المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياء


حسناء محمد
23-04-06, 08:55 AM
محمد بن إبراهيم الحمد



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد: فإن الحياء خلق الإسلام، وشعبة من شعب الإيمان، ومقامٌ من مقامات الإحسان.

والحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير.

قال الله - تعالى -: ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ).

وقال - عز وجل -: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ).

وقال الله - سبحانه وتعالى -: ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ).

وفي صحيح البخاري وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ برجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال: " دَعْهُ، فإن الحياء من الإيمان " .

وفي الصحيحين عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحياء لا يأتي إلا بخير " .

وفيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " .

وفيهما عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها؛ فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه" .

وفي سنن ابن ماجه عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء " [حسنه الألباني في صحيح الجامع].

وفي صحيح البخاري وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

قال النووي - رحمه الله - في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فاصنع ما شئت " : ( أمر إباحة؛ لأن الفعل إذا لم يكن منهيَّاً عنه كان مباحاً، ومنهم من فسر الحديث بأنك إذا كنت لا تستحي من الله - تعالى - ولا تراقبه فأعط نفسك مناها، وافعل ما تشاء، فيكون الأمر فيه للتهديد لا للإباحة، ويكون كقوله: " اعملوا ما شئتم " وكقوله: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك" ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله -: " في قوله: " فاصنع ما شئت " وفي هذا قولان: أحدهما: أنه أمر تهديد ومعناه الخبر، أي من لم يستح صنع ما شاء.

والثاني: أنه أمر إباحة، أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيى منه فافعله، والأول أصح، وهو قول الأكثرين " انتهى.

وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - عن سليمان - عليه السلام -: " الحياء نظام الإيمان؛ فإذا انحل النظام ذهب ما فيه " .

وفي التفسير (ولباس التقوى) قالوا: الحياء.

وقال الحسن: " أربع من كنَّ فيه كان كاملاً، ومن تعلق بواحدة منهن كان من صالحي قومه: دين يرشده، وعقل يسدده، وحسبٌ يصونه، وحياء يقوده".

وقال الأصمعي - رحمه الله -: " سمعت أعرابياً يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه".

وقال ابن حبان - رحمه الله -: " فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر " .

وقال صالح بن عبد القدوس:

إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤه * ولا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه
حياءك فاحفظه عليك وإنما * يدل على وجه الكـريم حياؤه



وقال أحد الحكماء:


ولقد أصرف الفؤاد عن الشي * ءِ حياءً وحبُّه في السواد
أمسك النفس بالعفاف وأمسي * ذاكراً في غدٍ حديث الأعادي


قال يحيى بن معاذ - رحمه الله -: " من استحيا من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب" .

قال ابن القيم - رحمه الله - معلقاً على كلمة يحيى بن معاذ: " وهذا الكلام يحتاج إلى شرح ومعناه: أن من غلب عليه خلقُ الحياء من الله حتى في حال طاعته، فقلبه مطرق بين يديه إطراق مستحٍ خجلٍ فإنه إذا واقع ذنباً - استحيا الله - عز وجل - من نظره إليه في تلك الحال؛ لكرامته عليه؛ فيستحيي أن يرى من وليه ومن يَكْرُم عليه ما يشينه عنده.

وفي الشاهد شاهد بذلك؛ فإن الرجل إذا اطَّلع على أخص الناس به، وأحبهم إليه، وأقربهم منه - من صاحب، أو ولدٍ، أو من يحبه - وهو يخونه فإنه يلحقه من ذلك الاطلاع عليه حياءٌ عجيبٌ، حتى كأنه هو الجاني، وهذا غاية الكرم " .

إلى أن قال: " أما حياء الرب - تعالى - من عبده فذاك نوع آخر، لا تدركه الأفهام، ولا تُكَيِّفُه العقول؛ فإنه حياء كرم، وبرٍّ، وجود، وجلال؛ فإنه - تبارك وتعالى - حييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام " .

تعريف الحياء: أما تعريف الحياء فقد عرفه العلماء بتعريفات متقاربة هي - تقريبًا - من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فمن تلك التعريفات ما يلي:

1- عرفه ابن الصلاح بقوله: وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

2- وعرفه الزمخشري بأنه: تَغَيُّرٌ وانكسار يلحق من فعلٍ أو تركٍ يذم به.

3- وقال ابن مفلح: وحقيقة الحياء: خلق يبعث على فعل الحسن، وترك القبيح.

4- وعرفه بعض العلماء بأنه عبارة عن انقباض النفس عمّا تذم عليه، وثمرته ارتداعها عما تنزع إليه الشهوة من القبائح.

أقسام الحياء:

وأما أقسام الحياء فقد قسمه بعض العلماء إلى ثلاثة أقسام، وبعضهم إلى أكثر.

قال الماوردي - رحمه الله -: " واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه:

أحدهما: حياؤه من الله تعالى ويكون بامتثال أوامره، والكفّ عن زواجره.

والثاني: حياؤه من الناس ويكون بكفِّ الأذى، وترك المجاهرة بالقبيح.

والثالث: حياؤه من نفسه، ويكون بالعفة، وصيانة الخلوات " .

وقال ابن القيم - رحمه الله -: " وقد قُسِّم الحياءُ على عشرة أوجه: حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء كرم، وحياء حشمة، وحياء استصغار للنفس، واحتقار لها، وحياء محبة، وحياء عبودية، وحياء شرف وعزة، وحياء المستحيي من نفسه.

فأما حياء الجناية: فمنه حياء آدم - عليه السلام - لما فرّ هارباً من الجنة، وقال الله - تعالى - أفرارًا مني يا آدم؟ قال: لا، يا رب بل حياء منك.

وحياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

وحياء الإجلال: هو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.

وحياء الكرم: كحياء النبِي - صلى الله عليه وسلم - من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب، وطوَّلوا الجلوس عنده، فقام استحياءً أن يقول لهم: انصرفوا.

وحياء الحشمة: كحياء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المذي لمكانة ابنته منه.

وحياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربه - عز وجل - حين يسأله حوائجه؛ احتقاراً لنفسه، واستصغاراً لها.

وفي أثر إسرائيلي: " إن موسى - عليه السلام - قال: يا رب! إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحيي أن أسألك هي يا رب. فقال الله - تعالى -: سلني حتى ملحَ عجينتك، وعلف شاتك " .

وأمّا حياء المحبة: فهو حياء المحب من محبوبه، حتى إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه، وأحسَّ به في وجهه، ولا يدري ما سببه، وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاة محبوبه، ومفاجأته له روعةٌ شديدة.

وأما حياء العبودية: فهو حياء ممتزج من محبة، وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده، وأن قدره أعلى وأجلّ منها؛ فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.

وأما حياء الشرف والعزة: فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل، أو عطاء، أو إحسان؛ فإنه يستحيي - مع بذله - حياء شرف نفس وعزة.

وهذا له سببان: أحدها هذا، والثاني: استحياؤه من الآخذ، حتى كأنه هو الآخذ السائل، حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه، وهذا يدخل في التلوّم؛ لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.

وأما حياء المرء من نفسه: فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحيياً من نفسه؛ حتى لكأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى.

وهذا أكمل ما يكون من الحياء؛ فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر " انتهى ملخصًا.

إشكال في الحياء: قد يشكل على بعض الناس كون الحياء من الإيمان، وكونه خيرًا، أو لا يأتي إلا بخير، قد يشكل على بعضهم من جهة أن صاحب الحياء قد يمتنع عن أن يُواجِهَ بالحق من يستحيي منه، فيترك إنكار المنكر عليه، وأمره بالمعروف.

وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة.

والجواب: أن ذلك المانع ليس حياءاً حقيقياً بل صورياً، وإنما هو عجز وخور ومهانة، وتسميته حياءاً من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه لمشابهته الحياءَ الحقيقي.

هل الحياء غريزة أو اكتساب؟ ولسائل أن يسأل: هل الحياء غريزة وطبيعة تكون في الإنسان أو هو اكتسابي وتخلق يأتي بالتدرب؟.

والجواب - كما قال غير واحد من أهل العلم -: أن الحياء قد يكون تخلُّقاً واكتساباً كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة.

واستعمالُه على مقتضى الشرع يحتاج إلى كسب ونية، وعلم؛ فهو من الإيمان لهذا السبب، ولكونه باعثاً على أفعال البرّ، مانعًا من المعصية.




--------
يتبع...
--------

حسناء محمد
23-04-06, 08:57 AM
الحياء وسط بين رذيلتين:

ثم إن الحياء وسط بين رذيليتين، إحداهما: الوقاحة، والأخرى الخجل، ويقال لها: الخَرَق.

أما الوقاحة: فمذمومة بكل لسان بالنسبة لكل إنسان، وحقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيح.

وأما الخرق: وهو الدهشة من شدة الحياء، فيذم به الرجل اتفاقاً، لاسيما في المواطن التي تقتضي الإقدام كالأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، والحكم بالحق، والقيام به، وأداء الشهادات على وجهها، ونحو ذلك.

مظاهر لقلة الحياء:

ومع عظم مكانة الحياء، وما ورد في فضله، والحث عليه؛ إلا أن هناك مظاهر كثيرة تشيع في أوساط الناس تدل على قلة الحياء، ومن ذلك على سبيل المثال:

1- المجاهرة بالمعاصي عموماً.

2- التدخين خصوصاً في الأماكن العامة.

3- كثرة اللجاج، والسباب، والخصومة.

4- عقوق الوالدين.

5- قلة الأدب مع المربين والمعلمين.

6- أذية الجيران والناس عمومًا.

7- رفع الصوت بالغناء.

8- التفحيط.

9- المزاح المسفُّ البذيء.

10- التبذل، والتكشف، والتعري.

11- تبرج النساء، ومزاحمتهن الرجال في الأسواق، والأماكن العامة.

12- المعاكسات.

13- تقليد الكفار في مستهجن العادات.

14- تَقَصُّدُ استعمالِ ما يدعو إلى الشهرة، ويلفت الانتباه.

15- كثرة الحديث عن النفس على سبيل المفاخرة.

16- الصخب في الأسواق.

17- الكتابات البذيئة على الجدران، والأماكن العامة.

أسباب اكتساب الحياء:

الحياء - وإن كان جبليّاً - قد يكتسب، وينمو بالأخذ بالأسباب، ومن تلك الأسباب ما يلي:

1- استحضار مراقبة الله للعبد.

2- استحضار مراقبة الملائكة الشهود.

3- الإمساك عمّا تقتضيه قلة الحياء قول أو فعل.

4- تذكر الآثار الطيبة للحياء، والآثار القبيحة لقلة الحياء.

5- مجالسة أهل الحياء، ومجانبة أهل الوقاحة.

6- مجاهدة النفس، وتدريبها على اكتساب الحياء، وتكلف ذلك مرة إثر مرة.

7- قراءة القرآن بالتدبر؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم، ومن جملة ذلك الحياءُ.

8- تعاهد الإيمان وتقويته؛ فإن الحياء من الإيمان.

9- تحري الصدق؛ فإنه يهدي إلى البر، والحياء من البرِّ، وتجنبُ الكذبِ؛ فإنه يهدي إلى الفجور، وقلة الحياء من الفجور.

10- الدعاء بأن يجعلك الله من أهل الحياء.

11- استحضار حياء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقد كان أشد حياءاً من العذراء في خدرها.

12- مطالعة أخلاق الكمُّل من الرجال كالرسل؛ ومن تبعهم بإحسان.

13- التناصح والتواصي بالحياء، وإشاعة روح الحياء في المجتمع.

14- تربية الأولاد على الحياء.

15- الحرص على إزالة ما ينافي الحياء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





المصدر : موقع دعوة الإسلام
الرابط (http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=1470&per=1111&kkk=)