إنَّ مِن أوَّلِ ما يُصادِفُ طالبَ العلمِ ، الراغبَ في تحصيلِهِ = كثرةَ العلومِ ، وتنوُّعَها ، واختلافَ المناهجِ وتعدُّدَها ، ثمَّ لكلِّ علمٍ كتبٌ لا يستطاعُ إلى حصرِها من سبيلٍ ؛ فتَراهُ مضطرِبًا ، حيرانَ ، مقسَّمَ الهوى ، دائمَ الفِكرةِ ، يحملُ متاعَه على عاتقِهِ يطَّوَّفُ بينَ المذاهبِ ، والسُّبُلِ ؛ كلَّما وضعَ متاعَهُ ، أعرضَ له من الرأيِ ما يَحملُه على الرَّحيلِ ، ويُسِلمُه إلى مذاهبَ وسُبُلٍ أخرَى ، وكلَّما أخذَ في طريقةٍ من طرائقِ الطلبِ ، واستحسَنَها ، ظهرَ له من بعدُ أنَّ غيرَها أحسنُ منها ؛ فانقلبَ إلى أولِ الطريقِ بعد أن قطعَ كثيرًا منها . ولا يَزالُ على هذه الحالِ ، كأنَّه ابنُ زُريقٍ :
ما آبَ من سفرٍ إلا وأزعَجَه *** رأيٌ إلى سفَرٍ بالعزمِ يُزمِعُهُ
ثمَّ ينقضي عمرُه ولم ينلْ منَ العلمِ شيئًا .
لذلكَ أحببتُ أن أباحثَ إخواني في هذا الحديثِ ؛ لعلَّه ينفتحُ لنا من الرأيِ ما يكونُ بهِ خيرٌ لنا أجمعينَ .
وسأضعُ حديثي على حلَقاتٍ متصلةٍ - إن شاء الله - . وبالله أستعينُ .