ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=195)
-   -   تفريغ الدرس السابع من شرح الأصول الثلاثة (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=2167)

الغريـــبة 09-02-07 03:02 PM

تفريغ الدرس السابع من شرح الأصول الثلاثة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخواتي الحبيبات..

هذا تفريغ الدرس السابع من شرح الأصول الثلاثة..

ومتأسفة جــــــــدا للتأخير..

استغلالاً للوقت وضعته بالمرفقات وان شاء الله سأنسقه وأضعه في هذا الموضوع لاحقاً..


جزاكم الله خيراً..

وأعاننا الله وإياكم على طلب العلم.. والعمل به.. لرفع الجهل عن أنفسنا أولاً وعن أمتنا الحبيبة ثانياً..


ودمتم على طاعة الله..

أم البراء 09-02-07 04:20 PM

ما شاء الله تبارك الرحمن ..جزاك الله خيرا يا أم أسامة ..

عمل جميل..وأثق أنه بإتقان كما عودتينا ..

بارك الله فيك..وأجزل لك العطاء..

الغريـــبة 09-02-07 04:22 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضلّ الله له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون" [آل عمران:102]

ضمن دروس العقيدة, وضمن دروس الأصول فهذا هو الدرس السابع من هذه الدروس, نسأل الله علماً نافعاً وعملاً صالحاً.

وقد انتهى بنا الحديث عند قول المؤلف -رحمة الله تعالى عليه-:
" وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: -أي الإيمان- (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ). "

وقد سبق الكلام على أركان الإيمان, وبقي ما لم نشرحه عند قوله: "وتؤمن بالقدر خيره وشره"
أي من أركان الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره, والقدر تعريفه كما قال العلماء: ما سبق به العلم, وجرى به القلم, مما هو كائن إلى الأبد, وأنه -عز وجل- قدّر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل, وعلم -سبحانه- أنها ستقع في أوقات معلومة عنده -تعالى- وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها -سبحانه وتعالى-.
والإيمان بالقدر من أركان الإيمان الستّة, فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور.. أو مراتبه أربعة:
1- الإيمان بأنّ الله علم بكلّ شيء جملة وتفصيلاً, أزلاً وأبداً, أي أنّ الله العالم بكل شيء, والآيات كثيرة:
"والله بكل شيء عليم"
"إنّ الله بكل شيء عليم"
2- الإيمان بأنّ الله كتب ذلك باللوح المحفوظ, والدليل على هذه والمرتبة التي قبلها, قوله -تعالى-:" ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير "
3- الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله, فلا يحدث شيء في الكون إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- "وربك يخلق ما يشاء ويختار"
4- الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله, فالله -عز وجل- كما قال: "الله خالق كل شيء"

وحقيقة.. الإيمان بالقضاء والقدر له ثمرات ذكرها الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-, منها:
1- الاعتماد على الله -عز وجل- عند فعل الأسباب, بحيث لا يعتمد على السبب نفسه لأن كل شيء بقدر الله.
2- الّا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده, لأن حصوله نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح, وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
3- الطمأنينة الراحة النفسية بما يجري عليه من أقدار الله –عز وجل-, فلا يقلق بفوات محبوب, أو حصول مكروه لأن ذلك بقدر الله, هناك حديث حقيقة عظيم ينبعي على المسلم والمسلمة أن يضعه أمام عينيه, حديث مشهور في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام وجفت الصحف" هذه قاعدة.. حديث عظيم لكنها قاعدة, من وضعه أمام عينيه فلن يخاف وسينشرح صدره وسيكون سعيداً فرحاً مطمئناً غاية الاطمئنان.

قال المصنف –رحمه الله-:
" وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَةِ: قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة: 177].
ودليل القدر: قَوْلُهُ -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )[القمر: 49]. "

أي دليل هذه الأركان الستة -الإيمان بالله أن تؤمن بالله وملائكته....الخ- هذه الآية "ليس البرّ أن تولوا وجوهكم" كما هو معلوم أنه لما حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حدثت فتنة, فناس آمنوا وازداد إيمانهم من المؤمنين, وأهل الكتاب تكلموا, وأهل النفاق تكلموا, وارتدّ بعض الناس, وأهل الشرك تكلموا, فأخبر الله -عزّ وجلّ – أنه:
"ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" يعني سواء بيت المقدس أو الكعبة, ليس البر كله ان تصلوا إلى البيت المقدس عندما حوَّل إلى الكعبة.
"ولكن البرّ من آمن بالله" أن يؤمن.. الإيمان.. العبرة بالإيمان.. أي بتفرد الله -تعالى- بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
"واليوم الآخر" كل ما يتعلق باليوم الآخر كما مر معنا في الدرس الماضي.. بالبعث والحساب والحشر والموت وعذاب القبر ودنو الشمس من الخلائق والجنة والنار إلى غير ذلك.
"والملائكة" أي بوجودهم, وأشرفهم السفرة, وأنهم عالم غيبي, معبودون لله -عز وجل-, لا يعصون الله ما أمرهم.
"والكتاب" أي بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء.
"والنبيين" أي وآمن بأنبياء الله من أولهم إلى آخرهم.

والقدر دليله على أنه من أركان الإيمان ولا يستقيم الإيمان إلا به: قول الله -عز وجل-: "إنا كل شيء خلقناه بقدر" فكل شيء في الكون بقدر الله -عز وجل-, نعم.. ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خير منها" قالت أم سلمة: فقلت هذا الحديث ثم قلت من خير من أبي سلمة رجل هاجر وقتل في سبيل الله؟, فأخلفها الله -سبحانه وتعالى- بمن؟ بالنبي –صلى الله عليه وسلم-.. الله أكبر..

قال المصنف:
" الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ, أركانه: وله رُكْنٌ وَاحِدٌ. كما فى الحديث: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللّـهَ مَعَ الّـَذِينَ اتَّقَواْ وَّالّـَذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾[النحل: 128]. وقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء: 217 ـ 220]. "

نعم المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان هي الإحسان, وقد سبق شرحها وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها:
"أن تعبد الله كأنك تراه" نعم.. وإن هذه العبادة.. عبادة الإنسان ربه كأنه يراه من أجل العبادات, والإنسان في هذه العبادة يجد في نفسه حثاً على طاعة الله -عز وجل- لأنك تعبد الله كأنك تراه, فيعبده كأنه يراه فيعبده ويقصده وينيب إليه ويتقرب إليه, فهي عبادة جليلة من أعلى العبادات.
"فإن لم تكن تراه فإنه يراك" أي وإن لم تعبده على استحضار الدرجة الأولى, درجة المراقبة فاعلم أنه يراك سميع عليم بصير, مطّلع على جميع خفيّاتك, فهذه درجتان إحداهما اكمل من الأخرى, فإن لم تحصل عبادة الله كأنك تشاهده فاعبده على مرأى من الله وأنه سميع عليم بجميع ما تفعله.

نعم.. ثم ذكر المصنف –رحمه الله- :
" وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ: عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـذات يوم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ فَقَالَ: ( أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ). قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ:(أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ). قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: (مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ). قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: ( أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ). قَالَ: فَمَضَى، فَلَبِثْنَا مَلِيَّا، فَقَالَ: ( يَا عُمَرُ أَتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟ ). قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ( هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُم ). "
فهذا الحديث يدل على أمور:
1- أن الإسلام غير الإيمان, وأن الأسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة, ويدل ذلك أيضاً من القرآن , قوله -تعالى-: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا".
2- أن مراتب الدين هي الثلاثة التي سبقت وهي: الإسلام والإيمان والإحسان, فإن جبريل لما سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ قال النبي: "فإنه جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم" فسموه تعليم, فهذا يدل على أن مراتب الدين هي هذه الثلاثة.

وقبل أن ننتقل إلى الأصل الثالث.. هنا فائدة جليلة من حديث جبريل أذكرها وإن كانت ليست من الدرس, لكن كما عوّدناكم نذكر لكم بعض الفوائد المهمة.
في حديث جبريل فوائد كثيرة لكن أذكر أهمها:
1- استحباب السؤال في العلم, وقد قال الله –عز وجل-: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وقد قيل: السؤال نصف العلم.
2- -هذه فائدة مهمة فانتبهوا إليها-.. ينبغي لمن حضر مجلس علم ورأى أن الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما, ولم يسأل عنها أحد أن يسأل هو عنها, وإن كان هو يعلمها لينتفع أهل المجلس بالجواب, فقد كان غرض جبريل من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون, وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: " فإنه جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم" فائدة عظيمة ينبغي أن ننتبه إليها, أحياناً الواحد منا يكون في مجلس, ويكون في طالب علم أو عالم وأعرف أن الناس لا يعلمون المسألة هذه, مثلاً مسألة من المسائل.. مثلاً لا يعرفون أن الغناء حرام, أو لا يعلمون مثلاً أن إتيان الكهان حرام, أنا أعرف لكن أسأل العالم سؤال وإن كنت أعلمه لكن من باب أن يتكلم الشيخ حتى يعلم الحاضرين, فهذا ينبغي أن ينتبه لها اللبيب الموفق أن ينتبه وأن ننظر إلى جبريل فإنه سأل النبي فإنما فقط جاء ليعلم الناس, فمن سأل وهو يعلم لكن قصده ان ينتفع الموجودين فإنه قدم لهم خيراً كثيراً, وقدم لهم علماً عظيماً.. فانتبهوا لهذه الفائدة.
3- أن حسن السؤال من أسباب تحصيل العلم,
قيل لابن عباس: بم بلغت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول.
وقال الزهري: العلم خزانة مفتاحها المسألة.
وسئل الأصمعي: بم نلت ما نلت؟ قال: بكثرة سؤالي وتلقفي الحكمة الشرود.


** الأَصْــــــــلُ الثَّالِــــــــــثُ **

قال المصنف -رحمه الله-:
" الأصل الثالث: وهو معرفة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-, وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، "

هذا هو الأصل الثالث الذي ينبغي على المسلم أن يعرفه, وهذا الأصل من الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها, وهو النبي, لأنه –عليه الصلا ة والسلام- هو الواسطة بين الله وبين عباده, وعن طريقه يعرف الناس دينهم, وعن طريقه يعرف الناس أمور دينهم, فهو القدوة وهو الأسوة وهو المرسل من قبل الله -عز وجل- لنشر الحق, فلذلك ما دام الحق عن طريقه –عليه الصلاة والسلام- فلا بد أن نعرف هذا النبي.. معرفة مقتضاها التطبيق والعمل.
أما نسبه فكما قال ابن القيم: ( هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق, فلنسبه من الشرف اعلى ذروة, وأعداؤه كانوا يشهدون بذلك, ولهذا شهد به عدوه آنذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم),
فهو -عليه الصلاة والسلام- محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم, وهاشم من قريش , وقريش من العرب, والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, وهذا لا خلاف فيه, وقوله محمد هذا هو الاسم الأشهر وإلا فللنبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء:
"أنا محمد, أنا أحمد, وأنا الحاشر, وأنا المقطّع, وأنا العاقب"
وأيضاً قوله محمد.. هذا ذكر في القرآن أربع مرات:
1- قال -تعالى- في سورة آل عمران:" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"
2- وفي سورة الأحزاب قوله -تعالى-: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"
3- وأيضاً في سورة محمد قوله -تعالى-:" والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم"
4- وأيضاً في سورة الفتح: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"

قال المصنف -رحمه الله-:
" وَلَهُ مِنَ العُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً"
نعم.. جاء في الحديث عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات وله من العمر ثلاث وستون.

"مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلاثٌ وَعِشْرُون َ نبياً رسولاً "
نعم.. أربعون قبل النبوة فقد جاء بالحديث عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه وهو ابن اربعون سنة, فإذا كان عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما مات ثلاث وستون سنة, وثبت في حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه وهو ابن أربعون, فهذا يدل على أن مدة النبوة ثلاث وعشرون.

"نُبِّئَ بـ﴿اقْرَأ﴾"
أي كان نبياَ بماذا؟ بـ"اقرأ", بأوائل سورة العلق حين نزل عليه قوله -تعالى-: "اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم" والحديث معروف حين جاءه الملك وهو في غار حراء وكان يحب الخلوة.

"وأرسل بالمدثر"
أي صار رسولاً حين أنزل عليه "يا أيها المدثر, قم فأنذر, وربك فكبر, وثيابك فطهر, والرجز فاهجر" فقام –عليه الصلاة والسلام- وأنذر وقام بأمر الله.
وفي قول المصنف:(نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر) دليل على أن هناك فرق بين النبي والرسول, وهذا هو الحق لأنه المشهور عند الناس أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه, والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه وهذا خطأ, الصحيح أن الرسول هو من أرسله الله أو أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه لقوم كفار, والنبي هو الذي أوحي إليه بشرع أو بشرع رسول قبله وأرسل إلى قوم مؤمنين أمر بتبليغه ولم يأت بشرع جديد, إذن ما الفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول أتى بشرع جديد, بينما النبي جاء بشرع من قبله, وأما قضية أن النبي أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ لا, أرسل إليه وأوحي إليه.. إذن يبلغ , وقد جاء "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-:" يأتي النبي وليس معه أحد, وياتي النبي ومعه الرجل والرجلان"

قال المصنف -رحمه الله-:
" وبلده مكة"
أي الذي ترعرع فيها ونشأ بها, مكة المكرمة وهي أحب البقاع الى الله -تبارك وتعالى-, فقد جاء بالحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما تركها وهاجر منها قال:" والله لإنك لأحب البلاد إلي ولولا إني أخرجت منك ما خرجت " حتى قال ابن القيم:( ولا خلاف أنه ولد في جوف مكة.)

"وهاجر إلى المدينة"
وهذا أمر معلوم, فإنه لما قررت قريش قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل جبريل وأخبره بذلك.. وأخبره بمؤامرة قريش, أذن الله له بالخروج, فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وله آنذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- وهي منقبة عظيمة "لا تحزن إن الله معنا" رفيق النبي -صلى الله علي وسلم-, فلعن الله من يلعن الصديق, ولعن الله من يلعن الصديقة بنت الصديق, وغضب الله على من يلعن الصديق, وغضب الله على من يلعن الصديقة بنت الصديق.

قال المصنف:
" بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَبالَدْعُوة إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾[المدثر: 1ـ7]. وَمَعْنَى: ﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ. ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ. ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾: أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ. ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾: الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا"
ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة مما يعرف به النبي, وأعظمها وأعلاها معرفة ما بعث به النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه بعث بالنذارة من الشرك والدعوة إلى التوحيد, وهذه دعوة جميع الأنبياء "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" نعم.. والدليل على ذلك أنه أرسل وأمر أن يبلغ "يا أيها المدثر" هذي أول آية ارسل بها, وأول أمر طرق عليه في حال إرساله, نعم.. وذلك ان النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بحراء حين أنزل عليه "اقرأ" رعب منه, فأتى أهله فقال: "دثروني دثروني"
فأنزل الله "يا أيها المدثر" يعني يا أيها المدثر بثيابه المستغشي بها من الرعب.
"قم فأنذر" أي قم من اندثارك فأنذرهم وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا, وبهذا حصل الإرسال, كما حصل بأول النبوة. والإنذار ما هو؟ هو الاعلان المقرون بالتخويف.
"وربك فكبر" اي عظّم ربك عما يقول عبدة الأوثان.
"وثيابك فطهر" أي نفسك طهرها من الذنوب, كنّ النفس بالثوب لأنها تشتمل عليه, وهذا قول المحققين من أهل التفسير, وإلا هناك قول آخر معنى "وثيابك فطهر" يعني الثياب العادية, يعني طهرها من النجاسة.
"والرجز فاهجر" أي اترك الأوثان ولا تقربها.
"ولا تمنن تستكثر" أي لا تمنن بعملك على ربك تستكثره, وهذا اختيار ابن جرير الطبري -رحمه الله-, لأن العلماء اختلفوا في معنى "ولا تمنن تستكثر" فقيل: لا تمنن بعملك على ربك فتستكثره.. الإنسان لا يمن بعمله, وقيل: لا تضعف أن تستكثر من الخير, وقيل: لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها.. ورجحه ابن كثير.
"ولربك فاصبر" أي اصبر على طاعة الله وأوامره, أو على ما أوذيت به كأنه ما جاء نبي بمثل ما جاء به -عليه الصلاة والسلام- إلا ويُعذّب ويُتكلم عليه, وإلا يصاب من الابتلاءات ما هو معلوم.

"أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد"
أي أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان التوحيد والدعوة إليه, وبيان الشرك والإنذار منه عشر سنين, قبل فرض الصلاة التي هي عماد الدين, نعم.. إذن فحقيقة بعثة الأنبياء كلهم رسلاً مبشرين ومنذرين يدعون إلى التوحيد والتحذير من الشرك "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" "وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"

"وبعد العشر عرج به إلى السماء"
وهنا مباحث في قضية الاسراء والمعراج نرجو الانتباه لها:
1- الإسراء: لغة: السير بالشخص ليلاً, وشرعاً: سير جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس.
والمعراج: لغة: الآلة التي تعرج بها وهي المصعد, وشرعاً: السلم الذي عرج به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأرض إلى السماء.
2- الاسراء والمعراج ثابت في القرآن والسنة كما قالى -تعالى-:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا " فوصفه في هذا المقام العظيم, وفي هذه الليلة العظيمة بحق النبي -صلى الله عليه وسلم-.. وصفه بماذا؟؟ بالعبودية, والأحاديث كثيرة جداً في الإسراء كما هو معلوم.
3- ملخص ما حدث في الإسراء, أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبراق وهي دابة حتى جاء بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء, فوجد في السماء الأولى آدم, وفي السماء الثانية عيسى ويحيى, وفي السماء الثالثة يوسف, وفي الرابعة إدريس, وفي الخامسة هارون, وفي السادسة موسى, وفي السابعة إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور, وفرضت عليه الصلوات الخمس ثم رجع من ليلته. والاسراء والمعراج بالاتفاق كانت من مكة, وكان ذلك قبل الهجرة بالاتفاق, لكن ما يعرف متى, لكن بعض العلماء كالمؤلف يرى أنه قبل الهجرة بثلاث سنوات وبعضهم قبل الهجرة بسنة وبعضهم بسنتين.. والله أعلم.
4- والجماهير من أهل السنة والجماعة على أن الاسراء والمعراج كان بروحه وجسده يقظة مرة واحدة لا مناماً, نعم.. كان بروحه وجسده والدليل قوله -تعالى-:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا" والعبد عبارة عن ماذا؟ عن مجموع الجسد والروح كما أن الانسان اسم لمجموع الجسد والروح فقوله "بعبده" دليل على أن الاسراء كان بروحه وجسد.
5- عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ليلته وفرضت عليه الصلوات الخمس, نعم.. فرض الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى أمته الصلوات الخمس في هذه الليلة.. ليلة الاسراء والمعراج, فإنه معلوم كما جاء في الحديث: " فرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك" الحديث معروف فما زال يراجع بين الله وبين موسى حتى "قال الله: يا محمد, إن هن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة" نعم فقال إنهن خمس صلوات , لكن الانسان يأخذ أجر خمسين صلاة.

وهنا فائدة اذكرها كما عودناكم اذكر لكم بعض الأمور التي رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الاسراء والمعراج.. فنرجو الكتابة والحرص على المراجعة..
مما رآه ليلة الاسراء والمعراج:
1- قال -صلى الله عليه وسلم-: " لقيت إبراهيم ليلة أُسريَ بي فقال: يا محمد, أقرئ أمتك مني السلام, وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة, عذبة الماء, وأنها قيعان, وأن غراسها: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر"
2- قال -صلى الله عليه وسلم-:" مررت ليلة أُسريَ بي على موسى فرأيته قائماً يصلي في قبره"
3- قال -صلى الله عليه وسلم-:" مررت بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: اولئك الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" عند أبي داود هذا الحديث.
4- قال -صلى الله عليه وسلم-:" رأيت ليلة أُسريَ بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء خطباء من أمتك, يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسكم وهم يتلون الكتاب" والحديث رواه احمد.
5- قال -صلى الله عليه وسلم-:" ليلة اسري بي مررت على جبريل في الملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله" الله أكبر.. كالحلس البالي من خشية الله.

><>< يـ ـ ـتـ ـ ـبـ ـ ـع ><><


الغريـــبة 09-02-07 04:56 PM


ثم قال المصنف رحمه الله:
"ثم صلى في مكة ثلاث سنين"
أي فيكون الاسراء على رأي المؤلف قبل الهجرة بثلاث سنوات, هذا رأي المؤلف طبعا لكن كما قلنا لكم أن المسألة خلافية ولا يعلم تحديداً متى كان الاسراء, وكان -عليه الصلاة والسلام- كما هو معلوم يصلي الرباعية ركعتين, ثم في المدينة تمت صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر, تقول عائشة رضي الله عنها: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً وتركت صلاة السفر على الأول)

"وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة وَبَعْدَهَا أُمِرَ بالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْهِجْرَةُ الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلامِ.
وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بلد الإِسْلامِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تعالى-: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً )[النساء: 97ـ99]. وَقَوْلُهُ -تعالى-: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ )[العنكبوت: 56]. "

أُمر -صلى الله عليه وسلم- بمفارقة المشركين وأوطانهم بحيث يتمكن من اظهار دينه لأن القضية قضية ولاء وبراء وأن الانسان ينبغي أن يهتم بدينه, فإن الاهتمام بالدين هو أهم شيء وهو فرض وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب, فالهجرو واجبة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الاسلام, والدليل:"إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" يقول ابن كثير: قال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر, فأصيب فيه من أصيبوا.. فنزلت هذه الآية الكريمة عامة على كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حرام بالاجماع وبنص هذه الاية حيث يقول:
" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" أي بترك الهجرة
"قالوا فيم كنتم" أي لما مكثتم ههنا وتركتم الهجرة.
والآية التي بعدها " يا أيها الذين آمنوا إن أرضي واسعة" نعم.. أمر الله -عز وجل- عباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذين لا يقدرون فيه إقامة الدين, وأخبر أن الأرض غير ضيقة بل هي واسعة, تسع جميع الخلائق, فإذا كان الانسان في أرض لا يستطيع أن يظهر دينه فيجب عليه أن يرحل إلى أرض الله الواسعة.

"وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة, ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)"
نعم.. فالهجرة باقية إذا ما استطاع الانسان أن يظهر دينه أن يهاجر, والهجرة تكون واجبة ومستحبة, فتكون واجبة فيمن يقدر عليها ولا يمكن إظهار دينه, فهنا يجب إظهار دينه فهنا يجب أن يهاجر, وتستحب لمن يقدر عليها وهو متمكن من اظهار دينه في هذا البلد, فتستحب لكن ليست واجبة لأنه يستطيع أن يظهر دينه, لكن مستحبة ليتمكن من جهاد الكفار وتكثير المسلمين, ومن لا هجرة له هم الذين يعجز عن عليها لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف.

"فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، مِثلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ"
من المعلوم أنه لما هاجر -عليه الصلاة والسلام- من مكة إلى المدينة, واستقر بها, وفشا التوحيد وانتشر, بدأت بقية شرائع الاسلام تشرع, فشرع الصيام في السنة الثانية, الزكاة في السنة الثانية قدرت أنصبتها في السنة الثانية, لكن بمكة فرضت فرضاً عاماً "وآتوا حقه يوم حصاده" لكن لم تحدد أنصبتها.. يعني نصاب الغنم أربعين, ونصاب الإبل خمس, ونصاب البقر ثلاثين, هذه حددت متى؟ حددت في المدينة, وكذلك الحج فرضت في السنة التاسعة بالقول الراجح في قوله -تعالى-:" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"

"أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ ـ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ ـ وَدِينُهُ بَاقٍ. "
أي أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين بعد هجرته, توحى إليه الشرائع في المدينة وبعدها توفّي -عليه الصلاة والسلام-, وتوفي ولا خلاف أنه توفي -عليه الصلاة والسلام- في يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول, دينه باقي.. لماذا؟ لأنه الدين العام ليوم القيامة, هو الدين الكامل, الغير المنسوخ الذي ختم الله به الأديان.

"وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَالشَّرُ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ الشِّرْكُ، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ , بَعَثَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا ﴾[الأعراف: 158]. وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِين ﴾[المائدة: 3]."
نعم.. ما في خير ولا نعمة ولا شيء فيه نفع لنا إلا دلنا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا شر إلا حذرنا منه, عزيز علينا رؤوف بنا كم قال -صلى الله عليه وسلم-:" إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم"
وأخرج الطبراني عن أبي ذر قال: تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم"
فهذا الحديث النبوي الشريف فيه التصريح الجلي الواضح بأن كل ما يقرب إلى الجنة قد بينه لنا النبي -عليه الصلاة والسلام- فأي بدعة بعد ذلك معناها أن الدين غير كامل أو أن النبي لم يبلغ نعم .. نعم فالبدعة خطيرة, أكمل الله به الملة "اليوم أكملت لكم دينكم" نزلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم عرفة "وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" هذه من أعظم النعم أن ديننا لا يحتاج إلى زيادة ونبينا -عليه الصلاة والسلام- لسنا بحاجة إلى غيره -عليه الصلاة والسلام-
نعم بعثه الله إلى الناس كافة.. نعم فالنبي مرسل لجميع الناس فاليهودي يجب أن يؤمن بمحمد وكذلك النصراني والإنس والجن
" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا "
" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا "
"وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا "
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- :" أعطيتُ خمساً لم يعطهن أحد قبلي وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" هذه من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه أعطي الشفاعة "وأحلت لي الأرض وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا وأعطيت الشفاعة "...
هذه خصائص ويدل على وجوب ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:" لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا دخل النار"
وواجب على الجميع ، على جميع الأمة طاعته "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون"

"والدليل على موته..(إنك ميت وإنهم ميتون)"
أي إنك يا محمد ستموت وقام أبو بكر -رضي الله عنه- لما توفي رسول الله يبكي وقال:(بأبي أنت وأمي .. أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها " أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم")
مــــات -عليه الصلاة والسلام- فهل من معتبر ؟ وهل من متعظ ؟ كل سيموت إذا محمد -عليه الصلاة والسلام- خير البشرية وخير من وطئت رجله الثرى مات فغيره سيموت من باب أولى فهل من معتبر؟! وهل من متعظ ؟!

"والناس إذا ماتوا يبعثون"
نعم الإيمان بالبعث أحد أركان الإيمان الستة وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية,
"والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا"
"ثم إنكم بعد ذلك لميتون"
"زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن"
"وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي"

ثلاث أمر الله نبيه أن يقسم بها فاحفظوها :
الأولى : "ويستنبئونك أحق قل أي وربي إنه لحق"
ثانياً : "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي"
الثالثة: في سورة سبأ:" وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب"

وأيضا هذا مقتضى الحكمة "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون" يعني الله يخلق الخليقة ثم يتركهم هكذا هذا منافي لحكمة الله -عز وجل-.. والله منزه عن العبث

"ومن كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى:(زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثمم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير)"
لأنه مكذب للقرآن .. والقرآن من أوله إلى آخره الأدلة تنوعت في البعث "زعم الذين كفروا" سماهم كفار فكفرهم "أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن"

وسورة البقرة في خمسة أدلة تدل على قدرة الله على البعث :
1- "وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون"
2- "فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون"
3- "ألم ترى إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم"
4- "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي الله هذه بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه"
5- "وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم"

"وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم والدليل قوله تعالى:(ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)"
نعم.. كما قال الله -عز وجل-:"إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم"
"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" كرم..
"ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون"
قد أجمع المسلمون على اثبات الحساب والجزاء على الأعمال.. نعم.. "فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين" "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"

"وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين"
نعم وهذا كما قلنا مرارا من أول الدرس أن هذه مهمة الرسل مبشرين ومنذرين
مبشرين لمن آمن بالجنة ، ومنذرين الكفار بالنار لمن كفر بالقرآن
"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
"واسأل من أرسلنا من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"

"وَأَّولُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُمْ نُوحٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾[النساء:165]"
وأولهم نوح وآخرهم محمد وكل أمة بعث إليهم رسولا يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت, نعم أولهم نوح " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده" "كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم" وفي حديث الشفاعة يأتي الناس إلى نوح فيقولون له : أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ..
وآخرهم محمد "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" وفي الحديث " وختم بي النبيون "

"وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله, قال ابن القيم الطاغوت : ما تجاوز العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع"
أراد أن يبين شيخ الإسلام أن التوحيد لا يتم إلا بالنفي والإثبات .. وهذا سبق شرحه,نعم الكفر بالطاغوت.. والطاغوت له تعاريف كثيرة لكن ابن القيم عرفه تعريف طيب:
كل ما تجاوز العبد حده.. يعني كل ما تجاوز به العبد حده, أي تعدى به العبد قدره الذي ينبغي له في الشرع فهو طاغوت.
من معبود.. يعني سواء كان هذا التعدي , يكون هذا الإنسان عبد من دون الله فصار معبودا, فمن صرف له شيء من أنواع العبادة وهو مقر بذلك وراض به فإنه طاغوت لأنه تجاوز حده وقدره في الشرع , لأن حده في الشرع أن يكون عابداً لله لا أن يكون معبودا.
أو متبوع.. هذا يدخل فيه الكهان والسحرة الذين يتبعون فيما يقولون كما يدخل فيه علماء السوء.
أو مطاع.. يدخل فيه الحكام والأمراء الخارجون عن طاعة الله ، الذين يحرمون ما أحل الله أو يحلون ما حرم الله
فهم بهذا المعنى طواغيت لأنهم تجاوزوا حدهم, الطاغوت في اللغة ما هو؟ مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد "إنا لما طغى الماء", فلا يتم التوحيد كما قلنا إلا بنفي واثبات.
"فمن يكفر بالطاغوت" يتبرأ منه.
"ويؤمن بالله" يصدق بالله وأنه معبوده والإله الحق.
"فقد استمسك" أي استعصم.
"بالعروة الوثقى" وهي لا إله إلا الله, وهذا معنى لا إله إلا الله .. كما سبق "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله "

"والطواغيت كثيرة ورؤوسهم : إبليس لعنه الله ، ومن عُبد وهو راضٍ ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله . ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى لا إلٰه إِلا اللهُ"
الطواغيت كثيرة إذا عرفت ما حده ابن القيم بتحقق تبين أن الطواغيت كثيرة جدا من بني آدم بلا حصر.. لكن يعني رؤوسهم بالاستقراء خمسة:
1- إبليس وهو رأسهم الأكبر.. وهو الشيطان الرجيم وقد نهانا الله -عز وجل- عن عبادته "ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان" وسمي إبليس بذلك لماذا ؟ لأنه بلس من رحمة الله يعني يأس.
2- ومن عُبد وهو راض.. أي من عبد من دون الله وهو راض بتلك العبادة من العابد بأي نوع من أنواعها فهو طاغوت سواء عبد في حياته أو بعد موته وهو راضٍ طبعا.
3- ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه.. وإن لم يعبدوه فإنه من رؤوس الطواغيت بمجرد أنه دعاهم إلى عبادة نفسه فهو طاغوت سواء أجيب أو لم يجيب وهذا ينطبق على بعض مشايخ الصوفية الذين يقرون بالغلو ويفرحون به.
4- من ادعى شيئا من علم الغيب.. فهذا بلا شك أنه كافر لأنه مكذب للقرآن في قول الله -تعالى-:"قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون" وإن الإنسان يتحسف ويتأسف أشد الأسف حينما نرى الناس يذهبون إلى القنوات التي تدعي علم الغيب ويسألونها ؟؟ فيا سبحان الله أين هؤلاء عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:" من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد"
5-ومن حكم بغير ما أنزل الله.. كمن يحكم بالقوانين الدولية أو البريطانية أو أمريكية أو غيرها فمن حكم بغير ما أنزل الله بشرع مخترع أو قانون معين فهو طاغوت من أكبر الطواغيت ، فمن لم يحكم بما أنزل الله استخفافا أو احتقارا أو اعتقادا أن غيره أصلح فهذا كـافر مخرج عن الملة بالإجماع لقوله -تعالى-:" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" فإذا حكم بغير ما أنزل الله استخفافا أو احتقارا أو اعتقادا أن الشريعة الإسلامية ما تنفع لهذا الوقت وأن غيرها أنفع, فهذا كافر لا إشكال في ذلك "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" نعم.. يقول الله -عز وجل-:" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" لا.. ما يكفي "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما"
لابد.. أولا: لا يؤمنون حتى يحكموك..
ثانياً: لا يجدون في أنفسهم حرجا..
ثالثاً: أن يسلموا تسليما كاملا لحكمه..
فكيف يرضى الإنسان يحكم قوانين عقول بشرية تتغير وتتقلب ويترك القرآن الحكيم؟!!

"وفي الحديث: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) "
وفي الحديث .. حديثنا المشهور حديث معاذ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:" رأس الأمرالاسلام " أي رأس الدين الذي جاء به محمد هو الإسلام وقد سبق أنه: الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
"وعموده الصلاة" وهذا فيه عظم شأن الصلاة وأنها من الدين بهذا المكان العظيم وأنها مكانها من الدين مكان العمود من الفسطاط.
"وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" ذروة الشيء أعلاه ، وذروة البعير أعلاه ، وهذا يفيد أن الجهاد هو أعلى وأرقى خصال الدين, وذلك أن فيه بذل المهج التي ليس شيء أنفس منها ولا يعادلها البتة, فيبذل مهجته ويبذل لظهور دين الله وتأييده وجهاد الكفار والمنافقين فبذلك استحق أن يكون من الدين بهذا المكان, نـعم.. إن الجهاد في سبيل الله علامة الصدق, إن الجهاد في سبيل الله علامة الإخلاص, إن الجهاد في سبيل الله هي التجارة الرابحة, إن الجهاد في سبيل الله "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " الجهاد في سبيل الله ما يستطيعه إلا المخلص, الجهاد في سبيل الله ما يستطيعه إلا من أيقن بموعود الله , الجهاد في سبيل الله لا يستطيعه إلا من أيقن بالقرآن والسنة والفضائل التي وردت في الجهاد في سبيل الله ولذلك ما برز فيه إلا القليل.. لمــاذا ؟ لأنه تضحية بالجسم والدم وهذا دليل على قوة الإيمان . فالمجاهد في سبيل الله المخلص في أعلى الدرجات.
واسمع يا من تسمعني اسمع للحبيب -عليه الصلاة والسلام- ماذا يقول:" لغدوة في سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها" دنيا من أولها إلى آخرها! غدوة في سبيل الله, غدوة شيء قليل خير من الدنيا وما فيها.. فيا سبحان الله .. من الموفق إلى هذا العمل ؟؟ غدوة في سبيل الله خير من الدنيا من أولها إلى آخرها.
وقال -صلى الله عليه وسلم- حينما سئل أي العمل أفضل؟ قال:" الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله"
وجاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال أي الناس أفضل؟ قال:" مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله"
وفي الحديث أيضا:" إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"
وقال الله -عز وجل-:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن"
"ثلاث حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله"
وفي الحديث.. "ما أغبرت قدم عبد في سبيل الله فتمسه النار"
لهذا الحديث يا من قلبك طاهر يا من قلبك يفرح بحديث النبي عليه الصلاة قيل : يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟, قال:" لا تستطيعونه" فأعادوا مرتين أو ثلاث, كل ذلك يقول:" لا تستطيعونه" ثم قال:" مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" الله أكبر .. شيء عظيم لذلك ينبغي الإنسان أن يحرص كل الحرص على علو الهمة وعلى العبادات التي يحبها الله -عز وجل- فإن الناس في هذا الزمان أصبحوا يهتمون بالأعمال التي فيها شهرة أو الأعمال التي فيها أموال أو الأعمال التي يحبها الناس, والإنسان ينبغي أن يكون منهجه أن يكون همه رضا الله -تبارك وتعالى-.

نكتفي بهذا وبهذا ننتهي من شرح الأصول الثلاثة..
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يكون هذا العمل حجة لنا لا حجة علينا..
والله- تبارك وتعالى- أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد..

::+::+::+::+::+::+::+::+::

ومـ ـ ـعـ ـ ـذرة
عـ ـ ـلـ ـ ـى
التـ ـ ـقـ ـ ـصـ ـ ـير


بوركتن..



الغريـــبة 09-02-07 04:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم البراء (المشاركة 12844)
ما شاء الله تبارك الرحمن ..جزاك الله خيرا يا أم أسامة ..

عمل جميل..وأثق أنه بإتقان كما عودتينا ..

بارك الله فيك..وأجزل لك العطاء..


حبيبتي أم.......... البراء.. :)

وجزيت انتي كل خير..

وفيك بارك المولى..

سليمان اللهيميد 09-02-07 05:20 PM

ما شاء الله تبارك الرحمن

وفقك الرحمن ، وزادك حرصا وعلما على هذا الجهد المبارك وجعلك مفتاحا للخير .

الشيخ سليمان محمد

أم أســامة 09-02-07 05:44 PM

ماشاء الله ..
جهد رائـــع ومبارك ..
بوركتِ أختي الغريبة ..وجعله الله في ميزان حسناتك ...,

مُحبة العلم 09-02-07 07:02 PM

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أختي الغريبة
بارك الله فيك
و جزاكِ الله خيراً
و جعل الجنة مثواكِ

المؤمنه 09-02-07 08:15 PM

تبارك الله لاقوة الا بالله

جزاكِ الله خير الجزاء أختنا الحبيبه الغريبه

جعل الله كل ماقمتِ به فى ميزان حسناتك

ام هيثم 10-02-07 12:54 AM

ماشاء الله ..
جهد رائـــع ومبارك ..
بوركتِ أختي الغريبة ..وجعله الله في ميزان حسناتك ...,


الساعة الآن 09:20 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .