ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   روضة الفقه وأصوله (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=756)
-   -   - 1 - كتاب الطهارة من "المختصر من الممتع" (كاملة الكواري) (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=72218)

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:07 PM

- 1 - كتاب الطهارة من "المختصر من الممتع" (كاملة الكواري)
 
تَقْـــــــــدِيـم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد.
فإن علم الفقه بحر لا ساحل له، وبستان لا ينقطع ثمره، وواحة فَيْحَاء يستظل بِظِلِّها الغادي والرائح، به قِوَام أمور الدين، ومن خلاله يتَّضِح الحلال من الحرام ويستبين.
وقد أنعم الله تعالى على الأمة الإسلامية بأن قيَّض لها ومنها رجالًا تفقّهوا في الدين، فأثْرَوْا تراث الأمة الإسلامية بذاك الكم الهائل من المصنفات في الفقه وغيره، ووُجِد عبر تاريخ الأمة تلك المذاهب الأربعة التي خَدَمَتِ الفقه الإسلامي بكل أمانة وإخلاص.
فصنّفوا المتون والمنظومات، وتوالت عليها الشروح والحواشي والتعليقات، فخرج لنا ذلك التسلسل المحمود من الكتب.
ومن المصنفات الفقهية التي عكف عليها الفقهاء في مذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رحمه الله: متن (زاد المستقنع) للإمام الحجاوي، حيث يُعْتَبَر من أهم متون الحنابلة، وهو كتاب- على صغر حجمه، ووجازة لفظه- قد جمع فقه الإمام أحمد في عبارات دقيقة وافية، وقد استحق بذلك شيئان:
أولهما: ثناء العلماء عليه، كقول عبد الرحمن بن قاسم النجدي عنه: هو كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وجمع فأوعى، وَفَاقَ أَضْرَابَهُ جِنْسًا وَنَوعًا، لم تسمح قريحـة بمثالـه، ولم ينسـج ناسـج على منواله([1]).
وثانيهما: عكوف العلماء عليه بالشرح والدراسة، مثل شرح الروض المربع.
وقد قام علامة القصيم الشيخ محمد الصالح العُثَيْمِين -رحمه الله- بشرحه شرحًا مطولًا لم يقتصر فيه على المذهب، بل كان معتمدًا فيه على الدليل، يسير معه حيث سار، مع عرض أدلة المخالفين أحيانًا، والترجيح بينها، حتى وصل إلى رُبْعِ الكتاب في ثمانية مجلدات كبار.
وقد بلغ شرح الشيخ العثيمين من الشهرة مبلغًا طيبًا، وتلقّاه الناس بالقبول، ونال رضا بين أوساط طلاب العلم.
ونظرًا لكون المتون الفقهية عند المتأخرين لها طريقة خاصة في الشرح؛ حيث يقتصرون فيها على المذهب دون ذكر الخلاف والدليل، فقد استَخَرْتُ الله تعالى في خوض غمار هذا العمل بالاختصار والتلخيص؛ لأقدِّمَه لطلاب العلم في صورة مبسَّطَة، تخلو من التطويل، وقد وفّقَنِي الله تعالى لذلك، ووجدت ارتياحًا في إنجاز هذا العمل.

وكان منهجي فيه على النحو التالي:
أولًا: اجتهدت في اختصار الكتاب وتلخيصه، وحذف الأدلة والأقوال، مقتصرة فيه على المتن فقط، ومشيرة لشرح الشيخ بكلمة: قوله...
ثانيًا: قطعت المتن إلى مسائل وضعتها أعلى الصفحة بعدها فاصل، ثم وضعت شرح الشيخ، فإن وافق المذهب اقتصرت عليه، وإن كان له اختيار غير المذهب عزوت المذهب إلى الكتب المعتمدة، وعزوت اختيار الشيخ إن كان رواية أو وجهًا أو قولًا أو تخريجًا أو احتمالًا في المذهب؛ وقد أزيد قيودًا لا بد من ذكرها ومسائل يُحْتَاج إليها، وعبارات لا يصح الكلام بدونها، كل ذلك بحسب الطاقة والإمكان، ومواضع العزو والزيادات والحاشية.
ثالثًا: أضفت تعليقات وفوائد وحواشي مفيدة في الحاشية توضيحًا وتعليقًا على بعض المواضع التي رأيت أنها تحتاج إلى ذلك.
رابعًا: راعيت تقسيم متن الكتاب إلى فقرات وجزئيات يحسن السكوت عليها، طويلة أو قصيرة حسب الموضوع الذي تتناوله.
خامسًا: السبب في حذفي للأدلة من الكتاب أن الأدلة تؤخذ من مظانها، وما أكثرها! وكتاب السلسبيل للبليهي -رحمه الله- قد اقتصر فيه على الأدلة لمن أراد أن يعرفها.
سادساً: لما كنت بصدد اختصار الكتاب، ولا علاقة لي بضبط نص متن (زاد المستقنع) أو تحقيقه؛ اعتمادًا على الثقة في النسخة التي اعتمدها الشيخ، فلم أقم بالتعرض لذلك، حيث لَفَتَ نظري أثناء مراجعة النص ومطابقته لبعض نسخ المطبوع اختلاف في بعض الجمل والألفاظ بين نسخة الشيخ ابن العثيمين، وبين نسخ أخرى، وأذكر منها على سبيل التنبيه:
أ- نسخة مكتبة المدني بالقاهرة التي حققها الشيخ/عبد الله بن مانع.
ب- نسخة مكتبة دار الوطن بالرياض، والتي حققها الشيخ/ عبد الرحمن بن علي بن محمد العسكر.
وقد تم مطابقة نسخة الزاد في شرح الشيخ، مع هاتين النسختين، وتغاضيت عن تلك الفروق، معتمدة في الأعم الأغلب على نسخة الشيخ؛ حيث إن هذا باب واسع، يخرج بي عن مقصود الكتاب وهو (الاختصار).
وجدير بالذكر أن أقول: إنه قد صدر الجزء الأول من هذا الكتاب (حتى كتاب البيوع) منذ عدة سنوات، والحمد لله تلقاه طلاب العلم والعلماء بالقبول، وطالبوا بإتمامه، وهأنذا أخرج الكتاب كاملًا، مضافًا إليه تعليقات وفوائد مهمة رأيت أنها تزيده وضوحًا، وقد خلى منها الإصدار الأول.
كما أنني في الإصدار الأول كنت أجعل اختيارات الشيخ التي خالف فيها المذهب في الحاشية، وتقرير المذهب في صلب الكتاب، لكن رأيت في هذه الطبعة أن الأَوْلى أن أجعل اختيارات الشيخ في الصلب، وأُحشِّي عليها بتقرير المذهب؛ وذلك لأن أصل الكتاب هو الشرح الممتع للشيخ؛ فناسبه أن نلتزم ما قاله واختاره في الصلب، ونجعل تقرير المذهب في الحاشية.

وأخيرًا فهذا جهدي أقدِّمُه بين يَدِي القراء الكرام من طلاب العلم، وغيرهم، راجية به وجه الله تعالى، سائلة المولى جل وعلا الصفْحَ عن الزَّلَل، وغفران التقصير، إنه نعم المولى ونعم النصير، وبالإجابة جدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



وكتبته
كاملة الكواري
الجمعة 20/3/1431
________________________________________________
([1]) حاشية ابن قاسم النجدي على الروض المربع (1/51)، الطبعة الأولى، 1397هـ.


أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:15 PM

المختصر من
الشرح الممتع على زاد المستقنع
للشيخ محمد بن صالح العثيمين

*****

مقدمة المؤلف:
الحَمْدُ للهِ، حَمْدًا لَا يَنفَدُ، أَفْضَلَ مَا يَنْبَغِي، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى أَفْضَلِ المُصَطَفَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَعَبَّدَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَهَذَا مُخْتَصَرٌ فِي الْفِقْهِ مِنْ مُقْنِعِ الْإِمَامِ المُوَفَّقِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَرُبَّمَا حَذَفْتُ مِنْهُ مَسَائِلَ نَادِرَةَ الْوُقُوعِ، وَزِدْتُ مَا عَلَى مِثْلِهِ يُعْتَمَدُ؛ إِذِ الهِمَمُ قَدْ قَصُرَتْ، وَالْأَسْبَابُ المُثَبِّطَةُ عَنْ نَيْلِ المُرَادِ قَدْ كَثُرَتْ، وَمَعَ صِغَرِ حَجْمِهِ حَوَى مَا يُغْنِي عَنِ التَّطْوِيلِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلّا بِاللهِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.



--------------------
«الحمد» وصف المحمود بالكمال، سواء كان ذلك كمالًا بالعظمة أو بالإحسان والنعمة، والله تعالى محمود على أوصافه كلها وأفعالـه كلها، واللام في قوله: «لله» للاستحقاق؛ فالمستحِق للحمد المطلق هو الله، وهي أيضًا للاختصاص؛ فالذي يختص بالحمد المطلق الكامل هو الله، و«حمدًا» مصدر والعامل فيه المصدر قبله.
قوله: «أفضل ما ينبغي» أي أفضل حمد يستحق أن يحمده؛ فالحمد وُصف بوصفين: الاستمرارية بقوله: «لا ينفد» وكمال النوعية بقوله: «أفضل ما ينبغي أن يُحمد».
قوله: «وصلى الله» الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء، «وسلم» جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى؛ أي أدعو الله تعالى بأن يسلم على محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام هو السلامة من النقائص والآفات.
و«المصطفين» من الصفوة وهي خلاصة الشيء، و«محمد» عطف بيان.
قوله: «آله» إذا ذكر الآل وحده، فالمراد جميع أتباعه على دينه، ويدخل بالأولوية من على دينه من قرابته و«أصحابه» جمع صحب، والصحب اسم جمع.
قوله: «أما بعد» كلمة يؤتى بها عند الدخول في الموضوع الذي يقصد.
قوله: «مختصر» هو ما قَلّ لفظه وكَثر معناه، «في الفقه» وهو معرفة الأحكام العملية بأدلتها التفصيلية.
والمقنع: كتاب متوسط يُذكر فيه القولان والروايتان والوجهان في المذهب.
قوله: «على قول واحد» بمعنى أنه لا يأتي بأكثر من قول لأجل الاختصار «وهو الراجح» يعني من القولين، وقد لا يكون في المسألة إلا قول واحد «في مذهب أحمد» المذهب في الاصطلاح: ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلًا به، فلو تغير قوله فمذهبه الأخير.
قوله: «وربما حذفت منه» أي من المقنع «مسائل نادرة الوقوع»؛ لأن المسائل النادرة لا ينبغي للإنسان أن يُشْغِل بها نفسه، «وزدت ما على مثله يعتمد؛ إذ الهمم قد قصرت والأسباب المثبطة» أي: المفترة للهمم «عن نيل المراد قد كثرت».
قوله: «ومع صغر حجمه حوى» أي جَمَعَ «ما يُغْنِي عن التَّطويل» وهو أجمع من كتاب «دليل الطالب» ودليل الطالب أحسن من هذا ترتيبًا؛ لأنه يذكر الشروط والواجبات والمستحبات على وجه مفصل.
قوله: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» فكأن المؤلف استعان بالله تعالى أن ييسِّرَ له الأمر.
قوله: «وهو حسبنا» الضمير عائد إلى الله، والحسب بمعنى الكافي «ونعم الوكيل» الوكيل هو الذي فوِّض إليه الأمر.

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:16 PM

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

وَهِيَ ارْتِفَاعُ الحَدَثِ، وَمَا ِفي مَعْنَاهُ، وَزَوَالُ الخَبَثِ.
المِيَاهُ ثَلَاثَةٌ: طَهُورٌ لَا يَرْفَعُ الحَدَثَ، وَلَا يُزِيلُ النَّجسَ الطَّارِئَ غَيْرُهُ، وَهُوَ البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِغَيْرِ مُمازِجٍ كَقِطَعِ كَافُورٍ، أَوْ دُهْنٍ، أَوْ بِمِلْحٍ مَائِيٍّ، أَوْ سُخِّنَ بِنَجسٍ كُرِهَ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ، أَوْ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُ المَاءِ عَنْهُ مِنْ نَابِتٍ فِيهِ، وَوَرَقِ شَجَرٍ، أَوْ بِمُجَاوَرَةِ مَيْتَةٍ، أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ،أَوْ بِطَاهِرٍ لَمْ يُكْرَهْ،وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ كَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَغُسْلِ جُمْعَةٍ، وَغَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ، وَثَالِثَةٍ كُرِهَ، وَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ -وَهُوَ الْكَثِيرُ - وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ عِرَاقِيٍّ تَقْرِيبًا، فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ غَيْرُ بَوْلِ آدَمِيٍّ، أَوْ عَذِرَتِهِ المَائِعَةِ، فَلَمْ تُغَيِّرْهُ، أَوْ خَالَطَهُ الْبَوْلُ أَوِ الْعَذِرَةُ، وَيَشُقُّ نَزْحُهُ كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ فَطَهُورٌ.


--------------------
قوله: «كتاب» فِعَال بمعنى مكتوب؛ يعني هذا مكتوب في الطهارة.
قوله: «وهي ارتفاع الحدث» أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها، والحدث: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تُشْتَرط له الطهارة.
قوله: «وما في معناه»؛ أي وما في معنى ارتفاع الحدث؛ كغسل اليدين بعد القيام من نوم الليل؛ فإنه واجب، ويسمى طهارة وليس من حدث.
قوله: «وزوال الخبث»فزوال الخبث طهارة، سواء زال بنفسه أو زال بمزيـل آخر([1])، والخبث هو النجاسة، وهي كل عين يحرم تناولها، لا لضررها ولا لاستقذارها ولا لحرمتها؛ فقولنا: يحرم تَنَاوُلها خرج به المباح تناوله، وقولنا: لا لضررها خرج به السم وشبهه، فإنه حرام لضرره، وليس بنجس، وقولنا: ولا لاستقذارها، خرج به المخاط وشبهه، فليس بنجس، وقولنا: ولا لحرمتها، خرج به الصيد في حال الإحرام والصيد داخل الحرم.
قوله: «المياه» جمع ماء، وهي ثلاثة أنواع:
الأول: الطَّهور، وسيأتي تعريفه، وهذا «لا يرفع الحدث» غيره؛ أي: لا يرفع الحدث إلا الماء الطهور، والتراب في التيمم على المذهب لا يرفع الحدث، وكذلك «لا يزيل النجس الطارئ»أي الذي ورد على محل طاهر-أما النجاسة العينية كالكلب فهذه لا تطهر أبدًا- «غيره».
قوله: «وهو الباقي على خِلْقَتِهِ» هذا تعريف الماء الطهور، فهو الباقي على خلقته حقيقة، بحيث لم يتغير شيء من أوصافه، أو حكمًا بحيث تغير بما لا يسلبه الطهورية ويأتي مثاله.
«فإن تغير»الماء «بغير ممازج»؛أي: بشيء لا يخالطه «كقطع كافور» وهو نوع من الطيب يكون قطعًا ودقيقًا ناعمًا غير قطع؛ فالقِطَع إذا وُضِعَتْ في الماء غَيَّرت طَعْمَه ورائحته، ولكنها لا تمازجه؛ أي: لا تذوب فيه؛ فإذا تَغَيَّر بهذا فإنه طهور مكروه؛ لأنه تغير عن مجاورة لا ممازجة، وكذا لو تغَيَّر بـ «دهن أو بِمِلْح مَائِيٍّ» وهو الذي يتكَوَّن من الماء، فلو تغير بملح معدني يُستخرج من الأرض فإنه يسلبه الطهورية على المذهب، فيكون طاهرًا غير مطهر([2])، وكذا لو «سُخِّن بنجس»تغير أو لم يتغير فإنه يُكْرَه، وإن كان مغطّى ومحكم الغطاء. والصواب في هذه المسائل كلها: أنه لا يكره؛ لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل ([3]).
قوله: «وإن تغير بِمُكْثِهِ» أي: بطول إقامته «أو بما يشق صون الماء عنه من نابت فيه» مثل: غدير نبت فيه عشب أو طحلب، فتغير بها، فإنه طهور غير مكروه، ولو تغيَّر لونه وطعمه وريحه؛ لأنه يشق التحرُّز منه، وكذا لو تغير «بمجاورة ميتة» كغدير عنده عشرون شاة ميتة من كل جانب، فصار له رائحة كريهة جدًّا؛ فهو طهور غير مكروه أيضًا؛ لأن التغيير عن مجاورة لا عن ممازجة([4]).
وكذا لو «سخن بالشمس»؛ أي وضع في الشمس ليُسَخّن «أو بطاهر» يعني أو سخن بطاهر مثل الحطب أو الغاز أو الكهرباء، فإنه لا يكره، وكذا «إن استعمل» أي الماء الطهور «في طهارة مستحبَّة»بأن يمر على العضو ويتساقط منه «كتجديد وضوء وغسلة ثانية وثالثة»في الوضوء، فإنها ليست بواجبة.
قوله: «وإن بلغ»الماء الطهور«قُلّتين» تثنية قُلة، والقلتان في اصطلاح الفقهاء «هو الكثير» واليسير ما دون القُلّتَين، «وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبًا» مائة الرّطل العراقي يَزِنُ قِرْبة ماء تقريبًا، وعلى هذا يكون خمس قِرَب تقريبًا، وبالوزن 191.25 كيلو جرامًا، والمسألة ليست على سبيل التحديد فلا يضر النقص اليسير؛ كرطل ورطلين.
فإن بلغ قُلّتين «فخالطته نجاسة» أي امتزجت به، ولكنها «لم تغيره» طعمًا أو لونًا أو رائحة، ففيه قولان في المذهب: الأول: وهو المذهب عند المتقدمين: أنه إذا خالطته نجاسة، وهو دون القلتين نجس مطلقًا، تَغَيَّر أو لم يتَغَيَّر، أما إذا بلغ القُلّتين فإن خالطه بول آدمي أو عذرته المائعة نجس، وإن لم يتغير إلا أن يشق نزْحه ولم يتغير فطهور، أما بقية النجاسات فالمعتبر قلتان، فإذا بلغ قلتين ولم يتغير فطهور، وإن لم يبلغ القلتين فنجس بمجرد الملاقاة.
القول الثاني: وهو المذهب عند المتأخرين: أنه لا فرق بين بول الآدمي وعذرته المائعة وبين غيرهما من النجاسات؛ فإذا بلغ الماء قُلّتين لم ينجس إلا بالتغير، وما دُون القُلّتين ينجس بمجرد الملاقاة.
قوله: «كمصانع طريق مكة» مصانع جمع مصنع، وهي عبارة عن مجابي المياه في طريق مكة من العراق، وهذه المجابي يكون فيها مياه كثيرة، فإذا سقط فيها بول آدمي أو عذرته المائعة ولم تغيِّرْه فطهور، حتى على ما ذهب إليه المؤلف؛ لأنه يشق نزحه.


--------------------
([1]) إنما عبر في جانب الحدث بالارتفاع وفي جانب الخبث بالزوال؛ لأن المراد بالحدث الأمر، والإزالة لا تكون إلا في الأجرام غالبًا، ولأن الخبث قد يكون جرمًا ناسب التعبير معه زوالًا، ولما كان الحدث أمرًا معنويًّا عبر عنه بما يناسب وإن ناسب غيره أيضًا. انظر: حاشية أبي بطين على الروض المربع (1/15).

([2]) وإنما كره للاختلاف في سلبه الطهورية، وذكر غير واحد استحباب الخروج من الخلاف في مسائل الاجتهاد، لكن إذا كان الخلاف مخالفًا سنة صحيحة فلا حرمة له، ولا يستحب الخروج منه؛ لأن صاحبه لم تبلغه، وإن بلغته وخالفها فمحجوج بها. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي على الروض المربع (1/62).

([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/16)، وما صوبه الشيخ أحد وجهين، كما في الإنصاف (1/23).

([4]) وكذا ما تغير بمَمَرِّه أو بمَقرِّه أو مجردًا ونحوه مما لا نفس له سائلة، وبآنية أدم ونحاس. انظر: حاشية أبي بطين (1/17).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:18 PM

وَلَا يَرْفَعُ حَدَثَ رَجُلٍ طَهُورٌ يَسِيرٌ خَلَتْ بِهِ امْرَأَةٌ لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ، وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِطَبْخٍ، أَوْ سَاقِطٍ فِيهِ، أَوْ رُفِعَ بِقَلِيلهِ حَدَثٌ، أَوْ غُمِسَ فِيهِ يَدُ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ، أَوْ كَانَ آخِرَ غَسْلةٍ زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِهَا فَطَاهِرٌ.

--------------------
قوله: «ولا يرفع حدث رجل...» مثال ذلك امرأة عندها قِدْر من الماء يسع قُلّة ونصف – وهو يسير في الاصطلاح – خلت به في الحمام، فتوضأت منه وضوءًا كاملًا ثم خرجت، فجاء الرجل بعدها ليتوضأ به، فلا يرفع حدثه، هذا هو مراده، والصواب أن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه([1]).
قوله: «حدث رجل»يفهم منه أنه لو أراد أن يزيل به نجاسة عن بدنه أو ثوبه فإنها تطهر، وقوله: «يسير» يفهم منه أنه لو كان كثيرًا فإنه يرفع الحدث، وقوله: «خلت به»([2]) الخلوة على المذهب: أن تخلو به عن مشاهدة مميز، فإن شاهدها مميز زالت الخلوة([3])، وقوله: «لطهارة كاملة» يفهم منه أنه لو خلت به في أثناء الطهارة في أولها أو آخرها، بأن شاهدها أحد في أول الطهارة ثم ذهب، فإنه يرفع الحدث؛ لأنها لم تخل به لطهارة كاملة، وقوله: «عن حدث» أي: تطهَّرَت عن حدث، بخلاف ما لو تطهرت تجديدًا للوضوء أو نحو ذلك.
قوله: «وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بطبخ» أي: طُبِخَ فيه شيء طاهر كاللحم فتغير طعمه، بحيث لا يُذَاق معه طعم الماء أو لونه أو ريحه، تغيرًا كثيرًا بيِّنًا، فإنه يكون طاهرًا غير مطهر، وكذا لو تغير بـ«ساقط فيه» أي: سقط فيه شيء طاهر فَغَيَّر أوصافَهُ، ويُسْتثنى ما يشق صون الماء عنه وما لا يمازجه.
والتعليل لكون هذا طاهرًا غير مطهر أنه ليس بماء مطلق، وإنما يقال ماء كذا فيضاف (نحويًّا معنويًّا محضًا) كما يقال: ماء ورد.
وكذا يكون طاهرًا غير مطهر لو «رُفع بقليله» أي: بقليل الماء، وهو ما دون القلتين «حدثٌ» سواء كان لكل الأعضاء أو بعضها «أو غمس فيه» أي في الماء القليل، «يد قائم...» المراد باليد هنا إلى الكوع «أو كان آخر غسلة...»المعروف عند أهل المذهب أنه لا بد لطهارة المحل المتنجس أن يغسل سبع مرات، فالغسلة الأولى إلى السادسة كل المنفصل من هذه الغسلات نجس؛ لأنه انفصل عن محل نجس، أما المنفصل في الغسلة السابعة فيكون طاهرًا غير مطهر، وهذا إذا كانت عين النجاسة قـد زالـت، وإذا فُرِضَ أن النجاسة لم تزل بسبع غسلات، فإن ما انفصل قبل زوال عين النجاسة نجس؛ لأنه لاقى النجاسة وهو يسير، أما الثامنة فطهور – إذا كانت عين النجاسة قد زالت – لأنه لم يؤثر شيئًا ولم يلاق نجاسة.
والصواب أن الماء الذي غُمِسَ فيه يد رجل قائم من نوم ليل طهور، لكن يأثم من أجل مخالفته النهي؛ حيث غمسها قبل غسلها ثلاثًا([4]).


--------------------
([1]) المذهب أنه لا يرتفع، كما في كشاف القناع (1/28)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/47).

([2]) قال أبو بطين في حاشيته على الروض المربع (1/19): «فإن حضرها امرأة أخرى جاز للرجل إن لم تشاركها فيه».

([3]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض (1/80): «وليس المراد المشاهدة بالبصر؛ لأن الأعمى تثبت الخلوة بحضوره، ولا يؤثر الصبي أو كافر أو امرأة».

([4]) المذهب أنه غير طهور، كما في كشاف القناع (1/33)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/38).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:21 PM

وَالنَّجسُ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ، أَوْ لَاقَاهَا، وَهُوَ يَسِيرٌ، أَوِ انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّ نَجَاسَةٍ قَبْلَ زَوَالِهَا، فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى المَاءِ النَّجسِ طَهُورٌ كَثِيرٌ غَيرُ تُرَابٍ، وَنَحْوِهِ، أَوْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجسِ الكَثيرِ بِنَفْسِهِ أَوْ نُـزِحَ مِنْهُ، فَبَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ طَهُرَ، وَإِنْ شَكَّ فِي نَجاسَةِ مَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ طَهَارَتِهِ بَنَى عَلَى اليَقِينِ، وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجسٍ حَرُمَ اسْتِعَمالُهُمَا، وَلَمْ يَتَحرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّيَمُّمِ إِرَاقَتُهُمَا وَلا خَلْطُهُمَا، وَإِنِ اشْتَبَهَ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا وُضُوءًا وَاحِدًا: مِنْ هَذَا غُرْفَةٌ، وَمِنْ هَذَا غُرْفَةٌ، وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً، وَإِنِ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ، أَوْ بِمُحَرَّمَةٍ صَلَّىَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلاةً بِعَدَدِ النَّجسِ، وَزَادَ صَلَاةً.

--------------------
قوله: «والنجس ما تغيَّر بنجاسة»أي تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة، ويُسْتَثْنَى من المتغير بالريح ما إذا تَغَيَّرَ بمجاورة ميتة «أو لاقاها»أي النجاسة([1]) «وهو يسير» أي دون القلّتين، «أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها» أي قبل زوال حكمها؛ كماء نُطَهِّر به ثوبًا نجسًا، والنجاسة زالت في الغسلة الأولى، وزال أثرها نهائيًّا في الغسلة الثانية، فغسلناه الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، فالماء المنفصل من هذه الغسلات نجس؛ لأنه انفصل عن محل النجاسة قبل زوال حكمها.
يطهر الماء النجس بطرق:
أولًا:«إن أضيف إلى الماء النجس طهور كثير غير تراب»؛ لأن تطهير التراب ليس حِسِّيًّا، بل معنوي، فالإنسان عند التيمم لا يتطهر طهارة حسية بل معنوية، «ونحوه»؛كالصابون وما شابهه؛ لأنه لا يطهر إلا الماء..
ثانيًا:إن«زال تغير النجس الكثير بنفسه» الكثير: هو ما بلغ قلتين.
ثالثًا:إن «نزح منه»أي من الماء الكثير«فبقي بعده» أي ينـزح منه حتى يبقى بعد النـزح ماء طهور كثير، والنـزح: هو إخراج بعض الماء النجس، فلا بد أن يكون الماء المتنجس أكثر من قلتين؛ لأن المؤلف اشترط أن يبقى بعد النـزح كثير؛ أي: قلتان فأكثر.
وعُلِم مما سبق أن الماء إن كان أقل من قلّتين، فليس هناك إلا طريق واحد لتطهيره، وهو إضافة ماء طهور كثير إليه.
والصحيح أنه إذا زال تغيُّر الماء بالنجاسة بأي طريق كان، فإنه يكون طهورًا؛ لأن الحكم متى ثبت لعلةٍ زال بزوالها([2]).
قوله: «وإن شك في نجاسة ماء...»أي في نجاسته إذا كان أصله طاهرًا، وفي طهارته إذا كان أصله نجسًا، «بنى على اليقين» وهو ما لا شك فيه.
قوله: «وإن اشتبه طهور بنجس...» يعني: إن اشتبه ماء طهور بماء نجس حرم استعمالهما؛ «ولم يتحر»؛ أي لا ينظر أيهما الطهور من النجس، وعلى هذا فيتجنبهما حتى ولو مع وجود قرائن.
والصواب أنه يتحرى([3]).
قوله: «ولا يشترط للتيمُّمِ إراقتهما ولا خلطهما»؛ لأنه غير قادر على استعمال الطهور.
قوله: «وإن اشتبه بطاهر…» يعني اشتبه ماء طهور بطاهر؛ كماء غمس فيه يد قائم من نوم الليل، وماء طهور اشتبه أحدهما بالآخر، فلا يتحرى ولا يتيمم؛ لأن استعمال الطاهر هنا لا يضر، بخلاف المسألة السابقة، فيتوضأ وضوءًا واحدًا من هذا غرفة ومن هذا غرفة.
قوله: «وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة...»هذا من باب الاستطراد؛ لأن الثياب لا دخل لها في الماء، ومثالها: رجل له ثوبان أحدهما تيَقّن نجاسته، والثاني: طاهر، ثم أراد أن يلبسهما فشك في الطاهر من النجس، فيصلي بعدد النجس ويزيد صلاة. والصحيح أنه يتحرى، ويصلي بما يغلب على ظنِّه أنه الثوب المباح([4]).
قوله: «أو بمحرمة...»أي: إذا اشتبهت ثياب محرمة -لحق الله كالحرير، أو لحق آدمي كمغصوبة- بمباحة فيصلي بعدد المغصوب ويزيد صلاة.


--------------------
([1]) فينجس بمجرد الملاقاة، ولو جاريًا؛ بحيث لو ركد لأمكن سريان النجاسة فيه، ولا يقال بتنجيس الأعلى إذا كان الجاري نازلًا من أعلى إلى أسفل، فإنه إذا تَنَجَّسَ الأسفل لا يحكم بنجاسة الأعلى، لعدم إمكان سريان النجاسة إليه، والجرية ما أحاط بالنجاسة من الماء يمنة ويسرة وعلوًا وسفلًا، وقال الشيخ: ما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها، وقال هو والإمام أحمد وغيرهما: ماء الحمام بمنزلة الجاري إذا كان يفيض من الحوض. انظر: الروض المربع بحاشية ابن قاسم النجدي (1/89).

([2]) التفصيل الذي ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/22).

([3]) عدم التحري هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/47)، والرواية الأخرى: أنه يتحرى إذا كثر عدد الطاهرات، كما في الإنصاف (1/71)، قال في الإنصاف: «قوله: لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب. يشعر أن له أن يتحرى في غير الصحيح من المذهب، سواء كثر عدد النجس والطاهر أو تساويا، ولا قائل به من الأصحاب، لكن في مجمع البحرين أجراه على ظاهره، وقال: أطلق المصنف وفاقًا لداود وأبي ثور والمزني وسحنون من أصحاب مالك، قلت: والذي يظهر أن المصنف لم يرد هذا، وأنه لم ينفرد بهذا القول؛ والدليل عليه قوله: في الصحيح من المذهب. فدل أن في المذهب خلافًا موجودًا قبله غير ذلك، وإنما الخلاف فيما إذا كثر عدد الطاهر على ما تقدم، أما إذا تساويا أو كان عدد النجس أكثر فلا خلاف في عدم التحري».

([4]) عدم التحري هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/27)، وما صححه الشيخ قول اختاره الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (1/77).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:22 PM

بَابُ الآنِيَةِ

كُلّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ، وَلَوْ ثَمِينًا يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ، إِلّا آنِيَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَمُضَبَّبًا بِهِمَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا وَاسْتِعْمَالُـهَا، وَلَوْ عَلَى أُنْثَى، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا، إِلَّا ضَبَّةً يَسِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ، وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ.

--------------------
قوله: «الآنية» جمع إناء، وهو الوعاء.
قوله: «كل إناء طاهر» احتراز من النجس، فإنه لا يجوز استعماله، وفيه نظر؛ لأن النجس يباح استعماله إذا كان على وجه لا يتعدَّى كأن يتَّخذ «زِنْبِيلًا» نجسًا يحمل به التُّراب ونحوه ([1]).
قوله: «ولو ثمينًا» أي مثل الجواهر والزمرُّد والماس، فإنه مباح «اتخاذه واستعماله» الاتخاذ: أن يقتنيه فقط؛ إما للزينة أو لاستعماله في حالة الضرورة، أو للبيع والشراء وما أشبه ذلك، أما الاستعمال: فهو التلبُّس بالانتفاع به.
قوله: «إلا آنية ذهب وفضة» يشمل الصغير والكبير، حتى الملعقة والسكين.
قوله: «مضببًا بهما» الضبة: حديدة تجمع بين طرفي المنكسر([2]).
قوله: «ولو على أنثى» فلا يجوز للمرأة اتخاذ أواني الذهب والفضة واستعمالها.
وذكر الأصحاب استثناءً آخر، وهو: عَظْم آدمي وجلده، فلا يباح اتخاذه واستعماله آنية.
والصحيح: أن اتخاذ آنية الذهب والفضة واستعمالها في غير الأكل والشرب ليس بحرام([3]).
قوله: «وتصح الطهارة منها»فلو جعل إنسان لوضوئه آنية من ذهب فالطهارة صحيحة، والاستعمال محرم.
قوله: «إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة» هذا مستثنى من قوله: «ومضببًا بهما».
قوله: «لحاجة» قال أهل العلم: الحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة، وليس المعنى: ألا يجد ما يجبر به الكسر سواها؛ لأن هذه ليست حاجة، بل ضرورة.
قوله: «وتكره مباشرتها لغير حاجة» أي تكره مباشرة الضبة اليسيرة، بأنه إذا أراد أن يشرب من هذا الإناء المضبَّب شرب من عند الفضة، فيُكره لغير حاجة، والصواب أنه ليس بمكروه وله مباشرتها([4]).

--------------------
([1]) وقد قيد بالطهورية صاحب الإقناع، كما في كشاف القناع (1/50).

([2]) ومثل المضبب: المموّه والمطلي والمطعّم، انظر: الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/25).

([3]) والمذهب هو حرمة الاتخاذ مطلقًا، كما في كشاف القناع (1/51)، وجواز الاتخاذ رواية، وكراهة الاستعمال قول ضعيف جدًّا، كما في الإنصاف (1/80).

([4]) الكراهة هي المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/30)، والإباحة قول، كما في الإنصاف (1/82).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:22 PM

وَتُبَاحُ آنِيَةُ الْكُفَّارِ، وَلَوْ لَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ وَثِيَابُهُمْ، إِنْ جُهِلَ حَالُها. وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ مَيْتَةٍ بِدِبَاغٍ،وَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ إِذَا كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي الحَيَاةِ، وَلَبنُهَا وَكُلّ أَجْزَائِهَا نَجِسَةٌ غَيْرُ شَعْرٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا أبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ.

--------------------
قوله: «وتباح آنية الكفار» يشمل الكافر الأصلي والمرتد واليهود والنصارى([1]).
قوله: «ولا يطهر جلد ميتة بدباغ» الدبغ: تنظيف الأذى والقذر الذي كان في الجلد بواسطة مواد تضاف إلى الماء. والميتة إن كانت طاهرة فإن جلدها طاهر كالسمك، وإن كانت نجسة فجلدها نجس، وما ينجس بالموت، فإن جلده ينجس بالموت، ولا يطهر بالدباغ على المذهب.
قوله: «ويباح استعماله»يباح استعمال جلد الميتة بعد الدبغ «في يابس» أما استعماله قبل الدبغ، فلا يجوز في يابس ولا غيره، ولا يجوز أن نجعل فيه ماءً أو لبنًا، ولا أي شيء رطب ولو بعد الدبغ.
قوله: «من حيوان طاهر» فالذي يباح استعماله بعد الدبغ في اليابس ما كان من حيوان طاهر في الحياة، وهو كل مأكول كالإبل والبقر ونحو ذلك، وكل حيوان من الهر فأقل خلقة، فإنه طاهر في الحياة، وكل شيء ليس له نفس سائلة؛ يعني إذا ذبح فليس له دم يسيل فإنه طاهر، والآدمي، ولكنه هنا غير وارد؛ لأن استعمال جلده محرم، لا لنجاسته ولكن لحرمته.
قوله: «ولبنها» أي لبن الميتة نجس، وإن لم يتغير بها، وكذا «كل أجزائها نجسة» كاليد والرجل والرأس... إلخ، «غير شعر ونحوه» كالصوف للغنم، والوَبَرِ للإبل، والريش للطيور طاهر في الحياة، فلا ينجس بموت، فيجوز استعماله، واشترطوا في الشعر ونحوه أن يُجَزَّ جزًّا لا أن يقلع قلعًا؛ لأنه إذا قلع فإن أصوله محتقَنٌ فيها شيء من الميتة.
وذكر أهل المذهب أن جعل المصران والكرش وترًا -أي: حبالًا- دباغ؛ أي: بمنـزلة الدباغ، وبناء عليه يكون طاهرًا، ويجوز استعماله في اليابسات على المذهب.
والمختار قول صاحب الفروع: «يتوجه: لا»([2]) والمعنى أنه يرى أن الأوجه بناء على المذهب، أو على القول الراجح عنده ليس دباغًا، وما قاله متوجه؛ لأن المصران والكرش من صلب الميتة([3]).
قوله: «وما أُبِين»أي فُصِلَ «من»حيوان «حي فهو كميتته»يعني طهارةً ونجاسةً، حلًّا وحرمة، وهذه قاعدة فقهية؛ فما أبين من الآدمي فهو طاهر حرام لحرمته لا لنجاسته، وما أبين من السمك فهو طاهر حلال، وهكذا، واستثنى العلماء مسألتين:
الأولى: الطريدة: وهي الصيد يطرده الجماعة، فلا يدركونه فيذبحونه، لكنهم يضربونه بأسيافهم، فهذا يقص رجله وهذا يقص يده، قال أحمد: فإن بقيت، أي: قطعنا رجلها، ولكن هربت ولم ندركها، فإن رجلها حينئذ تكون نجسة وحرام؛ لأنها لم تكن صيدًا.
الثانية: المسك وفأرته، وذلك أنه يقال: إنهم إذا أرادوا استخراج المسك فإنهم يركضون غزالًا معينًا فينـزل منه دم من عند سرته، ثم يأتون بخيط شديد قوي، فيربطون هذا الدم النازل ربطًا قويًّا من أجل أن لا يتصل بالبدن فيتغذى بالدم، فإذا أخذ مدة فإنه يسقط، ثم يجدونه من أطيب المسك رائحة، وهذا الوعاء: يسمى فأرة المسك، والمسك هو الذي في جوفه، فهذا انفصل من حي وهو طاهر.

--------------------
([1]) وإنما تباح إذا لم تُعْلَم نجاستها؛ فإن عُلِمَتْ غسلت؛ لخبر «فاغسلوها»، وكغيرها من أواني المسلمين إذا تنجَّسَت. انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم النجدي (1/107).

([2]) الفروع (1/105).

([3]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/31).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:23 PM

بَابُ الاسْتِنْجَاءِ

يُسْتَحَبُّ عِنْدَ دُخُولِ الخْلَاءِ قَوْلُ: بِسْمِ اللهِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبائِثِ. وَعِنْدَ الخُرُوجِ مِنْهُ: غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَاِني. وَتَقْدِيمُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى دُخُولًا، وَاليُمْنَى خُرُوجًا، عَكْسُ (المَسْجِدِ). وَنَعْلٌ. وَاعْتِمَادُهُ عَلى رِجْلهِ اليُسْرَى. وَبُعْدُهُ فِي فضَاءٍ، وَاسْتِتَارُهُ، وَارْتِيَادُهُ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا رِخْوًا. وَمَسْحُهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى إِذَا فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ، مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إِلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَنَتْرُهُ ثَلَاثًا، وَتَحَوُّلُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِيَسْتَنْجِيَ فِي غَيْرهِ إِنْ خَافَ تَلَوُّثًا.

--------------------
قوله: «الاستنجاء»: استفعال من النَّجْو، وهو في اللغة القطع، وهو إزالة الخارج من السبيلَيْن بماء، أو إزالة حكمه، وفي ذلك قطع لهذا النجس، وفي الاصطلاح: إزالة خارج من سبيل بماء أو حجر ونحوهما.
قوله: «يستحب» عند دخول الخلاء «قول»أي: بلسانه إلا من أخرس فَبِنِيَّةِ القلب: «بسم الله، أعوذ بالله»أي: أعتصم وألتجئ بالله عز وجل «من الخبث»بالتسكين: الشر، وبالضم: جمع خبيث والمراد به ذكران الشياطين، «والخبائث»على الأول: النفوس الشريرة، وعلى الثاني: جمع خبيثة، والمراد إناث الشياطين، والعندية في كلام المؤلف قبل الدخول، فإن كان في البر مثلًا استعاذ عند الجلوس.
قوله: «وعند الخروج منه»أي: يُسَنُّ أن يقول بعد الخروج منه: «غفرانك»([1]).
ويسن أن يقدِّم «رجله اليسرى»عند دخول الخلاء، ويقدم اليمنى إذا خرج.
قوله: «واعتماده على رجله اليسرى»يعني يُسن أن يعتمد على رجله اليسرى عند قضاء الحاجة، وبقاء الإنسان على طبيعته معتمدًا على الرِّجلين كلتيهما هو الأولى والأيسر، وعلى كل حال يُرْجَعُ فيه إلى الطب([2]).
قوله: «وبُعْدُه»أي قاضي الحاجة «في فضاء» حتى لا يُرَى جسمه، وذلك إذا كان في مكان ليس فيه جدران أو أشجار ساترة.
قوله: «واستتاره» أي يُسْتَحب استتار بدنه كله، وأما استتاره بالنسبة للعورة فهو أمر واجب.
قوله: «وارتياده»أي: طلبه«لبوله»يعني: دون غائطه«مكانًا رخوًا» مثلث الراء، ومعناه المكان اللين الذي لا يُخشى منه رشاش البول.
قوله: «ومسحه بيده اليسرى» أي: يُسْتَحب أن يمسح إذا فرغ من البول «من أصل ذكره»وهو عند حلقة الدبر «إلى رأسه» ثلاث مرات؛ لأجل أن يخرج ما تبقى في القناة من بول.
قوله: «ونـتره ثلاثًا» النّتْر معناه: أن يجذب ذكره ليستخرج بقية بوله عند الاستنجاء.
قوله: «وتحوله من موضعه...»يعني انتقاله من موضع قضاء الحاجة ليستنجي بالماء إن خاف تلوثًا؛ أما إذا لم يخف كما يوجد في الحمامات الآن فإنه لا ينتقل.

--------------------
([1]) قيل في مناسبة سؤال المغفرة في هذا الموضع أنه دخل ثقيلًا وخرج خفيفًا؛ فذكر ثقل الذنوب يوم القيامة فسأل الله المغفرة. من حاشية أبي بطين (1/29).

([2]) والاعتماد على رجله اليسرى هو السنة على المذهب، كما في كشاف القناع (1/60).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:24 PM

وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى إَلَّا لِحَاجَةٍ، وَرَفْعُ ثَوْبِهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَلامُهُ فِيهِ، وَبَوْلُهُ فِي شَقٍّ، وَنَحْوِهِ، وَمَسُّ فَرْجِهِ بِيَمِينِهِ، وَاسْتِنْجَاؤُهُ، وَاسْتِجْمَارُهُ بِهَا، وَاسْتِقْبَالُ النَّيِّرَيْنِ، وَيَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَاسْتِدْبَارُهَا فِي غَيْرِ بُنْيَانٍ، وَلُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَبَوْلُهُ فِي طَرِيقٍ، وَظِلٍّ نَافِعٍ، وَتَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ، وَيَسْتَجْمِرُ بِحَجَرٍ، ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالمَاءِ. وَيُجْزِئُهُ الاسْتِجْمَارُ إِنْ لَمْ يَعْدُ الخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ.

--------------------
قوله: «ويكره دخوله»أي قاضي الحاجة، ويحتمل عود الضمير إلى الخلاء، والمراد بذكر الله هو اسم الله؛ فكل ما فيه اسم الله يكره دخول الخلاء به، واستثنى أهل المذهب المصحف، فقالوا: يحرم أن يدخل به الخلاء سواء كان ظاهرًا أو خفيًّا.
قوله: «إلا لحاجة» يعني إذا احتاج إلى ذلك؛ كالأوراق النقدية التي فيها اسم الله، والمصحف إن خاف أن يُسرق. ويكره لقاضي الحاجة «رفع ثوبه»قبل أن يدنو من الأرض، «وكلامه فيه» أي: في الخلاء،«وبوله في شق»-الشّق: هو الفتحة في الأرض، وهو الجُحْرُ للهوام والدواب- «ونحوه» مَثّل بَعضُهم بفم البالوعة، وهي مجتمع الماء غير النظيف، وكذا يكره «مس فرجه بيمينه» يشمل كلا الفرجين: القُبُلِ والدّبُرِ «واستنجاؤه» أي بالماء«واستجماره» أي بالحجر ونحوه؛ فيكره كلاهما بيمينه.
وكذا يكره «استقبال النيرين» الشمس والقمر حال قضاء الحاجة، كذا نصه، والصحيح عدم الكراهة؛ لعدم الدليل، بل ولثبوت الدليل الدال على الجواز([1]).
قوله: «ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان»فإذا كان في بنيان، فيجوز الاستقبال والاستدبار.
قوله: «ولبثه فوق حاجته» أي يحرم، ويجب عليه أن يخرج من حين انتهائه، وكذا يحرم «بوله في طريق» والغائط من باب أولى، وكذا في «ظل نافع» أي يستظل به الناس ومثله: مشمس الناس في أيام الشتاء، فلا يجوز، وكذا يحرم «تحت شجرة عليها ثمرة»أي قريبًا منها وليس بعيدًا، ويجب أن تُقَيد الثمرة بالمقصودة -أي التي يقصدها الناس ولو كان ثمرها غير مطعوم- وكذلك تُقَيَّد بالمحترمة كثمرة النخل، ولو كانت في مكان لا يقصده أحدٌ، فلا يبول ولا يتغوط تحتها ما دامت مثمرة.
قوله: «إن لم يعْدُ الخارج موضع العادة» من شروط الاستجمار([2]) ألّا يعدو الخارج موضع العادة بأن لا ينتشر البول إليه من رأس الذّكر، وبأن لا ينتشر الغائط إليه من داخل الفخذين، فإن تعدى موضع العادة فلا يجزئ إلا الماء.


--------------------
([1]) والمذهب الكراهة، كما في كشاف القناع (1/61)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/100).

([2]) قال في الرعاية: «ويجزئ الاستجمار بكل طاهر جامد خشن منقّ حلال، وإن كان أرضًا أو جدارًا أو خشبًا أو خزفًا ثمينًا ونحو ذلك، ولا يجزئ ما له حرمة؛ كطعام آدمي أو بهيمة حتى التبر، وفي الحشيش وجهان». من حاشية أبي بطين (1/31).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:25 PM

وَيُشْتَرَطُ لِلاسْتِجْمَارِ بَأْحَجَارٍ وَنَحْوِهَا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، مُنْقِيًا، غَيْرَ عَظْمٍ، وَرَوْثٍ، وَطَعَامٍ، وَمُحْتَرَمٍ، وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوانٍ. وَيُشْتَرطُ ثَلاثُ مَسْحَاتِ مُنْقِيَةٍ فَأَكْثَرُ، وَلَوْ بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ، ويُسَنُّ قَطْعُهُ عَلَى وِتْرٍ. وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِكُلِّ خَارِجٍ إِلّا الرِّيحَ، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وُضُوءٌ وَلَا تَيَمُّمٌ.

--------------------
قوله: «ويشترط للاستجمار بأحجار ونحوها»مثل: المدَرَ، وهو: الطين اليابس المتجمد، والتراب، والخرق والورق، وما أشبه ذلك؛ كالخشب «أن يكون طاهرًا» يعني لا نجسًا أي بعينه- ولا متنجسًا -أي بغيره، يعني طرأت عليه النجاسة- «مُنقيًا» يعني يحصل به الإنقاء، فإن كان غير منقٍّ لم يجزئ «غير عظم وروث وطعام» يعني طعام بني آدم وطعام بهائمهم، «ومحترم» أي ككتب العلم الشرعي، «ومتصل بحيوان» كذيل بقرة، فلا يجوز الاستجمار به؛ لأن للحيوان حرمة.
قوله: «ويشترط ثلاث مسحات منقية» الإنقاء: أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، أما الإنقاء بالماء فهو عود خشونة المحل كما كان، ويُشترط في الاستنجاء بالماء سبع غسلات على المشهور من المذهب، والصحيح أنه متى حصل الإنقاء طهر المحل، سواء كان بثلاث أو بأكثر([1]).
قوله: «ولو بحجر ذي شعب» إن أنقت.
قوله: «ويُسَن قطعه»يعني قطع الاستجمار، والمراد عدده «على وتر» فإذا أنقى بأربع زاد خامسة، وإذا أنقى بست زاد سابعة، وهكذا.
قوله: «يجب الاستنجاء لكل خارج»أي: من السبيلين«إلا الريح»؛ لأنها لا تحدث أثرًا، فهي هواء فقط، وسواء كان له صوت أو لا فهي طاهرة، وإن كانت رائحتها خبيثة، ويُستثنى من ذلك أيضًا المنيُّ وغير الملوث ليبوسته.
قوله: «ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم» يعني: يُشْتَرَطُ لصحة الوضوء والتيمم تقدم الاستنجاء أو الاستجمار.

--------------------
([1]) وهو المذهب، كما في كشاف القناع (1/70).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:25 PM

بَابُ السِّواكِ وَسُنَنِ الْوُضُوءِ

التَّسَوُّكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مُنَقٍّ، غَيْرِ مُضِرٍّ، لا يَتَفَتَّتُ، لَا بِأُصْبِعٍ، أَوْ خِرْقَةٍ. مَسْنُونٌ كُلَّ وَقْتٍ، لِغَيْرِ صَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ. مُتَأَكَّدٌ عِنْدَ صَلاةٍ، وَانْتِبَاهٍ، وَتَغَيُّرِ فَمٍ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا، مُبْتَدِئًا بِجَانِبِ فَمِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَّهِنُ غِبًّا، وَيَكْتَحِلُ وِتْرًا، وَتَجِبُ التَّسْمِيَةُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ الذِّكْرِ، وَيَجِبُ الخِتَانُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ.


---------------------
السِّواك: فِعَالٌ، مِنْ سَاكَ يَسُوكُ، أو مِنْ تَسَوَّك يتسَوَّك؛ يطلق على الآلة التي هي العود، ويطلق على الفعل، فيقال: السواك سُنَّةٌ.
قوله: «باب السواك وسنن الوضوء»لما كان السواك من سنن الوضوء قرن بقية السنن بالسواك.
قوله: «بعود» دخل فيه كل أجناس العيدان، سواء كانت من جريد النخل أو من عراجينها أو من أغصان العنب، وما بعد ذلك من القُيود فُصولٌ تُخْرِج أجْناسًا من الأعواد.
وخرج بقوله: «عود» التسوك بخرقة أو الأصابع، فليس بسنة على المذهب([1])، فإن لم يكن عند الإنسان في حال الوضوء شيء من العيدان يستاك به، فيجزئ بالإصبع([2]).
وخرج بقوله:«لين» الأعواد القاسية، وبقوله: «منق» الذي لا شعر له، ويكون رطبًا رطوبة قوية فإنه لا ينقي لكثرة مائه وقلة شعره التي تؤثر في إزالة الوسخ، وبقوله: «غير مضر» ما يضر كالريحان، وكل ما له رائحة طيبة؛ لأنه يؤثر على رائحة الفم؛ لأن هذه الريح الطيبة تنقلب إلى ريح خبيثة.
وقوله: «لا يتفتت» أي لا يتساقط؛ لأنه إذا تساقط في الفم ملأه أذى.
قوله: «لا بأصبع» التسوك بالأصبع ليس بسنة، ولا تحصل به السنة، سواء كان ذلك عند الوضوء أو لم يكن، واختار بعض الأصحاب حصول السنِّيَّة بقدر ما يحصل من الإنقاء.
قوله: «أو خرقة» بأن يجعل الخرقة على الأصبع ملفوفة ويتسوك بها.
قوله: «مسنون كل وقت» أي بالليل والنهار «لغير صائم بعد الزوال» أي زوال الشمس، فيعم صيام الفرض والنفل، والراجح أنه سنة حتى للصائم([3]).
قوله: «متأكد عند صلاة»أي قربها، وكلما قرب منها فهو أفضل، ويشمل الفرض والنَّفْل، وكذا متأكد عند «انتباه»يعني من نوم ليل أو نهار،«وتغير فم» أي يتأكد عند تغير الفم([4]).
قوله: «ويستاك عرضًا»أي عرضًا بالنسبة للأسنان وطولًا بالنسبة للفم «مبتدئًا بجانب فمه الأيمن ويدهن» بأن يستعمل الدهن في شعره وبدنه «غبًّا» يعني: يفعل يومًا ولا يفعل يومًا، أو يومًا ويتركه يومين، ونحو ذلك.
قوله: «ويكتحل وترًا» أي بجعْلِ الكحل ثلاثة في كل عين، قالوا: وينبغي أن يكتحل بالإثمد كل ليلة، وهو نوع من الكحل مفيد جدًّا للعين.
قوله: «وتجب التسمية في الوضوء»أي يقول: بسم الله، ويكون عند ابتدائه «مع الذكر» فتسقط بالنسيان وهو المذهب؛ فإن نسيها في أوله وذكرها في أثنائه يبتدئ كما في المنتهى؛ لأنه المذهب، ولا يستمر كما في الإقناع؛ لأن المتأخرين يرون أنه إذا اختلف الإقناع والمنتهى، فالمذهب المنتهى.
قوله: «ويجب الختان» وهو بالنسبة للذَّكَر قَطْعُ الجِلْدَة التي فوق الحَشَفَة، وبالنسبة للأنثى قطع لحْمَةٍ زائدة فوق محل الإيلاج، والوجوب على الذَّكر والأُنْثَى هو المذهب([5])، وأقوى الأقوال في حق المرأة أنه سنة([6]).
قوله: «ويكره القزع» هو حلق بعض الرأس وترك بعض.

---------------------
([1]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 42).

([2]) وهو قول كما في الفروع (1/128).

([3]) وكراهته للصائم بعد الزوال هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/72)، والإباحة رواية كما في الإنصاف (1/118).

([4]) ونظمها بعضهم فقال:
وهو مؤكد لدى انتباه ثم قراءة كتاب الله
كذا الصلاة مَعْ تَغيُّرِ الفَمِ ثم الوضوء والدخول واعْلَمِ
انظر: حاشية أبي بطين (1/34).

([5]) انظر: كشاف القناع (1/80).

([6]) في الإنصاف (1/124) أن الوجوب على الرجال دون النساء رواية.
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:26 PM

وَمِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: السِّوَاكُ، وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثَلَاثًا -وَيَجِبُ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقَضٍ لِوُضُوءٍ- وَالْبَدَاءَةُ بِمَضْمَضَةٍ، ثُمَّ اسْتِنْشَاقٍ، وَالْمبَالَغَةُ فِيهِمَا لِغَيْرِ صَائِمٍ، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَالْأَصَابِعِ، وَالتَّيَامُنُ، وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأذُنَيْنِ، وَالْغَسْلةُ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ.

--------------------
قوله: «ويجب»غسل الكفين ثلاثًا، وهذا إذا أراد أن يغمسهما في الإناء «من نوم ليل» خرج به نوم النهار، فلا يجب غسل الكفين منه «ناقض لوضوء» احترازًا مما لو لم يكن ناقضًا، والنوم الناقض على المذهب: كل نوم، إلا يسير نوم من قائم أو قاعد غير مستند فيهما.
قوله: «والبداءة بمضمضة»بإدارة الماء في الفم«ثم استنشاق» بجذب الماء بالنّفس من الأنف، وهذا بعد غسل الكفين، والأفضل أن يكون ثلاث مرات بثلاث غرفات، والبدء بهما قبل غسل الوجه أفضل، وإن أَخَّرَهما بعد غسل الوجه جاز، ولا تكمل السنة إلا بالاستنثار بعد الاستنشاق والمج بعد المضمضة.
قوله: «والمبالغة فيهما»أي في المضمضة بأن تُحرِّك الماء بقوة وتَجْعَلَه يصل إلى كل الفم، وفي الاستنشاق بأن يجذبه بنَفَسٍ قوي«لغير الصائم» أما المبالغة للصائم فهي مكروهة؛ لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء.
قوله: «وتخليل اللحية الكثيفة» اللحية الخفيفة هي التي لا تستر البشرة، وهذه يجب غسلها وما تحتها؛ واللحية الكثيفة وهي ما تستر البشرة- لا يجب إلا غسل ظاهرها فقط، وعلى المشهور من المذهب يجب غسل المسترسل منها، وقيل: لا يجب، كما أنه لا يجب غسل ما استرسل من الرأس. والتخليل له صفتان: الأولى: أن يأخذ كفّا من ماء، ويجعله تحتها حتى تتخلل به، والثانية: أن يأخذ كفّا من ماء، ويخللها بأصابعه كالمشط.
قوله: «الأصابع» أي تخليل أصابع اليدين -بأن يدخل بعضهما ببعض- والرِّجلين بأن يخللهما بخنصر يده اليسرى مبتدئًا بخنصر رجله اليمنى من الأسفل إلى الإبهام، ثم الرِّجل اليسرى يبدأ بها من الإبهام لأجل التيامن- وهو في الرِّجْلَين آكد.
قوله: «والتَّيَامُنُ» أي: من سنن الوضوء، وهو خاصٌّ بالأعضاء الأربعة فقط، وهما اليدان والرجلان، أما الوجه فالنصوص تدل على أنه يُغْسل مرة واحدة، والرأس والأذنان يمسحان مرة واحدة، ولو فرض أن الإنسان لا يستطيع أن يمسح رأسه إلا بيد واحدة، فإنه يبدأ باليمين، وبالأذن اليمنى.
قوله: «وأخْذُ ماء جديد للأذنين» أي يُسَنّ إذا مسح رأسه أن يأخذ ماء جديدًا، ومن السنن«الغسلة الثانية والثالثة»([1]).

--------------------
([1]) قال في الفروع (1/152) في صفة الوضوء: «وظاهر ما ذكره بعضهم: يستقبل القبلة، ولا تصريح بخلافه، وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل».
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:27 PM

بَابُ فُرُوضِ الْوُضُوءِ وَصِفَتِهِ

فُرُوضُهُ سِتَّةٌ: غَسْلُ الْوَجْهِ، وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْهُ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَمِنْهُ الْأُذُنَانِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَالتَّرْتِيبُ، وَالمُوَالَاةُ، وَهِيَ: أَلّا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِي قَبْلَهُ.


--------------------
قوله: «وصفته» يعني: باب فروض الوضوء وباب صفة الوضوء، والصفة هي الكيفية التي يكون عليها.
قوله: «غسل» بأن يجري الماء على العضو، فخرج به المسح.
قوله: «الوجه» هو ما تحصل به المواجهة، وحدّه طولًا: من منحنى الجبهة - أي منابت الشعر المعتاد- إلى أسفل اللحية، وعرضًا من الأذن إلى الأذن، وعلى المذهب: يجب غسل ما استرسل من اللحية وقد سبق.
قوله: «والفم والأنف منه» لوجودهما فيه، وداخلان في حَدِّه، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء([1]).
قوله: «وغسل اليدين» ويجب أن يقيد ذلك إلى المرفقين، والمرفق: المفصل الذي بين العضد والذراع.
قوله: «ومسح الرأس» الفرق بين المسح والغسل: أن المسح لا يحتاج إلى جريان، بل يكفي أن يغمس يده في الماء ثم يمسح بها رأسه مبلولة بالماء، «ومنه الأذنان» أي من الرأس.
قوله: «وغسل الرِّجْلَين» ولا بد أن يُقَال: إلى الكَعْبَيْنِ، والكعبان هما العَظْمَان الناتِئَان اللذان بأسفل الساق من جانب القدم.
قوله: «والترتيب» فلا يسقط سهوًا ولا جهلًا، ولو فُرِضَ أن رجلًا جاهلًا في بادية، ومنذ نشأته وهو يتوضأ فيغسل الوجه واليدين والرِّجْلين ثم يمسح الرأس، فهنا قد يتوجه القول بأنه يُعْذَر بجهله.
قوله: «والموالاة»كون الشيء مواليًا للشيء أي عقبه بدون تأخير، وتفسيرها: «ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله» أي: الذي قبل العضو المغسول مباشرة على الولاء، وليس كل الأعضاء السابقة، وذلك بشرط أن يكون ذلك بزمن معتدل -كزمن الشتاء والرطوبة الذي يتأخر فيه النشاف- خال من الريح، أو شدة الحر الذي يسرع فيه النشاف.
ويستثنى من ذلك ما إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالطهارة، مثل: أن يكون بأحد أعضائه حائل يمنع وصول الماء فاشتغل بإزالته، فإنه لا يضر، أما إذا فاتت الموالاة لأمر لا يتعلق بالطهارة، كأن وجد على ثوبه دمًا فاشتغل بإزالته حتى نشفت أعضاؤه، فيجب عليه إعادة الوضوء، وظاهرُ كلام المؤلّف رحمه الله أنّ الموالاة ليست شرطًا في الغُسل، والأَوْلَى القول بأن الموالاة شرط؛ لأنها عبادة واحدة لا يمكن تجزئتها([2]).


--------------------
([1]) قال ابن عطوة: يكفي في المضمضة والاستنشاق البعض دون سائر الأعضاء، وقال الشيخ سليمان بن علي: المغيا لا يدخل في الغاية إلا في ثلاث: غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والأرجل إلى الكعبين يجب إدخال المرافق والكعبين في الغسل، والتكبير المقيد يدخل فيه عصر أيام التشريق. من حاشية أبي بطين (1/41).

([2]) وهو المذهب، كما في كشاف القناع (1/84).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:28 PM

وَالنِّيِّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ كُلِّهَا، فَيَنْوِي رَفْعَ الحَدَثِ، أَوِ الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا، فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ كَقِرَاءَةٍ، أَوْ تَجْدِيدًا مَسْنُونًا نَاسِيًا حَدَثَهُ ارْتَفَعَ, وَإِنْ نَوَى غَسْلًا مَسْنُونًا أَجْزَأَ عَنْ وَاجِبٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، فَنَوى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا ارْتَفَعَ سَائِرُهَا، وَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهَا عِنْدَ أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطّهَارَةِ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ، وَتُسَنُّ عِنْدَ أَوَّلِ مَسْنُونَاتِهَا إِنْ وُجِدَ قَبْلَ وَاجِبٍ، وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فِي جَميعِهَا، وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا.

--------------------
قوله: «والنية» بمعنى القصد، وخرج بقوله: «طهارة الأحداث»طهارة الأنجاس، فلا يشترط لها نية.
قوله: «فينوي رفع الحدث» فإذا توضأ بنية رفع الحدث الذي حصل له بسبب البول مثلًا صح وضوؤه، «أو الطهارة لما لا يباح إلا بها» أي: ينوي الطهارة لشيء لا يباح إلا بالطهارة؛ كالصلاة، والطواف، ومس المصحف، فيرتفع حدثه.
قوله: «فإن نوى ما تُسَن له الطهارة» كقراءة القرآن ارتفع حدثه؛ لأنه إذا نوى الطهارة لما تسن له فمعنى ذلك أنه نوى رفع الحدث لأجل أن يقرأ.
قوله: «أو تجديدًا مسنونًا ناسيًا حدثه ارتفع» أي: تجديدًا لوضوء سابق عن غير حدث، بشرط أن يكون ذلك التجديد مسنونًا؛ لأنه إذا لم يكن مسنونًا لم يكن مشروعًا، فإذا نوى التجديد وهو غير مسنون، فقد نوى طهارة غير شرعية، فلا يرتفع حدثه بذلك، وتجديد الوضوء يكون مسنونًا إذا صلى بالوضوء الذي قبله، فإذا صلى بالوضوء الذي قبله، فإنه يستحب أن يتوضأ للصلاة الجديدة.
وبشرط أن ينسى حدثه، فإن كان ذاكرًا لحدثه فإنه لا يرتفع؛ لأنه حينئذ يكون متلاعبًا.
قوله: «وإن نوى غسلًا مسنونًا أجزأه عن واجب»مثاله: أن يغتسل من تغسيل الميت.
قوله: «وكذا عكسه» أي إذا نوى غسلًا واجبًا أجزأ عن المسنون لدخوله فيه، وإذا نوى الغسلين: الواجب، والمستحب أجزأ من باب أولى.
قوله: «وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءًا» أي بأن فعل من نواقض الوضوء أشياء متعددة، كما لو بال وتغوَّط ونام ونوى الطهارة عن البول فإنه يجزئ عن الجميع، ولكن لو نوى عن البول فقط، ونوى ألا يرتفع غيره فلا يرتفع غيره.
والصحيح أنه إذا نوى رفع حدث عن واحد منها ارتفع عن الجميع، حتى وإن نوى ألا يرتفع غيره([1]).
قوله: «أو غسلًا» أي: اجتمعت أحداث توجب غسلًا؛ كالجماع، والإنزال، والحيض بالنسبة للمرأة، فإذا اجتمعت ونوى بغسله واحدًا منها فإن جميع الأحداث ترتفع.
قوله: «ويجب الإتيان بها»أي النية «عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية» ولم يقل عند أول فروض الطهارة؛ لأن الواجب مقدم على الفروض في الطهارة، والواجب هو التسمية.
قوله: «وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب»أول مسنونات الطهارة غَسْلُ الكفين ثلاثًا، فإذا غسلهما ثلاثًا قبل أن يسمي صار الإتيان بالنية حينئذ سنة.
وقوله: «إن وجد» أي أول المسنونات «قبل واجب» أي: التسمية، بأن غسل كفيه ثلاثًا قبل أن يسمي؛ فإن تقدم النية قبل غسل اليدين سنة.
قوله: «واستصحاب ذكرها في جميعها» أي يسن استصحاب ذكرها بالقلب في جميع الطهارة.
قوله: «ويجب استصحاب حكمها» معناه: ألا ينوي قطعها.


--------------------
([1]) وما ذكره المصنف هو المذهب على ما في شرح منتهى الإرادات (1/55)، وما صححه الشيخ وجه، كما في الإنصاف (1/149).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:28 PM

وَصِفَةُ الْوُضُوءِ: أَنْ يَنْوِي، ثُمَّ يُسَمِّيَ، وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ، وَيَسْتَنْشِقَ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأسِ، إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقْنِ طُولًا، وَمِنَ الْأذُنِ عَرْضًا، وَمَا فِيهِ مِنْ شَعْرٍ خَفِيفٍ وَالظّاهِرَ الْكَثِيفَ، مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ مَعَ الْأذُنَيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ، وَيَغْسِلُ الْأَقْطَعُ بَقِيَّةَ المَفْرُوضِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنَ المِفْصَلِ غَسَلَ رَأْسَ الْعَضُدِ مِنْهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ، وَتَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ.

--------------------
قوله: «وصفة الوضوء» أي المشتملة على الواجب وغير الواجب: «أن ينوي»والنية شرط، «ثم يسمي» والتسمية واجبة، «ويغسل كفيه ثلاثًا»؛ لأن الكفين آلة الوضوء، والواو هنا لا تفيد أن النية مقارنة للتسمية، ولكنها في محل «ثم» يعني ثم بعد التسمية يغسل كفيه ثلاثًا، «ثم يتمضمض» وسبق الكلام عليها، «ويستنشق»وسبق شرحه([1]). «ويغسل وجهه من منابت شعر الرأس» المراد مكان نبات الشعر المعتاد، بخلاف الأقرع الذي له شعر نازل على الجبهة، والأنزع الذي انحسر شعر رأسه «إلى ما انحدر من اللحيين والذقن» الذقن هو مجمع اللحيين، واللحيان هما العظمان النابت عليهما الأسنان؛ فيغسل إلى ما انحدر من اللّحيين، وكذلك إذا كان في الذقن شعر طويل فإنه يغسل.
قوله: «ومن الأذن إلى الأذن عرضًا» والبياض الذي بين العارض والأذن من الوجه، والشعر الذي فوق العظم الناتئ يكون تابعًا للرأس.
قوله: «وما فيه من شعر خفيف، والظاهر الكثيف» الخفيف ما نرى من ورائه البشرة فيجب غسله وما تحته، والكثيف لا نرى، ويجب غسل ظاهره دون باطنه، وكذلك يجب غسل ما في الوجه من شعر؛ كالشارب، والعنفقة، والأهداب، والحاجبين، والعارضين.
قوله: «مع ما استرسل منه»؛ أي نزل منه «ثم يديه» أي: اليمنى ثم اليسرى«مع المرفقين» التعبير بـ«مع» مع مخالفة الآية من باب التفسير والتوضيح.
قوله: «ثم يمسح كل رأسه مع الأذنين مرة واحدة»أي: لا يغسله وإنما يمسحه، ومسح الأذنين فرض، «ثم يغسل رجليه مع الكعبين»كالكلام على قوله: «مع المرفقين».
قوله: «ويغسل الأقطع»أي أقطع اليدين «بقية المفروض»، ولا يأخذ ما زاد على الفرض في مقابل المقطوع؛ فلو قدر أنه قطع من نصف الذراع، فلا يرتفع إلى العضد بمقدار نصف الذراع؛ لأن العضد ليس محلّا للغسل، وإنما يغسل بقية المفروض.
قوله: «فإن قطع من المفصل»إذا قطع من مفصل المرفق غسل رأس العضد؛ لأن رأس العضد مع المرفق في موازنة واحدة، وإن قطع من فوق المفصل لا يجب غسله، وهكذا بالنسبة للرِّجل والأذن.
قوله: «ثم يَرْفع بصره إلى السماء ويقول ما ورد»وهو حديث عمر رضي الله عنه: «أشهد ألّا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التَّوَّابين واجعلني من المتطهرين».
قوله: «وتباح معونَتُهُ» كتقريب الماء إليه وصبه عليه وهو يتوضأ، «وتنشيف أعضائه»أي تجفيفها.

--------------------
([1]) ويكون ثلاثًا ثلاثًا بيمينه، ومن غرفة أفضل، كما في الروض المربع، قال في حاشية ابن قاسم عليه (1/200): «أي بثلاث غرفات، يجمعهما بغرفة واحدة، ولا يفصل بينهما، وحكى ابن رشد الاتفاق عليه، لحديث علي أنه مضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات متفق عليه... قال ابن القيم: ولم يجئ الفصل بينهما في حديث صحيح، وقال النووي: لم يثبت في الفصل حديث أصلًا، بل الصواب تفضيل الجمع، للأحاديث الصحيحة المتظاهرة، وليس لها معارض».
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:29 PM

بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ

يَجُوزُ لمُقِيمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِمُسَافِرٍ ثَلَاثَةً بِلَيَالِيهَا مِنْ حَدَثٍ َبعْد لُبْسٍ عَلَى طَاهِرٍ مُبَاحٍ سَاتِرٍ لِلْمَفْرُوضِ، يَثْبُتُ بنَفْسِهِ مِنْ خُفٍّ، وَجَوْرَبٍ صَفِيقٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَعَلَى عِمَامَةٍ لِرَجُلٍ مُحَنّكَةٍ، أَوَ ذَاتِ ذُؤَابَةٍ، وَخُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةٍ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ، فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ.


--------------------
الخفّان: ما يلبس على الرِّجْل من الجلود، ويلحق بهما ما يُلْبَس عليهما من الكتان والصوف وكل ما يُلْبَسُ على الرجل مما تستفيده منه بالتسخين.
قوله: «يجوز لمقيم» يشمل المستوطن والمقيم، والإقامة عند الفقهاء: لكل مسافر أقام إقامة تمنع القصر فإنه مقيم ولا يسمى مستوطنًا، فلا تنعقد به الجمعة، ولا تجب عليه، والمستوطن: الذي اتخذ هذا البلد وطنًا له([1]).
قوله: «يومًا وليلة»للمقيم «ولمسافر ثلاثة بلياليها» إذا كان سفرًا يبيح القصر.
قوله: «مِنْ حدث» يعني: أن ابتداء المدة سواء كانت يومًا وليلة أو ثلاثة أيام من الحدث بعد اللبس، وهذا هو المذهب([2])، والصواب أن العبرة بالمسح وليس بالحدث([3]).
ويشترط أن يكون المسح على طاهر ليس نجس العين -كما لو كانت الخفاف من جلد ميتة مدبوغ- ليصلي به، أما المتنجس - كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة- فيجوز المسح عليه، ولكن لا يصلي به إلا إذا طَهُرَ.
قوله: «مباح» احتراز من المحرم لكسبه؛ كالمغصوب، والمحرم لعينه؛ كالحرير للرَّجُل.
قوله: «ساتر للمفروض» أي: للمفروض غسله من الرّجل، بألا يتبين شيء من المفروض من ورائه، سواء كان ذلك من أجل صفائه أو خفته، أو من أجل خروق فيه، ولو كان هذا الخرق بمقدار رأس المخراز، والراجح أن ما ظهر فيغسل وما استتر بالخف فيمسح كالجبيرة، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية([4]).
قوله: «يثبت بنفسه» أي لا بد أن يثبت بنفسه أو بنعلين إلى خلعهما؛ فإن كان يثبت بشده فلا يجوز المسح عليه، والصواب أنه يصح، والدليل على ذلك أن النصوص الواردة في المسح مطلقة([5]).
قوله: «من خف» مِنْ: بيانية؛ يعني حال كونه من خف، والخف: ما يكون من الجلد، والجورب ما يكون من غير الجلد كالخِرَق وشبهها.
قوله: «صفيق» أي لا بد أن يكون ساترًا للمفروض على المذهب.
قوله: «ونحوهما» أي: مثلهما من كل ما يُلْبَسُ على الرِّجْل، سواء سُمِّي خفًّا أو غير ذلك، فإنه يجوز المسح عليه؛ لأن العلة واحدة.
قوله: «وعلى عمامة»العمامة ما يُعَمَّم به الرأس ويكور عليه «لرجل» أو لصبي؛ أما المرأة فلا يجوز لها المسح على العمامة، ويشترط في العمامة ما يُشْتَرط في الخفِّ؛ من طهارة العين، وأن تكون مباحة.
قوله: «محنَّكَة» أي: يدار منها تحت الحنك «أو ذات ذؤابة» أي: يكون أحد أطرافها متدليًا من الخلف، ويشترط أيضًا أن تكون ساترة لما لم تَجْرِ العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فيُعْفَى منه؛ لمشقة التحرُّز.
ولا يشترط أن يمسح ما ظهر من الرأس، لكن يُسَنُّ أن يمسح معها ما ظهر من الرأس.
قوله: «وعلى خمُر النساء» خُمُر: جمع خمار، وهو ما تُغَطِّي به المرأة رأسها «مدارة تحت حلوقهن» أي لا مطلقة مرسلة؛ لأن هذه هي التي يشق نزعها.
قوله: «في حدث أصغر»فالعمامة والخف والخمار إنما تُمْسح في الحدث الأصغر دون الأكبر.


--------------------
([1]) قال ابن عطوة: يجب المسح على الخفين إذا لم يجد من الماء ما يكفيه وهو لابس بالشرائط المعتبرة، وإذا خاف أن يرفع الإمام رأسه في الركعة الثانية من الجمعة، وإذا تعينت عليه الصلاة على الميت وخاف انفجارًا. ذكره الإسنوي، والذي يظهر أن مذهبنا كذلك، وذكر أيضًا ما لو خاف خروج الوقت إذا اشتغل بالطهارة. قال أبو بطين في حاشية الروض (1/44): «واختاره المجد من أصحاب الإمام أحمد، وخالفه الموفق في ذلك».

([2]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/63).

([3]) وهي رواية، كما في الإنصاف (1/177).

([4]) انظر: الإنصاف (1/179).

([5]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/64-65)، وما صححه قول، كما في الإنصاف (1/179).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:30 PM

وَجَبِيرَةٍ لَمْ تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الحَاجَةِ، وَلَوْ فِي أَكْبَرَ إِلَى حَلِّهَا، إِذَا لَبِسَ ذَلِكَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ. وَمَنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ، ثُمَّ أقَامَ، أَوْ عَكَسَ، أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ، فَمَسْحُ مُقِيمٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ مَسْحِهِ فَمَسْحُ مُسَافِرٍ، وَلَا يَمْسَحُ قَلَانِسَ، وَلَا لِفَافَةً، وَلَا مَا يَسْقُطُ مِنَ الْقَدَمِ، أَوْ يُرَى مِنْهُ بَعْضُهُ، فَإِنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى خُفٍّ قَبْلَ الحَدَثِ، فَالحُكْمُ لِلْفَوْقَانِي.

--------------------
قوله: «وجبيرة» هي أعواد توضع على الكسر ليلتئم ثم يربط عليها، والآن بدلها الجبس([1]).
قوله: «لم تتجاوز قدر الحاجة» أي تتعدى قدر الكسر، وكل ما قرب منه مما يحتاج إليه في شدها.
قوله: «ولو في أكبر» أي يجوز المسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر.
قوله: «إلى حلها»أي إزالتها، وإذا برئ الجُرح وجب إزالتها.
قوله: «إذا لبس ذلك» المشار إليه الأنواع الأربعة: الخف، والعمامة، والخمار، والجبيرة.
وقوله: «بعد كمال الطهارة» لم يقل: بعد الطهارة حتى لا يتجوز متجوِّز، فيقول: بعد الطهارة؛ أي: بعد أكثرها.
قوله: «ومن مسح في سفر ثم أقام» فإنه يتم مسح مقيم إن بقي من المدة شيء، وإن انتهت المدة خلع، والرواية الثانية عن أحمد أنه يتم مسح مسافر كالعكس؛ لأنه وجد السبب الذي يستبيح به هذه المدة([2]).
قوله: «أو عكس» أي: مسح في إقامة ثم سافر، فإنه يتم مسح مقيم؛ تغليبًا لجانب الحضر احتياطًا.
قوله: «أو شك في ابتدائه» يعني: هل مسح وهو مسافر أو مسح وهو مقيم؟ فإنه يتم مسح مقيم احتياطًا وهو المذهب.
قوله: «وإن أحدث»وهو مقيم «ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر» أي: فإنه يتم مسح مسافر.
قوله: «ولا يمسح قلانس» القلانس: نوع من اللباس الذي يُوضَع على الرأس كالطاقية، فمثل هذا النوع لا يجوز المسح عليه.
هذا مراده، ولكن نقول: ما دام الشرع أجاز المسح على العمامة فكل ما كان مثلها في مشقة النزع فإنه يعطى حكمها([3]).
قوله: «ولا لفافة» أي: في القدم؛ لأنها ليست بخف، فلا يشملها حكمه، واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح على اللفافة وهو الصحيح([4]).
قوله: «ولا ما يسقط من القدم» يعني: ولا يمسح ما يسقط من القدم، وهذا بناء على أنه يُشْتَرط لجواز المسح على الخف ثبوته بنفسه أو بنعلين إلى خلعهما.
قوله: «أو يُرَى منه بعضه» أي: إذا كان الخف يُرَى منه بعض القدم، فإنه لا يمسح ولو كان قليلًا.
قوله: «فإن لبس خفًّا على خف قبل الحدث، فالحكم للفوقاني»كالشراب، فهذا خف على خف، ولا يجوز المسح عليهما إن كانا مخروقين على المذهب؛ ولو سَتَرَا؛ مثاله: لو لَبِسَ خُفّين أحدهما مخروق من فوق والآخر مخروق من أسفل، فالستر الآن حاصل، لكن لو انفرد كل واحد لم يجز المسح عليه، فلا يجوز المسح عليهما، ولو كانا سليمين جاز المسح عليهما، ولو كان أحدهما سليمًا والآخر مخروقًا جاز المسح عليهما؛ لأن أحدهما لو انفرد جاز المسح عليه.
وإذا لبس خفًّا على خف على وجه يصح معه المسح، فإن كان قبل الحدث فالحكم للفوقاني، وإن كان بعد الحدث فالحكم للتحتاني.
وقوله: «فالحكم للفوقاني» هذا لبيان الجواز؛ فإنه يجوز أن يمسح على التحتاني حتى ولو كان الحكم للفوقاني، وإذا كان في الحال الذي يمسح فيها الأعلى وخلعه بعد مسحه فإنه لا يمسح التحتاني هذا هو المذهب.


--------------------
([1]) الجبيرة تفارق الخف في عشرة أشياء: الطهارة على إحدى الروايتين، وسفر المعصية، وعدم التوقيت، وعدم ستر محل الفرض، واختصاصها بالضرورة، وتستوعب بالمسح، وتجوز من خرق ونحوها، ومن حرير ونحوه، ومن خشب ونحوه على رواية صحة الصلاة في ذلك. من حاشية أبي بطين (1/45).

([2]) انظر: الإنصاف (1/177).

([3]) عدم جواز المسح على القلانس هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/62)، وفيها وفي غيرها رواية كما في الإنصاف (1/170).

([4]) عدم الجواز هو المذهب كما في شرح منتهى الإرادات (1/62)، وانظر اختيار شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (21/185).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:31 PM

وَيَمْسَحُ أَكْثَرَ الْعِمَامَةِ، وَظَاهِرَ قَدَمِ الخُفِّ مِنْ أَصَابِعِهِ إِلَى سَاقِهِ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَعَقِبِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ جَبِيرَةٍ، وَمَتَى ظَهَرَ بَعْضُ مَحَلِّ الفَرْضِ بَعْدَ الحَدَثِ، أَوْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ اسْتَأنَفَ الطَّهَارَةَ.

--------------------
قوله: «ويمسح أكثر العمامة» هذا بيان للموضع والكيفية وهذا وجوبًا، وإن مسح الكل فلا حرج، ويُسْتَحَبّ إذا كانت الناصية بادية أن يمسحها مع العمامة، ويمسح «ظاهر قدم الخف من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه»؛ لأن المسح مختص بالظاهر، ويمسح «على جميع جبيرة، ومتى ظهر بعض محل الفرض»-كالكعب من القدم في فرض الرِّجْل أو جزء من الرأس؛ لأن العمامة ارتفعت- فإنه لا يمسح، بل يلزمه أن يستأنف الطهارة ويغسل رجليه ويمسح على رأسه، ومراد المؤلف: لو ظهر محل الفرض بعد الحدث، أما لو ظهر بعض محل الفرض أو كله قبل الحدث الأول، فإنه لا يضر، «أو تمت مدته استأنف الطهارة» يعني: إذا تمت المدة ولو كان على طهارة فإنه يجب عليه إذا أراد أن يصلي مثلًا أن يستأنف الطهارة؛ والراجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا تنتقض الطهارة بانتهاء المدة لعدم الدليل([1]).

--------------------
([1]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/68)، ورأي شيخ الإسلام ذكره في الإنصاف (1/190)، وهو في مجموع الفتاوى (21/179).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:31 PM

بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ

يَنْقُضُ مَا خَرَجَ مِنْ سَبِيلٍ، وَخَارِجٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ إِنْ كَانَ بَوْلًا، أَوْ غَائِطًا، أَوْ كَثِيرًا نَجِسًا غَيرَهُمَا، وَزَوَالُ الْعَقْلِ، إِلاّ يَسِيرَ نَوْمٍ مِنْ قَاعِد وَقَائِمٍ، وَمَسُّ ذَكَرٍ مُتَّصِلٍ، أَوْ قُبُلٍ بِظَهْرِ كَفِّهِ أَوْ بَطْنِهِ، وَلمْسُهُمَا مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلمْسُ ذَكَرٍ ذَكَرَهُ، أَوْ أُنْثَى قُبُلَهُ، لِشَهْوَةٍ فِيهِمَا.


--------------------
نواقض الوضوء: مفسداته؛ أي: التي إذا طرأت عليه أفسدته.
قوله: «ينقض ما خرج»يشمل كل خارج معتاد؛ كالبول والغائط، أو غير معتاد؛ كالريح من القُبل«من سبيل» مطلق فيتناول القُبُل والدبر، «وخارج من بقية البدن إن كان بولًا أو غائطًا»أي: وينقض خارج من بقية البدن إن كان بولًا أو غائطًا قَلَّ أو كَثُرَ.
وقال بعض أهل العلم: إن كان المخرج من فوق المعدة فهو كالقيء، وإن كان من تحتها فهو كالغائط، وهذا اختيار ابن عقيل رحمه الله، وهذا قول جيد([1]).
ويستثنى مما سبق: مَنْ حَدَثُهُ دائم، فإنه لا ينتقض وضوؤه بخروجه كمن به سلس بول أو ريح.
وظاهر قوله: «إن كان بولًا أو غائطًا» أن الريح لا تنْقُضُ إذا خرجت من هذا المكان الذي فتح عوضًا عن المخرج، ولو كانت ذات رائحة كريهة وهو المذهب.
قوله: «أو كثيرًا نجسًا غيرهما» أي: أو كان كثيرًا غير البول والغائط -كالدم والقيء- نجسًا؛ احترازًا من الطاهر، كالعَرَقِ واللّعاب ودَمْعِ العين.
قوله: «وزوال العقل» بالكلية كالجنون، أو تغطيته بسبب يُوجِب ذلك لمدة معينة؛ كالنوم، والإغماء.
وزوال العقل بالجنون والإغماء والسكر يسيره وكثيره ناقض، بخلاف النوم فإنه قال: «إلا يسير النوم من قاعد وقائم» فخرج ما عدا القاعد والقائم كالمتكئ، ويشترط أن يكون القائم والقاعد غير مستنِدَيْن.
واختيار شيخ الإسلام -وهو الصحيح- أن النوم مظنة الحدث، فإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه أحس بنفسه، فإن وضوءه باق([2]).
قوله: «ومس» أي بدون حائل «ذَكَرٍ» أي مس ذكر نفسه لا ما حوله، وذكره «متصل»احترازًا من المنفصل، وكذا «قبُل» المرأة؛ وكلاهما يشترط فيه أن يكون «بظهر كفه أو بطنه» أي: لا بد أن يكون المس بالكف، سواء كان بحرْفِهِ أو بطنه أو ظهره.
والخلاصة أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقًا، سواء بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قويًّا جدًّا، لكنه ليس بظاهر، بمعنى أني لا أجزم به، والاحتياط واجب([3]).
قوله: «ولمسهما من خُنْثَى مشكل» الضمير يعود على الذّكر والقُبُل، والخنثى المشكل هو: الذي لا يُعْلَم أذكر هو أو أنثى؟ يعني: له ذكر وله فَرْج، ويبول منهما جميعًا، ولم يتبين أمره لا بلحية ولا غيرها، فلا ينتقض الوضوء إلا بمسهما جميعًا.
قوله: «ولمس ذكر ذكره...» الضمير في «ذكره» و«قبله» يعود على الخنثى.
قوله: «لشهوة فيهما» إذا مسهما جميعًا انتقض الوضوء، فإذا مس أحدهما بدون شهوة فلا ينتقض مطلقًا، وإذا مس أحدهما بشهوة ففيه تفصيل؛ إذا كان الذكر مس الذكر انتقض وضوؤه، وإن مس الفرج لم ينتقض؛ كرجل خنثى ورجل صحيح، هذا الصحيح مس ذكر الخنثى لشهوة فينتقض وضوؤه، وإن كانت الأنثى مست قُبُلَ الخنثى لشهوة فإنه ينتقض الوضوء.

--------------------
([1]) وكلام المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/124)، وقول ابن عقيل ذكره في الإنصاف (1/197).

([2]) والموجود في المتن هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (71)، واختيار شيخ الإسلام ذكره في المجموع (21/391) وما بعدها.

([3]) والنقض بمس الذكر هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/71)، وعدم النقض مطلقًا رواية كما في الإنصاف (1/202).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:32 PM

وَمَسُّهُ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ، أَوْ تَمَسُّهُ بِهَا، وَمَسُّ حَلْقَةِ دُبُرٍ، لَا مَسَّ شَعْرٍ وَظُفْرٍ، وَأَمْرَدَ، وَلَا مَعَ حَائِلٍ، وَلَا مَلْمُوسٍ بَدَنُهُ وَلوْ وُجِدَ مِنْهُ شَهْوَةٌ، وَيَنْقُضُ غَسْلُ مَيِّتٍ وَأَكْلُ اللَّحْمِ خَاصَّةً مِنَ الجَزُورِ.

--------------------
قوله: «ومسه امرأة بشهوة» هذا الناقض الخامس؛ أي: مس الرجل امرأة بشهوة، والراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا إلا إذا خرج منه شيء([1]).
ولم يقيد المؤلف المس بكونه بالكف فيكون عامًّا، والباء في قوله: «بشهوة» للمصاحبة، أي: مصحوبًا بالشهوة.
وقوله: «امرأة» يشمل الأنثى، سواء كانت صغيرة مميزة أو كبيرة حرة، أو عبدة من محارمه أو ليست من محارمه.
قوله: «أو تمسه بها»أي: أو تمس المرأةُ الرجل بشهوة فينتقض وضوؤها، ولو أن امرأة مست امرأة لشهوة فلا ينتقض وضوؤها كالرجل للرجل.
قوله: «ومس حلقة الدبر» فلو مس ما قرب منها كالصفحتين، وهما جانبا الدبر، أو مس العجيزة أو الفخذ أو الأنثيين، فلا يُنْتَقَض الوضوء.
قوله: «لامس شعر» أي: لا ينقض مس شعر ممن ينقض مسه كمس المرأة بشهوة على المذهب «وظفر» لو مس ظفر امرأة لشهوة فلا ينتقض وضوؤه،«وأمرد» وهو من اخضرّ شاربه ولم تنبت لحيته إن مسه ولو بشهوة لا ينقض الوضوء، والصواب أن مس الأمرد كمس الأنثى سواء ([2]).
قوله: «ولا مع حائل» أي: ولا مس مع حائل؛ لأن حقيقة المس الملامسة بدون حائل.
قوله: «ولا ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة» يعني: لو أن امرأة عجوزًا باردة الشهوة لا تشتهي، فمسها رجل بشهوة، فلا ينتقض وضوؤها وينتقض وضوء الرجل، والقول الصحيح أن الملموس إذا وجد منه شهوة انتقض وضوؤه على القول بأن اللامس ينتقض وضوؤه وهو القياس([3]).
قوله: «غَسْلُ»أي ينقض تغسيل ميت، سواء غسل الميت كله أو بعضه، وقوله: «ميت» يشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، ولو من وراء حائل؛ فلو وضع على يده خرقة، وأخذ يغسله انتقض وضوؤه مطلقًا, هذا مراده، ولكن الراجح أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء([4]).
قوله: «وأكل اللحم خاصة من الجزور» يشمل القليل والكثير، والنيئ والمطبوخ، والجزور الكبيرة والصغيرة ؛ ويخرج به عدم الأكل كما لو مضغه ولم يبلعه، وخرج بكلمة «خاصة» ما عدا اللحم؛ كالكرش والكبد والشحم والكُلْيَة والأمعاء.

--------------------
([1]) والنقض هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/128)، وما رجحه رواية كما في الإنصاف (1/211).

([2]) والمذهب أنه لا ينقض، كما في كشاف القناع (1/129)، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين في المرأة كما مر.

([3]) والمذهب لا ينتقض، كما في كشاف القناع (1/129)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/214).

([4]) ونقضه للوضوء هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/130)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/216).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:33 PM

وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ غُسْلًا أَوْجَبَ وُضُوءًا إِلَّا المَوْتَ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الحَدَثِ أَوْ بالْعَكْسِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهَا وَجَهِلَ السَّابِقَ، فَهُوَ بِضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَى المْحُدِثِ مَسُّ المصْحَفِ، وَالصَّلَاةُ، وَالطّوَافُ.

--------------------
قوله: «وكل ما أوجب غسلًا أوجب وضوءًا»وهذا ضابط.
قوله: «إلا الموت»الموت عندهم موجب للغسل، ولا يوجب الوضوء؛ فلو جاء رجل وغمس الميت في نهر ناويًا تغسيله ثم رفعه فإنه يجزئ.
قوله: «ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث»فإنه يبني على اليقين، وهذا عام في موجبات الغسل، أو الوضوء، وكذا من تيقّن الحدث وشك في الطهارة، فالأصل الحدث.
قوله: «فإن تيقنها وجهل السابق»أي: تيقن أنه مر عليه طهارة وحدث، ولكن لا يدري أيهما الأول، فيقال له: ما حالك قبل هذا الوقت الذي تبين لك أنك أحدثت وتطهرت فيه؛ فإن قال: محدث، قلنا: أنت الآن متطهر، وإن قال: متطهر، قلنا: أنت الآن محدث، وقال بعض العلماء: إنه يجب الوضوء مطلقًا، والقول بوجوب الوضوء أحوط([1]).
قوله: «ويحرم على المحدث مس المصحف»المصحف: ما كتب به القرآن، سواء كان كاملًا أو غير كامل، حتى ولو آية واحدة كُتِبَتْ في ورقة ولم يكن معها غيرها فحكمها حكم المصحف.
ويجوز للصغير أن يمس لوحًا فيه قرآن، بشرط ألا تقع يده على الحروف، فإن مست حرم على الولي تمكينه.
قوله: «والصلاة والطواف» أي: يحرم على المحدث الطواف بالبيت نسكًا أو تطوعًا.

--------------------
([1]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/133)، وما رجحه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/221).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:34 PM

بَابُ الْغُسْلِ

مُوجِبُهُ خُرُوجُ المَنِيِّ دَفْقًا بِلَذَّةٍ لَا بِدُونِهَا مِنْ غَيْرِ نَائِمٍ، وَإِنِ انْتَقَلَ، وَلَمْ يَخْرُجْ اغْتَسَلَ لَهُ، فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهُ، وَتَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوَ مَيِّتٍ، وَإِسْلامُ كَافِرٍ،وَمَوْتٌ، وَحَيْضٌ، وَنِفَاسٌ لَا وِلَادَةٌ عَارِيَةٌ عَنْ دَمٍ، وَمَنْ لَزِمَهُ الغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَعْبُرُ المسْجِدَ لِحَاجَةٍ، ولَا يَلْبَثُ فِيهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ بِلَا حُلْمِ سُنَّ لَهُ الغُسْلُ.

--------------------
قوله: «وموجِبه» أي: ما يوجب الغسل أشياء:
أولًا: «خروج المني دفقًا بلذة لا بدونها»،فإذا خرج من غير لذة، أو من غير دفق فإنه لا يوجب الغسل، «من غير نائم»أي من اليقظان، فإذا خرج من اليقظان بلا لذة ولا دفق فإنه لا غسل عليه، وعُلم منه: أنه إن خرج من نائم وجب الغسل مطلقًا.
قوله: «وإن انتقل ولم يخرج» يعني: أحس بانتقاله لكنه لم يخرج، فإنه يغتسل، وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب ([1]).
قوله: «فإن خرج بعده لم يُعدْه» أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل.
قوله: «وتغييب حشفة» تغييب الشيء في الشيء معناه: أن يختفي فيه «أصلية» يحترز بذلك عن حشفة الخنثى المشكل، فإنها لا تُعْتَبر حشفة أصلية «في فرج أصلي» احترازًا من الخنثى المشكل فإنه لا يعتبر تغييب الحشفة فيه موجب للغسل؛ لأن ذلك ليس بفرج؛ فإذا غيب الإنسان حشفته في فرج أصلي، وجب عليه الغسل أنزل أو لم ينـزل.
قوله: «قبلًا كان أو دبرًا ولو من بهيمة أو ميت» أي أولجه في بهيمة أو ميت فعليه الغسل([2]).
ثانيًا:«إسلام كافر»إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل، سواء كأن أصليًّا أو مرتدًّا، ولو لم يوجد في كفره ما يوجبه.
ثالثًا:«موت» أي: إذا مات المسلم وجب على المسلمين غسله. والسقط إن نفخت فيه الروح غُسِّل وصُلِّي عليه وكُفِّن، وإن لم تنفخ فيه الروح فلا، وتنفخ الروح فيه إذا تم له أربعة أشهر.
رابعًا:«حيض» فإذا حاضت وجب عليها الغسل، وانقطاع الحيض شرط، فلو اغتسلت قبل أن تطهر لم يصح.
خامسًا:«نفاس» والنفاس: الدم الخارج مع الولادة أو بعدها، أو قبلها بيومين، أو ثلاثة، ومعه طَلْق، أما الدم الذي في وسط الحمل أو في آخر الحمل، ولكن بدون طلق فليس بشيء.
قوله: «لا ولادة عارية عن دم» أي: ليسـت الولادة العارية عن الدم موجبة للنفاس.
قوله: «ومن لزمه الغسل حرم عليه» عدة أمور: الصلاة، والطواف، ومس المصحف، وقراءة القرآن، واللبث في المسجد، والأخيران يختصان بمن لزمه الغسل.
قوله: «وحرم عليه قراءة القرآن» أي: حتى يغتسل، وإن توضأ ولم يغتسل، فالوجوب لا يزال باقيًا.
وقوله: «قراءة القرآن» هو أن يقرأ آية فصاعدًا، سواء كان ذلك من المصحف أو عن ظَهْر قلب، لكن إن كانت طويلة فإن بعضها كالآية الكاملة، ولا يحرم عليه قراءة ذكر يوافق القرآن ولم يقصد التلاوة.
قوله: «ويعبر المسجد لحاجة»أي: يحرم على من لزمه الغسل اللبث في المسجد؛ أي: يقيم، ولو مدة قصيرة، وله أن يتجاوز لحاجة كالدخول من باب والخروج من آخر لكونه أخصر لطريقه.
قوله: «بغير وضوء» فإن توضأ جاز المكث.
قوله: «ومن غسل ميتًا أو أفاق من جنون أو إغماء» الجنون: زوال العقل، والإغماء: تغطية العقل وليس زواله «بلا حلم» أي: بلا إنزال؛ فإن أنزل حال الإغماء وجب عليه الغسل كالنائم إذا احتلم.


--------------------
([1]) والغسل من الانتقال هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/141)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/230).

([2]) قال في الروض المربع: «ولا غسل إذا مس الختان الختان من غير إيلاج ولا بإيلاج بعض الحشفة»، وقال في حاشية ابن قاسم عليه (1/274): «وكل ما تقدم إذا كان بلا حائل؛ لأنه لا يسمى ملاق مع الحائل، وإن كانت الحشفة ملفوفة بخرقة مثلًا، فإن وجد لذة الجماع بأن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة وجب، وهو ظاهر قوله إذا التقى الختانان».
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:35 PM

وَالْغُسْلُ الْكَامِلُ:أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ، ويَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَا لَوَّثَهُ، وَيَتَوضَّأَ، وَيَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا تُرَوِّيهِ، وَيَعُمَّ بَدنَهُ غُسْلًا ثَلَاثًا، وَيَدْلِكَهُ، ويَتَيَامَنَ، ويَغْسِلَ قَدَمَيْهِ مَكَانًا آخَرَ، وَالمُجْزِئُ: أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ، وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ مَرَّةً، وَيَتَوضَّأَ بِمُدٍّ وَيَغْتَسِلَ بِصَاعٍ، فَإِنْ أَسْبَغَ بأقَلَّ، أَوْ نَوَى بِغَسْلِهِ الحَدَثَيْنِ أَجْزَأَ، وَيُسَنُّ لجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجِهِ. وَالْوُضُوءُ لِأَكْلٍ، وَنَوْمٍ، وَمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ.

--------------------
قوله: «والغسل الكامل» الغسل: له صفتان: صفة إجزاء وصفة كمال؛ فما اشتمل على ما يجب فقط فهو صفة إجزاء، وما اشتمل على الواجب والمسنون، فهو صفة كمال.
قوله: «أن ينوي» أي رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو نحوها، «ثم يسمي» والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء، «ويغسل يديه ثلاثًا» هذا سنة، واليدان الكفان «وما لوثه» أي: يغسل ما لوثه من أثر الجنابة «ويتوضأ» أي: يتوضأ وضوءه للصلاة وضوءًا كاملًا «ويحثي على رأسه ثلاثًا» ظاهره أنه يحثي الماء على جميع الرأس ثلاثًا «تُرَوِّيه»أي: تصل إلى أصوله في كل مرة، «ويعم بدنَهُ ثلاثًا» وهذا بالقياس على الوضوء «ويدلكه» أي: يمر يده عليه، «ويتيامن» أي: يبدأ بالجانب الأيمن «ويغسل قدميه مكانًا آخر»؛ أي: عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول.
والصواب أنه لا يغسل قدميه في مكان آخر إلا عند الحاجة، كما لو كانت الأرض طينًا؛ لأنه لم لو يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين([1]) .
قوله:«والمجزئ» أي: الذي تبرأ به الذمة. قوله: «أن ينوي ويسمي»، سبق الكلام على النية والتسمية «ويعم بدنه بالغسل مرة»حتى فمه وأنفه وظاهر شعره وباطنه كثيفًا كان أو خفيفًا، مع نقضه لحيض ونفاس.
قوله:«ويتوضأ بمد» أي يُسَنّ أن يكون الوضوء بمُد والغسل بصاع، والمد: ربع الصاع، والصاع =2040جرامًا، فالمد = 510 جرامًا.
قوله:«فإن أسبغ بأقل أجزأ» أي: إن أسبغ بأقل من المد في الوضوء، ومن الصاع في الغسل أجزأ؛ لكن يُشْتَرط ألا يكون مسحًا.
قوله:«أو نوى بغسله الحدثين أجزأ»النية لها أربع حالات:
الأولى: أن ينوي رفع الحدثين جميعًا فيرتفعان.
الثانية: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط، ويسكت عن الأصغر فلا يرتفع الأصغر على المذهب.
الثالثة: أن ينوي ما لا يباح إلا بالوضوء، أو باعتبار الحدثين جميعًا كالصلاة، فإذا نوى الغسل للصلاة، ولم ينو رفع الحدث، ارتفع عنه الحدثان.
الرابعة: أن ينوي ما يباح بالغسل فقط دون الوضوء؛ كقراءة القرآن، أو المكث في المسجد فلا بد من الوضوء.
قوله:«ويسن لِجنُبٍ غسل فرجه، والوضوء لأكل ونوْم» أي: يُسْتَحَبّ للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أن يتوضأ. وكذا لـ «معاودة وطء».

--------------------
([1]) والمذهب أنه يغسلهما بمكان آخر، كما في شرح منتهى الإرادات (1/85)، وما صوبه الشيخ قول، كما في الفروع (1/203).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:38 PM

بَابُ التَّيَمُّمِ

وَهُوَ بَدَلُ طَهَارَةِ الماءِ، إِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ أَوْ أُبِيحَتْ نَافِلَةٌ، وَعُدِمَ المَاءُ، أَوْ زَادَ عَلَى ثَمَنِهِ كَثِيرًا، أَوْ ثَمَنٍ يُعْجِزُهُ، أَوْ خَافَ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ طَلَبِهِ ضَرَرَ بَدَنِهِ، أَوْ رَفِيقِهِ، أَوْ حُرْمَتِهِ، أَوْ مَالِهِ بِعَطَشٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ هَلَاكٍ، وَنَحْوِهِ، شُرِعَ التَّيَمُّمُ، وَمَنْ وَجَد مَاءً يَكْفِي بَعْضَ طُهْرِهِ تَيَمَّمَ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ، وَمَنْ جُرِحَ تَيَمَّمَ لَهُ وَغَسَلَ الْبَاقِي.

--------------------
قوله:«وهو بدل طهارة الماء»أي: ليس أصلًا، وهو مبيح لا رافع للحدث، لذلك لو نوى التيمم عن عبادة لم يستبح به ما فوقها، فإذا تيمم لنافلة لم يصل به فريضة، وإذا خرج الوقت بطل، واشترط أن ينوي ما يتيمم له، فلو نوى رفع الحدث فقط لم يرتفع.
والصواب أن التيمم رافع للحدث ([1]).
قوله: «إذا دخل وقت فريضة» أي: يُشترط للتيمم دخول الوقت.
قوله: «أو أبيحت نافلة» أي: صار فعلها مباحًا، وذلك بأن تكون في غير وقت النهي، فإذا كان في وقت نهي، فلا يتيمم لصلاة نفل.
قوله: «عدم الماء» هذا الشرط الثاني: أن يكون غير واجد للماء، لا في بيته ولا في رحله إن كان مسافرًا، ولا ما قرب منه «أو زاد على ثمنه كثيرًا» أي: إذا وجد الماء بثمن زائد كثيرًا، والصواب أنه إذا كان واجدًا لثمنه قادرًا عليه، فيجب عليه أن يشتريه ([2])،«أو ثمن يعجزه» أي: ليس معه ثمنه أو معه ثمن ليس كاملًا «أو خاف باستعماله، أو طلبه ضرر بدنه» كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح أو في بدنه كله عند الغسل قروح وخاف ضرر بدنه، فله أن يَتَيَمَّمَ، وكذا لو خاف البرد ولم يجد ما يسخِّن به، «أو طلبه» أي: يخشى ضرر بدنه بطلب الماء لبعده بعض الشيء، أو لشدة برودة الجو فيتيمم. «أو رفيقه» بأن عطش الرفقة وتضرروا، «أو حرمته» كضرر امرأته أو من له ولاية عليها من النساء، «أو ماله» كما لو كان معه حيوان وإذا استعمل الماء تضرر أو هلك.
قوله: «بعطش» متعلق بضرر، أي: ضرر هؤلاء بعطش، «أو مرض»: مثاله: أن يكون في جلده جفاف إذا لم يُبَل بالماء دائمًا تشقق، فيكون فيه ضرر. «أو هلاك» كما لو خاف أن يموت من العطش. «ونحوه» أي من أنواع الضرر.
فالقاعدة أن يقال: الشرط الثاني: تعذر استعمال الماء؛ إما لفقده، أو للتضرر باستعماله.
وقوله: «شرع» أي: وجب لما تجب له الطهارة بالماء كالصلاة، واستحب لما تستحب له الطهارة بالماء؛ كقراءة القرآن دون مس المصحف.
قوله: «ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله» فلو كان عنده ماء يكفي لغسل الوجه واليدين فقط، فيجب أن يستعمل الماء أولًا ثم يتيمم.
قوله: «ومن جرح تيمم له وغسل الباقي» التيمم للجرح لا يشترط له فقدان الماء، فلا حرج أن يتيمم قبل غسل بقية الأعضاء.
وإذا كان الجرح في غسل الجنابة، فإنه يجوز أن يتيمم قبل الغسل، أو بعده مباشرة، أو بعد زمن، هذا هو المذهب؛ لأنهم يرون أن التيمم لا يشترط فيه ترتيب، ولا موالاة.
أما إذا كان التيمم في الحدث الأصغر فعلى المذهب يشترط فيه الترتيب والموالاة، فإذا كان الجرح في اليد وجب أن تَغْسِل وجهك أولًا، ثم تتيمم، ثم تمسح رأسك، ثم تغسل رجليك.
وهنا يجب أن يكون معك منديل، حتى تُنَشِّفَ به وجهك، ويدك؛ لأنه يشترط في التراب أن يكون له غبار، فإذا كان على وجهك ماء فالتيمم لا يصح.

--------------------
([1]) المذهب أنه مبيح لا رافع، كما في شرح منتهى الإرادات (1/89)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/296).

([2]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/92)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/269).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:39 PM

وَيَجِبُ طَلَبُ المَاءِ فِي رَحْلِهِ، وَقُرْبِهِ وَبِدِلَالَةٍ، فَإِنْ نَسِيَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ أَعَادَ، وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ أَحْدَاثًا أَوْ نَجَاسَةً عَلَى بَدَنِهِ تَضُرُّهُ إِزَالَتُهَا، أَوْ عَدِمَ مَا يُزِيلُهَا، أَوْ خَافَ بَرْدًا، أَوْ حُبِسَ فيِ مِصْرٍ فَتَيمَّمَ، أَوْ عَدِمَ المَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّى، وَلَمْ يُعِدْ.

--------------------
قوله: «ويجب طلب الماء في رحلـه» الرحل: المتاع، والمراد الجماعة، فإذا كان يعلم أنه لا ماء فيه فلا حاجة إلى الطلب؛ لأنه حينئذ تحصيل حاصل، «وقربه» أي: قرب رحله بحيث يمشي، فيبحث هل قربه أو حوله بئر أو غدير([1])، «وبدلالة» أي يطلب من غيره أن يدله على الماء، سواء بمال أو مجانًا، وإذا لم يجد الماء في رحله، ولا في قربه، ولا بدلالة شُرِعَ له التيمم.
قوله: «فإن نسي قدرته عليه» أي: لو كان يعرف أن حوله بئرًا لكنه نسي، فلما صلى، وجد البئر أعاد الصلاة([2]).
قوله: «وإن نوى لتيممه أحداثًا»؛ أي: أجزأ هذا التيمم الواحد عن جميع هذه الأحداث، ولو كانت متنوعة «أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها» مثاله: لو سقطت نقطة بول على جرح طريّ، لا يستطيع أن يغسله ولا يمسحه؛ لأنه يضره إزالتها، فيتيمم، والصحيح أنه لا يتيمم عن النجاسة مطلقًا([3]) «أو عدم ما يزيلها» مثاله: أصابه بَوْل على بدنه ولا ماء عنده يزيله به، فيتيمم.
وأفاد أن النجاسة على البدن يُتَيَمَّمُ لها بعد تخفيفها ما أمكن، وأما النجاسة في الثوب أو البقعة لا يُتَيَمَّمُ لها.
قوله: «أو خاف بردًا» إن وجد ما يسخن به الماء وجب عليه أن يسخن الماء، فإن لم يجد، وخاف ضررًا من البرد تيمم «أو حبس في مصر» فلم يصل إليه الماء، وإن حبس في مصر ولم يجد ماء ولا ترابًا صلى على حسب حاله، ولا إعادة عليه، ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على إحدى الطهارتين: الماء، أو التراب.

--------------------
([1]) هذا إذا كانت أرضًا جاهلًا بها؛ فإن كان ذا خبرة بها ولم يعلم أن فيها ماءً لم يلزمه ذلك. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي على الروض المربع (1/311).

([2]) ومثل أبو بطين في حاشيته (1/59) بأن وصل إلى بئر لا يقدر على الغسل منه وفي رحله دلو ورشاء ولكن نسيهما.

([3]) المذهب أنه يتيمم لها، كما في شرح منتهى الإرادات (1/93)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/279).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:39 PM

وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ غَيْرِ مُحْتَرِقٍ، لَهُ غُبَارٌ. وَفُرُوضُهُ: مَسْحُ وَجْهِهِ، وَيَدَيْهِ إِلَى كُوعَيْهِ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ وَالمُوَالَاةُ فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ، وَتُشْتَرَطُ النِّيّةُ لمَا يُتَيمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإنْ نَوىَ أحَدَهُمَا لَمْ يُجزِئْهُ عَنِ الْآخَرِ، وَإِنْ نَوَى نَفْلًا، أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يُصَلِّ بِهِ فَرْضًا، وَإِنْ نَوَاهُ صَلَّى كُلَّ وَقْتِهِ فُرُوضًا وَنَوَافِلَ.

--------------------
قوله: «ويجب التيمم» هذا بيان لما يُتَيَمّم له «بتراب» خرج به ما عداه؛ كالرمل، فإن عدم التراب كما لو كان في بر ليس فيه إلا رمل صلى بلا تيمم، والصحيح أنه لا يخص التيمم بالتراب، بل بكل ما تصاعد على وجه الأرض ([1]).
قوله: «طهور» فخرج التراب النجس كالذي أصابه بول، والتراب الطاهر الذي يتساقط من الوجه أو الكفّيْن بعد التيمم، وكذا لو ضرب الأرض فتيمَّمَ ثم أتى شخص وضرب على يديك ومسح فلا يجزئ؛ لأن التراب الذي على اليدين مستعمل في طهارة واجبة، فيكون طاهرًا، ولو ضرب على موضع ضرب يديه فهذا طهور.
والصحيح أنه ليس في التراب قسم يسمى طاهرًا غير مطهر، كما سبق في الماء([2]).
قوله: «غير محترق»فخرج نحو الخزف والأسمنت، وهذا ضعيف، والصواب أن كل ما على الأرض من تراب ورمل وحجر وطين رطب أو يابس فإنه يُتَيَمَّم به([3]).
قوله: «له غبار» فخرج التراب الرطب، والصحيح أنه ليس بشرط([4]).
ويشترط أن يكون التراب مباحًا فلو كان مسروقًا فلا، ولو غصب أرضًا فإنه يصح التيمم منه([5]).
قوله: «وفروضه مسح وجهه ويديه إلى كوعيه»والكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام([6]) «وكذا الترتيب والموالاة في حدث أصغر»فيبدأ بالوجه قبل اليدين، ولا يؤخر مسح اليدين زمنًا لو كانت الطهارة بالماء لجف الوجه قبل أن يطهر اليدين.
قوله: «وتشترط النية لما يُتَيَمم له من حدث أو غيره»فلا بد أن ينوي نيتين: نية ما يتيمم له، ونية ما يتيمم عنه من الحدث الأصغر أو الأكبر أو النجاسة التي على البدن خاصة.
قوله: «فإن نوى أحدهما لم يجزئه عن الآخر»فإذا نوى الأصغر لم يرتفع الأكبر والعكس، وإن نوى الجميع الأصغر والأكبر والنجاسة فإنه يجزئه.
قوله: «وإن نوى نفلًا أو أطلق لم يُصَلِّ به فرضًا»فلو تيَمَّمَ للراتبة القبلية مثلًا، فلا يصلي به الفريضة، وكذا لو أطلق فنوى التيمم للصلاة لم يصل به فرضًا.
قوله: «وإن نواه صلى كل وقته فروضًا ونوافل»أي: إن نوى الفرض صلى كل وقت الصلاة فرائض ونوافل، وله الجمع في هذا الوقت، وقضاء الفوائت([7]).


--------------------
([1]) المذهب: خصوص التراب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/97)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/284).

([2]) ما ذكره المصنف هو المذهب، وما صححه الشيخ قول، كما في الإنصاف (1/286).

([3]) المذهب خصوص التراب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/97)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/284).

([4]) المذهب أنه شرط كما في كشاف القناع (1/172)؛ حيث قال: «فلا يصح بسبخة ونحوها مما ليس له غبار»، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/284)؛ حيث قال: «وعنه يجوز بالسبخة أيضًا».

([5]) ويعتبر أيضًا أن يكون التراب مباحًا، فلا يصح بتراب مغصوب، كذا في الروض المربع، قال أبو بطين في حاشيته (1/60): «وأما الأرض المغصوبة فالظاهر أنه يصح تيممه منها» وهو ما صححه أيضًا في حاشية ابن قاسم النجدي (1/322).

([6]) ولا يدخل فمه وأنفه التراب لما في ذلك من التقذير. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (1/323).

([7]) فمن نوى شيئًا استباحه، ومثله ودونه؛ فأعلاه فرض عين، فنذر، ففرض كفاية، فصلاة نافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد. انظر: الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/61-62).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:40 PM

وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُروجِ الْوَقْتِ، وَبِمُبْطِلَاتِ الوُضُوءِ، وَبِوجُودِ المَاءِ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ؛ لَا بَعْدَهَا، وَالتَّيَمُّمُ آخِرَ الوَقْتِ لِرَاجِي المَاءِ أَوْلَى، وَصِفَتُهُ: أَنْ يَنْويَ ثُمَّ يُسَمِّيَ، وَيَضْرِبَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ، يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِهِمَا، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ، وَيُخلِّلُ أصَابِعَهُ.

--------------------
قوله: «ويبطل التيمم بخروج الوقت» حتى وإن لم يحدث، واستثنوا من ذلك: إذا تيمم لصلاة الظهر التي يريد أن يجمعها مع العصر، وإذا تيمَّم لصلاة الجمعة وصلى ركعة قبل خروج الوقت ثم خرج فإنه يُتِمّها.
والصحيح أنه لا يبطل بخروج الوقت، وأنك لو تيممت لصلاة الفجر، وبقيت على طهارتك إلى صلاة العشاء فتيمُّمُك صحيح([1]) .
وقوله: «وبمبطلات الوضوء» أي: نواقض الوضوء.
قوله: «وبوجود الماء» إذا تيمم لعدم الماء بطل بوجوده، وإذا تيمَّم لمرض لم يبطل بوجود الماء، ولكن يبطل بالبرء لزوال المبيح.
قوله: «ولو في الصلاة» فيتطهر ويستأنفها «لا بعدها» أي: إذا وجد الماء بعد الصلاة، لا يلزمه الإعادة.
قوله: «والتيمم آخر الوقت»أي الوقت المختار«لراجي الماء أولى» أي: إذا لم يجد الماء عند دخول الوقت، ولكن يرجو وجوده في آخر الوقت، فالأفضل أن يؤخر الصلاة.
قوله: «وصفته أن ينوي ثم يسمي» أي: يقول: بسم الله. لا يقوم غيرها مقامها، والتسمية هنا كالتسمية في الوضوء «ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع»لأجل أن يدخل التراب بينها؛ لأن الفقهاء يرون وجوب استيعاب الوجه والكفين هنا، ولذلك قالوا: مفرَّجَتَي الأصابع.
وظاهر الأحاديث عن النبي r: «وضرب بيديه الأرض»، ولم يرد أنها كانت مفرجتي الأصابع، وطهارة التيمم مبنية على التسامح، ليست كالماء([2]).
قوله: «يمسح وجهه بباطنهما وكفيه براحتيه» أي: بباطن الأصابع، ويترك الراحتين، فلا يمسح بهما؛ لأنه لو مسح بكل باطن الكف، ثم أراد أن يمسح كفيه صار التراب مستعملًا في طهارة واجبة، فيكون طاهرًا غير مطهر.
قوله: «ويخلل أصابعه» ليصل التراب إلى ما بينهما.

--------------------
([1]) وبطلانه بخروج الوقت هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/99)، وقال في الإنصاف (1/294): «وقيل: لا يبطل إلا بدخول الوقت».

([2]) المذهب أن تكون اليدين مفرجتي الأصابع، كما في شرح منتهى الإرادات (1/101).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:41 PM

بَابُ إِزَالِةِ النَّجَاسَةِ

يُجْزِئُ في غَسْلِ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَعَلَى غَيْرِهَا سَبْعٌ إِحْدَاهَا بِالتُّرَابٍ فِي نَجَاسَةِ كَلْبٍ، وَخِنْزِيرٍ، وَيُجْزِئُ عَنِ التُّرَابِ أُشْنَانٌ، وَنَحْوُهُ، وَفِي نَجَاسَةِ غَيْرِهِمَا سَبْعٌ بِلَا تُرَابٍ، وَلَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِشَمْسٍ، وَلَا رِيحٍ، وَلَا دَلْكٍ، وَلَا اسْتِحَالَةٍ غَيْرَ الخَمْرَةِ، فَإِنْ خُلِّلَتْ، أَوْ تَنَجَّسَ دُهْنٌ مَائِعٌ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ نَجَاسَةٍ غُسِلَ حَتَّى يُجْزَمَ بِزَوَالِهِ، وَيَطْهُرُ بَوْلُ غُلَامٍ لَمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ بِنَضْحِهِ.


--------------------
والمراد بهذا الباب النجاسة الحكمية، وهي التي تقع على شيء طاهر فينجس بها، وأما العينية فإنه لا يمكن تطهيرها أبدًا، والنجاسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مغلظة، ومتوسطة، ومخفّفة.
قوله: «ويجزئ في غسل النجاسات...»هذا تخفيف باعتبار الموضع، فإذا طرأت النجاسة على أرض، فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة أيًّا كانت بأي عدد من الغسلات([1]).
قوله: «وعلى غيرها سبع» أي: يجزئ في غسل النجاسات على غيرها سبع غسلات، فلا بد من سبع، كل غسلة منفصلة عن الأخرى، فيغسل أولًا، ثم يعصر، وثانيًا ثم يعصر، وهكذا إلى سبع.
قوله: «إحداها بالتراب في نجاسة كلب وخنزير»أي إحدى الغسلات بتراب.
والصحيح أن نجاسة الكلب كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب([2]).
وقوله: «كلب»: يشمل الأسود والمُعَلّم وغيرهما، وما يباح اقتناؤه وغيره، والصغير والكبير، وشامل أيضًا لما تنجس بالولوغ أو البول أو الروث أو الريق.
قوله: «وخنزير» حيوان معروف بفقد الغيرة.
قوله:«أشنان» هو شجر يُدَق، ويكون حبيبات كحبيبات السكر أو أصغر، تغسل به الثياب سابقًا، وهو خشن كخشونة التراب، ومنظف، ومزيل، ولهذا قال المؤلف: يجزئ عن التراب.
والمذهب أن الكلب إذا صاد أو أمسك الصيد بفمه فلا بد من غسل اللحم سبع مرات إحداها بالتراب، والصحيح أنه يجب غسل ما أصابه فم الكلب عند صيده؛ ولأن صيد الكلب مبني على التيسير([3]).
ويجزئ «وفي نجاسة غيرهما»أي غير الكلب والخنزير «سبع»غسلات «بلا تراب» ولو زالت النجاسة بأول غسلة وإن لم يوجد رائحة فيه ولا لون، فلا بد من السبع.
والصحيح أنه يكفي غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة ويطهر المحل، بخلاف الكلب فعلى ما تقدم([4]).
قوله: «ولا يطهر متنجس»تعم كل متنجس، سواء كان أرضًا أو ثوبًا أو فراشًا أو جدارًا، أو غير ذلك «بشمس» والصواب أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة ([5]) .
قوله: «ولا ريح ولا دلك» ولو كان صقيلًا كالمرآة، والصحيح فيما كان صقيلًا أنه يطهر بالدَّلك، فلو تنجست مرآة، ثم دلكتها حتى أصبحت واضحة لا دنس فيها فإنها تطهر([6]).
قوله: «ولا استحالة»أي: تحول من حال إلى حال؛كروث حمار أوقد به فصار رمادًا فلا يطهروالدخان المتصاعد من هذه النجاسة نجس؛ لأنه متولد من هذه النجاسة، فلو تلوث ثوب إنسان أو جسمه وهو رطب فلا بد من غسله.
قوله: «غير الخمرة» الخمر: اسم لكل مسكر «فإن خللت» أي الخمرة، بصب شيء من خل أو غيره عليها فتتخلل وتزول نشوتها، ولكنها لا تطهر، بخلاف ما إذا تخللت بنفسها فإنها تطهر.
قوله: «أو تنجس دهن مائع لم يطهر» سواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة، وسواء كان الدهن قليلًا أو كثيرًا، وسواء تغير أو لم يتغير، هذا هو المشهور من المذهب، فينجس هذا الدهن ويفسد، والصواب أن الدهن المائع كالجامد؛ فتلقى النجاسة وما حولها، والباقي طاهر([7]).
ولو كان جامدًا وتنجس، فإنها تزال النجاسة وما حولها.
قوله: «وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله» إن كانت في مكان ضيق فلا يجوز التحرِّي، ولو أمكن؛ لأنه لا بد من الجزم، واليقين، فإن كانت في مكان واسع فإنه يَتَحَرَّى ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ لأن غسل الواسع فيه صعوبة. والصحيح أنه يجوز في المكان الضيق التحري([8]).
قوله: «ويطهر بول»خرج به الغائط«غلام»خرج به الجارية «لم يأكل الطعام» خرج آكل الطعام «بنضحه» والنضح: أن تتبعه الماء دون فرك، أو عصر حتى يشمله كله.


--------------------
([1]) وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول؛ لعدم اعتبار النية لإزالتها، وحكى البغوي وغيره إجماع المسلمين على أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى النية. انظر: الروض المربع، مع حاشية ابن قاسم النجدي (1/339).

([2]) والمذهب أنه مثل الخنزير، كما في كشاف القناع (1/181)، وقال في الإنصاف: «تغسل نجاسة الكلب سبعًا عل الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب، وعنه ثمانيًا؛ فظاهر ما نقله ابن أبي موسى: اختصاص العدد بالولوغ... وقيل: لا يعتبر في نجاستهما (أي الكلب والخنزير) عدد».

([3]) وهو المذهب، كما في كشاف القناع (6/224).

([4]) والمذهب سبع، كما في كشاف القناع (1/183)، وما صححه الشيخ رواية كما في الإنصاف (1/313).

([5]) والمذهب أنها لا تطهره، كما في كشاف القناع (1/186)، وما صوبه الشيخ قول، كما في الإنصاف (1/317).

([6]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/105)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/322).

([7]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/104-105)، وذكر في الإنصاف (1/321) قولًا أنه يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله.

([8]) قال في كشاف القناع (1/189): «(وإذا خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو مصلّى صغير كبيت صغير لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها، فلا يكفي الظن)؛ لأنه اشتبه الطاهر بالنجس فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة بالغسل، كما لو خفي المذكّى بالميت، ولأن النجاسة متيقنة فلا تزول إلا بيقين الطهارة، فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله، وإن علمها في أحد كميه وجهله غسلهما، وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه غسل ما يقع عليه نظره، (و) إن خفيت نجاسة (في صحراء واسعة ونحوها) كحوش واسع (يصلي فيها بلا غسل ولا تحرٍّ) فيصلي فيه حيث شاء، لئلا يفضي إلى الحرج والمشقة».
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:42 PM

وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَمَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرِ دَمٍ نَجِسٍ، مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَعَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ، وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالمَوْتِ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْ طَاهِرٍ، وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لحْمُهُ، وَرَوْثُهُ، وَمَنِيُّهُ، وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ، وَرُطُوبَةُ فَرْجِ المَرْأَةِ، وَسُؤْرُ الهِرَّةِ، وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ، وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ، وَالطَّيْرِ، وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَالْبَغْلُ مِنْهُ: نَجِسَةٌ.

--------------------
قوله: «ويعفى» العفو: التسامح والتيسير«في غير مائع»أي سائل؛ كالماء، واللبن «ومطعوم»كالخبز«عن يسير دم نجس» وذلك كالثياب والبدن والفرش والأرض.
قوله: «دم نجس» الدماء ثلاثة: الأول: نجس، لا يعفى عن شيء منه، وهو كل دم خرج من حيوان نجس أو خرج من السبيلين من الآدمي، والثاني: نجس، يعفى عن يسيره، والثالث: طاهر كدم السمك والدم اليسير الذي لا يسيل؛ كدم البعوضة، والدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها، ودم الشهيد عليه طاهر.
قوله: «من حيوان طاهر» وهو كل حيوان حلال كبهيمة الأنعام فهي طاهرة في الحياة، وكل ما ليس له دم سائل فهو طاهر في الحياة وبعد الموت، أما الحيوان النجس فلا، وهو كل حيوان محرم الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة على المذهب.
ويعفى «عن أثر استجمار»شرعي تمت شروطه، وقد سبق في باب الاستنجاء، فإن الأثر الباقي بعد هذا الاستجمار يُعْفَى عنه «بمحله»، فلو تجاوز محله لم يعف عنه، كما لو عرق وسال العرق وتجاوز المحل وصار على سراويله أو ثوبه، فإنه لا يُعْفَى عنه حينئذ، والصحيح أنه إذا تمت شروط الاستجمار فإنه مطهر، وعلى هذا القول فالراجح أنه لو تعدى محله وعرق على سراويله لا يضر؛ لأن الاستجمار مطهر([1]).
ولا يعفى عن يسير شيء مما سوى الدم اليسير الذي ذكره وأثر الاستجمار كما ذكر، فالقيء مثلًا لا يعفى عن يسيره، وكذلك البول والروث.
قوله: «ولا ينجس الآدمي» سواء مؤمن وكافر، وذكر وأنثى، وصغير وكبير «بالموت».
قوله:«وما لا نفس»أي دم«له سائلة»أي: يسيل بجرح أو قتل«متولدة من طاهر» فهذا لا ينجس بالموت، وكذلك لا ينجس في الحياة من باب أولى، كالصراصير والخنفساء والعقرب؛ فإن تولد من نجس فهو نجس كصراصير الكنف على المذهب.
قوله: «وبول ما يؤكل لحمه وروثه»كالإبل والبقر والغنم «ومنيه» طاهر.
قوله: «ومني الآدمي» هو الذي يخرج من الإنسان بالشهوة، وهو ماء غليظ لا يسيل من غلظه«ورطوبة فرج المرأة» أي: طاهران، والفرج له مجريان: مجرى مسلك الذكر، وهذا يتصل بالرحم ولا علاقة له بمجاري البول ولا بالمثانة، ويخرج من أسفل مجرى البول، ومجرى البول وهذا يتصل بالمثانة ويخرج من أعلى الفرج؛ فإذا كانت هذه الرطوبة ناتجة عن استرخاء المثانة من مجرى البول، فهي نجسة، وحكمها حكم سلس البول إن كانت مستمرة، وما خرج منها ينقض الوضوء، وإذا كانت من مسلك الذكر فهي طاهرة وما خرج منها ينقض الوضوء، وقال ابن حزم: لا ينقض الوضوء.
قوله: «وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة»السؤر: بقية الطعام والشراب«طاهر» والراجح أن العلة التي يجب أن تتبع ما علل به النبي r وهي أنها من الطوافين علينا، وعلى هذا فكل ما يكثر التطواف على الناس مما يشق التحرز منه فحكمه كالهرة، إلا الكلب ([2]) .
قوله: «وسباع البهائم نجسة»وهي التي تأكل وتفترس؛ كالذئب، والضبع، والنمر إذا كانت أكبر من الهرة، وليس المراد سؤر سباع البهائم، وكذا سباع «والطير» التي هي أكبر من الهرة كالنسر، وكذا «الحمار الأهلي» احترازًا من الحمار الوحشي فهو حلال الأكل، «والبغل منه» أي: من الحمار الأهلي، وهو دابة تتولد من الحمار إذا نزا على الفرس، فهذه الأشياء نجسة، وكذا أسآرها.
والصحيح أن الحمار الأهلي والبغل سؤرهما وعَرَقُهُمَا وما يخرج من أنفهما طاهر([3]).


--------------------
([1]) وما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/108)، وما صححه الشيخ ذكره في الإنصاف (1/329) قال: «قال في الرعايتين والحاويين وغيرهما: يعفى عن عرق المستجمر في سراويله، واستدل في المغني ومن تبعه بالنص على أن أثر الاستجمار طاهر لا أنه نجس ويعفى عنه»، وله تتمة انظرها هناك.

([2]) والمذهب ما نص عليه المصنف كما في كشاف القناع (1/195)، وقال في الفروع (1/246-247): «لتشبيه الشارع عليه السلام لها بالطوافين والطوافات، وهم الخدم... ولعدم إمكان التحرز كحشرات الأرض كالحية، قاله القاضي؛ فدل على أن مثل الهر كَهِيَ».

([3]) والمذهب نجاستهما، كما في كشاف القناع (1/192)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/342).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:42 PM

بَابُ الْحَيْضِ

وَلَا حَيْضَ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ، وَلَا بَعْدَ خَمْسِينَ، وَلَا مَعَ حَمْلٍ، وَأَقَلّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَغَالِبُهُ سِتٌّ، أَوْ سَبْعٌ، وَأَقَلّ الطّهْرِ بَيْنَ الحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.

--------------------
الحيض في اللغة: السيلان، وفي الشرع: دم طبيعة يصيب المرأة في أيام معلومة إذا بَلَغَتْ، خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى لِحِكْمَةِ غذاء الولد، والحيض دم من طبيعة البشر، وليس دمًا طارئًا أو عارضًا، بخلاف دم الاستحاضة فهي دم طارئ عارض.
قوله: «لا حيض قبل تسع سنين»([1])فإن نزل دم قبل تمام التسع –لا مجرد دخولها- فليس بحيض، ولو كان بعادة وبصفة دم الحيض، «ولا بعد خمسين»أي: ليس بحيض ما نزل بعد تمام خمسين سنة.والصواب: أنه متى وُجِدَ الحيض ثَبَتَ حُكْـمُه، ومَتَى لم يوجد لم يثبت له حكم، ويمكن أن يوجد قبل تسع سنين وبعد الخمسين، وهذا يشهد له الواقع([2]).
قوله: «ولا مع حمل» أي: حال كونها حاملًا، والراجح أن الحامل إذا رأت الدم المطرد الذي يأتيها على وقته وشهره وحاله، فإنه حيض([3]).
وقوله: «وأقله يوم وليلة» فلو أنها رأت دمًا لمدة عشرين ساعة، فليس بحيض، ولو كان معهودها برائحته ولونه وثخونته، وعليها قضاء ما تركته من صلاة في هذه المدة، وما ليس بحيض مما هو دون اليوم والليلة أو مع الحمل، فليس استحاضة، ولكن له حكم الاستحاضة، ومن الفقهاء من يطلق عليه بأنه دم فساد.
قوله: «وأكثره خمسة عشر يومًا» فإن زاد عنها فهي مستحاضة، وسيأتي حكمها،«وغالبه ست أو سبع» ليال بأيامها.
قوله: «وأقل الطّهر بين الحيضتين ثلاثة عشر» فلو طهرت من حيضها، وبعد اثني عشر يومًا جاءها الدم فليس بحيض، لكن له حكم الاستحاضة.
والصحيح أن من النساء من لا تحيض أصلًا، ومنهن من تحيض ساعات ثم تطهر، فلا حد لأقل الحيض ولا أكثره ([4])..
قوله: «ولا حد لأكثره» أي: لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين؛ لأنه وجد من النساء من لا تحيض أصلًا.


--------------------
([1]) هلالية وفاقًا تحديدًا، صرح به الأكثر، وقيل تقريبًا. انظر حاشية ابن قاسم النجدي (1/371).

([2]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/113)، وما صوبه الشيخ هو مختار الشيخ تقي الدين كما في الإنصاف (1/356-357).

([3]) والمذهب أنه ليس بحيض كما في شرح منتهى الإرادات (1/114)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/357).

([4]) تقدير أكثر الحيض وأقله كما ذكره المصنف هو المذهب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/114)، وما صححه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين أنه لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره؛ بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض. انظر: الإنصاف (1/358).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:44 PM

وَتَقْضِي الحَائِضُ الصَّوْمَ، لَا الصَّلَاةَ، وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهَا، بَلْ يَحْرُمَانِ، ويَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي الفَرْجِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُهُ كَفَّارَةً، وَيَسْتَمْتِعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ, إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ لَمْ يُبَحْ غَيَرُ الصِّيَامِ، وَالطَّلَاقِ. وَالمبُتَدَأَةُ تجْلِسُ أَقَلَّهُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنِ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ فَمَا دُونَهُ، اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا فَحَيْضٌ، وَتَقْضِي مَا وَجَبَ فِيهِ، وَإِنْ عَبَرَ أَكْثَرَهُ فَمُسْتَحَاضَةٌ، وإِنْ كَانَ بَعْضُ دَمِها أَحْمَرَ، وَبَعْضُهُ أَسْوَدَ، وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ، وَلَمْ يَنقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ فَهُوَ حَيْضُهَا تَجْلِسُهُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَالْأَحْمَرُاسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا مِنْهَا تَمَيُّزًا جَلَسَتْ غَالِبَ الحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.

--------------------
قوله: «وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة» فالحائض لا تصوم ولا تصلي، وتقضي الصوم لا الصلاة، والصوم والصلاة «لا يصحان منها، بل يحرُمان» عليها، كما يحرم الطواف، وقراءة القرآن، وكذا «يحرم وطؤها في الفرج»([1]) فإن فعل فعليه دينار أو نصفه كفارة، والدينار مثقال من الذهب = 4.25. وللزوج أو السيد أن «يستمتع منها بما دونه»أي: دون الفرج، فيجوز أن يستمتع بما فوق الإزار و بما دون الإزار.
قوله: «وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق» فيجوز طلاقها بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل.
قوله: «والمبتدأة» التي ترى الحيض لأول مرة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة «تجلس»أي: تدع الصلاة والصيام، وكل شيء لا يُفْعَلُ حال الحيض؛ فإنها تجلس «أقله»وهو يوم وليلة«ثم تغتسل وتصلي»أي: بعد أن يمضي عليها أربع وعشرون ساعة.
قوله: «فإن انقطع لأكثره»وهو خمسة عشر يومًا«فما دونه اغتسلت عند انقطاعه»كامرأة جلست يومًا وليلة، ثم اغتسلت وصارت تصلي وتصوم الواجب، فانقطع الدم لعشرة أيام فتغتسل مرة أخرى، فهنا اغتسلت مرتين: الأولى عند تمام اليوم والليلة، والثانية عند الانقطاع، فإن تكرر ذلك ثلاث مرات أي في نفس الوقت في ثلاثة أشهر «فحيض»فتكون عادتها عشرة أيام، والأيام التي كانت تصلي فيها وتصوم وتبين أنها أيام حيض، فلا تقضي الصلاة منها، وتقضي الصوم واعتكاف نذر؛ فلذا قال: «وتقضي ما وجب فيه» أي: كل عبادة واجبة على الحائض لا تصح منها حال الحيض يجب عليها أن تقضيها.
فإن قدر أن هذا الحيض لم يتكرر بعدده ثلاثًا؛ أي: جاءها أول شهر عشرة، والشهر الثاني: ثمانية، والثالث ستة، فالستة هنا هي الحيض فقط.
قوله: «وإن عبر أكثره»أي جاوز أكثر الحيض وهو الخمسة عشر«فمستحاضة» والكلام في المبتدأة.
قوله: «فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود»هذه علامة من علامات التمييز، فيقال لها: ارجعي إلى التمييز، والتمييز: التبين حتى يعرف هل هو دم حيض أو استحاضة؛ فالدم الأسود إن نقص عن أقله أو زاد عن أكثره فهذا ليس بشيء فلا يُعْتَبر، وإن لم ينقص عن أقله ولم يزد على أكثره فهو حيض.
قوله: «ولم يعبر»أي: لم يعبر الأسود أكثر الحيض؛ لأنه إذا عبر أكثره لم يصلح أن يكون حيضًا.
قوله: «ولم ينقص عن أقله»فلو قالت المبتدأة: إنه أول يوم أصابها الدم كان أسود ثم صار أحمر لمدة عشرين يومًا، فلا ترجع إلى التمييز؛ لأنه لا يصلح أن يكون حيضًا، لنقصانه عن أقله، وإن قالت: أصابها الدم الأسود ستة أيام، فإنه حيض؛ لأنه لم ينقص عن أقله، ولم يزد على أكثره، والباقي الأحمر استحاضة.
قوله: «وإن لم يكن دمها متميزًا قَعَدَتْ غالب الحيض»وغالب الحيض ستة أيام أو سبعة، والأرجح أن ترجع إلى عادة نسائها؛ كأختها وأمها وما أشبه ذلك؛ لأن مشابهة المرأة لأقاربها أقرب من مشابهتها لغالب النساء([2]).
قوله: «من كل شهر»وتبدأ من الشهر من أول يوم أصابها، فإذا كان أول يوم أصابها الحيض فيه هو الخامس عشر فإنها تبدأ من الخامس عشر إلى اثنين وعشرين أو إلى عشرين، وهكذا.
وإن نسيت ولم تدر هل جاءها الحيض من أول يوم من الشهر أو في العاشر أو العشرين تجعله من أول الشهر، على سبيل الاحتياط.

--------------------
([1]) إلا لمن به شبق بشرطه، وشرطه ألا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج، وأن يخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ، وألا يجد مباحة غير الحائض، وألا يقدر على مهر حرة أو ثمن أمة. انظر: الروض المربع مع حاشية أبي بطين (1/72)، وزاد ابن قاسم النجدي (1/379): «وقيل: بل يلزمه النكاح أو التسري، ولو زاد على مهر أو ثمن المثل زيادة كثيرة لكن لا تجحف بماله؛ لأن ظاهر كلامهم أن ما لا يتكرر لا يكون مانعًا، وقيل: ويتجه: أو خوف عنت منه أو منها، ولا تندفع شهوتهما بدون إيلاج».

([2]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/206)، وما ذكره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/367).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:44 PM

وَالمُسْتَحَاضَةُ المُعْتَادَةُ وَلَوْ مُمَيِّزَةً تَجْلِسُ عَادَتَهَا، وَإِن نَسِيَتْها عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ الصَّالِحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْييزٌ فَغَالِبُ الحَيْضِ كَالْعَادَةِ بِمَوْضِعِهِ النَّاسِيةِ لِعَدَدِهِ، وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَهُ، وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهُ مِنَ الشَّهْرِ، وَلَوْ فِي نِصْفِهِ جَلَسَتْهَا مِنْ أوَّلِهِ، كَمَنْ لَا عَادَةَ لَها وَلَا تَمْيِيزَ، وَمَنْ زَادَتْ عَادَتُهَا، أَوْ تَقَدَّمَتْ، أَوْ تَأَخَّرَتْ فَمَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا فَحَيْضٌ، وَمَا نَقَصَ عَنِ الْعَادَةِ طُهْرٌ، وَمَا عَادَ فِيهَا جَلَسَتْهُ.

--------------------
قوله: «والمستحاضة المعتادة» أي التي كانت لها عادة سليمة قبل الاستحاضة، ثم أصيبت بمرض واستحيضت فتجلس عادتها «ولو مميزة» أي ولو كان دمها متميزًا فيه الحيض من غيره.
قوله: «وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح»الصالح أي: بكونه حيضًا، ويصلح إذا لم ينقص عن أقله ولم يزد على أكثره، وكأن يكون بعضه أسود أو منتنًا أو غليظًا، فتجلس أيام هذا الدم.
قوله: «فإن لم يكن لها تمييز فغالب الحيض» أي: ليس لها تمييز أو لها تمييز غير صالح، فتجلس غالب الحيض، وترجع بغالب الحيض من أول الشهر الهلالي، ولا نقول من أول يوم أتاها الحيض؛ لأنها قد نَسِيَت العادة.
قوله: «كالعالمة بموضعه الناسية لعدده»أي: أن العالمة بموضعه الناسية لعدده تجلس غالب الحيض، ولا ترجع للتمييز.
قوله: «وإن علمت عدده، ونسيت موضعه»أي هل هو في أول الشهر أو وسطه أو آخره؟ فتجلس من أول الشهر على حسب عادتها، وقوله: «ولو في نصفه»أي تجلس من أول النصف.
قوله: «كمن لا عادة لها ولا تمييز»أي كمبتدأة.
قوله: «ومن زادت عادتها» كامرأة عادتها خمسة أيام ثم زادت فصارت سبعة أيام «أو تقدمت»كامرأة عادتها في آخر الشهر فجاءتها في أوله «أو تأخرت»عكس السابقة «فما تكرر ثلاثًا فحيض»كالمبتدأة تمامًا.
والصحيح أنه حيض بدون شرط التكرار ثلاثًا، وأنه لو كانت عادتها في آخر الشهر ثم جاءتها في أوله في الشهر الثاني وجب عليها أن تجلس ولا تصلي ولا تصوم، ولا يأتيها زوجها([1]).
قوله: «وما نقص عن العادة طهر»وهذا هو تغير العادة بنقص؛ كامرأة عادتها سبع، فحاضت خمسة ثم طهُرَت، فإن ما نقص طهر.
قوله:«وما عاد فيها جلسته»أي: ما عاد في العادة بعد انقطاعه فإنها تجلسه بدون تكرار كامرأة عادتها ستة أيام وفي اليوم الرابع انقطع الدم وطهرت طهرًا كاملًا، وفي اليوم السادس جاءها الدم فإنها تجلس اليوم السادس؛ لأنه في زمن العادة فإن لم يعد إلا في اليوم السابع فإنها لا تجلسه.

--------------------
([1]) وشرط التكرار ثلاثًا هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/212)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/372) وصوبه.
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:45 PM

وَالصُّفْرَةُ وَالكُدْرَةُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَمَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، فَالدَّمُ حَيْضٌ، وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ ما لمَ يَعْبُرْ أكْثَرَهُ، وَالمسْتَحَاضَةُ وَنَحْوُهَا تَغْسِلُ فَرْجَهَا، وَتَعْصِبُهُ وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلّ صَلَاةٍ، وَتُصَلّي فُرُوضًا وَنَوَافِلَ، وَلَا تُوطَأُ إِلَّا مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ، وَيُسْتَحَبُّ غُسْلُهَا لِكُلّ صَلَاةٍ.

--------------------
قوله: «والصفرة» وهو ماء أصفر كماء الجروح«والكدرة»وهو سائل أبيض ممزوج بحمرة، وأحيانًا يمزج بعروق، فهو كالعلقة في نفس هذا السائل الأبيض، والصفرة والكدرةيخرجان من المرأة أحيانًا قبل الحيض، وأحيانًا بعد الحيض، فإن خرجا«في زمن العادة حيض» وإن خرجا قبل أو بعد العادة فليس بحيض.
قوله: «ومن رأت يومًا دمًا ويومًا نقاءً، فالدم حيض والنقاء طهر ما لم يعبر أكثره» أي: ما لم يتجاوز أكثر الحيض؛ فإن تجاوز أكثره، فالزائد عن خمسة عشر يومًا يكون استحاضة؛ لأن الأكثر صار دمًا.
قوله: «والمستحاضة»المستحاضة على المذهب: هي التي يتجاوز دمها أكثر الحيض.
وفي قول في المذهب: هي التي ترى دمًا لا يصلح أن يكون حيضًا ولا نفاسًا؛ ويشمل من زاد دمها على يوم وليلة، وهي مبتدأة، وعلى تعريف المذهب يكون دم فساد.
قوله: «ونحوها» أي: مثل من كان حدثه دائمًا؛ كمن به سلس بول أو سلس ريح.
قوله:«تغسل فرجها»حتى يزول الدم وأثره؛ فإن تضررت بالغسل، أو قرر الأطباء ذلك فإنها تنشفه بيابس بالمناديل وشبهها، ومن به سلس بول يغسل، ومن به سلس ريح لا يغسل فرجه؛ لأن الريح ليست بنجسة.
قوله: «وتعصبه» أي: تشده بخرقة، ويسمى تلجمًا واستثفارًا، «وتتوضأ» لوقت كل صلاة«وتصلي فروضًا ونوافل» أي: إذا توضأت للنفل، فلها أن تصلي الفريضة «ولا توطأ إلا مع خوف العنت» أي: المشقّة بترك الوَطءِ؛ سواء كان منه أو منها، ولا كفارة فيه، هذا هو المذهب إِلا أنّ هذا التَّحريم ليس كتحريم وطءِ الحائض.

__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:45 PM

وَأَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَمَتَى طَهُرَتْ قَبْلَهُ تَطَهَّرَتْ وَصَلَّتْ، ويُكْرَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ التَّطَهُّرِ، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ، تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الْوَاجِبَ، وَهُوَ كَالحَيْضِ فِيمَا يَحِلّ وَيَحْرُمُ ويَجِبُ، ويَسْقُطُ غَيرُ العِدَّةِ وَالبُلُوغِ، وإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَوَّلُ النِّفَاسِ، وَآخِرُهُ مِنْ أَوَّلِهِمَا.

--------------------
النفاس: بكسر النون، من نفس الله كربته فهو نفاس؛ لأنه نُفّس للمرأة به كربتها، وهو: دم يخرج من المرأة عند الولادة أو معها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق.
والحامل إذا أحست بالطلق قبل الولادة مع دم فهو نفاس، فتجلس ولا تصلي، فإن زاد على اليومين قضته؛ لأن ما زاد ليس بنفاس، بل هو دم فساد.
وقال بعض العلماء: لا نفاس إلا مع الولادة أو بعدها، وما تراه المرأة قبل الولادة ولو مع الطلق فليس بنفاس، وعلى هذا القول تكون المرأة مستريحة، وتصلي وتصوم حتى مع وجود الدم، ولا حرج عليها، وهذا قول الشافعية، وأشرت إليه لقوته؛ لأنها إلى الآن لم تتنفس، والنفاس يكون بالنفس([1]).
وإن وضعت نطفة فهذا ليس بحيض ولا نفاس بالاتفاق، وإن وضعت ما تم له أربعة أشهر وخرج معه دم فهذا نفاس قولًا واحدًا، وإن وضعت علقة فالمشهور من المذهب أنه ليس بحيض ولا نفاس ولو رأت الدم، وهذا يسمى عند العلماء السقط، وإن وضعت مضغة غير مخلَّقة فالمشهور من المذهب أنه ليس بنفاس، ولو رأت الدم، وإن وضعت مضغة مخلقة بأن بان رأسه ويداه ورجلاه فالمشهور من المذهب أنه نفاس، وأقل مدة يتبين فيه خلق الإنسان واحد وثمانون يومًا، وإذا تم للحمل تسعون يومًا تبين فيه خلق الإنسان، وعلى هذا إذا وضعت لتسعين يومًا فهو نفاس.
قوله: «وأكثر مدة النفاس أربعون يومًا»فإذا تم لها أربعون يومًا فيجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم، وهذا على المذهب.
قوله: «ومتى طهرت قبله» وذلك بانقطاع الدم«تطهرت» أي: اغتسلت «وصلت» فروضًا وجوبًا ونوافل استحبابًا، «ويكره»للزوج «وطؤها قبل الأربعين بعد التطهر»، والراجح: أنه يجوز وطؤها قبل الأربعين إذا تطهرت([2]).
قوله: «فإن عاودها الدم» أي: بعد أن طهرت رجع إليها الدم «فمشكوك فيه» أي: لا ندري أنفاس هو؟ أم دم فساد؟
قوله: «تصوم وتصلي» أي: يجب عليها أن تتطهر وتصلي وتصوم إذا صادف ذلك رمضان، وتفعل كل ما تفعله الطاهر مما يطلب منها، أما ما لا يطلب منها؛ كالجماع مثلًا فلا تفعله.
قوله: «وتقضي الواجب»كامرأة ولدت قبل رمضان بعشرة أيام، وطهرت في العاشر من رمضان، ثم عاودها الدم في العشر الأواخر من رمضان، فيجب عليها أن تصلي وتصوم احتياطًا؛ ثم إذا طهرت عند تمام الأربعين وجب عليها أن تغتسل، وأن تقضي الصوم الذي صامته في أثناء هذا الدم؛ لأنه يحتمل أنه دم نفاس، والصوم لا يصح مع النفاس، وأما الأيام التي صامتها أثناء الطهر -وهي ما بين العاشر إلى العشرين من رمضان- فلا تقضيها، وأما الصلاة فلا يجب عليها أن تقضي الصلوات التي فعلتها بعد معاودة الدم.
فصار حكم الدم المشكوك فيه أن المرأة يجب عليها فعل ما يجب على الطاهرات؛ لاحتمال أنه دم فساد، ويجب عليها قضاء ما يجب على النفساء قضاؤه؛ لاحتمال أنه دم نفاس.
والراجح أنه إن كان دم نفاس بلونه ورائحته وكل أحواله فليس مشكوكًا فيه، بل هو دم معلوم، وهو دم النفاس فلا تصوم ولا تصلي، وتقضي الصوم دون الصلاة، وإن علمت بالقرائن أنه ليس دم نفاس، فهي في حكم الطاهرات تصوم وتصلي ولا قضاء عليها؛ لأن الله لم يوجب على العباد عبادتين([3]).
قوله: «وهو كالحيض فيما يحل» كاستمتاع الرجل بغير الوطء ولبسها الثياب، ثم تصلي بها إذا طهرت، والمرور في المسجد مع أمْنِ التلويث.
قوله: «ويحرم» كالصوم والصلاة والوطء والطواف والطلاق.
قوله: «ويجب» كالغسل إذا طهرت.
قوله: «ويسقط» كالصوم والصلاة، فإنهما يسقطان عنها، لكن الصوم يجب قضاؤه والصلاة لا تقضى.
قوله: «غير العدة»فالحيض يحسب من العدة، والنفاس لا يحسب من العدة.
قوله: «والبلوغ» أي: إذا حاضت بلغت، أما الحمل فليس من علامات البلوغ؛ لأنها إذا حملت، فقد علمنا أنها أنزلت، وحصل البلوغ بالإنزال السابق على الحمل.
ويستثنى مدة الإيلاء، وهو أن يحلف على ترك وطء زوجته إما مطلقًا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر؛ فهذا يحسب عليه أربعة أشهر، فإن رجع وجامع كفّر عن يمينه، وإن أبى فإن تمت المدة يقال له: ارجع عن يمينك أو طلّق؛ فإن قال: إن امرأته تحيض في كل شهر عشرة أيام، فيبقى من مدة الإيلاء أربعون يومًا، وطلب إسقاطها من مدة الإيلاء يقال له: لا تسقط عنك أيام الحيض، بل تحسب عليك، أما بالنسبة للنفاس فلا تحسب مدته على المُولي.
ومن الفروق أيضًا: أن المرأة المعتادة التي عادتها في الحيض ستة أيام إذا طهرت لأربعة أيام طهرًا كاملًا يومًا وليلة، ثم عاد إليها الدم فيما بقي من مدة العادة، وهو يوم وليلة، فهو حيض، وفي النفاس إذا عاد في المدة يكون مشكوكًا فيه.
ومن الفروق: أنه يكره وطء النفساء إذا طهرت قبل الأربعين، ولا يُكره وطء الحائض، إذا طهرت قبل زمن العادة.
قوله: «وإن ولدت توأمين» أي: ولدين «فأول النفاس وآخره من أولهما» حتى ولو كان بينهما مدة كيومين وثلاثة أو أكثر، فلو قدر أنها ولدت الأول في أول الشهر، وولدت الثاني في الثاني عشر من الشهر الثاني، فلا نفاس للثاني؛ لأن النفاس من الأول، وانتهت الأربعون يومًا.
والراجح: أنه إذا تجدد دم للثاني فإنها تبقى في نفاسها، ولو كان ابتداؤه من الثاني([4]).


--------------------
([1]) والمذهب أن الحامل إن رأت الدم قبل خروج بعض الولد بثلاثة أيام فأقل بأمارة كتوجع فهو نفاس، كما في كشاف القناع (1/219).

([2]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/220)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/384).

([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/220)، ورواية أخرى ذكرها في الإنصاف (1/385) أنه دم نفاس.

([4]) ما ذكره المصنف هو المذهب كما في كشاف القناع (1/220)، وما رجحه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/387).
__________________

أم إبراهيم السلفية 02-01-17 03:48 PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ

أم إبراهيم السلفية 03-01-17 12:40 AM

1 مرفق
تحميل كتاب الطهارة بصيغة pdf

أم إبراهيم السلفية 04-01-17 06:44 PM



الساعة الآن 10:01 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .