ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   روضة الفقه وأصوله (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=756)
-   -   ملف كامل عن شهر الله المحرم .."متجدد بحول الله وقوته " (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=66195)

رقية مبارك بوداني 27-10-14 04:56 PM

ملف كامل عن شهر الله المحرم .."متجدد بحول الله وقوته "
 
بسم الله.... الحمد لله الّذي أنزل على عبده الكتاب، القائل عن القمر: {... وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ....} [يونس: 5] والصّلاة والسّلام على نبيِّنا محمِّدٍ، الّذي خرج من أطهر الأصلاب، وعلى آله وصحبه وكل من هاجر لله وتاب... أما بعد:

انعقاد الإجماع في خلافة عمر -رضي الله عنه- على التّأريخ بالهجرة
اعتمادًا على القمر


مقدمة حول بداية العام الهجري

أخي الحبيب: يشكل اليوم الأول من شهر محرم رأس السنة الهجريَّة التي تعتمد على التّقويم القمريّ، وقد هجر المسلمون هذا التّأريخ.
-إلا من رحم الله تعالى- وصاروا يعتمدون على السنة الميلادية التي تعتمد التقويم الشّمسيّ.
ولو علم المسلمون خطأ ما يفعلون، لعادوا سريعًا إلى التّأريخ بالهجرة؛ لأنَّه أرضى لله -تعالى-، ثمَّ هو: أرحم، وأدق، وأحكم، كما سنرى في هذا البحث بإذن الله -عزّ وجلّ-...

لمحةٌ تاريخيَّةٌ

عرف الإنسان التّأريخ منذ بدايته الأولى على سطح الأرض. ذلك أن التّأريخ حاجةٌ مهمَّةٌ جداً لحياة الإنسان. وكان لكلِّ شعبٍ من الشّعوب تقويمهم الخاصّ... فقد اعتمد اليهود على التّقويم القمريّ، وبدءوا تأريخهم من العام الّذي خرجوا فيه من مصر فرارًا من فرعون وجنده، بعد أن نجى الله -تعالى- نبيَّه موسى -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقومه من الغرق.

وكان النَّصارى يعتمدون على التَّقويم الشمسيّ بدءًا بميلاد المسيح -صلَّى الله عليه وسلَّم. كما أنَّه كان لكلٍ من الرّوم والفرس والهند والصين والفراعنة وغيرهم تقويمهم الخاص،ّ المرتبط بأحداث عظامٍ في حياتهم هذا، وقد اعتمد العرب في الجاهلية على التَّقويم القمريّ، وبدأوا تأريخهم بالوقائع المهمة في حياتهم مثل: انهيار سد مأرب.... عام الفيل... تجديد بناء الكعبة .... إلخ.

التَّقويم الشّمسيّ والتّقويم القمريّ

من نعم الله -تعالى- على الإنسان أن جعل له من الشّمس والقمر دليلًا يهتدي به إلى معرفة الأيام والشّهور والسّنين والحساب، وقد وجه الله -عزّ وجلّ- أبصار البشر إلى السّماء، وبالأخص إلى القمر؛ ليستنبطوا من حركته علم: قياس الزَّمن، ومعرفة عدد السّنين والحساب، قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5].

أولًا: التّقويم الشّمسيّ

التّقويم الشّمسيّ: هو التّقويم الّذي يعتمد على حركة دوران الأرض حول الشّمس في حساب السّنّة، والّتي تساوى 365 يومًا تقريبًا.

التّقويم لدى الإمبراطورية الرّومانيَّة

أخي الحبيب: إنَّ التّأريخ الميلاديّ الحالي الّذي يعتمد على الشّمس، يعود في أصله إلى التّاريخ لدى الإمبراطوريَّة الرّومانيَّة، الّتي كانت تحسب السّنة على أنَّها 360 يومًا، (وكذلك كان البابليون قبلهم)، وهذا خطأٌ كبيرٌ مخالفٌ للواقع، إذ أنَّ السّنّة الفعليَّة هي 365 يومًا تقريبًا.
وهذا التَّفاوت يعني نقصًا قدره خمسة أيام في العام، وشهر كلّ ستِّ سنوات ولتلافي النّقص الحاصل في كلِّ عامٍ، أصدر يوليوس قيصر قرارًا بزيادة عدد الأيام في بعض الأشهر (حتى وصلت إلى 31 يومًا) وفي عام 1582م قام البابا غريغوري الثَّالث عشر بإلغاء عشرة أيام من تلك السّنة، وأصبح التَّقويم الميلاديّ يعرف بالتَّقويم الميلادي الغريغوري، ثم قام البابا بنديكت الرّابع عشر عام 1752م بإلغاء أحد عشر يومًا من تلك السّنة. وقد استمر الباباوات في تعديل التّقويم المسيحيّ الغريغوريّ، حتى يأتي عيد الميلاد (وهو أحد أعيادهم) في موقعه كما كان في بداية العام الميلاديّ.... كما هو شائع!!!!.

الأشهر مصطنعة في التّقويم الشّمسيّ

وتقسيمة أيام الأشهر في التّقويم الشّمسي تقسيمةٌ غير متساويَّة.... فهناك فبراير 28 يومًا أو 29 يومًا، وهناك شهران متتاليان (يوليو وأغسطس) 31 يومًا، وهذه التَّقسمية خضعت لأهواء الباباوات والقياصرة الّذين وضعوا هذا التَّقويم فبعض القياصرة حاول أن يخلد اسمه فسمي شهرًا من الشّهور باسمه، وجعله كبيرًا متميزًا... مثل يوليوس قيصر الّذي جعل شهره يوليو 31 يومًا...وهكذا.

فقام الباباوات بإنقاص شهر فبراير نقصانًا غير مفهومٍ، ولا مبررٍ؛ إرضاءً لهؤلاء القياصرة. وكان العدل أن تكون الشّهور كلها متساويَّة -ولن يستطيعوا ذلك-؛ لأن تقسيم 365 يومًا إلى 12 شهرًا سيكون النّاتج ثلاثون يومًا، ويبقى لدينا 5 أيام لا يمكن توزيعها على الشّهور بشكلٍ واقعيٍّ مقبولٍ؛ لأنَّ الشّهر سيكون ثلاثون يومًا من نصف اليوم تقريبًا، وهذا غير ممكن، مما يدل على أنَّ: الاعتماد على الشّمس غير صالحٍ لتقسيم الشّهور!!!

تنبيه:

نجد أن كثيرًا من المسلمين يستخدمون الأسماء الأجنبية للشَّهور، وهم لا يدرون أنَّ بعضها أسماء وثنية، فنجد مثلًا شهر يناير أسمًا لأحد آلهة الرُّومان، وكذلك فبراير ومارس.... وكذلك بعض الأيام (صن دي) يوم الشَّمس... (من دي) يوم القمر.... فينبغي على المسلمين استخدام الأسماء العربية للشُّهور مثل: محرم... صفر... إلخ... والأيام مثل: الأحد... الإثنين... إلخ.

ثانيًا: التَّقويم القمريّ

معلوم أنَّ القمر يدور حول نفسه وحول الأرض، ويدور هو والأرض حول الشّمس.... والقمر يشاهد بالعين المجردة. وقد لاحظ الإنسان منذ القديم أنَّ القمر يولد صغيرًا ثمَّ يكبر إلى أن يصل على أوج اكتماله بعد أربعة عشر يومًا، ثم يتناقص إلى أن يعود كما بدأ.... إلى أن يدخل في فترة الغياب فلا يُرى مُطلقًا وتسمى فترة المحاق ثمَّ يعود على الظّهور من جديد... وبين كلّ رؤيتين إمّا 29 يومًا، أو 30 يومًا.

ووجد الإنسان أن هذه الظَّاهرة يمكن أن يعتمدها في تقسيم الزّمن إلى وحدات أكبر من اليوم وأقل من السّنة فسماها شهرًا من: الاشتهار والمعرفة. إلا أن متوسط الشّهر لدى التَّوقيت القمريّ 29 يومًا ونصف اليوم تقريبًا، وذلك بسبب رؤية القمر، الّتي تختلف من شهر لأخر بتقدير الله -تعالى-، بخلاف التَّقويم الشّمسيّ الّذي يخضع لتعسف البشر، وأهوائهم.... وعلى ذلك فإنَّ إثنى عشر شهرًا تساوي 354 أو 355 يومًا، وهي فترة أقل من السَّنة الشّمسيَّة بأحدى عشر يومًا تقريبًا.

حكمة الاعتماد على التَّقويم القمريّ

أخي الحبيب: ينبغي أن تعلم أنَّ الله -سبحانه وتعالى- أمرنا أن نعتمد على القمر في حساب الزَّمن، قال -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وكذلك أمرنا رسولنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالاعتماد عليه في جميع شؤوننا، مثل: تأريخ المعاملات، والمعاهدات ومواقيت العبادات كالصّوم مثلًا لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته...» [متفقٌ عليه].
ونحاول هنا أن نتلمس بعض الحكم: الشّرعيَّة والعلميَّة وفي هذا التّقويم القمريّ الربانيّ:

أولًا الحكم الشّرعيَّة... منها:

أولًا: أنَّ السّنة القمريَّة أرحم وأعدل بالعباد في باب التّكاليف الشّرعيَّة، حيث يتبدل المناخ فتجد أن الإنسان لا يحجُّ أو يصومُ أو يزكي دائمًا في الصَّيف، وإنَّما في كلِّ الفصول كلما مرّ عليه 33 عامًا... فالصّائم -مثلًا- لا يصوم طيلة حياته في الصّيف وفي اليوم الطّويل، وإنَّما يصوم في كلِّ الظّروف المناخية طول العام... ونفس الشّيء يحدث بالنّسبة للحجّ.

ثانيًا: أنَّها أرحم بالفقير في باب الزَّكاة؛ لأنَّها أقل من السّنة الشّمسيَّة.

ثالثاً: أنَّها أخفُّ على المكلفين من حيث: المُعتَّدة من طلاقٍ، أو من موتٍ، أو الّتي تريد أن يحكم لها بالفريق بسبب غياب زوجها، أو عنته (الضّعف الجنسيّ) بعد عامٍ كاملٍ، أو من حيث الحكم على المفقود والغائب بالموت. أو بالنِّسبة للذين يصومون شهرين متتابعين كفارة لخطأ من الأخطاء. فقد يصوم 62 يومًا بدلًا من 58 يومًا إذا اعتمد على التقويم الشّمسيّ ففي كلّ هذه الحالات فإنَّ الاعتماد على السّنة القمريَّة أرفق بالمسلم، مصدقاً لقوله -تعالى-: {..... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...} [الحجّ: 78].

رابعًا: أنَّ الدّورة الشّهريَّة للمرأة، والثَّوابت البيولوجيَّة الأخرى للإنسان وغيرها، مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالقمر.

ثانيًا: الحكم العلميَّة... منها:

أولًا: التَّقويم القمريّ يحسب الرَّؤية المجردة، ونسبة الخطأ فيه تكاد تكون معدومةٌ، وإن واقع الخطأ من جهة البشر، فبإمكان أي إنسانٍ أن يكتشف في غضون يومٍ أو يومين، ويتم تصحيحه تلقائيًّا.... بينما على العكس بالنسبة للشّمس...
فحسابه صعب، ونسبة الخطأ فيه كبيرةٌ...

ثانيًا: وجد العلماء أنَّ التّقويم الشّمسيّ بحاجة إلى تعديلٍ كل 128 سنة (بسبب تراكم الكسور) وذلك بحذف يوم واحد كبيسة، إلا أنَّهم وجدوا أنَّه من الأسهل أن يحذفوا ثلاثة أيام في كل 400 سنة.... بينما التَّقويم القمريّ ليس بحاجةٍ إلى تعديل أبدًا؛ لأنَّه يصحح (إن وجد الخطأ) كلّ شهرٍ.... الله أكبر....

ثالثًا: تقسيم أيام الأشهر في التَّقويم القمري ربانيٌّ، تحدده:
دورة القمر حول الأرض (بتدبير الله -عزّ وجلّ-).
وليس لأيِّ بابا أو ملك أو أمير من سلطان عليه تقديمًا أو تأخيرًا، على عكس التَّقويم الشمسي الّذي خضع لأهواء البشر!!!

رابعًا: الشّهور القمرية يمكن متابعتها في جميع بقاع الأرض حتى في المناطق القطبية الّتي تغيب عنها الشّمس ستة أشهر وتشرق فيها ستة أشهر. (أيّ يكون عندهم نصف العام ليل ونصفه الآخر نهار). فالقمر واضحٌ يستطيع الإنسان حتَّى في هذه الأماكن القطبيَّة أن يتابعه بسهولةٍ، فهو ليس محجوبًا بحالٍ من الأحوال، بخلاف الشّمس الّتي تغيب نصف العام.

خامسًا: معلومٌ أنَّ كمال البدور هو بين يومي (14، 15) في الشّهر القمريّ، فلو كانت الرّؤية خاطئةً في البداية فلن يكون القمر بدرًا في موعده.... الله أكبر، مما يساعد على مزيد من الضّبط للتّقويم القمريّ... بينما الشمس لا تصلح لاعتمادها في توقيت الشّهور؛ لعدم وجود العلامات الّتي تفرق بين شهرٍ وآخرٍ.

سادسًا: ظاهرتا المد والجزر مرتبطان بالتّقويم القمريّ، وهما ضروريتان جدًّا لحياة الإنسان، ولاسيما لأهل البحار من: الصّيَّادين، والتّجار، والمسافرين، والعسكريين... إلخ ، فإذا علمنا أن معظم البضائع تنقل عبر البحار، أدركنا أهمية الاعتماد على القمر كتقويمٍ عالميٍّ... والله -سبحانه وتعال- أعلم .

النَّتيجة:

لابد للإنسان من اعتمد (التّقويم القمريّ في التّأريخ) في حياته كلِّها.

التّاريخ الهجريّ في الإسلام يعتمد على التّقويم القمريّ

في عهد أمير المؤمنين (الفاروق) عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، رفع إليه صك مكتوب فيه: لرجلٍ على آخر دين يحلُّ عليه في شعبان ، فقال: أي شعبان؟ أمن هذه السّنة، أم الّتي قبلها، أم الّتي بعدها؟ ثم جمع النّاس فقال: ضعوا للناس شيئًا يعرفون فيه حلول ديونهم.... فأشار عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وآخرون أن يؤرخ من هجرة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة على المدينة... فاستحسن ذلك أمير المؤمنين والصّحابة -رضي الله عنهم-، فانعقد الإجماع على ذلك (ابن كثير- البداية والنّهاية (بتصرف يسير)).

ومعلومٌ أنّ السّنة في الإسلام تحسب على أساس القمر، كما أمر الله -تعالى- في كتابه.

ملاحظة:

الإسلام يعتمد على الشمس -أيضًأ في نطاق اليوم الواحد، من حيث مواقيت الصَّلاة ... فمثلًا: صلاة الصبح تبدأ بطلوع الفجر وينتهي وقتها بطلوع الشّمس... ويدخل وقت صلاة الضّحى وصلاة العيد بمقدار ارتفاع الشّمس قدر رمح أو رمحين... والظّهر عند زوال الشّمس عن قبة السّماء باتجاه الغرب... وكذلك المغرب عندما تغرب الشّمس... والعشاء عند غياب الشفق.
قال -تعالى-: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الرّوم: 17- 18].

لماذا أوقف العمل بالتّأريخ الهجري؟؟؟!!!!

ظلت الأمّة الإسلاميَّة تعتمد على التّأريخ الهجريّ -الّذي يعتمد على القمر- على أن جاءت الموجة الاستعماريَّة في العصر الحديث، وما تبعها من تغريبٍ وسلبٍ للهّوية وسقوط للخلافة الإسلاميَّة على يد: الماسوني مصطفى كمال أتاتورك الّذي ما لبث أن أصدر قراراً بإلغاء العمل بالتّأريخ الهجري واستبداله بالتّأريخ الميلاديّ سنة (1344هـ- 1926م)؛ تنفيذاً لمخطط دام قرونًا طويلةً، لقطع حاضر الأمة عن ماضيها المجيد، وتقليدًا لغير المسلمين..... إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

وأخيرًا:

أيُّها المسلمون: إن تمسكنا بالتّأريخ الهجريّ، الّذي يعتمد على التّقويم القمريّ هو تمسك بمرضاة الله -سبحانه وتعالى- أولًا وآخرًا بالإضافة على أنّه تمسكٌ: بالعلم والحقِّ والعقل والمنطق... كما أنَّه اعتزازٌ بمبادئنا وغيظٌ لأعدائنا... ولله الحمد...

الّدين النّصيحة :

لذا فإنَّنا نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يلهم حكوماتنا، ومؤسساتنا، وأفرادنا، إلى اعتماد التّأريخ الهجري حتى يكونوا من المفلحين في الدّنيا والآخرة -بإذن الله تعالى-...
كما نهيب بأصحاب الشّركات وأرباب العمل أن يصرفوا رواتب موظفيهم على رأس كلّ شهرٍ قمريٍّ، سعيًّا لمرضاة الله -عزّ وجلّ-.

بشرى:

باعتماد التاريخ الهجري سيحصل العامل على أجر أحد عشر يومًا إضافيًّا في السّنة (بسبب الفرق بين السّنة القمريَّة والسّنة الشّمسيَّة)، فيما لو بقي الأجر ثابتًا، وإنَّ الله -تعالى- هو الرّزاق ذو القوة المتين، والحمد لله ربّ العالمين.

ملاحظة:
راجع هذه المطويَّة الدكتور صالح العجيري، ومجموعة من أهل العلم... جزاهم الله خيرًا.



مركز وذكر


رقية مبارك بوداني 27-10-14 04:59 PM

هكذا نستقبل العام الجديد

راشد بن معيض العدواني

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإن الليالي والأيام والشهور والأعوام تمضي سريعا وتنقضي سريعا هي محط أعمالنا ومقادير آجالنا.
وفي نهاية عام وفي بداية آخر حبذا أن يقدم الإنسان لنفسه توبة ناصحة ورجعة صادقة يغسل بها ما مضى ويستقبل بها ما أتى قال تعالى : (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).وقال (وإني لغفار لمن تاب و آمن.)
قطعت شهور العام لهوا وغفلة *** ولم تحترم فيما أتيت المحرما
فلا رجبا وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صوما متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قواما ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرة *** وتبكي عليها حسرة وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبة *** لعلك أن تمحو بها ما تقدما
أيها الإخوة / أيتها الأخوات:
لقد فاضل الله بين الأوقات فجعل منها مواسم للخيرات ليجتهد الناس فيها بسائر الطاعات وأنواع العبادات
ومن هذه الأزمنة الفاضلة التي أشار القرآن إلى عظيم منزلتها وأظهرت السنة علو مكانتها شهر الله الحرام وسوف أتحدث عن فضله ومكانته في ضوء فضل الشهر عامة وفضل عاشوراء خاصة:


الأولى : لماذا سمي محرم.
يقول المؤرخون إن أول من سمى الأشهر العربية بهذه الأسماء هو كلاب الجد الخامس لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
في عام 412هـ تقريبا. وشهر محرم سمي بذلك لأنه شهر محرم فيه القتال وسمي بذلك تأكيدا لحرمته.

الثانية : فضل شهر الله المحرم:
1- انه من الأشهر الحرم.
قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ). ومحرم من الأشهر الحرم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) رواه البخاري.

قال قتادة –رحمه الله- في تفسير الآية: اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك و إن كان الظلم في كل حال غير طائل ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء ربنا تعالى).
ويقول القرطبي- رحمه الله-:خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها.


2- إضافته هذا الشهر إلى الله:
لقد عظم الله هذا الشهر فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم وهذا يدل على مكانته وعلو منزلته.
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله-: وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله؛ فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته).


3- فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم). رواه مسلم.
شهرُ الحرامِ مباركٌ ميمون والصومُ فيه مضاعفٌ مَسنونُ
وثوابُ صائمه لوجه إِلهه *** في الخُلد عند مَليكه مخْزُونُ.
قال أبو عثمان النهدي رحمه الله : كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم).
4- فضل صيام عاشوراء وفيه مسائل:
1- عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم كما قال القرطبي وغيره.
2- كان صيام عاشوراء مفروض على الأمة في صدر الإسلام قال ابن عباس رضي الله عنهما : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال : فأنا أحق بموسى منكم . فصامه وأمر بصيامه.رواه البخاري. وهذا يدل على فضله حيث كان يصومه اليهود كما في هذا الحديث بل في رواية أخرى حتى أهل الجاهلية كانوا يصومون هذا اليوم كما في البخاري ومسلم
فلما فرض رمضان نسخ فرضه وبقي استحبابه.
قال ابن حجر –رحمه الله-: نقل ابن عبد البر –رحمه الله- الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب).


3-فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام يوم عاشوراء فقال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية الطبراني رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم : لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء.صححه الألباني في صحيح الترغيب.


3- كيفية صيامه:
قال ابن حجر- رحمه الله-:
صيام عاشوراء ثلاث مراتب:
أدناها أن يصام وحده.
وفوقه: أن يصام التاسع والعاشر.
وفوقه:أن يصام التاسع والحادي عشر أي مع العاشر.
ودليل المرتبة الأولى : فضل صيام اليوم العاشر مطلقا دون ذكر لصيام يوم قبله أو بعده..
ودليل المرتبة الثانية:قول النبي صلى اله عليه وسلم : (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم.
ودليل المرتبة الثالثةhttp://www.almeske.net/vb/images/smilies/frown.gifخالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده) رواه البيهقي وسنده ضعيف.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وأما إفراد التاسع فمن نقص في فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع .


كتبه
د. راشد بن معيض العدواني
عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام /فرع المدينة النبوية

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:04 PM

شهر الله المحرم

علاء شعبان

إن شهر الله المحرّم شهرٌ عظيم مبارك ، وهو أول شهور السنة الهجرية ، وأحد الأشهر الحُرمِ التي قال الله فيها : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [ التوبة : 36 ] .


وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ).[ أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 4662 ) ، ومسلم في " صحيحه " ( 1679 ) ].

وقوله تعالى : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم بِالذِّكْرِ , وَنَهَى عَنْ الظُّلْم فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلّ الزَّمَان . [ الجامع لأحكام القرآن ( 4/473 ) ]

مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ ؟!

قال السيوطي في " شرح سنن النسائي " ( 1613 ) :


قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ ؟!

يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم . اهـ

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) . [ أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 1163 ) ]

( أَفْضَل الصِّيَام بَعْد شَهْر رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم ) : تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الْمَشْهُور لِلصَّوْمِ . وَأَمَّا إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحَرَّم فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدهمَا : لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْله فِي آخِر حَيَاته .

وَالثَّانِي : لَعَلَّهُ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار مِنْ سَفَر أَوْ مَرَض أَوْ غَيْرهمَا . كما في " عون المعبود " ( 2429 ) .

يوم عاشوراء وفضل صيامه :

هو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى من الغرق كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) .


قال النووي في " المجموع " ( 6 / 433 - 434 ) :

" وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ اسْمَانِ مَمْدُودَانِ , هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ , وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو الشَّيْبَانِيِّ قَصْرُهُمَا . قَالَ أَصْحَابُنَا : عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ , وَتَاسُوعَاءُ هُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ, هَذَا مَذْهَبُنَا , وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ, وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ , ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ , وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ , فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوَرْدِ رِبْعًا - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَكَذَا تُسَمِّي بَاقِيَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَلَى هَذَا عِشْرًا - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ , وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ .

( وَأَمَّا ) تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَبَعِيدٌ , وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ ; لِأَنَّهُ قَالَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : إنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ , وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ " اهـ ، وانظر " المغني مع الشرح الكبير " ( 3 / 57 – 58 ).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) [ أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 2006 ) ] .

مَعْنَى " يَتَحَرَّى " أَيْ يَقْصِد صَوْمه لِتَحْصِيلِ ثَوَابه وَالرَّغْبَة فِيهِ . كما في " الفتح " .

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ مرفوعاً : ( ... وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) [ أخرجه مسلم في "صحيحه " ( 1162 ) ] .

قال النووي في " المجموع " ( 6 / 428 - 431 ) :

" قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَكُلُّ مَا يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ ؛ هَذَا كَلَامُهُ .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ , فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا , إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً . وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : ( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الذُّنُوبِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

( قُلْتُ ) وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ :

( أَحَدُهُمَا ) يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ , فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرَ لَمْ يُكَفِّرْ شَيْئًا لَا الْكَبَائِرَ وَلَا الصَّغَائِرَ .

( وَالثَّانِي ) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ : أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ : يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله : هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ - مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ .

فَإِنْ قِيلَ : قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا , فَإِذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ ؟ وَإِذَا كَفَّرَت الصَّلَوَاتُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الْجُمُعَات وَرَمَضَانُ ؟ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .

فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ , وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ , وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ " اهـ .

يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً :

وهذا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام العاشر ونوى صيام التاسع :

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) [ أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 1134 ) ] .

قال النووي في " المجموع " ( 6 / 433 - 434 ):

وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا :

( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ , وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا ) .

(الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ , كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ , ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ .

(الثَّالِثَ) الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ , وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . اهـ

وتأمل أخي دورة الأيام واستوحش من سرعة انقضائها فها نحنُ كنا من أيام نستفبل شهر رمضان ثم ما أسرع أن انقضى ؛ فاستقبلنا عشر ذي الحجة ويوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة ؛ ثم ما أسرع أن انقضى ، وها نحنُ قد استقبلنا شهر الله المحرم ويوم عاشوراء , فالبدار البدار قبل فوات الآوان ... وافزع إلى التوبة وصدق الالتجاء الى الله عز وجل ، وَوَطِّنْ أيها الحبيب نفسك على الطاعة وألزمها العبادة فإن الدنيا أيام قلائل ...

واعلم أنه لا يهدأ قلب المؤمن ولا يسكن روعة حتى تطأ قدمه الجنة ... فسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض وجنب نفسك ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى ... وعليك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 6464 ) ، ومسلم في " صحيحه " ( 2818 ) من أبي هريرة رضي الله عنه .

اللهم ثبتنا على الإيمان والعمل الصالح وأحينا حياة طيبة وألحقنا بالصالحين ... ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ...

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:05 PM

شهر محرم ويوم عاشوراء
د. نايف بن أحمد الحمد

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:

فإن شهر محرم من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله –تعالى-
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:36)
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ( السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) رواه البخاري (4662)، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه-.

وسمي هذا الشهر محرما لتحريم القتال فيه . المطلع على أبواب المقنع 1/150 الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/393 وقيل لتحريم الجنة فيه على إبليس . إعانة الطالبين 2/214 مغني المحتاج 4/66 والأول أصح .
قال تعالى ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:2) قال ابن العربي رحمه الله تعالى : " في تعيينها أربعة أقوال : الأول : أنها عشر ذي الحجة ; روي عن ابن عباس , وقاله جابر , ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح . الثاني : عشر المحرم ; قاله الطبري . الثالث : أنها العشر الأواخر من رمضان . الرابع : أنها العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام في ميقاته معه " ا.هـ أحكام القرآن 4/333

ويشرع صيام شهر محرم ؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) رواه مسلم (1163).

وفي هذا الشهر يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر منه لحديث عَبْد اللّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّىٰ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ . رواه مسلم ( 2619) وهذا هو الصواب قال الزين بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية . فتح الباري 4/770 تنوير الحوالك 1/269 نيل الأوطار 2/313 تحفة الأحوذي 3/397

ويتأكد صيام يوم عاشوراء ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: ( ما رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان ) رواه البخاري(2006)، ومسلم(1132).

ولصيام هذا اليوم المبارك فضل عظيم كما في حديث أبي قتادة – رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ( صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله ) رواه أحمد (5/296)، ومسلم (1163).

وصيام هذا اليوم سنة مؤكدة وليس واجباً ؛ لحديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ) رواه مسلم (1136). وعن عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت: «كان عاشوراءُ يوماً تَصومهُ قريش في الجاهلية، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدِمَ المدينةَ صَامَهُ وأمرَ بصيامه، فلما نزلَ رمضانُ كان مَن شاءَ صامه، ومن شاء لا يَصومُه» رواه البخاري ( 3744).

ويستحب حث الصبيان على صيامه ؛ كما في حديث الربيِّع بنت معوذ – رضي الله عنها- قالت : أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار ( مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم ) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار . رواه البخاري (1690) ومسلم (1136).

كما يسن صيام يوم قبله أو بعده ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً )رواه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095) من طريق محمد بن أبي ليلى وفيه كلام وصح قال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وصح عن ابن عباس من قوله " ا.هـ لطائف المعارف /108 وهذا في صيام يوم بعده أما صيام يوم قبله فقد صح ذلك كما ذكرته أعلاه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان ، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا وقال: ( نحن أحق بموسى منكم ) ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم " ا.هـ فتح الباري 4/770 تحفة الأحوذي 3/397
وصيام يوم قبله أو بعده مستحب لا واجب قال ابن القيم – رحمه الله تعالى-: ( مراتب صومه ثلاث، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم ) ا.هـ زاد المعاد (2/75).

وعلى المسلم أن لا يتكل على صيام هذا اليوم مع مقارفته للكبائر إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم : يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونا على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل " ا.هـ الجواب الكافي /13

وسبب صيام هذا اليوم المبارك ما جاء في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ( ما هذا ) ؟ قالوا: هذا يوم صالح ، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال: ( فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه ) رواه البخاري (1900) وقد سبق أن ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صامه في مكة قال الباجي رحمه الله تعالى : " يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا هَاجَرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ نَسَخَ وُجُوبَهُ " ا.هـ المنتقى وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إما الإشكال الأول وهو أنه لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية وإن كان بالشمسية زال الإشكال بالكلية ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرم فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية فوافق ذلك مقدم النبي المدينة في ربيع الأول وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي وكذلك حجهم وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه وهم أخطأوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية كما أخطأ النصاري في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر " ا.هـ زاد المعاد 2./70

وأختم بذكر بعض البدع التي أُحدثت في هذا اليوم مما ذكر أكثره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه .
فقد ذهب بعض العلماء إلى استحباب قيام ليلة عاشوراء ولا أعلم لهم دليلا على ذلك بل هي ليلة كسائر الليالي فمن كانت عادته قيام الليل قامها وإلا فلا يخصها بصلاة . انظر :مطالب أولي النهى 1/581 ومن البدع كذلك الاجتماع للصلاة هذه الليلة فتجتمع بدعتان . انظر : منح الجليل 1/345 مواهب الجليل 1/73 ومنها ما يُروى أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " هو عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة " ا.هـ درء التعارض 1/150

ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية – رحمه الله تعالى- بقوله : ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين – رضي الله عنه- يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب... وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم-) ا.هـ منهاج السنة (4/544) وقال رحمه الله تعالى : " النوع الثالث ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرا ينهى عنه مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله ولا أحد من السلف لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورا أخرى مما يكرهها الله ورسوله وقد روي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث لها استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بنته التي شهدت مصابه وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتما فليس هذا من دين المسلمين بل هو إلى دين الجاهلية أقرب ثم هم قد فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل.

وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه أو التكحل أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة كلها مكروهة. وإنما المستحب صومه .

وقد روى في التوسع فيه على العيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال بلغنا أنه " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " رواه ابن عيينة وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت للعصبية بين الناصبة والرافضة فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأتما فوضع أولئك فيه آثارا تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيدا وكلاهما باطل وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سيكون في ثقيف كذاب ومبير " فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد وكان يتشيع وينتصر للحسين ثم أظهر الكذب والافتراء على الله وكان فيها الحجاج بن يوسف وكان فيه انحراف على علي وشيعته وكان مبيرا وهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذبا وأسوأ حالا لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئا من الشريعة لأجل أحد وإظهار الفرح والسرور , يوم عاشوراء وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة المقابلة للرافضة وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من الاغتسال والاكتحال وغير ذلك وصححها بعض الناس كابن ناصر وغيره ليس فيها ما يصح لكن رويت لأناس اعتقدوا صحتها فعملوا بها ولم يعلموا أنها كذب فهذا مثل هذا وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة لمقابلة الروافض فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم ولا يبالي إلى أي الشقين صاروا فينبغي أن يجتنب هذه المحدثات " ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 1/299-301 وانظر : الفتاوى 13/354 وذكر رحمه الله أنه قد قابل قوم فعل الرافضة بفعل مضاد له، وهو جعل هذا اليوم يوم فرح وسرور وطبخ للأطعمة والتوسيع على العيال ، فقابلوا الفاسد بالفاسد ، والكذب بالكذب ، والشر بالشر ، والبدعة بالبدعة ، فوضعوا الآثار مقابل ما وضعها الرافضة. انظر: فتاوى ابن تيمية – رحمه الله تعالى- (25/310) ومما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى :" وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم يعارضون به شعار ذلك القوم فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة وان كانت أحداهما أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل الحديث الطويل الذي روى فيه من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك فان هذا الحديث ونحوه كذب مخلق باتفاق من يعرف علم الحديث وان كان قد ذكره بعض أهل الحديث وقال انه صحيح وإسناده على شرط الصحيح فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم " ا.هـ الفتاوى 4/512
وفي البخاري (1294)، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ليس منَّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".

قال ابن رجب – رحمه الله تعالى-: (أما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين – رضي الله عنه-، فهو من عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم- باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم ) ا.هـ (لطائف المعارف /13)،
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن والطائفتان مبتدعتان خارجتان على السنة وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع " ا.هـ نقد المنقول /101 ( وقد ذكرت هذه الأقوال مع ما فيها من التكرار لما فيها من الفائدة )

أما حديث "مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" فقد رواه البيهقي في الشعب (3/365) والطبراني في المعجم الأوسط (9302)، والكبير (10007) قال حرب: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث ؟ فقال: لا أصل له وليس له إسناد يثبت. منهاج السنة (4/555)، وقال شيخ الإسلام: (حديث موضوع مكذوب) ا.هـ الفتاوى (25/300). وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائله لا يصح منها شيء ولا حديث واحد ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه وما عداها فباطل وأمثل ما فيها حديث من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال الإمام أحمد لا يصح هذا الحديث وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وضع الكذابين " ا.هـ نقد المنقول /101
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتبه د. نايف بن أحمد الحمد

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:06 PM

بعض الآثار الواردة في شهر محرم

عبدالله التويجري

1. عن أبي بكرة - رضي الله-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان )) الحديث . متفق عليه [1].

2. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله : (( أفضل الصيام بعد رمضان ، شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة ، صلاة الليل )) [2].

3. عن عائشة-رضي الله عنها- قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش [3] في الجاهلية ،فلما قد المدينة [4] صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه . متفق عليه [5].

4. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا ؟ )) . قالوا : هذا يوم صالح . هذا يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قالhttp://www.almeske.net/vb/images/smilies/frown.gif( فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه )) متفق عليه [6].

5. عن أبي موسى-رضي الله عنه- قال:كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فصوموه أنتم )) متفق عليه [7].

6. عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – يوم عاشوراء ، عام حجّ، على المنبر يقول: (( يا أهل المدينة ! أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر )) متفق عليه [8].

7. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّلة على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر – يعني شهر رمضان )) [9].

8. عن الرُّبّيع بنت معوذ – رضي الله عنها – قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم )) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن [10]، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار . متفق عليه [11].

9. عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم [12] أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه،ومن لم يكن أكل فليصم ،فإن اليوم يوم عاشوراء.متفق عليه [13].

10. عن أبي قتادة-رضي الله عنه- :عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده ، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله )) [14].

11. ما رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون ، قبل أن يفترض رمضان ، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه )) [15].

12. عن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما- قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عنده ،فلما فرض رمضان ،لم يأمرنا ،ولم ينهنا ،ولم يتعاهدنا عنده )) [16].

13. عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال : (( صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك ، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه )) [17].

14. ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : (( حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فإذا كان العام المقبل ، إن شاء الله ، صمنا اليوم التاسع )) . قال : فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : (( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع )) [18].

15. عن الحكم بن الأعرج قال : انتهيت إلى ابن عباسرضي الله عنهما – وهو متوسد رداءه عند زمزم ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء ؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ، وأصبح يوم التاسع صائماً . قلت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : (( نعم )) [19].

16. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر)) [20].

17. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود ، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً )) [21].

قال ابن قيم الجوزية : ( فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس ، تبَّين له زوال الإشكال ، وسعة علم ابن عباس – رضي الله عنهما - ، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ،بل قال للسائلhttp://www.almeske.net/vb/images/smilies/frown.gif( صم اليوم التاسع )) ، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى ، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به ، وعزمه عليه في المستقبل ، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى : (( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده )) وهو الذي روى : ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر )).



وكل هذه الآثار عنه ، يصدق بعضها بعضاً ، ويؤيد بعضها بعضاً . فمراتب صومه ثلاث : أكملها : أن يُصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يُصام التاسع والعاشر ، وعليه أكثر الأحاديث ، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم ، وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها ، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب ) ا.هـ
[22].

وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : ( فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر ) [23]

المصدر : كتاب البدع الحولية
------------------
[1] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (10/7) كتاب الأضاحي ، حديث رقم ( 5550) ، ورواه مسلم في صحيحه (3/1305) كتاب القسامة ، حديث رقم (1679).
[2] - رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 303) . ورواه مسلم في صحيحه (3/821) كتاب الصيام ، حديث رقم (1163) . ورواه أبو داود في سننه (2/ 811) كتاب الصوم ، حديث رقم ( 2429) . ورواه الترمذي في سننه مختصراً (2/12) أبواب الصوم ، حديث رقم (737) .وقال : حديث حسن . ورواه النسائي في سننه (3/206، 207) باب قيام الليل . ورواه ابن ماجه في سننه (1/554) كتاب الصيام ، حديث رقم (1742) .
[3] -هي قبيلة من أشهر قبائل العرب وأقواها ، شرَّفها الله ببعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، قال – عليه السلام - : (( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم )) [رواه مسلم (4/1782) حديث رقم (2276) ].
واختلف العلماء في سبب تسميتهم بهذا الاسم على أقوال كثيرة : قيل نسبة إلى قريش بن بدر بن يخلد بن الحارث بن يخلد بن النضر بن كنانة . وقيل : نسبة إلى النضر بن كنانة سمي قريشاً لوصف قومه له بأنه كالحمل القريش – الشديد - . وقيل : نسبة إلى دابة بالبحر تأكل دواب البحر تدعي القرش ، وقيل : إن النظر بن كنانة كان يقرش عن حاجة الناس فيسدها بماله ، والتقريش : التفتيش ، وقيل : نسبة إلى التقرش وهو التكسب والتجارة ، وقيل : نسبة إلى التقرش وهو التجمع .
والراجح- والله أعلم-أن قريش هو النضر بن كنانة ، فما كان من ولده فهو قرشي ، ومن ليس بولده فليس بقرشي . يُراجع : تاريخ الطبري (2/263-265) ، والبداية والنهاية (2/ 218- 229) .
[4] - المدينة : وكانت تسمى في الجاهلية : يثرب . وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، ورد في فضلها وأنها بلد حرام ، أحاديث كثيرة ، عقد لها البخاري كتاباً في صحيحه وسماه كتاب : فضائل المدينة ، وفيها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره ومنبره اللذين ورد في أن ما بينهما روضة من رياض الجنة ، وبها استقر خير أمة محمد عليه والسلام من الخلفاء الراشدين والصحابة وبها ماتوا ودُفنوا. وفي شمالها يقع جبل أحد الذي وقعت عنده الغزوة المشهورة غزوة أحد ، وهي في حرة سبخة الأرض ، وبها نخيل كثيرة ومياه ومزارع . وتقع شمال مكة على نحو عشر مراحل (حوالي 450كم) . يراجع : معجم البلدان (5/82، 88) ، وصحيح البخاري (2/220- 255) كتاب فضائل المدينة .
[5] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2002)، واللفظ له . ورواه مسلم في صحيحه (2/792) كتاب الصيام ، حديث رقم (1125). ورواه الترمذي في سننه (2/127) أبواب الصوم ، حديث رقم (750) ، وقال : والعمل على هذا عند أهل العلم ، على حديث عائشة وهو حديث صحيح ، لا يرون صيام عاشوراء واجباً إلا من رغب في صيامه ، لما ذكر فيه من الفضل .
[6] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2004)، واللفظ له . ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام ،حديث رقم (1130) .
[7] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم،حديث رقم (2005)،ورواه مسلم في صحيحه (2/796) كتاب الصيام ،حديث رقم (1131).
[8] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم،حديث رقم (2003)،ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام ،حديث رقم (1129).
[9] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/245) كتاب الصوم،حديث رقم (2006)،ورواه مسلم في صحيحه (2/797) كتاب الصيام ،حديث رقم (1132).
[10] - العهن : هو الصوف ، أو الصوف المصبوغ . يُراجع : فتح الباري (4/201) .
[11] -رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(4/200)كتاب الصوم،حديث رقم (1690)،ورواه مسلم في صحيحه(2/798، 799)كتاب الصيام،حديث رقم(1136)
[12] - أسلم : بطن من خزاعة ، من القحطانية ، من قراهم : وبرة ، وهي من أعراض المدينة . يُراجع : معجم قبائل العرب (1/26) .
[13] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/245) كتاب الصوم،حديث رقم (2007) واللفظ له ،ورواه مسلم في صحيحه (2/798) كتاب الصيام ،حديث رقم (1135).
[14] - رواه أحمد في مسنده ( 5/ 296،297) . ورواه مسلم في صحيحه (3/818، 819) كتاب الصيام ، حديث رقم (1163) . ورواه أبو داود في سننه (3/ 818، 819) كتاب الصيام ، حديث رقم ( 3435) . ورواه الترمذي في سننه مختصراً (3/136) أبواب الصوم ، حديث رقم (749) .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 288) أبواب صوم التطوع، حديث رقم (2087) .
[15] - رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 57) . ورواه مسلم في صحيحه (2/792، 793) كتاب الصيام ، حديث رقم (1136) . ورواه أبو داود في سننه (3/ 817، 818) كتاب الصوم ، حديث رقم ( 3443) .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 284) أبواب صوم التطوع، حديث رقم (2082) .
[16] - رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/ 96) . ورواه مسلم في صحيحه (2/794، 795) كتاب الصيام ، حديث رقم (1138).ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 284، 285) حديث رقم (2083) .
[17] -رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/ 4) . ورواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/102) كتاب الصوم ، حديث رقم (1892).
[18] - رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/ 236) . ورواه مسلم في صحيحه (2/797، 798) كتاب الصيام ، حديث رقم (1134).ورواه أبو داود في سننه (2/818، 819) كتاب الصوم ، حديث رقم (2445) . ورواه ابن ماجه في سننه (1/552) كتاب الصيام ، حديث (1736) .
[19] - رواه أحمد في مسنده ( 5/ 439) . ورواه مسلم في صحيحه (3/797) كتاب الصيام ، حديث (1133) . ورواه أبو داود في سننه (3/ 819، 820)كتاب الصيام، حديث رقم ( 2446) . ورواه الترمذي في سننه (2/127، 128) أبواب الصوم ، حديث رقم (751) .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 291) أبواب صيام ، حديث(2096) .
[20] - رواه الترمذي في سننه (2/128) أبواب الصوم ، حديث رقم (752) ، وقال : حديث ابن عباس حديث حسن صحيح .
[21] - رواه أحمد في مسنده ( 1/ 241) . .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 290، 291) ،حديث(2095) .ورواه عبد الرزاق في مصنفه (4/287) برقم (7839) موقوفاً على ابن عباس ، ورواه أيضاً البيهقي في سننه (4/287) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
[22] - يراجع : زاد المعاد (2/75،76) .
[23] - يراجع : المغني (3/174) .


رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:11 PM

البدع التي أحدثت في شهر محرم

عبدالله التويجري

بدعة الحزن في شهر محرم عند الرافضة
في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي عرف بـ( عاشوراء) أكرم الله سبحانه وتعالى الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - بالشهادة ، وذلك سنة 61هـ ، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته ، وأعلى درجته ، فإنه هو وأخوه الحسن سيد ا شباب أهل الجنة ، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سُئِل : أي الناس أشد بلاءً؟ فقال ((الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل: يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفف عنه ، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة )) .

فكان الحسن والحسين-رضي الله عنهما- قد سبق لهما من الله سبحانه وتعالى ما سبق من المنزلة العالية، ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب، فإنهما ولدا في عز الإسلام، وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقها بأهل بيتهما، كما ابتلي من كان أفضل منهما، فإن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أفضل منهما وقد قُتِلَ شهيداً ، وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس،كما كان مقتل عثمان بن عفان-رضي الله عنه– من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن، وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم.

فلما قتل عبد الرحمن بن ملجم أمير المؤمنين على بن أبي طالب-رضي الله عنه- وبايع الصحابة للحسن ابنه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) . فنزل عن الولاية ، وأصلح الله به بين الطائفتين ، ثم إنه مات-رضي الله عنه - ، وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر، ولم يكونوا من أهل ذلك، بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده، ونقضوا عهده ، وأعانوا عليه من عدوه أن يدفعوه عنه ، ويقاتلوه معه.

وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما، قد أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم، ولا يقبل منهم، ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة ، ولا يترتب عليه ما يسر ، وكان الأمر كما قالوا ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً .

فلما خرج الحسين- رضي الله عنه-ورأى أن الأمور قد تغيرت ، طلب منهم أن يدعوه يراجع ، أو يلحق ببعض الثغور ، أو يلحق بابن عمه يزيد ، فمنعوه هذا وهذا ، حتى يستأسر ، وقاتلوه ، فقاتلهم فقتلوه ، وطائفة ممن معه ، مظلوماً شهيداً شهادة أكرمه الله بها ، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأهان بها من ظلمه ،واعتدى عليه.
فأوجب ذلك شراً بين الناس ، فصارت طائفة جاهلة ظالمة إمَّا ملحدة منافقة ، وإما ضالَّة غاوية ، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته ، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ، وتظهر فيه شعار الجاهلية ، من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والتعزي بعزاء الجاهلية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين – رضي الله عنه- يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء ، من اللطم والصراخ ، والبكاء ، والعطش ، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب ، حتى يسب السابقون الأولون ، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب ، وكان قصد من سن ذلك ، فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة ، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة ، من أعظم ما حرمه الله ورسوله ).ا.هـ .

وهذا مخالف لشرع الله ؛ فالذي أمر به الله ورسوله في المصيبة- إن كانت جديدة-إنَّما هو الصبر،والاسترجاع والاحتساب ، كما قال تعالى{....وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية)) .

وقال صلى الله عليه وسلم : (( أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة )) . وقال صلى الله عليه وسلم (( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة ، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )) .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف له خيراً منها )) . إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت )) .

فكيف إذا انظم إلى ذلك ظلم المؤمنين ، ولعنهم وسبهم ، وإعانة أهل الشقاق والإلحاد على ما يقصدونه في الدين من الفساد ، وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى .

فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي ، من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً ، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة ، وإنشاء قصائد الحزن ، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين ، وكثرة الكذب والفتن في الدين .
ولم يعرف المسلمين أكثر كذباً وفتناً، ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : (( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )) . وهؤلاء يعانون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمته المؤمنين كما أعانوا المشركين من أعداء الإسلام على ما فعلوه ببغداد وغيرها ، بأهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ولد العباس بن عبد المطلب ، وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين ، من القتل والسبي وخراب الديار ، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام .

وهذه الطائفة هم الرافضة : الذين اشتهروا دون غيرهم من الطوائف بسبِّ الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما-ولعنهما وبغضهما وتكفيرهما-والعياذ بالله ، ولهذا قيل للإمام أحمد : من الرافضي ؟ قال( الذي يسبّ أبا بكر وعمر ) .

وبهذا سميت الرافضة ، فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – لبغضهم لهما ، فالمبغض لهما هو الرافضي ، وقيل : إنما سموا رافضة لرفضهم أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما –.
وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه عبد الله بن سبأ الزنديق ، وأظهر الغلو في علي-رضي الله عنه-؛ بدعوى الإمام بالنص ، وادَّعى العصمة له .

ولهذا لما كان مبدأه من النفاق قال بعض السلف : حب أبي بكر وعمر إيمان ، وبغضهما نفاق ، وحب بني هاشم إيمان ، وبغضهم نفاق .
وهذه الفرقة هي التي وصفها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : ( إن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح ، ولا نقل صحيح ، ولا دين مقبول ، ولا دنيا منصورة ، بل هم من أعظم الطوائف كذباً وجهلاً، ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد ، كما دخل فيهم النصيرية ، والإسماعيلية وغيرهم ، فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم ، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال فيهم الشُّعبي-رحمه الله-وكان من أعلم الناس بهم-:لو كانوا من البهائم لكانوا حمراً، ولو كانوا من الطير لكانوا رخماً ) ا.هـ. .

وأما في الوقت الحاضر : فيستقبل بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلدان شهر محرم بالحزن والهم والخرافات والأباطيل ؛ فيصنعون ضريحاً من الخشب ، مزيناً بالأوراق الملونة ويسمونه ضريح الحسين ، أو كربلاء ، ويجعلون فيه قبرين ، ويطلقون عليه اسم ( التعزية ) ، ويجتمع أطفال بملابس وردية أو خضر، ويسمونهم فقراء الحسين .
وفي اليوم الأول من شهر تكنس البيوت وتغسل وتنظف ، ثم يوضع الطعام ، وتقرأ عليه فاتحة الكتاب ، وأوائل البقرة ، وسورة الكافرون ، والإخلاص ، والفلق ، والناس . ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويوهب ثواب الطعام للموتى .
وفي خلال هذا الشهر تمنع الزينة ، فتضع النساء زينتهن ، ولا يأكل الناس اللحوم ، ولا يقيمون ولائم الأفراح، بل ولا يتم فيه عقود الزواج ، وتمنع الزوجة من زوجها إن كان لم يمض على زواجهما أكثر من شهرين ، ويكثر ضرب الوجوه والصدور ، وشق الجيوب والنياحة ، ويبدأ اللعن على معاوية وأصحابه ويزيد وسائر الصحابة .
وفي العشر الأول من الشهر: تشعل النيران ، ويتواثب الناس عليها ، والأطفال يطوفون الطرقات ، ويصيحون : يا حسين يا حسين . وكل من يولد في هذا الشهر يعتبر شؤماً سيئ الطالع ، وفي بعض المناطق تدق الطبول والدفوف ، وتصدح الموسيقى وتنشر الرايات ، وينصب الضريح ويمر الرجال والنساء والصبيان من تحته، يتمسحون بالرايات ويتبركون، معتقدين أنهم بذلك لا يصيبهم مرض وتطوع أعمارهم .
وفي بعض البلدان يخرج الناس في ليلة عاشوراء معصبين عيني الرجل يطوفون الطرقات ، فإذا ما قاربت الشمس على البزوغ عادوا إلى بيوتهم .

وفي يوم عاشوراء تطهى أطعمة خاصة ، ويخرج أهل القرى والمدائن إلى مكان خاص يسمونه (كربلاء) فيطوفون حول الضريح الذي يقيمونه ويتبركون بالرايات وتدق الطبول وتضرع الدفوف، فإذا غربت الشمس دفن هذا الضريح ، أو ألقي في الماء ، وعاد الناس إلى بيوتهم ، ويجلس بعض الناس على الطرقات بمشروبات يسمونها(السلسبيل)، ويسقونها للناس بدون مقابل ، ويجلس بعض الوعاظ في الأيام العشر الأول فيذكرون محاسن الحسين، ومساوئ ينسبونها لمعاوية،ويزيد، ويصبون عليها وعلى أصحابها اللعنات.
ويروون في فضل عاشوراء وشهر المحرم أحاديث موضوعة وضعيفة وروايات مكذوبة .
وبعد أربعين يوماً من عاشوراء ، يحتفلون يوماً واحداً يسمونه الأربعين : يجمعون فيه الأموال ، ويشترون بها أطعمة خاصة يدعون الناس إليها .
وهذه البدع تعمل في الهند والباكستان ، وفي البلدان التي يقطنها الشيعة ولاسيما إيران والعراق والبحرين .
وإقامتهم لحفلات العزاء والنياحة والجزع ، وتصوير الصور، وضرب الصدور، وما أشبه ذلك مما يصدر منهم في يوم عاشوراء وما قبله من شهر محرم، إنما يعتقدون بذلك القربة إلى الله وتكفير السيئات والذنوب التي صدرت منهم في السنة كلها، ولم يعلموا أن فعلهم هذا مما يوجب الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى .
وصدق الله تعالى القائل في محكم كتابه :{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ......} .
وقال عز وجل من قائل :{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .


بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب
تقدم في المبحث السابق ، ذكر بدعة الحزن في يوم عاشوراء عند الرافضة ، وفي هذا المبحث سنتكلم - إن شاء الله - عن الذين عارضوا الرافضة ، فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح ، وهم النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن الجهَّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، والكذب بالكذب ، والشر بالشر ، والبدعة بالبدعة ، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ؛ كالاكتحال ، والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح .

وكان أول ظهورهم على زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة ، فقسمها بين الأربعة : الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي ، وعيينة بن بدر الفزاري ، وزيد الطائي ، ثم أحد بني نبهان ، وعلقمة بن علاثة العامري ، أحد بني كلاب .

فغضبت قريش والأنصار ، قالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا! . قال : (( إنَّما أتألفهم )) ، فأقبل رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ، ناتئ الجبين ، كث اللحية محلوق ، فقال : اتق الله يا محمد ! ، فقال : (( من يطع الله إذا عصيت ؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ )) . فسأله رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد – رضي الله عنه- فمنعه ، فلما ولَّى قال : (( إن من ضئضئ هذا – أو في عقب هذا – قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) .

وفي رواية لمسلم : بينما نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً ، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله! اعدل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويلك ،ومن يعدل إن لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أعدل )) فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - : يا رسول الله! ائذن لي فيه أضرب عنقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء – وهو القدح – ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، سبق الفرث والدم . آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس )) .

قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قاتلهم وأنا معه،فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين ، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب. وقوم من الناصبة المبغضين لعلي – رضي الله عنه- وأولاده ، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( سيكون في ثقيف كذاب ومبير)) . فكان ذلك هو الكذاب وهذا الناصبي هو المبير ، فأحدث أولئك الحزن ، وأحدث هؤلاء السرور وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين- رضي الله عنه -وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له ، وكل بدعة ضلالة ، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا ، ولا في شيء من استحباب ذلك حجَّة شرعية .

ولا شك في أن النواصب ،وكذلك الرافضة ،مبتدعون في فعلهم هذا مخطئون ،خارج عن السنة ؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) .
ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وجد اليهود تصوم عاشوراء ، فقال : ((ما هذا ؟)).فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى -عليه السلام- من الغرق فنحن نصومه . فقال ((نحن أحق بموسى منكم)). فصامه وأمر بصيامه .

وكانت قريش أيضاً تعظمه في الجاهلية .
واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوماً واحداً فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول ، فلما كان في العام القابل ، صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء – أي وجوبه – .
وقد تنازع العلماء : هل كان صوم ذلك اليوم واجباً ، أو مستحباً ؟ على قولين مشهورين ، أصحهما: أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول ((هذا يوم عاشوراء ، وأنا صائم فيه ، فمن شاء صام )) متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام (( صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين )).
ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً قال: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) ؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً .
وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ، ولا يستحب صومه ، بل يكره إفراده بالصوم ، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء ، ومن العلماء من يستحب صومه .
والصحيح أنه يستحب لمن صامه ، أن يصوم معه التاسع ؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع )) .
فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما سائر الأمور : مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب ، أو تجديد لباس ، أو توسيع نفقة ، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم ، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به . أو قصد الذبح ، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب ، أو الاكتحال ، أو الاختضاب ، أو الاغتسال ، أو التصافح ، أو التزاور ، أو زيارة المساجد والمشاهد ، ونحو ذلك . فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين .
فيجب على الإنسان ، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع دينه وسبيله ، واقتفاء هداه ودليله . وعليه أن يشكر الله على ما عظمت به النعمة .
قال تعالى :{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) . .

------------------------

المصدر :
كتاب البدع الحولية
الهوامش والتعليقات راجع الكتاب على ملف وورد



رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:18 PM

فضيلة الصوم في شهر الله المحرم
خالد بن سعود البليهد



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن شهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي جعلها الله تعالى فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) متفق عليه. وهو من أعظم شهور السنة عظمه الله وشرفه من بين سائر الشهور وأضافه إلى نفسه تشريفا له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله.

وقد كانت العرب تعظمه في الجاهلية وكان يسمى بشهر الله الأصم من شدة تحريمه. وقد رجح طائفة من العلماء أن محرم أفضل الأشهر الحرم.

والصوم في شهر محرم من أفضل التطوع فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل).
وهذا محمول على التطوع المطلق أما التطوع المقيد كصيام ست من شوال وغيره فهذا أفضل من صوم محرم لأنه يلتحق بصوم رمضان فهو بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة والسنة الراتبة مقدمة على النافلة المطلقة في باب العبادة. وكذلك صوم عرفة وغيره من السنن الرواتب أفضل من التطوع في محرم.

فيستحب للمسلم أن يكثر من الصيام في شهر محرم فإن لم يقدر على ذلك صام ما تيسر له. وقد أخذ الجمهور بظاهر اللفظ فقالوا يستحب صيام الشهر كاملا والذي يظهر أنه لا يستحب ذلك والمراد في الحديث مشروعية الإكثار من صومه من غير إتمام للشهر. قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان ) متفق عليه. ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صام المحرم كاملا بل المحفوظ عنه صوم عاشوراء. و لأن قاعدة الشرع التيسير في باب النافلة ولذلك شرع أياما يسيرة ورتب عليها أجرا عظيما. ونهى أيضا عن صوم الدهر. ويسر في صوم التطوع فجعل أكمله صيام داود صوم يوم وترك يوم. وكل هذا تخفيفا على المكلف ودفعا للمشقة حتى لا تمل النفس وتكل. فالذي يظهر أن صوم الشهر تاما من خصائص الفرض شهر رمضان وأنه ليس من السنة إتمام صوم شهر إلا رمضان حتى لا يشبه النفل بالفرض. لكن لو صام إنسان الشهر كله جاز ذلك ولا كراهة فيه وإن كان عمله خلاف الأولى.

ويتأكد صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم والسنة أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. وقد ورد في صومه فضل عظيم ف عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال: (يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية) رواه مسلم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

خالد سعود البليهد
الرياض: في 27/12/1428

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:19 PM

شهر الله الأصم
د/ خالد سعد النجار



بسم الله الرحمن الرحيم


شهر الله «المحرم» هو الشهر الأول من شهور السنة الهجرية، وهو أحد الأشهر الحرم التي ذكرها الله في كتابه العظيم، فقال جل ذكره: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } [التوبة:36] فخصها الله بالتحريم دون غيرها.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا تظلموا أنفسكم في كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حرما، وعظم حرمتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيوي، والضرب الثاني: تفضيل ديني راجع إلى أن الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء، ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها. (1)
وشهر «محرم» سمي بذلك لكونه شهرا محرما، وتأكيدا لتحريمه لأن العرب في الجاهلية كانت تتقلب به فتحله عاما وتحرمه عاما، ولقد سمَّى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المحرَّم ( شهر الله ) وإضافته إلى الله تدلُّ على شرفه وفضله وتعظيمه؛ فإنَّ الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواصَّ مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء –صلوات الله عليهم وسلامه- إلى عبوديَّتِه، ونسب إليه بيته وناقته.
قال الحسن البصري: إن الله تعالى افتتح السنة بشهر حرام -أي المحرم- وختمها بشهر حرام -أي ذي الحجة- فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم .. وكان يسمى شهر الله الأصم، من شدة تحريمه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) (2) فلمَّا كان هذا الشهر مختصَّاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصِّيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى؛ فإنَّه له من بين الأعمال، ناسب أن يختصَّ هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه، المختصِّ بهِ، وهو الصِّيام.
قال القاري: الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم. ولكن قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصم شهراً كاملاً قط غير رمضان، فيحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر محرم لا صومه كله. وقد ثبت إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصوم في شعبان، ولعل لم يوح إليه بفضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه. (3)
وقال ابن رجب: والذي يظهر لي -والله أعلم- أن التطوع بالصيام نوعان:
(أحدهما): التطوع المطلق بالصوم، فهذا أفضله المحرم، كما أن أفضل التطوع بالصلاة قيام الليل.
(الثاني): ما صيامه تبع لصيام رمضان قبله وبعده، فهذا ليس من التطوع المطلق بل صيامه تبع لصيام رمضان وهو ملتحق بصيام رمضان، ولهذا قيل إن صيام ستة أيام من شهر شوال يلتحق بصيام رمضان، ويكتب بذلك لمن صامها مع رمضان صيام الدهر فرضا، فهذا النوع من الصيام يلتحق برمضان وصيامه أفضل التطوع مطلقا، فأما التطوع المطلق فأفضله صيام الأشهر الحرم، وأفضل صيام الأشهر الحرم صيام شهر الله المحرم، ويشهد لهذا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في هذا الحديث: ( وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) ومراده بعد المكتوبة ولواحقها من سننها الرواتب، فإن الرواتب قبل الفرائض وبعدها أفضل من قيام الليل عند جمهور العلماء لالتحاقها بالفرائض، فكذلك الصيام قبل رمضان وبعده ملتحق برمضان، وصيامه أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع المطلق بالصيام صيام المحرم (4)

وأفضل أيام شهر الله المحرم العشر الأول، قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات، العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم.
وقد قيل إنه العشر الذي أتم الله به ميقات موسى عليه السلام أربعين ليلة، وأن التكلم وقع في عاشره. وروي عن وهب بن منبه قال: أوحى الله تعالى إلى موسى أن مر قومك أن يتقربوا إلى في أول عشر المحرم، فإذا كان اليوم العاشر فليخرجوا إلي أغفر لهم.
قال ابن رجب: ولما كانت الأشهر الحرم أفضل الأشهر بعد رمضان أو مطلقا وكان صيامها مندوبا إليه وكان بعضها ختام السنة الهلالية وبعضها مفتاحا لها فمن صام شهر ذي الحجة -سوى الأيام المحرم صيامها منه- وصام المحرم، فقد ختم السنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة، فيرجى أن تكتب سنته كلها طاعة، فإن من كان أول عمله طاعة وآخره طاعة فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين.
قال ابن المبارك: من ختم نهاره بذكر الله، كتب نهاره كله ذكرا. يشير بذلك إلى أن الأعمال بالخواتيم، فإذا كان البداءة والختام ذكرا فهو أولى أن يكون في حكم الذكر شاملا للجميع، ويتعين افتتاح العام بتوبة نصوح تمحو ما سلف من الذنوب السالفة في الأيام الخالية. (5)

وأفضل العشر الأول من المحرم يوم عاشوراء. قال النووي رحمه الله: عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمان ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه. وبه قال جمهور العلماء، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة (6)
وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية (7) وقال ابن قدامه رحمه الله: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن.

فضائل هذا اليوم المبارك:
1. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أهل المدينة بصيامه، قبل فرض صيام رمضان، وأرسل الصحابة ينادون بذلك، بل لقد صامه صغار الصحابة وصبيانهم، فعن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت: ( أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه. قالت: وكنا نصومه بعد ذلك، ونصوم صبياننا الصغار، ونجعل لهم اللعبة من العهن، ونذهب بهم إلي المسجد، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك، حتى يكون عند الإفطار ) (8)
2. أن صيام عاشوراء يكفر الخطايا والذنوب لسنة كاملة إذا اجتنبت الكبائر .. فعن أبى قتادة -رضي الله عنه- أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) (9)
3. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتوخى صيامه ويتحرى فضله ويطلب أجره .. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: ما علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم (يعني يوم عاشوراء) ولا شهرا إلا هذا الشهر (يعني شهر رمضان). (10)
4. إن من الأنبياء -عليهم صلاة الله وسلامه- من صام يوم عاشوراء لشرفه ومكانته:
أ- فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟) فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه (11)
ب- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صامه بمكة قبل الهجرة .. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه (12)
وعن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يوم عاشوراء عام حج، على المنبر يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟! سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر ) (13)
5. أن يوم عاشوراء يوم تاب الله عز وجل فيه على بعض عباده .. فعن علي -رضي الله عنه- أن رجلا سأله فقال: أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا، سمعته يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا قاعد عنده. فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: ( إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم، فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين ) ( 14)
6. أنه يوم تاب الله فيه على آدم عليه السلام .. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: هذا اليوم الذي تيب فيه على آدم. وسأل رجل ابن عمر -رضي الله عنه- عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: المحرم شهر الله الأصم، فيه يوم تيب فيه على آدم، فان استطعت إلا يمر بك إلا وأنت صائم فافعل.
7. أنه يوم تكسى فيه الكعبة في الجاهلية .. فقد روى الطبراني عن ابن زيد عن أبيه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس إنما كان يوم تستر فيه الكعبة.
ولصيام عاشوراء مراتب أربعة هي:
- صوم التاسع والعاشر والإحدى عشر .. وهي أفضل المراتب وأكملها.
- صوم التاسع والعاشر وهي المرتبة الثانية.
- صوم التاسع والعاشر أو العاشر والإحدى عشر.
- صوم العاشر فقط وهو أقل المراتب الأربعة وأدناها.

الهوامش والمصادر
(1) قواعد الأحكام 1/ 38
(2) رواه مسلم ـ كتاب الصيام ـ رقم 1982
(3) شرح النووي على صحيح مسلم
(4) لطائف المعارف ص 56 ـ بتصريف يسير ـ ط المكتبة التوفيقية بتحقيق عماد زكي البارودي
(5) لطائف المعارف ص 59 ـ بتصريف يسير
(6) المجموع ـ للنووي
(7) كشاف القناع ج2 صوم المحرم
(8) متفق عليه البخاري برقم 1960 ومسلم برقم 1136
(9) رواه مسلم ـ كتاب الصوم برقم 1976
(10) متفق عليه البخاري برقم 2006 ومسلم برقم 1914
(11) رواه مسلم ـ كتاب الصوم برقم 1911
(12) البخاري ـ كتاب الصوم برقم 1863
(13) رواه البخاري ـ كتاب الصوم برقم 1864
(14) رواه الترمذي ـ كتاب الصوم برقم 672 (ضعيف) حديث رقم 1298 في ضعيف الجامع

د/ خالد سعد النجار

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:20 PM

الأحاديث الواردة في صيام عاشوراء


والمراحل التي مر بها
د. بندر بن نافع العبدلي


الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن يوم عاشوراء يوم عظيم، له فضيلة عظيمة ، وحرمة قديمة، وصومه كان معروفاً بين الأنبياء والمرسلين ، وعباد اللَّه الصالحين.
وإني في هذا البحث المختصر أذكر أشهر الأحاديث الواردة في فضل صومه والمراحل التي مر بها في مشروعيته:

ما ورد في فضل صيامه:
1- عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: " ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر - يعني رمضان -" .
وفي لفظ: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..".
أخرجه البخاري (4/245) (ح2006) ، ومسلم (1132) ، والنسائي (4/204) (ح2370)، وأحمد (1/367) ، وابن خزيمة (2086)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3779)، وفي "السنن الكبرى" (4/286)، والطبراني (1254).

2- وعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله" .
أخرجه مسلم (1162)، وأبو داود (2/321) (ح2425)، والترمذي (2/115) (ح749) ، وابن ماجة (1/553) (ح1738) ، وأحمد (5/308)، والبيهقي (4/286).

تعليق:
في هذين الحديثين دليل على فضل صوم يوم عاشوراء، وأنه يكفر السنة التي قبله. والمشهور عند أهل العلم أنه إنما يكفر الصغائر فقط، أما الكبائر فلابد لها من توبة.
قال النووي رحمه الله: " يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر .
ثم قال: صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.. كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر" اهـ. المجموع (6/382).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتكفير الطهارة، والصلاة وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصغائر فقط" . الفتاوى الكبرى (4/428).
قلت: ويدل لذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر" .

* ما ورد في الأمر بصيامه:
3- وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" .
وفي رواية: " فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه" .
وفي رواية أخرى: " فنحن نصومه تعظيماً له" .
أخرجه البخاري (4/244) ح(2004) ، ومسلم (1130)، وأبو داود (2/426) (ح2444) ، وابن ماجه (1/552) ح(1734) ، والبيهقي (4/286).
وأخرجه أحمد (2/359) من حديث أبي هريرة وزاد: "وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي" وإسناده ضعيف، في إسناده عبدالصمد بن حبيب وهو ضعيف، وحبيب بن عبدالله وهو مجهول .
قال ابن كثير في تفسيره (2/448) - بعد أن أورده من هذا الوجه - : "وهذا حديث غريب من هذا الوجه" .

4- وعن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: "أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه، فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه، حتى يكون الإفطار" .
وفي رواية: " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم".
أخرجه البخاري (4/200) (ح1960) ، ومسلم (1136) ، وأحمد (6/359) ، وابن حبان (8/385) (ح3620) ، والطبراني (24/275) (ح700) ، والبيهقي (4/288).

5- وعن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم: "أن أذِّن في الناس: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم عاشوراء" .
أخرجه البخاري (4/245) (ح2007) ، ومسلم (1135) ، والنسائي (4/192) ، والدارمي (2/22) ، وابن خزيمة (2092) ، وابن حبان (8/384) (ح3619) ، والبيهقي (4/288) ، والبغوي في "شرح السنة" (1784).

6- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: "كان يوم عاشوراء يوماً تعظّمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوموه أنتم" .
وفي رواية لمسلم: " كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فصوموه أنتم".
أخرجه البخاري (4/244) (ح2005) ، ومسلم (1131).
قال النووي: " الشارة بالشين المعجمة بلا همز، وهي الهيئة الحسنة والجمال، أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل" . شرح مسلم (8/10).
وقال ابن الأثير: " الشارة: الرواءُ والمنظر الحسن والزينة". جامع الأصول (6/308).

7- وعن محمد بن صيفي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: " أمنكم أحد أكل اليوم، فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العَروض فليتموا بقية يومهم".
أخرجه النسائي (4/192)، وابن ماجه (1/552) ، (ح1735)، وأحمد (4/388)، وابن خزيمة (2091) ، وابن حبان (8/382) (ح3617) .
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (2/30) : "إسناده صحيح" .
قلت: وهو كما قال.

- التخيير بين صيامه وإفطاره بعد فرض صيام شهر رمضان:
8- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: " كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر".
وفي رواية : " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
أخرجه البخاري (4/244) (ح2001) ، (2002) ، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118) (ح753) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وأحمد (6/29، 50، 162) ، وابن خزيمة (2080).

9- وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: "كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية، فلما نزل رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه" .
وفي رواية : وكان عبد اللَّه لا يصومه إلا أن يوافق صومه.
وفي رواية لمسلم: " إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صامه، والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
وفي رواية له أيضاً : " فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كره فليدعه" .
أخرجه البخاري (4/102، 244) (ح1892) ، (2000) ، و(8/177) (ح4501)، ومسلم (1126) ، وأبو داود (2/326) (ح2443) ، وابن ماجه (1/553) (ح1737) ، والدارمي (1/448) (ح1711) ، وابن حبان (8/386) ، (ح3622) ، (3623) ، والبيهقي (4/290).

10- وعن عائشة رضي اللَّه عنها: " أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول اللَّه  بصيامه، حتى فرض رمضان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره" .
وفي رواية للبخاري: " كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة.." .
أخرجه البخاري (4/102) (ح1893) ، و(4/244) (ح2002) ، و(3/454) (ح1592)، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118)، (ح753) ، والدارمي (1/449) (ح1712) ، ومالك في "الموطأ" (1/229) ، وأحمد (6/162، 244) ، وابن حبان (8/385) (ح3621) ، والبيهقي (4/288) ، والبغوي في "شرح السنة" (1702).

11- وعن حميد بن عبدالرحمن أنه سمع معاوية رضي اللَّه عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: " هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب اللَّه عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" .
أخرجه البخاري (4/244) (ح2003) ، ومسلم (1129) ، والنسائي (4/204) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وابن خزيمة (2085) ، وابن حبان (8/390) ، (ح3626) ، والطبراني (19/326) (ح744) ، والبيهقي (4/290)، والبغوي في "شرح السنة" (1785).

12- وعن علقمة بن قيس النخعي، أن الأشعث بن قيس دخل على عبدالله بن مسعود، وهو يطعم يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبدالرحمن ، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال: "قد كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك، فإن كنت مفطراً فاطعم" .
وفي رواية لمسلم: " كان يوماً يصومه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تركه" .
أخرجه البخاري (8/178) (ح5403) ومسلم (1127).

13- وعن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده" .
أخرجه مسلم (1128) ، والطيالسي (1/106) (ح784) ، وأحمد (5/96، 105) ، وابن خزيمة (208) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/74)، والطبراني (1869) ، والبيهقي (4/265).

14- وعن قيس بن سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان، لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" .
أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/158) (ح2841) ، وأحمد (3/421) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار (2/74).
وإسناده صحيح.

- تعليق:
قال ابن رجب رحمه اللَّه في "اللطائف" ص106: "فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب، فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الاستحباب أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين العلماء، وإن كان أمره للاستحباب المؤكد فقد قيل: إنه زال التأكيد وبقي أصل الاستحباب، ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله" .
وقال ابن حجر في الفتح (4/247): "ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: " لما فرض رمضان ترك عاشوراء"، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه" اهـ.

- استحباب صوم يوم آخر معه مخالفة لأهل الكتاب:
15 - وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" .
وفي رواية قال: " حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " .
أخرجه مسلم (1134) ، وأبو داود (2/327) (ح2445)، وأحمد (1/236)، وابن أبي شيبة (2/314)، (ح9381)، والطحاوي (2/78)، والطبراني (11/16)، (ح10891)، والبيهقي (4/287).

16- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أيضاً ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً، أو بعده يوماً" .
أخرجه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095)، والبيهقي (4/287) ، وابن عدي في "الكامل" (3/956)، من طريق هشيم بن بشير.
وأخرجه البزار (1052 - كشف الأستار) من طريق عيسى بن المختار، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/78) ، من طريق عمران بن أبي ليلى ، والحميدي (1/227)(ح485) ، وعنه البيهقي (4/287) من طريق سفيان بن عيينة.
أربعتهم عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي ، عن أبيه علي بن عبدالله بن عباس، عن جده رضي اللَّه عنه.
ولفظ عيسى بن المختار: " صوموا قبله يوماً وبعده يوماً " .
ولفظ سفيان بن عيينة: " لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده - يعني يوم عاشوراء -" .
وأخرجه ابن عدي (3/956) من طريق ابن حي، عن داود بن علي به، بلفظ: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن يوماً قبله، ويوماً بعده - يعني يوم عاشوراء".
قال البزار : " قد روي عن ابن عباس من غير هذا الوجه، ولا نعلم روى صوموا قبله يوماً وبعده، إلا داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس تفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم " اهـ.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/188) : " رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام" .
وقد ذكر ابن حجر الحديث في "التلخيص" (2/213) وسكت عنه.
قلت: الحديث إسناده ضعيف، لحال محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، فهو سيء الحفظ جداً، وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما.
انظر: تهذيب الكمال (25/622) ، وميزان الاعتدال (3/ ترجمة 7825).
وفيه : داود بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، قال الذهبي: "ليس حديثه بحجة". المغني (1/219).
والحديث أورده ابن عدي في "الكامل" (3/956) ، في ترجمة داود بن علي بن عبدالله بن عباس مستنكراً له.
* وقد روي عن ابن عباس موقوفاً عليه:
فأخرجه عبد الرزاق (7839) ومن طريقه: البيهقي (4/287) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار " (2/78) ، من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما بلفظ: "صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود" وإسناده صحيح، وقد صححه ابن رجب في "اللطائف" ص(108).

* وقد ذهب بعض الأئمة إلى العمل بهذا الحديث، واستحبوا صيام التاسع والعاشر، لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع.
قال في "المغني" (4/441) : "إذا ثبت هذا فإنه يستحب صوم التاسع والعاشر لذلك - يعني عدم التشبه باليهود - نص عليه أحمد، وهو قول إسحاق"اهـ.
وقال أحمد في رواية الأثرم: " أنا أذهب في عاشوراء : أن يصام يوم التاسع والعاشر، لحديث ابن عباس" .

وبناء عليه فقد ذكر ابن القيم في "الزاد " (2/76) ، وابن حجر في "الفتح" (4/246) أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب:
أكملها: أن يصام قبله يومٌ وبعده يوم.
ويليها: أن يصام التاسع والعاشر.
ويليها: إفراد العاشر وحده بالصوم.
قلت: أما الأولى وهي أن يصام قبله يوم وبعده يوم؛ فلم يثبت بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً عليه.

لكن له أن يفعل ذلك لأحد أمرين:
إما أن يشك في دخول الشهر، فيصوم ثلاثة أيام احتياطاً، فقد روي عن الإمام أحمد أن قال: "فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر" . المغني (4/441).
وقد ذكر رجب في "اللطائف " ص109، أن ممن روى عنه فعل ذلك أبو إسحاق وابن سيرين، وأنهما إنما يفعلان ذلك عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطاً.
الحال الثانية: أن ينوي بصيامها مع صيام يوم عاشوراء، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لما ثبت في "الصحيحين" عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" .
وقد نص الشافعي رحمه اللَّه في " الأم" على استحباب صيام ثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر.

* وأما صيام التاسع مع العاشر، فهو الذي وردت به السنة كما تقدم ، قال ابن حجر رحمه اللَّه في "الفتح" (4/245) -في تعليقه على حديث : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"- : "ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له، وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في "الفتاوى الكبرى" (2/259) : "نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، مثل قوله في عاشوراء: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" .

* وأما إفراد العاشر وحده بالصوم، فقد صرح الحنفية بكراهته. الموسوعة الفقهية (28/90).
قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : " ومقتضى كلام أحمد : أنه يكره الاقتصار على العاشر؛ لأنه سئل عنه فأفتى بصوم اليومين وأمر بذلك، وجعل هذا هو السنة لمن أراد صوم عاشوراء، واتبع في ذلك حديث ابن عباس، وابن عباس كان يكره إفراد العاشر على ما هو مشهور عنه" . اقتضاء الصراط المستقيم (1/420).
وقال في موضع آخر: " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة، ولا يكره إفراده بالصوم" . الفتاوى الكبرى (4/461).

* أي يوم عاشوراء؟
قال النووي رحمه اللَّه : " عاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان ، هذا هو المشهور في كتب اللغة، قال أصحابنا هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه، وبه قال جمهور العلماء... وهو ظاهر الأحاديث، ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة" اهـ. المجموع (6/383).
وقال ابن المنير: " الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر اللَّه المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية" الفتح (4/245).
قلت: لكن ورد عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ما يخالف ذلك:

17- عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو متوسِّد رداءه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال: "إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم" .
أخرجه مسلم (1133)، وأبو دواد (2/327) (ح2446) ، والترمذي (2/119) (ح754) ، وأحمد (1/239، 280) ، وابن خزيمة (2098) ، والطحاوي (2/75) ، وابن حبان (8/395) (ح3633) ، والبيهقي (4/287).
فهذا الحديث يدل على أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم.
لكن أجاب ابن القيم رحمه اللَّه في "الزاد" (2/75) عن ذلك بقوله: "من تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فِعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزق عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: "صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" ، وهو الذي روى: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر. وكل هذه الآثار عنه يصدّق بعضها بعضاً، ويؤيد بعضها بعضاً" اهـ.
قلت: تقدم أن حديث " صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" لا يصح مرفوعاً .
وقال في "تهذيب السنن" (3/324) - عن قوله " هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه " -: " وصدق رضي اللَّه عنه ، هكذا كان يصومه لو بقي .." .

خاتمة :
اعلم أنه لم يصح في فضل التوسعة على العيال في هذا اليوم حديث ، وقد أنكر شيخ الإسلام وغيره ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من وسَّع على أهله في يوم عاشوراء وسع اللَّه عليه سائر سنته" .
كما أن ما يفعله بعض الطوائف المنحرفة من إظهار الحزن فيه والمآتم بدعة وضلالة . والله الموفق .

المصدر : الإسلام اليوم

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:21 PM

الترغيب في صوم المحرم
الشيخ/ عبد الهادي حسن وهبي
المدرس بمعهد الإمام البخاري

قَطَعْتَ شُهورَ العـامِ لهـواً وغفلةً *** ولم تحترم فيمـا أتَيْتَ المُحَرَّمــا
فلا رجَبــاً وافَيْتَ فـيه بِحَقِّـهِ *** ولا صُمتَ شهر الصوم صوماً مُتَمَّما
ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةِ الذي *** مضى كُنْتَ قَوَّاماً ولا كُنْتَ مُحْرِما
فَهَل لك أن تمحو الذُّنوب بِعَبرةٍ *** وتبكي عليهــا حسرةً وتنَدُّمـا
وتستقبلَ العــامَ الجديدَ بِتَوبةٍ *** لعلَّك أن تمحو بهـا مــا تَقَدَّمـا

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم. وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة، صلاة الليل»رواه مسلم ( 1163 ) .
سمَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم المحرَّم شهر الله. وإضافته إلى الله تدلُّ على شرفه وفضله؛ فإنَّ الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواصَّ مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- إلى عبوديَّتِه، ونسب إليه بيته وناقته .
ولمَّا كان هذا الشهر مختصَّاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصِّيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى؛ فإنَّه له من بين الأعمال، ناسب أن يختصَّ هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه، المختصِّ بهِ، وهو الصِّيام .
شهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونًُ *** والصَّومُ فِيهِ مضَاعَفٌ مَسنُون
وَثُوابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه *** فِي الخُلْدِ عِنْـدَ مَلِيكِه مخزون

الصِّيام سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: « كلّ عمل ابن آدم لهُ إلاَّ الصَّوم فإنَّهُ لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابهُ من أجلي » رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه وله رواياتٌ عدّة .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ في الجنَّةِ باباً يُقالُ لهُ الرَّيان يدخلُ منهُ الصَّائِمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم يقال: أين الصَّائِمون؟ فيدخلون منهُ فإذا دخل آخِرُهُم أغْلِقَ فلم يدخُل منهُ أحدٌ » رواه مسلم ( 1152 ) .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الصِّيامُ جُنَّةٌ منَ النَّارِ كجُنَّةِ أحدكم من القتال »رواه أحمد ( 4 / 22 ) بسندٍ صحيح .
وعن أبي أمَامَةَ رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسولَ الله مُرنِي بِعملٍ أدخُلُ بهِ الجنَّة . فقال: « عليك بالصَّوم، فإنَّهُ لا مِثلَ له»رواه ابن حبّان ( 3425 ) بسندٍ صحيح .قال: فكانَ أبو أُمامة لا يُرى في بيتِهِ الدُّخَّان نهاراً إلاَّ إذا نزلَ بِهِم ضيف، فإذا رأوا الدُّخانَ نهاراً، عرفوا أنَّهُ قد اعتراهُم ضيفٌ.
« للصَّائم فرحتان: فرحةٌ عندَ فِطرهِ، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّهِ »قطعة من حديث رواه مسلم ( 1151 )-إذا وجد ثواب صيامهِ مدخوراً-.
طوبى لِمن جوَّعَ نفسهُ ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن ظمَّأ نفسهُ ليوم الرِّيِّ الأكبر، طوبى لِمن تركَ شهوةً حاضِرةً لِموعِدِ غيبٍ لم يره، طوبى لمن ترك طعاماً ينفَدُ في دارٍ تنفَدُ، لدارٍ (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا )).
مَنْ يُرِد مُلكَ الجِنَانِ *** فَليَدَع عَنهُ التَّوانـي
وليَصِلْ صَوماً بِصومٍ *** إنَّ هذا العيشَ فاني
وَليقُم في ظُلمةِ اللّـيـل إلى نور القرآن
إنَّما العَيـشُ جِـوارُ الله فِي دَارِ الأمـان
الدُّنيا كلُّها شهرُ صيام المتَّقين، وعيدُ فِطرِهِم يومَ لِقاء ربِّهِم، ومعظمُ نَهارِ الصِّيامِ قد ذهب، وعيدُ اللِّقاءِ قد اقترب.
وقدْ صُمتُ عن لذَّاتِ دهري كلّها *** ويومَ لِقاكم ذاك فِطْـرُ صِيـامِي
قالَ بعضُ السَّلف: صُمِ الدنيا وليكن فطركَ الموتُ .وقال غيرهُ:
فصُمْ يومَكَ الأدْنَى لَعلَّكَ في غدٍ *** تفُوزُ بِعيد الفِطرِ والنَّاسُ صُوَّم
من صام اليوم عن شهواتِهِ أفطرَ عليها غداً بعد وفاتهِ، ومن تعجَّلَ ما حرِّمَ عليهِ من لذَّاتهِ عُوقِبَ بِحرمَانِ نَصِيبِهِ من الجّنَّةِ وفواتِهِ؛ شاهِدُ ذلك من شرِبَ الخَمرَ في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبِس الحريرَ لم يلبسْهُ في الآخِرة.
أنتَ في دارِ شتاتٍ فتأهَّبْ لِشَتــاتِك
واجعلِ الدَّنيا كيومٍ صُمْتَهُ عن شهواتِك
وليكن فِطْرُكَ عندَ اللّـهِ فِي يومِ وفاتِـك
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس : 25] .
الجَنَّةُ ضِيافةُ الله أعدَّها لعِبادهِ المؤمنينَ نُزُلا، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذُنٌ سمِعت، ولا خطرَ على قلبِ بشر. وبُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعو إليها بالإيمانِ والإسلامِ والإحسان، فمن أجابهُ دخل الجنَّةَ وأكل من تلك الضِّيافة، ومن لم يُجِب حرِم .
يا من طلعَ فجرُ شيبِهِ بعد بلوغِ الأربِعينَ ! يا من هو في مُعتركِ المنايا ما بين السِّتِّينَ والسَّبعينَ! ما تنتظِرُ بعدَ هذا الخَبرِ إلاَّ أن يأتيكَ اليقين؟ يا من ذُنُوبُهُ بِعددِ الشَّفعِ والوتْرِ! أما تستحي منَ الكِرامِ الكاتِبينَ ؟ أم أنتَ ممَّن يُكذِّبُ بيومِ الدِّين ؟ يا من ظُلمَةُ قلبِهِ كاللَّيلِ إذا يسْرِي ! أما آنَ لِقلبِكَ أن يستنيرَ أو يلين ؟ تعرَّض لِنفحاتِ مولاكَ في هذا الشَّهرِ؛ فإنَّ للهِ فيهِ نفحات يصيبُ بِها من يشاء، فمن أصابتهُ سَعِدَ بِها آخرَ الدَّهرِ .
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذهِ الأيام العظيمة، فما منها عِوضٌ ولا لها قيمة . المُبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجومِ الأجل، قبلَ أن يندمَ المُفرِّطُ على ما فعل، قبلَ أن يسألَ الرَّجعةَ ليعملَ صالِحاً فلا يُجابُ إلى ما سأل، قبلَ أن يَحولَ الموتُ يبنَ المُؤمّل وبلوغِ الأمل، قبلَ أن يصِيرَ المرْءُ مرتهناً في حفرتِهِ بِما قدَّمَ من عمل .
عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء ؟ فقال: « يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية » قطعة من حديثٍ رواهُ مسلم ( 1162 ) .
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدينةَ فوجدَ اليهودَ صياماً، يومَ عاشوراء . فقالَ لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَا هَذَا اليوم الّذي تصومونهُ؟ »فقالوا: هذا يومٌ عظيم، أنجى اللهُ فِيهِ موسى وقومَهُ، وغرَّقَ فرعونَ وقومَهُ، فصامَهُ موسى شكراً، فنحنُ نصومُهُ . فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « فنحنُ أحقُّ وأولى بِمُوسى مِنكم »رواه مسلم ( 1130 ) . فصامَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأمرَ بصيامِه.
عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال: صَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشُوراء وأمَرَ بِصِيامِهِ، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهودُ وَالنَّصَارَى. فَقالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « فَإذا كَانَ العامُ المُقْبِلُ، إِن شَاءَ اللهُ، صُمْنَا اليَومَ التَّاسِع »قال: فَلمْ يَأتِ العامُ المُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رواه مسلم ( 1134 ) .
وفي الختام فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإنَّ لله نفَحَات من رحمتهِ، يصيب بها من يشاء من عبادهِ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن رَوْعَاتكم »أخرجهُ الطبراني في " الكبير" (720) وحسَّنَهُ المحدِّث العلامة الألباني في " الصحيحة " (1890) .
فالسَّعيدُ من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّبَ فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطّاعات، فعسى أن تصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً يأمن بعدها من النَّار وما فيها من اللفحات.
فمن أعظم نفحَاتِهِ مصادفة ساعة إجابة يسأل فيها العبد الجنَّة والنَّجاة من النَّار، فيُجابُ سُؤاله، فيفوز بسعادة الأبد. قال الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [آل عمران : 185]
وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود : 106 - 108] .
ليسَ السَّعِيدُ الّذِي دُنْيَاهُ تُسْعِدُهُ *** إِنَّ السَّعِيدَ الَّذِي يَنْجُو مَنَ النَّار
نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصاً لوجههِ الكريم، ومقرِّباً إليهِ وإلى دارهِ، دار السَّلام والنَّعيم المقيم، وأن ينفعَنا بهِ وعبَادَهُ المؤمنين، وأن يوفقنا لما يحبُّ ويرضى، ويختم لنا بخيرٍ في عافية، فإنَّهُ أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، آمين .
و " سبحان الله وبحمدهِ، سبحانك اللَّهمَّ وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك". فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال سبحان الله وبحمدهِ، سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليهِ، ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارةً لهُ »أخرجهُ الحاكم (1/537) وصححهُ على شرط مسلم، ووافقهُ الذهبي

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:24 PM

تذكير المسلم بما ورد في شهر الله المحرم


الحمدلله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه , أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في تذكير المسلم بما ورد في شهر الله المحرم أسال الله أن ينفع بها .



لماذا سمي محرم بهذا الاسم؟

قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ( 4/1654): ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه (( المشهور في أسماء الأيام والشهور )): أن المحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً . وعندي أنه سمي بذلك تأكيداً لتحريمه , لأن العرب كانت تتلعب به , فتحله عاماً وتحرمه عاماً . قال: ويجمع على محرمات , ومحارم , ومحاريم )) أهـ .



فضل شهر الله المحرم

قال الله تعالى: (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) {التوبة: 36}.
قال قتادة في قوله: { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }: (( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها , وإن كان الظلم على كل حالٍ عظيماً , ولكن الله يعظَّم من أمره ما يشاء )) أهـ ـ تفسير ابن كثير { 4 / 1656} .
1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم , وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )) أخرجه مسلم{1163}.
2) عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل , وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم )) رواه النسائي والطبراني وصححه لغيره العلامة الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيح الترغيب {1/ 592 رقم 1016}.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ في لطائف المعارف {ص77}: (( وهذا الحديث صريح في إن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم .. )) أهـ .
وقال أيضاً {ص81}: (( وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله . وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله , فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته .. )) أهـ .


ما هو يوم عاشوراء


الصحيح أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم .
قال الطيبي ـ رحمه الله ـ : (( وهو اليوم العاشر من المحرم )) ـ تحفة الأحوذي {3/379}ـ .
وقال الزين بن المنير ـ رحمه الله ـ : (( الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية .. )) ـ تحفة الأحوذي {3/383}ـ .
وقال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ: (( وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ... وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ )) ـ شرح مسلم {8/12}ـ .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر )) أخرجه الترمذي{755} وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي .


أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء


كان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيام عاشوراء أربع حالات ـ كما ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف {102ـ 108} ـ :
الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم . ففي البخاري{2002} ومسلم {1125/ 113} عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (( كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه , فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه , فلما فرض شهر رمضان قال: (( من شاء صامه ومن شاء تركه )) .
الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له , وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به , صامه وأمر الناس بصيامه , وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم .
ففي البخاري {2004} ومسلم {1130} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يومٌ عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه , وغرق فرعون وقومه , فصامه موسى شكراً فنحن نصومه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فنحن أحق وأولى بموسى منكم )) فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه .
وفي البخاري{2007} ومسلم {1135/ 135} عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن في الناس: (( من كان لم يصم فليصم , ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل )).
وفي البخاري{1960} ومسلم {1136/ 136} عن الربيَّع بنت معوّذ ـ رضي الله عنها ـ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غذاة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة (( من كان أصبح صائماً فليتم صومه , ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه )) . فكنَّ بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم نذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار . وفي رواية لمسلم{1136/ 137}: (( فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم )) .
الحالة الثالثة: إنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء وتأكيده فيه , وقد سبق حديث عائشة في ذلك .
وفي البخاري{1892} ومسلم{1126} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك )).
وفي رواية لمسلم{1126} أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان , فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن يوم عاشوراء يومٌ من أيام الله , فمن شاء صامه ومن شاء تركه )) .
وفي رواية لمسلم{1126/118}: (( فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه , ومن كره فليدعه )) .
وعن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه , وأنا صائمٌ فمن أحب منكم أن يصوم فليصم , ومن أحب أن يفطر فليفطر )) أخرجه البخاري{2003} ومسلم {1129/126} .
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في يوم عاشوراء: (( هو يومٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك )) أخرجه مسلم{1127} .
الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على ألا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفةً لأهل الكتاب في صيامه . ففي صحيح مسلم{1134/133} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول إنه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع )) . قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية لمسلم{1134/134} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لئن بقيت إلى قابلٍ لأصومن التاسع )) .




رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:25 PM

حكم صوم يوم عاشوراء


صوم يوم عاشوراء ـ اليوم العاشر من محرم ـ مستحب .
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم{8/9}: (( اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب )) , قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ في لطائف المعارف {ص 106}: (( وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد )) .
قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في تعليقه على الترغيب والترهيب للمنذري ـ حاشية {1/ 593}: (( واتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء الآن سنة ليس بواجب . وأما التوسعة والكحل فمن المحدثات )) أهـ .



فضل صوم يوم عاشوراء
1ـ عن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: (( يكفر السنة الماضية )) أخرجه مسلم{1162/197} وأبو داود{2425} وابن ماجه {1713/1730/1838} بلفظٍ قال: (( صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )) صححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/593} برقم {1027} .
2ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه )) أخرجه البخاري {2004} ومسلم {1130/128} .
3ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: (( ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهراً إلا هذا الشهر . يعني رمضان )) أخرجه مسلم {1132/ 131} .
4ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء )) رواه الطبراني في الأوسط وحسنه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/53} رقم {1020} .
5ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من صام يوم عرفة , غفر الله له سنة أمامه , وسنة خلفه , ومن صام عاشوراء غفر له سنة )) رواه البزار وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/594} رقم {1021} .



حكم صوم يوم تاسوعاء


ـ اليوم التاسع من محرم ـ
صوم يوم التاسع من شهر الله المحرم مستحب لهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع )) أخرجه مسلم {1134/134} .



ما هي الحكمة من صوم التاسع مع العاشر


1) مخالفة لليهود الذين يصومون هذا اليوم لوحده .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه , قالوا: يا رسول الله: إنه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع )) . قال فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه مسلم {1134/133}.
وعن ابن عباس قال: (( صوموا اليوم التاسع والعاشر وخالفوا اليهود )) . أخرجه عبدالرزاق في المصنف {7839} والبيهقي في السنن الكبرى{4/287} سنده صحيح .
2) خشية فوات عاشوراء .
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن عشت ـ إن شاء الله ـ إلى قابلٍ ؛ صمت التاسع ؛ مخافة أن يفوتني يوم عاشوراء )) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير {3/99/2} وسنده صحيح رجاله كلهم ثقات قاله العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في الصحيحة{1/686 رقم 350} .
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم {8/12}: (( قال بعض العلماء ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا تشبه باليهود في إفراد العاشر , وفي الحديث إشارة إلى هذا , وقيل للاحتياط في تحصيل عاشوراء والأول أولى . والله أعلم )) أهـ .



مراتب صوم يوم عاشوراء

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد{2/72}: ((فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يُصام قبله يوم , وبعده يوم , ويلي ذلك أن يُصام التاسع والعاشر , وعليه أكثر الأحاديث , ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم )) .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح {4/246}: ((.. صيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يُصام وحده , وفوقه أن يُصام التاسع معه , وفوقه أن يُصام التاسع {معه} والحادي عشر والله أعلم )) . قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح رياض الصالحين{3/409}: (( وشهر الله المحرم هو ما بين ذي الحجة وصفر قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم " ويتأكد أن يُصام منه العاشر , أو العاشر والتاسع , أو التاسع والعاشر والحادي عشر )) .



ما ورد في فضل يوم عاشوراء


لم يصح في فضل يوم عاشوراء شيء سوى الصيام .
* قال الموصلي ـ رحمه الله ـ في فيما ورد في فضل يوم عاشوراء: (( لم يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه صامه وأمر بصيامه , وصومه يكفر سنة )) ـ " المغني عن الحفظ والكتاب في قولهم: لا يصح شيءٌ في هذا الباب " للموصلي {ص 245} ـ .
* قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في المنار المنيف{ص89}: (( أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء , والتزين , والتوسعة , والصلاة فيه وغير ذلك من فضائل لا يصح منها شيء , ولا حديث واحد . ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه وما عداها فباطل )) .
* قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع{ص188ـ189}: (( وأحدث بعض الناس في هذا اليوم أشياء مبتدعة من الاغتسال , والاختضاب , والكحل , والمصافحة , وهذه أمور منكرة مبتدعة مستندها حديث مكذوب على رسول صلى الله عليه وسلم , وإنما السنة صوم هذا اليوم لا غير )) .
* قال الفيروز آبادي ـ رحمه الله ـ في خاتمة " سفر السعادة "{ص 150}: (( وباب فضائل عاشوراء ورد استحباب صيامه وسائر الأحاديث في فضله وفضل الصلاة , والإنفاق , والخضاب , والإدهان , والاكتحال , وطبخ الحبوب , وغير ذلك , مجموعهُ موضوع مفترى . قال أئمة الحديث: الاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين )) .
* قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في لطائف المعارف{ص112}: (( وكل ما ورد في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء , والاختضاب , والاغتسال فيه , فموضوع لا يصح )) .
* قال فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن غانم السدلان ـ حفظه الله ـ : (( ليس لهذا اليوم ـ يوم عاشوراء ـ خصوصية سوى الصيام , وأما ما تتناقله بعض الكتب , وما يذكره بعض الفقهاء من أنه يسنُّ التوسعة على العيال , وجعله يوماً يشبه العيد , فإنه لا أصل له من الصحة )) ـ جريدة عكاظ عدد{9477} الخميس 9/محرم/ 1413هـ {ص11}ـ .



انقسام الناس في يوم عاشوراء

الناس في يوم عاشوراء طرفان ووسط:
1) طرفٌ يُظهِرُ الفرح والسرور بالاكتحال والتزين والتوسعة على العيال وهم النواصب والصوفية .
2) وطرف يُظهِرُ التألم والحزن وهم الشيعة الرافضة المنتصرين للحسين .
3) ووسط وهم أهل السنة الذين يفعلون ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع .
ورحم الله ابن القيم حيث قال في المنار المنيف{ص89}: (( وأما أحاديث الاكتحال والإدهان والتطيب: فمن وضع الكذابين وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن , والطائفتان مبتدعان خارجتان عن السنة , وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم ويجتنبون ما أمر الشيطان من البدع )) .
فعلى كل مسلم أن يجتنب جميع البدع والمحدثات في دين الإسلام , الخير كل الخير إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم , والشر كل الشر في الابتعاد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
هذا ما أحببت به النصيحة والبيان , فما كان فيه من صواب فمن الله المنان , وما كان فيه من خطا فمني ومن الشيطان , واستغفر الله العظيم , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
منقول

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:26 PM

شبهة رافضية حول صيام عاشوراء !!!
شيخنا الحبيب الفاضل ، لقد فوجئت برسالة تصلني على البريد الالكتروني و فيها كلام مسموم عن صيام يوم عاشوراء و بعض أهل السنة من العوام يتساءلون و اصبحوا في حيرة طبعا الذين رأوا هذا الكلام فطمأنتهم بأن الأحاديث صحيحة فلا يلقوا بالا لهذا الكلام ،،،

و لكن نريد الرد على هذه الشبهة !!!!!!

فإليكم شيخنا نص الرسالة :

الحقيقة المخفية
ملاحظه : ليس الهدف تحدي أي شخص وليست المسألة مسألة حرب أو مباراة من الفائز فيها
بل الهدف هو بيان الحقيقة ألمخفيه على الكثيرين منا .. !!
إلى كل من يدعي أن صيام عاشوراء سُـنـّه ... !
قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
يكثر في هذه الأيام بالذات وفي المساجد وخطب الجمعة عن صيام
هذا اليوم وبشكل عجيب جداً ويحرص البعض على أن يؤكد عليه ..
لكن ما هو سبب صيام هذا اليوم ولم نصومه ؟

يقول الحديث : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء
وحدثني بن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه).
لمراجعة الحديث في موقع موسوعة الحديث الشريف
لمراجعة الحديث في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم 1130
لمراجعة الحديث في موقع نداء الإيمان تحت رقم 2714
وفي موضع آخر : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب أي يوم يصام في عاشوراء
وحدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : (يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

مراجعة الحديث في موقع موسوعة الحديث الشريف
لمراجعة الحديث في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم 1134
لمراجعة الحديث في موقع نداء الإيمان تحت رقم 2722

كل قاريء للحديثين والقصة المذكورة عن سبب الصيام
ليتأمل الحديث جيداً وانظر الآن إلى هذه الملاحظات لنخرج
بنتيجة ونترك لك الحكم بصحة هذه الأخبار أو لا
انظر إلى الحديث الأول وتأمل به جيداً لقد غاب عن منتج هذا الحديث أن اليهود لا تعتمد في تقويمها على الهلال ، وأن الاعتماد على الهلال مما أختص به المسلمون قال تعالى :
( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف كان يوم عاشوراء ( 10 محرم ) ثابت عند اليهود على مر السنين ؟؟؟؟

توضيح أكثر

لو أراد أحد المسلمين أن يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام بدعوى أننا ( أي المسلمون ) أولى بالسيد المسيح عليه السلام من المسيحيين أنفسهم ، فهل يستطيع تحديد يوم في تاريخنا الهجري بحيث يوافق دائما يوم ميلاد المسيح عند المسيحيين ؟
الجواب واضح ، فذلك أمر غير ممكن ، لأن ميلاده ثابت بالنسبة لهم لأنهم يعتمدون التقويم الميلادي ، ولكن بالنسبة لنا فنحن نعتمد التقويم الهجري المعتمد على الهلال ، فالسنة الميلادية تزيد عن الهجرية بِـ 10 أو 11 يوم .
والآن إذا أردنا أن نصوم أو نحتفل باليوم الذي نجا الله فيه موسى ينبغي أن يكون هذا اليوم متغيرا في كل عام بالنسبة للتقويم الهجري ( المعتمد على الهلال )
فما الذي ثبته في يوم ( 10 محرم ) .؟؟

من المفترض أن يكون يوم عاشوراء أعظم عيد عند اليهود حيث فيه أعظم حدث عندهم وهو نجاة نبي الله موسى بانشقاق البحر له وهلاك عدوه فرعون ، وهذه تشكل معجزة عظيمة ومنعطف مهم جدا في تاريخهم لا يمكن أن يهمله اليهود .
ولكن السؤال المحير هو : لماذا انقرض هذا العيد عندهم ولم يبق منه عين ولا أثر ، ففي كل عيد أو مناسبة عندهم تسمع في الأخبار أن الجيش الصهيوني يشدد إجراءاته الأمنية تخوفا من وقوع عمليات إستشهادية ، ولكن يوم عاشوراء يمر دون إجراءات أمنية ويوم عادي !!!

الملاحظة الثانية


الحديث يقول قدم النبي إلى المدينة وبعدها برواية أخرى يقول ابن عباس قالوا للنبي انه يوم تعظمه ... فقال النبي (ص)فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
والسؤال هنا :نحن نعلم انه عندما قدم النبي (ص) إلى المدينة بقى بها 13 سنه بعد هجرته ، فكيف مات بالسنة الأولى ؟!وإذا قال احد إنها كانت هي السنة التي مات بها المصطفى فهذا اغرب وأعجب
كيف لم يلاحظ الرسول (ص) طوال 13 عاماً صيام اليهود لهذا اليوم ؟؟!
ثم كلنا يعلم أن النبي (ص) أمر بإخراج اليهود من المدينة ، فمتى كان ذلك إذن !!!!!

ثانيا : كيف طافت على رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اليوم الذي نجى الله فيه الأنبياء ويأخذ علمه من اليهود وهو الذي - ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ؟؟
ثالثا : أيعقل أن يجعل الله هذا اليوم يوم عيد للأنبياء ويوم حزن وعزاء للنبي وآله ؟
قد يسأل سائل هناك روايات كثيرة ومتعددة لصوم عاشوراء فلماذا التركيز على هذين؟
أقول :
قد ذكرنا اصل القصة وسبب الصوم فان زال الأصل زال ما بعده ..
فلو ذكرنا ألف حديث عن صوم عاشوراء لكن ما هو سبب الصيام ؟
ثم أن الحديثين المذكورين هما من صحيح مسلم ولا يمكن ابدأ إنكار وجودهما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من كذب علي حياً أو ميتا فليتبوأ مقعده من النار
_______

إن يوم عاشوراء حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية فيه قتل ريحانة النبي (ص) وسيد شباب أهل الجنة وسبط المصطفى صلى الله عليه وآله وأهل بيته وأصحابه وسبي أهله من العراق إلى الشام ..
وفيه احتفل بنو أمية بهذا اليوم بالانتصار المزعوم ،،
نحن نحسن الظن بالأخوة المعتدلين ، ولا نعتقد أنهم يتعمدون الاحتفال بهذا اليوم فرحا بمقتل الحسين عليه السلام ، فأكثرهم قد خفي عنهم الأمر أو جاهلون به
ولكن من الواجب مراجعة روايات عاشوراء والتأكد منها ..
الآن قد وضحت الصورة أمامك
وأخذت الحجة عليك فمن صام عناداً بعد ذلك
أسال الله أن يحشره مع من أحتفل بهذا اليوم متعمدا
قال الإمام الحسين عليه السلام :
إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر
منقول



رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:28 PM

http://www.islamway.net/images/banne...el_muharam.gif
فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء

قال العِزُّ بن عبدِالسَّلام رحمه الله: وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دُنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني راجعٌ إلى الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء...

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها:
{إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36].
وعن أبي بكرة رضي الله عنهُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان» (رواه البخاري 2958) والمحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً وتأكيداً لتحريمه.
وقوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنها آ كد وأبلغ في الإثم من غيرها.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. وقال قتادة في قوله: {فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تُعظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل. (انتهى ملخّصاً من تفسير ابن كثير رحمه الله: تفسير سورة التوبة آية 36).

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم» (رواه مسلم 1982).
قوله: "شهر الله" إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، قال القاري: الظاهر أن المراد جميع شهر المحرّم.
ولكن قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان، فيحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله.
وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، ولعلّ لم يوح إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه. (شرح النووي على صحيح مسلم).

الله يصطفي ما يشاء من الزمان والمكان:
قال العِزُّ بن عبدِ السَّلام رحمه الله: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دُنْيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني راجعٌ إلى أن الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها" (قواعد الأحكام 1/38).

عاشوراء في التاريخ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه» (رواه البخاري 1865).
قوله: «هذا يوم صالح» في رواية مسلم: «هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه». قوله: «فصامه موسى» زاد مسلم في روايته: «شكراً لله تعالى فنحن نصومه». وفي رواية للبخاري: «ونحن نصومه تعظيماً له». ورواه الإمام أحمد بزيادة: «وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً».
قوله: «وأمر بصيامه» وفي رواية للبخاري أيضاً: «فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا».

وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه".. قال القرطبي: لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام. وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيداً كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء تعدُّهُ اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً" وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم". قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم» (رواه البخاري).
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يصام. (انتهى ملخصاً من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري).

فضل صيام عاشوراء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان" (رواه البخاري 1867). ومعنى "يتحرى" أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» (رواه مسلم 1976) وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

أي يوم هو عاشوراء؟!
قال النووي رحمه الله: عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمانِ ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو التّاسع منه.. وبه قال جُمْهُورُ العلماء… وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة. (المجموع).
وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية (كشاف القناع ج2 صوم المحرم).
وقال ابن قدامة رحمه الله: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن، لما روى ابنُ عبّاس، قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء:
روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم 1916).
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب.

الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء:
قال النووي رحمه الله: ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً:
أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التّاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر. انتهى.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: «لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع». (الفتاوى الكبرى ج6 سد الذرائع المفضية إلى المحارم).
وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»: ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعر بعض روايات مسلم. فتح 4/245).

حكم إفراد عاشوراء بالصيام:
قال شيخ الإسلام: صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم.. (الفتاوى الكبرى ج5). وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده… (ج3 باب صوم التطوع).

يُصا م عاشوراء ولو كان يوم سبت أو جمعة:
ورد النهي عن إفراد الجمعة بالصوم، والنهي عن صوم يوم السبت إلا في فريضة ولكن تزول الكراهة إذا صامهما بضم يوم إلى كل منهما أو إذا وافق عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم أو نذراً أو قضاءً أو صوماً طلبه الشارع كعرفة وعاشوراء.. (تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع – مشكل الآثار ج2 باب صوم يوم السبت).
وقال البهوتي رحمه الله: ويكره تعمد إفراد يوم السبت بصوم لحديث عبد الله بن بشر عن أخته: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" (رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وقال: على شرط البخاري) ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم.. (إلا أن يوافق) يوم الجمعة أو السبت (عادة) كأن وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء وكان عادته صومهما فلا كراهة؛ لأن العادة لها تأثير في ذلك (كشاف القناع ج2 باب صوم التطوع).

ما العمل إذا اشتبه أول الشهر؟
قال أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر. (المغني لابن قدامة ج3 الصيام – صيام عاشوراء).
فمن لم يعرف دخول هلال محرّم وأراد الاحتياط للعاشر بنى على إكمال ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة ثم صام التاسع والعاشر، ومن أراد الاحتياط للتاسع أيضاً صام الثامن والتاسع والعاشر (فلو كان ذو الحجة ناقصاً يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقيناً). وحيث إن صيام عاشوراء مستحب ليس بواجب فلا يؤمر النّاس بتحري هلال شهر محرم كما يؤمرون بتحري هلال رمضان وشوال.

صيا م عاشوراء ماذا يكفّر؟
قال الإمام النووي رحمه الله: يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر. ثم قال رحمه الله: صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه… كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر. (المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصّغائر فقط. (الفتاوى الكبرى ج5).

عدم الاغترار بثواب الصيام:
يغتر بعض المغرورين بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفّر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر. قال ابن القيم: لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر. ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرّة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمّل في فضائل التسبيحات والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللّسان، وذلك محض غرور. (الموسوعة الفقهية ج31، غرور).

صيام عاشوراء وعليه قضاء من رمضان:
اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصّوم قبل قضاء رمضان، فذهب الحنفية إلى جواز التطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، قال الدسوقي: يكره التّطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة، سواء كان صوم التّطوع الذي قدّمه على الصوم الواجب غير مؤكد أو كان مؤكّداً كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح، وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصّوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتّسع الوقت للقضاء، ولابد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه. (الموسوعة الفقهية ج28: صوم التطوع).
فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان ليتمكن من صيام عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنية القضاء من الليل أجزأه ذلك في قضاء الفريضة، و فضل الله عظيم.

بدع عاشوراء:
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّا يفعله النّاس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحنَّاء والمُصافحةِ، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك.. هل لذلك أصلٌ أم لا؟
الجوابُ: الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصّحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك.. ورووا في حديث موضوع مكذوبٍ على النبي صلى الله عليه وسلم: (أنَّهُ من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنّة). ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب.

ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال:
فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليّة من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتَّعزي بعزاء الجاهلية.. وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتّوسل بذلك إلى سبِّ السَّابقين الأولين.. وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرّجل الفصيح في الكلام. فعارض هؤلاء قوم إمّا من النّواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجُهّال الّذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشَّرَّ بالشَّرِّ، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأفراح، وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة.. (الفتاوى الكبرى لابن تيمية).
وذكر ابن الحاج رحمه الله من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً، وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء: (المدخل ج1 يوم عاشوراء).

نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر: موقع الشيخ المنجد (بتصرف)






رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:29 PM

فضل صيام يوم عاشوراء


تأتى المناسبات الإسلامية الكريمة لتحرك شعورًا جميلا لدى المسلمين؛ ليُقبِلوا على الله فيزدادوا طهرًا وصفاءً ونقاءً، وها هو شهر المحرم يُقْبِل علينا ليدعوا المسلمين للصيام، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ"[1]، فشهرالمحرم به يوم له فضيلة عظيمة، وحرمة قديمة وهو يوم عاشوراء، وصيام هذا اليوم كان معروفًا بين الأنبياء-عليهم السلام- فقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، وكان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه، ولقد حبا الله عز وجل هذا اليوم فضلاً فضاعف فيه أجر الصيام، ومن هنا نشأت الحاجة لبيان فضل هذا اليوم، وما يشرع فيه، وبيان أحوال الناس في تعظيمه.
إنه يوم نَجَّى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَه؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ." فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg وَأَمَرَ بِصِيَامِه"[2]، فإن نجاة نبي الله موسى من عدو الله فرعون مناسبة عظيمة، لنصرة الحق على الباطل، وانتصار جند الله، وإهلاك جند الشيطان، وهذه بحق مناسبة يهتم بها كل مسلم؛ ولذا قال http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg: "نحن أحق بموسى منكم"؛ ولِمَا عُرف فضل ذلك اليوم وشرفه فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه، حتى كان بعضهم يصومه في السفر؛ خشية فواته.
http://islamstory.com/sites/default/...0_image003.jpg
يوم عاشوراء هو أفضل يوم في شهر المحرم، فيقع صيام يوم عاشوراء في منزلةٍ تلي منزلة صوم عرفة، ذلك أنَّ صيام يوم عرفة يكفِّر سنتين، أما صيام عاشوراء فيكفِّر سنة واحدة، وإن تكفير سنةٍ كاملةٍ لا شك في أنه خير كبير وفضل عظيم أيضًا، فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضى الله عنه قال: قال رسول الله http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg: "...صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"
[3]، فليحرص المسلم على صيامه ليمحو آثامه وذنوبه التي اقترفها في عام كامل وما أكثرها، خاصة في زماننا هذا الذي هُجر فيه الدين فصار غريبًا، وفشت فيه جميع المعاصي والمنكرات والقبائح والرذائل، حتى بات المتدين لا يكاد يجد بقعة من الأرض يطمئن فيها إلى الحفاظ على دينه، والسلامة من الشرور والآثام. والمقصود من قول الرسول http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg "أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ"، الاحتساب في الأعمال الصالحة هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجو فيها، وقد قال إمام الحرمين: المقصود بالتكفير هو تكفير الصغائر وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله سبحانه وتعالى، "وصيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" وقد قيل إن صوم يوم عرفة من شريعة محمد http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه الصلاة والسلام، وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ "مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ وَلاَ شَهْرًا إِلاَّ هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِى رَمَضَانَ"[4]. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.



رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:30 PM

تتمة : فضل صيام يوم عاشوراء
وقد أمرنا النبى بمخالفة اليهود والنصارى في الصيام وفي كل شيء فما ورد في السنة عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- يَقُولُ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"[5]. قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، فقد استدل العلماء بهذا الحديث في صيام تاسوعاء لمخالفة اليهود فهو من الهدى النبوى وإن لم يفعل فقد اشار عليه وأصبح سنة متبعة، أما صيام اليوم التاسع، فقد نقل النووي -رحمه الله- عن العلماء في ذلك عدة وجوه :
أحدها: أن المراد من مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة اليهود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
الأولى: أن النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه وقد كان النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :"مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاء"َ[6].
الثانية: لما قدم النبى http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول، ودليل ذلك من السنة وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة :"من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم"[7].
الثالثة: لما فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة، والدليل على ذلك من السنة النبوية كما ورد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg "مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ"[8].
فكما كان واجباً أولاً فهو الآن مستحب غير واجب، كما نقل ابن عبد البر الإجماع على هذا.
1- يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم بعضا -ولو اختلفت الأنساب واللغات- بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
2- يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهمم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التاريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى عليه السلام من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.
3- يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا أولى بموسى منكم". وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.
4- صيام يوم عاشوراء يدل على أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل على ذلك رواية الصحيحين "أنتم أحق بموسى منهم". وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.
5- يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس الميل إلى البحث عن هذه النصرة وأسبابها، وتذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.
6 - يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل على هذه المخالفة ما يلي:
أ - لمّا قيل للنبي :"إن اليهود والنصارى اتخذوه عيدا، قال: صوموه أنتم".
ب - استحب النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg أن يصام يوم قبله، ومن تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر مقرر عند الصحابة، ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، فقالوا "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟ فقد أَمر بمخالفتهم، ونَهي عن موافقتهم، فعزم على ألا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم ويشهد لذلك أحاديث منها كما ورد في حديث ابن عباس "فإن كان العام المقبل" إذا فالغرض هو مخالفة اليهود والنصارى في كل شىء وليس الصيام فقط.
7- يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك: أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده، ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله، والمؤمن بدوره يسعى للأفضل والأكمل. وهذا دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
8- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجعاً إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.
9- تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله، ومنها التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها :"فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه.
10- مخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg :"من تشبه بقوم فهو منهم" قال الألباني : حديث حسن صحيح.
11- يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم، كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg في الخندق.
12- يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى؛ حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما اقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله .
13- صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg :"فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه" متفق عليه.
14- صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
15- صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، وذلك لأنه كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب، وإثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.
16- صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكرا لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام وختاما بالنبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال :"أفلا أكون عبدا شكورا" متفق عليه
17- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه سعة من الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم بعضاً أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.
18- صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة -رضي الله عنها- أن النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل". فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.
1http://islamstory.com/sites/default/...0_image004.jpg- بدعة الحزن واتخاذ يوم عاشوراء مأتماً، والنياحة فيه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية؛ بسبب قتل الحسين رضي الله عنه والقيام بأعمال ما أنزل الله بها من سلطان، والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، كما قال تعالى :{وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة 155-157]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه قَالَ :قَالَ النَّبِىُّ http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ"[9].
2- بعض الفرق تظهر شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم من الاغتسال، واستعمال البخور، وطحن الحبوب، والذبح لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور. ومنها عادات لا تخلو من منكرات قبيحة، ومن الأحاديث التى يستشهد بها بعض المبتدعين حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله : "من وسع على عياله في النفقة يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"، وهو حديث ضعيف.
3- تخصيصه بإخراج الزكاة فيه وزيارة القبور فيه، ومن بدع النساء في هذا اليوم استعمال الحناء ونسج الكتان وتسريحه وغزله وتبييضه.
والواضح أن كل هذه المخالفات التى لم ترد في القرآن ولم يسن رسول الله http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg ولا خلفاؤه الراشدون منها شيئاً، فلم يرد في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور البدعية, لا شعائر الحزن والترح, ولا شعائر السرور والفرح.
وكل هذا كذب على رسول الله http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه. وبذلك نعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام، وهذا منهج الرسول http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 12]. وكم فات على أولئك المنشغلين بتلك البدع من اتِّباع النبي http://islamstory.com/sites/all/them...mages/r_20.jpg والعمل بسنته !
المصادر والمراجع:

1- من نور كتاب الله حرمة الأشهر الحرم – إعداد/ علاء خضر.
2- يوم عاشوراء أحكام وفوائد - أ. عبد اللطيف بن محمد الحسن
3- عاشوراء يوم النصر العظيم ، د. عبد العزيز بن فوزان بن صالح الفوزان.
4- يوم عاشوراء أهميته وحكم صيامه ، الشيخ/ عطية صقر.
5- عاشوراء أحكام وبدع ، الشيخ/ على بن نايف الشحود.

[1] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب فضل صيام المحرم رقم 2812
[2] أخرجه مسلم / كتاب الصيام/ باب صيام يوم عاشوراء 2714
[3] أخرجه مسلم / كتاب الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة...( رقم 1976)
[4] أخرجه مسلم كتاب الصيام / باب صيام يوم عاشوراء رقم 2718.
[5] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب أى يوم يصام في عاشوراء ( رقم 2722).
[6] أخرجه البخارى / كتاب الصوم/ باب صيام يوم عاشوراء رقم 1867.
[7] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه 2726.
[8] أخرجه البخارى / كتاب الحج / بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ... رقم (1489).
[9] أخرجه البخارى / كتاب الجنائز/ باب ليس منا من شق الجيوب، رقم 1294)



رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:34 PM

عاشوراء.. وقفات ودروس!

خالد عبداللطيف

عبادة وتربية..!
أمة الوسطية في عاشوراء.. هُدى لا هوى!
لله دَرُّ هذا اليوم العظيم؛ كم فيه من الدروس والعبر تستحق أن يكون للبيوت معها وقفات وعظات!
وقفة مع الأحقية والخيرية.. وأخرى مع العبادة وفضائلها.. وثالثة مع رسالة أمة الوسطية!
ورابعة.. وخامسة.. وهلم جرّاً من الدروس والعبر الحية، لأولي الألباب الذين لا يفوتهم استثمار مواسم العام المباركة في التربية والتزكية.. كما لا يفوتهم اغتنام شعائرها التعبدية!


أحقية وخيرية..!
في هذا اليوم تذكير بخيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بموسى منكم!) وأنها أمة الخيرية إلى قيام الساعة.

درس كما يغرس العزة في النفوس.. يبرز المسؤولية عن هذا الدين الخاتم الذي تتعطش البشرية إلى نوره المبين؛ في خضم أمواج متلاطمة من الانحرافات والتحريفات والاعتداءات والانتهاكات!

درس من قصة موسى عليه السلام أحد الرسل أولي العزم.. وفرعون وهامان وجنودهما الذين أغرقهم الجليل في اليم؛ يجلّي حقيقة الصراع بين الحق والباطل، وأيهما أحق بالنصرة والغلبة، وحسن العاقبة والرفعة، ولو بعد حين.. {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}!

هُـــدَى لا هَــــوَى..!
في هذا اليوم الكريم تصوم البيوت المباركة؛ اتباعاً لسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيترقب أفراد البيت ليالي التاسع والعاشر والحادي عشر؛ كلها أو بعضها، لابتدارها بالسحور والاستعداد للصوم؛ رغبة وطمعاً في ثواب المولى جل وعلا.

كما يستحب حث الصغار على صومه، كما في حديث الربيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار" (رواه البخاري ومسلم).

وما بين سنة متبعة.. وعبادة فاضلة.. درس آخر منظور في حقيقة الأهواء التي ابتدعها أناس لا تكفيهم السنة المطهرة! ولا تغنيهم العبادة المشروعة! فيسلمون عقولهم وقلوبهم للشياطين تعبث بها في أودية الهوى والبدعة بطقوس ضالة ما أنزل الله بها من سلطان {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}..!

أمة ورسالة..!
"أمة الوسطية" هي "الحقيقة الكبرى" التي تتجلّى في هذا اليوم.. واقعاً وتاريخاً ورسالة!
أمة الوسط (الحق والعدل) بين أهل الغلو.. وأهل الغفلة!
أمة القرآن والسنة.. بين أهل الهوى والبدعة!
أمة التوقير والتعظيم للرسل أولي العزم والهمة!
هذه أمتنا.. وهذه رسالتها.. فمن أراد أن ينتسب ويحتسب؛ فالله جل وعلا بثوابه وفضله أكرم وأقرب!
و"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"!

حروف الختام..
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه (رواه البخاري).
وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" (رواه مسلم).
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية"(رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" (رواه مسلم).




رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:40 PM

عاشوراء: تنبيهات وأحداث
د. مهران ماهر عثمان



بسم الله الرحمن الرحيم

عاشوراء: تنبيهات وأحداث

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن في تعدُّدِ مواسم الخيرات فرصةً للمؤمنين لا يحسُن بمسلم أن يغفل عنها، ومن هذه المواسم عاشوراء، وهذه تنبيهات تتعلق بها، ووقفات مع أحداثها، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه.

عاشوراء وتاسوعاء
عاشوراء: العاشر من شهر الله المحرم.
وتاسوعاء: التاسع منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "عاشوراء العاشر من المحرم" رواه الترمذي.

مشروعية صوم عاشوراء
مرَّ فرضُ الصوم بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: صوم ثلاثة أيامٍ ويوم عاشوراء.
المرحلة الثانية: كان الصوم بالخيار، من شاء صام رمضان، ومن شاء أفطر –وإن كان صحيحاً مقيماً- وأطعم عن كل يوم مسكيناً. قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة/184].
المرحلة الثالثة: فرض صوم رمضان، وذلك بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183]، فانتقل الفرض من صيام عاشوراء إلى صيام رمضان.
قال ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: "لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء". قال ابن حجر رحمه الله: "ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه"([1]).

فضل صوم عاشوراء
ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُعنى بصوم عاشوراء، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إلا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ" -يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ- رواه البخاري.
ويتحرى: يتقصد صومه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم.

صوم تاسوعاء
من الأكمل أن يصوم الإنسان التاسع والعاشر من المحرم؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما صامه وأمر الناس بصومه، قال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ». فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ, وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ, كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ, ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ. الثَّالِثَ: الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ"([2]).
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ فِي عَاشُورَاءَ: «لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»([3]).

لو أفرد أحدنا عاشوراء بالصوم هل يكون مكروهاً؟
الجواب: قال شيخ الإسلام : "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ"([4]).

عاشوراء في الجاهلية
صيام عاشوراء كان معروفا في الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك"([5]).

فماذا لو وافق عاشوراء يوم السبت؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الإرواء (960).
ومن العلماء من حكم على الحديث بالاضطراب، وعلى القول بصحته فإنَّه يجب علينا أن نوفق بين الأحاديث عند التعارض بدلاً من الترجيح الذي ينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، فالجمع بين النصوص وإعمالها أولى من الترجيح وتعطيل بعضها كما هو مقرر عند علمائنا.
فعلى القول بصحة حديث النهي عن صوم السبت فإنه يتوجه إلى من صام السبت لكونه سبتاً، أما من صامه لكونه عرفةً أو لكونه عاشوراء فلا حرج عليه. فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحجة وفيها السبت، وندب إلى صوم داود عليه السلام ولابد أن يصادف سبتاً، وندب إلى صوم الأيام البيض ولابد أن تمر على أسْبُتٍ كثيرة. ولا بأس من إفراد الجمعة بالصوم كذلك لكونه عرفة أو لكونه عاشوراء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أتصومين غدا»؟ قالت: لا. قال: «فأفطري». فقوله: «أتصومين غدا»؟ يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة، فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه"([6]).

من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟
لا يقضى صومه لفوات وقته. والضابط فيما يقضى وما لا يقضى أنَّ كلَّ نفلٍ قيد بسبب كالكسوف، أو قيد بوقت كالأيام البيض وعاشوراء، فإنه لا يقضى إذا فات وقته أو سببه.

صوم عاشوراء بنية القضاء
يصح أن يصوم المسلم في عاشوراء ويريد بذلك القضاء، ولكنه لن يكون عاشوراء وإنما هو القضاء. وكل عملين مقصودَين لا يمكن تشريك النية فيهما، بل لابد من الإتيان بهما. ولا بأس من أن يصوم عاشوراء ثم يصوم القضاء بعده، ولو تيسر صوم القضاء أولاً فهذا أولى.

ماذا يكفر صوم عاشوراء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط"([7]).
ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذا رمضان، فكيف بالنفل؟

تنبيه مهم
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([8]) عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك.. فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم، والحزن، والعطش، وغير ذلك من الندب، والنياحة، وشق الجيوب. هل لذلك أصل أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح، ولا في السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء، ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء السفينة على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة». ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن، إما ملاحدة زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى. وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى".

عاشوراء وكربلاء
في عاشوراء قتل الحسين رضي الله عنه.
فما قول أهل السنة في يزيد بن معاوية؟ وما قولهم في مقتل الحسين؟ وفيمن قتل الحسين؟
أما يزيد فلا نحبه ولا نسبه؛ فهو لم يأمر بقتله ولا انتصر له.
وقد سأل صالح أباه الإمام أحمد فقال: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد؟ قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وقيل له: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟
وفي أهل السنة من لعنه كأبي الفرج، ولعن يزيد مسألة -كما قال ابن تيمية- يسوغ فيه الاجتهاد.
والقول المختار: لا نسبه ولا نحبه، هذا قول أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
لا نسبه لأن السب ليس من سمات المؤمن، وحسب المؤمن إذا ذكر الظالمون أن يقول بقول الله: {ألا لعنة الله على الظالمين}، ولا نحبه لأن المؤمن مع من أحب، ولا يرجو أحد أن يكون مع يزيد، ولم يصدر عنه عمل صالح يقتضي محبته، بل كان في عهده مقتل الحسين وواقعة الحرة ، فكيف يحب([9])؟
وأما من قتل الحسين فنقول فيه ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: "من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً "([10]).
وقتله مصيبة لنا وكرامة له..
كرامة له "فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكانا قد تربيا في عز الإسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيته، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة؛ تكميلاً لكرامتهما، ورفعاً لدرجاتهما"([11]).
وهو مصيبة عظيمة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقتله مصيبة عظيمة"([12]).
وقد شرع الله لنا أن نصبر على المصائب ونحتسب أجرها من عنده، وحرم علينا النياحة ولطم الخدود، فما يفعله الشيعة في يوم عاشوراء لهدي جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»([13]). فكيف بمن جرح الخدود والوجه والأجساد وأسال منها دماءها؟! وقد وقفت على كثير من النصوص في الكافي للكليني تحرم النياحة، فلماذا يخالفون كتابهم؟!!
ولا علاقة لصوم عاشوراء بمقتل الحسين رضي الله عنه، بل نصومه لأن الله تعالى نجّى فيه كليمه موسى عليه السلام، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نصومه لذلك.

--------------------
[1] / فتح الباري (4/ 247).
[2] / المجموع شرح المهذب (6/383).
[3] / الفتاوى الكبرى (6/175).
[4] / الفتاوى الكبرى (5/378).
[5] / فتح الباري (4/248).
[6] / انتهى من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (20/57).
[7] / الفتاوى الكبرى (5/344).
[8] / مجموع الفتاوى (25/299-301).
[9] / راجع لذلك كله الفتاوى لابن تيمية (3/412-488) .
[10] / الفتاوى (4/487) .
[11] / الفتاوى (4/511) .
[12] / السابق .
[13] / صحيح البخاري .

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:42 PM

http://saaid.net/mktarat/mohram/3ashora-s.jpg



http://www.almeske.net/upload/123.gif

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:44 PM

البعد التاريخي للتهنئة بالعام الهجري

عمر بن عبد الله المقبل

الحمد لله، وبعد:
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلة على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد، وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- نجد الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من البعد، ومن مضارعة النصارى، ففي ذلك نظر.
إن مما يلفت النظر أن بعض من منعها من أهل العلم ربما اعتمد على أمور منها: أنها عادة تسربت من النصارى، وهذا وجه قوي –عنده- للمنع.
وقد رأيت - بعد البحث - أن هذا القول (أعني تسربها من النصارى) لا يساعده البحث العلمي، بل لو قال قائل: إن العكس هو الصحيح لم يكن بعيداً من الصواب، وبرهان ذلك ما يلي:
قال السيوطي -رحمه الله تعالى - في رسالته "وصول الأماني بأصول التهاني" 1/83، والتي قال في مقدمتها: "فقد كثر السؤال عن ما - هكذا كتبت - اعتاده الناس من التهنئة بالعيد والعام والشهر والولايات ونحو ذلك... هل له أصلٌ في السنة؟ فجمعت هذا الجزء في ذلك:
(قال القمولي في "الجواهر": لم أر لأصحابنا كلاماً في التهئنة بالعيدين والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، ورأيت - فيما نقل من فوائد الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري - أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟.
فأجاب: بأن الناس لم يزالوا مختلفين في ذلك، قال: والذي أراه أنه مباح، ليس بسنة، ولا بدعة، انتهى) أي كلام أبي الحسن المقدسي -.
ونقله الشرف الغزي في شرح المنهاج، ولم يزد عليه " انتهى كلام السيوطي.
وهذا النقل عن القمولي تتابع على نقله متأخرو الشافعية في مصنفاتهم في الفقه، كالشربيني وغيره.
مما سبق في نقل السيوطي يستفاد ما يلي:
الأول: أن السؤال عن هذه المسألة قديم، أي أن التهئنة بالعام الهجري تعود إلى القرن الخامس، فإن الحافظ أبا الحسن المقدسي (ت: 611) رحمه الله يسأل عنها، وإذا كان قد توفي عام (611) فهذا يعني أنه عاش أكثر عمره في القرن السادس الهجري.
ومثله تلميذه الحافظ عبد العظيم المنذري -رحمه الله تعالى- صاحب الترغيب والترهيب (ت: 656).
وهذا ما وقفت عليه، وربما لو تتبع باحث لوجد لذلك بعداً تاريخياَّ أقدم.
وإذا علمنا أن أوروبا كانت في تلك الفترة تعيش حقبة ما يسمى بالعصور الوسطى، والتي هي أكثر العصور انحطاطاً - في تقدير الأوربيين أنفسهم - وفي المقابل كانت الأمة الإسلامية، ما زالت قوتها مصدر هيبة للأعداء، وما زالت فتوحات الإسلام تواصل زحفها في شمال الأندلس غرباً، وأقاصي الصين شرقاً.
وقد جرت العادة أن الضعيف هو الذي يقلد القوي، وعليه.. فما المانع أن تكون التهاني بالأعوام الجديدة متلقاة عن المسلمين، أخذها النصارى عنهم؟.
وكون هذا يربط بعيد عند النصارى، لا يؤثر على حل التهنئة بالعام؛ فإن التهنئة شيء، والعيد شيء آخر.
وهذا -فيما يظهر - يضعف القول بأن التهنئة بالأعوام جاءت من قبل النصارى، والذي بنى عليه بعض الفضلاء من أهل العلم منعهم لها.
الثاني -مما يستفاد من نقل السيوطي-: أن الحافظ أبا الحسن المقدسي يرى التوسط في ذلك، وهو القول بالإباحة، فلا هي سنة ولا هي بدعة، وهذا -والله أعلم- مبني على أن التهاني من باب العادات، فلا يشدد فيها.
وهذا الفهم، هو الذي فهمه العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- ، ففي كتاب "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" للشيخ عبد الله بن عقيل (وهو كتاب حوى مراسلات بينه وبين شيخه العلامة عبد الرحمن بن سعدي) جاء في ص (174) أن الشيخ ابن سعدي كتب لتلميذه ابن عقيل كتاباً في 3/محرم/1367هـ، وكان في ديباجة رسالته: "... ونهئنكم بالعام الجديد، جدد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".
أقول: فلعل العلامة السعدي بنى تهنئته على هذا الأصل، وقد قرر ذلك في شرحه على منظومته في "القواعد".
وقد رأيت لجماعة من مشايخنا - حفظهم الله وبارك فيهم- توسطاً آخر، فقالوا: لا يبتدأ بها، ولا ينكر على من فعلها، وهذا رأي أشياخنا: الشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد الكريم الخضير.
ومما يستأنس به ، أن كبار علمائنا كشيخنا ابن باز، وشيخنا ابن عثيمين كانوا يرخصون في التهئنة بدخول رمضان (كما سألتهم عن ذلك بنفسي) وهو مثبت في فتوى نشرت في الموقع سابقاً؛ فالأمر في التهئنة بالعام الهجري أسهل، لأن رمضان موسم عبادة، بخلاف تجدد الأعوام، فهو أمرٌ هو بباب العادات ألصق، كما تقدمت الإشارة إليه، وعليه فلا يحسن التشديد في هذا الأمر، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.

رقية مبارك بوداني 27-10-14 05:45 PM

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فضائل المحرم

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "اعلموا -رحمكم الله- إخواني، أن شهر المحرم شهر شريف القدر، وإنما سمي المحرم لأن القتال كان يحرم فيه" (التبصرة 2/6).

فهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله -تعالى- فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].
قال القرطبي: "خص الله -تعالى- الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهي عن الظلم فيها تشريفا لها، وإن كان منهيا عنه في كل الزمان".
وذكر في معنى قوله -تعالى-: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} قائلا: أي بارتكاب الذنوب، لأن الله -سبحانه- إذا عظم شيئا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام. ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ليس ثوابه من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال" (الجامع لأحكام القرآن 8 / 134).

صيام المحرم

ومن فضائل شهر المحرم ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أفضل الصيام، بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم » [رواه مسلم].
قال النووي: "فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم" (شرح مسلم 7/296).

وقال ابن رجب: "وهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم... ولكن يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم شهر شعبان، ولم ينقل أنه كان يصوم المحرم، إنما كان يصوم عاشوراء، وقوله في آخر سنة: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» [رواه مسلم]. يدل على أنه كان لا يصوم قبل ذلك.

وقد أجاب الناس على هذا السؤال بأجوبة فيه ضعف والذي ظهر لي -والله أعلم- أن التطوع بالصيام نوعان:
أحدهما: التطوع المطلق بالصوم، فهذا أفضل المحرم، كما أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام الليل.
والثاني: ما صيامه تبع لصيام رمضان قبله وبعده (كصيام شعبان وست من شوال)، فهذا ليس من التطوع المطلق إنما هو نوع من الصيام ملتحق برمضان وصيامه أفضل من التطوع مطلقا (لطائف المعارف باختصار ص 46).

شهر الله :

وقال أيضا: "وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله -تعالى- لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمد وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ونسب إليه بيته وناقته.
وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله -عز وجل-: إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله -عز وجل- ليس لأحد تبديله، كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمونه مكانه صفرا، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغيره.

شهر الحرام مبارك ميمون *** والصوم فيه مضاعف مسنون
وثواب صائمه لوجه إلهه *** في الخلد عند مليكه مخزون
(لطائف المعارف ص 49)

صيام عاشوراء

وأما صيام عاشوراء ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فرأى اليهود يصومونه ويقولون: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» [رواه مسلم] فصامه وأمر بصيامه.

وفي الصحيحين من حديثه سلمة بن الأكوع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس: «أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» [اللفظ للبخاري].

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام عاشوراء قصد للثواب والأجر العظيم فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر -يعني شهر رمضان-" [متفق عليه، اللفظ للبخاري].

وسئل النبي -صلى الله عيه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء فقال: «يكفر السنة الماضية» [رواه مسلم].
وفي لفظ: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم] قال ابن الجوزي: "وفي الجملة فهو يوم عظيم ينبغي أن يفعل فيه ما يمكن من الخير، فهو و أمثاله مواسم الخيرات فاغتنموها واحذروا الغفلات".

حكم صيام عاشوراء

وردت أحاديث -ذكرنا بعضها- تدل على الوجوب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بصيامه، بل أمر من أكل أن يمسك ويتم الصيام.
ومن العلماء من يرى أن صيامه منسوخ بصيام شهر رمضان.
ومنهم من يرى أن النسخ إنما هو للوجوب وأن الاستحباب ما زال باقيا.

مراحل صيام عاشوراء

وقد ذكر ابن رجب -رحمه الله- أن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لعاشوراء كان على أربع حالات:
الحالة الأولى: أنه كان يصوم بمكة لا يأمر الناس بصيامه.

الحالة الثانية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة، ورأي صيام أهل الكتاب له، وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه وأمر الناس بصيامه، وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم قالت الربيع بنت معوذ: "أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة:
«من كان أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه» قالت: فكنا، بعد ذلك، نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن. فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناها إياه عند الإفطار. [رواه مسلم] وفي رواية: فإذا سألونا الطعام، أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم. [رواه مسلم].

الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه.

وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:
"صام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك" [اللفظ للبخاري].

وفي رواية لمسلم: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه».

الحالة الرابعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عزم في آخر عمره على ألا يصومه مفردا، بل يضم إليه يوما أخر، مخالفة لأهل الكتاب في صيامه.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [رواه مسلم].

وفي رواية أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر». [المحدث: البهوتي، إسناده جيد] (لطائف المعارف ص 68-72 باختصار).
فهذه هي الحالة الأخيرة التي توفي عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أعدل الأقوال في صيام عاشوراء

وأعدل الأقوال هو استحباب صيام عاشوراء واستحباب أن يصوم معه التاسع مخالفة لأهل الكتاب، وعدم مشابهتهم في اتخاذه عيدا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع، لأن هذا آخر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر» كما جاء ذلك مفسرا في بعض طرق الحديث فهذا الذي سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (مجموع الفتاوى 25/312).

وقال ابن رجب: "وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد، وممن روى عنه صيامه من الصحابة: عمر وعلى، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو موسى وقيس بن سعد، وابن عباس وغيرهم". (لطائف المعارف ص 71).

مراتب صيام عاشوراء

وقد رأى بعض العلماء أن يصوم يوما قبله ويوما بعده حتى يدرك يوم العاشر يقينا.
فقد روى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه كان يصوم عاشوراء في السفر، ويوالي بين اليومين خشية فواته.

وكذلك روي عن أبي إسحاق أنه صام يوم عاشوراء ويوما قبله ويوما بعده وقال: إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني.
وروي عن ابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة أيام عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطا.

ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم. ويلي ذلك يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم" (زاد المعاد 2 / 76).

احذروا البدع :

وهناك كثير من البدع ترتكب في هذا اليوم، لم يشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها شيئا لأمته، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فبعد أن ذكر المشروع في صيام عاشوراء قال: "وأما سائر الأمور، مثل اتخاذ طعام خارج العادة أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب أو الاغتسال، أو التصافح (يقصد التهنئة) أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، لا مالك ولا الثوري ولا لليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي، ولا الشافعي، ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهوية، ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين، وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك ويرون في ذلك أحاديث وآثارا ويقولون: إن بعض ذلك صحيح فهم مخطئون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور وقد قال حرب الكرماني في مسائلة: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: «من وسع على أهله يوم عاشوراء» فلم يره شيئا" (مجموع الفتاوى 25/312).

نصح وتذكير:

- الصيام سر بين العبد وبين ربه ولهذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -عز وجل-: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» [رواه مسلم].

- و«إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد ومن دخله لم يظمأ أبدا» [صححه الألباني].

- «الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال» [صححه الألباني].

- «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» [رواه مسلم].

- قال -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].
- قال مجاهد وغيره: نزلت في الصوم من ترك لله طعامه وشرابه وشهوته، عوضه الله خيرا من ذلك طعاما وشرابا لا ينفد وأزواجا لا تموت.

من يرد ملك الجنان ليذر عنه التواني *** وليقم في ظلمة الليل إلى نور القرآن
وليصل صوما بصوم إن هذا العيش فاني *** إنما العيش جوار الله في دار الأماني

إخفاء الطاعات:

- لما كان الصيام سرا بين العبد وربه، اجتهد المخلصون في إخفائه بكل طريق، حتى لا يطلع عليه أحد.

- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: إذا أصبح أحدكم صائما فليرجل شعره ويدهنه وإذا تصدق بصدقة عن يمينه فليحفظها عن شماله، وإذا صلى تطوعا فليصل داخل بيته.

- وقال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم أدهن ولبس صالح ثيابه.

- صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد وكان له دكان فكان كل يوم يأخذ من بيته رغيفين، ويخرج إلى دكانه، فيتصدق بهما في طريقه، فيظن أهله أنه يأكلها في السوق ويظن أهل السوق أنه قد أكل في بيته قبل أني جيء.

- كم يستر الصادقون أحوالهم، وريح الصدق ينم عليهم!.

- ما أر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها.

- ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فكلما اجتهد صاحبه على إخفائه، فاح ريحه للقلوب، فتستنشقه الأرواح وربما ظهر بعد الموت ويوم القيامة.

- لما دفن عبد الله بن غالب، كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك فرئي في المنام، فسئل عن تلك الرائحة التي توجد في قبره فقال، تلك رائحة التلاوة والظمأ.

- وهبني كتمت السر أو قلت غيره *** أتخفي على أهل القلوب السرائر
- أبى ذاك إن السر في الوجه ناطق *** وإن ضمير القلب في العين ظاهر
(مختصر من لطائف المعارف ص: 50 - 54)


مدار الوطن
إعداد: خالد أبو صالح

-بتصرف يسير-



رقية مبارك بوداني 17-10-15 01:57 PM



الساعة الآن 08:27 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .