عرض مشاركة واحدة
قديم 14-08-08, 10:19 PM   #9
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تابع تفريغ الشريط الثالث

شرح حديث: (كان النبي يقبل وهو صائم)
قال رحمه الله: [ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه ) متفق عليه واللفظ لـ مسلم ، وزاد في رواية: ( في رمضان ) ].


ربط الحديث بأبواب الكتاب
المناسبة بين هذا الحديث والذي قبله، أنه لما نهى عن قول الزور والعمل به والجهالة ربما يظن بعض الناس بأن ملاطفة، ومداعبة الزوجة من هذا الباب، ويجب أن يترك، فجاء المؤلف بهذا الحديث ليبحث حكم ملاطفة الزوجة بصفة عامة، والملاطفة لا حد لها،ما دامت بعيدة عن علبة اللؤلؤ كما يقولون.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان وهو معتكف يقدم رأسه لـ عائشة ، سريره في الروضة ورأسه في البيت، وتمشط شعره وتدهنه، وهذا العمل من أحسن المداعبة أو المؤانسة للزوجة، ويعجبها أن تجد فرصة مع زوجها بهذه الحالة.
لماذا ضحكت عائشة –رضي الله عنها-؟
كأنه من حلاوة النسبة إليها هي؛ لأن الحدث كان معها هي، وما كان أحد يراه يقبل زوجاته في بيوتهن، إذاً: أخبرت بما وقع معها، وكونه صائماً ويقبلها هذا معناه زيادة معزة ومحبة لها.
اختلاف العلماء في حكم القُبلة للصائم
اختلف العلماء في القبلة للصائم، فهناك:
1- هناك من يمنع مطلقاً، ويقول: من قبل فعليه القضاء.
2- وهناك من يبيح مطلقاً دون أن ينظر إلى شيء، بل قال: إنه مستحب كما قال ابن حزم
3- وهناك من يقول: ليس على الإطلاق، إنما ينظر الشخص في حالة نفسه، وكذلك المفتي يجيز للبعض بنظره واجتهاده، فتباح لمن يملك إربه، وتمنع لمن لا يملك إربه.

أمر مهم:
الفقهاء يذكرون تبعاً للقبلة: أنه من دواعي المؤانسة مع المرأة أن يمتص لسانها، فإذا امتص لسانها هل له أن يبتلع ريقه بعد هذا الامتصاص؟ قالوا: لا؛ لأن هذا إدخال شيء غريب إلى جوفه.
إذاً: القبلة من الخارج ليس فيها ريق، وليس فيها سائل، وليس فيها شيء، لكن إذا امتص لسانها فيحتاط، ولا يبلع الريق في هذه الحالة.

قال المصنف رحمه الله:[ وعن شداد بن أوس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم ) رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد و ابن خزيمة و ابن حبان ].
ما حكم صيام الحاجم والمحجوم؟1-
1-حُمل على أنه فطر حقيقي، ومشى على هذا الحنابلة.
2- وحمله الجمهور على أنهما أوشكا أن يفطرا.
أما الحاجم : فلإمكان سبق الدم إلى حلقه فجوفه، وهذا نظيره حديث لقيط بن صبرة حيث جاء في باب الوضوء: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) لماذا؟ لأن المبالغة في الاستنشاق قد تنزل الماء إلى داخل أنفه، فيصل إلى الدماغ، فينزل إلى الحلق فيبطل صومه، فالنهي عن المبالغة في الاستنشاق للصائم تحفظاً على صومه من أن يسبقه الماء إلى حلقه فجوفه فيبطل صومه، وكذلك هنا منع الحاجم أن يحجم أحداً تحفظاً على صومه من أن يسبقه الدم إلى حلقه فإلى جوفه فيفسد صومه.
أما المحجوم : فهو تحفظ عليه؛ لأن في الحجامة إخراج الدم، والإنسان إنما يسير بالدم، فالدم في الجسم هو حياة الإنسان، ويسمى الدم نفْساً كما في قولهم: ( ما لا نفْس له سائلة إذا مات في السمن لا ينجسه) فإذا احتجم الإنسان يضعف قليلاً، وقد يحجمه من لا يعرف قانون الحجامة، فيسحب كل الدم، فحينئذ ينهي دم صاحبه، وقد يموت بين يديه! ولكن الخبراء في عمل الحجامة يعرفون المقدار الذي يؤخذ، وفي أي موضع من المواضع، إما بتغير لون الدم، وإما بتغير ريحه، ويعرفون الموضع الذي يحجم فيه كم يمكن أن يؤخذ منه، ويراعون سن المحجوم، فهؤلاء لهم خبرة، فإذا لم يكن الحاجم ذا خبرة، أو أخطأ في خبرته، وتجاوز حد ما يؤخذ من الدم، فحينئذ يكون المحجوم على خطر.
الراجح:فـ(أفطر الحاجم والمحجوم) أي: أوشكا أن يفطرا .

شرح حديث: (رخص النبي بعد في الحجامة للصائم)
قال رحمه الله: [ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم ) رواه الدارقطني وقواه ].


ربط الحديث بالأحاديث السابقة:
انظروا إلى فقه المؤلف رحمه الله! ساق لنا الأحاديث التي بينها التعارض: ذكر أولاً حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم، ثم حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) . ثم ختم البحث بحديث أنس ، ماذا في حديث أنس ؟ أنس ممن روى الحجامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سئل: (أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا إبقاءً عليه)
فحديث أنس هذا فصل الخطاب.[ قال: ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ) ].
حديث أنس فيه فصل الخطاب:
انظروا إلى عرض أنس رضي الله تعالى عنه! لم يقل: رخص النبي بالحجامة للصائم لا.
- بل أتانا بتاريخ الحجامة شرعاً: ( أول ما كرهت الحجامة ) يعني: هو مستوعب لفقه الحجامة من أولها، ما أولها؟ (أول ما كرهت) يعني قبل قصة جعفر لم تكن مكروهة، كانت ماضية في سبيلها، وأول ما كرهت لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جعفر يحتجم، فقال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .
-قال: [ ( فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ) ].
لما أخبرنا أنس رضي الله تعالى عنه عن بداية كراهية الحجامة بسبب احتجام جعفر رضي الله تعالى عنه، ومرور النبي صلى الله عليه وسلم به وهو يحتجم بالفعل، وقوله لهما: ( أفطر هذان )؛ يأتي أنس بالحكم العملي والفقهي: (ثم رخص بعد ذلك) ثم رخص بعد ذلك في الحجامة للصائم.

إذاً: تكون الحجامة للصائم رخصة، والرخصة تستعمل عند الحاجة، فإذا كان الصائم في حاجة إلى الحجامة نهاراً فعنده رخصة باستعمالها، ولا قضاء عليه، أما إذا كان في غنىً عنها، وعنده ما ينوب عنها، أو عنده سعة ويمكن أن يؤجلها إلى الليل فليست له رخصة فيها، بل يتركها لغيرها أو يتركها لوقت آخر ليس هو فيه صائم،
-وتقدم لنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ينظر في حالة الشخص الذي يريد أن يحتجم: إن كان يستطيع أن يتحمل أثر الحجامة من الضعف والفتور، ولا يلجأ إلى الفطر؛ فلا مانع، وإن كان لا يستطيع ذلك فيمتنع من الحجامة.
وهكذا سماها أنس رضي الله تعالى عنه رخصة للصائم، يعني: لا تستعمل إلا عند الحاجة الداعية إليها، والله تعالى أعلم .

شرح حديث: (اكتحل في رمضان وهو صائم)
قال رحمه الله: [ وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم ) رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف، وقال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء ].


ربط الحديث بأحاديث الكتاب:
هذا مما يتعلق بما يكره للصائم وما يجوز، وقد تكلمنا عن الحجامة، وذكرنا الخلاف الخفيف فيها، وقول أنس : إنها رخصة للصائم عند الحاجة، ثم أتى المؤلف بموضوع الاكتحال، وأتى بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل )،و(اكتحل): افتعل بوضع الكحل، والكحل محله العين،
ماحكم الاكتحال؟
ومن هنا أخذ بعض العلماء أن الاكتحال لا يضر الصائم.
ولكن نص بعض العلماء أن الكحل له حالتان:
حالة يكون خفيفاً جداً لا يتعدى موضعه.
وحالة يصل فيها إلى الحلق، فإذا كان يصل إلى الحلق فقد أفطر الصائم؛
ولذا نص الحنابلة على أن من المبطلات والمفسدات للصوم: إذا اكتحل بما يصل إلى الجوف، وهناك أشياء تسري، وهناك أشياء لا تتعدى موضعها، ولكن تمنع سداً للباب، وجاءت آثار فيها النهي عن الاكتحال بالإثمد المطيب، أو الإثمد المروح.
فمن أجاز الاكتحال للصائم قال: النهي عن نوع خاص وهو الإثمد المروح -يعني: الذي فيه رائحة طيبة-؛ لأن الصائم ممنوع من استعمال الروائح الطيبة، ولكن الإثمد مهما كان مروحاً لا يصل إلى حد أن يمنع الصائم منه من أجل الرائحة، وكراهية الروائح الطيبة للصائم إنما هي من قبيل باب القُبلة، قالوا: لأن عرقا الخصيتين في الإنسان مرتبطة بالأنف، فإذا شم رائحة زكية تحرك عليه العرقان؛ فمنعوا من الروائح الطيبة الصائم والحاج، فالحاج إذا أحرم لا يحق له أن يتطيب؛ لأنه مدعاة إلى الإثارة، إذاً: الطيب من حيث هو ليس ممنوعاً، ولكن الممنوع موجب الإثارة، ومهما يكن في الإثمد من رائحة لا تصل إلى الحد الذي يثير عند صاحبه شيئاً.

العلة من النهي للاكتحال للصائم:
إذاً: النهي عن الاكتحال إنما هو لكونه في العين، والعين منفذ، فإذا وصل إلى الحلق -كما قال الحنابلة- فإنه حينئذ يكون قد أدخل شيئاً إلى الجوف عامداً، وحينئذ يمتنع عليه أن يكتحل.
ما يلحق بالكحل:
والذين يقولون بأن الكحل يؤثر على الصوم يلحقون به:كل معالجة للعين ما عدا الماء،
فيمنعون الَصِبر للعين،
وكذا التوتياء أو الششم أو القطرة، أو أي محلول فيه مادة كيماوية، ويجعلون كل نوع من أنواع المعالجات التي تصل إلى الحلق تابعة للإثمد.
ما يستثنى من المعالجات
أما علاج العين بالماء فهذا أمر جائز، والإنسان يغسل وجه في الوضوء أكثر من مرة، ومن أنواع علاج العين بالماء: إذا كانت هناك رجرجة أو كانت هناك حرارة، أن تأخذ كأساً من الماء البارد العادي، وكما يقول بعض الأطباء: يبيته في الخلاء في الليل، ثم يأخذه صباحاً، ويفتح العين فيه، ويكون الإناء مليئاً بالماء، ويضعه على بؤبؤ العين، ويحرك حاجبيه أو رمشيه، فيدخل الماء البارد تحت الحاجب هنا أو تحت الرمش -كما يقولون- ويصل إلى شحمة العين، فيستخلص الحرارة منها، هذا نوع من العلاج، وينفع من ضعف البصر في بعض الأحيان، لكن لا دخل له ولا سريان له إلى الدماغ.
إذاً: الكحل للصائم ممنوع، ويلحق به كل ما له نفوذ من العين إلى الجوف، واعتبروا العين منفذ، والأنف منفذ، والأذن عند الحنابلة أيضاً منفذ، وكل دواء لهذه الجهات أو عن طريقها يصل أثره إلى الحلق فهو مبطل للصوم، والله تعالى أعلم.

شرح حديث: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه)
قال رحمه الله: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه ) متفق عليه.
و للحاكم ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) ، وهو صحيح ].


ربط الحديث بالباب:
ذكر المؤلف رحمه الله من مبطلات الصيام الحجامة، والكحل، ثم جاءنا بمن أفطر أو أكل ناسياً، وكذلك أيضاً إذا احتجم ناسياً أو اكتحل ناسياً.

فما حكم من تعاطى مبطلاً للصوم ناسياً بصفة عامة؟
يأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث: ( من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا الحديث يعتبر منة من الله سبحانه وتعالى، ولطفاً من الله، فإنه لا يؤاخذ الإنسان في نسيانه: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } [البقرة:286] ،وقال صلى الله عليه وسلم: ( رفع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .

فإذا نسي الإنسان صومه، وتناول الماء تلقائياً وشرب، أو تناول الأكل تلقائياً وأكل، ثم تنبه بأنه صائم، ماذا يفعل؟ الحديث يقول: ( فليتم )، تذكر أنه صائم فليمسك، ويتم صومه بقية يومه، ولا يفطر بما أكله، قال الله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187] ، والذي أكل أو شرب في نهار رمضان ما أتم الصوم، بل قطعه، لكن الحديث صريح بأن الإنسان يتم صومه، وأنه فضل من الله، وقد أطعمه الله وسقاه.

وقوله: ( أطعمه الله وسقاه ) هنا واضح، أكل وشرب حتى ولو شبع، كما في بعض الآثار أن جارية دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده ذو اليدين وهما يفطران، فقال: ( هلم إلى الطعام ) ، فجلست وأكلت، ولما انتهوا قالت: أوه! أنا كنت صائمة، نسيت.
فقال لها: أبعدما شبعتِ؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: ( أتمي صومك؛ فإنما أطعمك الله وسقاك ) .
إذاً: تفسير: ( أطعمه الله وسقاه ) واضح، أطعمه ما أكل، وسقاه ما شرب، فالإطعام والسقيا هنا حقيقة واقعية لا تحتاج إلى تأويل، بخلاف ( لي طاعم يطعمني، وساق يسقيني ) ، فهناك فيه الإشكال، أما هنا فلا إشكال، أطعمه الله، أي: ساق له الطعام، وعفا له عن أثره، وصحح له الصيام، فهذه منحة جاءته من حيث لا يعلم.
هل من أكل أو شرب ناسيا عليه قضاء ذلك اليوم؟
والأئمة الثلاثة أبو حنيفة و الشافعي و أحمد رحمهم الله يقولون: من أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، ويتم صومه ولا شيء عليه.
و مالك رحمه الله يقول: عليه قضاء يوم مكانه.
لماذا -يا مالك - فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أطعمه الله وسقاه ) ؟ قال: نعم، ولكن لم يقل: وليس عليه قضاء.
بل قال له: ( يتم صومه )، وكونه يتم صومه فصومه ماض، لكن في بعض الروايات: ( ولا قضاء عليه ) قال: لا تصح، والله تعالى يقول: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187]، وهذا لم يتم، ( أطعمه الله وسقاه ) هذه نعمة من الله، وأنه لم يؤاخذه على الأكل والشرب في رمضان؛ لأنه لو أكل أو شرب عامداً لكان عليه القضاء، ومع القضاء كفارة؛ لأن مالكاً يوجب الكفارة بالأكل والشرب، خلافاً لمن لا يوجبها إلا بالجماع.
فـ مالك أخذ الحديث على الرخصة أو على العفو، وطالب من أكل ناسياً بيوم مكان اليوم،
ولكن الصحيح الواضح أن من أكل أو شرب ناسياً فإنه يتم صومه، وصومه كامل، ولا قضاء عليه، والله تعالى أعلم .
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً