الموضوع: فهم القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-08, 09:11 PM   #10
نور الصباح
~نشيطة~
 
تاريخ التسجيل: 29-08-2007
المشاركات: 352
نور الصباح is on a distinguished road
افتراضي

سلسلة "مبادئ فهم القرآن" – الحلقة (9)
تتمة المرحلة الرابعة مع المرحلة الخامسة: كيف نستفيد من كتب التفسير؟
الشيخ عصام بن صالح العويد


فإن قال قائل: فما المنهج الذي تعلّم وعلّم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه القرآن؟

فالجواب: هو البدء بالمفصّل أولاً، وهو الذي ذكرته عائشة رضي الله عنها في الحديث السابق حين قالت:
"إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار".

وحين قالت: "وإنه أنزلت: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ} [القمر:46] بمكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني جارية ألعب، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده".

وهذا هو منهج الصحابة رضي الله عنهم.


ففي مصنف عبد الرزاق: أن عمر كان لا يأمر بنيه بتعليم القرآن ويقول: إن كان أحد منكم متعلماً فليتعلم من المفصل فإنه أيسر. [3/381].

وفي صحيح البخاري: باب تعليم الصبيان القرآن؛ عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصل.


وقال رضي الله عنهما: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم. [4/1922].

فابن عباس رضي الله عنهما حين بدأ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالمفصل المحكم.

فالبدء بالمفصل له ميزات عدّة منها ما يلي:

أولاً: أنه هو الذي يغرس الإيمان في القلب كأمثال الجبال.

وهذا هو الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها في الحديث السابق حين قالت: "لقد نزلت أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام".

فسور المفصل هي التي تجعل القلب يثوب ويطمئن بالإيمان فإذا جاء الحلال والحرام بعد ذلك كان السمع والطاعة لرب العالمين ولرسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

وبين أيدينا شاهد حي لا يغيب و هم: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين حين زكّت نفوسهم هذه الآيات العظيمة من هذا الكتاب العظيم حتى أصبح الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي.

وتأمل معي هذه السور التي هي من أوائل ما نزل من القرآن باتفاق أهل التفسير؛ تأملها سورة سورة ولا تعجل –شرح الله صدرك بكتابه-؛
1- سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
2- سورة { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }
3- سورة { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}
4- سورة { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}
5- سورة { وَالضُّحَى}
6- سورة { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}
7- سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
8- سورة { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }
9- سورة { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
10- سورة { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}
11- سورة { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
12- سورة { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ }
13- سورة { الْقَارِعَةُ}
14- سورة { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}
15- سورة { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وغيرها.

فتأمل ما الذي تغرسه هذه السور ي القلب لو قرأناها وفهمناها كما يريده الله منّا؟
الأمر عظيم جليل فتدبر فيما نزلت –وفقك الله لهداه-!

ومما ينبغي التنبيه عليه في مثل هذا الموطن أن حزب المفصل من كتاب الله تعالى جاء لتقرير ثلاث حقائق:

1) توحيد الله في ربوبيته وألوهيته
2) إثبات البعث والدار الآخرة
3) الأمر بمكارم الأخلاق

وبيان هذا وذكر أدلته من الكتاب والسنة ثم من كلام أهل العلم ليس هذا محله، وإنما أردت الإشارة إليه، لعل قارئ المفصل يفيد منه حين تدبره لهذا الحزب من القرآن.

ثانياً: أنه أيسر في الفهم، لأنه محكم ليس فيه متشابه إلا ما ندر.

وقد سبق قول عمر رضي الله عنه: "إن كان أحد منكم متعلماً فليتعلم من المفصل فإنه أيسر".
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: وما المحكم؟ قال: المفصل، فهو محكم ظاهر، بخلاف غيره من القرآن ففيه متشابه.

وأخرج الدارمي وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
"إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصل".
أفيبتغى الوصول للسنام قبل اللباب الميسّر؟!


المرحلة الخامسة:
كيف نستفيد من كتب التفسير؟

كتب التفسير المناسبة لهذا المستوى كثيرة، منها:

1. المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، للشيخ المباركفوري.
2. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ العلامة السعدي.
3. زبدة التفسير من تفسير فتح القدير، للشيخ د.محمد بن سليمان الأشقر.
4. التفسير الوجيز للدكتور وهبة الزحيليي، ومعه أسباب النزول وقواعد الترتيل.
5. أيسر التفاسير، للشيخ أبي بكر الجزائري.


والذي أراه لعموم المسلمين أن يجمعوا بين كتابين هما:

- المصباح المنير، وهو تفسير مختصر يعتني بالآثار ويرتبها، وهو يفيد في بيان معنى الكلمة عند السلف، رضوان الله عليهم أجمعين. فإن كان المصباح المنير فيه عُسرٌ فـ"زبدة التفسير" للشيخ محمد الأشقر فيه نفع كبير.


- تيسر الكريم الرحمن، للشيخ السعدي، لأنه يعتني بالمعاني العامة، وبمسائل الإيمان والتربية ونحو ذلك. ويصرّح بالعقيدة الصحيحة وينبه على مخالفة المخالفين لها، وغيري ذلك مما يحتاجه عموم المسلمين.


فيقرأ أولاً في "المصباح المنير" أو "زبدة التفسير" فيأخذ معاني الكلمات ثم في تفسير السعدي فيأخذ المعاني العامة.


فإن شق على أحدٍ الجمع بين كتابين فعليه بكتاب "أيسر التفاسير" فإنه جمع بين بيان اللفظ والمعنى، وإن كان دون ما تقدم في التحرير لكنه مفيد، وقد نفع الله به في مشارق الأرض ومغاربها


سلسلة "مبادئ فهم القرآن" (10)
خاتمة مهمة: العناية بالاستشهاد بقصص الأئمة مع القرآن
الشيخ عصام بن صالح العويد


هذه خاتمة تتعلق بالعناية بتدوين أخبار وقصص الأئمة سلفاً وخلفاً مع القرآن ثم الاستشهاد بها في محلّها من التفسير
وهذا مع عظيم فائدته إلا أنه من مُلَح التفسير لا من متينه.


أختم هذه المراحل بلطيفة مؤثرة في المتلقي اعتنى بها أهل التفسير بالمأثور، وهي ذكر ما يحضرهم من أخبار وقصص العلماء والصالحين سلفاً وخلفاً المتعلقة بالآية المفسَّرة في محلِّها من التفسير، لا على سبيل الاستقصاء وإنما متى خال له أن في ذلك فائدة إما في إحقاق حق أو ردع مبطل، وإما تأثراً وخشية أو إنابة وتوبة، أو تزكية وتربية، أو تفقهاً واستنباطاً ونحو ذلك كثير، ثم يذكرها مع الآية التي وردت القصة فيها.

وهذا النوع من البيان العملي له أثره البالغ في زيادة الإيمان، وفي التهذيب والتربية، وفي الجدال والإقناع ونحو ذلك.

لذا أذكر بعضاً مما وقفت في هذا المعنى:


1) في سورة البقرة:
- أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تعلم عمر رضي الله عنه سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً.
- وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن ابن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
- وعن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما سواء؟ فقال: "الذي قرأ البقرة وحدها أفضل.
(هذا في بيان فضل التدبر على الإكثار من القراءة).


2) في سورة النساء:
- في قوله تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} الآية[النساء:140]؛ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز بأنه رفع إليه قومٌ يشربون الخمر وكان فيهم جليس لهم صائم، فقال: "ابدؤوا به في الجلد! ألم تسمع الله يقول: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} ؟!".

3) في سورة الأعراف:
- ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور عند قوله تعالى: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} الآية [الأعراف:50]؛ قال عقيل بن شهر الرياحي: شرب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} [سبأ:54] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد وقد قال الله عز وجل { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أو مما رزقكم الله}.
- ما ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] قال ابن كثير: قال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي –باني جامع دمشق-: "لو لا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً!".


4) في سورة يوسف:
- في قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}[يوسف:84]؛ عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئاً لم تعطه الأنبياء من قبلهم – يعني قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:156]. قال: "ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}!".
- ومن جميل ما يذكر: أن الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله- قد توفي عند تفسيره أواخر سورة يوسف لقوله تعالى: { رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.


5) في سورة النحل:
- ما ذكره البغوي في تفسيره عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90]. قال البغوي رحمه الله: وعن عكرمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة قول الله عز وجل { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية، فقال له الوليد: يا ابن أخي، أَعِد ؟ فأعاد عليه، فقال: "إن له والله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر!".

6) في سورة المؤمنون:
- عن يونس البلخي قال: كان إبراهيم بن أدهم -من الأشراف- وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب، فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يُركِّضه إذا هو بصوت من فوقه: "يا إبراهيم! ما هذا العبث؟! { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }؟![المؤمنون:115] اتق الله! عليك بالزاد ليوم الفاقة!"، فنزل من دابته وأخذ في عمل الآخرة.
- وفي الطبقات لابن سعد (7/164) وغيره عن الحسن البصري رحم الله قال: إن الحَجاج من عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بسيوفكم! ولكن عليكم بالاستعانة والتضرع، فإنه تعالى يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:76]...



توقيع نور الصباح
[SIGPIC][/SIGPIC]
نور الصباح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس