السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
اعتذر اخواتى المباركات باذن الله عن تأخرى فى تفريغ باقى الدرس الثامن لظروف مرضية .
لله المنه و الفضل تم التفريغ بأذن الله ,
الدرس الثامن : بداية التدبر بأيات المفصل (النصف الثانى من الدرس من الدقيقة 20)
حيَاكم الله مرة اخرى و نعود لما كنا نتكلم عنه فيما يتعلق بسور المفصل و انه لابد لمن اراد ان يكون من اهل القرأن و ان يتدبر القرأن ان يعرف من اين يبدأ و ان يهتدى بطريقة صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و طريقة السلف فى هذا الباب و قد تكلمنا عما يتعلق بحديث عائشة و ذلك ما يتعلق سور المفصل عموما و ضربنا مثالا على ذلك بسورة (عمَ)و كان الكلام عن بعض ما فى هذه السورة من ايات بينة ظاهرة التى لو تاملها المؤمن لكرر سورة (عمَ)الف مرة و الله ما يمل يكرر سورة (عم) الف مرة خلال ايام و الله ما يمل ,لانه كلما قرأها على هذا النحو كلما ازداد ايمانا و كلما ازداد علما و كلما ظهر له علما لم يكن قد ظهر له من قبل ,فان كتاب الله علمه لا ينقضى و لا ينتهى و عجائبه لا تنقضى ابدا كلما اعطيته من نفسك كلما اعطاك هو من علمه الذى استودعه الله عز و جل فيه.
هذا الكلام فيما يتعلق بسور المفصل و عما نصحتكم به فيما يتعلق بجزء (عم) و البدء بسورة (عم) ثم الاخذ بسورة النازعات ,عبس,التكوير و الانشقاق و نحو ذلك .
اود ان تجربه على نفسك و ان تتبصر فى معانى هذه الايات و لعل الله عز و جل ان يجعل ذلك سببا فى انشراح صدرك و فى ملء قلبك بنور كتاب الله و قد جرب هذا مرارا فوجد له اثر ليس بالهين ابدا .
اريد بعد ذلك ان اعود الى شىء يسير عما يتعلق بحديث عائشة عندما قالت رضى الله عنها و ارضاها و لقد نزلت (و الساعة أدهى و أمر ) و انا جارية العب بمكة . و ذكرت لك ان هذا دليل ظاهر بيًن على ان هذه السور التى فيها وعد و وعيد و ما يتعلق بذلك جاءت فى اوائل البثة و هذا الكلام منها تصديق لهذا الامر لان (و الساعة ادهى و امر )فيه بيان ان الساعة التى هى يوم القيامة ادهى و اعظم و اشد نكاية و قوة مما يظنون هم .
و هى ايضا امر فيه مرارة على الكافر فيها علقم على الفاسق الفاجر المبعد عن دين الله عز و جل و عن نور الله سبحانه و تعالى لكن قبل هذا المقطع الذى اخذته عائشة من سورة القمر اريد ان ابين لك لما ذكرت عائشة رضى الله عنها و ارضاها هذا المثل من سورة القمر فلعلنا نقف قليلا مع سورة القمر التى تنزلت و عائشة كانت جارية تلعب بمكة فلما تنزلت فى ذلك الوقت و لما وقع نظر عائشة رضى الله عنها و ارضاها على هذه السورة فى اختيارها لضرب المثل على ما تريد ان تنبه عليه .
ليقرا منكم قارىء اوائل سورة القمر :اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(بسم الله الرحمن الرحيم ,اقتربت الساعة و انشق القمر .و ان يروا أية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر .و كذبوا و اتبعوا اهواءهم و كل أمر مستقر . و لقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر .حكمة بالغة فما تغن النذر .فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شىء نكر .)
طبعا الوقف هنا لازم و لابد منه لانه عند الوصل يختلف المعنى تماما (فتول عنهم ) هذا للنبى صلى الله عليه و سلم ثم جاء الكلام عن مساله اخرى فقال سبحانه و تعالى (يوم يدع الداع إلى شىء نكر),اى الى يوم القيامة اما التولى فهو فى الدنيا ,التولى عنهم فى الدنيا و اما الكلام فى يوم القيامة و هذا ليس له علاقة بما سبقه من الاية و لذا كان الوقف هنا لازما لاختلاف المعنى عند الوصل .
(فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شىء نكر . خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر.مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر )
تامل قوله سبحانه و تعالى(خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث كانهم جراد منتشر )هم الان اجابوا الداعى يوم دعاهم الى يوم نكر هذا اليوم فيه شىء منكر ينكره كثير من الناس لم يتعودوا عليه فيه شىء يذهل العقول فيه شىء يجعل الانسان يستوحش و يفزع بل يصعق من هوله و شدته ,فقال سبحانه و تعالى و هو يصف كيف يجيبون هذا الداعى
(خشعا ابصارهم ) لانهم لما راوا الايات و الدلائل لظاهرات خشعت الابصار,ذلت ,خنعت لله عز و جل.
(خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث كانهمم جراد منتشر )
نعرف كيف الجراد ينتشر ,نعرف هذا يقينا كثير من الناس و لله الحمد يعرفون هذا الوصف .
هذا الوصف باق الى زماننا هذا كانهم جراد منتشر ,كيف جراد منتشر يخرجون هكذا يخبط بعضهم بعضا من الفزع و الهول و الشدة لما يخرجوا من قبورهم عند النفخ فى الصور نفخة البعث يستيقظ الناس فاذا الامور قد تغيرت الاهوال كلها قد حصلت ,السماء قد تقلبت السماء, السماء التى كان الناس يرونها زرقاء صافية محكمة قوية اذا هى تقلبت الى لون اخر و اصبحت حمراء فيها شىء من الدهن مفزعة حالها متغير قد فتحت و شققت و تقلبت ليست على حال يعرفونها من قبل ,الارض اصبحت كارض الطاولة ليس فيها جبال و لا اودية و انما هى ساهرة لا عوج فيها و لا امتا ساهرة هى الارض المسفرة فهى ارض مستوية تماما ما نرى فيها شىء .
تغيرت الدنيا عليهم راوا ملائكة الله عز و جل من حولهم راوا الاهوال فماذا كان حالهم ؟ كان حالهم خشعا أبصارهم يخرجون من الاجداث كانهم جراد منتشر يخبط بعضهم بعضا و يدخل بعضهم فى بعض و يمرجون الرجال مع النساء مع الاطفال مع كل احد قد اختلطوا و ماجوا فى بعضهم و لم يتميز هذا من ذاك .
هذا هو الحال التى وصف الله عز و جل عليها الناس فى هذا الموقف العظيم و هذا ما ارادت عائشة ان تبينه لك ان هذه الذكرى فى ذاك الموقف العظيم هو الذى يحرك القلوب لتتجه الى علام الغيوب سبحانه و تعالى .
(خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث كانهم جراد منتشر .مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر )
مهطعين :ايش معنى مهطعين اى انهم اهطعوا رؤسهم فنظروا بهذه الرؤس الى الارض خنعوا برؤسهم بعد ان كانوا ينظرون الى الاعلى فى اول الامر فاذا برق البصر اى دهش و اخذ ينظر الى السماء و الى الاحول التى قد تغيرت من حوله ثم لما عاين الحقيقة اهطع براسه .
مهطعين اى انه نظر ببصره الى الارض و حنا راسه انحناء فى ذل و خضوع و خشع و ندم على ما كان منه فى الحياة الدنيا و لذا قال مهطعين الى الداع :اى يجيبوا الداعى يوم القبامة و هذا حالهم و هذا وصفهم .
اكمل الايات (كذبوا بأياتنا كلها فأخذنهم أخذ عزيز مقتدر .اكفاركم خير من أولئِكم ام لكم براءة فى الزبر .أم يقولون نحن جميع منتصر .سيهزم الجمع و يولون الدبر .بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر .إن المجرمين فى ضلل و سعر .يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر )
احسنت بارك الله فيك ,هذه الايات ايها المؤمنون هى التى حركت قلوب اصحاب النبى صلى الله عليه و سلم(يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)
فلما تتامل هذة الايا ت : ما الذى يجعلك تقدم على معصية الله سبحانه و تعالى ؟
ما الذى يجعلك لا تخاف الله جل فى علاه ؟
ما الذى يجعلك تقدم على معصية الله ما الذى يجعل الله ليس فى قلبك كما ينبغى ,عندما ياتيك وعد الله و وعيده سبحانه و تعالى .
هذه الايات اذا استقرت فى قلبك و الساعة أدهى و أمر ,هذه الايات ذوقوا مس سقر ,هذه الايات هى التى دخلت فى قلوب اولئك فحركتها و جعلت الاخرة عندهم اعظم بكثير من الحياة الدنيا فاذا جاء الامر و تعارض امر يخص الحياة الدنيا بامر يخص الحياة الاخرة هانت الدنيا و سهلت على نفوسهم بل ان ارواحهم بذلوها لما استقر هذا الامر فى قلوبهم ,بذلوا كل شىء اموالهم ,اولادهم ,ارواحهم ,كل شىء من اجل دين الله سبحانه و تعالى .
لما ؟ لان هذه الايات تغلغلت فى القلب و استقرت فى الفؤاد فاصبح هاجس الاخرة و طلب جنة الله عز و جل فى تلك الدار و الهروب من نار الله عز و جل هو الذى يحركهم و هو الذى يجعلهم ينيمون و هو الذى يجعلهم يتكلمون و يسكوتون و هو الذى يجعلهم يذهبون و يجيئون و هو الذى يجعلهم يفرحون و يحزنون.
كل هذا لما استقرت الايات فى القلب .
و لذا لما تنزل بعد ذلك قول الله سبحانه و تعالى( اجتنبوا كثيرا من الظن) ,( و لا تقربوا الزنى ),(و لا تقربوا مال اليتيم ) مثلا و جاءت هذه الاوامر نهتهم عن الخمر ,الزنى الربا ,اموال اليتامى,الظلم نهتهم عن اشياء كثيرة .
هل ترددوا فى الاستجابه لها كحال كثير من المسلمين ؟
لا ابدا لم يترددوا فى ذلك مطلقا لانهم علموا ان الأمر هو الله و أن الله قد اعد حياة لمن اجاب و اطاع و اعد حياه لمن عصى و رفض فلما استقر هذاا فى القلب جاءت الاوامر فقبلت فلما استقر هذا فى القلب جاءت النواهى فقبلت ايضا و اخذ بها و هذا الذى ينبغى للمسلم فى حياته .
نأخذ مثالا اخر :ايضا كذلك من الايات التى تنزلت فى هذا الزمنو هذه الدة من حياة النبى صلى الله عليه و سلم و كان لها اثر كبير فى استقرار الايمان فى القلب .
من يقرأ لنا شىء من ايا القرأن و لكن تكون من المفصل .
بسم الله الرحم الرحيم ( فاذا برق البصر .وخسف القمر .وجمع الشمس و القمر.يقول الانسان يومئذ اين المفر .كلا لا وزر .الى ربك يومئذ المستقر.ينبؤا الانسان يومئذ بما قدم و اخر .بل الانسان على نفسه بصيرة. و لو القى معاذيره )
احسنت بارك الله فيك هذه الايت من اى سورة ؟من سورة القيامة بين الله فيها بعض احوال يوم القيامة و هذه السورة من اعظم ما ينبغى للانسان ان يتدبره و يتامله .
تامل هذه الايات معى ايها المؤمن ,الله عز و جل يصف فيها حال الناس فى يوم القيامة فيقول الله عز و جل فاذا برق البصر ,اشمعنى برق البصر يعنى اصبح البصر كالبرق فى ظهوره و وضوحه و جلائه امتد و انفتح انفتاحا عظيما شديدا لما راى من الاهوال.
فاذا برق البصر نظر نظر عظيما الى السماء و الى الكون ينظر الى هذا الكون ما الذى جرى فيه هذا فى اول الامر حين يخرج بعد ذلك يكون خشعا ابصارهم .
ففى بداية الامر ينظر بقوة و اندهاش ثم لما عاين الحقيقة حصل فى القلب ماذا؟خشوع و خضوع (خشعا ابصارهم)و ذل بصره لما ادرك ان الامر كما اخبرت به الرسل لكنه فى بدايه الامر فى اندهاش فاذا برق البصر ثم ماذا و خسف القمر ثم ماذا و جمع الشمس و القمر يقول الانسان يومئذ اين المفر. هذا هو السؤال الذى يطرحه الانسان يوم القيامة و هو سؤال يكون فى اول البعث بعد معاينة الاهوال و ادراك ان الحقيقة التى جاءت فى كتاب الله و على لسان رسله قد وقعت,عندئذا ياى السؤال من الناس اين المفر؟يريد ان يهرب يريد ان يخرج من حدود الكرة الارضية ,ير يد مكان يلجا اليه .
كل الناس كل واحد يسئل الثانى محمد يسئل خالد و حسن يسئل حسين كل واحد يقول للاخر اين المفر سؤال يتردد فيأتى الجواب من الله عز و جل .
(كلا لاوزر)
كيف لا وزر ,ما معنى لا وزر ؟
لا وزر يعنى لا ملجأ تلجأ اليه ,الوزر اصله فى اللغه مأخوذ من الشىء التى تأزر اليه مثل ايش مثل الوزارة اصلها فى اللغة انما سمى وزير لان الناس يأزرون اليه فى حاجاتهم و امورهم و يذهبون اليه لقضاء الحاجات.
و كذلك الجبل العظيم يسمى مأزر لان الناس يزرون اليه يذهبون اليه يلتجئون اليه و يحتمون به ,فاذا سئل الناس اين المفر ؟جاء الكلام من الله عز و جل (كلا لا وزر )كلا لامفر و لا وزر فى هذا الموقف العظيم و لذا ايها المؤمنمن تامل هذه الايات و تامل ما فيها عاش حياة اخرى حياة الاخرة و هى تختلف عن الحياة التى نعيشها لانه لا مفر لا ملجأ لا وزر الى ربك يومئذ المستقر.
و كذا لو تاملت مثلا ايها المؤمن و اريدك ان تتامل بس بفهم و ادراك اخر سورة النازعات (فاذا جاءت الطامة الكبرى )تامل ايضا اخر سورة عبس (فاذا جاءت الصاخة )و هكذا من الايات العظيمة التى تحى القلب فابدا ايها المبارك بها و ما شابهها سواء هذه او ما كان فى معناها .
اسئل الله عز و جل لى و لكم علما نافعا و عملا صالحا و قلبا خاشعا و ايمانا كاملا و لسانا ذاكرا و عينا من خشيتة دامعة .
تكملة دعاء الشيخ
|