وإليكِ هذه الوصية .. وهي نداءات يسطرها لكِ فضيلة الشيخ محمد بن حسين يعقوب فلتصغي إليه بأذني قلبك:
يا من هجر الصحبة وترك الطريق .. يا من جفا الله وصار من المطرودين عن صحبة أهل العلم ..
يا من ابتعد وجفا .. اعلم أن أنجع المراهم لجراحات الذنوب البكاء .. هتكة الدمع ستر على الذنب..
لقد كان محمد بن المنكدر كثير البكاء ، فسئل عن ذلك فقال: آية من القرآن أبكتني .. قيل وما هي؟ فقال: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) [الزمر: 47]
وكيف لا تذهب العيون من البكاء ، وما تدري ما أعد لها .
أخي في الله : سبقت السعادة لمحمد قبل كونه .. ومضت الشقاوة لأبي جهل قبل وجوده .. خوف السابقة وحذر الخاتمة قلقل أرواح السلف هيبة (لا يسأل) مع تحكم (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) [السجدة : 13] وهو لا يسأل عما يفعل .. فقد سبق حكمه وحكمته وعدله .. أما فضله فيؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ..
أخي يا من ابتعد عن الطريق .. وعصى الملك الذي منه قريب .. وهو الذي أحسن إليه أتراك تقف لأناديك فأقول.
أترى سألوا لما رحلوا .:. ماذا فعلوا أمن قتلوا ؟!
يا من فقد قلبه .. وعدم الحيل في طلبه .. تنفس في كرب الوجد .. فبريد السحر يحمل المطقات .. ريح الأسحار ركابي الرسائل .. ترجمان الجواب (إن قرآن الفجر كان مشهودا) [الإسراء : 87]
أخي يا من ابتعدت قم هيا وناد .. يا دائرة الشقاء أين أولك..؟ يا أرض التيه متى آخرك .. قم الليل فهو شفيع مشفع .. تمسك بالبكاء فهو رفيق صالح ..
ادخل في زمرة المتهجدين على وجه التطفل وقل بلسان التذلل أنا تائب أنا نادم .. قال الله في الحديث القدسي : "وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" .
سل الليل عن الأحباب فعنده الخبر.. من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم . من لم يشاهد جمال يوسف لم يعلم ما الذي آلم يعقوب ..
أخي في الله ..
يا من ابتعد فآثر أن يطرد ويقصى .. يا من كانت له مع الله معاملة طيبة .. وطالت بينه وبين الله المواصلة ثم اختار الهجر والمفاصلة ..
إن لم يكن جميلا فلتكن مجاملة .. يامن لم يؤثر هذا كله فيه .. ولم يقربه من الله ولا يدنيه .. كل هذا الجفاء والبعد وكنت تدعي حب الله وتؤثر قربه .. فما هذا الصبر الذي تدعيه ... ؟
كنت تستطيب رياح الأسحار .. وما تغير المحب أبدا .. ولكن دخل برد الفتور ولم تحذره فأصابك زكام الكسل ..
كنت في الرعيل الأول .. فما الذي ردك إلى الساقة ؟ قف الآن على جادة التأسف .. والزم البكاء على التخلف .. !
فأحق الناس بالأسى من خص بالتعويق دون الرفقاء ..
قل : اهدني فيمن هديت .. وعافني فيمن عافيت .. وتولني فيمن توليت .. فلقد شفيت فلانا فاشفني .. وقربت فلانا فدلني .. وفلانا أعنته فخذ بيدي ..
اللهم لا تتركنا هملا .. وتكلنا لأنفسنا .. اللهم لا تخيب فيك رجاءنا .. ولا تقبضنا إلا وقد أصلحت قلوبنا .. وهديت قلوبنا .. ورطبت قلوبنا .. وقبلتنا فيمن قبلت توبته .. أنت ولي ذلك والقادر عليه ..
إخوتاه ..
بالله لا تطووا هذه الصفحات بدون تدبر لما جاء فيها .. ولا تقاوموا العبرات إذا انهمرت ذلا لمولاها ولباريها ..
لا تقلبوا صفحات هذا الكتاب وتعودوا كما بدأتم .. انتبهوا .. هذا هو الحادي ينادي .. يحذر من وعورة طريق السالكين لغير درب الله .. انتبهوا ففي الطريق مفاوز وقفار ..
وفي الطريق قطاع طريق .. ووحوش .. وخاطر .. انتبهوا .. عودوا إلى كنف من رباكم .. اسكبوا العبرات وذلوا لرب الأرض والسموات ، وادعوه يستجب ..
إلهي..
نور دنيانا بنور من توفيقك .. واقطع أيامنا في الاتصال بك .. وانظم شتاتنا في سلك طاعتك .. فأنت أعلم بتلفيق المقترف ..
إلهنا وسيدنا ومولانا ..
واعجبا لمن عرفك ثم أحب غيرك .. ولمن سمع مناديك ثم تأخر عنك .. وا أسفى لمنقطع دون الركب متأخر عن لحاق الصحب يعد الساعات في متى ولعل .. ويخلو بفكر في عسى وهل ..
أيها المتخلف في أعقاب الواصلين .. استغث بربك تلحق بهم .. علق على قطارهم لعل جملك يصل ..
يامن قد مضت له ليالي مناجاة .. ثم قطع المعاملة اندب زمان الوصل لعل حالاً حال يعود ..
منازلٌ كنت تهواها وتألفها .:. أيام كنت على الأيام منصورا
أخي في الله ..
تذكر سالف عهدك وع ربك وتوفيقه لك .. أليس هو الذي هداك .. ؟ وهو الذي على طاعته أعانك ..؟ أليس هو الذي لتلاوة كتابه وفقك ..؟ أليس هو الذي لقيام الليل أقامك ووفقك ..؟ اصطفاك وأيقظك ..؟
أليس هو .. ؟ أإله مع الله .. ؟
فلم هجرته ..؟ لم نسيته..؟ كم سمع منك تراتيل الدجى إذا الليل سجى .. وأفاض عليك .. أسبل عليك من غفرانه ورحمته .. كم أخذ بمجامع قلبك .. كم رزقك دموعا نزلت من عينيك .. كم عبرة أسبلتها عيناك بريد صدق وولاء وطهارة .. فغسل بالدمع القليل الذنب الكثير .. كم .. وكم .. وكم ..
أخي .. أخي .. أخي .. تعال .. اسمع ..
ألم تكن التقي النقي .. ألم تك يوما ريحانة للمؤمنين .. وأربح المتقين .. ألم تكن من كاسري دنان الخمر .. ألم تكن من القابضين على الجمر .. فلم ألقيت الجمر .. وعاقرت الخمر .. !!!
أخي .. تذكر .. كم من مرة رفعت يديك ودعوته فلباك .. واستوهبته فحباك .. واستغفرته .. فنقاك .. واستعنته فأغناك .. واستنصرته فقواك .. واستأذنته فأدناك وأملاك .. وقربك وأحبك ونفعك ورفعك وأقر عينك .. أبعد هذا تهجره وتوليه ظهرك ..؟ بعد أن عاينت القرب بقلبك .. بعد أن ذقت حلاوة الإيمان بحبك .. ؟ لماذا هجرته ..؟
لماذا استدبرته..؟ لماذا أعطيت في حقه الدنية..؟ وأعظمت في إبليس الأمنية ..؟
(يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) [النساء :120]
أخي .. ويحك أما ترعوي .. ويلك الموت يطلبك .. والساعة موعدك (والساعة أدهى وأمر) [القمر: 46] لتطرحنّ على فراش الموت مجندلا .. ترمق كل من حولك وأنت عن خطابهم عاجز .. ويرمقونك بأبصارهم الكليلة ، والأجل ناجز .. لتنزعنّ روحك عن جسدك .. وتعاين الموت حقا وصدقا ..
ولتدرجن في كفنك بعفنك .. ولتطرحنّ في قبرك فريدا .. وحيدا .. ولتبعثنّ عاريا ، حافيا ، ولينادينّ عليك بين الخلائق .. يا فلانا أجب رب السموات والأرض .. تأهب للحساب .. وأعد للسؤال جوابا ..
أخي .. أين حبك للرسول .. أين انقيادك لأوامره –صلى الله عليه وسلم- ..؟ أين طاعتك له في المنشط والمكره ..؟ في الأثرة والإيثار ..؟
أما تخاف أن يعرض عنك النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- .. فيقول إذا لقيك يوم القيامة .. سحقا سحقا لمن بدل بعدي وغير .. يا من ترك سنة الحبيب وسار على سنن الشياطين ..
أتراك بدلت ..؟ أم على العهد ثبت .. وبالعقد وفيت .. قال ربك (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1] (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) [الإسراء : 34] .
أين عهودك مع الله .. ؟ أين مواثيقك التي بذلتها لنصرة الدين .. ؟ أين المروءة والوفاء .. ؟ أين الرجولة .. ؟ أين العلاء ..؟
أخي .. أما اشتقت إلى صحبة المؤمنين .. أما اشتقت إلى رياض الصالحين .. ؟ أما اشتقت إلى مجالس البكائين ..؟
أما تذكر أيام النقاء والصفاء ..؟ أيام التحليق والسمو .. ؟ أيام الرفعة والعلو ..؟ ألم يكن كل منا يذكر الآخر إذا نسي ..؟ ألم تعاوني على الطاعة .. ويشد كل منا من أزر الآخر .. ألا تذكر كيف كنا نتراحم إذا عطس أحدنا ..
ليت شعري من يشمتك من رفقة السوء إذا عطست ..؟ بل من يذكرك بالصلاة إذا غفلت ..؟ ومن يزجرك عن المكر إذا انزلقت .. ؟
أخي .. أقبل .. تعال نخاف الله . نرجوه .. ندعوه .. تعال نشفق من عذاب النار .. فإن أهل الجنة يقولون : (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) [الطور:26 – 27]
أخي .. حبيبي في الله .. أسوق آخر سهم في كنانتي .. وآخر كلمة في جعبتي .. وآخر محاولة من ذهني وقلبي .. فأقول لك .. تنبه .
أمتك تحتضر .. تناوشها أنياب اللئام .. صارت كلأً لكل الطغام ..
أخي في الله .. تيقظ إنهم سيهجمون .. لقد نهبوا كل شيء .. أخذوا أندلسا .. صقلية .. وقبرص .. حازوا بالكلية .. اجتاحوا أرض المسرى وبها عبثوا .. وتنمر ناب القوم لأقصانا .. أرأيت الذل أخي يعربد في الأرجاء .. أرأيت الأسد تموء وقد كانت تزأر ..
أخي .. تعال .. الأمة تحتاج إليك ,, فلا تكن علينا بعد أن كنت لنا ..
--------------------------
لا يزال للحديث بقية .. وقد حاولت قدر استطاعتي الاختصار فلم أستطع ..
أسأل الله أن يحفظ شيخنا يعقوب وأن يجزل له الأجر والثواب ويبارك في عمره وجميع علمائنا الأفاضل
تقبلي تحيتي
محبتك/ سمية أم عمار