![]() |
مَاءُ الذَّهَبِ
مَاءُ الذَّهَبِ رَوَى الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ-وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ- أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: هذِهِ حُرُوفٌ لَا يُفْصِحُ عَنْ قِيمَتِهَا إِلَّا هِيَ، فَاشْتَغِلْ أَيُّهَا الطَّالِبُ الرَّاغِبُ بِقَرَاءَتِهَا، وَتَفَحَّصْ مَعَانِيهَا، وَدَعْ عَنْكَ التَّسَكُّعَ فِي حَارَاتِ الْمَوَاقِعِ، وَأَزِقَّةِ الْمُنْتدَيَاتِ، فَهِيَ بِحَقٍّ مَاءُ الذَّهَبِ، سَكَبَ حُرُوفَهَا ارْتِجَالًّا الشَّيْخُ صَالِحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَدٍ الْعُصَيْمِيُّ أَجْزَلُ اللهُ مَثُوبَتَهُ، فِي عِبَارَةٍ لَا يَمَلُّ السَّمْعُ مِنْهَا، وَلَا الْعَيْنَانِ مِنْهَا تَسْأَمَانِ، فَقَالَ: (الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ، وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيْعًا، فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، وَفِي ذَهَابِ الْعِلْمِ ذَهَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ). فَنَعْشُ الْعِلْمِ فِيهِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعًا, وَيَكُونُ ذلِكَ بِإِحْيَائِهِ، وَبَذْلِهِ، وَحَضِّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَمُسَاعَدَتِهِمْ فِي تَحْصِيلِهِ, وَلِأَجْلِ هذَا كَانَ الْقَائِمُونَ بِأَمْرِ الْعِلْمِ هُمُ النَّائِبُونَ حَقِيْقَةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ وِرَاثَتَهُ فِي الْعُلَمَاءِ, وَمِيْرَاثُهُمُ الَّذِي تَأَثَّلوا بِهِ الْـمَجْدِ إِنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي رُزِقُوهُ بِهذَا الدِّينِ, وَمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَ لِلْإِسْلَامِ قُوَّتَهُ, وَأَنْ يُبْقِيَ عَلَيْهِ بَهْجَتَهُ فَلْيَجْتَهِدْ فِي بَثِّ الْعِلْمِ، وَالتَّحْرِيْضِ عَلَيْهِ، وَإِمْدَادِ النَّاسِ بِأَنْوَاعِ الْـمُسَاعَدَاتِ الَّتِي تُيَسِّرُ لَهُمْ أَخْذَهُ، حَتَّى يَبْقَى الْعِلْمُ فِي النَّاسِ. وَمِنْ هُنَا يَأْتِي جُلُوْسُكَ فِي حِلَقِ الْعِلْمِ سَعْيًا فِي إِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَتِهِ, وَحِرْصًا عَلَى حِفْظِ بَيْضَتِهِ وَبَهْجَتِهِ، وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْجَالِسِينَ فِي الْحِلَقِ لَا يَقُوْمُونَ بِنَصْرِ الْإِسْلَامِ فَأُتِيَ مِنْ جَهْلِهِ, فَإِنَّهُ لَا يَنْصُرُ الْإِسْلَامَ مِثْلُ هؤُلَاءِ, وَإِنَّ الْخُطَبَ النَّارِيَّةَ، وَالْبُكَاءَ عَلَى الْأَطْلَالِ, وَبَثَّ الْقِصَصِ وَالْحِكَايَاتِ لَا تَبْنِي فِي الْـمُسْلِمِينَ دِيْنًا, وَلَا تَحْفَظُ لَهُمْ شَرْعًا, وَلَا تُبْقِي لَهُمْ ذِكْرًا, وَإِنَّمَا بَقَاءُ الْـمُسْلِمِينَ فِي نَعْشِ الْعِلْمِ، وَبَثِّهِ وَإِحْيَائِهِ، وَهذَا يُوْجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمَ أَمْرَيْنِ عَظِيْمَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: أَنَّكَ عِنْدَمَا تَسْعَى فِي الْعِلْمِ فَإِنَّكَ سَاعٍ فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ, وَذلِكَ أَمْرٌ عَظِيْمٌ. - وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَنِيَ بِبَثِّ الْعِلْمِ وَتَبْلِيغِهِ, وَأَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَكَ فِي تَيْسِيرِهِ لِلْخَلْقِ، وَحَضِّهِمْ عَلَيْهِ، وَتَحْبِيبِهِمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ وَالنُّصْرَةِ لِلدِّينِ, لَا سِيَّمَا فِي أَزْمِنَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْفَتَرَاتِ، وَغَلَبَةِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ, فَيَكُونُ الْقَائِمُ فِي الْعِلْمِ قَائِمًا بِأَعْظَمِ الْجِهَادِ, كَمَا ذَكَرَهُ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ. وَلَـمَّا جَهِلَ النَّاسُ مِثْلَ هذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ فِي حِفْظِ الْإِسْلَامِ، صَارَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ حِفْظَ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ بِالْعِلْمِ, وَأَنَّ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي مَقَاعِدِ الْعِلْمِ قَاعِدُونَ عَنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ, وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ وَرَائِهِمْ طَرْحَى فِي أَغْلَالِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ, وَهذَا أُتِيَ مِنْ جَهْلِهِ بِشَرِيْعَةِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ عَلَى الْعِلْمِ, وَإِنَّمَا يَكُونُ حِفْظُهَا بِحِفْظِ الْعِلْمِ وَبَثِّهِ، وَاعْتَبِرْ هذَا فِي حَالِ إِمَامِ الدَّعْوَةِ الْإِصْلَاحِيَّةِ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا, لكِنَّهُ لَـمَّا كَانَ لَهِجًا بِبَثِّ الْعِلْمِ، حَرِيصًا عَلَيْهِ؛ كَانَ يُسْمَعُ لِلنَّاسِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي (الرِّيَاضِ) دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، بَيْنَ طَالِبِ عِلْمٍ يَجْلِسُ بَيْنَ يَدِيْ شَيْخِهِ, وَبَيْنَ عَامَّةٍ يُلَقِّنُهُمْ أَئِمَّةُ الْـمَسَاجِدِ مُهِمَّاتِ الدِّينِ مِنْ (ثَلَاثَةِ الْأُصُولِ) وَ(شُرُوطِ الصَّلَاةِ) وَغَيْرِهَا. فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ مَبْثُوثًا كَانَ الْحَقُّ مَنْصُورًا, وَلَمـَّا ضَعُفَ الْعِلْمُ بِأَخَرَة، وَصَارَ النَّاسُ أَوْازَعًا مُتَفَرِّقِينَ اتَّخَذُوا لَهُمْ طَرَائِقَ لَيْسَتْ هِيَ مَا وَرِثُوهُ عَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ، ضَعُفَ الدِّينُ فِي النَّاسِ، وَإِنَّ جِنَايَةَ كَثِيْرٍ مِنَ الْـمُتَشَرِّعَةِ عَلَى الدِّينِ؛ أَعْظَمُ مِنْ جِنَايَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْـمُبْتَدِعَةِ وَالْفُسَّاقِ, كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي كَلَامٍ لَهُ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَهْتَدِيَ بِالْهُدَى التَّامِّ؛ فَلْيُمْسِكْ بِهذَا الْأَصْلِ الْعَامِّ, وَلْيَعْلَمْ أَنَّ بَقَاءَ الدِّينِ هُوَ فِي بَثِّ الْعِلْمِ, وَأَنَّ الْـمُسْلِمِينَ لَا يَقُومُونَ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَلَا يَنْتَبِهُونَ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ؛ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِدِيْنِهِمْ, وَمَا عَدَا ذلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ حَرَّكَ فِيْهِمْ شَيْئًا؛ فَمَا هِيَ إِلَّا مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ ثُمَّ يَنْسَوْنَ ذلِكَ, بِخِلَافِ الْعِلْمِ الْأَصِيلِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِي قُلُوبِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. وَمَتَى تَغَرْغَرَ الْـمَرْءُ بِحَلَاوَةِ هذَا الْأَصْلِ، وَاسْتَقَرَّ فِي قَلْبِهِ؛ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَنْفَقَ مَالَهُ، وَأَسْقَطَ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ؛ ابْتِغَاءَ بَثِّ الْعِلْمِ وَنَشْرِه؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ نِيَابَةٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَا كَانَ الْـمَرْءُ يَفْرَحُ إِذَا أَخَذَ مَنْصِبًا مِنْ مَنَاصِبِ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِخَلَافَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِرَاثَتِهِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَرَحِ بِمَنَاصِبِ الدُّنْيَا, وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُس: ٥٨]. أَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَاءِهِ وَأَنْصَارِ دِينِهِ، السَّاعِيْنَ فِي نُصْرَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ. |
كلام حقّ جزى الله كاتبه وناقله خيرا
بوركتِ سنا |
بركتِ اخيه :)
|
الساعة الآن 02:56 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .