ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   روضة الفقه وأصوله (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=756)
-   -   - 2 - كتاب الصلاة من "المختصر من الممتع شرح زاد المستقنع" (كاملة الكواري) (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=72225)

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:18 PM

وَيَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِإِلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ عُذْرِهِ، وَمَنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَ فَرْضٌ سُنَّ أَنْ يُعِيدَهَا إِلَّا المَغْرِبَ، وَلَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ جَمَاعَةٍ، فِي غَيرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ.

_________________________________
قوله: «ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب» الإمام الراتب؛ أي: المولى من قبل المسئولين، أو مولى من قبل أهل الحي جيران المسجد؛ فإنه أحق الناس بإمامته.
قوله: «إلا بإذنه» أي: إذا وكله توكيلًا خاصًّا كأن يقول: يا فلان صل بالناس، أو توكيلًا عامًّا كأن يقول للجماعة: إذا تأخرت عن موعد الإقامة المعتاد كذا وكذا فصلوا.
قوله: «أو عذره» كأن يعلم أن الإمام الراتب أصابه مرض.
ولو أن أهل المسجد قدموا شخصًا يصلي بهم بدون إذن الإمام ولا عذره وصلى بهم، فإن الصلاة لا تصح، على ما في المنتهى.
قوله: «ومن صلى» سواء في جماعة أو في غير جماعة، ثم حضر مسجدًا أو مصلى وأُقِيمَتِ الصلاة «سن أن يعيدها([1]) إلا المغرب» أي: فلا تسن إعادتها، والقول الصحيح في هذه المسألة أنه يعيد المغرب أيضًا ([2]).
قوله: «ولا تكره إعادة جماعة» صورتها: أن يصلي الإمام الراتب في الجماعة، ثم تأتي جماعة أخرى فتصلي في نفس المسجد؛ فلا تُكْرَه.
قوله: «في غير مسجدي مكة والمدينة» أي: في غير المسجد الحرام ومسجد النبي r فتكره إعادة الجماعة فيهما.


_________________________________
([1]) أي الفرض ثانيًا مع الجماعة الثانية، سواء كان وقت نهي أو لا، حيث كان الشروع في الإقامة وهو في المسجد على ما تقدم -ولا يجب، وقيل يجب مع إمام الحي؛ لظاهر الخبر، والأولى فرضه، والمعادة نفل لقوله: «فإنها لكما نافلة»- وغيره، قال شيخ الإسلام، على الصحيح، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/270).

([2]) المذهب أنه لا يعيدها، كما في كشاف القناع (1/458)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/218) .

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:19 PM

وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَمكْتُوبَةُ، فَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا إِلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الجَمَاعَةِ فَيَقْطَعُهَا، وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ لَحِقَ الجَمَاعَةَ، وَإِنْ لَحِقَهُ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ وَأَجْزَأَتْهُ التَّحْرِيمَةُ، وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى مَأمُومٍ، وَتُسْتَحَبُّ فِي إِسْرَارِ إِمَامِهِ وَسُكُوتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ لَا لِطَرَشٍ. وَيَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ إِمَامُهُ.

_________________________________
قوله: «وإذا أقيمت الصلاة» والمراد بالإقامة ابتداء الإقامة التي هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة.
وقوله: «فلا صلاة إلا المكتوبة» لا فرق بين أن تُقَامَ الصلاة وأنت في المسجد أو في بيتك، فلو سمعت الإقامة وأنت في بيتك، وقلت: سأصلي سنة الفجر؛ لأن الفجر تطول فيها القراءة وبيتي قريب من المسجد، ويمكنني أن أدرك الركعة الأولى، فإن ذلك لا يجوز.
قوله: «فإن كان في نافلة» أي: حين أقيمت الصلاة أتمها، ولكن يتمها خفيفة.
قوله: «إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها» وتفوت الجماعة بالتسليم قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام.
قوله: «ومن كبر قبل سلام إمامه لحق بالجماعة»أي: إذا كبر المأموم قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، فإنه يدرك الجماعة إدراكًا تامًّا، «وإن لحقه»أي: لحق المأموم الإمام «راكعًا» دخل معه في الركعة، ويكون قد أدرك الركعة.
قوله: «وأجزأته التحريمة» أي: تكبيرة الإحرام أجزأته عن تكبيرة الركوع، فيكبر مرة واحدة وهو قائم، ثم يركع بدون تكبير.
قوله: «ولا قراءة على مأموم» أي: لا يجب على المأموم أن يقرأ مع الإمام لا في صلاة السر، ولا في صلاة الجهر، والقول الراجح في هذه المسألة أن المأموم يجب عليه قراءة الفاتحة([1]).
قوله: «وتستحب في إسرار إمامه وسكوته» أي: يستحب لمأموم قراءة الفاتحة وغيرها في إسرار إمامه وهذا في الصلاة السرية، وسكوته وهذا في الصلاة الجهرية.
والسكتات هي: قبل الفاتحة في الركعة الأولى، وبينها وبين قراءة السورة في الركعة الأولى والثانية، وقبل الركوع قليلًا في الركعة الأولى والثانية، فإذا سكت الإمام في هذه المواضع فإنه يقرأ استحبابًا لا وجوبًا، وإذا سكت لعارض، مثل: أن يصاب بسعال أو عطاس، يقرأ؛ لأن الإمام لا يقرأ.
قوله: «وإذا لم يسمعه» أي: ويستحب أن يقرأ إذا لم يسمع الإمام لبعد «لا لطرش» أي صمم، أي: لا إن كان لا يسمع لصمم.
قوله: «ويستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامه» أي: أن المأموم يقرأ الاستفتاح، ويقرأ التعوذ فيما يجهر فيه الإمام ما لم يسمع قراءة الإمام، فإذا سمع قراءة إمامه فإنه يسكت لا يستفتح ولا يستعيذ.


_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/263)، وما ذكره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/228).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:19 PM

وَمَنْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إِمَامِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ فَقَطْ، وَإن رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ بَطَلَتْ إِلّا الجَاهِلَ والنَّاسِيَ، وَيُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ قَضَاءً.

_________________________________
قوله: «ومن»أي: مأموم«ركع، أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع» أي: يرجع من ركوعه إن كان راكعًا أو سجوده إن كان ساجدًا«ليأتي به بعده»([1])،والمذهب أن هذا العمل محرَّم، لكن لا تبطل الصلاة إن عاد، والقول الصحيح في المسألة أنه إذا ركع أو سجد قبل إمامه عامدًا بطلت صلاته، سواء رجع فأتى به بعد الإمام أو لا؛ لأنه فعل محظورًا في الصلاة ([2]).
قوله: «فإن لم يفعل عمدًا بطلت» أي: لو ركع أو سجد قبل الإمام، ولم يرجع حتى لحقه الإمام فإن صلاته تبطل، وإن لم يفعل سهوًا أو جهلًا فصلاته صحيحة.
قوله: «وإن ركع ورفع قبل إمامه»أي: قبل ركوع إمامه«عالمًا عمدًا بطلت» صلاته؛ لأنه سبق الإمام بركن الركوع، وإن ركع ورفع قبل إمامه «جاهلًا أو ناسيًا بطلت الركعة» التي حصل فيها هذا السبق «فقط» فيلزمه قضاؤها بعد سلام الإمام.
قوله: «وإن ركع ورفع قبل ركوعه»أي ركوع إمامه«ثم سجد قبل رفعه بطلت»صلاته«إلا الجاهل والناسي، ويصلي تلك الركعة قضاء».
سبق المأموم إمامه:
خلاصة الكلام في سبق المأموم إمامه أنه في جميع أقسامه حرام، أما من حيث بطلان الصلاة به فهو أقسام: أن يكبِّرَ للإحرام قبل إمامه أو معه فلا تنعقد صلاة المأموم حينئذ، فيلزمه أن يكبر بعد تكبيرة إمامه، أو أن يكون السبق إلى ركن فيلزمه أن يرجع ليأتي بذلك بعد إمامه، فإن لم يفعل عالما ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحة، أو أن يكون السبق بركن الركوع، فإن كان عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا بطلت الركعة فقط، أو أن يكون السبق بركن غير الركوع فيلزمه أن يرجع ليأتي بذلك بعد إمامه، فإن لم يفعل عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحة، أو أن يكون السبق بركنين، فإن كان عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا بطلت ركعته فقط.
تخلف المأموم عن إمامه:
إن تخلف لعذر من نوم أو غفلة أو زحام أو نحوه، فإنه يأتي بما تخلف به ويتابع الإمام، ولا حرج عليه، حتى وإن كان ركنًا كاملًا أو ركنين، إلا أن يصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا يأتي به ويبقى مع الإمام، وتصح له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه؛ الركعة التي تخلف فيها والركعة التي وصل إليها الإمام، وهو في مكانه.
فإن كان التخلف لغير عذر، فإذا كان تخلفًا في الركن بأن يتأخر عن المتابعة لكن يدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي عليك آية أو آيتان من السورة وبقيت قائمًا تُكْمِلُ ما بقي عليك، لكنه ركع وأدرك الإمام في الركوع فالركعة هنا صحيحة، لكن الفعل مخالف للسنة.
وإن كان التخلف بالركن بأن يسبقه الإمام بركن، كأن يركع ويرفع قبل أن يركع المأموم، فكالسبق.
موافقة المأموم إمامه:
فإن كانت الموافقة في الأقوال فلا تضر؛ إلا في تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة لا تنعقد إذا وافق، وإلا في السلام فإنه يكره الموافقة.
وإن كانت الموافقة في الأفعال فمكروهة، كما لو قال الإمام: «الله أكبر» للركوع وشرع في الهوى، فهوى المأموم والإمام سواء، فهذا مكروه.
متابعة المأموم إمامه:
وهي السنة، ومعناها أن يشرع الإنسان في أفعال الصلاة فور شروع إمامه، لكن بدون موافقة.


_________________________________
([1]) أي بما سبق به الإمام، وذلك بشرط ألا يدركه إمامه في الركعة؛ فإن لحقه إمامه فيها بطلت كما يأتي، قال في حاشية المنتهى: «فإن لم يتمكن من العود قبل إتيان الإمام به فظاهر كلامه أنه يتابعه ويعتد بما فعله، فلا يعيده، كمن لم يرجع سهوًا»، انظر: حاشية أبي بطين (1/161).

([2]) المذهب هو ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/264)، وما ذكره المصنف رواية، كما في الإنصاف (2/234).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:20 PM

وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ، وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنَ الثَّانِيَةِ،وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمَ يَشُّقُ عَلَى مَأْمُومٍ، وَإِذَا اسْتَأْذَنَتِ المَرْأَةُ إِلَى المَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا، وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا.

_________________________________
قوله: «يسن للإمام التخفيف» أي: أن يخفف للناس «مع الإتمام» وهو موافقة السنة، وليس المراد بالإتمام أن يقتصر على أدنى الواجب، بل موافقة السنة هو الإتمام، إلا أن يؤثر المأموم التطويل([1]).
ويسن أيضًا «تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية» إلا أن العلماء استثنوا مسألتين: إذا كان الفرق يسيرًا، مثل «سبح»، و«الغاشية» في يوم الجمعة وفي يوم العيد، فإن «الغاشية» أطول، لكن الطول يسير.
المسألة الثانية: الوجه الثاني في صلاة الخوف؛ فالإمام في الركعة الثانية يكون وقوفه أطول من وقوفه في الركعة الأولى، لكن هكذا جاءت به السنة من أجل مراعاة الطائفة الثانية.
قوله: «ويستحب»للإمام«انتظار داخل»معه في الصلاة؛ بشرط ألا «يشق على مأموم»، فإن شق على المأموم الذي معه كره له لذلك.
قوله: «وإذا استأذنت المرأة»أي طلبت المرأة البالغة الإذن من ولي أمرها وهو زوجها إن كان لها زوج، وإلا فأبوها، ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها؛ فإن استأذنت «إلى المسجد»لحضور صلاة الجماعة «كره منعها».
وقوله: «بيتها خير لها» أي من المسجد.


_________________________________
([1]) قال في المبدع (2/54): «ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة»، قال في حاشية أبي بطين (1/162): «في قول المبدع هنا نظر ظاهر، والصواب قول الشيخ تقي الدين أنه ليس له أن يزيد على الوارد، وأنه ينبغي أن يقول غالبًا ما كان صلى الله عليه وسلم يفعل غالبًا، ويزيد وينقص للمصلحة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانًا».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:21 PM

فَصْل

الْأَوْلَى بِالإِمَامَةِ: الْأَقْرَأُ العَالِمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ الْأَفْقَهُ، ثُمَّ الْأَسَنُّ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، ثُمَّ الْأَتْقَى، ثُمَّ مَنْ قَرَعَ، وَسَاكِنُ الْبَيْتِ، وَإِمَامُ المسْجِدِ أَحَقُّ، إِلَّا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ، وَحُرٌّ، وَحَاضِرٌ، وَمُقِيمٌ، وَبَصِيرٌ، وَمَخْتُونٌ، وَمَنْ لَهُ ثِيَابٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ.


_________________________________
قوله: «الأولى بالإمامة الأقرأ»أي الأجود قراءة، وهو الذي تكون قراءته تامة بأن يُخْرِج الحروف من مخارجها، ويأتي بها على أكمل وجه.
وقوله: «العالم فقه صلاته» بحيث لو طرأ عليه عارض في صلاته من سهو أو غيره تمكن من تطبيقه على الأحكام الشرعية.
فإذا اجتمع قارئان متساويان في القراءة لكن أحدهما أفقه، فإنه يقدم «الأفقه ثم الأسن» أي: الأكبر سنًّا، «ثم الأشرف» نسبًا، فالقرشي مُقَدَّم على غيره من قبائل العرب، والهاشمي مقدم على القرشي الذي ليس من بني هاشم«ثم الأقدم هجرة»([1]) الأقدم هجرة بعد الأشرف، فيكون في المرتبة الخامسة، والصحيح إسقاط هذه المرتبة يعني الأشْرَفِية، وأنه لا تأثير لها في باب إمامة الصلاة([2]).
قوله: «ثم الأتقى» أي: الأشد تقوى لله عز وجل «ثم من قرع» أي: إذا استوى في هذه المراتب كلها رجلان، فإننا في هذه الحال نستعمل القرعة.
قوله: «وساكن البيت»أحق من الضيف«وإمام المسجد أحق» أحق من غيره، حتى وإن وجد من هو أقرأ.
قوله: «إلا من ذي سلطان» أي: أن ذا سلطان مقدم على إمام المسجد، والسلطان هو الإمام الأعظم.
قوله: «حر وحاضر، ومقيم» الحر أولى من العبد الرقيق الذي يباع ويُشْتَرَى، والذي يسكن الحاضرة أولى من البدوي.
قوله: «وبصير» أولى من الأعمى،«ومختون» أولى من الأقلف، «ومن له ثياب» سترها أكمل أولى ممن عليه ثياب يستر بها قدر الواجب.

_________________________________
([1]) قال ابن قائد في حاشية المنتهى (1/297): «أن يهاجر إلينا اثنان من دار الحرب مسلمين فأسبقهما هجرة إلينا أولى».

([2]) المذهب أنها تعتبر، كما في شرح منتهى الإرادات (1/270)، قال في الإنصاف (2/246): «ولم يقدم الشيخ تقي الدين بالنسب، ذَكَره عن أحمد».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:21 PM

وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ كَكَافِرٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَخُنْثَى لِلرِّجَالِ، وَلَا صَبِيٍّ لِبَالِغٍ، وَلَا أَخْرَسَ،وَلَا عَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ إِلَّا إِمَامَ الحَيِّ المَرْجُوَّ زَوَالَ عِلَّتِهِ، وَيُصَلّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا نَدْبًا، فَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا وُجُوبًا، وَتَصِحُّ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ بِمِثْلِهِ.

_________________________________
قوله: «ولا تصح خلف فاسق» سواء من جهة الأفعال أو الاعتقاد، ولو كان إمامًا لا تمكن مقاومته؛ كمن له سلطان على المذهب، لكنهم يستثنون من هذا: الجمعة والعيد إذا تعذرتا خلف غيره، ولو لم يكن في البلد إلا مسجد إمامُهُ فاسق في غير الجمعة والعيد يصلي منفردًا على المذهب.
والقول الراجح صحة الصلاة خلف الفاسق، فالرجل إذا صلى خلف شخص حالق لحيته أو شارب الدخان أو آكل الربا أو زان أو سارق، فصلاته صحيحة([1]).
قوله: «ككافر» أي: كما لا تصح خلف الكافر. «ولا امرأة» ولا «خنثى للرجال» والخنثى هو : الذي لا يُعْلَم أَذَكَرٌ هو أم أنثى، وتصح أن تكون المرأة إمامًا للمرأة والخنثى يصح أن يكون إمامًا للمرأة؛ لأنه إما مثلها أو أعلى منها.
قوله: «ولا صبي لبالغ» أي: لا تصح إمامة من صبي لبالغ، أما إمامة الصبي للصبي فجائزة، «ولا أخرس» حتى بمثله، والراجح أن إمامة الأخرس تصح بمثله وبمن ليس بأخرس ([2]).
قوله: «ولا عاجز عن ركوع أو سجود» أي: ولا تصح إمامة عاجز عن ركوع -كمريض بظهره- للقادر على الركوع، وأما العاجز عن الركوع فإنه يصح أن يكون مثله إمامًا له، وكذلك عاجز عن «قعود أو قيام»إلا لمثله.
قوله: «إلا إمام الحي» أي: الإمام الراتب في المسجد، وهو مستثنى من الصورة الأخيرة وهو قوله: «أو قيام»، والحي هي الدور والحارات، فإذا كان لهذا المسجد إمام راتب عاجز عن القيام، فإنه يكون إمامًا لأهل الحي القادرين على القيام، لكن بشرط أن يكون «مرجو زوال علته» بأن يكون عجزه عن القيام طارئًا.
قوله: «ويصلون» الضمير يعود على أهل الحي؛ فإنه يصلون «وراءه» أي: وراء إمام الحي «جلوسًا ندبًا» أي: أن هذا الحكم ندب وليس بواجب، فلو صلوا وراءه قيامًا فصلاتهم صحيحة، والقول الصحيح أن الإمام إذا صلى قاعدًا وجب على المأمومين أن يصلوا قعودًا، فإن صلوا قيامًا فصلاتهم باطلة([3]).
قوله: «فإن ابتدأ» الإمام «بهم» أي بالجماعة «ثم اعتل»أي أصابته علة «فجلس أتموا خلفه قيامًا وجوبًا».
وقوله: «وتصح خلف من به سلس البول بمثله»، والقول الصحيح أن صلاة من به سلس البول صحيحة بمثله وبصحيح سليم([4]).
وسلس البول، أي: استمراره وعدم انقطاعه ولا يستطيع منعه.


_________________________________
([1]) المذهب أنها لا تصح كما في شرح منتهى الإرادات (1/272)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/253).

([2]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/273)، وقال في الإنصاف (2/259): «دخل في قوله (ولا أخرس) عدم صحة إمامته بمثله وبغيره، أما إمامته بغيره فلا تصح قولًا واحدًا عند الجمهور، وقيل: تصح إمامة من طرأ عليه الخرس دون الأصلي... وأما إمامته بمثله فالصحيح من المذهب أن إمامته لا تصح... وقال القاضي في الأحكام السلطانية والمصنف في الكافي: يصح أن يؤم مثله».

([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/274)، وما صححه الشيخ وجه، كما في الإنصاف (2/261).

([4]) المذهب أنها تصح بمثله فقط، كما في كشاف القناع (1/476)، وما صححه الشيخ قول، كما في الإنصاف (2/260).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:22 PM

وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مُحْدِثٍ وَلَا مُتَنَجِّسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالمَأْمُومَ حَتَّى انَقَضَتَ صَحَّتْ لِمَأمُومٍ وَحْدَهُ، وَلَا إِمامَةُ الأمِّيِّ وَهُوَ: مَنْ لَا يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا لَا يُدْغَمُ، أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا، أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لحْنًا يُحِيلُ المَعْنَى إِلّا بِمِثْلِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلَاحِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.

_________________________________
قولهولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك …»أي أن الإمام المحدث إن جهل هو والمأمومون أنه محدث حتى انتهت الصلاة فصلاتهم صحيحة، وهو يعيد صلاته؛ فإن علم أنه محدث في أثناء الصلاة فإن صلاته وصلاة المأمومين تبطل، والمراد أنه تبين عدم انعقادها؛ فإن علم واحد من المأمومين والإمام والباقون لم يعلموا بطلت صلاتهم جميعًا أيضًا، والصحيح أن صلاة المأمومين صحيحة بكل حال، إلا من علم أن الإمام محدث([1]).
وإذا صلى الإمام بنجاسة وهو يجهلها هو والمأموم ولم يعلم بها حتى انتهت الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وأما الإمام فلا تصح صلاته، فيجب أن يغسل النجاسة التي في ثوبه أو على بدنه، ثم يعيد الصلاة، فإن علم في أثناء الصلاة، فيجب عليه أن يعيد الصلاة هو والمأمومون([2]).
قوله: «ولا إمامة الأمي»الأمي: نسبة إلى الأم، والإنسان إذا خرج من أمه فهو لا يعلم شيئًا، وفي الاصطلاح: «من لا يحسن الفاتحة» يعني: لا يقرؤها لا حفظًا ولا تلاوة، ولو كان يقرأ كل القرآن إلا الفاتحة فهو أمِّيٌّ.
قوله: «أو يدغم فيها»أي في الفاتحة«ما لا يدغم» فإذا أدغمت حرفًا بما لا يقاربه ولا يماثله فهو غلط؛ كمن يقول: «الحمد للرب العالمين» أدغم الهاء بالراء.
قوله: «أو يبدل حرفًا» أي: يبدل حرفًا بحرف وهو الألثغ، مثل: أن يبدل الراء باللام، ويستثنى من هذه المسألة إبدال الضاد ظاء فإنه معْفُوٌّ عنه، وذلك لخفاء الفرق بينهما.
قوله: «أو يلحن فيها»أي في الفاتحة «لحنًا يحيل المعنى» واللحن: تغيير الحركات، سواء كان تغييرًا صرفيًّا أو نحويًّا، فإن كان يغير المعنى فإن المغير أمي -كمن يقول: )أهدنا الصراط المستقيم( بفتح الهمزة فهذا يحيل المعنى؛ لأن «أهدنا» من الإهداء- وإن كان لا يغيره فليس بأمي –كمن يقول: «إياك نستعين» بفتح النون الثانية فهذا لا يحيل المعنى- وليس معنى ذلك جواز قراءة الفاتحة ملحونة، فإنه لا يجوز أن يلحن ولو كان لا يحيل المعنى، لكن المراد صحة الإمامة.
قوله: «إلا بمثله» أي: إذا صلى أمي لا يعرف الفاتحة بأمي مثله فصلاته صحيحة؛ لمساواته له في النقص.
قوله: «وإن قدر»الأمي «على إصلاحه»أي إصلاح اللحن الذي يحيل المعنى، ولم يصلحه «لم تصح صلاته» وإن لم يقدر فصلاته صحيحة، دون إمامته إلا بمثله.


_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، وما صححه الشيخ اختيار القاضي وغيره، انظر: الإنصاف (2/268).

([2]) قال في الروض المربع: «وإن علم معه واحد أعاد الكل»، قال أبو بطين (1/168): «واختار القاضي والشيخ –يعني الموفق- يعيد العالم، وكذا نقله أبو طالب، وإن علمه اثنان وأنكر هو أعاد الكل، واحتج بخبر ذي اليدين».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:22 PM

وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ وَالْفَأْفَاءِوَالتَّمْتَامِ، وَمَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ، وَأَنْ يَؤُمَّ أَجْنَبِيَّةً فَأَكْثَرَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ.وَتَصِحُّ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دِينُهُمَا، وَمَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، وَعَكْسُهُ، وَلَا مَنْ يُصَلِّي الظّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ أَوْ غَيْرِهَا.

_________________________________
قوله: «وتكره إمامة اللحان» أي كثير اللحن، والمراد في غير الفاتحة، فإن كان في الفاتحة وأحال المعنى صار أمِّيًّا لا تصح إمامته على المذهب، وكذلك حكم «الفأفاء» وهو الذي يكرر الفاء إذا نطق بها، وكذلك «التمتام» وهو من يكرر التاء، وكل من يكرر الحروف تكره إمامته من أجل زيادة الحرف، ولكن لو أم الناس فإمامته صحيحة.
قوله: «ومن لا يفصح ببعض الحروف» أي: يخفيها بعض الشيء، وليس المراد أنه يسقطها؛ لأنه إذا أسقطها فإن صلاته لا تصح إذا كان في الفاتحة لنقصانها، أما إذا كان يذكرها، ولكن بدون إفصاح فإن إمامته مكروهة، أما من يقرأ بغير تجويد فلا تكره إمامته، بل ولا قراءته مطلقًا.
ويكره «أن يؤم أجنبية»أي ليست من محارمه «فأكثر»إذا كان «لا رجل معهن»، والصحيح أن ذلك لا يكره، وأنه إذا أمَّ امرأتين فأكثر فالخلوة قد زالت، ولا يكره ذلك إلا إذا خاف الفتنة، فإنه حرام ([1]).
وكذا يكره أن يؤم «قومًا أكثرهم يكرهه بحق» ولو كان الجميع يكرهه لكانت الكراهة من باب أولى، ولو كان الأقل يكرهه فإن ذلك لا يضر، ولو كرهه أكثرهم بغير حق، مثل: لو كرهوه؛ لأنه يحرص على اتباع السنة في الصلاة فإن إمامته فيهم لا تكره([2]).
قوله: «وتصح إمامة ولد الزنا»ولد الزنا خلق من ماء سفاح لا نكاح، فلا ينسب لأحد إلا للزاني، ولا لزوج المرأة إن كانت ذات زوج؛ لأنه ليس له أب شرعي، ولكن له أب قدري.
وكذا تصح إمامة «من يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه».
قوله: «لا مفترض بمتنفل» أي: لا يصح ائتمام مفترض بمتنفل، والقول الراجح أن الفريضة تصح خلف النافلة([3]).
وكذا لا يصح ائتمام «من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما»، والقول الثاني أنه يصح أن يأتم من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي العصر بمن يصلي الظهر ولا بأس بهذا([4]).


_________________________________
([1]) المذهب أنه يكره، كما في شرح منتهى الإرادات (1/277).

([2]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذهب، فلا ينبغي أن يؤمهم؛ لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف» انظر: الفروع (2/11).

([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات(1/278)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/276).

([4]) المذهب القول الأول، كما في شرح منتهى الإرادات (1/278)، والقول الثاني رواية، كما في الإنصاف (2/277).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:23 PM

فَصْل

يَقِفُ الْمأمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيَصِحُّ مَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ جَانِبَيْهِ، لَا قُدَّامَهُ، وَلَا عَنْ يَسَارِه فَقَطْ، وَلَا الْفَذّ خَلْفَهُ، أَوْ خَلْفَ الصَّفِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرأةً.


_________________________________
قوله: «يقف المأمومون خلف الإمام»وأقل الجمع في باب الجماعة اثنان.
قوله: «ويصح»أن يقفوا«معه»أي مع الإمام «عن يمينه أو جانبيه» أي: أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله، ولا يصح أن يقفوا «قدامه»، والقول الوسط أنه عند الضرورة لا بأس به، وإذا لم يكن هناك ضرورة فلا([1]).
قوله: «ولا عن يساره» أي: لا تصح صلاة المأموم إن وقف عن يسار الإمام، لكن بشرط خلو يمينه، والقول الراجح صحة الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه([2]).
قوله: «ولا الفذ خلفه» أي: إذا كان إمام ومأموم، فصلى المأموم خلف الإمام فإن صلاة المأموم لا تصح، والقول الوسط، أنه إذا كان الانفراد خلف الصف لِعُذْرٍ صحَّتْ الصلاة([3]).
والإمام فيه تفصيل: إن بقي على نية الإمامة لم تصح صلاته؛ لأنه نوى الإمامة وليس معه أحد، وإن انفرد فصلاته صحيحة.
ويكون الانفراد إذا رفع إمامه رأسه من الركوع ولم يدخل معه أحد، فإن دخل معه أحد قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع أو انفتح مكان في الصف قبل أن يرفع الإمام من الركوع ودخل في الصف، فإنه في هذه الحال يزول عن الفردية.
«إلا أن يكون»الفذ «امرأة» خلف رجل أو خلف الصف أيضًا، فإن صلاتها تصح، أما المرأة مع جماعة النساء فكرجل مع جماعة الرجال لا يصح أن تقف خلف إمامتها ولا خلف صف نساء.

_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/279)، والقول الثاني أنها تصح مطلقًا، كما في الإنصاف (2/280).

([2]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/280)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/282).

([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/280)، والقول الوسط الذي ذكره الشيخ هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (20/559).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:24 PM

وَإِمَامَةُ النِّسَاءِ تَقِفُ فِي صَفِّهِنَّ، وَيَلِيهِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ، كَجَنَائِزِهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ مَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ صَبِيٌّ فِي فَرْضٍ فَفَذّ.

_________________________________
إذا صلى النساء جماعة فإن «إمامة النساء تقف في صفهن» أما وقوف المرأة مع المرأة الواحدة فكوقوف الرجل مع الرجل الواحد إن وقفت عن يسارها أو أمامها أو خلفها، فإنها لا تصح صلاتها على المذهب.
قوله: «ويليه»أي الإمام «الرجال ثم الصبيان ثم النساء»على هذا الترتيب؛ كما يرتبون«جنائزهم» فإذا اجتمع جنائز من الرجال والصبيان والنساء، فإنهم يقدمون الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
ولما كان الكافر يمكن أن يصلي إذا كان كفره بغير ترك الصلاة، فإن المصلي خلف الصف إذا «لم يقف معه إلا كافر»فإذا علم بكفره فالمذهب أن صلاته لا تصح؛ لأنه فذ، وإذا وقف مع كافر لا يعلم بكفره فإن صلاته صحيحة([1]).
وكذا إذا لم يقف معه إلا «امرأة» فهو فذ؛ فإن وقفت امرأة مع رجلين فإنه تصح صلاتهما وصلاتها، كما أن صفّا تامًّا من نساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من الرجال.
قوله: «أو من علم حدثه أحدهما» كما إذا دخل رجلان المسجد فوجدا الصف الأول تامًّا فقاما خلف الصف، وأحدهما محدث يعلم حدث نفسه، والآخر على طهارة ولا يعلم أن صاحبه محدث، فالصلاة على كلام المؤلف غير صحيحة([2])، والصحيح في هذه المسألة أن الثاني الموقوف معه صلاته صحيحة؛ لأنه معذور بالجهل فإنه لا يدري أن صاحبه محدث، لكن لو علم أن صاحبه محدث فهو فذ؛ لأنه يعتقد أنه صلى مع شخص لا تصح صلاته.
فإن جهل هو وصاحبه حتى انقضت الصلاة، فصلاة الواقف مع المحدث صحيحة؛ لأنه لم يعلم واحد منهما بالحدث.
قوله: «أو صبي»لم يبلغ«في فرض ففذ» خرج به ما لو وقف معه الصبي في نفل، فإن كانت الصلاة نافلة فالمصافة صحيحة، والقول الراجح أن من وقف معه صبي فليس فذًّا لا في الفريضة ولا في النفل([3]).


_________________________________
([1]) المذهب أن صلاته لا تصح إذا لم يقف معه إلا كافر، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281)، قال في الإنصاف (2/286): «إذا لم يقف معه إلا كافر فإنه يكون فذّا بلا خلاف أعلمه».

([2]) قال في الروض المربع بحاشية ابن قاسم النجدي (2/ 343): (أو من علم حدثه) أو نجاسته (أحدهما) أي المصلي أو المصافف له.

([3]) المذهب أنه فذ، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281)، وما رجحه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/288).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:29 PM

وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً دَخَلَهَا، وَإِلَّا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى فَذّا رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ صَحَّتْ.

_________________________________
قوله: «ومن وجد فرجة دخلها»والفرجة هي الخلل في الصف، أي: مكان ليس فيه أحد؛ وإن لم يجد فرجة فليقف «عن يمين الإمام([1])؛ فإن لم يمكنه» أن يتقدم إلى الإمام ويصلي إلى جانبه، مثل: أن يكون الإمام في مكان ضيق كطاق القبلة – أي: المحراب – فلا يمكن أن يصف فيه أكثر من واحد، فهنا لا يتمكن أن يقف عن يمين الإمام، والصحيح أنه يصلي خلف الصف وحده، وأن صلاته صحيحة([2]).
قوله: «فله»أي لهذا الرجل«أن ينبه من يقوم معه»فيقول: يا فلان تأخر جزاك الله خيرًا لتصلي معي، ولكن يكره أن يجذبه بدون أن ينبه، ويتبعه من ينبهه وجوبًا، والصحيح أنه ليس له ذلك؛ لأنه إذا نبهه أحرجه، والصحيح أن الآخر لا يلزمه أن يرجع معه([3]).
قوله: «وإن ركع فذّا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت» إن ركع فذّا ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام صحت صلاته لزوال الفردية قبل تمام الركعة، وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون ذلك لعذر، أو لغير عذر، والمذهب خلافه؛ فلو أن رجلًا وقف خلف الصف وكبر وركع بدون عذر، والصف لم يتم ثم جاء آخر، فدخل معه قبل أن يسجد الإمام فالمذهب في هذه المسألة أنه إن كان لغير عذر فرفع الإمام من الركوع قبل أن تزول فَذّيته فصلاته غير صحيحة([4])، وإن زالت فذيته قبل الرفع من الركوع فصلاته صحيحة، هذا إذا كان لغير عذر، أما إذا كان لعذر، فهو كما قال المؤلف العبرة بسجود الإمام.
والعذر هو خوف فوت الركعة، فإذا خشي إن تقدم حتى ينتهي إلى الصف أن تفوته الركعة فله أن يكبر ويركع فذًّا ثم يدخل في الصف قبل أن يسجد الإمام، فإن سجد الإمام ولو قبل أن تزول فذيته ولو لعذر فصلاته غير صحيحة.
والصحيح أنه إذا كان لعذر فصلاته صحيحة مطلقًا، والعذر تمام الصف، فإذا كان الصف تامًّا فصلاته صحيحة بكل حال، حتى وإن بقي منفردًا إلى آخر الصلاة، وأما إذا كان لغير عذر فإن رفع الإمام من الركوع قبل أن تزول فذيته فصلاته غير صحيحة([5]).


_________________________________
([1]) قال أبو بطين في حاشيته (1/174): «ولا بأس بقطع الصف عن يمينه أو خلفه، وكذا إن بعد الصف منه نصًّا وقربه منه أفضل، وكذا توسطه؛ فإن انقطع عن يساره فقال ابن حامد: إن كان بعد مقام ثلاثة رجال بطلت صلاتهم».

([2]) سبق أن هذا اختيار الشيخ.

([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/281-282)، وقال في الإنصاف (2/288): «وإذا لم يقدر أن يقف عن يمين الإمام فله أن ينبه من يقوم معه بكلام أو نحنحة أو إشارة بلا خلاف أعلمه، ويتبعه».

([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/282).

([5]) سبق أن اختيار الشيخ صحة صلاة الفذ خلف الصف لعذر.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:30 PM

فَصْل

يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المَأمُومِ بِالْإِمَامِ فِي المَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الْإِمَامَ أَوِ المَأمُومِينَ، وَتَصِحُّ خَلْفَ إِمَامٍ عَالٍ عَنْهُمْ. وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ العُلُوُّ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ، كَإِمَامَتِهِ فِي الطّاقِ، وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ المَكْتُوبَةِ إِلّا مِنْ حَاجَةٍ، وإِطَالَةُ قُعُودِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ لَبِثَ قَلِيلًا لِيَنْصَرِفْنَ. وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُمْ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعْنَ الصُّفُوفَ.

_________________________________

في أحكام اقتداء المأموم بالإمام
قوله: «يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد»([1])أي: في مسجد واحد، ولو كانت بينهما مسافات؛ «وإن لم يره ولا من وراءه» أي: لم ير الإمام، ولا من وراءه من المأمومين، وذلك «إذا سمع التكبير» إما منه أو ممن يبلغ عنه.
قوله: «وكذا»يصح اقتداء المأموم بالإمام «خارجه»أي خارج المسجد«إن رأى الإمام أو المأمومين»ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة أو من شباك ونحوه، وكذا يُشْتَرط سماع التكبير.
ولا يشترط اتصال الصفوف على المذهب، إذا كان يرى الإمام أو من وراءه في بعضها وأمكن الاقتداء، ولو جاوز ثلاثمائة ذراع، والقول الثاني: لا تصح الصلاة إذا لم تتصل الصفوف، والمذهب هو الأول([2])، والصواب الثاني([3]).
قوله: «وتصح»صلاة المأمومين «خلف إمام عالٍ عنهم» يعني: فوقهم، ولكن «يكره إذا كان العلو ذراعًا فأكثر»ويقيد بعض العلماء هذه المسألة بما إذا كان الإمام غير منفرد بمكانه، فإذا كان معه أحد فإنه لا يكره ولو زاد على الذراع؛ لأن الإمام لم ينفرد بمكانه وهذا لاشك أنه قول وجيه([4]).
ويكره كذلك «إمامته في الطاق» والمراد بالطاق طاق القبلة الذي يسمى «المحراب» وطاق القبلة يكون مقوسًا مفتوحًا في عرض الجدار، وأحيانًا يكون واسعًا، بحيث يقف الإمام فيه ويصلي ويسجد في نفس المحراب، فالمؤلف يرى أنه مكروه، ولكن إذا كان لحاجة مثل: أن تكون الجماعة كثيرة، واحتاج الإمام إلى أن يتقدم حتى يكون في الطاق فإنه لا بأس فيه.
أما إذا كان الإمام في باب الطاق، ولم يدخل فيه، ولم يتغيب عن الناس، وكان محل سجوده في الطاق، فلا بأس به.
ويكره للإمام كذلك «تطوعه موضع المكتوبة» أي: في المكان الذي صلى فيه المكتوبة؛ أما المأموم فإنه لا يكره له أن يتطوع في موضع المكتوبة، لكن ذكروا أن الأفضل أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من موضعه.
قوله: «إلا من حاجة» والحاجة هي التي تكون من مكملات مراده، وليس في ضرورة إليها، مثل: أن يريد الإمام أن يتطوع؛ لكن وجد الصفوف كلها تامة ليس فيها مكان، فحينئذ يكون محتاجًا إلى أن يتطوع في موضع المكتوبة.
ويكره للإمام كذلك «إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة»بل يخفف ويجلس بقدر ما يقول: استغفر الله «ثلاث مرات»، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
قوله: «فإن كان ثم نساء» أي: في المسجد «لبث قليلًا»مستقبل القبلة «لينصرفن» قبل الرجال.
قوله: «يكره وقوفهم بين السواري» أي: وقوف المأمومين وراء الأعمدة، وذلك «إذا قطعن الصفوف» عرفًا؛ فإن احتيج إلى ذلك بأن كانت الجماعة كثيرة والمسجد ضيقًا فلا بأس به من أجل الحاجة.


_________________________________
([1]) قال ابن قائد في حاشية المنتهى (1/315): «حاصله أن المقتدي إما أن يكون مع الإمام في المسجد، وإما أن يكون المأموم وحده خارجه؛ ففي الأولى يكفي لصحة الاقتداء أحد أمرين: الرؤية أو سماع التكبير، وفي الثانية: لابد من الرؤية».

([2]) انظر شرح منتهى الإرادات (1/282-283).

([3]) وجزم به الخرقي والكافي والمغني وغيرهم، كما في الإنصاف (2/293).

([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/283).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:30 PM

فَصْل

وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ، وَمُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَام مُحْتَاج إِلَيْهِ، وَخَائِفٌ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ، أَوْ فَوَاتِهِ أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ، أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ، أَوْ أَذًى بِمَطَرٍ أَوْ وَحْلٍ، أَوَ بِرِيحٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ.


_________________________________

في بيان الأعذار التي تُسْقِط الجمعة والجماعة
قوله: «يعذر بترك جمعة وجماعة مريض»([1])مرضًا يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي، ويعذر كذلك «مدافع أحد الأخبثين» البول والغائط، وكذا «من بحضرة طعام محتاج إليه» ويأكل حتى يشبع([2])، وكذا «خائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه»كأن يخاف سرقة ماله، أو يكون معه دابة يخشى لو ذهب للصلاة أن تَنْفَلِت، أو أضاع دابته فعلم مكانها وخاف أن تذهب عن المكان الذي هي فيه، أو كان يخشى من ضرر، أو يخشى من «موت قريبه»وهو غير حاضر، أي أن قريبه في سياق الموت، أو يخشى «على نفسه من ضرر»أو يخشى من «سلطان» مثل: أن يطلبه ويبحث عنه أمير وهو ظالم له، أو يخشى «ملازمة غريم»يطالبه بما له «ولا شيء معه»، أو يخشى «من فوات رفقة» بسفر مباح.
ويعذر بـ «غلبة نعاس أو أذى بمطر أو وحل»والأذية بالمطر أن يتأذى في بَل ثيابه أو ببرودة الجو، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذي بوحل، «أو بريح باردة شديدة في ليلة مظلمة»أما الريح الساخنة فليس فيها أذى ولا مشقة، وكذا لا مشقة أو أذى في الريح الخفيفة ولو كانت باردة، فإذا كانت الرياح باردة وشديـدة فهي عذر بلا شك.

_________________________________
([1]) قال في المنتهى: «وتلزم الجمعة من لم يتضرر بإتيانها راكبًا أو محمولًا وتبرَّع أحد به أو بقود أعمى، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه...» قال ابن قائد (1/319): «هذا كالتقييد لما تقدم من قوله: «يعذر... إلخ»، وحاصله أن المريض والخائف حدوث مرض يعذر في ترك الجماعة ولو أمكنه إتيانها راكبًا أو محمولًا بلا ضرر، وفي ترك الجمعة إن لم يمكنه ذلك».

([2]) قال ابن قائد (1/319): «ليس الحضور قيدًا بل حيث كان تائقًا».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:32 PM

بَابُ صَلاةِ أَهْلِ الأَعْذَارِ

تَلْزَمُ المَرِيضَ الصَّلَاةُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى جَنْبِهِ، فَإِنْ صَلّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَحَّ، وَيُوِمئُ رَاكِعًا وَسَاجِدًا، وَيَخْفِضُهُ عَنِ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قَدَرَ أَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَ
لَ إِلَى الْآخَرِ.

_________________________________
المراد بالأعذار هنا: المرض والسفر والخوف.
قوله: «تلزم المريض» -وهو الذي اعتلت صحته، سواء كانت في جزء من بدنه، أو في جميع بدنه - «الصلاة قائمًا» أي: واقفًا ولو كان مثل الراكع، أو كان معتمدًا على عصا أو جدار أو عمود أو إنسان، فمتى أمكنه أن يكون قائمًا وجب عليه على أي صفة كان.
قوله: «فإن لم يستطع»، أي: إن لم يكن في طوعه القيام، وذلك بأن يعجز عنه فإنه يصلي قاعدًا، وظاهر اللفظ أنه لا يباح القعود إلا لِعجز، وأما المشقة فلا تبيح القعود، والصحيح: أن المشقة تبيح القعود([1]).
وقوله: «فإن لم يستطع» ظاهره: أنه لا يبيح القعود إلا العجز، وأما المشقة فلا تُبِيح القعود، والمذهب أن المشقة تبيح القعود، فإذا شق عليه القيام صلى قاعدًا.
والضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة.
وقوله: «فقاعدًا» أي: جالسًا متربعًا على أليَتَيْهِ ندبًا، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعًا.
قوله: «فعلى جنبه» والأيمن أفضل.
قوله: «فإن صلى مستلقيًا» أي: المريض «ورجلاه إلى القبلة صح» هذا الفعل، أي: مع قدرته على الجنب، لكنه خلاف السنة؛ والقول الثاني: أنه لا يصح مع القدرة على الجنب.
وإذا كان مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة يكون رأسه إلى عكس القبلة إلى الشرق إن كانت القبلة غربًا؛ لأن هذا أقرب ما يكون إلى صفة القائم، فهذا الرجل لو قام تكون القبلة أمامه، فلهذا يكون مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، والمذهب أنه إن صلى مستلقيًا ورأسه إلى القبلة لا تصح صلاته؛ لأنه لو قام لكان مستدبرًا للقبلة، وكذلك لو صلى مستلقيًا ورجلاه إلى يسار القبلة أو يمين القبلة لا تصح؛ لأنه لو قام لكانت القبلة عن يمينه أو عن يساره، فلابد إذن أن تكون رجلاه إلى القبلة.
قوله: «ويومئ» المريض المصلي جالسًا في الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض، وهذا فيما إذا عَجَزَ عن السجود، أما إذا قدر عليه فيومئ بالركوع ويسجد؛ فإن كان مضطجعًا على الجنب فإنه يومئ بالركوع والسجود إيماء بالرأس إلى الصدر، فيومئ في حال الاضطجاع إلى صدره، قليلًا في الركوع، ويومئ أكثر في السجود.
قوله: «فإن عجز أومأ بعينه» يعني: إذا صار لا يستطيع أن يومئ بالرأس فيومئ بالعين، فإذا أراد أن يركع أغمض عينيه يسيرًا، ثم إذا قال:«سمع الله لمن حمد» فتح عينيه، فإذا سجد أغمضهما أكثر([2]).
قوله: «فإن قدر أو عجز في أثنائها انتقل إلى الآخر» إن قدر المريض في أثناء الصلاة على فعل كان عاجزًا عنه انتقل إليه.


_________________________________
([1]) وهو المذهب كما في شرح منتهى الإرادات (1/287).

([2]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/179-180): «وينوي الفعل عند إيمائه له، والقول كالفعل يستحضره بقلبه إن عجز عنه بلفظه، وكذا أسير خائف، ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا، ولا ينقص أجر المريض إذا صلى ولو بالإيماء عن أجر الصحيح المصلي قائمًا».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:50 PM

فَإِنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْمَأَ بِرُكُوعٍ قَائِمًا، وَبِسُجُودٍ قَاعِدًا. وَلِمَريضٍ الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَاعِدًا فِي السَّفِينَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ، وَيَصِحُّ الفَرْضُ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ التّأَذِّي بالْوَحْلٍ لَا لِلْمَرَضِ.

_________________________________

قوله: «وإن قدر»المريض «على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائمًا وبسجود قاعدًا» وهذا يحتاج الإنسان إليه في الطائرة إذا كان السفر طويلًا وحان وقت الصلاة، وليس في الطائرة مكان مخصص للصلاة، فإنه يصلي في مكانه قائمًا بدون اعتماد إذا صارت الطائرة مستوية، وليس فيها اهتزاز، وإلا فيتمسك بالكرسي الذي أمامه لكن يومئ بالركوع قدر ما يمكن، والظاهر: أنه لا يستطيع السجود حسب الطائرات التي نعرف، فنقول: اجلس على الكرسي، ثم أومئ إيماءً بالسجود.
وإذا كان لا يستطيع السجود على الجبهة فقط؛ لأن فيها جروحًا لا يتمكن أن يمس بها الأرض، لكن يقدر باليدين وبالركبتين، لم يلزمه بغيرها.
ويباح «لمريض الصلاة مستلقيًا» على ظهره«مع القدرة على القيام» أي: هو قادر أن يقوم، لكن قال له «طبيب مسلم»لابد أن تصلي مستلقيًا ولا تقوم.
قوله: «ولا تصح صلاته قاعدًا في السفينة وهو قادر على القيام» أي: الفريضة؛ لأن النافلة تصح قاعدًا مع القدرة على القيام في السفينة وغيرها؛ وذلك لأن السفينة ليست كالراحلة؛ لأن السفينة يمكن للإنسان أن يصلي فيها قائمًا ويركع ويسجد لاتساع المكان، فإذا كان يمكنه وجب عليه أن يصلي قائمًا، وإذا كان لا يمكنه إما لكون الرياح عاصفة والسفينة غير مستقرة، فإنه يصلي جالسًا، وإما لكون سقف السفينة قصيرًا فإنه يصلي جالسًا.
قوله: «ويصح الفرض على الراحلة» يعني: البعير أو الحمار أو الفرس أو نحو ذلك «خشية التأذّي بالوحل»أو بالمطر أو غير ذلك لو صلى على الأرض، ويجب أن يستقبل القبلة في جميع الصلاة؛ لأن التأذي بالنزول لا يمنع استقبال القبلة، ويومئ بالركوع والسجود؛ هذا في البعير والحمار والفرس، أما الراحلة اليوم؛ كالسيارات، والسفن فيستطيع الإنسان أن يصلي فيها قائمًا راكعًا ساجدًا متجهًا إلى القبلة، فيجب عليه ذلك.
قوله: «لا للمرض» يعني لا تصح الفريضة على الراحلة للمرض؛ لأن المريض يمكنه أن ينيخ الراحلة وينـزل على الأرض ويصلي، ولكن إذا علمنا أن هذا المريض لو نزل لم يستطع الركوب؛ لأنه ليس عنده من يُرْكِبه، وهذا قد يقع، فيصلي على الراحلة؛ لأن هذا أعظم من التأذي بالمطر وأخطر.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:50 PM

فَصْل

مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ سُنَّ لَهُ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ إِذَا فَارَقَ عَامِرَ قَرْيَتِهِ، أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ. وَإِنْ أَحْرَمَ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ، أَوْ عَكْسَهَا، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ يَشُكّ فِيهِ.


_________________________________
قوله: «من سافر»([1])من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير «سفرًا مباحًا»ليس بحرام ولا مكروه، فيشمل الواجب والمستحب والمباح إباحة مطلقة، وذهب الإمام أبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء إلى أنه يجوز أن يقصر حتى في السفر المحرم، وهذا القول قول قوي([2]).
فالسفر لفعل المحرم كسفر المرأة بلا محرم، والسفر وحده مكروه، والسفر للنزهة مباح، والسفر لفريضة الحج واجب، وللمرة الثانية في الحج مستحب.
قوله: «أربعة برد» وهي 82 كيلو مترًا تقريبًا، والبرد جمع بريد، والبريد نصف يوم، والصحيح أنه لا حد للمسافة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف([3])، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر، والإقامة الطويلة في الزمن القصير سفر.
قوله:«سن له قصر رباعية ركعتين» أما الثلاثية فلا تقصر، وأما الثنائية فلا تقصر أيضًا، ولا يمكن قصر بدون سفر، حتى لو كان الإنسان في أشد المرض أوالشغل أوالتعب فلا يكون سببًا للقصر بخلاف الجمع.
ولا يقصر إلا «إذا فارق»، والمفارقة المراد بها المفارقة البدنية؛ لا المفارقة البصرية، أي: أن يتجاوز البيوت ولو بمقدار ذراع، فإذا خرج من مسامته البيوت ولو بمقدار ذراع فإنه يعتبر مفارقًا.
وقوله: «عامر قريته» ولم يقل: بيوت قريته؛ لأنه قد يكون هناك بيوت قديمة في أطراف البلد هجرت وتركت ولم تسكن، فهذه لا عبرة بها، بل العبرة بالعامر من القرية، فإن كان في القرية بيوت عامرة، ثم بيوت خربة، ثم بيوت عامرة، فالعبرة بمفارقة البيوت العامرة، وإن كان يتخللها بيوت غير عامرة.
وأضاف القرية إلى المسافر ليفيد أن المراد قريته التي يسكنها، فلو فرض أن هناك قريتين متجاورتين ولو لم يكن بينهما إلا ذراع أو أقل، فإن العبرة بمفارقة قريته هو.
قوله: «أو خيام قومه» إذا كانوا يسكنون الخيام، وعلم من كلامه أنه لا يجوز أن يقصر ما دام في قريته، ولو كان عازمًا على السفر ولو كان مرتحلًا ولو كان راكبًا يمشي بين البيوت.
ويجب الإتمام في مسائل:
«إن أحرم حضرًا ثم سافر» يعني دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام ثم سافر، كما لو كان في سفينة تجري في نهر يشق البلد، وكانت راسية فكبر للصلاة ثم مشت السفينة ففارقت البلد وهو في أثناء الصلاة،«أو في سفر ثم أقام»أي: أحرم للصلاة في سفر ثم أقام، عكس المسألة الأولى.
«أو ذكر صلاة حضر في سفر»كرجل مسافر، وفي أثناء السفر ذكر أنه صلى الظهر في البلد بغير وضوء، فإنه يصلي أربعًا، «أو عكسها»يعني أو ذكر صلاة سفر في حضر.
«أو ائتم»المسافر «بمقيم»فإنه يتم، أو ائتم «بمن يشك فيه»هل هو مسافر أو مقيم، وهذا إنما يكون في محل يكثر فيه المسافرون.


_________________________________
([1]) قال منصور البهوتي في حواشي الإقناع (1/285): «من ابتدأ سفرًا؛ هذه عبارة الفروع، وعبارة المقنع: من سافر، ويرد عليها من خرج في طلب ضالة أو آبق حتى جاوز ستة عشرة فرسخًا لم يجز له القصر لعدم نيته على المذهب، ويرد عليها أيضًا كون المعتبر نية المسافة لا حقيقتها؛ فلو نواها ثم رجع قبل استكمالها وقد قصر فلا إعادة على الصحيح، مع أنه لم يسافر ستة عشر فرسخًا».

([2]) المذهب خصوص السفر المباح، كما في شرح منتهى الإرادات (1/292)، وما قواه الشيخ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (24/109).

([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/292)، وقال في الإنصاف (2/318): «وقال المصنف والشيخ تقي الدين أيضًا: لا حجة للتحديد، بل الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:51 PM

أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا فَفَسدَتْ وَأَعادَهَا، أَوْ لَمْ يَنْوِ القَصْرَ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ، أَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ،أَوْ مَلَّاحًا مَعَهُ أَهْلُهُ لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ فَسَلَكَ أَبْعَدَهُمَا، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍفِي آخَرَ قَصَرَ، وَإِنْ حُبِسَ وَلَمْ يَنْوِ إِقَامَةً، أَوْ أَقَامَ لِقْضَاءِ حَاجَةٍ بِلَا نِيَّةِ إِقَامَةٍ قَصَرَ أَبَدًا.

_________________________________
قوله: «أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها»يعني: المسافر أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، إذا ائتم بمقيم فقد أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، فإذا فسدت ثم أعادها فإنه يلزمه الإتمام؛ لأن هذه الصلاة إعادة لصلاة يجب إتمامها، فيلزمه أن يصلي أربعًا.
قوله: «أو لم ينو القصر عند إحرامها»يعني: دخل في صلاة الظهر وهو مسافر، لكن نوى صلاة الظهر، ولم يستحضر تلك الساعة أن ينويها ركعتين، فهنا يقول المؤلف: يلزمه أن يتم.
قوله: «أو شك في نيته»أي نية القصر، يعني: شك هل نوى القصر أو لم ينو؟ فيلزمه الإتمام، وهذه المسألة غير المسألة الأولى، فالأولى جزم بأنه لم ينو، والثانية شك هل نوى أو لا؟
قوله: «أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام»في أي مكان كان، سواء نوى الإقامة في البر، أو نوى الإقامة في البلد، فيلزمه أن يتم.
ومثال الإقامة في غير البلد: رجل مسافر انتهى إلى غدير، فأعجبه المكان فنـزل، وقال: سأبقى في هذا المكان خمسة أيام، فيلزمه أن يتم؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام، والقول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن المسافر مسافر ما لم ينو واحدًا من أمرين: الإقامة المطلقة، أو الاستيطان([1]).
قوله: «أو ملَّاحًا معه أهله»([2])الملاح قائد السفينة، وكان معه أهله مصاحبون له، وكان «لا ينوي الإقامة ببلد»المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته.
أما لو كان أهله في بلد فإنه مسافر، ولو طالت مدته في السفر، ولو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر؛ لأنه مسافر، فمثلًا: إذا كان ملاحًا في سفينة وأهله في جدة، لكنه يجوب البحار؛ كالمحيط الهندي والهادي، ويأتي بعد شهر أو شهرين إلى جدة فهذا مسافر؛ لأنه ليس معه أهله، بل له بلد يأوي إليه.
وكذلك أيضًا: لو فرض أن الرجل ينوي الإقامة في بلد، فهذا نقول له: إنك مسافر؛ لأن لك بلدًا معينًا عينته للإقامة.
ومثل ذلك أصحاب سيارات الأجرة الذين دائمًا في البر، نقول إن كان أهلهم معهم ولا ينوون الإقامة ببلد فهم غير مسافرين، لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان، وإن كان لهم أهل في بلد، فإنهم إذا غادروا بلد أهلهم فهم مسافرون يفطرون ويقصرون، وكذلك لو لم يكن لهم أهل، لكنهم ينوون الإقامة في بلد يعتبرونه مثواهم ومأواهم، فهم مسافرون حتى يرجعوا إلى البلد الذي نووا أنه مأواهم.
قوله: «وإن كان له طريقان فسلك أبعدهما» يعني: رجل في بلد يريد أن يسافر إلى بلد آخر، وللبلد هذا طريقان: أحدهما بعيد، والثاني قريب، فسلك أبعدهما فإنه يقصر، ولكن لو فرض أنه تعمد أن يسلك الطريق الأبعد في رمضان من أجل أن يفطر فلا يجوز له الفطر.
قوله: «أو ذكر صلاة سفر في»سفر «آخر قصر»كرجل سافر إلى العمرة، وصلى بغير وضوء ناسيًا، ولما رجع من العمرة سافر إلى المدينة وفي أثناء سفره إلى المدينة ذكر أنه صلى في سفره للعمرة صلاة بغير وضوء، فيصليها قصرًا، وإن ذكر صلاة سفر في حضر، فإنه يتم على المذهب([3])، والصحيح أنه يقصر([4]).
قوله: «وإن حبس» ظلمًا أو بحقٍّ أو بعدو أو بمرض أو في تغيرات جوية أو بخوف على نفسه، أو بأي سبب فإنه يقصر؛ إن كان «لم ينو إقامة»، فإن نوى إقامة مطلقة لا إقامة ينتظر بها زوال المانع فإنه يتم.
قوله: «أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة» مطلقة «قصر أبدًا» ولو بقي طول عمره([5]).
فالإقامة المطلقة: أن ينوي أنه مقيم ما لم يوجد سبب يقتضي مغادرته، فيلزمه الإتمام وصوم رمضان، ولا يزيد عن يوم وليلة في مسح الخفين.
والإقامة المقيدة: تارة تُقَيَّد بزمن، فالمشهور من المذهب أنه إذا نوى أكثر من أربعة أيام يتم ودونها يقصر، وتارة تقيد بعمل، فيقصر فيها أبدًا، ولو طالت المدة، ومن ذلك لو سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي.


_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/295)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية انظره في مجموع الفتاوى (24/136).

([2]) قال ابن قائد (1/333): «قوله: (معه أهله) أي: أو لا أهل له» .

([3]) انظر شرح منتهى الإرادات (1/295).

([4]) وهو قول ذكره في الإنصاف (2/323).

([5]) فائدة: لو قصر الصلاتين في السفر في وقت أولاهما، ثم قدم قبل دخول وقت الثانية أجزأه على الصحيح من المذهب، ومثله لو جمع بين الصلاتين في وقت أولاهما بتيمُّم ثم دخل وقت الثانية وهو واجد الماء» من حاشية أبي بطين (1/185).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:52 PM

فَصْل

يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظّهْرَيْنِ، وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِفِي وَقْتِ إِحَدَاهُمَا فِي سَفَرِ قَصْرٍ، وَلِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ، وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِ، لِمَطَرِ يَبُلّ الثِّيَابَ، وَوَحْلٍ، وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ. وَالأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ بِهِ مِنْ تَأخِيرٍ وَتَقْدِيمٍ، فَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأولَى اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلّا بِقَدْرِ إِقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ، وَيَبْطُلُ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا وَسَلَامِ الْأولَى، وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثّانِيَةِ اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأولَى، إِنْ لَم يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا، وَاسْتِمرَارُ العُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثّانِيَةِ.


_________________________________
قوله: «فصل» يعني: في الجمع.
قوله: «يجوز الجمع بين الظهرين» هما الظهر والعصر،«و بين العشائين» هما المغرب والعشاء «في وقت إحداهما» أي الأولى أو الثانية، أو في الوقت الذي بينهما.
قوله: «في سفر قصر» هذا أحد الأسباب المبيحة للجمع، وهو سفر القصر سواء كان نازلًا أو سائرًا، وكذا يجوز الجمع «لمريض»أيّ مرض سواء كان صداعًا في الرأس، أو وجعًا في البطن، أو الجلد، أو غير ذلك، إذا كان «يلحقه بتركه مشقة» أما لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع، والمشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة، والمشقات متعددة([1]).
ويجمع «وبين العشائين»لا بين ظهرين «لمطر يبل الثياب» لكثرته وغزارته؛ فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب، فإن الجمع لا يجوز، ويجمع لـ«وحل» وهو الزلق والطين؛ وإن لم يكن المطر ينـزل، ويجمع لـ«ريح شديدة باردة»، ولا يُشْتَرط أن تكون في ليلة مظلمة، والمراد بالريح الشديدة ما خرج عن العادة، وأما الريح المعتادة، فإنها لا تبيح الجمع، والمراد بالبرودة: ما تشق على الناس.
وله الجمع في هذه الأعذار «ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط»والساباط: السقف، هذا إذا كان من أهل الجماعة وذلك لئلا تفوته الجماعة، أما إذا كان يصلي في بيته لمرض، وهو لا يحضر المسجد، فلا يجوز له أن يجمع؛ لأنه لا يستفيد شيئًا، أو كانت امرأة، فإنه لا يجوز لها الجمع من أجل المطر؛ لأنها لا تستفيد بالجمع شيئًا، فهي ليست من أهل الجماعة.
قوله: «والأفضل»لمن يباح له الجمع «فعل الأرفق به من تأخير وتقديم» فإن كان التأخير أرفق فليؤخر، وإن كان التقديم أرفق فلْيُقَدِّم، وقد استثنى أهل المذهب جمع عرفة؛ فالأفضل فيه التقديم، ومزدلفة فالأفضل فيه التأخير.
قوله: «فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامها»فلو فرض أنه دخل في الأولى وهو لا ينوي الجمع، ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع، فإن الجمع لا يصح، والصحيح أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، والذي يشترط هو وجود السبب عند الجمع؛ فالصحيح أن له أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجودًا ([2]).
قوله: «ولا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف»، أي: يشترط أن لا يفرق بين المجموعتين في جمع التقديم إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف.
«ويبطل»الجمع بصلاة «راتبة بينهما» أي بين الصلاة الأولى والثانية، أي: لو جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فلما صلى المغرب صلى راتبة المغرب، فإنه لا جمع حينئذ؛ لوجود الفصل بينهما بصلاة، ولو فصل بينهما بفريضة، فبعد أن صلى المغرب ذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فصلى العصر، فلا جمع؛ لأنه إذا أبطل الجمع بالراتبة التابعة للصلاة المجموعة فبطلانه بصلاة أجنبية من باب أولى، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشترط الموالاة بين المجموعتين، والأحوط ألا يجمع إذا لم يوال بينهما لكن رأي شيخ الإسلام له قوته([3]).
ويشترط كذلك في جمع التقديم «أن يكون العذر»المبيح للجمع «موجودًا عند افتتاحهما»أي الأولى والثانية «وسلام الأولى»، ويشترط كذلك أن يكون موجودًا إلى انتهاء الثانية في غير جمع مطر ونحوه، بشرط أن يخلفه وحل.
فلو لم ينـزل المطر مثلًا إلا في أثناء الصلاة، فإنه لا يصح وإذا لم ينـزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى، أي: كانت السماء مغيمة ولم ينـزل المطر، وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فإن الجمع لا يصح، والصحيح أنه لا يُشْتَرط وجود العذر إلا عند السلام من الأولى، فلو لم ينزل المطر مثلًا إلا في أثناء الصلاة، فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى، أي: كانت السماء مغيمة ولم ينزل المطر. وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فالصحيح أن الجمع جائز على هذا القول الراجح([4]).
ويشترط كذلك في جمع التقديم الترتيب؛ بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية.
قوله: «وإن»نوى «جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأولى»؛ لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز.
قوله: «إن لم يضق» الوقت «عن فعلها» فإن ضاق عن فعلها لم يصح الجمع.
ولابد من «استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية» فإن لم يستمر، فالجمع حرام، ولم يذكر الموالاة إشارة إلى عدم اشتراط الموالاة؛ لأن الموالاة في جمع التأخير ليست بشرط.


_________________________________
([1]) قال أبو بطين (1/186): «فأما الجمع لأجل المطر بين الظهر والعصر، فالصحيح أنه لا يجوز؛ قيل لأحمد: هل يجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ فقال: لا، ما سمعته، اهـ شرح، قال في الإنصاف: واختار الشيخ أن الجمع بين الظهر والعصر يجوز للمطر». اهـ.

([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/299)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/341).

([3]) المذهب أن الموالاة تشترط، كما في شرح منتهى الإرادات (1/299)، وذكر في الإنصاف (2/343) أن الشيخ تقي الدين لا يشترط الموالاة في الجمع.

([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/300).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:52 PM

فَصْل

وَصَلَاةُ الخَوْفِ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِصِفَاتٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهَا مِنَ السِّلَاحِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَشْغَلُهُ وَلَا يُثْقِلهُ؛ كَسَيْفٍ وَنَحْوِهِ.

_________________________________
قوله: «فصل: صلاة الخوف» من خاف من عدو، سواء كان آدميًّا أو سَبْعًا، تُشْرَع له صلاة الخوف، وقد «صحت عن النبي r بصفات كلها جائزة» أي: وردت على ستة أوجه، أو سبعة عن النبي r؛ من هذه الأوجه ما يوافق ظاهر القرآن، وهي: أن يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلي معه، وطائفة أمام العدو، فيصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإمام لا يزال قائمًا، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الأولى أمام العدو، وجاءت الطائفة الأولى ودخلت مع الإمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإمام فيصلي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قبل أن يسلم قامت هذه الطائفة من السجود رأسًا وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإمام في التشهد فيسلم بهم.
ومنها: إذا كان العدو في جهة القبلة، فإن الإمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعًا، ويركع بهم جميعًا ويرفع بهم جميعًا، ويسجد بالصف الأول فقط، ويبقى الصف الثاني قائمًا يحرس، فإذا قام وقام معه الصف الأول سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلى بهم الركعة الثانية جميعًا قام بهم جميعًا وركع بهم جميعًا، فإذا سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإمام بهم جميعًا، وهذه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة.
قوله: «ويستحب أن يحمل»السلاح «في صلاتها»؛ أي يحمل في صلاة الخوف «ما يدفع به عن نفسه» فلا يحمل سلاحًا هجوميًّا؛ لأنه مشغول في صلاته عن مهاجمة عدوه، ولكن بحيث يكون ما يحمله «لا يشغله ولا يثقله»؛ لأنه إذا حمل ما يثقله أو يشغله عن الصلاة زال خشوعه.
قوله: «كسيف ونحوه» أي: كالسكين، والرمح القصير، وفي وقتنا كالمسدس.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:53 PM

بَابُ صَلاةِ الْجُمُعَةِ

تَلْزَمُ كُلَّ ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ اسمُهُ وَاحِدٌ وَلَوْ تَفَرَّقَ، أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَمَنْ صَلَّى الظّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحّ، وَتَصِحُّ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْأَفْضَلُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ.


_________________________________
قوله: «تلزم»صلاة الجمعة «كل ذكر»فخرج به الأنثى والخنثى، فلا تلزمهم صلاة الجمعة.
قوله: «حر»فلا تلزم العبد؛ أي المملوك ولو كان أحمر أو قبيليًّا.
قوله: «مكلف»أي جَمَعَ وصْفَيِ البلوغ والعقل.
قوله: «مسلم»فالكافر لا تجب عليه الجمعة، بل ولا تصح منه.
قوله: «مستوطن»فالمسافر لا جمعة عليه؛ بحيث يكون المستوطن مستوطنًا «ببناء» أي بوطن مبني، سواء بُنِي بالحجر أو المدر أو الإسمنت أو بغيرها، وهو يحترز بذلك مما لو كانوا أهل خيام كأهل البادية، فإنه لا جمعة عليهم.
قوله: «اسمه واحد ولو تفرق»أي: أن يكون مستوطنًا ببناء، اسم هذا البناء واحد ولو تباعد وتفرق أحياء بينها مزارع، مثل: مكة، المدينة، عنيزة.
قوله: «ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ» هذا الشرط السادس، أي: ليس بين الإنسان وبين المسجد أكثر من فرسخ؛ فعلى هذا لا يلزم الشخص الذي يكون بينه وبين البلد أكثر من فرسخ جمعة، هذا إذا كان خارج البلد، أما إذا كان البلد واحدًا فإنه يلزمه، ولو كان بينه وبين المسجد فراسخ؛ فإن كان بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ قالوا فإنها تلزمه بغيره، أي: إن أقيمت الجمعة وهو في البلد لزمته، وإلا فلا.
قوله: «ولا تجب»الجمعة «على مسافر سفر قصر»أي: سفرًا يحل فيه القصر، لكن تجب عليه بغيره كما سبق، ولو أن رجلًا سافر إلى بلد يبلغ المسافة، ولكن سفره محرم فلا تسقط عنه الجمعة؛ لأن السفر سفر قصر، وكذا لو دخل بلدًا ليقيم فيه خمسة أيام ثم يسافر، فتلزمه الجمعة بغيره.
قوله: «ومن حضرها منهم» أي المسافر سفر قصر والعبيد والنساء من حضر الجمعة منهم، وصلى مع الإمام «أجزأته ولم تنعقد به»([1])، أي: لم تنعقد بواحد من هؤلاء، ومعنى: لا تنعقد به؛ أي: لا يحسب من العدد المعتبر.
والصحيح في العبد والمسافر أنها تنعقد بهما، ويصح أن يكونوا أئمة فيها وخطباء أيضًا([2]).
قوله: «ولم يصح أن يؤم فيها» أما المرأة فلا شك أنه لا يصح أن تؤم فيها، وأما العبد ففي الجمعة لا يصح؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
قوله: «سقطت عنه»، أي: الجمعة قوله: «لعذر»كمرض.
قوله: «وجبت عليه وانعقدت به» أي: تلزمه بنفسه، وتنعقد به.
قوله: «ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح» أي: من صلى الظهر وهو ممن يلزمه الحضور، فإن صلاته لا تصح.
وقال: «ممن عليه حضور الجمعة» ولم يقل: ممن تجب عليه الجمعة من أجل أن يكون كلامه شاملًا للذي تجب عليه بنفسه -وهو: الذي يصح أن يكون إمامًا فيها وتنعقد به- والذي تجب عليه بغيره -وهو: الذي لا تنعقد به ولا يصح أن يكون إمامًا فيها.
مثال ذلك: مسافر حَلّ بلدًا تقام فيه الجمعة، وأذن لصلاة الجمعة، فهذا عليه الحضور، وليست واجبة عليه بنفسه، بل بغيره، فإذا صلى هذا المسافر قبل صلاة الإمام فإن صلاته لا تصح؛ لأنه فعل ما لم يؤمر به، وترك ما أمر به، فهو مأمور أن يحضر الجمعة وقد صلى ظهرًا.
قوله: «وتصح ممن لا تجب عليه» أي: لو صلى إنسان لا تلزمه الجمعة؛ كمريض مرضًا تسقط به عنه الجمعة قبل صلاة الإمام الظهر فتصح؛ لأنه لا تلزمه الجمعة.
قوله: «والأفضل حتى يصلي الإمام» أي: أن الأفضل أن يؤخر صلاة الظهر حتى يصلي الإمام، وعلى هذا نقول للنساء: الأفضل في يوم الجمعة ألا تصلين الظهر حتى يصلي الإمام، أما الظهر فالأفضل أن تصليه في أول الوقت ولو قبل صلاة الإمام.
قوله: «ولا يجوز»السفر «لمن تلزمه»الجمعة؛ إذا كان «السفر في يومها بعد الزوال»سواء كانت تلزمه بنفسه أو بغيره، وذلك أنه بعد الزوال دخل الوقت بالاتفاق، أما السفر قبل الزوال يوم الجمعة فجائز،لكن مع الكراهة، ويُستثنى من تحريم السفر ما إذا خاف فوات الرفقة، ومثله خوف إقلاع الطائرة.


_________________________________
([1]) قال ابن المنذر: «أجمعوا أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن» من حاشية أبي بطين (1/192).

([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/310)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/369-370)

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 05:54 PM

يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الْإِمَامِ. أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظّهْرِ، فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَإِلّا فَجُمُعَةً. الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا بِقرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ، وَتَصِحُّ فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا اسْتَأنَفُوا ظُهْرًا، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا إِذا كَانَ نَوَى الظّهْرَ.

_________________________________
قوله: «ليس منها إذن الإمام»وهو صاحب أعلى سلطة في البلد.
قوله: «أحدها الوقت» فلا تصح قبله ولا بعده([1])«وأوله أول وقت صلاة العيد» وسيأتي، ورجح الموفق في المغني أنها لا تصح قبل السادسة ولا في أول النهار، كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي([2])، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقًا لأكثر العلماء،«وآخره آخر وقت صلاة الظهر» وقد سبق.
قوله: «فإن خرج وقتها»أي الجمعة«قبل»أن يدركوا «التحريمة»أي تكبيرة الإحرام في الوقت «صلوا ظهرًا»،وإن أحرموا بها في الوقت «فجمعة»، والصحيح أن الإدراك لا يكون إلا بركعة([3]).
قوله: «الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها» وتقدم بيانهم، وأقرب الأقوال إلى الصواب أنها تنعقد بثلاثة وتجب عليهم([4]).
قوله: «الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين» أي: متخذيها وطنًا، سواء كانت وطنهم الأول أو وطنهم الثاني؛ فإن كانوا في خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم.
والقرية في اللغة العربية تشمل المدينة والمصر، سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
قوله: «وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء» أي: أن أهل القرية لو أقاموا الجمعة خارج البلد في مكان قريب، فإنها تصح، فلا يُشْترط أن تكون في نفس البلد، بشرط أن يكون الموضع قريبًا، أما ما كان بعيدًا لا تصح فيه الجمعة.
قوله: «فإن نقصوا»عن العدد«قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا»أي: بطلت صلاتهم، ووجب عليهم أن يستأنفوا ظهرًا؛ كما إذا دخلوا في الجمعة على أنهم أربعون ثم أحدث أحدهم وخرج فيستأنفون ظهرًا؛ لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان الوقت متسعًا لإعادتها جمعة.
والقول الراجح أنهم إن نقصوا بعد أن أتموا الركعة الأولى أتموا جمعة، فإذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعة، وإن نقصوا في الركعة الأولى، استأنفوا ظهرًا، وهذا اختيار الموفق([5]).
قوله: «ومن أدرك مع الإمام»أي إمام الجمعة «منها ركعة» تامة بسجدتيها([6])«أتمها جمعة»، أما إذا «أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرًا» أي: بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية، فهنا لم يدرك شيئًا، فيتمها ظهرًا.
قوله: «إذا كان نوى الظهر» أي: يشترط أن ينوي الظهر ودخول وقت الظهر؛ لأن فيه احتمالًا أن تُصَلّى الجمعة قبل الزوال، فإذا صُلِّيَتْ قبل الزوال وأدرك منها أقل من ركعة فإنه لا يتمها جمعة، بل يتمها نفلًا، ثم إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر.
فإن لم ينو الظهر بأن دخل مع الإمام بنية الجمعة؛ لأنه يظن أن هذه هي الركعة الأولى، وذلك بأن جاء والإمام قد قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الثانية، فظن أنها الركعة الأولى، ثم تبين أنها الركعة الأخيرة، فعلى كلام المؤلف يتمها نفلًا؛ لأنه لم ينو الظهر، والصحيح أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لا يدرك ركعة فلْيَنْوِهَا ظهرًا بعد سلام الإمام ([7]).


_________________________________
([1]) ولذا لم يقل: (دخول الوقت) لئلا يوهم صحتها بعد الدخول، سواء كانت في الوقت أو بعده. ابن قائد على المنتهى (1/351).

([2]) انظر: المغني لابن قدامة (2/104).

([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (2/26).

([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/312)، وما اختاره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/378).

([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/313)، وما رجحه المصنف هو احتمال ذكره في الإنصاف (2/380)، وقال: «واختاره المصنف».

([6]) قال الشيخ منصور البهوتي في حاشية الإقناع (1/297-298): «وتظهر فائدته فيما إذا زحم عن السجود؛ قاله في المبدع، لكن جزم المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما فيما يأتي فيما إذا زحم ونحوه بعد أن أحرم مع الإمام حتى فاتته الأولى وركوع الثانية وسجد جهلًا لنفسه أنه تصح له ركعة ويتمها جمعة مع أنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها».

([7]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/314)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/380).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:06 PM

وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ. مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُضُورُ الْعَدَدِ المُشْتَرَطِ، وَلَا يُشْرَطُ لهُمَا الطَّهَارَةُ، وَلَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ.

_________________________________
قوله: «ويشترط تقدم خطبتين» والخطبة بالضم: خطبة الوعظ، وما أشبه ذلك، فإن لم يتقدمها خطبتان،لم تصح، وإذا لم يتقدمها شيء من الخطبة، أو تقدمها خطبة واحدة فلا تصح، ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة فلا تصح([1]).
قوله: «من شروط صحتهما»؛أي الخطبتين «حمد الله» بأن يحمد الله بلفظ: الحمد لله في كل خطبة، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أو في آخرها، والأفضل أن يكون في الأول، ومن شروط صحتهما كذلك «الصلاة على رسوله محمد r» في كل خطبة، ويتعين لفظ الصلاة، كما يشترط «قراءة آية»كاملة في كل خطبة، ولكن يشترط في الآية أن تستقل بمعنى، فلو قرأ {مُدْهَامَّتَانِ}فلا تجزئ، ويشترط لصحتهما أيضًا «الوصية بتقوى الله عز وجل في كل خطبة» بأن يوصي الخطيب المستمعين بتقوى الله، سواء قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، أو قال: يا أيها الناس اتقوا الله؛ فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها، بأن قال: يا أيها الناس افعلوا أوامر الله، واتركوا نواهي الله فيصح، كما يشترط في الخطبتين«حضور العدد المشترط»، والصحيح أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب كما مر بنا؛ فإذا قلنا يُشترط حضور ثلاثة لإقامتها صار لابد من حضور الثلاثة هنا أيضًا([2]).
قوله: «ولا يشترط لهما الطهارة» أي: لو خطب وهو محدث فالخطبة صحيحة؛ لأنها ذكر، وليست صلاة، ولا يشترط أيضًا «أن يتولاهما»أي الخطبتين «من يتولى الصلاة» فلو خطب رجل وصلى آخر فهما صحيحتان، والصلاة صحيحة.

_________________________________
([1]) في بحث ابن قندس أن الجمعة في الأصل أربع قامت الخطبتان مقام ركعتين منها؛ لأنها ظهر مقصورة، ولهذا يصلي من فاتته أربعًا. من حاشية أبي بطين (1/196).

([2]) سبق أن الثلاثة اختيار الشيخ.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:07 PM

وَمِنْ سُنَنِهِمَا: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وَيُسَلِّمَ عَلَى الَمأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ، وَيَخْطُبَ قَائِمًا، وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَيَقْصُدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَيُقْصِرَ الخُطْبَةَ وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ.

_________________________________
قوله: «ومن سننهما أن يخطب على منبر»أي على شيء مرتفع «أو موضع عال» ولو كومة من التراب، من أجل أن يبرز أمام الناس، كما يُسَنّ أن «يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم» أي: إذا صعد المنبر يتجه إلى المأمومين، ويسلم عليهم، «ثم يجلس إلى فراغ الأذان ويجلس بين الخطبتين»؛لأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز بينهما؛ إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام، كما يسن أن «يخطب قائمًا ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا».
قوله: «ويقصد تلقاء وجهه» أي: يستقبل تلقاء وجهه، فلا يتجه لليمين أو لليسار، بل يكون أمام الناس، والظاهر ألا يلتفت الخطيب يمينًا ويسارًا، بل يقصد تلقاء وجهه ومن أراده التفت إليه.
قوله: «يقصر الخطبة» أي: يجعلها قصيرة، وينبغي أيضًا في الخطبة أن «ويدعو للمسلمين» الرعية والرعاة؛ لأن في ذلك الوقت ساعة تُرْجَى الإجابة، والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:09 PM

فَصْل

وَالجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ، يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا فِي الْأولَى بِالجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالمُنَافِقِينَ، وَتَحْرُمُ إِقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْبَلَدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، فَإِنْ فَعَلُوا فَالصَّحِيحَةُ مَا بَاشرَهَا الْإِمَامُ، أَوْ أَذِنَ فِيهَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِذْنٍ أَوْ عَدَمِهِ، فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى بَطَلَتَا، وَأَقَلّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ.


_________________________________
قوله: «والجمعة ركعتان» إجماعًا «يسن أن يقرأ جهرًا»؛فلو قرأ سرًّا لصحت الصلاة، لكن الأفضل الجهر، ويقرأ «في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين».
قوله: «وتحرم إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة»كما إذا ضاق المسجد عن أهله ولم يمكن توسيعه، أو إذا تباعدت أقطار البلد وصار الناس يشق عليهم الحضور.
قوله: «فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام» أي: أعلى سلطة في الدولة أي ما صلى فيها، سواء كان هو الإمام، أو كان مأمومًا ولو تأخرت.
قوله: «أو أذن فيها» أي: إن لم يباشرها، وهذه المسألة ليست مبنية على ما سبق في قول المؤلف:«لا يشترط لها إذن الإمام»؛ لأن إذن الإمام هناك لا يشترط في إقامة الجمعة الواحدة، أما في التعدد فلابد من إذن الإمام.
قوله: «فإن استويا»أي الجمعتان «في إذن أو عدمه» بأن يكون الإمام قد أذن فيهما جميعًا، أو لم يأذن فيهما جميعًا «فالثانية باطلة».
قوله: «وإن وقعتا معًا» بطلتا معًا، وكذا إن«جهلت الأولى بطلتا» أي: صلوا ولا يُدرى أيهم الذي تقدم بتكبيرة الإحرام.
قوله: «وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ولا سنة لها قبلها» أي: راتبة فيصلي ما شاء بغير قصد عدد.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:10 PM

وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لهَا فِي يَوْمِهَا وَتَقَدَّمَ- وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِيًا، وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ، وَيَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا، وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَتَخَطّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، أَوْ إِلَى فُرْجَةٍ، وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ.
وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلَاةُ، وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ قَرِيبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا. وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إِلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ يُكَلِّمُهُ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا.


_________________________________
قوله: «ويسن أن يغتسل لها في يومها» أي من طلوع الفجر، والصحيح أن الاغتسال واجب ([1]).
قوله: «ويتنظف» أي: ويسن أن يتنظف «ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إليها» أي: إلى الجمعة «ماشيًا» ولكن لو كان منـزله بعيدًا، أو كان ضعيفًا أو مريضًا واحتاج إلى الركوب فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.
قوله: «ويدنو من الإمام» مستقبل القبلة «ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء»رجاء ساعة الإجابة «ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتخطى رقاب الناس»؛ لأنه مكروه «إلا أن يكون إمامًا» فإن كان إمامًا فلا بأس أن يتخطى، ولا بأس أن يتخطى «إلى فرجة» أي: مكان متسع في الصفوف المقدمة.
قوله: «وحرم أن يقيم غيره»من المكان الذي جلس فيه «فيجلس مكانه إلا» شخصًا «قدم صاحبًا له في موضع يحفظه له» مثل: أن يقول لشخص ما: يا فلان أنا عندي شغل، ولا ينتهي إلا عند مجيء الإمام، فاذهب واجلس في مكان لي في الصف الأول، فإذا فعل وجلس في الصف الأول فله أن يقيمه؛ لأن هذا الذي أقيم وكيل له ونائب عنه([2]).
قوله: «وحرم»أي صار حرامًا «رفع مصلى» أي ما يصلي عليه مثل السجادة«مفروش»أي بمكان، وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد، فجاء الناس لا يجوز أن ترفع هذا المصلى.
وقوله: «ما لم تحضر الصلاة»أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه.
فإذا حجز الإنسان المكان، ثم «قام من موضعه لعارض لحقه»كاحتياجه للوضوء «ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به»فإن تأخر طويلًا فلغيره أن يجلس فيه.
قوله: «ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس» أي: بمكانه «حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما» فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل.
قوله: «ولا يجوز والإمام يخطب إلا له»أي للإمام «أو لمن يكلمه لمصلحة» والمصلحة قيد للمسألتين جميعًا، فلا يجوز للإمام أو لمن يكلمه أن يتكلم كلامًا بلا مصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه؛ كاختلال صوت مكبر الصوت وهو يتكلم؛ وإذا كان لحاجة فيجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل.
قوله: «ويجوز»الكلام «قبل الخطبة وبعدها» ولو بعد حضور الخطيب، ولو بعد الأذان ما دام لم يشرع في الخطبة، ويجوز كذلك بعد انتهاء الخطبة، وسواء كان ذلك بعد انتهاء الخطبة الأولى أو بعد انتهاء الخطبة الثانية.


_________________________________
([1]) المذهب أنه سنة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/320)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/407) قال: «وعنه: يجب على من تلزمه الجمعة، اختاره أبو بكر، وهو من المفردات، لكن لا يشترط لصحة الصلاة اتفاقًا، وأوجبه الشيخ تقي الدين على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس، وهو من المفردات أيضًا».

([2]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/204): «وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال في الشرح: لأن النائب يقوم باختياره، لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله أبو المعالي، وكره إيثاره غيره بمكانه الفاضل لا قبوله، وليس لغير المؤثر سبقه».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:11 PM

بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ

وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا تَرَكَهَا أَهْلُ بَلَدٍ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى، وَآخِرُهُ الزَّوَالُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلّا بَعْدَهُ صَلَّوْا مِنَ الْغَدِ، وَتُسَنُّ فِي صَحْرَاءَ، وَتَقَدِيمُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَعَكْسُهُ الْفِطْرُ، وَأَكْلُهُ قَبْلَهَا وَعَكْسُهُ فِي الْأَضْحَى إِنْ ضَحَّى، وَتُكْرَهُ فِي الجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُسَنُّ تَبْكِيرُ مَأمُومٍ إِلَيْهَا مَاشِيًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَتَأَخُّرُ إِمَامٍ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، إِلّا المُعْتَكِفَ فَفِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَمِنْ شَرْطِهَا اسْتِيطَانٌ، وَعَدَدُ الجُمُعَةِ، لَا إِذْنَ إِمَامٍ.

_________________________________
العيدان هما عيد الأضحى وعيد الفطر، وصلاة العيد «فرض كفاية» إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، و«إذا تركها أهل بلد»وعلم الإمام أنهم تركوها ودعاهم إلى فعلها، ولكنهم أصروا على الترك«قاتلهم الإمام» حتى يُصَلوا([1])، والمقاتلة غير القتل، فهي أوسع، فليس كل من جازت مقاتلته جاز قتله.
قوله: «ووقتها كصلاة الضحى» ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح،«وآخره الزوال» أي: زوال الشمس.
قوله: «فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده»أي بعد الزوال «صلوا من الغد» قضاء في وقت صلاة العيد.
قوله: «وتسن»إقامتها «في صحراء» خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس، كما يسن «تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر» أي: تأخير صلاة الفطر.
قوله: «وأكله»أي الإنسان «قبلها»أي قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر، «وعكسه في الأضحى إن ضحى» أي: يترك الأكل في الأضحى إن ضحى؛ فالأفضل في عيد الأضحى أن يتأخر حتى يضحي؛ فإن لم يكن لديه أضحية فإنه لا يشرع له الإمساك عن الأكل قبل الصلاة.
قوله: «وتكره في الجامع»أي جامع البلد «بلا عذر» إلا بمكة؛ فإن صلوا في الجامع لعذر كمطر وريح شديدة وخوف فلا كراهة.
قوله: «ويسن تبكير مأموم إليها»أي إلى صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، إذا كان المسجد قريبًا، كما لو كانت البلدة صغيرة والصحراء قريبة([2])؛ ويأتيها«ماشيًا بعد الصبح» أي: بعد صلاة الصبح، فلا يخرج بعد الفجر، كما يسن «تأخر إمام إلى وقت الصلاة»، ويسن أن يخرج الإمام والمأموم «على أحسن هيئة» في لباسه وفي هيئته، كأن: يحف الشارب، ويقلم الأظفار، ويلبس أحسن ثيابه.
قوله: «إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه» أي: يستحب أن يخرج المعتكف في ثياب اعتكافه، ولو كانت غير نظيفة؛ لأن هذه الثياب أثر عبادة.
قوله: «ومن شرطها استيطان» أي: من شرط صلاة العيد([3]) أن تقام في جماعة مستوطنين، فخرج بذلك المسافرون والمقيمون؛ فلو فرضنا أن جماعة تبلغ مائتين في بلد غير إسلامي، وكانوا قد أقاموا للدراسة لا للاستيطان، وصادفهم العيد فإنهم لا يقيمون صلاة العيد؛ لأنهم ليسوا مستوطنين.
قوله: «وعدد الجمعة» أي: ومن شرطها أيضًا عدد الجمعة، والقول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة فهذا يبنى على ذاك ([4]).
قوله: «لا إذن إمام» أي: لا يشترط إذن الإمام لصلاة العيد.

_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/ 494): كالأذان، فيقاتلون على تركها، وذلك مع استكمال شروطها فيهم، وقال عثمان: من الأصحاب من عبر هنا وفي باب الأذان بالاتفاق، وبعضهم بالترك، والظاهر أنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يحذف من الجملتين ما يدل على الأخرى، فالتقدير: إذا حصل اتفاق وترك، قاتلهم الإمام، أما الاتفاق وحده، فهو عزم على الترك، لا ترك حقيقة، وكذا الترك بلا اتفاق، يكون جهلًا أو كسلًا أو تهاونًا، فلا يقاتلون عليه ابتداء، بل يؤمرون أولًا، فإن امتثلوا وإلا قوتلوا لاجتماع الأمرين إذًا، أعني الترك والاتفاق اهـ. وكره أن ينصرف من حضر مصلى العيد ويتركها، كتفويتها من غير عذر، ويحرم على القول بوجوبها عينًا وإن لم يتم العدد إلا به وجب.

([2]) قال أحمد: يكبر جهرًا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى. من حاشية أبي بطين (1/207).

([3]) قال منصور: لعل المراد من شرط الصلاة التي يسقط بها فرض الكفاية؛ بدليل أن المنفرد تصح صلاته بعد صلاة الإمام وبعد الوقت، وقال ابن نصر الله: المراد شرط وجوب صلاة العيد لا شرط صحتها. من حاشية أبي بطين (1/207).

([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/326)، وسبق اختيار الشيخ في العدد المشترط للجمعة.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:12 PM

وَيُسَنُّ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالقِرَاءَةِ سِتًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسًا، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِـ(سَبِّح) وَبـ(الْغَاشِيَةِ) فِي الثَّانِيَةِ.

_________________________________
قوله: «ويسن»للمصلي إذا خرج من طريق «أن يرجع من طريق آخر».
قوله: «ويصليها ركعتين قبل الخطبة» فلو قدم الخطبة لم يعتد بها، وكيفيتها أن «يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستًّا»،أي: يكبر تكبيرة الإحرام ثم يستفتح، ثم ست تكبيرات «الله أكبر»، ثم يستعيذ ويقرأ، فالاستفتاح إذًا مقدم على التكبير الزائد، ويكبر «في الثانية قبل القراءة خمسًا» ليست منها تكبيرة القيام، «يرفع يديه مع كل تكبيرة([1]) ويقول:» بين كل تكبيرة وأخرى«الله أكبر كبيرًا …».
قوله: «ثم يقرأ جهرًا»،أي: الفاتحة وما بعدها من السور.


_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي (2/ 506): (2) نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء؛ أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وداود وابن المنذر وغيرهم، ورواية عن مالك، وروي عن عمر، وقياسًا على الصلاة قاله الشافعي وغيره، وروى الأثرم عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، في الجنازة وفي العيد، ولم يعرف له مخالف من الصحابة.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:12 PM

فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيِ الجُمُعَةِ، يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ. يَحُثّهُمْ فِي الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهمْ مَا يُخْرِجُونَ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِيَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا. وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالذِّكْرُ بَيْنَهَا.

_________________________________
قوله: «فإذا سلم خطب»الإمام أو غيره كالجمعة «خطبتين كخطبتي الجمعة» وخطبتا العيد لا يجب الحضور إليهما، بل للإنسان أن ينصرف، ولكن إذا بقي يجب عليه أن لا يكلم أحدًا، وهذا ما يشير إليه قول المؤلف:«كخطبتي الجمعة».
قوله: «يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع»قائمًا نسقًا «يحثهم» أي: يحث الخطيب الناس«على الصدقة» أي: صدقة الفطر «ويبين لهم ما يخرجون»ويبين لهم الحكم، فيبين لهم النوعية من أنها تخرج من الطعام، ويبين لهم الكمية: صاع بالصاع النبوي.
قوله: «ويرغبهم» أي: يحثهم على الأضحية، ويبين لهم فضلها وأجرها وثوابها «ويبين لهم حكمها» أي: أنها سنة مؤكدة على المذهب، وكذلك يبين لهم ما يضحي به وهو ثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم؛ فإن ضحى بظبي أو بفرس لم يجزئه، ويبين لهم أيضًا مقدار السن مما يضحَّى به.
قوله: «والتكبيرات الزوائد» الزوائد أي: عن الواجبة في الصلاة، «والذكر بينها»وقد سبق.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:13 PM

وَالخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، وَيُكْرَهُ التَنَفُّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ أَوْ بَعْضَهَا قَضَاؤُهَا عَلَى صِفَتِهَا، وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، وَفِي فِطْرٍ آكَدُ، وَفِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالمُقَيَّدُ عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلِلْمُحْرِمِ مِنْ صَلَاةِ الظّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ نَسِيَهُ قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ، وَصِفَتُهُ شَفْعًا: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أكبرُ، لَا إلَهَ إِلّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ».

_________________________________
قوله: «والخطبتان»أي خطبتي العيد «سنة»ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي e لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن([1]).
قوله: «ويكره التنفل»أي بالصلاة «قبل الصلاة وبعدها في موضعها»،أما في بيته فلا كراهة، والصواب أن الصلاة غير مكروهة في مصلى العيد لا قبل الصلاة ولا بعدها([2]).
قوله: «ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها»أي: يكبر في الأولى ستّا بعد تكبيرة الإحرام والثانية خمسًا كما يصلي الإمام.
قوله: «ويسنّ» لجميع الناس رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل وقت صباحًا ومساءً، عند الصلاة أو قبلها أو بعدها؛ فيسن لهم «التكبير المطلق»وهو الذي لا يتقيد بشيء، وذلك «في ليلتي العيدين»والتكبير في عيد «فطر آكد» من التكبير في عيد الأضحى، والتكبير في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، ويُسَن التكبير المطلق كذلك «في كل عشر ذي الحجة» وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة، إلى آخر اليوم التاسع، وسُمِّيت عشرًا، وهي تسع من باب التغليب.
أما التكبير «المقيد»وهو الذي يتقيد بأدبار الصلاة؛ فهو «عقب كل فريضة في جماعة» فلو صلاها منفردًا فلا يسن له التكبير المقيد، ولو صلى نافلة لم يشرع له التكبير المقيد، وكذا النساء في بيوتهن ليس لهن تكبير مقيد؛ لأنهن غالبًا لا يصلين جماعة.
وابتداء التكبير «من صلاة الفجر يوم عرفة -وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر- إلى عصر آخر أيام التشريق»فيكبر في ثلاث وعشرين صلاة.
وعلى ذلك فالتكبير المطلق في عيد الفطر وفي عيد الأضحى في عشر ذي الحجة إلى أن ينتهي الإمام من خطبته، ويجتمع المقيد والمطلق من فجر يوم عرفة إلى صلاة العيد يوم النحر، والمقيد: من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق([3]).
قوله: «وإن نسيه»أي نسي التكبير المقيد بعد الصلاة «قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد» أو يطول الفصل.
قوله: «ولا يسن»التكبير المقيد «عقب صلاة عيد»فلو صلى العيد فلا يكبر؛ لأنه إذا سلم الإمام من صلاة العيد قام إلى الخطبة وتفرغ الناس للاستماع والإنصات، ولا يكبرون.
قوله: «وصفته»أي التكبير «شفعًا : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» أي: الله أكبر مرتين، والثانية مرتين، وتختم الأولى بالإخلاص، والثانية بالحمد.

_________________________________
([1]) المذهب أنهما خطبتان، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327)

([2]) المذهب الكراهة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327)، وقال في الإنصاف (2/432): «وقيل: يصلي تحية المسجد، واختاره أبو الفرج، وجزم به في الغنية، قال في الفروع: وهو أظهر، ورجحه في النكت، ونصه: لا يصليها، وقال: تجوز التحية قبل صلاة العيد لا بعدها، وهو احتمال لابن الجوزي، قال في تجريد العناية: الأظهر عندي: يأتي بتحية المسجد قبلها».

([3]) قال في حاشية أبي بطين (1/211) عن التكبير: «ولا تأتي به المرأة إذا صلت في جماعة ولا تجهر به مطلقًا».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:14 PM

بَابُ صَلاةِ الْكُسُوفِ

تُسَنُّ جَمَاعَةً وَفُرَادَى إِذَا كُسِفَ أَحَدُ النَّيِّرَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأ فِي الْأولَى جَهْرًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُسَمِّعُ، وَيُحَمِّدُ، ثُمَّ يَقْرَأ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطيلُ وَهُوَ دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأولَى، لَكِنْ دُونَهَا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ، أَوْ كَانَتْ آيَةٌ غَيْرَ الزَّلْزَلَةِ. وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ جَازَ.


_________________________________
الكسوف والخسوف بمعنى واحد، يقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف، وقال بعضهم: الكسوف للشمس والخسوف للقمر، ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت لكل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد.
والكسوف: انحجاب ضوء أحد النيرين؛ أي: الشمس أو القمر بسبب غير معتاد.
قوله: «تسن جماعة وفرادى» أي ليست فرض عين ولا فرض كفاية، ولو تركها الناس لم يأثموا، والقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب([1]).
والجماعة ليست شرطًا لها، بل يسن للناس في البيوت أن يصلوها.
وقوله: «إذا كسف أحد النيرين» ووقتها من ابتدائه إلى التجلي؛ فيصلي «ركعتين يقرأ في الأولى جهرًا» سواء في الليل أو في النهار «بعد الفاتحة سورة طويلة» من غير تعيين «ثم يركع طويلًا»من غير تقدير، المهم أن يكون طويلًا، «ثم يرفع» رأسه من الركوع «ويُسَمِّع» أي: يقول: سمع الله لمن حمده، «ويحمد» أي: يقول: ربنا ولك الحمد بعد أن يعتدل كسائر الصلوات، «ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع» فيطيل، وهو دون الأول،«ثم يرفع» أي: يسمع ويحمد ولا يطيل، «ثم يسجد سجدتين طويلتين» أي: بقدر الركوع ولا يطيل الجلوس بينهما، «ثم يصلي الثانية كالأولى، لكن دونها في كل ما يفعل» أي: من القراءة والركوع والقيام بعده والسجود، «ثم يتشهد ويسلم» أي: كغيرها من الصلوات.
وظاهر كلامه: أنه لا يشرع لها خطبة؛ لأنه لم يذكرها([2])، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح أنها يسن لها خطبة واحدة.
قوله: «فإن تجلى الكسوف» أي: كسوف الشمس أو القمر «أتمَّهَا خفيفة» حتى لو كانت خفة الركعة الثانية بالنسبة للأولى بعيدة جدًّا، وإذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضي.
قوله: «وإن غابت الشمس كاسفة» فإنه لا يصلي، والصحيح في المسألة أنه يصلي بعد العصر؛ أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي([3]).
وإذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلي الكسوف، بناء على أنها سنة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي، وهذا هو المذهب.
قوله: «أو طلعت والقمر خاسف» بأن يكون القمر في الغرب نصف الشهر، والشمس في الشرق، فربما يكسف بعدما تطلع الشمس، وهذا شيء وقع؛ فإذا وقع لا يصلي؛ لأنه ذهب سلطانه؛ فإن سلطان القمر الليل، كما لو غابت الشمس وهي كاسفة، والصحيح أنها تُصَلَّى إذا لم يمنع ضوء القمر إلا الكسوف، أما إن كان النهار قد انتشر ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس، فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به، سواء كان كاسفًا أو مبدرًا([4]).
قوله: «أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل» إذا وجدت آية تخويف؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والحمم، وغير ذلك، فإنه لا يصلي صلاة الكسوف إلا الزلزلة، فإنه إذا زلزلت الأرض فإنهم يصلون صلاة الكسوف حتى تتوقف.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لو وجدت صواعق عظيمة متتابعة فإن الناس لا شك سيخافون، وفي هذا الحال يفزعون إلى ربهم عز وجل بالصلاة، وهو اختيار له قوة عظيمة([5]).
قوله: «وإن أتى» المصلي«في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز»؛ لأنه ورد، وما بعد الركوع الأول سنة وليس ركنًا، وبناء على ذلك لو صلاها كما تصلى صلاة النافلة في كل ركعة ركوع فلا بأس.
ولا تدرك الركعة بالركوع الثاني، وإنما تدرك بالركوع الأول، فلو دخل مسبوق مع الإمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها.


_________________________________
([1]) المذهب الاستحباب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/331).

([2]) وكذا في شرح منتهى الإرادات (1/331-332).

([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/332)، قال في الإنصاف (2/446): «وإن تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل بلا خلاف أعلمه».

([4]) قال في الإنصاف (2/446): «إذا طلع الفجر، والقمر خاسف لم يمنع من الصلاة إذا قلنا: إنها تفعل في وقت نهي، اختاره المجد».

([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/333)، قال في الإنصاف (2/449) بعدما ذكر المذهب: «وعنه: يصلى لكل آية، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار».

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:15 PM

بَابُ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ

إِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَقَحَطَ المَطَرُ، صَلَّوْهَا جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ، وَإِذَا أَرَادَ الْإمَامُ الخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمعَاصِي، والخُرُوجِ مِنَ المَظَالِم وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ، وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ وَيَتَنَظَّفُ وَلَا يَتَطَيَّبُ، وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا، مُتَذَلِّلًا، مُتَضَرِّعًا، وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَالشُّيُوخُ، والصِّبْيَانُ المُمَيَّزُونَ، وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مُنْفَرِدِينَ عَنِ المُسْلِمِينَ لَا بِيَوَمٍ لَمْ يُمْنَعُوا.


_________________________________
الاستسقاء: هو استسقاء الرب عز وجل لا استسقاء المخلوق، وسبب صلاة الاستسقاء «إذا أجدبت الأرض» أي: خلت من النبات«وقحط المطر» أي: امتنع، ولم ينـزل؛ فإنهم يُصَلّونَهَا «جماعة وفرادى» والأفضل أن تكون جماعة.
قوله: «وصفتها في موضعها وأحكامها كعيد»فَتُسَنُّ في الصحراء([1])، ويكبر في الأولى بعد التحريمة والاستفتاح ستًّا، وفي الثانية خمسًا، ويقرأ بسبح والغاشية، ولكنها تخالف العيد في أنها سنة، والعيد فرض كفاية.
قوله: «وإذا أراد الإمام الخروج لها» أي لصلاة الاستسقاء «وعظ الناس» الموعظة هي: التذكير المقرون بترغيب أو تخويف؛ فيرغبهم في فعل الواجبات، ويحذرهم من انتهاك الحرمات.
قوله: «وأمرهم بالتوبة من المعاصي» التوبة: الرجوع إلى الله - عز وجل - من معصيته إلى طاعته، ويأمرهم كذلك بـ«الخروج من المظالم وترك التشاحن» فيما بينهم وهي: الشحناء والعداوة، والبغضاء، ويأمرهم «بالصيام والصدقة» المستحبة، «ويعدهم يومًا يخرجون فيه» أي: يقول: سنخرج في اليوم الفلاني، ويحسن أيضًا أن يعين الزمن من هذا اليوم؛ ليتأهبوا على وجه ليس فيه ضرر عليهم.
قوله: «ويتنظف» بإزالة ما ينبغي إزالته شرعًا؛ كالأظفار والعانة والإبط، وما ينبغي إزالته طبعًا؛ كالعرق والروائح الكريهة «ولا يتطيب».
قوله: «ويخرج متواضعًا»أي بقوله وهيئته وقلبه «متخشعًا» بسكون الأطراف، وأن يكون على وقار وهيبة، «متذللًا»من الذل وهو الهوان، بمعنى: أن يضع من نفسه، وهو قريب من التواضع لكنه أشد، «متضرعًا» التضرع يعني الاستكانة، أو شدة الإنابة إلى الله عز وجل.
قوله: «ومعه أهل الدين والصلاح» من باب عطف المترادفين؛ لأن كل صاحب دين فهو صاحب صلاح، ومعه أيضًا «الشيوخ» أي: الكبار الذين أمضوا أعمارهم في الدين والصلاح؛ لأنهم أقرب إلى الإجابة، ومعه «الصبيان المميزون»؛ لأنه لا ذنوب لهم.
قوله: «وإن خرج أهل الذمة» طالبين الاستسقاء بأنفسهم «منفردين عن المسلمين لا بيوم»أي منفردين بالمكان لا باليوم«لم يمنعوا».


_________________________________
([1]) أي: فتسن صلاة الاستسقاء قبل الخطبة في الصحراء القريبة عرفًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، بلا نزاع، ولأبي داود عن عائشة: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر فوُضِعَ له في المصلّى، ولأن الناس يكثرون، فكان المصلى أرفق بهم، ولأنه أبلغ في الافتقار والتواضع. من حاشية ابن قاسم النجدي (2/541).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:16 PM

فَيْصَلِّي بِهِمْ، ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ، وَقِرَاءَةَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ، وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَدْعُوَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّe، وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا... إِلَى آخِرِهِ. وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ شَكَرُوا اللهَ، وَسَأَلُوهُ المَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَيُنَادَى لهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا إِذْنُ الْإِمَامِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ المَطَرِ، وَإِخْرَاجُ رَحْلِهِ وَثِيَابِهِ لِيُصِيبَهُمَا المَطَرُ، وَإِذَا زَادَتِ الْمِيَاهُ وَخِيفَ مِنْهَا سُنَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا لَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ، وَالْآكَامِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الآيَة.

_________________________________
قوله: «فيصلي بهم»أي الإمام «ثم يخطب واحدة» بعد الصلاة كالعيد، ولكن العيد يَخْطب له خطبتين.
قوله: «يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار» أي طلب المغفرة «وقراءة الآيات التي فيها الأمر به»؛ أي: مثل قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] «ويرفع» الإمام -وكذلك المستمعون يرفعون أيديهم-«يديه فيدعو بدعاء النبي r».
قوله:«ومنه: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا»اللهم اسقنا: بهمزة الوصل من سقا يسقي، وبهمزة القطع من أسقى يسقي، وكلاهما صحيح، والغيث: المطر، ومغيثًا؛أي: مزيلًا للشدة.
قوله: «إلى آخره» يعني آخر الدعاء، وهو «هنيئًا مريئًا غدقًا مجللًا عامًّا سحًّا طبقًا دائمًا، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين».
قوله: «وإن سقوا»أي سقى الله الناس بأن أنزل عليهم المطر «قبل خروجهم شكروا الله» ولا حاجة للخروج.
قوله: «وسألوه المزيد من فضله» أي: سألوا الله أن يزيدهم من فضله.
قوله: «وينادى»لصلاة الاستسقاء إذا حان وقتها: «الصلاة جامعة»الصلاة جامعة، وهذا خلاف السنة فيكون بدعة، وإلحاق ذلك بصلاة الكسوف غير صحيح أيضًا؛ لأن صلاة الكسوف تأتي على غير تأهُّبٍ بغتة، والناس يتأَهَّبُون لها -لصلاة الاستسقاء-([1])، والمذهب: أنه ينادى للكسوف والعيد والاستسقاء.
قوله: «وليس من شرطها»أي من شرط إقامتها «إذن الإمام» بذلك، بل إذا قحط المطر وأجدبت الأرض خرج الناس وصلوا، ولو صلى كل بلد وحده لم يخرجوا عن السنة.
قوله: «ويسن أن يقف» قائمًا «في أول المطر» أي أول ما ينـزل المطر، ويُسَنّ كذلك «إخراج رحله» أي متاعه من بيته أو خيمته «وثيابه ليصيبهما المطر».
قوله: «وإذا زادت المياه»أي الأمطار «وخيف منها سن أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا»، ومثل ذلك لو زادت مياه الأنهار على وجه يُخشى منه، فإنه يُسَنُّ أن يقول هذا الذكر: اللهم حوالينا ولا علينا.
قوله: «اللهم على الظراب» هي الأماكن المرتفعة من الأرض، لكن ليس ارتفاعًا شاهقًا «والآكام»الجبال الصغيرة،«وبطون الأودية»؛أي: داخل الأودية، أي: الشعاب، «ومنابت الشجر» هذا عام يعم كل أرض تكون منبتًا للشجر.
قوله: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، أي: لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق([2]).


_________________________________
([1]) المذهب أنه ينادى لها، كما في شرح منتهى الإرادات (1/132)، وقال في الإنصاف (2/459) بعد ذكر المذهب: «وقيل: لا ينادى لها».

([2]) تتمة: إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده... إلخ، ولا يتبع بصره البرق لأنه منهي عنه، وإذا رأى سحبًا أو هبت ريح سأل الله من خيره وتعوَّذ من شره، ولا سأل سائل ولا تعوذ متعوذ بمثل المعوذتين، ولا يسب الريح إذا عصفت، ويقول إذا انْقَضَّ كوكب: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وإذا سمع نهيق حمار أو نبح كلب استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا سمع صياح الديكة سأل الله من فضله، وورد في الأثر أن قوس قزح أمان لأهل الأرض من الغرق، وقال ابن حامد في أصوله: هو من آيات الله تعالى، قال: ودعوى العامة: إن غلبت حمرته كانت الفتن والوباء وإن غلبت خضرته كان الرخاء والسرور هذيان، والله أعلم. من حاشية أبي بطين (1/219-220).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:17 PM

كِتَابُ الْجَنَائِزِ

تُسَنُّ عِيَادَةُ المَرِيضِ، وَتَذْكِيرُهُ التَوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ، وَإِذَا نُزِلَ بِهِ سُنَّ تَعَاهُدُ بَلِّ حَلْقِهِ بِمَاٍء أَوْ شَرَابٍ، وَيُنْدِّي شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ، وَتَلْقِينُهُ: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ مَرَّةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ إِلّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ فَيُعِيدَ تَلْقِينَه بِرِفْقٍ، وَيَقْرَأ عِنْدَهُ (يَس)، وَيُوَجِّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِذَا مَاتَ سُنَّ تَغْمِيضُهُ، وَشَدُّ لِحْيَيْهِ، وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ، وَخَلْعُ ثِيَابِهِ، وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ، وَوَضْعُ حَدِيدَةٍ عَلَى بَطْنِهِ، وَوَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ مُتَوَجِّهًا، مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ، وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، وَإِنْفَاذُ وَصِيَّتِهِ، وَيَجِبُ الْإِسْرَاعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ.


_________________________________
قوله: «تسن عيادة المريض» ولم يقل زيارة؛ لأن الزيارة للصحيح، والعيادة للمريض([1])، ويسن كذلك «تذكيره التوبة» من المعاصي والمظالم «والوصية».
قوله: «وإذا نزل به» الملك لقبض روحه؛ أي ملك الموت([2])«سُن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب» كالعصير، ولكن ليس بالماء الكثير، وذلك من أجل أن يسهل عليه النطق بالشهادة، وكذلك «يندي شفتيه بقطنة»؛ لأن الشفة يابسة، والحلق يابس يحتاج إلى تندية، ويُسَنُّ«تلقينه: لا إله إلا الله مرة» أي: تعليمه إياها، كما يلقن التلميذ؛ فإن كان المريض قويًّا يتحمل، أو كان كافرًا فإنه يؤمر؛ فيقال: قل: لا إله إلا الله، وإن كان مسلمًا ضعيفًا فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر.
قوله: «ولم يزد على ثلاث» أي: لم يلقنه أكثر من ثلاث«إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفق»،نظرًا لوجود الفاصل،«ويقرأ عنده»أي يقرأ القارئ عند المحتضر{يس} جهرًا؛ ولكن إذا كان يخشى على المريض من الانزعاج فلا يرفع صوته بها، وكذا يسن أن «يوجهه إلى القبلة» أي: من حضر الميت يجعل وجهه نحو القبلة.
قوله: «فإذا مات» أي: إذا تحققنا موته«سن تغميضه وشد لحييه» أي: ربطهما، واللحيان: هما العظمان اللذان هما منبت الأسنان، فليشدهما بحبل أو بخيط، ويسن كذلك «تليين مفاصله» أي: أن يحاول تليينها، والمراد مفاصل اليدين والرجلين، وذلك بأن يرد الذراع إلى العضد، ثم العضد إلى الجنب، ثم يردهما، وكذلك مفاصل الرجلين: بأن يرد الساق إلى الفخذ، ثم الفخذ إلى البطن، ثم يردهما قبل أن يبرد.
قوله: «وخلع ثيابه» برفق «وستره بثوب» يكون شاملًا للبدن كله «ووضع حديدة»أو نحوها من الأشياء الثقيلة([3])«على بطنه، ووضعه على سرير غسله» أي: أن يبادر في رفعه عن الأرض؛ لئلا تأتيه الهوام؛ ويضعه بحيث يكون «متوجِّهًا» إلى القبلة «منحدرًا نحو رجليه» أي: يكون رأسه أعلى من رجليه.
وقوله: «وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة» فإن مات فجأة فإنه لا يسن الإسراع بتجهيزه لاحتمال أن تكون غشية لا موتًا، وهذا الذي ذكره العلماء قبل أن يتقدم الطب، أما الآن فإنه يمكن أن يحكم عليه أنه مات بسرعة؛ لأن لديهم وسائل قوية تدل على موت المريض.
قوله: «وإنفاذ وصيته» أي: وإسراع إنفاذ وصيته، أما إنفاذ وصيته فهو واجب، لكن إسراع الإنفاذ مستحَب.
قوله: «ويجب الإسراع في قضاء دينه» أي دين الميت، سواء كان هذا الدين لله كالزكاة والكفارة والنذر، أو للآدمي كالقرض وثمن المبيع والأجرة؛ فيجب الإسراع بها بحسب الإمكان، فتأخيرها حرام.
وليعلم أن التداوي مباح على المذهب،ولكن ترك التداوي أفضل ([4]).


_________________________________
([1]) قال في حاشية أبي بطين (1/221): «قال الشيخ: الذي يقتضيه وجوب عيادة المريض؛ فيقال: هو واجب على الكفاية»، وقال في الإنصاف (2/462): «نص الإمام أحمد أن المبتدع لا يعاد، وقال في النوادر: تحْرم عيادته، وعنه لا يعاد الداعية فقط، واعتبر الشيخ تقي الدين المصلحة في ذلك».

([2]) وأيس من حياته، وظهر عليه علامات الموت، وخروج الروح، والروح هنا في النفس الناطقة المستعدة للبيان وفهم الخطاب، ولا تفنى بفناء الجسد. من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 16).

([3]) كمرآة وسيف وسكين ونحوها، كقطع طين على بطنه، فوق ثوبه المسجَّى به، وهو مستلق على ظهره، وقال ابن عقيل وغيره: هذا لا يتصور إلا وهو على ظهره، فيجعل تحت رأسه شيء عال، ليحصل مستقبلًا بوجهه القبلة، وقدموا الحديد؛ لأنه أبلغ في دفع النفخ. من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 22).

([4]) يكره ترك الميت ليلًا يبيت وحده، قاله الآجرِّي. من حاشية أبي بطين (1/223).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:19 PM

فَصْل

غُسْلُ الَميِّتِ وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاُة عَليْهِ، وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِهِ وَصِيُّهُ، ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَباتِهِ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ، وَأنْثَى وَصِيَّتُهَا، ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْ نِسَائِهَا، وَلِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صَاحِبِهِ، وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ سُرِّيَّتِهِ، وَلِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ غَسْلُ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَقَطْ، وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوْ عَكْسُهُ، يُمِّمَتْ كَخُنْثَى مُشْكِلٍ، وَيَحْرُمُ أَنْ يَغْسِلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا أَوْ يَدْفِنَهُ، بَلْ يُوَارَى لِعَدَمٍ.


_________________________________
«غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية»فإن احتاج ذلك إلى مال فيؤخذ أولًا من تركة الميت، ثم على من تلزمه نفقته، فإن لم يمكن فعلى عموم المسلمين؛ لأنه فرض كفاية.
ولو تنازع الناس فيمن يغسل الميت فإن «أولى الناس بغسله وصيه» أي: الذي أوصى أن يغسله، وعلم منه أنه يجوز للميت أن يوصي ألا يغسله إلا فلان.
قوله: «ثم أبوه ثم جده»أي من قبل الأب «ثم الأقرب فالأقرب من عصابته» أي الأبناء وإن نزلوا، فالإخوة وإن نزلوا، فالأعمام وإن نزلوا، ثم الولاء. هنا قدَّمُوا ولاية الأصول على الفروع، وفي باب الميراث قدموا الفروع على الأصول، وفي ولاية النكاح قدموا الأصول على الفروع.
قوله: «ثم ذوو أرحامه» أي: أصحاب الرحم وهم: كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة.
قوله: «وأنثى وصيتها» أي الأولى بغسل الأنثى، كما قلنا فيما سبق بالنسبة للرجل.
قوله: «ثم القربى فالقربى من نسائها» وعلى هذا، فالأولى بتغسيل المرأة إذا ماتت: وصيتها، ثم أمها وإن علت، ثم ابنتها وإن نزلت، ثم أختها من أب أو أم أو الشقيقة، ثم عماتها فخالاتها إلى آخره.
قوله: «ولكل من الزوجين غسل صاحبه» أي تغسيله([1])«وكذا سيد مع سُرِّيَّتِهِ» أي أمته، ولو لم تكن سُريته، فلو قدر أنها مملوكة، لكن لم يتسرها أي: لم يجامعها، ثم مات فلها أن تغسله، وله أن يغسلها.
قوله: «ولرجل وامرأة غسل من له سبع سنين فقط» أي: من ذكر أو أنثى.
قوله: «وإن مات رجل»له سبع سنين فأكثر «بين نسوة»ليس فيهن زوجة له أو أمة؛ فإنهن لا يغسلنه، «أو عكسه» أي: ماتت امرأة بين رجال فإنهم لا يغسلونها؛ إلا أن يكون أحد الرجال سيدًا أو زوجًا([2]).
قوله: «يمِّمت كخنثى مشكل» أفادنا المؤلف بقوله «يُمِّمَت» أنه متى تعذر غسل الميت كالصورتين السابقتين أو لعدم الماء أو لكونه محترقًا، فإنه يُيَمَّم، وييمم بأن يضرب رجل أو امرأة التراب بيديه ويمسح بهما وجه الميت وكفيه.
قوله: «ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا أو يدفنه، بل يوارى»أي يُغَطّى بالتراب، سواء حفرنا له حفرة ورمسناه بها رمسًا، أو ألقيناه على ظهر الأرض وردمنا عليه ترابًا؛ لكن الأول أحسن، وكذا يمكن أن يوارى بقعر بئر أو نحوها.
وقوله: «لعدم» أي: لعدم من يواريه، فإن وجد من يقوم بهذا من أقاربه وُكِلَ الأمر إليهم.

_________________________________
([1]) فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة، وكان الطلاق بائنًا فهي كالأجنبية؛ لأنها محرمة عليه، وإن كانت رجعية، وقلنا: إن الرجعية مباحة له فله غسلها، وإلا فلا. انظر: الكافي (1/248)، ط. المكتب الإسلامي.

([2]) لكن إذا ماتت المرأة مع رجال فيهم صبي لا شهوة له علموه الغسل وباشر، نص عليه، وكذلك الرجل يموت مع النسوة فيهن صغيرة تطيق الغسل. من حاشية أبي بطين (1/225).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:20 PM

وَإِذَا أَخَذَ فِي غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ، وَجَرَّدَهُ، وَسَتَرَهُ عَنِ الْعُيُونِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ مُعِينٍ فِي غُسْلِهِ حُضُورُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ، وَيُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ، وَلَا يَحِلّ مَسُّ عَوْرَةِ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ.

_________________________________
كيفية تغسيل الميت:
قوله: «وإذا أخذ في غسله» أي في تغسيله«ستر عورته» وجوبًا، وهي بالنسبة للرجل والمرأة ما بين السرَّة والركبة.
قوله: «وجرده» أي: جرده من ثيابه فيستر عورته أولًا، ويلف عليها لفافة، ثم يجرده من ثيابه.
ويستحب «ستره عن العيون» أي: ينبغي أن يغسله في مكان لا يراه الناس، إما في حجرة أو في خيمة، وما أشبه ذلك.
قوله: «ويُكره لغير معين في غسله حضوره»أي: يكره أن يحضره شخص إلا من اجتمع إليه لمعونته، ولو كان أباه أو ابنه؛ لأنه لا حاجة إليه.
قوله: «ثم» بعد أن يجرده ويستر عورته «يرفع رأسه إلى قرب جلوسه» أي: رفعًا بينًا «ويعصر بطنه برفق» لأجل أن يخرج منه ما كان متهيّئًا للخروج«ويكثر صب الماء حينئذ» أي: حين يعصر البطن لأجل إزالة ما يخرج من بطنه حينئذ، «ثم يلف على يده خرقة» إذا كان هناك قفازًا، كما هو متوفر الآن، فإنه يلبس قفازين«فينجيه» فيغسل فرجه مما خرج منه، ومما كان قد خرج قبل وفاته، ولكنه لم يستنج منه فينجيه بها.
قوله: «ولايحل مس عورة من له سبع سنين» أي: يجب أن يضع هذه الخرقة إذا كان الميت له سبع سنين فأكثر، فأما إذا كان دون ذلك فله أن ينجيه مباشرة؛ لأن ما دون سبع سنين عند الفقهاء ليس لعورته حكم، بل عورته مثل يده، ولهذا يجوز النظر إليها، ولا يحرم مسها.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:21 PM

وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَمَسَّ سَائِرَهُ إِلَّا بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ نَدْبًا، وَلَا يُدْخِلُ المَاءَ فيِ فِيهِ، وَلَا فيِ أَنْفِهِ، وَيُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفيِ مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا، وَلَا يُدْخِلُهُمَا المَاءَ. ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ وَيُسَمِّي، وَيَغْسِلُ بِرَغْوَةِ السِّدْرِ رَأسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأيْمَنَ، ثُمَّ الْأيْسَرَ، ثُمَّ كُلّهُ ثَلَاثًا، يُمِرُّ فيِ كُلّ مَرَّةٍ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُنَقِّ بِثَلَاثٍ زِيدَ حَتَّى يُنَقَّى، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ.

_________________________________
قوله: «ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة» هذه غير الخرقة الأولى، فالأولى واجبة إذا كان له سبع سنين فأكثر؛ وهذه خرقة ثانية جديدة غير الأولى يضعها على يده؛ لأجل أن يكون ذلك أنقى للميت.
قوله: «ثم يوضئه ندبًا» كوضوئه للصلاة، «ولا يدخل الماء في فيه»بدلًا عن المضمضة «ولا في أنفه» بدلًا عن الاستنشاق.
قوله: «ويدخل إصبعيه» أي: ملفوفًا عليهما خرقة، وهي الخرقة التي كان يمس بشرته بها، فيدخل إصبعيه «مبلولتين بالماء بين شفتيه»في فمه «فيمسح أسنانه»، ويكون ذلك برفق، وكذلك يدخلهما «في منخريه فينظفهما» برفق أيضًا وهذا يقوم مقام المضمضة والاستنشاق.
قوله: «ولا يدخلهما الماء»؛ لأنه لو أدخل فمه الماء نزل إلى بطنه فيحرك ما كان ساكنًا.
قوله: «ثم ينوي غسله» ثم للترتيب «ويسمي» أي: يقول بسم الله، ولابد أن يعد الغاسل سدرًا يدقه ويضعه في إناء فيه ماء، ثم يضربه بيديه حتى يكون له رغوة؛ فإنه«يغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط»وأما التفل الباقي فإنه يغسل به سائر الجسد.
قوله: «ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم كله ثلاثًا، يمر في كل مرة يده على بطنه» من أجل أن يخرج ما كان متهيئًا للخروج، وعلى هذا فإنه يعصر بطنه أربع مرات، المرة الأولى التي قبل الاستنجاء عندما يرفع رأسه إلى قرب الجلوس، وثلاث مرات عند غسله.
قوله: «فإن لم ينق» الغاسلُ الميتَ «بثلاث زيد حتى ينقى ولو جاوز السبع» أي: زاد عليها، وتعداها.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:21 PM

وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأخِيرَةِ كَافُورًا، وَالمَاءُ الحَارُّ وَالْأُشْنَانُ وَالخِلَالُ يُسْتَعْمَلُ إِذَا احْتِيجَ إِلِيْهِ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ، وَلَا يُسَرِّحُ شَعَرَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ بِثَوْبٍ، وَيُضَفِّرُ شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيَسْدِلُ وَرَاءَهَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ سَبْعٍ حُشِيَ بِقُطْنٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَبِطِينٍ حُرٍّ، ثُمَّ يُغْسَلُ الْمحَلُّ وَيُوَضَّأُ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَكْفِينِهِ لَمْ يُعِدِ الْغُسْلَ.

_________________________________
«ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا» والكافور: طيب معروف أبيض يشبه الشب يُدَقّ، ويجعل في الإناء الذي يغسل به آخر غسلة([1]).
والأفضل أن نغسل الميت بماء بارد، وإذا احتجنا إلى «الماء الحار»فإننا نستعمله،ولكن ليس الحار الشديد الحرارة الذي يؤثر على الجلد برخاوة بالغة، وكذا لو احتجنا «الأشنان»،وسبق بيانه في باب إزالة النجاسة، ومثله الصابون، ولكن ليس مع ليفة، وكذا لو احتجنا «الخلال» لتنظيف أسنانه فإنه «يستعمل».
قوله: «ثم ينشف بثوب»أي: بعد أن يغسل يستحب أن ينشف؛ لأنه إذا بقي رطبًا عند التكفين أثّر ذلك في الكفن.
قوله: «ويضفر شعرها ثلاثة قرون» أي: يجعل شعر المرأة ضفائر ثلاثًا«ويسدل وراءها».
قوله: «وإن خرج منه»أي من الميت«شيء» من بول أو غائط أو دم أو نحوه «بعد سبع حشي بقطن» أي سد بالقطن من أجل أن يتوقف.
قوله: «فإن لم يستمسك فبطين حر» أي: ليس مخلوطًا بالرمل؛ أي: بطين قوي؛ لأنه يسد الخارج.
قوله: «ثم يغسل المحل» أي: الذي أصابه ما خرج، ثم «يوضأ».
قوله: «وإن خرج» شيء «بعد تكفينه لم يعد الغسل»؛ لأن في ذلك مشقة.


_________________________________
([1]) بأن يضعه في الماء، بحيث لا يتغير الماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «واجعلن في الغسلة الأخيرة كافورًا» متفق عليه، وهو قول العلماء كافة، وحكي عن أبي حنيفة خلاف في استحبابه، والحديث حجة عليه، وفي حديث أم سليم: «فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها فاجعلي ماء فيه شيء من كافور، وشيء من سدر، ثم أفرغيه عليها، وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها». من حاشية ابن قاسم النجدي (3/ 45).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:22 PM

وَمُحْرِمٌ مَيِّتٌ كَحَيٍّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُقَرَّبُ طِيبًا، وَلَا يُلْبَسُ ذَكَرٌ مَخِيطًا، وَلَا يُغَطّى رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ أنْثَى، وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٌ ظُلْمًا، إِلّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، وَيُدْفَنُ فيِ ثِيَابِهِ بَعْدَ نَزْعِ السِّلَاحِ وَالجُلُودِ عَنْهُ، وَإِنْ سُلِبَهَا كُفِّنَ بِغَيْرِهَا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَالسِّقْطُ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّي عَلَيْهِ، وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ، وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا.

_________________________________
قوله: «ومحرم ميت كحي» أي: في أحكامه؛ فإنه «يغسل بماءٍ وسدر» ولا يقرّب طيبًا للخبر، «ولا يلبس ذكرٌ مخيطًا» كقميص أو سراويل أو عمامة أو غيرها مما يحرم على الحي، «ولا يغطى رأسه» بل يبقى مكشوفًا، «ولا» يغطى «وجه أنثى» لو ماتت محرمة، ومحل اجتناب هذه الأشياء قبل التحلل الأول؛ لأن المحرم بعد التحلل الأول لا يحرم عليه إلا النساء فقط، وعلى هذا يُصْنَع به كما يصنع بالمتحلل تحللًا أولًا.
قوله: «ولا يغسل»أي يكره غسل «شهيد» المعركة الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وكذا «مقتول ظلمًا»؛ لأن المقتول ظلمًا شهيد، «إلا أن يكون جنبًا» أي الشهيد والمقتول ظلمًا، «ويدفن» الشهيد «في ثيابه» التي قتل فيها «بعد نزع السلاح والجلود عنه» إذا كان معه جلود مثل: سير ربط به إزاره أو رداءه أو معه سلاح قد حمله.
قوله: «وإن سُلبها»أي الثياب بأن يأخذها منه العدو «كفن بغيرها» وجوبًا؛ لأنه لابد من التكفين للميت([1]).
قوله: «ولا يصلى عليه» أي: لا يصلي عليه أحد من الناس لا الإمام ولا غير الإمام.
قوله: «وإن سقط» المقاتل «من دابته» غُسِّلَ وصُلِّي عليه؛ بشرط أن يكون بغير فعل العدو، فإن سقط عن دابته بفعل العدو، فالعدو قتله ويكون شهيدًا لا يغسل كما سبق.
وكذا يغسل ويكفن ويصلى عليه إن «وجد ميتًا ولا أثر به» من جراحة ولا خنق ولا ضرب، أما لو وجد به أثر فإنه يحكم بالظاهر، وهو أن الذي فعل به ذلك العدو، وعلى هذا يكون شهيدًا.
وكذا إن «حُمل»من أرض المعركة «فأكل» ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويُصَلّى عليه، ولو علمنا أنه مات متأثرًا بجراحة؛ ومثل الأكل والشرب والنوم والبول والتكلم.
وكذا لو «طال بقاؤه عُرفًا» أي: ليس مقدرًا بزمان شرعًا؛ بل إذا طال بقاؤه، وعرف أنه ليس في سياق الموت فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.
قوله: «والسِّقط» أي الحمل إذا سقط من بطن أمه «إذا بلغ أربعة أشهر» من بدء الحمل؛ أي إذا تم له أربعة أشهر، وليس المعنى إذا دخل الشهر الرابع«غسل وصليَ عليه» أي: وكفن ودفن.
قوله: «ومن تعذر غسله» لعدم الماء أو لتمزق أو احتراق جسد الميت«يمم» وكيفية التيميم: أن يضرب الحي يديه على الأرض ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه.
قوله: «وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا» أي: على غاسل الميت ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنًا من الناحية الجسدية أو المعنوية؛ كإظلام وجهه؛ فإن كان وجهه مسفرًا أو كان متبسمًا فهذا لا يستره.


_________________________________
([1]) الشهيد غير شهيد المعركة بضعة عشر: المطعون، والمبطون، والغريق، والشريق، والحريق، وصاحب الهدم، وذات الجنب، والمجنون، والنفساء، واللديغ، ومن قتل دون ماله أو دمه أو أهله أو دينه أو مظلمته، وفريس سبع، ومن خر من دابته، ومن أغربها: موت الغريب، وأغرب منه: العاشق إذا عف وكتم، زاد في الإقناع: صاحب اللقوة، والسل، والصابر في الطاعون، والمتردي من رءوس الجبال، ومن مات في سبيل الله، ومن طلب الشهادة بنية صادقة، وموت المرابط، وأمناء الله في أرضه. انظر: الإقناع مع شرحه كشاف القناع (2/101).

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:22 PM

فَصْل

يَجِبُ تَكْفِينُهُ فيِ مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى دَيْنٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِلّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، تُجَمَّرُ، ثُمَّ تُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَيُجْعَلُ الحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهَا، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ مِنْهُ فيِ قُطْنٍ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَيُشَدُّ فَوْقَهَا خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرْفِ كَالتُّبانِ تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمثَانَتَهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ، وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وَإنْ طُيِّبَ كُلّهُ فَحَسَنٌ، ثُمّ يُرَدُّ طَرْفُ اللِّفَافَةِ العُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُرَدُّ طَرْفُهَا الْآخَرُ مِنْ فَوْقِهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ، وَيُجْعَلُ أَكْثَرُ الْفَاضِلِ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَعْقِدُهَا، وَتُحَلّ فِي الْقَبْرِ، وَإِنْ كُفِّنَ فيِ قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ جَازَ، وَتُكَفَّنُ المَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ، وَلِفَافَتَيْنِ، وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ.


_________________________________
قوله: «يجب تكفينه» الكفن: ما يُكَفّن به الميت من ثياب أو غيرها، وحكمه فرض كفاية.
قوله: «في ماله» أي: في مال الميت «مقدمًا على دين»والدين: هو كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع أو أجرة بيت أو دكان أو قرض أو صداق أو عوض خلع.
قوله: «وغيره» أي: كالوصية والإرث.
قوله: «إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته» أي: لو ماتت امرأة، ولم نجد وراءها شيئًا تكفن منه، وزوجها موسر، فإنه لا يلزمه أن يكفنها، والراجح أنه يلزمه إذا كان موسرًا([1]).
قوله: «ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض» الاستحباب هنا ليس منصبًّا على أصل التكفين؛ لأن أصل التكفين فرض كفاية، لكنه منصب على كون الكفن ثلاث لفائف، وكونها بيضًا.
قوله: «تجمر» أي: تبخّر «ثم تبسط بعضها فوق بعض» أي: تمد الأولى على الأرض، ثم الثانية، ثم الثالثة «ويجعل الحنوط فيما بينها»الحنوط: أخلاط من الطيب تُصْنَع للأموات، «ثم يوضع عليها» أي على اللفائف «مستلقيًا، ويجعل منه»أي من الحنوط ما بين الأكفان الثلاثة، ويجعل من الحنوط أيضًا «في قطن بين أليتيه»حتى إذا خرج شيء من دُبُرِهِ يبعد الحنوط رائحته الكريهة.
قوله: «ويشد فوقها»أي فوق الحنوط الذي يوضع في القطن«خرقة مشقوقة الطرف كالتبان»والتبان هو: السروال القصير الذي ليس له أكمام؛ وذلك بحيث «تجمع» الخرقة المشقوقة «أليتيه ومثانته».
قوله: «ويجعل الباقي»من الحنوط «على منافذ وجهه» وهي العينان والمنخران والشفتان، وعلى «مواضع سجوده، وإن طيب»الميت «كله فحسن».
قوله: «ثم يرد طرف اللفافة العليا» وهي التي تلي الميت «على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه ثم الثانية والثالثة كذلك»أي ثم نرد طرفها من الجانب الأيسر على اللفافة التي جاءت من قبل اليمين نفعل بالأولى هكذا، ثم نفعل بالثانية، كذلك ثم بالثالثة كذلك.
وإنما قال المؤلف هذا؛ لئلا يظن الظان أننا نرد طرف اللفائف الثلاث مرة واحدة، بمعنى أن نجمع الثلاث ونردها على الجانب الأيمن، ثم نرد الثلاث على الجانب الأيسر، فأولًا أكمل رد اللفافة الأولى، فترد الطرف الذي يلي يمين الميت، ثم الطرف الذي يلي يساره، ثم الثانية، ثم الثالثة على نفس الطريقة.
وإذا كان الكفن طويلًا «يجعل أكثر الفاضل على رأسه» أي: يرده على الرأس، وإذا كان يتحمل الرأس والرجلين فلا حرج، ويكون هذا أيضًا أثبت للكفن.
قوله: «ثم يعقدها» أي: يعقد اللفائف، «وتحل في القبر» ولو فرض أنه نُسي أن تحل، ثم ذكروا عن قرب، فإن الميت ينبش من أجل أن تحل هذه العقد.
قوله: «وإن كُفِّنَ في قميص ومئزر ولفافة جاز» والقميص: هو الذي نلبسه، أي: الدرع ذو أكمام، والمئزر: ما يؤتزر به ويكون في أسفل البدن، واللفافة: عامة؛ أي: إذا كفن في هذه فلا بأس.
قوله: «وتكفن المرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين»الإزار: ما يؤتزر به، ويكون في أسفل البدن، والخمار: ما يُغَطّى به الرأس، والقميص: الدرع ذو الأكمام واللفافتان: يعمان جميع الجسد.
قوله: «والواجب» في الكفن «ثوب»واحد «يستر جميعه» أي جميع الميت، وهذا يدل على أنه لابد أن يكون هذا الثوب صفيقًا بحيث لا تُرَى من ورائه البشرة، فإن رُئِيَت من ورائه البشرة فإنه لا يكفي.


_________________________________
([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/353)، وقال في الإنصاف (2/510): «وقيل: يلزمه، وحكي رواية»؛ فكأن الشيخ توسط بين القولين بإلزامه الموسر فقط.

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:23 PM

فَصْل

السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الَإِمَامُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ وَسَطِهَا، وَيُكَبِّرَ أَرْبَعًا، يَقْرَأُ فيِ الْأُولَى بَعْدَ التَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيِ الثَّانِيَةِ كَالتَّشَهُّدِ، وَيَدَعُو فيِ الثَّالِثَة، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالَماءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الَجنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنَ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَفْسِحْ لَهُ فيِ قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ.


_________________________________
الصلاة على الميت فرض كفاية، وتسقط بمكلف، أي: لو صلى عليه مكلف واحد ذكرٌ أو أنثى فإن الفرض يسقط.
وكيفيتها: «أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها»([1])،والصحيح أنه يقف عند رأس الرجل لا عند صدره([2]).
قوله: «ويكبر أربعًا»وكلها أركان؛ لأنها بمنزلة الركعات؛ فكل تكبيرة عن ركعة، و«يقرأ في» التكبيرة «الأولى بعد التعوذ الفاتحة» وعلم من كلامه: أنه لا استفتاح فيها، والفاتحة في صلاة الجنازة ركن.
قوله: «ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في»التكبيرة «الثانية كالتشهد»،وإن اقتصر على قول: «اللهم صلّ على محمد» كفى، كما يكفي ذلك في التشهد.
قوله: «ويدعو في»التكبيرة «الثالثة» بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء دعا جاز، إلا أنه يخص الميت بالدعاء.
قوله: «لحينا وميتنا» أي: لحينا نحن المسلمين، وميتنا كذلك.
قوله: «إنك تعلم منقلبنا ومثوانا» أي: دعوناك بهذا الدعاء؛ لأننا نعلم أنك تعلم منقلبنا، أي: ما ننقلب إليه، ومثوانا أي: ما نصير إليه.
قوله: «اللهم اغفر له وارحمه»أي: بحصول المطلوب؛ وهذا الدعاء الخاص، وبدأ بالدعاء العام؛ لأنه أشمل، أما الخاص فهو خاص بالميت، «وعافه واعف عنه» أي: عافه مما قد يصيبه من السوء؛ كعذاب القبر مثلًا، وتجاوز عنه ما فرط فيه من الواجب في حال حياته، «وأكْرِمْ نُزُلَهُ»وهو الإكرام الذي يقدم للضيف، «وأوسع مدخله» أي القبر،«واغسله بالماء والثلج والبرد»والمراد بالغسل هنا: غسل آثار الذنوب، «ونقه من الذنوب والخطايا» أي الصغائر والكبائر «كما يُنَقّى الثّوْبُ الأبيض من الدنس» أي: نَقّه نقاء كاملًا، كما يُنَقّى الثوب الأبيض من الدنس،«وأبدله دارًا خيرًا من داره»الدار الأولى دار الدنيا، والثانية دار البرزخ، وهناك دار ثالثة وهي دار الآخرة، وأبدله كذلك «زوجًا خيرًا من زوجه([3])، وأدخله الجنة، وأَعِذْهُ من عذاب القبر»، وإدخال الجنة لا يغني عن سؤالِ أَنْ يُعِيذَهُ الله من عذاب القبر وعذاب النار؛ فإن الإنسان قد يدخل الجنة بعد أن يعذب في القبر.
وقوله: «اللهم اغفر له» إن كان الميت مفردًا مذكرًا، وإن كان اثنين تقول: اللهم اغفر لهما، وإن كانوا جماعة تقول: اللهم اغفر لهم، وإن كن جماعة إناث: اللهم اغفر لهن، وإن كانوا من الذكور والإناث، فيغلب جانب الذكورية، فتقول اللهم اغفر لهم.
قوله: «وأفسح له في قبره» أي: وسِّعْ له؛ لأن الفسحة السعة، «ونوِّرْ له فيه» أي: اجعل له فيه نورًا.


_________________________________
([1]) والخنثى بين ذلك؛ أي بين الصدر والوسط، لاستواء الاحتمالين فيه، والسنة وضع رأسه مما يلي يمين الإمام، كما هو المعروف. انظر: الروض المربع وحاشية ابن قاسم النجدي (3/80).

([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/359)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/516).

([3]) ينبغي ألا يقال لمن لا زوجة له، كما يفهم من كلام ابن نصر الله، قال في الإقناع: ولا يقول أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها في ظاهر كلامهم. انظر: الإقناع مع شرحه كشاف القناع (2/115)، حاشية أبي بطين (1/234).


الساعة الآن 06:00 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .