عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-08, 01:20 PM   #4
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon188 تابع الدرس الثاني ....

يقول الشيخ السعدي : وتربيته لخلقه نوعان : عامة وخاصة


العامة : هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا


والخاصة : تربيته لأوليائه , فيربيهم بالأيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبينهم .


وحقيقتها تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر ولعل هذا المعنى في السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب , فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة فدل قوله رب العالمين على انفراده بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار .




لنقف مع هذا الكلام : التربية العامة ... وهي لجميع المخلوقات , إيجاده لهم من العدم وإعداده لهم بالهداية ورزقه لهم بالإمداد لما فيه مصالحهم لبقائهم في الدنيا . وبالنظر الى المخلوقات سوى الإنسان , نجد أن الله تعالى فطرها أن تحمي نفسها من الهلاك ويخصص لها مواسم للتناسل وفطرها على إرضاع أولادها وأن تحافظ وتدافع عنهم , وهداهم لما فيه مصلحتهم حتى تستمر في الحياة . وهذه الهداية ما يستطيع أي إنسان أن يدبر ويعلم هذه المخلوقات كيف تحمي نفسها من الهلاك , أما الله عز وجل هو الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هداهم , خلقه ليعيش ويتكيف في هذه الحياة الدنيا ويبحث عن رزقه ويحافظ على حياته ويسعى الى البقاء , سبحان الله العظيم , فهذه كلها أمور فطر عليها مخلوقاته بهداية منه.



فإننا نجد مثلا الطفل الذي لا يعمل عقله ولا يدرك شئ لو حملناه وحركناه بطريقة مفاجئة نجده يخاف على نفسه , ولو غطينا وجهه فإننا نجده يتحرك ويدفع عن نفسه الموت , وغيرها ....سبحان الله العظيم , هذه هداية من الله عز وجل .




أكمل من التربية العامة وأعظم منها هي التربية الخاصة ,خص بها أولياؤه _ يربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبينهم _ هذا الإيمان لا يستطيع أي أحد يوجده في قلب العبد , صحيح أن الله تعالى أمرنا ببذل الأسباب لزيادة هذا الإيمان , لكن من يخلق هذا الإيمان ويجعله في القلب ؟؟؟ هو الله عز وجل .



ويخلق التوفيق له و الهداية له ويخلق تحبيب الإيمان في القلب وتزيينه , فالإيمان قول وعمل واعتقاد , وهذا نوع من التربية الخاصة


الله تعالى يوفق العبد لأنه يطرق باب التوبة ,يقول تعالى :( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ), يخاطب الله تعالى نبيه الكريم بأن ليس له القدرة على أن يخلق الإيمان في قلب عمه .


فإيجاد الإيمان وتربيته في القلب لا يملكه أحد إن كنا نبذل أسبابه , فالمعطي هو الله عز وجل وهو المنشط له , فلذلك علينا أن نطرق باب الله عز وجل في أن يوفقنا للإيمان ويحببنا به ويزينه لنا ويثبته في قلوبنا .


مثلا نجد إنسان إيمانه ضعيف ونفسه تطمح للشهوات ثم بعدها يبدأ يحضر مجالس الذكر وأقبل قلبه على القرآن فزاد الإيمان في قلبه , وفقه الله عز وجل الى إن يترك كل مكان يصرفه عن الله عز وجل , ثم قام هذا الإنسان بطلب العلم الشرعي , فرسخ الإيمان أكثر من ذي قبل , بدأ يداوم على الطاعات فزاد إيمانه .... وهكذا , وفقه الله تعالى وكمله .




قد يموت الإنسان عنده ضعف في يقينه أو صبره , ولكن الله تعالى يسوق له من البلاءات والامتحانات الشديد ة التي تخرجه من حال اعتاد عليه الى حال يحتاج الى أن يشتد ساعد الإيمان عنده فيدافع ويجاهد ويستعين بالله , ويلجأ الى الله فيتربى عنده الصبر وقوة التوكل اليقين ويحسن المجاهدة والثبات بعد توفيق الله عز وجل له على هذا الطريق وترسخ قدمه في دين الله عز وجل .




وقد يخرج الشخص في بيت أهله بعيدين تماما عن الله ولكن الله يربي هذا الشخص في هذا البيت وقد يكون الإنسان في بيت من الدلال والرعاية ثم يفقد الأب والأم ومن يرعاه فيحتاج الى أن يشتد ساعد الصبر عنده , كما هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم , رباه الله عز وجل وهيأ له البيت الذي يتربى فيه .




وقد يكون الإنسان ملازما لوالديه مثل يوسف عليه السلام ثم يمتحنه الله ويختبره ويجعله يمر في امتحانات شديدة وعظيمة حتى يوصله الله لكمالات عظيمة ادخرها له , مثلما ادخر الله سبحانه وتعالى الكمالات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما قلَّبه في هذه الأحوال العظيمة .



وعلى هذا نقيس سواء ما مر به الأنبياء عليهم السلام , أو ما هم دون الأنبياء من الصديقين والشهداء والصالحين , كل ما أراد الله أن يخصه بهذه التربية الخاصة , ويكمله بهذه الكمالات ويريد أن يدفع عنه الله الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبين الله .




لا شك أن الله تعالى كلما أراد الإنسان أن ينصرف الى الدنيا أخذ الدنيا التي في يده وكلما أراد أن يركن الى الدنيا أصابه الله ببعض الأمراض حتى يكون العبد على حالة مع الله تعالى ما فيها قواطع ولا شواغر , فالله تعالى في سابق علمه يعلم أن هذا الإنسان لو انه استمر في هذا الأمر فإنه يفسد , ولكن الله عز وجل من تربيته لهذا الإنسان يجعله يزهد في الدنيا ويرغبه في الآخرة فهو يصرف عنه كل العوائق التي تحول بينه وبين مواصلة السير الى الله عز وجل , وهذا حقيقة هو تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .




*******


أنصح بكتاب : المواهب الربانية , وهو كتاب مقتطع من كتاب تفسير السعدي , أو ربما له نفس الطريقة , حيث أنه بدأ بكتابته بأول ليالي شهر رمضان وانتهى منه في أواخره , فكانت كالهبات من الله تعالى , وقفات مع آيات اختارها كانت جميلة جدا , حيث كانت له وقفة مع لطف الله عز وجل وتربيته لعباده , وضرب أمثلة رائعة لتوفيق الله تعالى ولطفه لحفظ العبد وتربيته لكل خير



*********




يقول الشيخ : وحقيقتها تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .



إذن يربي الله عز وجل العبد بالتوفيق للخير بل ويحميه من الشر , أحيانا يجد الإنسان نفسه يريد أن يقع في معصية , فسبحان الله , من فضل الله تعالى عليه يكفه عنها ويزهد فيها , أو يأتيه واعظ من ربه يجعله يقلق فيكف عن فعل المعصية , وأحيانا يكون الإنسان في حالة من الكسل والعجز ثم يجد نفسه نشيطا يدفعه مثلا لقيام الليل أو قراءة كتاب أو ختم جزء من القرآن الكريم وغيرها ..... كل هذا تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .






يقول الشيخ: ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب .



قلما نجد في دعاء الأنبياء أنهم يقولون اللهم , وفي نصوص القرآن نجد في آيات الدعاء : ربنا – رب – ربي -.... وهذا نوع من الاعتراف بأنه رب ,كون العبد لما يحمد الله فإنه يعترف بأن الله هو المدبر وهو الخالق المالك وهو المتصرف وأمر العبد كله بيده سبحانه وتعالى , فهنا تظهر فاقة العبد للرب ويظهر أن هناك رب ومربوب , و يعترف بنقصه وكمال ربه عز وجل ولذلك يبسط كفيه ويقول يا رب .


وكون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب فغن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة فدل قول رب العالمين على انفراده بالخلق والتدبير والنعم



وسبحان من دبر أمور هؤلاء الخلق , كل يوم هو في شان , الملائكة في صعود ونزول تدبر بشان هذا السلطان العظيم وهذا الملك العظيم , في صعود مقداره خمسمائة سنة ونزول مقداره خمسمائة سنة , يمضون من أمر الله .





فوائد هذه الآية * الحمد لله رب العالمين *



1" – يستحب أن ندعو الله عز وجل بربوبيته وإظهار الافتقار إليه , مازال العبد يقول يا رب يا رب في السر والعلانية حتى يجيبه الرب في السر والعلانية _ كما قال أحد السلف الصالح رضي الله عنهم _




2" – انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير والنعم واثبات كمال غناه فهو رب العالمين ليس محتاج إليهم واثبات تمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار



3" – إثبات الحمد الكامل لله عز وجل بدليل قولنا ( الحمد ) وهذه ( الـ) دالة على الاستغراق , فالحمد كله لله رب العالمين



4" – أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل بجميع الوجوه , ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره يقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , وإذا أصابه خلاف ذلك قال الحمد لله على كل حال , فكان عليه الصلاة والسلام يحمد الله تعالى على كل أحيانه .



5" – تقديم وصف الله تعالى بالإلوهية علة وصف الربوبية : قال العلماء إما لأن الله هو اسم العلم الخاص به عز وجل وتتبعه كل الأسماء , حيث أننا نقول من هو الرحمن ؟ هو الله , من هو الرحيم ؟ هو الله .


وقال بعضهم لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الإلوهية فقط , فهنا أثبت لهم الإلوهية وأن من أقر بالربوبية لزمه أن يقر بالإلوهية .


ومن هنا نستفيد من دعوتنا للآخرين , حيث نتدرج بالدعوة ونبدأ بإثبات ما نراه , أو بماذا نتفق مع الخصم . نبدأ بأوصاف الرب عز وجل ... من الذي خلق ؟ من الذي رزق ؟؟ .... فإذا أقر بهذه الأمور وأن الله هو الخالق الرازق ..... فنقول : أنه من الجهل ومن السفه أن يقر الإنسان بكل هذا ثم يصرف امتنانه لغير الله عز وجل


وسبحان الله العظيم , العرب حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بكل هذا لكنهم جعلوا بينهم وبين الله وسطاء وشفعاء قالوا : * ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى * , مع اعترافهم بأن الخالق والرازق والمالك هو الله عز وجل .

إذن من أقر بتوحيد الربوبية , إن كان عاقلا لزمه أن يقر بتوحيد الإلوهية


6" – عموم ربوبيته سبحانه وتعالى لجميع العالمين , وهذا نأخذه من قوله عز وجل * رب العالمين * وكل ما سوى الله هو عالم .




**********************************



* الرحمن الرحيم *


سبق وأن تم شرحها , ولكن لنتأمل هنا معا الرحمات الخاصة التي يخص بها الله عز وجل أهل الإيمان .



من الرحمة الخاصة : ** إرسال الرسل , فهذه الرحمة تنعم بها الروح , وهي من أعظم الرحمات تتنزل على الخلق وينتفع بها المتقون .


فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو رحمة للعالمين والذين انتفعوا هم قليل , ونالوا حظا عظيما من هذه الرحمة وخيرا وافرا من الهداية , وما يترتب على هذه الطاعة من الثواب العظيم الذي تكفل به الله عز وجل لأهل هدايته بحسب مراتبهم .



** أيضا نزول القرآن علينا رحمة خاصة ,



** ما يمر علينا من كفاية الله وإنزال اليقين والإيمان وكشف الكربات والثبات في المواطن وانتفاع الانسان من سويعات عمره في طاعة الله عز وجل ..... كلها رحمات الله تعالى على عبده ,وكلما كان العبد تقواه أكمل كل ما كان له الحظ الأوفر من رحمة الله سبحانه وتعالى .


فنحن نفتتح دعاءنا في سورة الفاتحة بقولنا :



*الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *




أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه . إنه غفور رحيم


والسلام عليكم ورحمة الله



تم الدرس الثاني بحمد الله

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:26 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً