عرض مشاركة واحدة
قديم 13-11-08, 05:26 PM   #10
أم الشهداء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الدرس الثامن .. مجموعة التجارة الرابحة

بداية التدبر بآيات المفصَّل


بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله الذي خلق فسوى.. والحمد لله الذي قدر فهدى .. والحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا ومصطفى ربنا محمد –صلى الله عليه وسلم-..

كنا فيما سبق تكلمنا عن المراحل الثلاث التي لابد منها لمن أراد من عامة المسلمين أن يكون من أهل القرآن.. وأن يكون من أصحاب القرآن .. وأن يكون من أهل شفاعة القرآن .. هذه المراحل الثلاث أيها المبارك هي مراحل منهجية.. مراحل دراسية.. مراحل المقصود منها أن تكون هذه المراحل سبيلاً لك لأن تكون من أهل القرآن فبإمكانك أن تقدم فيها وأن تؤخر .. وبإمكانك أن تضيف عليها أو أن تحذف ونحو ذلك ... وإنما هي مراحل اجتهادية .. ومن فعلها وأخذ بها فإنها بإذن الله –عز وجل- ستكون سبيلاً له لأن يكون من أهل القرآن وقد تدارست فيها عدد من أهل العلم.. وتكلمنا في ذلك طويلاً.. ورأيت بنفسي فائدة ذلك .. أسأل الله –عز وجل- أن لا يحرمنا وإياكم أن نكون من أهل القرآن..

وقد ذكرت لكم سابقاً أن المرحلة الأولى وهي من أهم ما يكون هي أن تحدد أيها المسلم بأي شيء تبدأ في تدبر كتاب الله –عز وجل-..
وأنا هنا قصداً لم أحدد السورة التي تبدأ بها .. بل لم أحدد أيضاً الجزء الذي تبدأ به ..
لأن هذا قد لا يتيسر .. بل قد لا يناسب .. فإن الله –عز وجل- لم يحدد شيئاً واضحاً بيناً.. ولم يأتِ على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أيضاً في هذه المسألة تحديد أن يبدأ المسلم بشيء محدد من كتاب الله –جل في علاه- وإنما جاء شيء عام يخص نوعاً من سور القرآن..
وقد ذكرنا لكم سابقاً أن عائشة –رضي الله عنها وأرضاها- كما في صحيح البخاري قالت : "إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل" ..
فإذاً المرء بحاجة إذا أراد أن يبدأ بكتاب الله –عز وجل- أن يكون هذا البدء من خلال المفصل.. نعم ..
أن يكون هذا البدء في تدبر كتاب الله -سبحانه وتعالى- إذا أردت أيها المؤمن أن تكون من أهل القرآن .. من أهل شفاعة القرآن .بالمفصل.أن يكون البدء بالمفصل .. نعم .. وأقولها وأنا أعلم ما أقول..
لا بد وأن يكون البدء بسور المفصل.. أما ماعدا سور المفصل .. فهذه لها مراحل أخرى ولها أوقات تالية أما بدءاً إذا أردت أن تتدبر كتاب الله –عز وجل- فعليك بسور المفصل.. لأن سور المفصل هي أول ما نزل على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد جاءت هذه الإشارة من أم المؤمنين –رضي الله عنها وأرضاها-.. وجاءت أيضاً إشارات كثيرة في هذا الباب من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من أهل العلم في هذا الشأن.. فلابد إذن أن يكون البدء بشيء من سور المفصل.. فإذا عدنا إلى السؤال الذي هو عنوانه : المرحلة الأولى من المستوى الأول ..


بأي شيءٍ تبدأ ؟!
يكون الجواب: بسورة من سور المفصل أو بسور من سور المفصل .. هذا هو الجواب عن هذا السؤال الذي هو عنوان للمرحلة الأولى.. عندنا في هذا المستوى .. فقبل كل شيء لابد وأن تحدد ما هو الفصل الذي تختاره من كتاب الله –عز وجل- لتبدأ به في تدبر كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. وقد ذكرنا لك أن هذا الفصل هو الحزب الأخير من القرآن.. والذي يُسمى بحزب المفصل .. بحسب تحزيب الصحابة –رضوان الله عليهم أجمعين- .. لما حزبوا القرآن سبعاً .. فالحزب الأخير هو حزب المفصل ..
فإذاً لابد وأن يكون البدء بسورة من سور المفصل.. أي سورة من سور المفصل .. هذا لك أيها المبارك .. أيها المؤمن ..والوعيد.كتاب الله –عز وجل- .. تقرأ في سور المفصل .. فإن وجدت سورة تتكلم عن الآيات في الوعد والوعيد .. عن أهوال يوالقيامة. .. عن جزاالكافرين. .. عن عقاب الكافرين .. عن صفة النعيم .. عن صفة العذاب .. عن أشياء كثيرة في هذا الباب ... فإن أخذت هذي .. أو أخذت تلك .. أو أخذت الثالثة أو الرابعة أو غير متكاملٌ.أجر في ذلك كثير وذلك لأنها كلمتكاملٌ. .. وتدور حول هذه المواضيع المهمة التي هي ركن ركين في حياالمؤمن. .. فلابد من وجودها ولابد من استقرارها فقلبه. .
إذاً تتفق بدءاً على أن البالمفصل. بسورة من سور المفصل.. فقبل أن تقبل على تدبر كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. لابد أن تختار سورة من سور المفصل .. هذا الذي أرالك. .. وهذا الذي دل عليه كلام عائشة –رضي اللعنها-. .. وكما ذكرت لك هذا الذي دل عليه كلام كثير من أهل القرآن. هذا الباب..
إذا أردت أن تقبل على كتاب الله وأن تكون من أهل القرآن .. أ تكون من خاصة الربالمبارك.وتعالى- .. أن تكون من أهل شفاعة القرآن .. فعندك هذه السور أيها المبارك .. تمسك لك:وعض عليها وابدأ بها.
بعد ذلك ننتقل إلى مسألة مهمة في هذه المرحلة .. وهي أي سورة من سور المفصل نختار .. تختار إن شئت أن تختار ما تختار .. لك هذا .. ولكن إن استنصحتني وطلبت مني النصيحة في هذا الباب .. فسأقول لك .. نصيحتي لك : أن تكون هذه السور من جزء عم .. خذ من جزء عم .. وأنصحك أنا أيضاً أن تبدأ بسورة عم تبدأ.في التدرج إلى آخر كتاب الله –عز وجل- وهذه نصيحة أخوية قد جربت ومررت مع عدد من المسلمين.. بل وفي إصلاح الجوارح من أولها إلى آخرها .


فنصيحتي لك أيها المؤمن إن أردت أن تبدأ .. تبدأ بجزء عم .. ولا تخرج عن جزء عبأس.وإن خلطت ذلك بشيء من جزء تبارك فلا بأس.. فإن مادة جزء تبارك وعم.تكلم الله –عزالتوحيد، أيضاً في جزء عم .. ولكن في جزء عم الأمر أكثر .. كما يُقال تركيزاً فيما يتعلق بمسائل التوحيد ، فيما يتعلق بمسائل مكارم الأخلاق .. فيما يتعلق بهداية القرآن لهذالإنسان. .. فعندئذ لو كان البدء وأقولك:
لو كان البدء بجزء عم أرجو أن يكون في ذلك نفع عظيم لك فتقرأ مثلاً بداية من سورة عم ثم تنزل وتتدبر في سورة عم.
وسورة عم من السور العظام الجليلةالمبارك؛ما أنزل الله – عز وجل- على نبيه – صلى الله عليه وسلم- فإن فيها من الفوائد وفيها من العبر وفيها من أنواع الخطاب ما لو تدبره العبد لكفاه عن أشياء كثيرة مما يتطلبه من الكتب التي ألفها الخلق ففي سورة عم أشياء كثيرة .
في سورة عم في أولها حوار عقلي محض ثم جاء الكلام عن اليوم الآخر وعن النفخ في الصور ثم جاء الكلام عن الطاغين ( للطاغين مآبا * لابثين فيها أحقابا )
وأنا سأضرب لك مثلاً يسيراً أيها المبارك ؛ أضرب لك مثلاً يسيراً في أنك لو تأملت شيئاً من سورة عم كيف سيتغير الأمر بالنسبة لك كيف سينجلي عنك غمة في عقلك وغمة في قلبك بسبب بعدك عن تدبر كتاب الله عز وجل.


عندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى – مثلاً في سورة عم – ( لابثين فيها أحقاباً * لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا)
لابثين فيها أحقابا هذا اللبث لمن؟
للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا
عندما تقرأ أي كتاب في التفسير يتكلم عن التفسير بالمأثور أن ينقل لك كلام الصحابة – رضوان الله عليهم – وكلام التابعين في تفسير هذه الآية فتنظر في تفسير الطبري في تفسير بن كثير أي كتاب نقل أقوال الأئمة نقل أقوال التابعين في تفسير هذه الآية سيقولون لك :
(أحقابا):للغة: أقل ما يكون إما بعضهم يقول أقل ما يكون ثلاثمائة سنة وبعضهم يقول ثمانين سنة الحقب في لغة العرب وأقل ما جاء من تفسير السلف – رضوان الله عليهم أجمعين – لكلمة الحقب هو سبعون سنة.
الحقب : قال الضحاك : هو سبعون سنة ، أما صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلم يأتِ عنهم أقل من ثمانين سنة في تفسير الحقب ، فلو أخذنا بهذا لن نأخذ الثلاثمائة ولن نأخذ السبعين ، ولكن دعنا نأخذ 80 سنة لأن هذا ما جاء عن صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على أقل ما يكون ، لم يأتِ عن الصحابة أقل من ثمانين سنة في تفسير الحقب والآية : يقول الله –عز وجل- فيها : (لابثين فيها أحقاباً)
(أحقابا) : هذه مفرد أم جمع ؟
جمع، وأقل الجمعمعلوم؛عرب كم ؟ ، ثلاثة كما هوسنة،م؛ فإذاً الجمع هنا أحقاباً جمع حقب والحقب هو كم ؟ ، هو ثمانين سنة، فلو ضربت ثمانين سنة في ثلاثمائة كم ؟ مائتيالتكثير، سنة ، شوف مائتين وأربعين سنة.
لفظ الحقب هنا في كتاب الله لما جاء في سورة عم جاء منكرا أم معرفا ؟ منكرا.
تنكيره هنا يفيد ماذا؟ يفيد التكثير ، التنوين هنا مع التكثير ، أي أنها أحقاب كثيرة وليست حقب واحد ولا اثنين ولا ثلاثة ، وإنما هي أحقاب كثيرة .
دعنا نأخذ الأقل وهو أنها ثلاثة أحقاب، والحقب الواحد ثمانون سنة، وهذه يعني أكثر من مائتين وأربعين سنة، هذه المائتين وأربعين سنة اليوم فيها بكم ؟ بألف سنة مما نعد نحن (وإن يوماً عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون)
فعندنا يوم واحد من أيام الله –عز وجل- كألف سنة مما نعد ، فإذا أردت أن تحسب هذا اللغز الذي توعد الله –عز وجل- به الطغاة ، والطغاة هنا ليسوا هم الكفار فقط ، بل كل من استحق هذا الوصف ، (للطاغين) : أي كانوا من الطغاة الكافرين ، أو كانوا أيضاً من الطغاة وإن ظلوا على اسم الإسلام ، فتوعدهم الله –عز وجل- بأن يلبثوا في نار جهنم ثمانين سنة في ثلاث ، مائتين وأربعين سنة ، ثم اليوم الواحد بألف سنة من أيامنا نحن ، كم هذه؟
هذه سنوات طويلة وهذا مكث -والعياذ بالله تعالى- ليس بالقليل ، ليست هي أيام محصورة معدودة ، لبث طويل جداً في نار جهنم لمن اتصف بهذا الوصف ، أنه كان من الطاغين ، فهذا الوعيد وعيدٌ شديدٌ ليس بالوعيد الهين أبداً ، وعيد شديد فيه سنوات طويلة ممتدة لا يعلم قدرها إلا الله –سبحانه وتعالى- ، وهذا أقل ما يكون ، فما بالك بمن أراد الله –عز وجل- وكتب عليه أن يمكث أكثر من ذلك جداً ، فالحال شديدٌ إذا كان المكث سنوات طويلة ، أقرنه بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- : "يؤتى بأنعم أهل الأرض من أهل النار فيغمس في النار غمسة –غمسة واحدة هكذا فقط—فيقال له : هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول : لا يارب ما رأيت نعيماً قط ، ولا مر بي خيرٌ قط"
فهي غمسة أنسته كل النعيم ، وهو أنعم أهل الأرض ، فما بالك بهذا الذي سيلبث أحقاباً طويلة في نار جهنم .


أنا أريد من ذلك أن تعلم أن هناك من الأسرار في كتاب الله في هذه السور الشيء العظيم، بل في مبدأها، في مبدأ سورة عم الله –عز وجل- يقول في أولها: (عم يتساءلون) هذه الصيغة ماذا تسمى عند العرب ؟ (عم يتساءلون) أليس هو استفهام ؟ سؤال وفيه ماذا ؟
نعم،عجب (عم يتساءلون) يعني : يسأل الرب –سبحانه وتعالى- هؤلاء الكافرين ، والخطاب موجه إلى محمد –صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الكافرين يقول : (عم يتساءلون) يعني : عن أي شيء يتساءلون ، وليس السؤال سؤال مجرد ، وإنما سؤال فيه تعجب ، فيه غضب ، فيه عدم رضا عن هذا السؤال (عم يتساءلون) فلم يغضب الرب –سبحانه وتعالى- عن سؤال هؤلاء القوم ولم يتعجب من سؤالهم ، هل هناك ما يدعوا إلى التعجب ؟
نعم ، هناك ما يدعوا إلى التعجب ، وهناك ما يدعوا إلى الغضب ، هم يسألون ، ولكن هذا السؤال ما كان ينبغي أن يسألوا عنه أبداً ، لم ؟
لأن الآيات العقلية والدلائل الكونية من حولهم متكاثرة جحداً في إثبات حقيقة البعث ، ومن أظهرها وأبينها والنقاش معهم هم ، وهم يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم يشركون معه غيره –جل في علاه سبحانه وتقدس- ، فجاء التعجب من هؤلاء كيف تشركون بالله –عز وجل- ثم تنكرون البعث .
قالوا:اءلون * عن النبأ العظيم) وجه التعجب : أن هؤلاء يؤمنون بأن الله –سبحانه وتعالى- إله ، ومن إيمانهم بالله الذي هو إلههم يؤمنون بأنه عدلٌ –جل في علاه- ، ولو سألتهم عن الله هل يظلم؟ قالوا : لا يظلم ، ولو سألتهم عن الله –سبحانه وتعالى- هل هو قادر ؟ ققالوا:قادر تام القدرة . ولو سألتهم عن الله –سبحانه وتعالى- هل هو عليم ؟ قالوا : عليمٌ تام العلم لا يخفى عليه شيءٌ . فهل يليق برب –سبحانه وتعالى- عليم تام العلم ، عدل تام العدل –جل في علاه- قادر تام القدرة ، وهم يؤمنون بذلك كله ، هل يليق بإنسان بعد هذا كله أن يظن بربه –سبحانه وتعالى- أن يترك الناس وهو في الدنيا يرى أن منهم ظالم ومنهم مظلوم ومنهم سارق ومنهم مسروق منه ، منهم معتدي ومنهم معتدىً عليه ، منهم قاتل ومنهم مقتول ، منهم مُعَذَّبٌ .. ومنهم مُعَذِّبٌ ، فهل يليق بالله سبحانه وتعالى ، الذي اتصف بهذه الصفات العظيمة وهم يؤمنون بها ، هل يليق به جل في علاه أن تنتهي هذه الحياة الدنيا وفيها هؤلاء الناس باختلاف أحوالهم وصفاتهم أن ينهي هذه الحياة الدنيا من دون بعث ، لو فعل ذلك هل يكون عدلاً؟ -جل في علاه- هل يكون حكيماً –جل في علاه- ؟ هل يكون قادراً –جل في علاه؟ هل يكون عليماً –جل في علاه- ؟
لا يكون كذلك ، لو أنه فعل هذا فلا يكون مستحقاً لوصف الألوهية وهم يؤمنون بذلك ، فلا يمكن أن يقع هذا أبداً ، ولذا جاء التعجب ، عن أي شيء تتساءلون أنتم ؟ وأنتم تؤمنون بصفات الرب سبحانه وتعالى ، تؤمنون بأن الله قد اتصف بها تمّ الاتصاف وأكمله ، فكيف ينهي هذه الحياة من دون بعث ، ولذا جاء في أولها : (عم يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون * كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون) ثم جاءت الدلائل الكونية والدلائل العقلية (ألم نجعل الأرض مهادا) هذا دليل وبرهان عقلي (والجبال أوتاداً) فجاءت عشر آيات كونية ، وبعض أهل العلم قال : تسع آيات كونية عقلية في إثبات البعث ، وهي من أعجب ما يكون ، وذكرها بفهمها من أكثر ما يشرح النفس ، ومن أكثر ما يجعل القلب مستقراً في طمأنينته إلى عدل ربه –سبحانه وتعالى- ، فعندما تتأمل أيها المؤمن مثل هذا ، وتقرأ في سورة عم إلى آخرها وما جاء فيها ، أو سورة النازعات أو عبس أو التكوير أو الانشقاق أو نحو ذلك ، هذا يبعث في قلبك إيماناً عظيماً جليلاً كبيراً لله –سبحانه وتعالى- ، هذا يجعل هذا القلب عندما يتكلم عن ربه يتكلم كلام من يجل الله ومن يعظم الله ومن يحب الله ومن يقدس الله ومن يخاف الله ومن يتوكل على الله ومن يرغب إلى الله ومن يلجأ إلى الله ، وهذا الذي تريده هذه السور من هذا العبد الضعيف ـ تريد هذا القلب أن يتصل بخالقه سبحانه وتعالى ، تريد من هذا القلب أن يعرف يقيناً معنى (قل هو الله أحد) هذا هو التوحيد الذي سعى محمد –صلى الله عليه وسلم – في تقريره بالقلوب ، وهذا هو التوحيد الذي دافع عنه صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبذلوا من أجله الدماء والمهج ، وهذا هو التوحيد الذي نشره صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والأسلاف من بعدهم ، وهو الذي سار بعد ذلك أئمة التوحيد على الدعوة إليه وبذل كل ما يُستطاع في نصرته وفي نشره وفي هداية الناس إليه .


فاصل قصير

حيَاكم الله مرة أخرى و نعود لما كنا نتكلم عنه فيما يتعلق بسور المفصل و أنه لابد لمن أراد أن يكون من أهل القرآن و أن يتدبر القرآن أن يعرف من أين يبدأ و أن يهتدي بطريقة صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و طريقة السلف في هذا الباب و قد تكلمنا عما يتعلق بحديث عائشة و ذلك ما يتعلق سور المفصل عموما و ضربنا مثالا على ذلك بسورة (عمَ)و كان الكلام عن بعض ما في هذه السورة من آيات بينة ظاهرة التي لو تأملها المؤمن لكرر سورة (عمَ)ألف مرة و الله ما يمل يكرر سورة (عم) ألف مرة خلال أيام و الله ما يمل ,لأنه كلما قرأها على هذا النحو كلما ازداد إيمانا و كلما ازداد علما و كلما ظهر له علما لم يكن قد ظهر له من قبل ,فان كتاب الله علمه لا ينقضي و لا ينتهي و عجائبه لا تنقضي أبدا كلما أعطيته من نفسك كلما أعطاك هو من علمه الذي استودعه الله عز و جل فيه.
هذا الكلام فيما يتعلق بسور المفصل و عما نصحتكم به فيما يتعلق بجزء (عم) و البدء بسورة (عم) ثم الأخذ بسورة النازعات ,عبس,التكوير و الانشقاق و نحو ذلك .
أود أن تجربه على نفسك و أن تتبصر في معاني هذه الآيات و لعل الله عز و جل أن يجعل ذلك سببا في انشراح صدرك و في ملء قلبك بنور كتاب الله و قد جرب هذا مرارا فوجد له اثر ليس بالهين أبدا.
أريد بعد ذلك أن أعود إلى شيء يسير عما يتعلق بحديث عائشة عندما قالت رضي الله عنها و أرضاها و لقد نزلت (و الساعة أدهى و أمر ) و أنا جارية العب بمكة. و ذكرت لك أن هذا دليل ظاهر بيًن على أن هذه السور التي فيها وعد و وعيد و ما يتعلق بذلك جاءت في أوائل البعثة و هذا الكلام منها تصديق لهذا الأمر لان (و الساعة أدهى و أمر )فيه بيان أن الساعة التي هي يوم القيامة أدهى و أعظم و اشد نكاية و قوة مما يظنون هم .
و هي أيضا أمر فيه مرارة على الكافر فيها علقم على الفاسق الفاجر المبعد عن دين الله عز و جل و عن نور الله سبحانه و تعالى لكن قبل هذا المقطع الذي أخذته عائشة من سورة القمر أريد أن أبين لك لما ذكرت عائشة رضي الله عنها و أرضاها هذا المثل من سورة القمر فلعلنا نقف قليلا مع سورة القمر التي تنزلت و عائشة كانت جارية تلعب بمكة فلما تنزلت في ذلك الوقت و لما وقع نظر عائشة رضي الله عنها و أرضاها على هذه السورة في اختيارها لضرب المثل على ما تريد أن تنبه عليه .

