نرجع إلي مزيد بيان لحال قلوبهم في الدنيا
هذه الزجاجة يوجد بها زيت هو وقود المصباح
حقيقة وقود المصباح المذكور في الآية
قال الله سبحانه وتعالى: { الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِة } [النور:35]
ما هو وقود هذا المصباح؟
ما هو (الكيروسين) الذي يشتعل به؟
انها توقد من شجرة مباركة زيتونة
قال تعالى: { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ } [النور:35]
فوصف رب العزة سبحانه شجرة الزيتون بأنها شجرة مباركة،
قال الله سبحانه: { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ } [النور:35]
والبركة لها معنيان:
أحدهما: ثبوت الخير في الشيء، يقول لك قائل مثلاً: بارك الله فيك، يعني: ثبت الله الخير فيك.
ثانيهما: تطلق البركة على الازدياد والنمو، على النمو الذي هو الكثرة والازدياد، فهذان من معاني البركة
وشجرة الزيتون على هذا يرحمك الله! فيها بركة ثابتة فيها، كما قال تعالى: { شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } [النور:35]
والخير فيها ثابت،
.
قال الله سبحانه: { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ } [النور:35]
أي: أنها لا تأتيها الشمس من ناحية المشرق ولا من ناحية المغرب، بل هي وسط بين ذلك، لا تتعرض مباشرة للشمس، وأهل الاختصاص يقولون: وهذا أحسن ما يكون من الزيتون، وهو الذي لا يتعرض للشمس تعرضاً مباشراً، أي: يأخذ منافع الشمس ولا تحرقه الشمس.
قال الله سبحانه: { لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } [النور:35]
أي: من
· صفاء زيتها
· وجودة زيتها
· وحسن زيتها
يكاد من صفائه يشتعل ويتوهج من دون أن تمسه النار،
فكما أن زيت الزيتون في حسنه ونقائه وصفائه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نارèكذلك الفطرة السليمة والإيمان في قلب المؤمن يجعله ينطق بالحكمة ويتكلم بالدليل من قبل أن يأتي الدليل ومن قبل أن يعرف الآية أو الحديث .
فإذا مست النار زيت الزيتون أضاءت خير إضاءة وأنارت خير إناره èكذلك قلب المؤمن مادته ووقوده => إيمان بالله وفطرة سليمة صحيحة إذا مزجت بعلم شرعي علمٍ بكتاب الله وسنة رسوله – العلم بالكتاب والعلم بالسنة – أعطت خير إضاءة على الإطلاق وأنارت خير إنارة على الإطلاق .
فاجتمعت جملة أنوار :
· نور الإيمان والفطرة الصحيحة
· مع نو الحق والدليل والبرهان من الكتاب والسنة
كل ذلك أضاء وخرج من زجاجة صافية بيضاء نقية فأعطى خير إضاءة وأوضح غاية الإيضاح فكان-بعد- قائداً لصاحبه إلي الجنة .
إذا كان الشخص متخففاً من الذنوب، متخففاً من أثقالها، متخففاً من المعاصي ومظالم العباد، بداخله فطرة سليمة وإيمان يكاد ينطق بما يوافق الدليل قبل أن يأتيه الدليل من الكتاب والسنة.
فمثلاً: عمر لفطرته السليمة وإيمانه العظيم، كان يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من رسول الله، فإذا جاء الدليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم توهج هذا مع ذاك، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى يا رسول الله! فنزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة:125] )، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو أمرت نساءك بالحجاب يا رسول الله! فتنزل آية الحجاب )، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تقبل الفدية من أُسارى بدر يا رسول الله! فينزل قول الله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } [الأنفال:67] ) وهكذا تأتي موافقات عمر لربه سبحانه، يتكلم بمقتضى الدليل قبل أن يأتي الدليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرب العزة يقول: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } [النور:35]، فإذا مسته النار فتوهج فأصبح هناك: { نُورٌ عَلَى نُورٍ } [النور:35]،
كذلك القلب المتخفف من الذنوب والآثام والمعاصي، المليء بالإيمان، إذا جاءه علم الكتاب والسنة ازداد بهاءً على بهائه، وحسناً إلى حسنه
|