الدرس السابع .. مجموعة بالعلم نرتقي
كيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في الصحابة
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الحمد لله الكريم المنان ، الحمد لله الجواد المتفضل الوهاب بالإحسان ، ومن أعظم آثار هذه الصفات ، صفة الرحمة له سبحانه وتعالى ، وصفة الجود له سبحانه وتعالى ، وصفة الكرم له سبحانه وتعالى ، وصفة الإحسان له جل في علاه .
من أعظم آثار هذه الصفات : أن أنزل القرآن ، أنزل الفرقان ، أنزل التبيان على محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
فله الحمد اولا وآخرا ، وله الحمد ظاهرا وباطنا ، له الحمد في الدنيا ، وله الحمد في الأخرى .
كنا تكلمنا سابقا عن القواعد الخمس الكبرى ، التي لابد منها لمن أراد ان يتدبر القرآن ، ولمن أراد أن يعيش مع القرآن ، ولمن أراد أيضا أن يبني بيتا في أرض القرآن ، وهذه القواعد الخمس لابد قبل أن ننتقل إلى مايليها لابد وأن تكون ظاهرة ،بينة ، واضحة مستقرة لا إشكال فيها مطلقا ، فإن كان هناك إشكال ! فمن الآن يكون السؤال . حتى إذا انطلقنا إلى ما يتعلق بالمستوى الأول ، أو المستوى الثاني ، أو ما يلي ذلك ، تكون الأمور قد انجلت ،على أوضح مايكون ، وقد تبينت على أتم ما نريد ومانقصد في مثل هذه الحلقات المباركات .
هل هناك سؤال ؟ طيب تفضل .
سؤال احد الطلبة
بسم الله الرحمن الرحيم الإشكال ياشيخ في القاعدة الخامسة : التدرج سنة كونية شرعية ظاهرة .
قد يفهم البعض أن هذا التدرج يكون كذلك في تطبيق الأحكام الشرعية ، مثلا إنسان يكون مدمن على الخمر فيقول أنا لاأترك الخمر حتى اصلي ، فلا يترك الخمر إلا بعد القيام بالصلاة ؟
يعني يفهم من موضوع التدرج أنه يتدرج في تركه للخمر فلا يترك الخمر حتى يصلي ، لايترك الزنا حتى يصوم ، ونحو ذلك .
هذا سؤال جيد . ومهم ، وقد يطرأ إشكال في الفهم على كثير من الناس فيما يتعلق بمسالة التدرج .
ولكن قبل البدء في الكلام أو الجواب عن هذا السؤال ، لابد وأن نعلم يقينا : أن مسألة التدرج من المسائل الكبار والأصول العظام فيما يتعلق بالدعوة إلى دين الله عزوجل ، فمسالة التدرج من المسائل الكبيرة في دين الله سبحانه وتعالى ، وقد مرت الإشارة إلى شيء من ذلك ولكنها فيما يتعلق بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هي مسألة تعتبر من أصول الدعوة . بالنسبة للدعوة هي مسالة من اصولها ، وبالنسبة لغير الدعوة ، هي من المهمات الكبار فيما يتعلق بجميع شئون الشرع ، فيما يتعلق سواء كان بالعلم ، او سواء كان بالعبادة ، أو ايضا سواء كان ذلك في الدعوة إلى الله عزوجل .
فما اورده الأخو الفاضل فيما يتعلق بأن انسان قد يأتي ويقول أنا لن أترك الخمر، لن ادع الزنا ، لن اترك الربا ، لن ولن كذا كذا ، حتى اؤدي الفرائض ، حتى أصلي ، حتى أصوم ، حتى وحتى ... .
فهذه المسائل لايمكن الجواب عنها الآن على جهة السرعة ، ولكن لكل مسألة من هذه المسائل لها جواب خاص بها ، فبحسب النازلة يكون الجواب ، بحسب الواقعة يكون النظر في دلالة الكتاب والسنة ، وفي كلام أهل العلم في تطبيق الأدلة على هذه النازلة بذاتها ، فقد يقال للإنسان مثلا إذااراد أو إذا خشي الداعية أن لايدخل هذا المدعو في دين الله عزوجل وينتقل من الكفر إلى الإسلام ، من الإلحاد إلى الإيمان ، من الشرك إلى التوحيد ، ينتقل من الشرك إلى التوحيد ، إذا خشي انه لاينتقل من هذه الظلمات العظيمة إلى نور الإيمان والتوحيد والهداية ، فعند ئذ قد نقول له انت آمن بالله عزوجل ، وتخلص من الشرك الواقع فيه ، ويترك الكلام عن مسألة شرب الخمر ويترك الكلام عن مسالة الزنا او عن الربا ونحو ذلك ويؤجل هذا إلى حينه ، إلى أن يسأل عنه ، وإلا إلى أن يستقر الأمر في قلب هذا المدعو إلى الله سبحانه وتعالى ، فهذه المسائل من اولها إلى آخرها ، فيما يتعلق بالتدرج في جميع شئون الحياة ، أو أيضا فيما يتعلق بالتدرج في مسالة الدعوة إلى الله عزوجل ، هذه مناط تحقيقها عند أهل العلم ، فلا يكون لأحد من عامة المسلمين ممن لايدرك احكام الشرع ولايعرف الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة واستنباط أهل العلم وطرائقهم في فهمهم نصوص الكتاب والسنة لاينبغي له ان يبني حكما خاصا به ، فيقول إذا انا لن أدع شرب الخمر ، لن أدع الزنا ، لن أدع الربا ، حتى اصلي ، وحتى أصوم ، وحتى ، وحتى .. هذه المسائل لها نظر خاص بها ينظر العالم في نصوص الكتاب والسنة ، ثم ينظر في الواقعة ، فيطبق هذه الواقعة على نصوص الكتاب والسنة ، ويأخذ الأدلة فينظر ويقيس الواقع عليها ، ثم ياتي بالحكم الشرعي لكل مسألة لوحدها ، فالحكم حينا يختلف بحسب البلاد ، بحسب المدعو، بحسب الحال ، بحسب الزمان ، بحسب المكان ، يختلف من حال إلى حال ، ومن زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، فتطبيق هذا إنما هو لأهل العلم الربانيين الذين يعلمون العلم الحق ويعلمون الناس العلم الحق على خشية من الله ونور من كتاب الله سبحانه وتعالى .
فإذا ليس المراد هنا أن نتكلم بالتفصيل عن موضوع التدرج لا وإنما الكلام هنا أن نبين فقط ان مسالة التدرج من المسائل المهمات التي لها اثر عظيم فيما نتكلم عنه ، فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عزوجل وسياتي قريبا بإذن الله الكلام عن التدرج مع كتاب الله على جهة اخف . واضح .
جزاك الله خير ياشيخ .
بارك الله فيك .
هناك موضوع مهم جدا بل هو لب الكلام عن المسائل السابقة جميعا الكلام عن المسائل السابقة كان كالتمهيد إلى هذه المسائل كان كالتوطئة فقط إلى مانحن الآن قد وصلنا إليه فعندنا موضوع في غاية الأهمية جدا وقد عنونت له اختيارا عنونت له بكيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن يقينا قد أثر في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقينا قد أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه ورضي الله عن الأصحاب ؟
هذا السؤال جوابه في أن هذا القرآن أثر فيهم بأمور وسيؤثر فينا بأمور وهذه الأمور من الممكن ان تقسم إلى قسمين .
قسم من الممكن أن يكون الخطاب فيه لعموم المسلمين حتى لا نحرم عامة المسلمين من الإستفادة من كتاب الله عزوجل بل والإستفادة من دروس العلم المتعلقة بتفسير كتاب الله سبحانه وتعالى ولذا كان ولابد أن يكون لهم حظ من مثل هذه الكلمات وحظ من مثل هذه الدروس فعندنا إذا ماأسميناه اصطلاحا بالمستوى الأول لمن أراد أن يؤثر فيه هذا القرآن كما اثر القرآن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بداية مايسمى او ماأسميناه بالمستوى الأول هذا المستوى الأول خاص وموجه إلى عموم المسلمين ممن لهم عناية بكتاب الله سبحانه وتعالى بالقراءة والعناية به من جهة قراءة الحروف والنظر فيه وعدم هجره هجرا كاملا تاما هذا هو المستوى الأول .
المستوى الثاني بعد هذا وهو الموجه لطلاب العلم .
بالنسبة للمستوى الأول الموجه لعموم المسلمين : إذا أراد احد من عامة المسلمين ان يؤثر فيه القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تأثيرا مقاربا تأثيرا مشابها ليس تأثيرا تاما كاملا كماأثر فيهم تأثيرا عظيما كاملا لانقص فيه ولكن على الأقل ان يلحق بالركب وان يقارب وأن يشابه وأن يدنو منهم إذا أراد ذلك فعندنا ثلاث مراحل عندنا ثلاث مراحل بإمكان المسلم العامي ان يخطوها وان يسير من خلالها ليلحق بالركب الأول ليلحق بركب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنايتهم بهذا القرآن العظيم ليلحق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنايتهم بهذا القرآن العظيم وهذه العناية من عموم المسلمين ، ومن عامة المسلمين بالقرآن لابد وان تكون ،لابد من كل مسلم ، ولابد على كل مسلم ؛ أن يهتم بكتاب الله سبحانه وتعالى إن اراد ان يكون من اهل القرآن وإن أراد ان يكون من اصحاب القرآن وإن أراد ان يكون ممن يشفع لهم القرآن ، وهذه المسائل بالنسبة لعموم المسلمين من دون استثناء لابد من إدراكها ، وهذه المراحل بالنسبة أيضا لعموم المسلمين لابد وينبغي لهم ان يعتنوا بها عناية كبيرة .
لما يعتنوا بها ؟ ومن أجل ماذا ؟
يهتموا بمثل هذا لأجل ان القرآن العظيم لأجل أن هذا القرآن العظيم هو سبيلهم إلى النجاة وهو سبيلهم إلى الهداية وهو سبيلهم إلى الفلاح بل هو المنقذ لهم يوم القيامة إن اشتدت الأمور وعظم الخطب في يوم الهول الأعظم .
أريدك أن تتأمل أيها المسلم من كل المسلمين دون استثناء .أيها المسلم وأنا اكلم كل من كان يقرأ كتاب الله عز وجل وكل من كان يهتم بتلاوة هذه الأيات العظيمات أقول له أن هذا القران ليس بالهين أبدا عند الله سبحانه وتعالى ،فاحرص كل الحرص ان تكون من أصحاب القران وأن تكون من أهل القران، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أهل القران هم أهل الله وخاصته.
أهل القران هم أهل الله وخاصته ،وأصحاب القران هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين إقتربوا منه وإن لم يروه بأعينهم ولم يعاشروه بأبدانهم ، ولكنهم أصحاب له لأنهم صاروا على طريقته صلوات ربي وسلامه عليه ، فهم إخوانه وهم أقرب الناس إليه ،وهو ينتظرهم في يوم القيامة لكي يكون الشافع لهم ، ولكي يكون الحامي لهم ،ولكي يكون صلوات ربي وسلامه عليه الذي يأذن لهم أن يشربوا من حوضه العظيم شربة لا يظمأون بعدها ابدا .
ولذا أريدك أن تتأمل أخي المبارك بعض الاحاديث في هذا الباب ، فقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في صحيح البخاري –وأنا أريد أن أضرب لك أمثلة أيها المؤمن حتى تعلم ماذا يعني أن تكون من أهل القران ،وماذا يعني أن تكون من أصحاب القران ،وماذا يعني أن تكون من طلاب شفاعة القران لك في يوم القيامة ، وأن تكون من أحباب القران .
هذه المسألة عظيمة جدا ، هذه المسألة ليست بالهينة مطلقا ، ومن حُرمها حُرم خيرا كثيرا ، ومن فاز بها فاز والله بأمر عظيم جليل .
خذ مثلا من ذلك ليتبين لك عظيم الامر وليتبين لك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان حالهم مع كتاب الله سبحانه وكيف حرصوا أن يكونوا من أحباب كتاب الله سبحانه وتعالى ، فقد أخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه وارضاه أنه قال : كان رجل من الأنصار يؤم قومه ، فكان إذا أم في قومه استفتح بسورة قل هو الله أحد، ثم يقرأ بالسورة الاخرى ، وهكذا كان في كل ركعة ، إذا استفتح الصلاة وكبر وأراد أن يقرأ ، قرأ سورة ( قل هو الله أحد) سورة الاخلاص ، ثم بعد ذلك يقرأ سورة أخرى ، وهكذا في كل ركعة في الركعة الاولى في الركعة الثانية في الركعة الثالثة في الركعة الرابعة في صلاة الفجر في صلاة الظهر ولا يسمعونه ولكن عُلِمَ من حاله ، العصر المغرب العشاء كل صلواته كانت على هذه الحال ،فتعجب منه قومه وشكوه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداه صلوات ربي وسلامه عليه ودعاه وقال : ما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ –فاسمع الى كلمة هذا الصحابي الجليل- فقال : يارسول الله اني احبها ، فقال له الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه :حبك اياها ادخلك الجنة .
هو يحب ماذا ؟ يحب سورة قصيرة من سور كتاب الله ...يحب سورة الاخلاص يحبها..بينه وبينها مودة ..بينه وبينها محبة ..بينه وبينها الفة .. يحب أن يكررها يأنس بها ..يفرح بتردادها ...فقال له صلوات ربي وسلامه عليه حبك إياها أدخلك الجنة ،والحديث في صحيح البخاري
بل إنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وعن ابيها أنها قالت: كان رجلا يقرأ في الناس يصلي بهم ، فكان كلما صلى ختم بسورة( قل هو الله احد) ، فجاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : صلى الله عليه وسلم سلوه لأي شئ يصنع ذلك؟ فقال :إنها صفة الرحمن .
إنها صفة الرحمن ...شوف كيف استوعب معنى سورة الاخلاص ، استوعب معنى وفهم مايريد الله عز وجل منه في قوله سبحانه وتعالى ( قل هو الله احد )
"قل هو الله احد ، الله الصمد ‘لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد"...استشعر هذه الايات واستشعر معانيها ...فكان يفرح بتلاوتها ..فقال :إنها صفة الرحمن ،وأني أحب أن أقرأها ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم مبشرا : أخبروه أن الله يحبه .
اخبروه أن الله يحبه ! لأي شئ ؟ لانه يحب سورة الاخلاص ...فقال له النبي صلى الله عليه وسلم –انظر الى هذه البشرى العظيمة-أخبروه أن الله يحبه ...ونحن ماذا نريد ؟ وبماذا نطمع أكثر من أن يحبنا الله عز وجل ..وهو أحبه الله سبحانه وتعالى لحبه لسورة قصيرة من القران؟
فهل نحن نحب سورة من سور القران كما كان هذا الصحابي يحب هذه السورة من القران؟
هل بيننا وبين سورة ولو قصيرة من القران هذه الالفة وهذه المحبة ؟
يجب على كل مسلم أن يسأل نفسه إذا وقف في يوم القيامة بين يدي الله ما هي السورة التي تشفع له عند الله عز وجل ؟
ماهي السورة التي أصبح بينه هو وأياها ألفة ومودة ومحبة ، يكررها يرددها يقف معها يبكي لأجلها يفرح ويأنس بها ؟
وهذا ليس في سورة الاخلاص فقط ...بل إنه ثبت في مسند الامام احمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :سورة ثلاثون أية شفعت لصاحبها حتى غفر له ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير )...شفعت لمن؟شفعت لصاحبها ...فلم تشفع لأي أحد ...لكنها شفعت لصاحبها ...ومعنى أنه صاحبها أي أنه كان خليلا لها يتلوها ويتأملها ويكررها صباحا ومساءا ويخلو بها في حدة الظلمة.
عودة بعد الفاصل
لقد كان الكلام فيما يتعلق بأهل القران ، بأصحاب القران ، بمن يتطلب شفاعة القران ، تمهيدا لما سنقدم عليه بإذن الله جلّ وعلا في الكلام عن المستوى الأول وما يتعلق به في المراحل الثلاث .
و كان الكلام عن حديث النبي صل الله عليه وسلم في قوله : " سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له، وهي سورة تبارك" .
وهذا الحديث قد ورد بلفظ فيه شيء من التنبيه لأن هذا الأمر يسير ليس بالعسير أبدا .
فورد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد بلفظ " سورة ما هي إلا ثلاثون آية تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي قدير " سورة ليست بالطويلة سورة متوسطة هي ثلاثون آية .
هذه السور إنما هي أمثلة على سور ستشفع لأصحابها يوم القيامة ، يأتي الإنسان في يوم القيمة وقد يكون جاء بذنوب عظيمة ، جاء بمصائب ، جاء ببلايا ، بكبائر فيكتب الله عز وجل عليه أن يأمر ملائكته بأن يأخذوه إلى جنهم والعياذ بالله ، فيبحث عمن يشفع له عند الله عز وجل وأهل الشفاعات كثير .
ومن أعظم أهل الشفاعات كتاب الله سبحانه وتعالى في يوم القيامة ، وتأتي سورة من كتاب الله ( سورة تبارك ، سورة البقرة ، سورة آل عمران ، أو أي سورة من كتاب الله عز وجل ) فتشفع لصاحبها هذا حتى يغفر له وينجو من الكرب الذي حل فيه .
إذا كان كذلك كان هذا الفضل العظيم ، كانت هذه الشفاعة ، وكان هؤلاء هم أصحاب القران.
فإذن فلنبدأ على بركة الله عز وجل وعلى نور سبحانه وتعالى بالمراحل الثلاث التي ذكرنا لكم أنها موجهه لعموم المسلمين من المهتمين بكتاب الله سبحانه وتعالى .
هذه المراحل هي ثلاث مراحل !
وثمرة هذه المراحل..
حتى نكون من أهل القران ،
حتى نكون من أصحاب القران ،
حتى نكون من أهل شفاعة القران.
وأولى هذه المستويات وهذه المراحل هو :
بأي القران نبدأ ؟
المرحلة الأولى في المستوى الأول>>> بأي القران نبدأ ؟
هذه هي المرحلة الأولى التي لا بد منها لمن أراد أن يكون من أهل القران.
هناك قاعدة عظيمة ذكرها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وبوب عليها فقال: { العالم الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كبارة}
وهذه القاعدة هي من القواعد الجليلة جدا عند أهل العلم وذكرها البخاري في الصحيح كما تقدم ، وهي مستفادة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صل الله عليه وسلم .
والذي أريد أن أنبه عليه هنا ، أن هذه هي صفة العلماء الربانيين، أنهم يربون الناس بصغار العلم قبل كباره .
أما من أراد أن يربي الناس على كبار العلم قبل صغاره فهذه ليست هي من صفة العلماء الربانيين أبدا .
ومعنى أنهم يربون الناس بـ صغار العلم قبل كباره، معنى هذا ؛
أن صغار العلم هو المسائل الظاهرة ، الواضحة الجلية البينة التي تكررت في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرا كثيرا .
وأما كبار العلم فهي المسائل الدقيقة العظيمة التي تحتاج إلى فهم والى إدراك وإلى مقدمات وإلى ألآت وإلى أشياء كثيرة حتى يستطيع المسلم أن يفهمها فهما كاملا وافيا .
فعندنا إذن مسائل العلم تنقسم إلى قسمين :
ما تسمى بصغار العلم وهناك مسائل تسمى بكبار العلم .
فأهل العلم الربانيين إذا أرادوا أن يربوا الناس ربوهم بدءا بصغار العلم وتركوا كبار العلم ، بدءوا بالشيء السهل ، الشيء اليسير الواضح البين ، الجلي الذي تكرر في كتاب الله عز وجل .
ولا يأتون الناس بالمسائل المعضلة ، بالمسائل المشكلة ، بالمسائل العميقة ، بالمسائل التي تحتاج إلى دقة و فهم وتحتاج إلى نظر ثاقب ومعرفه كاملة تامة ، تحتاج إلى أدوات كثيرة ، لا توجد عند أكثر المسلمين .
فإذن المرحة الأولى لمن أراد من عموم المسلمين ومن عامة قراء كتاب الله سبحانه وتعالى أن يحدد بدءا بأي شي يبدأ من كتاب الله سبحانه وتعالى .
وأعيد وأكرر أن المراد هنا ما يتدبره من كتاب الله سبحانه
أما ما يـقرأه قراءة عامة فقد سبق الكلام أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحزبون القران ويقرءونه – يحزبونه ثلاث سور ، خمس سور ، سبع سورــ ، وهكذا إلى المفصل .
ولكن الكلام هنا إذا أردت أن تدبر شيئا من كتاب الله سبحانه وتعالى فلا تذهب إلى السور الطوال ؛ إلى السور التي فيها كثير من الأحكام الفقهية الدقيقة ، التي فيها بيان مسائل الطلاق فيها بيان مسائل الحج، فيها بيان مسائل الحدود وغير ذلك وتقسيم الميراث وغيرها من السور العظيمة الجليلة الكبيرة التي تحتاج إلى فهم واسع ، وإلى إدراك كبير .
هذه أيها المبارك تتلوها من كتاب الله عز وجل وتمر عليها وتحاول أن تتفهم شيئا منها ؛ و لكن بدءا ليست هي الآيات ، بل ولا هي السور التي ينبغي عليك أن تقف عندها طويلا، وأن تتأملها وأن تتدبرها، وان تكررها في صلاتك ، خصوصا عندما تخلوا بربك سبحانه وتعالى ليس بينك وبينك أحد .
فإن هذه السور ثقيلة كبيرة عليك ؛ لن تستطيع أن تدخلها على فؤادك كما هو الحال في الأمور الأخرى من البيان الذي جاء في قصار السور الذي يسميه أهل العلم بصغار العلم.
ولذا قال البخاري هنا،" الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره " وهذا بدءا لا بد منه ..
وهو أمر إن لم نفعله ، وإن لم نأخذ به ؛ فلن نستطيع أن نسير في مراحلنا هذه ولا في غيرها التي في كتاب الله سبحانه وتعالى ؛
لأن اللقمة إذا كبرت وعظمت لن يستطيع الإنسان المسلم أن يستصيغها ، ولن يستطيع أن يستفيد منها أبدا ، بل قد تكون فيها غصة عليه يتعب إذا أراد أن يتخلص منها .
فإذن هذا هو الأمر الأول.
المستوى الأول الذي هو لعموم المسلمين له ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى منه أيها المسلم لابد أن تحدد بأي شي تبدأ مع كتاب الله سبحانه وتعالى ، وبعبارة أخرى لابد وأن تحدد بأي شي تبدأ في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى .
هذا هو السؤال بأي شي تبدأ في تدبر كتاب سبحانه وتعالى فما هو الجواب ؟
إذا حددنا هذا سننتقل إلى المرحلة الثانية وقد ونحن بإذن الله قد وضح لنا الأمر وتجلت لنا المسألة وبان لنا الصحيح .
بأي شي نبدأ ؟.
ننظر في سنة الرسول صل الله عليه وسلم وفي موقفه صلوات ربي وسلامه عليه من القران ، وفي موقف صحابة صلى الله عليه وسلم أيضا من هذ1 الكتاب العظيم ، ومن تنزل هذا الكتاب على هذا النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه ، كيف كان الأمر ؟
نحن نريد أن يؤثر فينا القران كما أثر في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أليس كذلك ! كيف يكون هذا ؟
لننظر إلى سيرته صلوات ربي وسلامه عليه ، ولننظر إلى سيرة أصحابه . كيف فقهوا هذا وكيف فهموه ؟
سأذكر لكم حديثاً واحداً وإلا فالأحاديث في الباب لا تحصى ولكن سأختار لكم من صحيح البخاري حديثا ًأرجو أن يكون واضحاً جلياً في المسألة
فإن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها وهى من الفقهاء الكبار ومن أعلم الناس بكتاب الله عز وجل كيف كان حالها من هذا الأمر؟ جاء إليها إعرابي كما روى في صحيح البخاري فقال لها يا أم المؤمنين أرينى مصحفك (أي أعطيني مصحفك يريد أن يطلع على مصحف أم المؤمنين عائشة) فقالت له ياإعرابى وماذا تريد بمصحفي ؟ قال : أريد أن أرتب مصحفي على ترتيب مصحفك (يعنى كيف أرتبه ؟ يريد أن يرتب السور يرتبه على ما جاء في مصحف أم المؤمنين عائشة ) قالت وما يضيرك يا إعرابي ( أي وما يضيرك أن يبقى المصحف على النحو الذي هو فيه ، ثم قالت هذه الكلمة العظيمة الجليلة التي ولابد أن تستقر في فؤاد كل مسلم )قالت رضي الله عنها وأرضاها إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورمن المفصل( وأنا أريدك أيها المؤمن يا قارئ كتاب الله أن تنتبه لقول أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها فإنها لا تتكلم من قبيل نفسها وإنما تحكى واقعاً كان من كتاب الله عز وجل في تنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ليس في أثر موقف وإنما هو حكاية خبر مرفوع عن حال النبي صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله عز وجل وتقو إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل هل نزلت سورة البقرة ، آل عمران ، المائدة ، الأنعام ، الأحزاب، الجاثية ) لا
إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا تاب الناس للإسلام (ما معنى تاب الناس ،رجعوا ......هم ما كانوا مسلمين ؟..........ما معنى تابوا هنا؟...ليس رجعوا فقط حتى إذا تاب الناس للإسلام بمعنى أي أنهم كأنهم كانوا في الإسلام ثم دخلوا في الكفر لأن أصل الناس كانوا على الأيمان أدم عليه السلام وذريته حتى دخل فيهم الكفر
حتى إذا تاب الناس للإسلام أي عادوا للإسلام واستقر الإسلام في قلوبهم واستقر الأيمان في أفئدتهم نزل عليه آيات الوعد والوعيد حتى إمتلئت القلوب إيماناً وحتى ملئت هذه الأفئدة يقيناً خالطها اليقين خالطها الأيمان خالطها
الرضا بأحكام الله عز وجل ) حتى إذا تاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام
هل نزل الحلال والحرام قبل لا وإنما نزلت آيات الوعد الوعيد قبل حتى إذا تاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام ..أنظر ..ثم تحكى لك حكاية الواقع المخالف لهذا الأمر الذي كان عليه القرآن وتبين لك ماذا سيكون الأمر لو تغير هذا الواقع ...واقع مخالف لحال تنزل القرآن وهذا الواقع للأسف الشديد أنك تراه في حال كثير من المسلمين ...نعم.. قبل أن أذكر لك كلام عائشة أريد أن تنظر في حال المسلمين و أن تنظر في حالك أنت مع كتاب الله سبحانه وتعالى وأن تنظر في حال من حولك كثير من المسلمين وللأسف الشديد إذا أراد أن يقرأ كتاب الله أراد أن يتفقه في كتاب الله أراد أن يعتبر من كتاب الله أراد أن يردد ويتلو حزبه ويقف مع آيات الكتاب فإنه يذهب أول ما يبدأ بسورة البقرة ثم آل عمران ..ثم... هكذا ..يقرأ في السبع الطوال وهو لم يستوعب ولم يفقه ولم يتدبر ولم يعرف ولم يعلم مافى قصار السور من كتاب الله عز وجل
هذا الواقع المؤلم لحال كثير من المسلمين هو الذي جعل هذا القرآن لا يكون بالمحل الأسمى والأعظم الذي ينبغي أن يكون عليه في قلب المؤمن يقرأ في الطوال لم يفهم ولم يدرك كيف يستقر عظم القرآن في قلبه وهولا يفهم شيئا مما تلاه وكيف يفهم تلك السور الطوال العظام وأصول الدين التي تنزلت في السور القصار لم تستقر في قلبه ...لن يكون هذا أبدا
ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه مكث في سورة البقرة ثماني سنوات .
وأبوه عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه ثبت عنه أنه مكث في سورة البقرة اثنا عشرة سنة عمر أمير المؤمنين ثاني أفضل رجلين في الأمة بعد رسول الله صلى عليه وسلم (في سورة البقرة اثنا عشر سنة ) ونحن الآن لو قلنا لأحد اقرأ في تفسير القرآن كله من أوله لأخره عشر سنوات يأخذ برأسه ويمسك ...ضاع العمر كله في التفسير وهذا عمر يأخذ اثنا عشر سنة في سورة البقرة
ولذا اسمع لكلام عائشة وهى تصف لك الحال لو كان الواقع خلاف ما كان فتقول رضي الله عنها وأرضاها (ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر) من الذي يقول هذا ؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رأوا الحبيب والوجه المنير هذا النبي الذي تمثلت فيه آيات تدل على نبوته .
ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر ولو نزل أول ما نزل لا تقربوا الزنا لقالوا لا ندع الزنا
ثم تبين رضي الله عنها وأرضاها حال التنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أنزل والساعة أدهى وأمر وأنا بمكة وما تنزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا تحته في المدينة
أنظر الفرق هذه تنزلت وعائشة جارية بمكة تلعب وأن السور الطوال نزلت وهى (عائشة) تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا أخذوا القرآن التي فيها والساعة أدهى وأمر بدءاً ثم السور الطوال أتت بعد ذلك لبيان الأحكام .
أسأل الله عز وجل بمنه وفضله وكرمه سبحانه وتعالى أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أسأله باعترافنا بذنوبنا و خطأنا على أنفسنا أن يجعل هذا القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا إنه ولى ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
|