ليقرا منكم قارئ سورة القمر ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
(اقتربت الساعة و انشق القمر *و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر*و كذبوا و اتبعوا أهواءهم و كل أمر مستقر*و لقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر*حكمة بالغة فما تغن النذر*فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر)

طبعا الوقف هنا لازم و لابد منه لأنه عند الوصل يختلف المعنى تماما (فتول عنهم ) هذا للنبي صلى الله عليه و سلم ثم جاء الكلام عن مسالة أخرى فقال سبحانه و تعالى (يوم يدع الداعي إلى شيء نكر), أي إلى يوم القيامة أما التولي فهو في الدنيا ,التولي عنهم في الدنيا و أما الكلام في يوم القيامة و هذا ليس له علاقة بما سبقه من الآية و لذا كان الوقف هنا لازما لاختلاف المعنى عند الوصل .
(فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر*خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر*مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر )
تأمل قوله سبحانه و تعالى(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )هم الآن أجابوا الداعي يوم دعاهم إلى يوم نكر هذا اليوم فيه شيء منكر ينكره كثير من الناس لم يتعودوا عليه فيه شيء يذهل العقول فيه شيء يجعل الإنسان يستوحش و يفزع بل يصعق من هوله و شدته ,فقال سبحانه و تعالى و هو يصف كيف يجيبون هذا الداعي
(خشعا أبصارهم ) لأنهم لما رأوا الآيات و الدلائل لظاهرات خشعت الأبصار,ذلت ,خنعت لله عز و جل.
(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )
نعرف كيف الجراد ينتشر ,نعرف هذا يقينا كثير من الناس و لله الحمد يعرفون هذا الوصف .
هذا الوصف باق إلى زماننا هذا كأنهم جراد منتشر ,كيف جراد منتشر يخرجون هكذا يخبط بعضهم بعضا من الفزع و الهول و الشدة لما يخرجوا من قبورهم عند النفخ في الصور نفخة البعث يستيقظ الناس فإذا الأمور قد تغيرت الأهوال كلها قد حصلت ,السماء قد تقلبت السماء, السماء التي كان الناس يرونها زرقاء صافية محكمة قوية إذا هي تقلبت إلى لون آخر و أصبحت حمراء فيها شيء من الدهن مفزعة حالها متغير قد فتحت و شققت و تقلبت ليست على حال يعرفونها من قبل ,الأرض أصبحت كأرض الطاولة ليس فيها جبال و لا أودية و إنما هي ساهرة لا عوج فيها و لا أمتا ساهرة هي الأرض المسفرة فهي ارض مستوية تماما ما نرى فيها شيء .
تغيرت الدنيا عليهم رأوا ملائكة الله عز و جل من حولهم رأوا الأهوال فماذا كان حالهم ؟ كان حالهم خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر يخبط بعضهم بعضا و يدخل بعضهم في بعض و يمزجون الرجال مع النساء مع الأطفال مع كل احد قد اختلطوا و ماجوا في بعضهم و لم يتميز هذا من ذاك .
هذا هو الحال التي وصف الله عز و جل عليها الناس في هذا الموقف العظيم و هذا ما أرادت عائشة أن تبينه لك أن هذه الذكرى في ذاك الموقف العظيم هو الذي يحرك القلوب لتتجه إلى علام الغيوب سبحانه و تعالى .
(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر*مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر )

مهطعين :إيش معنى مهطعين أي أنهم أهطعوا رؤوسهم فنظروا بهذه الرؤوس إلى الأرض خنعوا برؤوسهم بعد أن كانوا ينظرون إلى الأعلى في أول الأمر فإذا برق البصر أي دهش و اخذ ينظر إلى السماء و إلى الأحول التي قد تغيرت من حوله ثم لما عاين الحقيقة أهطع برأسه .
مهطعين أي انه نظر ببصره إلى الأرض و حنا رأسه انحناء في ذل و خضوع و خشع و ندم على ما كان منه في الحياة الدنيا و لذا قال مهطعين إلى الداعي :أي يجيبوا الداعي يوم القيامة و هذا حالهم و هذا وصفهم .


أكمل الآيات (كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر*أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر *أم يقولون نحن جميع منتصر*سيهزم الجمع و يولون الدبر*بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر*إن المجرمين في ضلال و سعر*يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر )

أحسنت بارك الله فيك ,هذه الآيات أيها المؤمنون هي التي حركت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم(يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)
فلما تتأمل هذه الآيات : ما الذي يجعلك تقدم على معصية الله سبحانه و تعالى ؟
ما الذي يجعلك لا تخاف الله جل في علاه ؟
ما الذي يجعلك تقدم على معصية الله ما الذي يجعل الله ليس في قلبك كما ينبغي ,عندما يأتيك وعد الله و وعيده سبحانه و تعالى .
هذه الآيات إذا استقرت في قلبك و الساعة أدهى و أمر ,هذه الآيات ذوقوا مس سقر ,هذه الآيات هي التي دخلت في قلوب أولئك فحركتها و جعلت الآخرة عندهم أعظم بكثير من الحياة الدنيا فإذا جاء الأمر و تعارض أمر يخص الحياة الدنيا بأمر يخص الحياة الآخرة هانت الدنيا و سهلت على نفوسهم بل أن أرواحهم بذلوها لما استقر هذا الأمر في قلوبهم ,بذلوا كل شيء أموالهم ,أولادهم ,أرواحهم ,كل شيء من اجل دين الله سبحانه و تعالى .
لما ؟ لان هذه الآيات تغلغلت في القلب و استقرت في الفؤاد فأصبح هاجس الآخرة و طلب جنة الله عز و جل في تلك الدار و الهروب من نار الله عز و جل هو الذي يحركهم و هو الذي يجعلهم يتكلمون و يسكتون و هو الذي يجعلهم يذهبون و يجيئون و هو الذي يجعلهم يفرحون و يحزنون.
كل هذا لما استقرت الآيات في القلب .
و لذا لما تنزل بعد ذلك قول الله سبحانه و تعالى( اجتنبوا كثيرا من الظن) ,( و لا تقربوا الزنا ),(و لا تقربوا مال اليتيم ) مثلا و جاءت هذه الأوامر نهتهم عن الخمر ,الزنا الربا ,أموال اليتامى,الظلم نهتهم عن أشياء كثيرة .
هل ترددوا في الاستجابة لها كحال كثير من المسلمين ؟
لا أبدا لم يترددوا في ذلك مطلقا لأنهم علموا أن الأمر هو الله و أن الله قد اعد حياة لمن أجاب و أطاع و اعد حياه لمن عصى و رفض فلما استقر هذا في القلب جاءت الأوامر فقبلت فلما استقر هذا في القلب جاءت النواهي فقبلت أيضا و اخذ بها و هذا الذي ينبغي للمسلم في حياته .
نأخذ مثالا آخر:أيضا كذلك من الآيات التي تنزلت في هذا الزمن هذه المدة من حياة النبي صلى الله عليه و سلم و كان لها اثر كبير في استقرار الإيمان في القلب.


من يقرأ لنا شيء من آي القرآن و لكن تكون من المفصل.
بسم الله الرحم الرحيم ( فإذا برق البصر*وخسف القمر*وجمع الشمس و القمر*يقول الإنسان يومئذ أين المفر*كلا لا وزر *إلى ربك يومئذ المستقر*ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم و آخر*بل الإنسان على نفسه بصيرة*و لو ألقى معاذيره )

أحسنت بارك الله فيك هذه الآيات من أي سورة ؟من سورة القيامة بين الله فيها بعض أحوال يوم القيامة و هذه السورة من أعظم ما ينبغي للإنسان أن يتدبره و يتأمله.
تأمل هذه الآيات معي أيها المؤمن ,الله عز و جل يصف فيها حال الناس في يوم القيامة فيقول الله عز و جل فإذا برق البصر ,إيش معنى برق البصر يعنى أصبح البصر كالبرق في ظهوره و وضوحه و جلائه امتد و انفتح انفتاحا عظيما شديدا لما رأى من الأهوال.
فإذا برق البصر نظر نظرًا عظيما إلى السماء و إلى الكون ينظر إلى هذا الكون ما الذي جرى فيه هذا في أول الأمر حين يخرج بعد ذلك يكون خشعا أبصارهم.
ففي بداية الأمر ينظر بقوة و اندهاش ثم لما عاين الحقيقة حصل في القلب ماذا؟خشوع و خضوع (خشعا أبصارهم)و ذل بصره لما أدرك أن الأمر كما أخبرت به الرسل لكنه في بداية الأمر في اندهاش فإذا برق البصر ثم ماذا و خسف القمر ثم ماذا و جمع الشمس و القمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر. هذا هو السؤال الذي يطرحه الإنسان يوم القيامة و , يريدال يكون في أول البعث بعد معاينة الأهوال و أدرك أن الحقيقة التي جاءت في كتاب الله و على لسان رسله قد وقعت, عندئذ يأتي السؤال من الناس أين المفر؟يريد أن يهرب يريد أن يخرج من حدود الكرة الأرضي, يريدد مكان يلجا إليه .
كل الناس كل واحد يسأل الثاني محمد يسأل خالد و حسن يسأل حسين كل واحد يقول للأخر أين المفر سؤال يتردد فيأتي الجواب من الله عز و جل.
(كلا لاوزر,
كيف لا وزر ,ما معنى لا وزر ؟
لا وزر يعنى لا ملجأ تلجأ إليه ,الوزر أصله في اللغة مأخوذ من الشيء التي تآزر إليه مثل إيش مثل الوزارة أصلها في اللغة إنما سمى وزير لان الناس يزأرون إليه في حاجاتهم و أمورهم و يذهبون إليه لقضاء الحاجات.
و كذلك الجبل العظيم يسمى مئزر لان الناس يزرون إليه يذهبون إليه يلتجئون إليه و يحتمون به ,فإذا سئل الناس أين المفر ؟جاء الكلام من الله عز و جل (كلا لا وزر )كلا لا مفر و لا وزر في هذا الموقف العظيم و لذا أيها المؤمن من تأمل هذه الآيات و تأمل ما فيها عاش حياة أخرى حياة الآخرة و هي تختلف عن الحياة التي نعيشها لأنه لا مفر لا ملجأ لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر.
و كذا لو تأملت مثلا أيها المؤمن و أريدك أن تتأمل بس بفهم و إدراك آخر سورة النازعات (فإذا جاءت الطامة الكبرى )تأمل أيضا آخر سورة عبس (فإذا جاءت الضاخة )و هكذا من الآيات العظيمة التي تحيي القلب فابدأ أيها المبارك بها و ما شابهها سواء هذه أو ما كان في معناها .
اسأل الله عز و جل لي و لكم علما نافعا و عملا صالحا و قلبا خاشعا و إيمانا كاملا و لسانا ذاكرا و عينا من خشيته دامعة.

اللهم ونسألك لما جميعًا ولوالدينا وذرياتنا وإخواننا وأصحابنا جنة الفردوس يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم أصلحنا وأصلح بنا يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
وصلى الله على نبينا محمد



توقيع أم الشهداء
إلى الذين يظنون أن هذه الأمة تموت قهرًا ..
نقول لهم : إنكم واهمون
فإن أرحام المؤمنات ..
لم تعقم
!!
أم الشهداء غير متواجد حالياً