى العيد لا قبل الصلاة ولا بعدها([2]).
قوله: «ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها»أي: يكبر في الأولى ستّا بعد تكبيرة الإحرام والثانية خمسًا كما يصلي الإمام.
قوله: «ويسنّ» لجميع الناس رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل وقت صباحًا ومساءً، عند الصلاة أو قبلها أو بعدها؛ فيسن لهم «التكبير المطلق»وهو الذي لا يتقيد بشيء، وذلك «في ليلتي العيدين»والتكبير في عيد «فطر آكد» من التكبير في عيد الأضحى، والتكبير في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، ويُسَن التكبير المطلق كذلك «في كل عشر ذي الحجة» وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة، إلى آخر اليوم التاسع، وسُمِّيت عشرًا، وهي تسع من باب التغليب.
أما التكبير «المقيد»وهو الذي يتقيد بأدبار الصلاة؛ فهو «عقب كل فريضة في جماعة» فلو صلاها منفردًا فلا يسن له التكبير المقيد، ولو صلى نافلة لم يشرع له التكبير المقيد، وكذا النساء في بيوتهن ليس لهن تكبير مقيد؛ لأنهن غالبًا لا يصلين جماعة.
وابتداء التكبير «من صلاة الفجر يوم عرفة -وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر- إلى عصر آخر أيام التشريق»فيكبر في ثلاث وعشرين صلاة.
وعلى ذلك فالتكبير المطلق في عيد الفطر وفي عيد الأضحى في عشر ذي الحجة إلى أن ينتهي الإمام من خطبته، ويجتمع المقيد والمطلق من فجر يوم عرفة إلى صلاة العيد يوم النحر، والمقيد: من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق([3]).
قوله: «وإن نسيه»أي نسي التكبير المقيد بعد الصلاة «قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد» أو يطول الفصل.
قوله: «ولا يسن»التكبير المقيد «عقب صلاة عيد»فلو صلى العيد فلا يكبر؛ لأنه إذا سلم الإمام من صلاة العيد قام إلى الخطبة وتفرغ الناس للاستماع والإنصات، ولا يكبرون.
قوله: «وصفته»أي التكبير «شفعًا : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» أي: الله أكبر مرتين، والثانية مرتين، وتختم الأولى بالإخلاص، والثانية بالحمد.
_________________________________
([1]) المذهب أنهما خطبتان، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327)
([2]) المذهب الكراهة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327)، وقال في الإنصاف (2/432): «وقيل: يصلي تحية المسجد، واختاره أبو الفرج، وجزم به في الغنية، قال في الفروع: وهو أظهر، ورجحه في النكت، ونصه: لا يصليها، وقال: تجوز التحية قبل صلاة العيد لا بعدها، وهو احتمال لابن الجوزي، قال في تجريد العناية: الأظهر عندي: يأتي بتحية المسجد قبلها».
([3]) قال في حاشية أبي بطين (1/211) عن التكبير: «ولا تأتي به المرأة إذا صلت في جماعة ولا تجهر به مطلقًا».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:14 PM
بَابُ صَلاةِ الْكُسُوفِ
تُسَنُّ جَمَاعَةً وَفُرَادَى إِذَا كُسِفَ أَحَدُ النَّيِّرَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأ فِي الْأولَى جَهْرًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُسَمِّعُ، وَيُحَمِّدُ، ثُمَّ يَقْرَأ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطيلُ وَهُوَ دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأولَى، لَكِنْ دُونَهَا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ، أَوْ كَانَتْ آيَةٌ غَيْرَ الزَّلْزَلَةِ. وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ جَازَ.
_________________________________
الكسوف والخسوف بمعنى واحد، يقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف، وقال بعضهم: الكسوف للشمس والخسوف للقمر، ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت لكل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد.
والكسوف: انحجاب ضوء أحد النيرين؛ أي: الشمس أو القمر بسبب غير معتاد.
قوله: «تسن جماعة وفرادى» أي ليست فرض عين ولا فرض كفاية، ولو تركها الناس لم يأثموا، والقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب([1]).
والجماعة ليست شرطًا لها، بل يسن للناس في البيوت أن يصلوها.
وقوله: «إذا كسف أحد النيرين» ووقتها من ابتدائه إلى التجلي؛ فيصلي «ركعتين يقرأ في الأولى جهرًا» سواء في الليل أو في النهار «بعد الفاتحة سورة طويلة» من غير تعيين «ثم يركع طويلًا»من غير تقدير، المهم أن يكون طويلًا، «ثم يرفع» رأسه من الركوع «ويُسَمِّع» أي: يقول: سمع الله لمن حمده، «ويحمد» أي: يقول: ربنا ولك الحمد بعد أن يعتدل كسائر الصلوات، «ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع» فيطيل، وهو دون الأول،«ثم يرفع» أي: يسمع ويحمد ولا يطيل، «ثم يسجد سجدتين طويلتين» أي: بقدر الركوع ولا يطيل الجلوس بينهما، «ثم يصلي الثانية كالأولى، لكن دونها في كل ما يفعل» أي: من القراءة والركوع والقيام بعده والسجود، «ثم يتشهد ويسلم» أي: كغيرها من الصلوات.
وظاهر كلامه: أنه لا يشرع لها خطبة؛ لأنه لم يذكرها([2])، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح أنها يسن لها خطبة واحدة.
قوله: «فإن تجلى الكسوف» أي: كسوف الشمس أو القمر «أتمَّهَا خفيفة» حتى لو كانت خفة الركعة الثانية بالنسبة للأولى بعيدة جدًّا، وإذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضي.
قوله: «وإن غابت الشمس كاسفة» فإنه لا يصلي، والصحيح في المسألة أنه يصلي بعد العصر؛ أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي([3]).
وإذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلي الكسوف، بناء على أنها سنة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي، وهذا هو المذهب.
قوله: «أو طلعت والقمر خاسف» بأن يكون القمر في الغرب نصف الشهر، والشمس في الشرق، فربما يكسف بعدما تطلع الشمس، وهذا شيء وقع؛ فإذا وقع لا يصلي؛ لأنه ذهب سلطانه؛ فإن سلطان القمر الليل، كما لو غابت الشمس وهي كاسفة، والصحيح أنها تُصَلَّى إذا لم يمنع ضوء القمر إلا الكسوف، أما إن كان النهار قد انتشر ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس، فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به، سواء كان كاسفًا أو مبدرًا([4]).
قوله: «أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل» إذا وجدت آية تخويف؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والحمم، وغير ذلك، فإنه لا يصلي صلاة الكسوف إلا الزلزلة، فإنه إذا زلزلت الأرض فإنهم يصلون صلاة الكسوف حتى تتوقف.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لو وجدت صواعق عظيمة متتابعة فإن الناس لا شك سيخافون، وفي هذا الحال يفزعون إلى ربهم عز وجل بالصلاة، وهو اختيار له قوة عظيمة([5]).
قوله: «وإن أتى» المصلي«في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز»؛ لأنه ورد، وما بعد الركوع الأول سنة وليس ركنًا، وبناء على ذلك لو صلاها كما تصلى صلاة النافلة في كل ركعة ركوع فلا بأس.
ولا تدرك الركعة بالركوع الثاني، وإنما تدرك بالركوع الأول، فلو دخل مسبوق مع الإمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها.
_________________________________
([1]) المذهب الاستحباب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/331).
([2]) وكذا في شرح منتهى الإرادات (1/331-332).
([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/332)، قال في الإنصاف (2/446): «وإن تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل بلا خلاف أعلمه».
([4]) قال في الإنصاف (2/446): «إذا طلع الفجر، والقمر خاسف لم يمنع من الصلاة إذا قلنا: إنها تفعل في وقت نهي، اختاره المجد».
([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/333)، قال في الإنصاف (2/449) بعدما ذكر المذهب: «وعنه: يصلى لكل آية، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:15 PM
بَابُ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ
إِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَقَحَطَ المَطَرُ، صَلَّوْهَا جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ، وَإِذَا أَرَادَ الْإمَامُ الخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمعَاصِي، والخُرُوجِ مِنَ المَظَالِم وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ، وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ وَيَتَنَظَّفُ وَلَا يَتَطَيَّبُ، وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا، مُتَذَلِّلًا، مُتَضَرِّعًا، وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَالشُّيُوخُ، والصِّبْيَانُ المُمَيَّزُونَ، وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مُنْفَرِدِينَ عَنِ المُسْلِمِينَ لَا بِيَوَمٍ لَمْ يُمْنَعُوا.
_________________________________
الاستسقاء: هو استسقاء الرب عز وجل لا استسقاء المخلوق، وسبب صلاة الاستسقاء «إذا أجدبت الأرض» أي: خلت من النبات«وقحط المطر» أي: امتنع، ولم ينـزل؛ فإنهم يُصَلّونَهَا «جماعة وفرادى» والأفضل أن تكون جماعة.
قوله: «وصفتها في موضعها وأحكامها كعيد»فَتُسَنُّ في الصحراء([1])، ويكبر في الأولى بعد التحريمة والاستفتاح ستًّا، وفي الثانية خمسًا، ويقرأ بسبح والغاشية، ولكنها تخالف العيد في أنها سنة، والعيد فرض كفاية.
قوله: «وإذا أراد الإمام الخروج لها» أي لصلاة الاستسقاء «وعظ الناس» الموعظة هي: التذكير المقرون بترغيب أو تخويف؛ فيرغبهم في فعل الواجبات، ويحذرهم من انتهاك الحرمات.
قوله: «وأمرهم بالتوبة من المعاصي» التوبة: الرجوع إلى الله - عز وجل - من معصيته إلى طاعته، ويأمرهم كذلك بـ«الخروج من المظالم وترك التشاحن» فيما بينهم وهي: الشحناء والعداوة، والبغضاء، ويأمرهم «بالصيام والصدقة» المستحبة، «ويعدهم يومًا يخرجون فيه» أي: يقول: سنخرج في اليوم الفلاني، ويحسن أيضًا أن يعين الزمن من هذا اليوم؛ ليتأهبوا على وجه ليس فيه ضرر عليهم.
قوله: «ويتنظف» بإزالة ما ينبغي إزالته شرعًا؛ كالأظفار والعانة والإبط، وما ينبغي إزالته طبعًا؛ كالعرق والروائح الكريهة «ولا يتطيب».
قوله: «ويخرج متواضعًا»أي بقوله وهيئته وقلبه «متخشعًا» بسكون الأطراف، وأن يكون على وقار وهيبة، «متذللًا»من الذل وهو الهوان، بمعنى: أن يضع من نفسه، وهو قريب من التواضع لكنه أشد، «متضرعًا» التضرع يعني الاستكانة، أو شدة الإنابة إلى الله عز وجل.
قوله: «ومعه أهل الدين والصلاح» من باب عطف المترادفين؛ لأن كل صاحب دين فهو صاحب صلاح، ومعه أيضًا «الشيوخ» أي: الكبار الذين أمضوا أعمارهم في الدين والصلاح؛ لأنهم أقرب إلى الإجابة، ومعه «الصبيان المميزون»؛ لأنه لا ذنوب لهم.
قوله: «وإن خرج أهل الذمة» طالبين الاستسقاء بأنفسهم «منفردين عن المسلمين لا بيوم»أي منفردين بالمكان لا باليوم«لم يمنعوا».
_________________________________
([1]) أي: فتسن صلاة الاستسقاء قبل الخطبة في الصحراء القريبة عرفًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، بلا نزاع، ولأبي داود عن عائشة: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر فوُضِعَ له في المصلّى، ولأن الناس يكثرون، فكان المصلى أرفق بهم، ولأنه أبلغ في الافتقار والتواضع. من حاشية ابن قاسم النجدي (2/541).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:16 PM
فَيْصَلِّي بِهِمْ، ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ، وَقِرَاءَةَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ، وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَدْعُوَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّe، وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا... إِلَى آخِرِهِ. وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ شَكَرُوا اللهَ، وَسَأَلُوهُ المَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَيُنَادَى لهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا إِذْنُ الْإِمَامِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ المَطَرِ، وَإِخْرَاجُ رَحْلِهِ وَثِيَابِهِ لِيُصِيبَهُمَا المَطَرُ، وَإِذَا زَادَتِ الْمِيَاهُ وَخِيفَ مِنْهَا سُنَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا لَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ، وَالْآكَامِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الآيَة.
_________________________________
قوله: «فيصلي بهم»أي الإمام «ثم يخطب واحدة» بعد الصلاة كالعيد، ولكن العيد يَخْطب له خطبتين.
قوله: «يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار» أي طلب المغفرة «وقراءة الآيات التي فيها الأمر به»؛ أي: مثل قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] «ويرفع» الإمام -وكذلك المستمعون يرفعون أيديهم-«يديه فيدعو بدعاء النبي r».
قوله:«ومنه: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا»اللهم اسقنا: بهمزة الوصل من سقا يسقي، وبهمزة القطع من أسقى يسقي، وكلاهما صحيح، والغيث: المطر، ومغيثًا؛أي: مزيلًا للشدة.
قوله: «إلى آخره» يعني آخر الدعاء، وهو «هنيئًا مريئًا غدقًا مجللًا عامًّا سحًّا طبقًا دائمًا، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين».
قوله: «وإن سقوا»أي سقى الله الناس بأن أنزل عليهم المطر «قبل خروجهم شكروا الله» ولا حاجة للخروج.
قوله: «وسألوه المزيد من فضله» أي: سألوا الله أن يزيدهم من فضله.
قوله: «وينادى»لصلاة الاستسقاء إذا حان وقتها: «الصلاة جامعة»الصلاة جامعة، وهذا خلاف السنة فيكون بدعة، وإلحاق ذلك بصلاة الكسوف غير صحيح أيضًا؛ لأن صلاة الكسوف تأتي على غير تأهُّبٍ بغتة، والناس يتأَهَّبُون لها -لصلاة الاستسقاء-([1])، والمذهب: أنه ينادى للكسوف والعيد والاستسقاء.
قوله: «وليس من شرطها»أي من شرط إقامتها «إذن الإمام» بذلك، بل إذا قحط المطر وأجدبت الأرض خرج الناس وصلوا، ولو صلى كل بلد وحده لم يخرجوا عن السنة.
قوله: «ويسن أن يقف» قائمًا «في أول المطر» أي أول ما ينـزل المطر، ويُسَنّ كذلك «إخراج رحله» أي متاعه من بيته أو خيمته «وثيابه ليصيبهما المطر».
قوله: «وإذا زادت المياه»أي الأمطار «وخيف منها سن أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا»، ومثل ذلك لو زادت مياه الأنهار على وجه يُخشى منه، فإنه يُسَنُّ أن يقول هذا الذكر: اللهم حوالينا ولا علينا.
قوله: «اللهم على الظراب» هي الأماكن المرتفعة من الأرض، لكن ليس ارتفاعًا شاهقًا «والآكام»الجبال الصغيرة،«وبطون الأودية»؛أي: داخل الأودية، أي: الشعاب، «ومنابت الشجر» هذا عام يعم كل أرض تكون منبتًا للشجر.
قوله: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، أي: لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق([2]).
_________________________________
([1]) المذهب أنه ينادى لها، كما في شرح منتهى الإرادات (1/132)، وقال في الإنصاف (2/459) بعد ذكر المذهب: «وقيل: لا ينادى لها».
([2]) تتمة: إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده... إلخ، ولا يتبع بصره البرق لأنه منهي عنه، وإذا رأى سحبًا أو هبت ريح سأل الله من خيره وتعوَّذ من شره، ولا سأل سائل ولا تعوذ متعوذ بمثل المعوذتين، ولا يسب الريح إذا عصفت، ويقول إذا انْقَضَّ كوكب: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وإذا سمع نهيق حمار أو نبح كلب استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا سمع صياح الديكة سأل الله من فضله، وورد في الأثر أن قوس قزح أمان لأهل الأرض من الغرق، وقال ابن حامد في أصوله: هو من آيات الله تعالى، قال: ودعوى العامة: إن غلبت حمرته كانت الفتن والوباء وإن غلبت خضرته كان الرخاء والسرور هذيان، والله أعلم. من حاشية أبي بطين (1/219-220).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:17 PM
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
تُسَنُّ عِيَادَةُ المَرِيضِ، وَتَذْكِيرُهُ التَوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ، وَإِذَا نُزِلَ بِهِ سُنَّ تَعَاهُدُ بَلِّ حَلْقِهِ بِمَاٍء أَوْ شَرَابٍ، وَيُنْدِّي شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ، وَتَلْقِينُهُ: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ مَرَّةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ إِلّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ فَيُعِيدَ تَلْقِينَه بِرِفْقٍ، وَيَقْرَأ عِنْدَهُ (يَس)، وَيُوَجِّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِذَا مَاتَ سُنَّ تَغْمِيضُهُ، وَشَدُّ لِحْيَيْهِ، وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ، وَخَلْعُ ثِيَابِهِ، وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ، وَوَضْعُ حَدِيدَةٍ عَلَى بَطْنِهِ، وَوَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ مُتَوَجِّهًا، مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ، وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، وَإِنْفَاذُ وَصِيَّتِهِ، وَيَجِبُ الْإِسْرَاعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ.
_________________________________
قوله: «تسن عيادة المريض» ولم يقل زيارة؛ لأن الزيارة للصحيح، والعيادة للمريض([1])، ويسن كذلك «تذكيره التوبة» من المعاصي والمظالم «والوصية».
قوله: «وإذا نزل به» الملك لقبض روحه؛ أي ملك الموت([2])«سُن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب» كالعصير، ولكن ليس بالماء الكثير، وذلك من أجل أن يسهل عليه النطق بالشهادة، وكذلك «يندي شفتيه بقطنة»؛ لأن الشفة يابسة، والحلق يابس يحتاج إلى تندية، ويُسَنُّ«تلقينه: لا إله إلا الله مرة» أي: تعليمه إياها، كما يلقن التلميذ؛ فإن كان المريض قويًّا يتحمل، أو كان كافرًا فإنه يؤمر؛ فيقال: قل: لا إله إلا الله، وإن كان مسلمًا ضعيفًا فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر.
قوله: «ولم يزد على ثلاث» أي: لم يلقنه أكثر من ثلاث«إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفق»،نظرًا لوجود الفاصل،«ويقرأ عنده»أي يقرأ القارئ عند المحتضر{يس} جهرًا؛ ولكن إذا كان يخشى على المريض من الانزعاج فلا يرفع صوته بها، وكذا يسن أن «يوجهه إلى القبلة» أي: من حضر الميت يجعل وجهه نحو القبلة.
قوله: «فإذا مات» أي: إذا تحققنا موته«سن تغميضه وشد لحييه» أي: ربطهما، واللحيان: هما العظمان اللذان هما منبت الأسنان، فليشدهما بحبل أو بخيط، ويسن كذلك «تليين مفاصله» أي: أن يحاول تليينها، والمراد مفاصل اليدين والرجلين، وذلك بأن يرد الذراع إلى العضد، ثم العضد إلى الجنب، ثم يردهما، وكذلك مفاصل الرجلين: بأن يرد الساق إلى الفخذ، ثم الفخذ إلى البطن، ثم يردهما قبل أن يبرد.
قوله: «وخلع ثيابه» برفق «وستره بثوب» يكون شاملًا للبدن كله «ووضع حديدة»أو نحوها من الأشياء الثقيلة([3])«على بطنه، ووضعه على سرير غسله» أي: أن يبادر في رفعه عن الأرض؛ لئلا تأتيه الهوام؛ ويضعه بحيث يكون «متوجِّهًا» إلى القبلة «منحدرًا نحو رجليه» أي: يكون رأسه أعلى من رجليه.
وقوله: «وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة» فإن مات فجأة فإنه لا يسن الإسراع بتجهيزه لاحتمال أن تكون غشية لا موتًا، وهذا الذي ذكره العلماء قبل أن يتقدم الطب، أما الآن فإنه يمكن أن يحكم عليه أنه مات بسرعة؛ لأن لديهم وسائل قوية تدل على موت المريض.
قوله: «وإنفاذ وصيته» أي: وإسراع إنفاذ وصيته، أما إنفاذ وصيته فهو واجب، لكن إسراع الإنفاذ مستحَب.
قوله: «ويجب الإسراع في قضاء دينه» أي دين الميت، سواء كان هذا الدين لله كالزكاة والكفارة والنذر، أو للآدمي كالقرض وثمن المبيع والأجرة؛ فيجب الإسراع بها بحسب الإمكان، فتأخيرها حرام.
وليعلم أن التداوي مباح على المذهب،ولكن ترك التداوي أفضل ([4]).
_________________________________
([1]) قال في حاشية أبي بطين (1/221): «قال الشيخ: الذي يقتضيه وجوب عيادة المريض؛ فيقال: هو واجب على الكفاية»، وقال في الإنصاف (2/462): «نص الإمام أحمد أن المبتدع لا يعاد، وقال في النوادر: تحْرم عيادته، وعنه لا يعاد الداعية فقط، واعتبر الشيخ تقي الدين المصلحة في ذلك».
([2]) وأيس من حياته، وظهر عليه علامات الموت، وخروج الروح، والروح هنا في النفس الناطقة المستعدة للبيان وفهم الخطاب، ولا تفنى بفناء الجسد. من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 16).
([3]) كمرآة وسيف وسكين ونحوها، كقطع طين على بطنه، فوق ثوبه المسجَّى به، وهو مستلق على ظهره، وقال ابن عقيل وغيره: هذا لا يتصور إلا وهو على ظهره، فيجعل تحت رأسه شيء عال، ليحصل مستقبلًا بوجهه القبلة، وقدموا الحديد؛ لأنه أبلغ في دفع النفخ. من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 22).
([4]) يكره ترك الميت ليلًا يبيت وحده، قاله الآجرِّي. من حاشية أبي بطين (1/223).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:19 PM
فَصْل
غُسْلُ الَميِّتِ وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاُة عَليْهِ، وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِهِ وَصِيُّهُ، ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَباتِهِ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ، وَأنْثَى وَصِيَّتُهَا، ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْ نِسَائِهَا، وَلِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صَاحِبِهِ، وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ سُرِّيَّتِهِ، وَلِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ غَسْلُ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَقَطْ، وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوْ عَكْسُهُ، يُمِّمَتْ كَخُنْثَى مُشْكِلٍ، وَيَحْرُمُ أَنْ يَغْسِلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا أَوْ يَدْفِنَهُ، بَلْ يُوَارَى لِعَدَمٍ.
_________________________________
«غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية»فإن احتاج ذلك إلى مال فيؤخذ أولًا من تركة الميت، ثم على من تلزمه نفقته، فإن لم يمكن فعلى عموم المسلمين؛ لأنه فرض كفاية.
ولو تنازع الناس فيمن يغسل الميت فإن «أولى الناس بغسله وصيه» أي: الذي أوصى أن يغسله، وعلم منه أنه يجوز للميت أن يوصي ألا يغسله إلا فلان.
قوله: «ثم أبوه ثم جده»أي من قبل الأب «ثم الأقرب فالأقرب من عصابته» أي الأبناء وإن نزلوا، فالإخوة وإن نزلوا، فالأعمام وإن نزلوا، ثم الولاء. هنا قدَّمُوا ولاية الأصول على الفروع، وفي باب الميراث قدموا الفروع على الأصول، وفي ولاية النكاح قدموا الأصول على الفروع.
قوله: «ثم ذوو أرحامه» أي: أصحاب الرحم وهم: كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة.
قوله: «وأنثى وصيتها» أي الأولى بغسل الأنثى، كما قلنا فيما سبق بالنسبة للرجل.
