عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-08, 01:43 AM   #3
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
a الدرس الثاني

سورة الفاتحة
الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المجحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , صلى الله عليه وسلم أما بعد :


فسرنا الدرس الماضي البسملة من سورة الفاتحة وسنشرع اليوم في شرح آيات سورة الفاتحة إن شاء الله
يقول الله تعالى :
* الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *
* الحمد لله....ماذا نعني بالحمد هنا ؟؟؟؟
الشيخ السعدي يقول ( الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله الدائرة بين العدل والفضل فله الحمد الكامل بجميع الوجوه )
الشيخ السعدي ذكر إن الحمد معناه الثناء على الله . فحين نقول الحمد لله , فإننا نثني على الرب عز وجل , بماذا نثني عليه ..؟؟؟ نثني عليه بصفات الكمال ذاته وصفاته وأفعاله الدائرة بين العدل والفضل , فالله عز وجل له الحمد الكامل بجميع الوجوه – هذا كلامه رحمه الله – وبعض العلماء يخالفه بقوله في معنى الحمد :
وهذا مأخوذ من قول الله عز وجل : لما قال بالحديث الصحيح ((.........إذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , يقول الله عز وجل : حمدني عبدي . وإذا قال العبد : الرحمن الرحيم , قال الله عز وجل : أثنى علي عبدي .........))
فالله عز وجل ذكر أن العبد حينما يقول الحمد لله فإنه يحمد الله ولما يأتي بذكر صفة أخرى يثني بها على الله وهي نوع من المدح فإن الله وصفه بأنه ثناء , فدل ذلك على أن تكرار الحمد لله ووصف الله عز وجل بصفات الكمال يسمى ثناء .
إذن الحمد لله في السورة يأتي بمعنى وصف الله بالكمال مع المحبة والتعظيم , وهذا خلاف لكلام الشيخ السعدي الذي قال أن معناه الثناء على الله عز وجل , ونقول إن الحمد بمعنى الثناء إذا كرر الحامد الحمد للمحمود.
وحينما أحمد أحد ما إذن أنا أصفه بكمالات فيه ... مثلا أن الله تعالى خلقه بصورة جميلة أو أنه حسن الأخلاق .. فأنا أصفه بكمال ذاته أو صفاته الباطنة أو بكمال أفعاله فهذا يسمى حمد .
إذن حينما أقول الحمد لله فإني أصف الرب عز وجل بالكمال وهذا الوصف مصحوب بالمحبة والتعظيم , لأنه أحيانا إذا أردنا إن نحمد أحدا نصف كمالاته _ كما يفعل الشعراء _ فنظهر كمالاته التي قد تكون غير حقيقية وقد يكون غير محبوب وقد يكون ليس له هيبة ومكانة وتعظيم لكن من باب الحصول على منفعة فيكون هذا الحمد غير صادق , ولذلك لما كان الحمد مع المحبة والتعظيم يسمى حمداً فإذا فرغ من المحبة والتعظيم سمي مدحاً .
إذن عند حمد الله عز وجل ووصفه بكماله لابد من قيد هو المحبة والتعظيم وذلك لأن مجرد وصفه بالكمال من غير محبة أو تعظيم لا يسمى حمدا بل مدحا , وبذا نكون قد فرقنا بين المدح والحمد وفرقنا بين الحمد والثناء .
خلاصة الكلام : الثناء حمد ولكنه تكرار لوصف المحمود بالكمالات في ذاته وصفاته وأفعاله مع محبته وتعظيمه .
والحمد هو وصف للكمال مرة واحدة فلو كرر ذلك مرة أخرى صار ثناء ً. ونقول أن المدح والحمد كلاهما مصف للمحمود بكمالاته , لكن بالنسبة للحمد هذه الكمالات حقيقية مع قيد هو المحبة والتعظيم , بينما المدح لا يشترط فيه المحبة والتعظيم .
وقول الشيخ السعدي إن الحمد هو الثناء على الله صحيح قوله فكأنه يقول تكرار وصف للمحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم .
يقول الشيخ ( الثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله الدائرة بين العدل والفضل )..
لا شك يا أحبة أننا حين نثني على الله عز وجل أو حين نحمده تعالى , نجد أن الله تعالى كامل في ذاته العليا لا نقص فيها بوجه من الوجوه سبحانه وتعالى , أسماء الله حسنى وصفاته عليا لا نقص فيها وهو منزه عن كل نقص وكل عيب . والله تعالى كامل في أفعاله , إذا تنزلت أفعاله على العبد فتكون إما من باب العدل أو من باب الفضل , إن أعطاه فبفضله وليس حقا مكتسبا من العبد , سواء الذكاء أو العلم أو غيره ..... وإن حرمه فإن العبد لا يسخط على ربه كأن يقول أحدهم لماذا فلان أعطاه الله وأنا حرمني ..., فهذا من عدل الله عز وجل , وعطاءه ومنعه كم وراءه حكمة , فهو لا يعطي من يحبه ويمنع من لا يحبه , وإنما الدنيا يعطيها الله من يحب ويمنعها عمن يحب ,وهذا كله امتحان واختبار فإن العبد إن أعطاه الله الدنيا فعليه أن يتأمل أن هذا العطاء محض فضل الله تعالى وإن حرمه الله تعالى فإن هذا محض عدل من الله سبحانه وتعالى , فالله عز وجل لو عاملنا بذنوبنا ما أعطانا شئ , فلذلك نقول أن أفعاله دائرة بين العدل والفضل فله الحمد الكامل بجميع الوجوه .
والله تعالى علمنا في هذه الآية كيف نحمده سبحانه وتعالى :
* أضيفت (الـ) التعريف لكلمة الحمد .. للاستغراق في الحمد , يعني الحمد بكل أجناسه وكل دقائقه لله رب العالمين وليس جزءا منه لأنه مستحق للحمد والثناء وأن يوصف بالكمالات هذه , فنقول الحمد لله : أي جميع المحامد كلها لله عز وجل لأنه مستحق لهذا الحمد .
* ولا شك أن هذا الحمد هو عبادة قوليه يصاحبها عمل قلبي وهو شعور العبد بأن الله تعالى مستحق لهذا الحمد , فيذل لسانه بالحمد والثناء على الله معتقد بهذه الكمالات وأنه مستحق لهذا الحمد .
* والحمد عبادة قوليه لا يجوز صرفها إلا لله تعالى فالرب عز وجل يفرد بهذه العبادة فمن صرفها لغيره فهو كافر مشرك فهذه عبادة من العبادات التي نتبد بها الرب عز وجل .
* سبحان الله إذا تأملنا نرى أن العبد إذا حمد شخصا ما فإنه يتوقف عند حد معين , ولو كان مستحق لهذا الثناء لكن ربما يمل السامع من الحمد والثناء على هذا الشخص وقد يظن البعض أنه نوع من المبالغة بل ربما يسكته ... لكن لما يحمد الله عز وجل يتمنى هو والسامع أن لا تنقضي هذه المحامد بل يرجو الفتوح من الله عز وجل في حمده والثناء عليه وأن لا يسكت لسانه عن وصفه بالكمالات بل إن الصدر والقلب سبحان الله ينشرحان بحمده والثناء عليه لأنه مستحق لهذا الحمد ولأنه هو الموصوف بهذه الكمالات ولأنه محبوب معظم .
الحمد لله : هذه اللام للاختصاص والاستحقاق : أي الحمد لله لا لغيره , فهنا من الذي اختص بهذا الحمد وهذه الكمالات مع المحبة والتعظيم ؟؟؟ هو الله عز وجل , أفرد بهذا الحمد , والله اسم ربنا عز وجل ولا يسمى به غيره .
إذن حين أقول الحمد لله :
أي نصف الله بجميع أنواع المحامد فهو موصوف بالكمال الذاتي والفعلي والوصفي , والحمد بجميع أنواعه له سبحانه وتعالى مختص به مستحق له محبة وتعظيما .
**********
نلاحظ أن هذه السورة فيها مقاصد عظيمة يقوم عليها صلاح الدنيا والآخرة , فيها من الدعاء والحاجات التي يتضرع بها العبد لسيده ومولاه سبحانه وتعالى , لو أجابه ربه عز وجل عما يطلبه حصل له من الخيرات الكثيرة في الدنيا والآخرة ولذلك الله عز وجل علم عبده كيف يتأدب مع الله عز وجل حين يدعوه , فهذه السورة دعاء قسمت بين الرب عز وجل وبين العبد
من الذي نصرف له كل هذا الحمد ؟؟؟ من المستحق لعبادة الحمد ولغيرها من العبادات ؟؟
نقول رب العالمين , لماذا نصلي لله ؟ لأنه رب العالمين . لماذا نعبده ؟؟ لأنه رب العالمين المالك المدبر الخالق .... فنحن نستدل أنه مستحق للعبودية بذكر أنه رب .
وهنا نستخلص فائدة وهي : استلزام توحيد الربوبية , أي من أقر بتوحيد الربوبية لزمه أن يأتي بتوحيد الإلوهية , فمن أقر أن الرب عز وجل هو المالك القادر والخالق الرازق .... قاده ذلك الى أن يثني على الله سبحانه وتعالى ويعتقد اعتقادا جازما انه مستحق لهذه العبادات لأنه رب العالمين .
* الحمد لله رب العاملين *
يقول الشيخ السعدي : ( الرب هو المربي لجميع العالمين وهم من سوى الله بخلقه لهم وإعداده لهم الآلات وأنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء فما بهم من نعمة فمنه تعالى .)
إذن أتى بمعنى الرب أنه المربي جميع العالمين : كل ما سوى الله هو عالم والله تعالى رباهم . ولكن كيف هي تربية الله عز وجل للعالمين ؟؟؟
مثلا نحن كيف نربي أبنائنا ؟؟؟ نربي فيهم الصورة الباطنة : الخلق والأدب .. أو نكون لهم القدوة الحسنة , نربي أجسادهم برعايتهم بالأكل والشرب و... ونربي نفسيتهم بالحنان والعطف ....نتفقد حوائجهم لما يمرون بحالات من الخوف والتردد و....
فلنا أن نتخيل كل معاني التربية - القلب , العقل , الباطن , الجسد , السلوك , النفسية .....
هذا ونحن نربي أولادنا فقط ... ولكن الله تعالى لا يربي مخلوقا واحدا أو اثنان ... بل يربي كل ما سواه , فهو رب العالمين .
كيف تربيته لهم ؟؟؟ لنتأمل ذلك ..
الجنين في بطن أمه , قد تمتنع الأم عن الغذاء رغم حاجة الجنين للطعام , لكن الله تعالى ما تركه هملا , رباه وهو في بطن أمه , إذن الله يربي الولد مع تربية أمه له , وتربية الله له هو إيجاده من العدم , وهذه تربية الإيجاد والإعداد ثم الإمداد ,. فالله تعالى :أوجد وأعد َّ ثم أمد َّ.
وهذه أطوار انتقال من حال الى حال , فالمخلوق كان عدما فأوجده الله فأصبح شيئا ثم بعد ذلك نقلَّه الله في أطوار وأعده حتى يكون مهيئا للمكان والزمان الذي هو فيه , فهذه تربية .
وأيضا هيأ أن يكون جنينا في بطن أمه فإذا خرج الى الدنيا أصبح في صورة أخرى وأن يعيش في حال آخر , سبحان الله العظيم , وكان عقله ما يفقه ولا يعلم شئ ثم نمى هذا العقل بالعلم شيئا فشيئا , إذن الله تعالى أعده , ثم أمده سبحانه وتعالى حينما كان في بطن أمه ثم أمده وهو خارجه أي أعطاه الرزق , وهكذا لجميع المخلوقات , فالله تعالى لم يترك خلقه هملا في الجانب المادي ( الإيجاد والإعداد والإمداد )ما ترك شيئا من خلقه _ لا صخر ولا حجر ولا حي ولا إنس ولا جن ..... _ كلها جعلها الله تعالى في حالة من الحالات التي تستطيع أن تواصل حياتها وتقوم بالوظيفة التي خلقها الله تعالى لها , فهو رب العالمين , أعد لخلقه الآلات التي تمكنه من التكيف مع الحالة التي هو فيها , سبحان من خلق و برأ وصور وأعد وأمد ....
وقول الشيخ : وإنعامه عليهم : أي تابعهم بالنعم , التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء , فهي من الضروريات بعد توفيق الله , فما بهم من نعمة فمنه تعالى .
فهذه وقفة جميلة جدا مع تربية الله تعالى لعباده فكوننا نتأمل هذا الجانب من تربية الله لخلقه يجعلنا نحلق ونفكر وننظر في آيات الله الكونية وتشهد كل خلية فينا أن الله هو رب العالمين
لكن لما ينقلنا الى جانب ربوبية الله عز وجل الخاصة , يخص أولياءه بتربية خاصة , هذا يجعل العبد يفرح وينشرح صدره , فالله عز وجل فوق ما ينعم على عباده فإنه يختار من يخصه عز وجل , ومن انشغل بالمنعم عن النعمة وجعل النعمة وسيلة , فإن الله تعالى يخصه بمزيد عناية وفضل إنعام , يختلف عن بقية خلقه ,
لكن قبل أن نقف مع تربة الله الخاصة لا بد أن نتطرق الى أمر مهم ...
لما نقول رب العالمين وتعريف الرب ... نذكر ما هي أفعال الرب وما هي أوصاف الرب ؟؟؟؟
على سبيل المثال .. كيف يكون رب الأسرة ؟ ما هي الصفات المطلوبة منه ؟؟ ... يجب أن يكون يملك ويدبر ويتصرف في شؤون الأسرة وعنده قدرة وأن يكون عنده تدبير وتصريف وأن يربي وأن يرعى .... ولله المثل الأعلى , أفعال الرب عز وجل منها : الخلق والرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع و....
ولكن أجمع صفات الرب الفعلية ثلاثة , أوصاف الرب من اجتمع في ثلاثة أوصاف :
1" الخلق – 2" الملك – 3" التدبير .
يتبع >>>>

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:27 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً