المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان في إطار اللغة العربية


أم هشام
01-09-07, 06:48 PM
رمضان واللغة العربية

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم...

عزيزاتي اليوم بإذنه تعالى لن يكون درسًا من دروس الآجرومية , بل سنعلِّق لفظ شهر رمضان باللغة وما علاقتها به , وهذه وقفة بارك الله فيكن وتقبل منا ومنكن صالح الأعمال وجدير بنا أن نتأمل بأنه قد مضى من العمر مامضى في الإفراط والتسويف وكأن الواحدة منا قد أعطيت صكًا بالخلود
عزيزاتي .. يقول الشاعر:
نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل ***** وننقضي وكأن العمر لم يطول
والعيش يؤذننا في الموت أوله ***** ونحن نرغب في الأيام والدول
سلّى عن العيش أنا لانموت له ***** وهوّن الموت ما نلقي من العلل
ونستلذ الأماني وهي مردية ****** كشارب السم ممزوجا مع العسل
إن الصوم يا عزيزاتي عبادة شريفة كما نعلم، ويكفيه شرفًا أن الصوم لم يعبد به غير الله , ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "يقول الله تعالى : " الصوم لي وأنا أجزي به "
قال ابن حجر رحمه الله : وسبب الإضافة أن الصيام لم يعبد به غير الله , بخلاف الصلاة والصدقة وغير ذلك.
إذًا خص الصيام لأنه لم يعبد به غير الله سبحانه , ولنعلم أن الصوم له ظاهر وله باطن , فما هو ظاهر الصوم؟
ظاهر الصوم: كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وباطن الصوم : كف الدنيا عما سوى الله , فيحفظ الصائم الرأس وما حوى , والبطن وماعوى ,ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة , ويترك الدنيا وزينتها, فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه.

أهل الخصوص من الصوام صومهم ::: صون اللسان عن البهتان والكذب
والصالحون وأهل الصدق صومهم ::: صون القلوب عن الأغيار والحجب
والصوم كما نعرف أنه مدرسة ربانية, ومحضن إيماني , يتلقى فيه الصائم دروس الأخلاق , ويتربى على جميل الطباع , وماأطيب أن يتعاقد الصائم مع نفسه منذ أول الشهر على أن يعنى بواحد من الأخلاق الرفيعة على أقل تقدير, منها غض البصر , الصبر, قيام الليل, وماإلى ذلك.

بخصوص العنوان (رمضان واللغة ) نود أن نعرف :
*ما معنى رمضان في اللغة؟
* وما علاقته بما يجب علينا في الصوم؟

• رمضان في اللغة:

يقول ابن فارس عن رمضان في اللغة: رمض (الراء والميم والضاد) أصل مطّرد يدل على حدة في شيء من حر وغيره, إذًا مادة هذه الكلمة ( الراء والميم والضاد ) أصل مطرد يدل على ماذا؟ يدل على الحر وغيره , فالرمض حر الحجارة من شدة حر الشمس , وأرض رمِضة : حارة الحجارة .
وذكر قوم : أن رمضان اشتقاقه من شدة الحر لأنهم لما نقلوا اسم الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة , فوافق رمضان أيام رمض الحر .
الآن حينما نقلوا اسم الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة , وافق – سبحان الله _ رمضان أيام رمض الحر .
ويجمع على رمضانات وأرمضاء , ومن الماضي :أرمَضَه , والأمر: أرمِضه ,ورمِض أيضا الأمر ورمض إذا أحرقته الرمضاء.
ويقال : رمضت اللحم على الرضف إذا أنضجته .
وكل حاد ومن الباب : سكين رميض , وكل حاد رميض, وقد رمضته أنا , ورمضت الغنم إذا رعت في شدة الحر فقرحت أكبادها.
ويقال: فلان يترمض الظباء إذا تبعها وساقها حتى تفسخ قوائمها , ( من شدة الحر ) , ثم يأخذها ويقال ارتمض بطنه : أي فسد كأن ثم داءًا يحرقه.
فأما قول القائل : أتيت فلانا فلم أصبه فرمضته ترميضا , وذلك أن ينتظر [ فممكن أن يكون شاذا عن الأصل وممكن أن يكون الميم مبدلة من باء كأنه ( ربضت ) من ربض .
يعني ممكن أقول رمض وربض , يعني يقال على الشاذ : أن الباء بدل الميم. بدل أن أقول رمض أقول ربض .
وشهر رمضان عزيزاتي هو من الرمض أي شدة وقع الشمس .
يقال : أرمضته فرمض , أي أحرقته , وقيل هي شدة حر الشمس , وأرض رمِضة, ورمضت الغنم : رعت في الرمضاء , وكما قلنا فلان يترمض الظباء : أي يتبعها في الرمضاء.
هذا خلاصة رمضان في اللغة.

يقول ابن عاشور في كتابه التفسير ( تحرير التنوير ) :

بخصوص آية قوله تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "

يقول : الشهر جزء من اثنا عشر جزءا من تقسيم السنة , قال تعالى " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض "
تفسير الآية من جهة اللغة : الشهر جزء من اثنا عشر جزءا على أساس الآية " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض "
والشهر يُبتدأ من ظهور الهلال إلى المحاق, ثم ظهور الهلال مرة أخرى .
وهو مشتق من الشهرة , لأن الهلال يظهر لهم فيشهرونه ليراه الناس , فيثبت الشهر عندهم .
من هنا عرفنا مامعنى الشهر؟ من الشهرة.
ورمضان علَم وليس منقول , إذ لم نسمع بمصدر على وزن الفعلان من رمض بكسر الميم إذا احترق , لأن الفعلان يدل على الاضطراب ولا معنى له هنا - كما يقول الشيخ – وقيل هو منقول عن المصدر , ورمضان منقول عن الشهر التاسع من أشهر السنة العربية القمرية المفتتحة بالمحرم .
فقد كان العرب يفتتحون أشهر العام بالمحرم , لأن انقضاء العام عندهم هي انتهاء مدة الحج والرجوع إلى آفاقهم ألا ترى أن لبيدًا جعل شهر جمادى الثانية وهو نهاية فصل الشتاء شهرًا سادسًا إذ قال :
حتى إذا سلخ جمادى ستةً جزءًا ::: فطال صيامه وصيامها .
ورمضان من ناحية النحو ممنوع من الصرف, لماذا ؟
للعلمية وزيادة ألف ونون , لأنه مشتق من الرمضاء وهي الحرارة.
إذ كانت السنة تنقسم إلى ستة فصول , كل فصل منها شهران .
الفصل الأول الخريف : وشهراه , محرم وصفر
الفصل الثاني الربيع الأول , وهو وقت نضج الثمار وظهور الرطب , وشهراه : ربيع الأول وشهر ربيع الثاني.على أن الأول والثاني وصف لشهر ألا ترى أن العرب يقولون لرطب شهري ربيع: الرطب شهري ربيع
الفصل الثالث : الشتاء وشهراه جمادى الأولى وجمادى الثانية .
قال حاتم :
في ليلة من جمادى ذات أندية ::: لايبصر الكلب من ظلماتها الطنب
لاينبح الكلب فيها غير واحدة ::: حتى يُلَف على خيشومه الذنب
الفصل الرابع الربيع الثاني : ( الثاني ) وصف للربيع , وهذا هو وقت ظهور النور والكمأة , وشهراه – طبعا- رجب وشعبان , وهو فصل الدر والمطر.
قال النابغة يذكر غزوات النعمان ابن الحارث :
فإن يهلَك أبو قابوس يهلِك ::: ربيع الثاني والبلد الحرام
في رواية وروى ربيع الناس .
وسمي كلا منهما ربيعا لأنه وقت خصب .
أما الفصل الخامس : الصيف: وهو مبدأ الحر , وشهراه : رمضان وشوال , لأن النوق تشول أذنابها فيه ( تطرد الذباب ).
والفصل السادس : القيظ وشهراه ذي القعدة وذي الحجة .
وبعض القبائل تقسم السنة إلى أربعة:[ كل فصل له ثلاثة أشهر ]
وهي الربيع وشهوره رجب وشعبان ورمضان.
والصيف وشهوره شوال وذو القعدة وذو الحجة .
والخريف وشهوره محرم وصفر وربيع الأول
والشتاء وشهوره ربيع الثاني ( وصفان لشهر لا لربيع ) وجمادى الأولى وجمادى الثانية.
لو نعرف أن أسماء الشهور كلها أعلام عدا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الثاني , فلذلك وجب ذكر الشهر معهما ثم وصفه بالأول والثاني لأن معناه : الشهر الأول من فصل الربيع , نعني الأول , فالأول والثاني صفتان لشهر , أما الأشهر الأخرى فيجوز فيها ذكر لفظ الشهر بالإضافة لالإضافة اسم النوع كإضافة مثل أن أقول : شجرة الأراك , ومدينة بغداد , وبهذا يُشعِر كلام سيبويه والمحققين , فمن قال: إنه لايقال رمضان إلا بإضافة شهر إليه بناءً على أن رمضان مصدره حتى تكلفوا بأنه ممنوع من الصرف حتى صار بإضافة شهر إليه .
طبعا هذا من حكاية إضافة من يجب من الشهور أن أجعله شهر بالإضافة لهذا الشهر مثل أن أقول شهر رمضان أو شهر ربيع الأول أو شهر ربيع الثاني قالوا نجد ذلك فقط في ربيع الأول وربيع الثاني لأنهما صفتان كلاهما لربيع , فالأول والثاني لشهر ربيع , أما باقي الأشهر لابأس أن أقول ذو القعدة وذو الحجة ونقول رمضان ونقول شوال بدون أن أضيفها إلى كلمة شهر .
وإنما أضيف الشهر إلى رمضان في هذه الآية مع أن للإيجاز المطلوب معه يقتضي عدم الذكر .
نعم عزيزاتي .. ليس الأصل أن لاأضيف , ورد في القرآن " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "
لكن نحن نتحدث عن اللغة .ليس من الواجب إضافة رمضان إلى كلمة شهر لماذا؟
لأنه علم وليس وصف . لكن سنعرف لماذا أضيف لكلمة شهر ؟
قيل أنه أضيف لأنه الأشهر في كلامهم , وإما أيضا للدلالة على استيعاب جميع أيامه بالصوم .
من بلاغة القرآن أن يُستدل على المعاني بما هو أفصح وأعمق عند العرب , فأضيف رمضان للشهر للدلالة على استيعاب جميع أيامه للصوم ليس صوم يوم ويوم لا ؟ لا، بل جميع أيامه بالصوم
لأنه لوقال رمضان لكان ظاهرا لا نصا لاسيما مع تقدم قوله تعالى " أياما معدودات " فيتوهم السامعون أنها أيام من رمضان وليس كله .
فالمعنى أن الجزء المعروف من شهر رمضان من السنة العربية القمرية , هو الذي جعل ظرفًا لأداء فريضة الصيام المكتوبة في الدين , فكلما حل الوقت المعين من السنة المسمى بشهر رمضان فقد وجب على المسلمين آداء فريضة الصوم فيه .
ولما كان ذلك حلوله مكررا في كل عام كان وجوب الصوم مكررا في كل سنة إذ لم يُنَط الصيام بشهر واحد مخصوص , ولأن ما أجرى على الشهر من إلفات يحقق أن المراد منه الأزمنة المسماة طول الدهر.
إذًا عُرف من إضافة رمضان إلى الشهر أنه واجب الصوم كله إلا من كان من أهل الأعذار , فمن وجوبه وجب على أهل الأعذار القضاء .
وظاهر قوله " الذي أنزل فيه القرآن " أن المخاطبين يعلمون أن نزول القرآن وقع في شهر رمضان , لأن الغالب في صلة الموصول أن يكون السامع عالمًا باختصاصها .
الأسماء الموصولة الجملة التي بعدها ستعرفه لي , تزيل ابهامه , فالظاهر أن السامع يكون عالمًا باختصاصها بمن أجزي عليه .
ولأن مثل هذا الحدث الديني من شأنه أن لايخفى عليهم , فيكون الكلام تذكيرًا بهذا الفضل العظيم .
فقد جعل الله للمواقيت المحدودة اعتبارًا يشبه اعتبار الشيء الواحد المتجدد , وإنما هذا اعتبار للتذكير بالأيام العظيمة في المقدار .
هذا أيضًا يدل أن مراد الله تعالى صوم ثلاثين يوما متتابعة , مضبوطة في المبدأ والنهاية متحدة لجميع المسلمين .ولما كان ذلك هو المراد وقّت بشهر قمري معين لسهولة ضبط بدئه ونهايته برؤية الهلال والتقدير ." صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته "
واختير شهر رمضان من بين الأشهر , لأنه قد شرف بنول القرآن , فإن نزول القرآن لما كان لقصد تنزيه الأمة وهداها , ناسب أن يكون مابه تطهيرًا للنفوس والتقرب من حالة المؤمنين المخلصين لله سبحانه وتعالى.

ففي رمضان أعمال جلّى وأعمال شتى ومن أعظم هذه الأعمال الصبر .
لماذا نختار الصبر بالذات؟

اخترنا الصبر بالذات ياعزيزاتي , لو لاحظنا معنى رمضان في اللغة لوجدناه من الرمض وهو استيعاب شدة الحر , ولو أخذناه من جهة أفضل الأعمال وهو الصوم , وماذا يقصد برمضان وهو الصوم , وما يتبع رمضان من أعمال فاضلة .
علاقة رمضان بالصبر :
تعريف الصوم :

وجدنا أن الصوم في اللغة:

الحبس , وهذا يجتمع مع المعنى العام للصبر .
لذلك إن الله جعل الصبر جوادًا لا يكبو , وصارمًا لا ينبو , وجندًا لا يهزم , وحصنًا حصينًا لايهدم , وهو مطية لا يضل راكبها , فهو والنصر إخوان شقيقان , فالنصر مع الصبر .
وفي كتاب الزهد , عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " وجدنا خير عيشنا بالصبر فإن الله وصف الصابرين بأوصاف وخصهم بخصائص لم تكن لغيرهم "
وذكر الصبر في نحو تسعين موضعًا في كتاب الله عز وجل , وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر , وجعلها ثمرة له .
عزيزاتي للصابرين معية مع الله , ونحن نعرف أن معية الله بعلمه وحفظه , فهو عال على خلقه مستوٍ على عرشه , لنا أن نؤمن وليس لنا أن نفكر بالكيفية ولا الماهية.
فمعية الله مع الصابرين " إن الله مع الصابرين " فالصابرون ظفروا بها ( معية الله ) .
ياعزيزاتي ، العبد لو فقد معية الله سبحانه وتعالى ستصبح حياته ضنكا, فالله تعالى لو كان مع عبده لكان قوله رشدا ولكان فعله مسددا ولكان قلبه منطرحا ذليلا منكسرا, فإذا تخلى الله عن عبده لأصبح مشتتا لايدري ماذا يقول ؟! ولا يعلم ماذا يفعل ؟!.. فيؤذي ذاك ويؤذي نفسه " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى "
عزيزاتي .. معية الله نحن نتمناها نعم لكن لا نعرف مدى المصيبة إذا فقدنا معية الله , قد تشعرين بضيق وهم وغم , قد تشعرين أنك لست على الطريقة لست على الجادة وتتساءلين ما السبب؟! اعلمي حينها أنك فقدت معية الله فمن تقرب إلى الله ولو بشيء بسيط تقرب الله منه بمعيته .
فالصابرين ينالون ويظفرون معية الله , التي يحصل بها خير الدنيا والآخرة ويفوزون بها بنعمة الله الظاهرة والباطنة . وجعل الله سبحانه وتعالى الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين , فقال تعالى :" وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين .

تعريف الصبر:
فما الصبر ياترى في اللغة والشرع؟
في اللغة :

الحبس والكف.
والصبر من هنا عرفنا ماعلاقته برمضان ؟
بعد ماعرفنا علاقة رمضان باللغة .. سنعرف علاقة الصبر برمضان من ناحية الصوم " الحبس والكف "
نسأل الله أن لايكون حظنا من الصوم الجوع والعطش , نسأل الله أن نكون ممن قلبه صام , ولسانه صام , وجميع جوارحه صامت.
فالصبر لغة :
الحبس والكف . قال تعالى " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " يعني احبس نفسك معهم .
يتبع

أم هشام
01-09-07, 06:54 PM
والصبر حبس النفس عن الجزع , واللسان عن التشكي . والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما .
ويقال : صبر ,يصبر , صبرًا , وصبر نفسه وصبّرها .

والصبر في الشرع :

حبس النفس عن فعل شيء أراده الله , أو عن فعل شيء نهى الله عنه , فهو صبر على شيء أمر به الله وصبر عن شيء نهى الله عنه جعل الله فيه الأجر العظيم لمن أراد به وجهه , وكافأ أهل الجنة لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم .
هذا الصبر في الشرع .

تعريف الصوم :
الصوم في اللغة :

الحبس والمنع والإمساك

وفي الشرع ماذا نقول ياترى ؟!
الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات بنية الصيام , لكن الأولى أن أقول : قد أمتنع عن الطعام والشراب في هذا التوقيت لكن لا أقصد التعبد لله , قد أمتنع لكني لاأقصد أني أنوي بذلك صيام الفرض قد أمتنع لعدم وجود الطعام والشراب , فلابد أن أسبق هذا التعريف بقولي: التعبد لله , لأن المقصد من الصوم عزيزاتي الذي نخشى أن نجعله قسيم لشيء آخر من الدنيا .
لابد أن نجعله خالصًا لله تعالى , لاأصوم لكي أعمل تخفيف للوزن مثلا لا أصوم لكي أعمل حمية مثلا , لا إنما أصوم لله سبحانه وتعالى , لذلك الذي لايستطيع الصوم فهو من أهل الأعذار وإن كان لا يرجى برؤه فعليه الإطعام , وإن كان يستطيع قضاؤه فليقضه قبل حلول رمضان القادم.
فالمقصد من التعبد هو التذلل لله سبحانه وتعالى .
تعددت العبادات يا عزيزاتي والمقصد واحد هو الذل والتعبد لله سبحانه وتعالى ,
لابد أن نعرف حينما اختلطت الأمور وحينما أصبح هناك إشراك في النية والإرادة والقصد , قد تصوم صائمة لالأجل الله بل قد تصوم كما قلنا إما لعمل حمية وماإلى ذلك , ومن أجل ذلك وُضع احتراز وهو التعبد لله , أنا أصوم بنية التعبد والتذلل لله , والله سبحانه وتعالى عدد في مواسم الطاعات , فتأتي المواسم بين الحين والأخرى لماذا؟!
لنتقرب إلى الله سبحانه وتعالى .
تغفل النفوس فمن رحمة الله بعباده أن يوقظها , هذا ياعبدي مجال للطاعة والثواب والتجارة , تقرب بالأعمال الصالحة والحسنات فأهبك إياها .

فنحن لابد أن نجعل ضابط للصوم :

هو التعبد لله , التذلل لله سبحانه وتعالى .

إذًا الصوم في الشرع :::

هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .

الصبر في القرآن :

ورد في مواضع , علق القرآن الفلاح عليه " ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوالله لعلكم تفلحون " فعلّق الفلاح بمجموع هذه الأمور .
ونهى عما يضاد هذه الأمور فقال : " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم " , كما قال " ولا تهنوا ولا تحزنوا ".
كذلك فإنه سبحانه وتعالى أخبر عن مضاعفة الأجر للصابرين , فقال " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " .
وإذا كانت الأعمال لها أجر محدود معلوم فإن الصبر لا حد لأجره فقال " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ".
نحن نصبر في رمضان على أشياء كثيرة , نصبر على ملذات البطن وعلى ملذات الفرج وعلى ملذات الأهواء وعلى ملذات النظر , وعلى ملذات الجوارح كلها .
نصبر كذلك على أذى الناس , نصبر على كل ملهيات الدنيا , نصبر على الطاعة.
كيف نصبر على الطاعة ؟!
أكيد الشيطان وقتها يكون حريص , وإن كانت الشياطين صفدت من إبليس وغيره من كبار الشياطين , لكن هناك تظهر نفوسنا , النفس الأمارة بالسوء , في رمضان تكشف الحقائق فمن لم تروضها من ذي قبل في الشهور السابقة تجد نفسها في رمضان , هل هي نفس طيبة أم غير طيبة , نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن نحسن العمل في رمضان , وأن يرينا من أنفسنا خيرا .

أهمية الصبر ومنزلته:
ماأهمية الصبر ومنزلته ؟!

نعم المنزلة هي منزلة الصبر ! ونعم الخلق هو خلق الصبر ! ونعم أهله هم أهل الصبر ! فالصبر طريق الجنة " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " .

عناية القرآن بالصبر :

والعناية بالصبر في القرآن الكريم كبيرة جدا , دليل على أهميته , دليل على أنه خلق عظيم.
لا تيأسن وإن طالت مطالبة ..... إذا استعنت بصبر أن ترى الفرج
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ...... ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وقل من جد في أمر يحاوله ...... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
والصبر سبب لدخول الجنة , وسبب للنجاة من النار , فالجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات , فكيف تدخل الجنة بدون صبر على المكاره ؟!
وكيف تقي نفسك النار بدون صبر عن الشهوات ؟!
قد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على المعنى اللطيف في هذا الحديث :
علمنا أنه لا طريق للجنة إلا عبر المكاره لأنه قال حفت من جميع الجهات , فإذا ماركبت المكاره لا تدخل الجنة , والمكاره : هو ماتكرهه النفس من المجاهدة اللازمة لأداء العبادات مثل صلاة الفجر , والوضوء في البرد , والصبر على المصائب وغير ذلك , فلايمكن دخول الجنة إلا باختراق المكاره ولا يمكن اختراقها إلا بالصبر , وأما النار فإنها حفت بالشهوات , ولايمكن منع النفس من الدخول في النار إلا إذا صبر عن المعاصي وامتنع عن المعصية وحبس نفسه عن ذلك , فهذه إذًا فضائل هذا الخلق الكريم .

طيب لو سألت سؤال: ماحكم الصبر ؟!

واجب بدليل ماذا لأن الحكم لايؤتى إلا من الشرع .
نعم عوّدي نفسك أن لاتاتي بحكم إلا معه دليل حتى تعلّمي غيرك أنك لم تأتي بالحكم من عند نفسك , إنما من عند الله أو من عند رسوله .

مالدليل ياأهل القرآن !؟

نعم " اصبروا وصابروا و...", " واصبر كما صبر .."
ماوجه دلالة هذه الأيات على الوجوب ؟!
أريد من الآية تعلق الصبر ياللغة ؟!
نعم من الأمر لأن الأمر يقتضي الوجوب.
ولكن نريد أن نأخذ الحكم حكما شاملا ..

أ

أصل الصبر واجب , الصبر من حيث الجملة واجب والله أمر به " واستعينوا بالصبر والصلاة "
ونهى عن ضده " ولا تستعجل لهم " " فلا تولوهم الأدبار ولا تبطلوا أعمالكم "
ورتب عليه خيري الدنيا والآخرة , لكن عندما نأتي إلى التفصيل :
فالصبر منه ماهو صبر واجب : يأثم الإنسان إذا لم يصبر , ومنه ماهو مستحب .
فهو واجب في الواجبات وواجب عن المحرمات, ومستحب عن المكروهات .
وإذا صبر عن المستحب ولم يفعله فصبره مكروه.
ومما يدل على أن الصبر قد لايكون لازما قول الله تعالى :"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "
فماحكم الصبر الآن هنا في هذه الآية ؟؟
مستحب , نحن مخيرون في هذه الآية بين أن نعاقب من عاقبنا أو أن نعفو عنه.
مثال :
• واحدة ظلمتك . فماالحكم الشرعي هنا ؟
يجوز لك القصاص في أن تقتصي منها بمثل ماظلمتك ... أما ماحكم الصبر هنا ؟ مستحب والأفضل هنا أن يعفو الإنسان .
• فإذا قلت ماحكم الصبر على صلاة الفجر ؟
واجب
• ما حكم الصبر عند المصيبة لمنع النفس عن النياحة ؟
واجب
• ماحكم الصبر عن الانتقام من الذي أساء إليك ؟
مستحب
فالصبر منه ماهو مستحب ومنه ما هو واجب
والصبر جاء بصيغة المفاعلة في القرآن ..فقال " وصابروا "
والمصابرة تكون بين طرفين , لأنها من أوزان المفاعلة , معنى المفاعلة : لابد أن يكون هناك فاعلان , تفاعل مع شخصين .
أقول شارك حينما أقول :شارك , مايعقل أن يكون هناك شخص واحد , معنى أن هناك محمد وزيد , فالمصابرة لا بد أن تكون بين شخصين .
إذًا :إيمانا منا أننا نختاط ببعضنا , وإيمانا منا أننا نعمل الشيء فلابد أن نصبر , وهذه عادة لاتكون إلا بين شخصين ( المفاعلة ) .
فمعنى ذلك أن هناك مغالبات بين المسلم والعدو , وأننا لابد أن نصابر أنفسنا على باطلهم , وعلى. فلابد أن نرابط على الطاعة وأن نعادي العدو أكبر عدو لنا ألا وهو الشيطان فنحن نغفل أنه عدولنا , لذلك نغفل ونزِل ونخطئ , لذلك نعصي الله في أشهره الحرم , في بيته الحرام , في أوقاته المحرمة .
ما سبب الغفلة ؟؟ .. حينها يبتعد تفكيرنا عن من هو العدو .. الشيطان هو عدو لنا بحق العداوة على أقل تقدير صبرنا عن المعصية , هذه سنة الله في العباد أن يعصوا , والناجي هومن أطاع الله واستغفر واستبدل السيئة بالحسنة .

أنواع الصبر :

1- صبر بدني :
أ) اختياري: مثل تعاطي الأعمال الشاقة.
ب) اضطراري: مثل الصبر على ألم الضرب.
2- صبر نفسي :
أ ) اختياري : مثل : صبر النفس عن مالا يحسن شرعا كالمكروه مثلا
ب) اضطراري : مثل : صبر النفس عن فقد المحبوب بحيث لو لم تصبر هذا الصبر لوقعت في النياحة أو لطم الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك .
• معنى الآية من تفسير السعدي " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "
(((أي‏:‏ الصوم المفروض عليكم‏,‏ هو شهر رمضان‏,‏ الشهر العظيم‏,‏ الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم‏,‏ المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية‏,‏ وتبيين الحق بأوضح بيان‏,‏ والفرقان بين الحق والباطل‏,‏ والهدى والضلال‏,‏ وأهل السعادة وأهل الشقاوة‏.‏
فحقيق بشهر‏,‏ هذا فضله‏,‏ وهذا إحسان الله عليكم فيه‏,‏ أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام‏.)))))
بما أنا ياعزياتي لرمضان هذا الفضل العظيم فحقيق بنا أن نحسن فيه , ومانحن إلا وقت قليل وسينقضي , لكن الله المستعان الشيطان توعد لأغوينهم أجمعين فلابد أن نعقل وأن نتحدى هذا الشيطان بأن لا ندع فرصة حتى أن نفكر في غير الله .
قال الشيخ :
فلما قرره‏,‏ وبين فضيلته‏,‏ وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏}‏ هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر‏.‏
ولما كان النسخ للتخيير‏,‏ بين الصيام والفداء خاصة‏,‏ أعاد الرخصة للمريض والمسافر‏,‏ لئلا يتوهم أن الرخصة أيضًا منسوخة ‏[‏فقال‏]‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ أي‏:‏ يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير‏,‏ ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله‏.‏
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله‏,‏ سهَّله تسهيلا آخر‏,‏ إما بإسقاطه‏,‏ أو تخفيفه بأنواع التخفيفات‏.‏
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها‏,‏ لأن تفاصيلها‏,‏ جميع الشرعيات‏,‏ ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات‏.‏
{‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ‏}‏ وهذا ـ والله أعلم ـ لئلا يتوهم متوهم‏,‏ أن صيام رمضان‏,‏ يحصل المقصود منه ببعضه‏,‏ دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته، ويشكر الله ‏[‏تعالى‏]‏ عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده‏,‏ وبالتكبير عند انقضائه‏,‏ ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد‏.‏
هذا والله أعلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

العائدة الى الله
02-09-07, 10:44 PM
جزاك الله خيرا اختى ام هشام على تفريغ الدرس

من جمال ذلك الدرس لم استطع ملاحقتك فى الكتابه وانت تلقينه وندمت على ذلك

فالحمد لله عز وجل ان يسر لك نقله لنا وبارك الله لك فى وقتك وجهدك

شكرا لك شكرا لك شكرا لك

عائشة صقر
03-09-07, 06:40 AM
جميل..
ما شاء الله..

مع أني لا أحضر معكن.. لكن شوقتموني.. :)


بورك فيكِ أم هشام ولا حرمكِ الأجر ..


و0ر0د


أم عبد الله

أم خــالد
03-09-07, 09:25 AM
أحسن الله إليكم ..

نفعنا الله بك ..

اختكم فى الله
03-09-07, 02:00 PM
جزاك الله خيرا
نفع الله بك
بارك الله فيك
كم كنت اتمنى ان احضر دروس اللغه العربيه
ولكن للاسف معدها غير مناسب لى
بوركت

سمية بنت إبراهيم
06-09-07, 03:38 PM
ما شاء الله ، ما أحسن هذا الدرس وأجمله!!

أحسن الله إليكِ معلمتنا .. ونفعنا بكِ .. وأجزل لكِ المثوبة

مروة عاشور
09-07-10, 03:13 PM
رفع الله قدركن