قوله: «ثم القربى فالقربى من نسائها» وعلى هذا، فالأولى بتغسيل المرأة إذا ماتت: وصيتها، ثم أمها وإن علت، ثم ابنتها وإن نزلت، ثم أختها من أب أو أم أو الشقيقة، ثم عماتها فخالاتها إلى آخره.
قوله: «ولكل من الزوجين غسل صاحبه» أي تغسيله([1])«وكذا سيد مع سُرِّيَّتِهِ» أي أمته، ولو لم تكن سُريته، فلو قدر أنها مملوكة، لكن لم يتسرها أي: لم يجامعها، ثم مات فلها أن تغسله، وله أن يغسلها.
قوله: «ولرجل وامرأة غسل من له سبع سنين فقط» أي: من ذكر أو أنثى.
قوله: «وإن مات رجل»له سبع سنين فأكثر «بين نسوة»ليس فيهن زوجة له أو أمة؛ فإنهن لا يغسلنه، «أو عكسه» أي: ماتت امرأة بين رجال فإنهم لا يغسلونها؛ إلا أن يكون أحد الرجال سيدًا أو زوجًا([2]).
قوله: «يمِّمت كخنثى مشكل» أفادنا المؤلف بقوله «يُمِّمَت» أنه متى تعذر غسل الميت كالصورتين السابقتين أو لعدم الماء أو لكونه محترقًا، فإنه يُيَمَّم، وييمم بأن يضرب رجل أو امرأة التراب بيديه ويمسح بهما وجه الميت وكفيه.
قوله: «ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا أو يدفنه، بل يوارى»أي يُغَطّى بالتراب، سواء حفرنا له حفرة ورمسناه بها رمسًا، أو ألقيناه على ظهر الأرض وردمنا عليه ترابًا؛ لكن الأول أحسن، وكذا يمكن أن يوارى بقعر بئر أو نحوها.
وقوله: «لعدم» أي: لعدم من يواريه، فإن وجد من يقوم بهذا من أقاربه وُكِلَ الأمر إليهم.
_________________________________
([1]) فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة، وكان الطلاق بائنًا فهي كالأجنبية؛ لأنها محرمة عليه، وإن كانت رجعية، وقلنا: إن الرجعية مباحة له فله غسلها، وإلا فلا. انظر: الكافي (1/248)، ط. المكتب الإسلامي.
([2]) لكن إذا ماتت المرأة مع رجال فيهم صبي لا شهوة له علموه الغسل وباشر، نص عليه، وكذلك الرجل يموت مع النسوة فيهن صغيرة تطيق الغسل. من حاشية أبي بطين (1/225).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:20 PM
وَإِذَا أَخَذَ فِي غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ، وَجَرَّدَهُ، وَسَتَرَهُ عَنِ الْعُيُونِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ مُعِينٍ فِي غُسْلِهِ حُضُورُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ، وَيُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ، وَلَا يَحِلّ مَسُّ عَوْرَةِ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ.
_________________________________
كيفية تغسيل الميت:
قوله: «وإذا أخذ في غسله» أي في تغسيله«ستر عورته» وجوبًا، وهي بالنسبة للرجل والمرأة ما بين السرَّة والركبة.
قوله: «وجرده» أي: جرده من ثيابه فيستر عورته أولًا، ويلف عليها لفافة، ثم يجرده من ثيابه.
ويستحب «ستره عن العيون» أي: ينبغي أن يغسله في مكان لا يراه الناس، إما في حجرة أو في خيمة، وما أشبه ذلك.
قوله: «ويُكره لغير معين في غسله حضوره»أي: يكره أن يحضره شخص إلا من اجتمع إليه لمعونته، ولو كان أباه أو ابنه؛ لأنه لا حاجة إليه.
قوله: «ثم» بعد أن يجرده ويستر عورته «يرفع رأسه إلى قرب جلوسه» أي: رفعًا بينًا «ويعصر بطنه برفق» لأجل أن يخرج منه ما كان متهيّئًا للخروج«ويكثر صب الماء حينئذ» أي: حين يعصر البطن لأجل إزالة ما يخرج من بطنه حينئذ، «ثم يلف على يده خرقة» إذا كان هناك قفازًا، كما هو متوفر الآن، فإنه يلبس قفازين«فينجيه» فيغسل فرجه مما خرج منه، ومما كان قد خرج قبل وفاته، ولكنه لم يستنج منه فينجيه بها.
قوله: «ولايحل مس عورة من له سبع سنين» أي: يجب أن يضع هذه الخرقة إذا كان الميت له سبع سنين فأكثر، فأما إذا كان دون ذلك فله أن ينجيه مباشرة؛ لأن ما دون سبع سنين عند الفقهاء ليس لعورته حكم، بل عورته مثل يده، ولهذا يجوز النظر إليها، ولا يحرم مسها.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:21 PM
وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَمَسَّ سَائِرَهُ إِلَّا بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ نَدْبًا، وَلَا يُدْخِلُ المَاءَ فيِ فِيهِ، وَلَا فيِ أَنْفِهِ، وَيُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفيِ مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا، وَلَا يُدْخِلُهُمَا المَاءَ. ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ وَيُسَمِّي، وَيَغْسِلُ بِرَغْوَةِ السِّدْرِ رَأسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأيْمَنَ، ثُمَّ الْأيْسَرَ، ثُمَّ كُلّهُ ثَلَاثًا، يُمِرُّ فيِ كُلّ مَرَّةٍ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُنَقِّ بِثَلَاثٍ زِيدَ حَتَّى يُنَقَّى، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ.
_________________________________
قوله: «ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة» هذه غير الخرقة الأولى، فالأولى واجبة إذا كان له سبع سنين فأكثر؛ وهذه خرقة ثانية جديدة غير الأولى يضعها على يده؛ لأجل أن يكون ذلك أنقى للميت.
قوله: «ثم يوضئه ندبًا» كوضوئه للصلاة، «ولا يدخل الماء في فيه»بدلًا عن المضمضة «ولا في أنفه» بدلًا عن الاستنشاق.
قوله: «ويدخل إصبعيه» أي: ملفوفًا عليهما خرقة، وهي الخرقة التي كان يمس بشرته بها، فيدخل إصبعيه «مبلولتين بالماء بين شفتيه»في فمه «فيمسح أسنانه»، ويكون ذلك برفق، وكذلك يدخلهما «في منخريه فينظفهما» برفق أيضًا وهذا يقوم مقام المضمضة والاستنشاق.
قوله: «ولا يدخلهما الماء»؛ لأنه لو أدخل فمه الماء نزل إلى بطنه فيحرك ما كان ساكنًا.
قوله: «ثم ينوي غسله» ثم للترتيب «ويسمي» أي: يقول بسم الله، ولابد أن يعد الغاسل سدرًا يدقه ويضعه في إناء فيه ماء، ثم يضربه بيديه حتى يكون له رغوة؛ فإنه«يغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط»وأما التفل الباقي فإنه يغسل به سائر الجسد.
قوله: «ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم كله ثلاثًا، يمر في كل مرة يده على بطنه» من أجل أن يخرج ما كان متهيئًا للخروج، وعلى هذا فإنه يعصر بطنه أربع مرات، المرة الأولى التي قبل الاستنجاء عندما يرفع رأسه إلى قرب الجلوس، وثلاث مرات عند غسله.
قوله: «فإن لم ينق» الغاسلُ الميتَ «بثلاث زيد حتى ينقى ولو جاوز السبع» أي: زاد عليها، وتعداها.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:21 PM
وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأخِيرَةِ كَافُورًا، وَالمَاءُ الحَارُّ وَالْأُشْنَانُ وَالخِلَالُ يُسْتَعْمَلُ إِذَا احْتِيجَ إِلِيْهِ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ، وَلَا يُسَرِّحُ شَعَرَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ بِثَوْبٍ، وَيُضَفِّرُ شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيَسْدِلُ وَرَاءَهَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ سَبْعٍ حُشِيَ بِقُطْنٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَبِطِينٍ حُرٍّ، ثُمَّ يُغْسَلُ الْمحَلُّ وَيُوَضَّأُ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَكْفِينِهِ لَمْ يُعِدِ الْغُسْلَ.
_________________________________
«ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا» والكافور: طيب معروف أبيض يشبه الشب يُدَقّ، ويجعل في الإناء الذي يغسل به آخر غسلة([1]).
والأفضل أن نغسل الميت بماء بارد، وإذا احتجنا إلى «الماء الحار»فإننا نستعمله،ولكن ليس الحار الشديد الحرارة الذي يؤثر على الجلد برخاوة بالغة، وكذا لو احتجنا «الأشنان»،وسبق بيانه في باب إزالة النجاسة، ومثله الصابون، ولكن ليس مع ليفة، وكذا لو احتجنا «الخلال» لتنظيف أسنانه فإنه «يستعمل».
قوله: «ثم ينشف بثوب»أي: بعد أن يغسل يستحب أن ينشف؛ لأنه إذا بقي رطبًا عند التكفين أثّر ذلك في الكفن.
قوله: «ويضفر شعرها ثلاثة قرون» أي: يجعل شعر المرأة ضفائر ثلاثًا«ويسدل وراءها».
قوله: «وإن خرج منه»أي من الميت«شيء» من بول أو غائط أو دم أو نحوه «بعد سبع حشي بقطن» أي سد بالقطن من أجل أن يتوقف.
قوله: «فإن لم يستمسك فبطين حر» أي: ليس مخلوطًا بالرمل؛ أي: بطين قوي؛ لأنه يسد الخارج.
قوله: «ثم يغسل المحل» أي: الذي أصابه ما خرج، ثم «يوضأ».
قوله: «وإن خرج» شيء «بعد تكفينه لم يعد الغسل»؛ لأن في ذلك مشقة.
_________________________________
([1]) بأن يضعه في الماء، بحيث لا يتغير الماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «واجعلن في الغسلة الأخيرة كافورًا» متفق عليه، وهو قول العلماء كافة، وحكي عن أبي حنيفة خلاف في استحبابه، والحديث حجة عليه، وفي حديث أم سليم: «فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها فاجعلي ماء فيه شيء من كافور، وشيء من سدر، ثم أفرغيه عليها، وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها». من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 45).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:22 PM
وَمُحْرِمٌ مَيِّتٌ كَحَيٍّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُقَرَّبُ طِيبًا، وَلَا يُلْبَسُ ذَكَرٌ مَخِيطًا، وَلَا يُغَطّى رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ أنْثَى، وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٌ ظُلْمًا، إِلّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، وَيُدْفَنُ فيِ ثِيَابِهِ بَعْدَ نَزْعِ السِّلَاحِ وَالجُلُودِ عَنْهُ، وَإِنْ سُلِبَهَا كُفِّنَ بِغَيْرِهَا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَالسِّقْطُ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّي عَلَيْهِ، وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ، وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا.
_________________________________
قوله: «ومحرم ميت كحي» أي: في أحكامه؛ فإنه «يغسل بماءٍ وسدر» ولا يقرّب طيبًا للخبر، «ولا يلبس ذكرٌ مخيطًا» كقميص أو سراويل أو عمامة أو غيرها مما يحرم على الحي، «ولا يغطى رأسه» بل يبقى مكشوفًا، «ولا» يغطى «وجه أنثى» لو ماتت محرمة، ومحل اجتناب هذه الأشياء قبل التحلل الأول؛ لأن المحرم بعد التحلل الأول لا يحرم عليه إلا النساء فقط، وعلى هذا يُصْنَع به كما يصنع بالمتحلل تحللًا أولًا.
قوله: «ولا يغسل»أي يكره غسل «شهيد» المعركة الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وكذا «مقتول ظلمًا»؛ لأن المقتول ظلمًا شهيد، «إلا أن يكون جنبًا» أي الشهيد والمقتول ظلمًا، «ويدفن» الشهيد «في ثيابه» التي قتل فيها «بعد نزع السلاح والجلود عنه» إذا كان معه جلود مثل: سير ربط به إزاره أو رداءه أو معه سلاح قد حمله.
قوله: «وإن سُلبها»أي الثياب بأن يأخذها منه العدو «كفن بغيرها» وجوبًا؛ لأنه لابد من التكفين للميت([1]).
قوله: «ولا يصلى عليه» أي: لا يصلي عليه أحد من الناس لا الإمام ولا غير الإمام.
قوله: «وإن سقط» المقاتل «من دابته» غُسِّلَ وصُلِّي عليه؛ بشرط أن يكون بغير فعل العدو، فإن سقط عن دابته بفعل العدو، فالعدو قتله ويكون شهيدًا لا يغسل كما سبق.
وكذا يغسل ويكفن ويصلى عليه إن «وجد ميتًا ولا أثر به» من جراحة ولا خنق ولا ضرب، أما لو وجد به أثر فإنه يحكم بالظاهر، وهو أن الذي فعل به ذلك العدو، وعلى هذا يكون شهيدًا.
وكذا إن «حُمل»من أرض المعركة «فأكل» ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويُصَلّى عليه، ولو علمنا أنه مات متأثرًا بجراحة؛ ومثل الأكل والشرب والنوم والبول والتكلم.
وكذا لو «طال بقاؤه عُرفًا» أي: ليس مقدرًا بزمان شرعًا؛ بل إذا طال بقاؤه، وعرف أنه ليس في سياق الموت فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.
قوله: «والسِّقط» أي الحمل إذا سقط من بطن أمه «إذا بلغ أربعة أشهر» من بدء الحمل؛ أي إذا تم له أربعة أشهر، وليس المعنى إذا دخل الشهر الرابع«غسل وصليَ عليه» أي: وكفن ودفن.
قوله: «ومن تعذر غسله» لعدم الماء أو لتمزق أو احتراق جسد الميت«يمم» وكيفية التيميم: أن يضرب الحي يديه على الأرض ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه.
قوله: «وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا» أي: على غاسل الميت ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنًا من الناحية الجسدية أو المعنوية؛ كإظلام وجهه؛ فإن كان وجهه مسفرًا أو كان متبسمًا فهذا لا يستره.
_________________________________
([1]) الشهيد غير شهيد المعركة بضعة عشر: المطعون، والمبطون، والغريق، والشريق، والحريق، وصاحب الهدم، وذات الجنب، والمجنون، والنفساء، واللديغ، ومن قتل دون ماله أو دمه أو أهله أو دينه أو مظلمته، وفريس سبع، ومن خر من دابته، ومن أغربها: موت الغريب، وأغرب منه: العاشق إذا عف وكتم، زاد في الإقناع: صاحب اللقوة، والسل، والصابر في الطاعون، والمتردي من رءوس الجبال، ومن مات في سبيل الله، ومن طلب الشهادة بنية صادقة، وموت المرابط، وأمناء الله في أرضه. انظر: الإقناع مع شرحه كشاف القناع (2/101).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:22 PM
فَصْل
يَجِبُ تَكْفِينُهُ فيِ مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى دَيْنٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِلّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، تُجَمَّرُ، ثُمَّ تُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَيُجْعَلُ الحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهَا، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ مِنْهُ فيِ قُطْنٍ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَيُشَدُّ فَوْقَهَا خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرْفِ كَالتُّبانِ تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمثَانَتَهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ، وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وَإنْ طُيِّبَ كُلّهُ فَحَسَنٌ، ثُمّ يُرَدُّ طَرْفُ اللِّفَافَةِ العُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُرَدُّ طَرْفُهَا الْآخَرُ مِنْ فَوْقِهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ، وَيُجْعَلُ أَكْثَرُ الْفَاضِلِ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَعْقِدُهَا، وَتُحَلّ فِي الْقَبْرِ، وَإِنْ كُفِّنَ فيِ قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ جَازَ، وَتُكَفَّنُ المَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ، وَلِفَافَتَيْنِ، وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ.
_________________________________
قوله: «يجب تكفينه» الكفن: ما يُكَفّن به الميت من ثياب أو غيرها، وحكمه فرض كفاية.
قوله: «في ماله» أي: في مال الميت «مقدمًا على دين»والدين: هو كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع أو أجرة بيت أو دكان أو قرض أو صداق أو عوض خلع.
قوله: «وغيره» أي: كالوصية والإرث.
قوله: «إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته» أي: لو ماتت امرأة، ولم نجد وراءها شيئًا تكفن منه، وزوجها موسر، فإنه لا يلزمه أن يكفنها، والراجح أنه يلزمه إذا كان موسرًا([1]).
قوله: «ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض» الاستحباب هنا ليس منصبًّا على أصل التكفين؛ لأن أصل التكفين فرض كفاية، لكنه منصب على كون الكفن ثلاث لفائف، وكونها بيضًا.
قوله: «تجمر» أي: تبخّر «ثم تبسط بعضها فوق بعض» أي: تمد الأولى على الأرض، ثم الثانية، ثم الثالثة «ويجعل الحنوط فيما بينها»الحنوط: أخلاط من الطيب تُصْنَع للأموات، «ثم يوضع عليها» أي على اللفائف «مستلقيًا، ويجعل منه»أي من الحنوط ما بين الأكفان الثلاثة، ويجعل من الحنوط أيضًا «في قطن بين أليتيه»حتى إذا خرج شيء من دُبُرِهِ يبعد الحنوط رائحته الكريهة.
قوله: «ويشد فوقها»أي فوق الحنوط الذي يوضع في القطن«خرقة مشقوقة الطرف كالتبان»والتبان هو: السروال القصير الذي ليس له أكمام؛ وذلك بحيث «تجمع» الخرقة المشقوقة «أليتيه ومثانته».
قوله: «ويجعل الباقي»من الحنوط «على منافذ وجهه» وهي العينان والمنخران والشفتان، وعلى «مواضع سجوده، وإن طيب»الميت «كله فحسن».
قوله: «ثم يرد طرف اللفافة العليا» وهي التي تلي الميت «على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه ثم الثانية والثالثة كذلك»أي ثم نرد طرفها من الجانب الأيسر على اللفافة التي جاءت من قبل اليمين نفعل بالأولى هكذا، ثم نفعل بالثانية، كذلك ثم بالثالثة كذلك.
وإنما قال المؤلف هذا؛ لئلا يظن الظان أننا نرد طرف اللفائف الثلاث مرة واحدة، بمعنى أن نجمع الثلاث ونردها على الجانب الأيمن، ثم نرد الثلاث على الجانب الأيسر، فأولًا أكمل رد اللفافة الأولى، فترد الطرف الذي يلي يمين الميت، ثم الطرف الذي يلي يساره، ثم الثانية، ثم الثالثة على نفس الطريقة.
وإذا كان الكفن طويلًا «يجعل أكثر الفاضل على رأسه» أي: يرده على الرأس، وإذا كان يتحمل الرأس والرجلين فلا حرج، ويكون هذا أيضًا أثبت للكفن.
قوله: «ثم يعقدها» أي: يعقد اللفائف، «وتحل في القبر» ولو فرض أنه نُسي أن تحل، ثم ذكروا عن قرب، فإن الميت ينبش من أجل أن تحل هذه العقد.
قوله: «وإن كُفِّنَ في قميص ومئزر ولفافة جاز» والقميص: هو الذي نلبسه، أي: الدرع ذو أكمام، والمئزر: ما يؤتزر به ويكون في أسفل البدن، واللفافة: عامة؛ أي: إذا كفن في هذه فلا بأس.
قوله: «وتكفن المرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين»الإزار: ما يؤتزر به، ويكون في أسفل البدن، والخمار: ما يُغَطّى به الرأس، والقميص: الدرع ذو الأكمام واللفافتان: يعمان جميع الجسد.
قوله: «والواجب» في الكفن «ثوب»واحد «يستر جميعه» أي جميع الميت، وهذا يدل على أنه لابد أن يكون هذا الثوب صفيقًا بحيث لا تُرَى من ورائه البشرة، فإن رُئِيَت من ورائه البشرة فإنه لا يكفي.
_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/353)، وقال في الإنصاف (2/510): «وقيل: يلزمه، وحكي رواية»؛ فكأن الشيخ توسط بين القولين بإلزامه الموسر فقط.
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:23 PM
فَصْل
السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الَإِمَامُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ وَسَطِهَا، وَيُكَبِّرَ أَرْبَعًا، يَقْرَأُ فيِ الْأُولَى بَعْدَ التَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيِ الثَّانِيَةِ كَالتَّشَهُّدِ، وَيَدَعُو فيِ الثَّالِثَة، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالَماءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الَجنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنَ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَفْسِحْ لَهُ فيِ قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ.
_________________________________
الصلاة على الميت فرض كفاية، وتسقط بمكلف، أي: لو صلى عليه مكلف واحد ذكرٌ أو أنثى فإن الفرض يسقط.
وكيفيتها: «أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها»([1])،والصحيح أنه يقف عند رأس الرجل لا عند صدره([2]).
قوله: «ويكبر أربعًا»وكلها أركان؛ لأنها بمنزلة الركعات؛ فكل تكبيرة عن ركعة، و«يقرأ في» التكبيرة «الأولى بعد التعوذ الفاتحة» وعلم من كلامه: أنه لا استفتاح فيها، والفاتحة في صلاة الجنازة ركن.
قوله: «ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في»التكبيرة «الثانية كالتشهد»،وإن اقتصر على قول: «اللهم صلّ على محمد» كفى، كما يكفي ذلك في التشهد.
قوله: «ويدعو في»التكبيرة «الثالثة» بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء دعا جاز، إلا أنه يخص الميت بالدعاء.
قوله: «لحينا وميتنا» أي: لحينا نحن المسلمين، وميتنا كذلك.
قوله: «إنك تعلم منقلبنا ومثوانا» أي: دعوناك بهذا الدعاء؛ لأننا نعلم أنك تعلم منقلبنا، أي: ما ننقلب إليه، ومثوانا أي: ما نصير إليه.
قوله: «اللهم اغفر له وارحمه»أي: بحصول المطلوب؛ وهذا الدعاء الخاص، وبدأ بالدعاء العام؛ لأنه أشمل، أما الخاص فهو خاص بالميت، «وعافه واعف عنه» أي: عافه مما قد يصيبه من السوء؛ كعذاب القبر مثلًا، وتجاوز عنه ما فرط فيه من الواجب في حال حياته، «وأكْرِمْ نُزُلَهُ»وهو الإكرام الذي يقدم للضيف، «وأوسع مدخله» أي القبر،«واغسله بالماء والثلج والبرد»والمراد بالغسل هنا: غسل آثار الذنوب، «ونقه من الذنوب والخطايا» أي الصغائر والكبائر «كما يُنَقّى الثّوْبُ الأبيض من الدنس» أي: نَقّه نقاء كاملًا، كما يُنَقّى الثوب الأبيض من الدنس،«وأبدله دارًا خيرًا من داره»الدار الأولى دار الدنيا، والثانية دار البرزخ، وهناك دار ثالثة وهي دار الآخرة، وأبدله كذلك «زوجًا خيرًا من زوجه([3])، وأدخله الجنة، وأَعِذْهُ من عذاب القبر»، وإدخال الجنة لا يغني عن سؤالِ أَنْ يُعِيذَهُ الله من عذاب القبر وعذاب النار؛ فإن الإنسان قد يدخل الجنة بعد أن يعذب في القبر.
وقوله: «اللهم اغفر له» إن كان الميت مفردًا مذكرًا، وإن كان اثنين تقول: اللهم اغفر لهما، وإن كانوا جماعة تقول: اللهم اغفر لهم، وإن كن جماعة إناث: اللهم اغفر لهن، وإن كانوا من الذكور والإناث، فيغلب جانب الذكورية، فتقول اللهم اغفر لهم.
قوله: «وأفسح له في قبره» أي: وسِّعْ له؛ لأن الفسحة السعة، «ونوِّرْ له فيه» أي: اجعل له فيه نورًا.
_________________________________
([1]) والخنثى بين ذلك؛ أي بين الصدر والوسط، لاستواء الاحتمالين فيه، والسنة وضع رأسه مما يلي يمين الإمام، كما هو المعروف. انظر: الروض المربع وحاشية ابن قاسم النجدي (3/80).
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/359)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/516).
([3]) ينبغي ألا يقال لمن لا زوجة له، كما يفهم من كلام ابن نصر الله، قال في الإقناع: ولا يقول أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها في ظاهر كلامهم. انظر: الإقناع مع شرحه كشاف القناع (2/115)، حاشية أبي بطين (1/234).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:24 PM
وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قَالَ:اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المؤْمِنينَ، وَاجَعَلْهُ فيِ كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذَابِ الجَحِيمِ.
وَيقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا، وَيُسَلّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلّ تَكْبِيرَةٍ، وَوَاجِبَاتُهَا: قِيَامٌ، وَتَكْبِيرَاتٌ أَرْبَعٌ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَدَعْوةٌ لِلْمَيِّتِ،وَالسَّلَامُ، وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرَاتِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلّى عَلَى الْقَبْرِ، وَعَلَى غَائِبٍ بِالنِّيَّةِ إلَى شَهْرٍ، وَلَا يُصَلّي الإِمَامُ عَلَى الْغَالّ، وَلَا عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ، وَلَا بَأسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فيِ المَسْجِدِ.
_________________________________
قوله: «وإن كان صغيرًا قال …» لم يثبت هذا الدعاء بهذه الصيغة للصغير، ولكنه ورد أنه يصلي عليه، ويُدْعَى له، أو يدعى لوالديه. ولكن العلماء استحسنوا هذا الدعاء.
قوله: «اللهم اجعله ذخرًا لوالديه»أي: مذخورًا لوالديه يرجعان إليه عند الحاجة، «وفرطًا» الفرط: السابق السالف، وهو فرطهما إذا كانا قد ماتا قبله في الآخرة يتقدمهما؛ ليكون لهما أجرًا.
قوله: «أجرًا» أي: يجعل لهما أجرًا، «شفيعًا»أي شافعًا «مجابًا»؛ لأن الشفيع قد يُجَابُ وقد لا يجاب.
وقوله: «اللهُمَّ ثَقّل به موازينهما»، أي: موازين الأعمال، «وأعظم به أجورهما» أي: اجعل أجورهما عظيمة، «وألحقه بصالح سلف المؤمنين» أي: بصغار المؤمنين الذين سلفوا، «واجعله في كفالة إبراهيم»وذلك أن الصغار من الولدان يكونون في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
قوله: «وقه» أي: اجعله سالمًا من عذاب الجحيم «برحمتك» من باب التوسل بصفة الله عز وجل «عذاب الجحيم»، ولا يستغفر للصغير.
قوله: «ويقف بعد الرابعة قليلًا» ليتميز التكبير من السلام أو من أجل أن تترادَّ إليه نفسه؛ أي تتراجع إليه وتعود، ولا يدعو.
قوله: «ويسَلّم واحدة عن يمينه» وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس، لكن عن اليمين أفضل، والمذهب وظاهر كلام المؤلف: أنه لا يُسَنُّ الزيادة على تسليمة واحدة، وهو المذهب لكنه يجوز.
قوله: «ويرفع يديه مع كل تكبيرة» على صفة ما يرفعهما في صلاة الفريضة.
قوله: «وواجباتها» أي: ما يجب فيها: «قيام» أي: واجب إذا كانت فريضة، وعلى هذا فإذا أعيدت صلاة الجنازة مرة ثانية كان القيام في المرة الثانية سنة، وليس بواجب؛ لأن الصلاة المعادة ليست فريضة، ويجب فيها أيضًا: «تكبيرات أربع» أي: أركان؛ لأن كل تكبيرة منها كالركعة، «والفاتحة» ويتحملها الإمام عن المأموم، «والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» وهو ركن على المشهور من المذهب، «ودعوة للميت والسلام» أي: ركن، لكنه يكفي فيه تسليمة واحدة([1]).
قوله: «ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته» أي على صفة ما فاته ما لم يخش رفعها؛ أي: إذا خشي الرفع تابع التكبير وسلم.
قوله: «ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر» أي: يصلي على القبر إن كانت دفنت.
قوله: «وعلى غائب»عن البلد ولو دون المسافة، أما من في البلد فلا يشرع أن يصلى عليه صلاة الغائب، بل المشروع أن يخرج إلى قبره ليُصَلى عليه، وتكون الصلاة على الغائب «بالنية»؛ لأن الغائب ليس بين يديه حتى ينوي على شيء مشاهد، ولكن بالنية إلى شهر.
قوله: «ولا يصلي الإمام»أي رئيس الدولة «على الغال» وهو من كتم شيئًا مما غنمه في الجهاد، ولا يصلي «على قاتل نفسه» بل هذا سوف يعذب في جهنم بما قتل به نفسه.
قوله: «ولا بأس بالصلاة عليه»أي على الميت «في المسجد».
_________________________________
([1]) قال في الروض المربع: «ويشترط لها: النية؛ فينوي الصلاة على الميت -ولا يضر جهله بالذكر وغيره؛ فإن جهله نوى على من يصلي عليه الإمام، وإن نوى أحد الموتى اعتبر تعيينه، وإن نوى على هذا الرجل فبان امرأة أو بالعكس أجزأ لقوة التعيين. قاله أبو المعالي- وإسلام الميت وطهارته من الحدث والنجس مع القدرة، وإلا صلى عليه. والاستقبال والسترة كمكتوبة. وحضور الميت بين يديه؛ فلا تصح على جنازة محمولة ولا من وراء جدار» قال أبو بطين (1/235) معقبًا: «ولا من وراء خشب كالتابوت المغطى بخشب، فلا تصح الصلاة على الميت وهو فيه بخلاف آلة من غير ذلك فإنها لا تمنع الصحة».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:24 PM
فَصْلٌ
يُسَنُّ التّرْبِيِعُ فيِ حَمْلِهِ، وَيُبَاحُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا، وَكَوْنُ المُشَاةِ أَمَامَهَا وَالرُّكْبَانِ خَلْفَهَا، وَيُكْرَهُ جُلُوسُ تَابِعِهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَيُسَجَّى قَبْرُ امْرَأَةٍ فَقَطْ، وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ.
_________________________________
قوله: «يسن التربيع في حمله»وصفة التربيع: أن يأخذ بجميع أعمدة النعش، ولهذا سميناه تربيعًا؛ لأن أعمدة النعش أربعة.
قوله: «ويباح بين العمودين» أي أن يحمل كل واحدة على عاتقه بين العمودين؛ أي: بأن يجعل عمودًا على يده اليمني وعمودًا على يده اليسرى، ولكن لا شك أن فيه مشقة على الحامل، ولاسيما إذا كانت الجنازة ثقيلة، وهذا إذا كان الميت محمولًا على نعش، وإن كان صغيرًا فيحمل بين الأيدي إذا كان لا يشق.
قوله: «ويسن الإسراع بها» دون الخبب، أي الإسراع الشديد([1]).
قوله: «وكون المشاة أمامها والركبان خلفها» أي: ينبغي إذا كان المشيعون مختلفين ما بين راكب وماش أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها، والسيارات الأولى أن تكون أمام الجنازة.
قوله: «ويُكْرَه جلوس تابعها»أي المشيع «حتى توضع» الجنازة.
قوله: «ويسجَّى قبر امرأة فقط» أي: يغطى قبر المرأة فقط عند إدخالها القبر من أجل ألّا ترى المرأة، وذلك أستر لها، أما قبر الرجل فإنه لا يسجَّى.
قوله: «واللحد» واللحد: أن يحفر للميت في قاع القبر حفرة من جهة القبلة ليوضع فيها، ويجوز من جهة خلف القبلة، لكنها من جهة القبلة أفضل؛ وسمِّي لحدًا؛ لأنه مائل من جانب القبر.
وقوله: «أفضلُ من الشق»الشق: أن يحفر للميت في وسط القبر حفرة.
ولكن إذا احتيج إلى الشق، فإنه لا بأس به، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية، فإن اللحد فيها لا يمكن؛ لأن الرمل إذا لحَدْتَ فيه انهدم، فتحفر حفرة، ثم يحفر في وسطها، ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة بها الميت؛ من أجل ألا ينهد الرمل، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات.
والتعميق سنة، فيعمق في الحفر، والواجب: ما يمنع السباع أن تأكله والرائحة أن تخرج منه.
_________________________________
([1]) باتفاق الأمة، زاد بعضهم: وفوق السعي، وقال الشافعي: الإسراع سجية، فوق المشي المعتاد، ودون الخبب، والخبب بفتحتين، ضرب من السير فسيح سريع. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 111).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:25 PM
وَيَقُولُ مُدْخِلُهُ: بِاسْمِ اللهِ، وعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَيَضَعُهُ فيِ لحْدِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ مُسَنَّمًا، وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ، والْكِتَابَةُ، والجُلُوسُ، والْوَطْءُ عَلَيْهِ, وَالِاتِّكَاءُ إِلَيْهِ، وَيَحْرُمُ فِيهِ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ، وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَيُّ قُرْبةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِمَيِّتٍ مُسْلِمٍ أَوْ حَيٍّ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَيُسَنُّأَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ المَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ.
_________________________________
قوله: «ويقول مدخله: بسم الله وعلى ملة رسول الله»ولا يشترط فيمن يتولى إدخال الميتة في قبرها أن يكون من محارمها.
وقوله: «ويضعه في لحده على شقه الأيمن» وهذا ليس على سبيل الوجوب.
قوله: «مستقبل القبلة» أي: وجوبًا.
قوله: «ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر»الشبر: ما بين رأس الخنصر والإبهام، عند فتح الكف، ومعلوم أن المسألة تقريبية؛ لأن الناس يختلفون في كِبَرِ الْيَدِ وصغرها.
ويستثنى من هذه المسألة: إذا مات الإنسان في دار حرب، أي: في دار الكفار المحاربين؛ فإنه لا يرفع خوفًا من الأعداء أن ينبشوه.
قوله: «مسنمًا» أي: يُجْعَل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزًا على أطرافه، وضد المسنم: المسَطَّح الذي يُجْعَل أعلاه كالسطح.
قوله: «ويكره» كراهة التنزيه «تجصيصه» أي بِوَضْعِ جَصٍّ فوقه، ويُكْرَهُ أيضًا «البناء عليه»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والصحيح أن تجصيصها والبناء عليها حرام([1]).
قوله: «والكتابة» أي: على القبر، وظاهر كلامه أن الكتابة مكروهة، ولو كانت بقدر الحاجة، أي حاجة بيان صاحب القبر؛ درءًا للمفسدة، وقال شيخنا عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: المراد بالكتابة: ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء؛ لأن هذه هي التي يكون بها المحظور، أما التي بقدر الإعلام، فإنها لا تُكْرَهُ. قوله: «والجلوس والوطء عليه» أي الجلوس على القبر مكروه، وكذلك الوطء عليه.
قوله: «والاتكاء إليه» أي: يكره أن يتكئ على القبر فيجعله كالوسادة له.
قوله: «ويحرم فيه»أي في القبر «دفن اثنين فأكثر» سواء كانا رجلين أو امرأتين أو رجلًا وامرأة«إلا لضرورة» وذلك بأن يكثر الموتى ويقل من يدفنهم ففي هذه الحال لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد، ولكن «يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب» ليكونا كأنهما منفصلين.
قوله: «ولا تكره القراءة على القبر» بأن يقرأ على القبر كأنما يقرأ على مريض، أو يقرأ عند القبر ليسمع صاحب القبر فيستأنس به، والصحيح أنه مكروه، سواء كان ذلك عند الدفن أو بعد الدفن([2]).
قوله: «وأي قربة فعلهاوجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك» هذه قاعدة في إهداء القُرَبِ للغير.
قوله: «ويسن أن يصنع لأهل الميت طعامٌ يبعث به إليهم» ثلاثة أيام، «ويكره لهم فعله للناس» أي: صنع أهل الميت الطعام يدعون الناس إليه مكروه.
_________________________________
([1]) المذهب الكراهة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/374)، وقال في الإنصاف (2/549): «أما تجصيصه فمكروه بلا خلاف نعلمه، وكذا الكتابة عليه... وأما البناء عليه فمكروه على الصحيح من المذهب... وقال صاحب المستوعب والمجد وابن تميم وغيرهم: لا بأس بقبة وبيت وحظيرة في ملكه... وقال أبو حفص: تحرم الحجرة بل تهدم، وحرم الفسطاط أيضًا».
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/385)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/557).
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:26 PM
فَصْلٌ
تُسَنُّ زِيَارَةُ القُبُورِ إِلَّا لِلنِّسَاءِ، وَيَقُولُ إِذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، يَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلهُمْ، وَتُسَنُّ تَعْزِيَةُ المُصَابِ بِالميِّتِ، وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْميِّتِ وَيَحْرُمُ النَّدْبُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَشَقُّ الثَّوْبِ، وَلَطْمُ الخَدِّ، وَنَحْوُهُ.
_________________________________
قوله: «تسن زيارة القبور»وهي زيارة للاعتبار«إلا لنساء»([1]) فليست بسنة، والصحيح أن زيارة القبور من كبائر الذنوب([2]).
والمشهور من المذهب عند الحنابلة: أنها تكره.
قوله: «ويقول إذا زارها»أي قصد زيارتها، وخرج إليها، أو مر بها مرورًا قاصدًا غيرها: «السلام عليكم» أتى بكاف الخطاب، دلالة على أنهم يسمعون «دار قوم مؤمنين»؛أي: يا دار قوم، والمراد بالدار هنا: أهلها «وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين»أي: نسأل الله أن يرحم المستقدمين منكم والمستأخرين، «نسأل الله لنا ولكم العافية» أما بالنسبة لنا فإنها عافية حسية، كعافية البدن، وعافية معنوية من الذنوب والمعاصي، أما العافية لأهل القبور فهي: العافية من العذاب، «اللهم لا تحرمنا أجرهم» أي أجر الزيارة، «ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم».
قوله: «وتسن تعزية المصاب بالميت»والتعزية: هي: التقوية، بمعنى: تقوية المصاب على تحمل المصيبة، وذلك بأن تورد له من الأدعية والنصوص الواردة في فضيلة الصبر ما يجعله يتسلى وينسى المصيبة.
قوله: «ويجوز البكاء على الميت» ويجوز للمصاب أن يحد على الميت بأن يترك تجارته أو ثياب الزينة أو الخروج للنـزهة، أو ما أشبه ذلك في حدود ثلاثة أيام فأقل.
قوله: «ويحرم الندب»، الندب: هو تعداد محاسن الميت بحرف الندبة وهو «وا»([3])، وكذا تحرم «النياحة» وهي: أن يبكي ويندب برنة تشبه نياحة الحمام، ويحرم «شق الثوب ولطم الخد» وهو أن تلطم خد نفسك، «ونحوه» مثل: نتف الشعر؛ لأن هذا كله يدل على تسخطه من المصيبة.
_________________________________
([1]) أي فتكره؛ قال أبو بطين (1/244): «أي كراهة تحريم؛ لأن هذا الخبر –أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور- صريح بالتحريم».
([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/383)، وقال في الإنصاف (2/561): «(ويستحب للرجال زيارة القبور) هذا المذهب مطلقًا، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وحكاه الشيخ محيي الدين النووي إجماعًا، قال في الشرح: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في استحباب زيارة الرجال القبور، وأما المصنف في المغني فقال: لا نعلم خلافًا في إباحة زيارتها للرجال».
([3]) قال في الإنصاف (2/568): «وقطع المجد أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقًا ولم يخرج مخرج النوح ولا قصد نظمه كفعل أبي بكر وفاطمة».
أم إبراهيم السلفية
04-01-17, 06:51 PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, Developed By uaedeserts.com