عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-08, 09:25 PM   #7
أم الشهداء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الدرس الخامس .. مجموعة نبراس الهدى

القاعدة الثالثة من قواعد فهم القرآن

.. بسم الله الرحمن الرحيم ..
تبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .. وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً .. وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً .. وتبارك الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ..
ثم أصلي وأسلم على أفضل من قرأ القرآن ، وأصلي وأسلم على أعظم من قام بالقرآن .. واصلي وأسلم على أعظم من عمل بالقرآن .. نبينا وحبيبنا محمد –صلوات ربي وسلامه عليه- ..
كنا في الحديث عن القواعد الخمس الكبرى التي لابد منها من أجل أن نسير مع كتاب الله –سبحانه وتعالى- ، ومن أجل أن نكون من أهل القرآن .. الذين هم أهل الله وخاصته ..
ووقفنا عند القاعدة الثالثة .. ذكرنا القاعدة الأولى .. ثم ذكرنا القاعدة الثانية .. والآن سنتكلم بإذن الله –جل وعلا- وبعون منه وتوفيق .. عن القاعدة الثالثة .. وهي :


أن المقصود الأعظم من القرآن هو التدبر أولاً ثم العمل ..
فالتدبر هو المقصود الأول من كتاب الله –عز وجل- .. نعم .. التدبر هو المقصود الأول من تنزل هذه الآيات العظيمات .. ولا بد أن تعي ذلك وعياً كاملاً تاماً .. لأن مصيبة كثير من المسلمين أنه لا يدري عن أهمية التدبر لكتاب الله –عز وجل- .. ولذا تجد فيه حرص شديد على أن يتلو الألفاظ .. وأن يقرا الحروف .. وأن يحصل الحسنات من الحروف .. فمن قرأ حرفاً من كتاب الله –عز وجل- فله بكل حرف عشر حسنات .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فله بكل حرف حسنة كما في حديث : " لا أقول : ( ألم ) حرف .. ولكن : ألف حرف .. ولام حرف .. وميم حرف " فله بكل حرف حسنة .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فيأخذ في حساب الحسنات على هذه العدة وكأن المسألة مسألة حسابية بحتة .. وينظر في كم قرأ من الحروف .. وكم قرأ من السطور .. وكم قرأ من السور .. وكم قرأ من الأجزاء .. فيقرأ .. ويقرأ ويقرأ من كتاب الله –سبحانه وتعالى- وهمه في كم عدد الحروف التي قرأها من كتاب الله –عز وجل- .
ولذا تجد كثيراً من المسلمين يفتخر فيقول لك : أنا قرأت في يوم واحد عشرة أجزاء .. أو قرأت عشرين جزءاً .. أو ختمت القرآن في ثلاث أو في أربع .. أو ختمت في رمضان القرآن كاملاً أكثر من عشر مرات .. أو عشرين مرة .. أو ثلاثين مرة .. أو أقل من ذلك أو أكثر .. فيذكر كم مرة ختم كتاب الله –عز وجل- .. وهذا ولا شك أنه أمر عظيم وجليل وحسناته كثيرة ليست بالقليلة أبداً .. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحاح .. وكما مر في الحديث السابق .. فالأمر ليس بالهين .. بل هناك من الحسنات العظيمات ما يرجوه العبد المؤمن وهو يتلو آيات الكتاب العظيم ..
ولكن أيضاً كذلك فرق كبير بين من يتلو كتاب الله –عز وجل- بحروفه وألفاظه دون معانيه ودون المقصود منه في فهم آياته .. وبين من يتلوه وهو يستشعر معاني الآيات .. ويستشعر خطاب الرب –سبحانه وتعالى- له فيما يتلو من هذه الآيات العظيمات ..


هذا الفرق عند الأئمة –رحمهم الله- فرق كبير .. وبون شاسع ليس بالقليل أبداً .. ولذا لابد من وقفة يسيرة مع قضية التدبر ومقارنتها بمسألة قراءة القرآن بلا تدبر ..
فقراءة القرآن بلا تدبر من ورائها خير عظيم .. وفيها فضل ليس بالقليل .. وحسنات أخبر عنها النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها كثيرات .. ولكن أيها المؤمن إذا قارنت هذا بما تحصله من تلاوة آيات الكتاب بشيء من التدبر .. تجد أن الفرق لا يمكن أبداً أن يحسب .. ولا يمكن أبداً أن تقيسه بالمقاييس المعهودة بالحسنات من الأرقام والأعداد ونحو ذلك .. لا ..
وإنما الفرق فرق شاسع جداً .. كما قال ابن القيم –رحمه الله- في بيان الفرق بين المصليين .. مصلي يصلي بجوارحه وظاهره .. ومصلي يصلي بقلبه وخضوعه وذله وخنوعه لله –سبحانه وتعالى- .. الفرق بينهما : قال : كما الفرق بين السماء والأرض .. فنحن أيضاً كذلك أيها المؤمن .. بل هو أعظم .. ولذا أذكر لك عبارة ذكرها الثعالبي –رحمه الله- في تفسيره .. وذكرها ابن القيم أيضاً بنصها في عددٍ من كتبه .. وتناقلها الأئمة –رحمهم الله- من بعدهما .. وهما أخذاها من كلام السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- .. والجميع أخذها من كتاب الله –سبحانه وتعالى .. قالوا : لقراءة آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- بتدبر خير وأحب إلى الله –عز وجل- من قراءة ختمة كاملة بغير تدبر.
الله أكبـــــــــــــــــــر .. تأمل الفرق أيها العاقـــــــل
إنما نريد من هذه القراءة لكتاب الله –عز وجل- .. إنما نريد الحسنات .. إنما نريد محو السيئات .. إنما نريد أن نرفع في الدرجات في الجنات .. ونريد أن ننجو من الدركات في النيران .. فإذا كان كذلك فمن أراد الحسنات فالحسنات هنا .. ومن أراد الرفعة في الدرجات فالدرجات هنا في تدبر آيات الكتاب .. نعم .. قد تقرأ سورة كاملة .. تقرأ سورة البقرة كاملة من أولها إلى آخرها .. ولكنك تقرأها بغير تدبر .. ويأتي آخر فيقرأ آية واحدة من سورة البقرة .. ولكنه يقف عندها ويتدبر .. هذا وقف وتدبر آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- هو أفضل منك حين قرأت سورة البقرة من أولها إلى آخرها بغير تدبر .. وهذا والله غبن لك .. نعم .. غبن لك .. لأنك إنما تقرأ لتحصيل الحسنات .. إنما تقرأ لرفعة الدرجات .. لمحو السيئات .. فأنت الآن تقرأ .. ولكن ذاك قد غلبك وفاز عليك .. وحصّل ما لم تحصل بشيء من العلم .. بشيء من الفهم .. بشيء من التدبر لكتاب الله –عز وجل .. ولذا أدرك هذا .. أدركه لا تبعد عنه .. فإنه والله غبن ما بعده غبن ..
تقرأ آية من كتاب الله –عز وجل- فتحصل بها من أنواع الفائدة :
أولاً : في الدنيا .. لأن فيها غذاء لقلبك .. غذاء لأمراض القلب .. فيها علاج لكل أمراض البدن .. من أولها إلى آخرها .. فيها تصحيح لمسارك في توجهك إلى الله –عز وجل- .. فتنجو في الدنيا وتسعد .. ثم تفوز بالرفعة الكاملة لك في الآخرة من كتاب الله –عز وجل- ..
ولذا الاهتمام بمسألة التدبر تدل على عقـــل هذا المرء .. الإنسان الذي يكون همه في تدبر كتاب الله –عز وجل- .. لا تجده إلا عاقلاً .. لا تجده إلا حصيفاً .. لا تجده إلا فطناً نبيهاً .. إنه أدرك الفرق بين الحالين ..
أما الآخر فلا .. حاله كحال عموم الناس .. لا يدري ما الأفضل من المفضول .. ولا الذي ينبغي أن يفعله .. مما لا ينبغي أن يفعل ..
فتجده يشغل نفسه بأنواع من المفضولات .. ويترك أنواعاً كثيرة من الحسنات الفاضلات العظيمات .. فيشغل نفسه بأشياء هي أقل مما كان ينبغي أن يشغل نفسه بها .. ولذا هذه المسألة .. مسألة التدبر .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. لأن الفرق بين الحالين واسع ..


أدرك ذلك أئمة .. وذكرت لكم كلام الثعالبي وابن القيم .. أذكر لك كلام من هو أرفع وأعلم وأجل من ابن القيم والثعالبي .. وهو الإمام مجاهد –رحمه الله رحمة واسعة- .. إمام المفسرين .. الذي أخذ التفسير عن ابن عباس –رضي الله عنه- عن أبيه .. سُئل الإمام مجاهد عن رجلين .. قيل له : يا إمام .. إنسان قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وإنسان قرأ البقرة لوحدها .. وركوعهما وسجودهما ودعاؤهما وتسليمهما كله واحد .. فأيهما أفضل؟ الذي قرأ سورة البقرة وآل عمران معاً ؟ أم الذي قرأ سورة البقرة لوحدها ؟ .
فأجاب هذا العالم .. أجاب هذا الذكي النبيه الفطن .. الذي يعلم الموازين .. التي أنزلها الله –عز وجل- في كتابه .. وبينها الرسول –صلى الله عليه وسلم- في سنته .. فقال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل" .. شوف كيف إنسان قرأ سورة البقرة .. وآخر قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وزمن الركوع واحد .. وزمن السجود واحد .. وزمن الدعاء والذكر واحد .. التسليم كان أيضاً في وقت واحد لم يختلف أبداً .. كان وقتهما وزمنهما واحد .. لم يذهب على ذاك .. فأيهما أفضل يا إمام .. فكان الجواب من الواثق بعلمه العارف بكتاب ربه .. قال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل " فقط لوحدها .. وذاك حصل كم من الحسنات بالحروف وهو يقرأ سورة آل عمران .. زيادة على سورة البقرة .. ولكن الفضل بينهما كبير .. والبون شاسع .. الذي قرأ سورة البقرة لوحدها أفضل .. لِمَ ؟! .. لأنها لما قرأها وأخذ نفس الوقت الذي قرأ به ذاك سورة البقرة وآل عمران كان يتمعن .. كان يتدبر .. كان يتأمل .. كان يتفكر في سورة البقرة .. فأصبح هذا التدبر وهذا التفكر وهذا التأمل في هذه السورة أصيح أعلى وأجل من قضية حروف تُقرأ بدون تدبر لآيات سورة آل عمران ..


ولذا أيها المؤمن .. ينبغي أن تنتبه لذلك .. ولهذا جاء رجل إلى ابن عباس .. جاء إلى هذا الحبر .. إلى هذا البحر .. إلى هذا الفقيه الكبير .. إلى هذا العالم الجليل .. قال له : "إني لأقرأ سور المفصل في ركعة" ..يقرأ سور المفصل من ق إلى الناس في ركعة واحدة!!
وجاء أيضاً رجل إلى ابن مسعود فقال له هذا الكلام .. وابن مسعود كما تعلمون من أعلم الناس بكتاب الله عز وجل .. من أعرف الناس بمعاني الكتاب .. بل هو من أعلم ومن أخص صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن .. ومع ذلك لما جاء هذا الرجل إليه وإلى ابن عباس قال له : "أهذاً كهذ الشعر؟!" وقال ابن عباس –رضي الله عنه- وعن أبيه : "والله لأن أقرأ آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كاملاً كما تقرأ" ..
أخي .. انتبه لهذه .. هذه قضية كبيرة جداً .. أنت ماذا تريد إلا تحصيل الحسنات ؟..
والكلام الآن مع من يريد أن يجمع الحسنات .. ليس مع من هو لاهٍ غافل عن قضية أنه يريد النجاة في هذه الحياة وفي الآخرة .. كلامي مع من يريد أن يحيا قلبه بكتاب الله –عز وجل- .. فتردد آية من كتاب الله –عز وجل- .. تقرأ مثلاً في قوله –جل في علاه- : ( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) فتكرر الآيات .. تقف .. تتدبر .. ما معنى : ( خذوه فغلوه ) .. تدبرها .. تأملها .. ماذا تعني ؟! .. أما أن تقرأها هكذا في سورة الحاقة .. تقرؤها سريعاً .. لا .. لابد أن تقف .. الوعيد شديد .. والهول عظيم .. الله –عز وجل- قد جمع الخلائق من أولهم إلى آخرهم .. الخلائق جميعاً من أولهم إلى آخرهم .. تنزّلت الملائكة العظام الذين لا يعلم عددهم إلا الله –سبحانه وتعالى- .. كم عدد الملائكة ؟ .. في الصحيح من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- : البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف .. ثم لا يعودون إليه من حين أن خُلقت الملائكة .. وهذا حالهم .. سبعون ألف في كل يوم .. كم عددهم ؟ .. عددهم عظيم كبير جداً !! .. الملائكة فقط الذين يقبضون على نار جهنم ويأتون بها في يوم القيامة ( وجيء يومئِذٍ بجهنم )هؤلاء الملائكة الذين يقدمون بنار جهنم في يوم القيامة كم عددهم ؟!! .. ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال –رضي الله عنه وأرضاه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "يُجاء بجهنم يوم القيامة .. لها سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونه" .. شوف .. سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك .. اضرب سبعين ألف زمام في سبعين ألف ملك .. كم عدد الملائكة ؟!! أربعة آلاف مليون وتسعمائة مليون ملك .. قريب من خمسة مليارات ملك مع جهنم .. يعني خمسة آلاف مليون ملك .. هؤلاء فقط الذين يقبضون على جهنم ويجرونها يوم القيامة ..أنت أيها الإنسان أيها المسكين الضعيف عندما تقدم في يوم القيامة وتأتي ملائكة الله عز وجل بهذه الأعداد الضخمة تجر جهنم على هذه الحال الشديدة العصيبة ، هؤلاد فقط الذين يمسكون بجهنم يوم القيامة ! .. كيف سيكون حالك ؟ كيف سيكون شأنك أمرك وضعك حالتك ؟ الأمر شديد ستفزع فزعًا عظيمًا فالحال ليست بالهيبة ولا بالقليلة ولا بالأمر اليسير الذي ينبغي أن تغفل عنه ، بعض الناس لما يسمع هذه العدة العظيمة لملائكة الله عز وجل ربما يقول خمس مليارات والبشر الآن ست مليارات فيحسبها حسبة أعداد ! .. ملائكة الله عز وجل في خلقتهم ليست كخلقة هؤلاء البشر الضعاف المساكين ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كمان في سنن أبي داوود وغيره بإسناد صحيح أنه قال : ( أذن لي أن أحدث عن ملك واحد من حملة العرش ما بين عاتقه إلى شحمة أذنه مسيرة سبعمائة سنة كخطف الطير ) الطير يخفق بجناحه سبعمائة سنة يضرب بجناحه حتى يسير فقط من عاتق الملك إلى شحمة أذنه سبعمائة سنة !! .. تدري كم تعني هذه المسافة ؟ حسبها بعض الأخوة في الهندسة والرياضيات حسبوها ليبين لنا الحالة التي عليها خلقة هذا الملك العظيم الجليل من حملة العرش فوجدوها أيها الأحبة تعادل حجم هذه الأرض بثلاثين ألف ضعف !! .. انظر .. تعرف الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها هذه المسافة فقط من هذا الملك العظيم أكبر من حجم الكره الأرضية من أولها إلى آخرها بأكثر من ثلاثين ألف ضعف !! .. أنت عند جبل من جبال الدنيا إيش أنت !! .. أنت عند بحر صغير من بحار الدنيا .. من يدخل في البحر الأحمر في سفينة كبيرة عظيمة ولها ما لها من أنواع الأمان تجد فيها قوارب نجاة وأشياء كثيرة جدًا تعطيك شيء من الأمان وفيها محركات عدة وفيها وفيها ، ومع ذلك إذا مخر البحر وتحرك واهتزت الأمواج إذا أنت لست كشيء في بحر صغير في البحر الأحمر فكيف إذا دخلت في محيط عظيم فكيف إذا جئت إلى الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها فكيف إذا ضاعفت هذه الكرة الأرضية بثلاثين ألف ضعف فكيف بالخلقة الكاملة التي خلق الله عز وجل عليها هذا الملك !! .. ستقدم أنت يوم القيامة طولك مترين أو أقل .. أكبر مخلوق بشري على الأرض طوله كم ؟ آدم عليه السلام من عرفنا أنه بلغ طوله أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن طوله كم ؟ ستون ذراعًا .. يعني ما تأتي عشرين متر .. عشرين متر هذا أعظم إنسان بشري .. فتأتي إلى ملك من الملائكة هذا حاله وحجمه ثم تأتيك هذه الأعداد العظيمة فتقدم هذا القدوم العظيم على الله عز وجل في يوم القيامة فكيف سيكون حالك ؟ .. ثم يأتي الأمر من الله يوم القيامة ، الأمر من الجبار جل في علاه فيقول لملائكته عن فلان هذا : ( خذوه فغلوه ) ، كيف سيكون حال الإنسان ؟ تصور أن هذا الأمر موجه لك أنت ، أنت يقال لك يا فلان ، خذوا عبد الله بن فلان ، خذوه فغلوه ، الأمر ليس بالهين .
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن مسألة التدبر ..


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، مرحبًا بكم مرة ثانية أيها الأحبة ..
ونعود للكلام عن قول الله عز وجل: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الجَحِيْمَ صَلُّوهُ ) وأعيد وأكرر أن هذا المثل إنما أخذ لبيان أهمية مسألة التدبر لأن هذه الآية أنا أعلم يقيناُ أنها مرت على أسماء كثير من المسلين مراراُ وتكراراً ولكنها تمر عليه سواء كان يتلوها بنفسه أو يسمعها من يتلوها ولكنها تمر عليها من دون تدبر ولا تأمل ولا تفكر وهذا الخطأ الكبير الذي نقع فيه فلو تأمل الإنسان آية مثل هذه الآية ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) وتصور الحال لما يجمع الناس من أولهم إلى آخرهم والملائكة وقوف صفوف أمام الله سبحان الله ونزله الجبار جل وعلا وهو مستوٍ على عرشه نزل لحساب الخلائق ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة ) ( وجاء ربُك والُملكُ صفاً صفاً ) وجاء ربك تنزل سبحانه وتعالى تنزلاً يليق بجلاله وعظمته وحال الملائكة أنهم صفوف مرتبة وكذلك الناس ( وعرضوا على ربك صفا ) فالمسألة ليس مختلطة وهكذا عندما ينزل الجبار سبحانه وتعالى لحساب الخلائق تصف الملائكة صفاُ دقيق جداً ويصف الخلائق أيضًا هؤلاء الناس هؤلاء المكلفين من الإنس والجن يصفون صفاً دقيقاً جدًا استعداداً لحساب الجبار سبحانه وتعالى ، الأمر عظيم ( يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً ) الأمر عظيم فعندما يأتي هذا الحال وينادى على فلان من بين الخلائق يقول الله عز وجل ( خُذُوهُ ) فيعود الضمير خذوا فلان ابن فلان ، خذوا فلانة بنت فلان من بين الخلائق كيف سيكون حال هذا الإنسان أمام الناس سيفرح بهذا الخطاب ؟ سيفرح به ؟ يُـسرّ ؟ أمر عادي لا يتأثر ؟ سيبكي ليس بدمعه وإنما بدمه ، سيقطع أصابعه ندما ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً )


سيعض هذه الأصابع تقطعاً لما يسمع مثل هذا الخطاب من الله عز وجل ولما تتأمل أنت في حالك هذا هو الأمر تأمله في أقرب الناس لك لما تقرأ هذه الآية أو كذلك تقرأ غيرها من الآيات تأمل مثل هذه الآية ( خُذُوهُ ) قد لا يعود لك بإذن الله ويحميك الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه وجوده أسال الله عز وجل أن يحمينا وإياكم والدينا وذرياتنا وجميع المسلمين من ذلك نسأله سبحانه وتعالى بلطفه أي ينجينا من هذا الموقف المخزي الموقف العظيم في ألمه ووقعه على الإنسان ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) لما يعود على الضمير ليس إليك ولكن إلى قرب الناس لك تخيل هذا قليلاً .. تفكر تصور مسالة تصورها تصوراً كاملاً .. لما يعود إلى أقرب الناس لك كيف يكون حالك ؟ أنت نجوت بفضل الله عز وجل ولكنك تلتفت في يوم القيامة والناس يرى بعضهم بعضًا ولذا قال الله عز وجل ( وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يبصَّرونهم ) أي أن الحميم يبصر حميمه ، القريب يرى قريبه الأب يرى أبناءه ، والأبناء يرون أباهم والبنات يرون أمهم والأم ترى بناتها والناس يرون بعضهم ، ترى كل من تعرفه في هذه الحياة الدنيا ، ولا يسال حميم حميما ليس عن بعد وإنما يبصرونهم ، يراه لكن لا أحد يسأل أحد لأنه قد يئس الناس بأن ينفعك أحد ، في البدء كان السؤال ثم يئس الناس من أن ينفعك أحد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي ينفعك ، ولذا قال هنا لما ترى هذه الآية ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) سيأتي إلى أقرب الناس لك قد ي أتي إلى عزيز إلى أم إلى أب إلى ابن إلى بنت إلى صديق حميم أنت وإياه سنوات طويلة تعرفه وتسر به وأنست به سنوات ليست بالقليلة أبدًا وتفرح به ، إلى أخت إلى أخ إلى إلى ... هل ستسر بذلك ؟ لن تسر بذلك مطلقًا ، لن تسر بهذا أسال الله عز وجل أن يحمينا جميعا ولكن لن تسر بهذا أيها المؤمن .

ولذا قال إبراهيم الخليل عليه السلام كما في الحديث لما رأى أباه يُجر تجره الملائكة على وجهه قال يا ربي وأي خزي أعظم من أبٍ أبعد ؟ فقلبه الله عز وجل إلى هيئة خنزير حتى لا يراه إبراهيم فيظن أنه أباه فيتألم وقد وعده الله ألا يخزيه يوم يبعثون فيقول لله : وأي خزي أعظم من أبي الأبعد ؟ ، فيغير الله صورة وهيئة الأب لأنه قد كتب الله عليه النار بسبب كفره وعناده وبعده عن توحيد الله سبحانه وتعالى ، فأنت تأمل ( خُذُوهُ ) لو نزلت عليك نزلت على أحد من أقاربك نزلت إلى أحب الناس إليك كيف يكون حالك وموقفك ، في الآخرة لن تستطيع أن تفعل شي إلا الشفاعة إن كنت ممن شفعه الله عز وجل في الناس أما في الدنيا فأنت مدرك الآن تستطيع أن تقترب منه أن تدعوه أن تخرجه مما هو فيه أن تجره من الحال المخزية التي عليها في الدنيا من المعاصي والذنوب واقتراف الكبائر والبعد عن الأوامر والانغماس في اللذات ونحو ذلك أنت في الدنيا تستطيع تدرك أما في الآخرة لن تستطيع أن تفعل شي إلا إذا شفعك الله عز وجل

هذه الآية إذا تأملتها أيها المؤمن ماذا تفعل في نفسك؟
أولا تعمل جاهدا على إصلاح نفسك حتى لا ينزل الأمر عليك ثم تعمل جاهدا في إصلاح من حولك تعمل ليلاً ونهارًا سواء تعمل بجوارحك أو بلسانك أو ما آتاك الله عز وجل أو تعمل كذلك بدعائك أخي ، عندك أمك عندك أبوك عندك أحد من أقاربك ابن بنت ، عندك أخ بعيد عن الله عز وجل حاولت أن تهديه حاولت مرارا تقربه إلى الله عز وجل وتبعده عن الشيطان تنجيه مما هو فيه ما استطعت ، إذن هذه الآية تجعلك تبكي في الليل وأنت تدعو له أن ينجيه الله عز وجل مما هو فيه أما بدون تصور هذه الآيات لن تبكي لن تدعو دعاء حار واللهم اهدي فلان واللهم فقط لا .. أن الله لا يقبل دعاء من كان قلبه غافل لاهي وهو يدعو الله عز وجل لكن هذه الآيات تحرك هذا القلب وتنزل هذا الدمع وأنت تتصورها وتتأمل فيها وتتدبر في دلالتها فتقبل على الله عظيما في دعائك وابتهالك إليه سبحانه وتعالى ثم ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) تأملها على أحد ، ستبكي وتدعو لأخيك ستبكي وتدعو لأختك ستبكي وتدو لأمك لأبيك لبناتك لأبنائك لأقرب الناس لجارك لحبيبك لصديقك وسوف يتقبل الله دعاءك بإذنه لأنه وعدنا بالإجابة ( ادعوني أستجب لكم ) فإذ دعوناه بالحق فيستجيب لنا وستنقذ هذا العزيز من هذا الموقف المخزي المهين في حياتك الدنيا بسبب دعائك وإقبالك وحرصك على هدايته وإخراجه أما بدون تأملها قد لا تفعل ذلك تحرص ولكن حرص عابر تدعو ولكن دعوة باردة ولكن بها يتغير الأمر تمامًا


أذكر مرة أنه جاء إلي إنسان هداه الله بعد ضلالة طويلة لأنه كان ممن أنعم الله عليه في الحياة الدنيا بشكل لا يوصف ولا يتصور ، أنعم الله عليه نعما حقيقة أقولها وأنا أعرف ما أقول لا يكاد يتصورها الإنسان فضلا أن يعيشها لا يتصورها الإنسان ، النعمة التي فيها هذا الشاب لا يتصورها الإنسان مجرد تصور فضلا أن يكون قد جربها أو نال منها شيئا ، مع هذا جاء لي مرة بعد أن هداه الله عز وجل بالقرآن يا أحبة ، بالقرآن هداه الله عز وجل تأمل آيات من القرآن ، فجاءني وكان والده على بعده وإعراضه عن النور عن الخير عن الهداية عن التقوى عن الصلاح ما زال منغمسًا في أمواله وتجارته وعقاره وصفقاته وأسهمه وأموال هذا الأب قد ملأت الدنيا في كل مكان له أموال ، إن جئت إلى الجزيرة العربية إن جئت إلى البلاد العربية إن جئت إلى أوروبا إن جئت إلى أمريكا في كل مكان له فيها أموال ، فجاءني مرة وقال لي أنا والدي تعرف والدي أمواله كثيرة فيها الحرام وفيها وفيها وعنده انغماس في الذات
فقلت له سأهديك إلى أمر واحد أريدك أن تتفكر فيه ، لكن سأسالك سؤال واحد ، أنت حريص على دعوة والدك وعلى إنقاذه مما هو فيه؟ قال : إي والله حريص ، قلت جداً ؟ قال : والله جداً لأني أعرف الحالة السيئة جدا التي فيها الوالد أخشى عليه ، قلت له كيف تدعو له ؟ قال : والله إذا صليت في الليل ، هذا الشاب كان لا يصلي الفرائض إلا نادرا أصبح يصلي الليل بعد آيات من كتاب الله عز وجل ، قال أدعو له يعني إذا ركعت أو سجدت دعوت له ، أو إذا رفعت يدي في صلاة الوتر دعوت له ، قلت له تبكي؟ وكأنه قليلا.. قلت له تشعر أنك تدعو دعاء صادق مخلص منيب إلى الله عز وجل راجي طالب الهداية ؟ قال أنا أدعو لكن لا أظن أني وصلت إلى هذه المرحلة, قلت له ستصلها, قال: كيف ؟ أريد أن أصلها أريد أن أصل إلى هذه المرحلة في دعائي لأبي لعل الله عز وجل أن يهديه في هذه الحياة الدنيا فقلت تأمل آية من كتاب الله عز وجل قال ما هي؟ قلت اقرأ ( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه )
نظر إلي, تأمل الآية, ذهب, جاءني بعد أسبوع فقال والله ما تأملت هذه الآية في الليل وأنا أصلي إلا جاءني من الأمر شيء عظيم وشديد جدا وأنا أتصور أبي وما قد يحصل له في ذلك الموقف العظيم فأدعو دعاء خاشع دعاء خانع دعاء خاضع دعاء مخبت دعاء مضطر لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدي أبي ويخرجه مما هو فيه , شفت الفرق؟ هذا هو الفرق , هذا هو الفرق بين آيات تقرأ , هذه الآية مرت علي وعلى كثير من الناس لكن ما اقبل عليها إقبال من يريد أن يتدبر يتأمل في آيات الكتاب وهذه الآيات لما مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة فعلت بهم الأفاعيل حركت بهم القلوب أنقذتهم مما هم فيه وأخرجتهم من ظلمات الشرك إلى أعلى درجات الإيمان , بماذا؟ بالقرآن ليس بشيء آخر , النبي نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن معه عصى سحريه ولم يكن معه دابة ولم يكن معه كذا ولا كذا نبينا إنما جاء بالقرآن لم يأت إلا بالقرآن هذا القرآن هو الذي فعل هذه الأفاعيل بالناس من أولهم إلى آخرهم , وهذه المسألة فيما يتعلق بالتدبر جاء الكلام عنها في القرآن كثيرا بالأمر بالتدبر بالتفكر بالنظر ولعلي أذكر لكم بعض الآيات وأنا أعلم أن هذا مستقر أيضا في النفوس ولكن أريد أن نأخذ الدليل عليه من كتاب الله سبحانه وتعالى أريد منكم أن تتأملوا ما تحفظون من كتاب الله عز وجل فتذكروا لي آيات حثت على التدبر وعلقت الهداية بالتدبر فمن يذكر لنا آية من كتاب الله سبحانه وتعالى جاء الأمر فيها بالتدبر والحث عليه؟ نعم
جاء في قول الله تعالى في سورة محمد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( أفلا يتدبرون القرآن* أم على قلوب أقفالها )
نعم أحسنت بارك الله فيك,شوفوا الآية ( أفلا يتدبرون القرآن* أم على قلوب أقفالها )الآية عظيمة تدبر قليلا شوف أفلا يتدبرون القرآن؟ (أفلا) هذه لو أردنا أن نتكلم عنها من جهة اللغة والبلاغة ما هي؟ هذه الهمزة جاءت لماذا؟ للتنبيه, للتحضيض هنا تحض الإنسان فتقول له أفلا يتدبرون القرآن؟ طيب إن لم نفعل يا ربنا ما حكمك فينا؟ ما الوصف الذي نستحقه يا اله السموات والأرض؟ قال: أم على قلوب أقفالها فإذن ليس هناك حل ثالث إما أن نقبل على تدبر القرآن وإما أن يكون على قلوبنا ماذا؟ أقفال ليس هناك طريق ثالث أبدا إما أن نقبل على تدبر القرآن أفلا يتدبرون القرآن فان لم نفعل؟ جاءت (أم) التي للإضراب بمعنى انه لم يحصل ما قبلها فالحكم لما بعدها أفلا يتدبرون القرآن؟ لم نفعل يا رب ما حكمك فينا قال أم على قلوب أقفالها فمعناه أن على القلوب أقفالها , وانظر إلى الجمع في قوله أقفال ولم يقل أم على قلوب قفلها وإنما قال أقفالها لأن هذا القلب الذي ابتعد عن تدبر القرآن الذي عليه ليس قفلا واحدا بل أقفال كثيرة القلب الذي أعرض عن تدبر القرآن ليس عليه قفل واحد وإنما عليه أقفال كثيرة بحكم الله سبحانه وتعالى لا بحكم أحد من الناس أفلا يتدبرون القرآن؟ إن لم نفعل ؟ أم على قلوب أقفالها , ليوقن بذلك كل مسلم أنه إن لم يقبل على تدبر القرآن فليعلم أن على قلبه أقفال ما في مجاملة في هذا الأمر ولا في مداهنة لأني أنا لا أستطيع أن أداهن ولا أستطيع أن أجامل وليس الأمر أصلا راجع لي ولا لك ولا لأحد من الناس ليس لعالم من العلماء ولا لفقيه من الفقهاء ولا لمفكر من المفكرين ولا إلى محدث من المحدثين ولا إلى ملك من الملوك ولا إلى وزير من الوزراء ولا إلى جبار من الجبابرة ولا إلى أي أحد من الناس , الأمر راجع إليه سبحانه وتعالى والحكم جاء منه فما لأحد أن يتدخل في هذا الباب ولا يقول لم تصف قلبي إن عليه أقفال ليش هذا الوصف الشديد العنيف الرهيب أقول لك ليس هذا مني ولا من أحد من الناس وإنما من الله عز وجل إن لم تتدبر القرآن فاعلم أن على قلبك أقفال شئت أم أبيت رضيت أم رفضت على قلبك أقفال خذ هذا الحكم من الله عز وجل وتدبره في الدنيا قبل أن تراه بعينك في الآخرة خذ هذا الحكم في الدنيا وتدبره واعمل على تكسير هذه الأقفال في الدنيا قبل أن ترى قلبك في الآخرة بعينيك عليه أقفال ولا تسر بها أبدا, تكسير هذه الأقفال بمفتاح واحد ,فتحها بمفتاح واحد وهو تدبر القرآن أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها,في أقفال كيف تفتح؟ بتدبر القرآن فقط ليس هناك مفتاح ثاني يمكن أن يفتح به القلب ولن تزال الأقفال إلا بالتدبر


آية ثانية هذه الآية عظيمة جدا لكن نريد آية ثانية تدل على هذا المعنى ..نعم..
قال الله تعالى في سورة ص أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) وهذه أيضا من الآيات العظيمة وبالمناسبة هذه الآية أطال الكلام عنها ابن القيم رحمه الله في الفوائد أطال الكلام جدا على هذه الآية لم؟ لأن الله عز وجل جمع في هذه الآية أشياء كثيرة في الكلام فيما يتعلق بالتدبر ولزوم التدبر لحياة القلب وما يتبع ذلك فقال سبحانه: أنظر::: كتاب أنزلناه إليك::: ليدبروا آياته ,اللام هذه تسمى لام ماذا؟ لام التعليل لام الحكمة بمعنى أن إنزال القرآن لأي شيء؟ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته فإنزال القرآن كان من أجل ماذا؟ من أجل التدبر لأن لام العلة هنا لام الحكمة جاءت في بيان لأي شيء تنزل هذا القرآن كتاب أنزلناه إليك مبارك لأي شيء يا رب؟ قال ليدبروا آياته هل قال ليقرؤوا حروفه؟ وهذا من المطلوب لكنه ليس هو المطلوب الأسنى الأسمى والأعظم ..لا,, وإنما المطلوب الأعظم والأكمل والأتم هو ليدبروا آياته وتأمل وصف مبارك هنا جاء , جاء وصف مبارك هنا للقرآن في موطنه ليدلك على أمر ليس والله بالهين بل أمر جليل .. لم؟ لأن الله عز وجل قال كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا فكأن بركة القرآن لا تكون إلا لمن؟ لمن تدبر القرآن لأنه قال كتاب أنزلناه إليك مبارك فالقرآن نزل وهو للناس وأهل الإسلام يقرؤونه فهو نزل إليهم لكن صفة أن يكون مبارك فهو مبارك لمن؟ لمن تدبر القرآن كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ليكن التدبر هو الحظ الأعظم من سماع كلام ربك سبحانه وتعالى, ليدبروا آياته وليتذكر ألوا الألباب التدبر هو طريق الذكرى طريق التذكر ثم ختم هذه الآية بقوله سبحانه وتعالى وليتذكر من؟ ليتذكر أولو الألباب ما معنى الألباب؟ العقول, اللب في أصله هو خلاصة الشيء ووسط الشيء هو الذي يخرج من الشيء والمراد هنا العقل ألوا الألباب أي أهل العقل لأن العقل هو الذي يدبر وليس العقل الذي في الرأس إنما العقل الذي يدير هذا الجسد هو أصله في القلب وله ارتباط بالعقل فاؤلوا الألباب هؤلاء أهل العقول فإن الذي لا يتدبر القرآن والذي لا يتذكر بالقرآن هل هو من أولي الألباب؟ لا, إذن هو ممن لم يستخدم عقله ولا فكره فيما أمر الله عز وجل به.


أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ذا الجلال والإكرام نسألك بمنتك وكرمك وجودك يا ربنا يا خالقنا أن تعلمنا التأويل وأن ترزقنا الفقه في الدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



توقيع أم الشهداء
إلى الذين يظنون أن هذه الأمة تموت قهرًا ..
نقول لهم : إنكم واهمون
فإن أرحام المؤمنات ..
لم تعقم
!!
أم الشهداء غير متواجد حالياً