عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-08, 11:55 PM   #155
عائشة صقر
معلمة بمعهد خديجة
f تفريغ القسم الأول من الشريط الخامس ..

.. بسم الله الرحمن الرحيم ..
تبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .. وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً .. وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً .. وتبارك الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وغليه ترجعون ..
ثم أصلي وأسلم على أفضل من قرأ القرآن ، ثم أصلي وأسلم على من قام بالقرآن .. واصلي وأسلم على أعظم من عمل بالقرآن .. نبينا وحبيبنا محمد –صلوات ربي وسلامه عليه- ..
كنا في الحديث عن القواعد الخمس الكبرى التي لابد منها من أجل أن نسير مع كتاب الله –سبحانه وتعالى- ، ومن أجل أن نكون من أهل القرآن .. الذين هم أهل الله وخاصته ..
ووقفنا عند القاعدة الثالثة .. ذكرنا القاعدة الأولى .. ثم ذكرنا القاعدة الثانية .. والآن سنتكلم بإذن الله –جل وعلا- وبعون منه وتوفيقه .. عن القاعدة الثالثة .. وهي :
أن المقصود الأعظم من القرآن هو التدبر أولاً ثم العمل ..
فالتدبر هو المقصود الأول من كتاب الله –عز وجل- .. نعم .. التدبر هو المقصود الأول من نزول هذه الآيات العظيمات .. ولا بد أن تعي ذلك وعياً كاملاً تاماً .. لأن مصيبة كثير من المسلمين أنه لا يدري عن أهمية التدبر لكتاب الله –عز وجل- .. ولذا تجد فيه حرص شديد على أن يتلوا الألفاظ .. وأن يقرا الحروف .. وأن يحصل الحسنات من الحروف .. فمن قرأ حرفاً من كتاب الله –عز وجل- فله بكل حرف عشر حسنات .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فله بكل حرف حسنة كما في حديث : "لا أقول : (ألم) حرف .. ولكن : ألف حرف .. ولامك حرف .. وميم حرف" فله بكل حرف حسنة .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فيأخذ في حساب الحسنات على هذه العدة وكان المسألة مسألة حسابية بحتة .. وينظر في كم قرأ من الحروف .. وكم قرأ من السطور .. وكم قرأ من السور .. وكم قرأ من الأجزاء .. فيقرأ .. ويقرأ ويقرأ من كتاب الله –سبحانه وتعالى- وهمه في كم عدد الحروف التي قرأها من كتاب الله –عز وجل- .
ولذا تجد كثيراً من المسلمين يفتخر فيقول لك : أنا قرأت في يوم واحد عشرة أجزاء .. أو عشرين جزءاً .. أو ختمت القرآن في ثلاث أو في أربع .. أو ختمت في رمضان القرآن كاملاً أكثر من عشر مرات .. أو عشرين مرة .. أو ثلاثين مرة .. أو أثل من ذلك أو أكثر .. فيذكر كم مرة ختم كتاب الله –عز وجل- .. وهذا ولا شك أنه أمر عظيم وجليل وحسناته كثيرة ليست بالقليلة أبداً .. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحاح .. وكما مر في الحديث السابق .. فالأمر ليس بالهين .. بل هناك من الحسنات العظيمات ما يرجوه العبد المؤمن وهو يتلو آيات الكتاب العظيم ..
ولكن أيضاً كذلك فرق كبير بين من يتلو كتاب الله –عز وجل- بحروفه وألفاظه دون معانيه ودون المقصود منه في فهم آياته .. ون من يتلوه وهو يستشعر معاني الآيات .. ويستشعر خطاب الرب –سبحانه وتعالى- له فيما يتلو من هذه الآيات العظيمات ..
هذا الفرق عند الأئمة –رحمهم الله- فرق كبير .. وبون شاسع ليس بالقليل أبداً .. ولذا لابد من وقفة يسيرة مع قضية التدبر ومقارنتها بمسألة قراءة القرآن بلا تدبر ..
فقراءة القرآن بلا تدبر من ورائها خير عظيم .. وفيها فضل ليس بالقليل .. وحسنات أخبر عنها النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها كثيرات .. ولكن أيها المؤمن إذا قارنت هذا بما تحصله من تلاوة آيات الكتاب بشيء من التدبر .. تجد أن الفرق لا يمكن أبداً أن يحسب .. ولا يمكن أبداً أن تقيسه بالمقاييس المعهودة بالحسنات من الأرقام ..
وإنما الفرق فرق شاسع جداً .. كما قال ابن القيم –رحمه الله- في بيان الفرق بين المصليين .. مصلي يصلي بجوارحه وظاهره .. ومصلي يصلي بقلبه وخضوعه وذله وخنوعه لله –سبحانه وتعالى- .. الفرق بينهما : قال : كما الفرق بين السماء والأرض .. فنحن أيضاً كذلك أيها المؤمن .. بل هو أعظم .. ولذا أذكر لك عبارة ذكرها الثعالبي –رحمه الله- في تفسيره .. وذكرها ابن القيم أيضاً بنصها في عددٍ من كتبه .. وتناقلها الأئمة –رحمهم الله- من بعدهما .. وهما أخذاها من كلام السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- .. والجميع أخذها من كتاب الله –سبحانه وتعالى .. قالوا : لقراءة آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- بتدبر خير وأحب إلى الله –عز وجل- من قراءة ختمة كاملة بغير تدبر.
الله أكبـــــــــــــــــــر .. تأمل الفرق أيها العاقـــــــل
إنما نريد من هذه القراءة لكتاب الله –عز وجل- .. إنما نريد الحسنات .. إنما نريد محو السيئات .. إنما نريد أن نرفع في الدرجات في الجنات .. ونريد أن ننجو من الدركات في النيران .. فإذا كان كذلك فمن أراد الحسنات فالحسنات هنا .. ومن أراد الرفعة في الدرجات فالدرجات هنا في تدبر آيات الكتاب .. نعم .. قد تقرأ سورة كاملة .. تقرأ سورة البقرة كاملة من أولها إلى آخرها .. ولكنك تقرأها بغير تدبر .. ويأتي آخر فيقرأ آية واحدة من البقرة .. ولكنه يقف عندها ويتدبر .. هذا وقف وتدبر آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- هو أفضل منك حين قرأت سورة البقرة من أولها إلى آخرها بغير تدبر .. وهذا والله غبن لك .. نعم .. غبن لك .. لأنك إنما تقرأ لتحصيل الحسنات .. إنما تقرأ لرفعة الدرجات .. لمحو السيئات .. الآن تقرأ .. ولكن ذاك قد غلبك وفاز عليك .. وحصّل ما لم تحصل بشيء من العلم .. بشيء من الفهم .. بشيء من التدبر لكتاب الله –عز وجل .. ولذا أدرك هذا .. أدركه لا تبعد عنه .. فإنه والله غبن ما بعده غبن ..
تقرأ آية من كتاب الله –عز وجل- فتحصل بها من أنواع الفائدة :
أولاً : في الدنيا .. لأن فيها غذاء لقلبك .. غذاء لأمراض القلب .. فيها علاج لكل أمراض البدن .. من أولها إلى آخرها .. فيها تصحيح لمسارك في توجهك إلى الله –عز وجل- .. فتنجو في الدنيا وتسعد .. ثم تفوز بالرفعة الكاملة لك في الآخرة من كتاب الله –عز وجل- ..
ولذا الاهتمام بمسألة التدبر تدل على عقـــل هذا المرء .. الإنسان الذي يهتم بتدبر كتاب الله –عز وجل- .. لا تجده إلا عاقلاً .. لا تجده إلا حصيفاً .. لا تجده إلا فطناً نبيهاً .. إنه أدرك الفرق بين الحالين ..
أما الآخر فلا .. حاله كحال عموم الناس .. لا يدري ما الأفضل من المفضول .. ولا الذي ينبغي أن يفعله .. مما لا ينبغي أن يفعل ..
فتجده يشغل نفسه بأنواع من المفضولات .. ويترك أنواعاً كثيرة من الحسنات الفاضلات العظيمات .. فيشغل نفسه بأشياء هي أقل مما كان ينبغي أن يشغل نفسه بها .. ولذا هذه المسألة .. مسألة التدبر .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. لأن الفرق بين الحالين واسع ..
أدرك ذلك أئمة .. وذكرت لكم كلام الثعالبي وابن القيم .. أذكر لك كلاماً هو أرفع وأعلم واجل من ابن القيم والثعالبي .. وهو الإمام مجاهد –رحمه الله رحمة واسعة- .. إمام المفسرين .. الذي أخذ التفسير عن ابن عباس –رضي الله عنه- عن أبيه .. سُئل الإمام مجاهد عن رجلين .. قيل له : يا إمام .. إنسان قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وإنسان قرأ البقرة لوحدها .. وركوعهما وسجودهما ودعاؤهما وتسليمهما كله واحد .. فأيهما أفضل؟ الذي قرأ سورة البقرة وآل عمران معاً ؟ أم الذي قرأ سورة البقرة لوحدها ؟ .
أجاب هذا الذكي النبيه الفطن .. الذي يعلم الموازين .. التي أنزلها الله –عز وجل- في كتابه .. وبينها الرسول –صلى الله عليه وسلم- في سنته .. فقال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل" .. شوف كيف إنسان قرأ سورة البقرة .. وآخر قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وزمن الركوع واحد .. وزمن السجود واحد .. وزمن الدعاء والذكر واحد .. التسليم كان أيضاً في وقت واحد لم يختلف أبداً .. كان وقتهما وزمنهما واحد .. لم يذهب على ذاك .. فأيهما أفضل يا إمام .. فكان الجواب من الوائق بعلمه العارف بكتاب ربه .. قال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل " فقط لوحدها .. وذاك حصل كم من الحسنات بالحروف وهو يقرأ سورة آل عمران .. زيادة على سورة البقرة .. ولكن الفضل بينهما كبير .. والبون شاسع .. الذي قرأ سورة البقرة لوحدها أفضل .. لِمَ ؟! .. لأنها لما قرأها وأخذ نفس الوقت الذي قرأ به ذاك سورة البقرة وآل عمران كان يتمعن .. كان يتدبر .. كان يتأمل .. كان يتفكر في سورة البقرة .. فأصبح هذا التدبر وهذا التفكر وهذا التأمل في هذه السورة أصيح أعلى وأجل من قضية حروف تُقرأ بدون تدبر آيات سورة آل عمران ..
ولذا أيها المؤمن .. ينبغي أن تنتبه لذلك .. ولهذا جاء رجل .. جاء إلى هذا الحبر .. إلى هذا البحر .. إلى هذا الفقيه الكبير .. إلى هذا العالم الجليل .. قال له : "إني لأقرأ سور المفصل في ركعة" ..يقرأ سور المفصل من ق إلى الناس في ركعة واحدة!!
وجاء أيضاً رجل إلى ابن مسعود وقال له هذا الكلام .. وابن مسعود كما تعلمون من أعلم الناس بكتاب الله عز وجل .. من أعرف الناس بمعاني الكتاب .. بل هو من أعلم ومن أخص صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن .. ومع ذلك لما جاء هذا الرجل إليه وإلى ابن عباس قال له : "أهذاً كهذ الشعر؟!" وقال ابن عباس –رضي الله عنه- وعن أبين : "والله لأن أقرأ آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كاملاً كما تقرأ" ..
أخي .. انتبه لهذه .. هذه قضية كبيرة جداً .. أنت ماذا تريد إلا تحصيل الحسنات ؟..
والكلام الآن مع من يريد أن يجمع الحسنات .. ليس مع من هو لاهٍ غافل عن قضية أنه يريد النجاة في هذه الحياة وفي الآخرة .. كلامي مع من يريد أن يحيا قلبه بكتاب الله –عز وجل- .. فتردد آية من كتاب الله –عز وجل- .. تقرأ مثلاً في قوله –جل في علاه- : ((خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)) فتكرر الآيات .. تقف .. تتدبر .. ما معنى : ((خذوه فغلوه)) .. تدبرها .. تأملها .. ماذا تعني ؟! .. أما أن تقرأها هكذا .. سورة الحاقة .. تقرؤها سريعاً .. لا .. لابد أن تقف .. الوعيد شديد .. والهول عظيم .. الله –عز وجل- قد جمع الخلائق من أولهم إلى آخرهم .. الخلائق جميعاً من أولهم إلى آخرهم .. تنزّلت الملائكة العظام الذين لا يعلم عددهم إلا الله –سبحانه وتعالى- .. كم عدد الملائكة ؟ .. في الصحيح من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- : البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف .. ثم لا يعودون إليه من حين أن خُلقت الملائكة .. وهذا حالهم .. سبعون ألف في كل يوم .. كم عددهم ؟ .. عددهم عظيم كبير جداً !! .. الملائكة فقط الذين يقبضون على نار جهنم ويأتون بها في يوم القيامة .. : ((وجيء يومئِذٍ بجهنم)) .. هؤلاء الملائكة الذين يقدمون بنار جهنم في يوم القيامة كم عددهم ؟!! .. أنه قال –رضي الله عنه وأرضاه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "يُجاء بجهنم يوم القيامة .. لها سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونه" .. شوف .. سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك .. اضرب سبعين ألف زمام في سبعين ألف ملك .. كم عدد الملائكة ؟!! أربعة آلاف مليون وتسعمائة مليون ملك .. قريب من خمسة مليارات ملك مع جهنم .. يعني خمسة آلاف مليون ملك .. هؤلاء فقط الذين يقبضون على جهنم يوم القيامة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأخت الحبيبة شوااقه .. ستفرغ الـ 15 دقيقة القادمة بإذن الله ..

بورك فيها .. كتب الله أجرها ..





توقيع عائشة صقر
اقتباس:

لَو طَهُــرَتْ قُلُوبُكُےـمْ مَا شَبِعْتُمْ مِنْ كَےـلاَمِ رَبِّكُےـمْ
عائشة صقر غير متواجد حالياً