الموضوع
:
البَوَارِقُ المَرْعِيَّةُ المَرْئِيَّةُ في العُمْرَةِ المَرْضِيَّة ومن
عرض مشاركة واحدة
18-11-08, 10:55 AM
#
2
مروة عاشور
|نتعلم لنعمل|
تاريخ التسجيل: 28-08-2007
المشاركات: 6,556
:
icon57:
البارقة الثامنة:
إذا رقيت الصفا فتذكر رقي الرسول صلى الله عليه وسلم وقل: نبدأ بما بدأ الله به، مستحضرا الالتزام التام بما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستحضر رقي هاجر وسعيها بين الصفا والمروة وسعيها في البحث عن الماء لابنها إسماعيل عليه السلام، وأثناء طوافك بين الصفا والمروة تذكر أن سعيك بين الجبلين شبيه بسعي الإنسان في أمري الدنيا والآخرة، أو أنه شبيه بترداده بين الجنة التي أخرج منها والتي يرغب أن يعود إليها، فالموفق للجنة من أتم سعيه على التمام فبدأ بالصفا وانتهى إلى المرة في سبعة أشواط كأنها مراحل عمره، ما بين رضاع في المهد وطفولة في متقلبة بين حر وبرد وفتوة في جهالة وعِند وشباب في جهد وكهولة في سُهد وشيخوخة في سرد وجرد وجيفة في لحد، ثم إلى جنة أو إلى نار، ونسأل الله حسن الختام وجمال المآل.
البارقة التاسعة:
عند الحلق أو التقصير استحضر الذلة والانكسار بين يدي الله، وياله من موقف لو كان لصاحبه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أعني موقف الحلق والتقصير، إن بكل شعرة تخرج لابد أن تعقد لله عهدا وولاء بالعبودية والانقياد، وأنك طأطأت الرأس لتحلق شعرك معلنا أنك راض بفعل كل شيء يرضي المليك، وأنك أسلمت الناصية لمن بيده أمرها، والله الموفق والمعين.
البارقة العاشرة:
فإذا أفضت محرما بالحج في يوم التروية فاستحضر معنى الاستزادة بالماء لسفر الآخرة، فقد كان العرب يملئون مزاداتهم في ذلك اليوم ويرتون ليوم عرفات إذ لم يكن فيها يومئذ ماء، فاعترف بعطشك لزاد التقوى، وحاجتك لري الإيمان، وأنك ساع في رحلة طويلة وسفر مديد، وزادك لا شك قليل فادخر ليوم العطش في مزادة إيمانك ما استطعت من ماء التقوى ذلك خير.
فإن أفضت إلى عرفات فاستحضر يوم العرفان الأكبر، وهو يوم القيامة حيث يعرف الناس وجوه بعض ولكن لا يملك بعضهم لبعض نفعا ولا ضرا، ذلك اليوم الذي:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[سورة عبس: 34-37].
ووقوفك في عرفات امتثال لنسك النبي صلى الله عليه وسلم ولنسك إبراهيم الخليل، فتشعر وأنت تؤدي المناسك أنك مديد الصلة بجذور التاريخ، وأنك لست مقطوع النسب في مشاعرك وعبادتك، فأداؤك للنسك الحنيفي الإبراهيمي ثم الإسلامي المحمدي إعلان بأن المسلمين هم أولى الناس بإبراهيم، ونحن أحق بميراث النبوة العظمى، التي حازها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، ثم حازها المؤمنون به من دون سائر المؤمنين بالأنبياء الآخرين.
وفي موقف عرفات يجب أن تستحضر التجلي الإلهي، وافتخار الله بعباده الذين أتوه شعثا غبرا، ومباهاته تعالى بهم أمام الملائكة، فاحرص أن تكون على الهيئة المذكورة في الحديث، وقلل من الترفه في هذا اليوم الأغر، والهج بالذكر والتمجيد والتعظيم والتكبير حتى تستأهل أن تكون ممن يفتخر بهم الله، وأن تكون من الذين يشهد الله ملائكته أنه غفر لهم.
ويا لها من لحظات عامرة تلك التي يرى فيها الإنسان جحافل البشر كل يلهج بدعائه على اختلاف حاجاتهم وتباين لغاتهم ولهجاتهم، فيالها من عظمة ربانية أن يسمع الله كل هذه الأصوات ويلبي كل الدعوات، ومن تأمل في هذا الجمع حق التأمل حصل له اليقين في ربوبية الله تعالى وقيوميته، وعاين اضطرار الخلق إليه وحاجتهم لمعونته ومدده.
فإذا جاء وقت الإفاضة من عرفات فاستحضر ساعة الفراق بعد وقت التعريف، وأن هذا الفراق لا تدري هل سيكون إلى لقاء جديد أم إلى فراق أبدي وتيه سرمدي، وتعمق في فهم مقصود الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، وأنها مراحل في أداء المشاعر قريبة من مراحل خطوك إلى الله تعالى، ففي يوم التروية تزودت من زاد الإيمان والتقوى، وفي عرفات تعرفت على الله وعظمته، وفي مزدلفة سيحصل لك القرب والدنو من الحضرة القدسية، وفي منى ستنال المنى إن شاء الله تعالى وتمجد وتقدس.
وأهدي إليك أخي الحبيب ما قاله الفضيل بن عياض وهو يفيض من عرفات، فقد رووا أنه في يوم عرفة ظل ساكتا واجما لا يتكلم، فما دنا وقت الإفاضة من عرفات وهرع الناس إلى رواحلهم يعدونها، ومضوا، صاح الفضيل: "واسَوْءَتَاهُ وَإِنْ عَفَوْت". فاجعلها الكلمة التي تسار بها ربك، وتدلي إليه بعظيم خجلك وحيائك منه ومن كثرة ذنوبك وإن عفى وصفح.
والبصير بعيب نفسه والمعترف بذنبه وتقصيره مقر لا محالة بالخوف من الرد والإعراض، أو مستحي ولا بد من قبح ما قارفت جوارحه وعملت أركانه.
فإذا وصلت إلى مزدلفة فاستحضر في هذا المنزل القصير قصير عمرك في الدنيا، وقصر أملك في البقاء فيها، واجعل رحلتك للآخرة شبيها بمنزلك في مزدلفة وبيتوتك في هذا المنزل شبيه ببيتوتة الجاد في سيره، وهذا حال الدنيا كما مثلها النبي صلى الله عليه وسلم أنها كشجرة قال في ظلها مسافر ثم راح وتركها.
فإذا جئت المشعر الحرام فقدس هذا المكان الذي عظمه الله، واجتهد فيه من أصناف العبادة وخاصة التكبير والضراعة، حتى تسفر، وعند الإسفار لا بد أن يكون قد أسفر في قلبك نور التوبة والإيمان بعد ظلمة المعصية كما أسفر نور الشمس على الأرض بعد ظلام الليل.
فإذا أفضت من مزدلفة إلى منى فاعلم أنك على مقربة من تحصيل أمانيك والفوز بما يفرحك ويرضيك، فحسن ظنك بالله واجتهد في الضراعة والوسيلة، ومنِّ القلب بالفوز الربيح والعمل النجيح.
فإذا وصلت إلى منى وهممت برمي الجمار فاستحضر أنك ترمي مع الجمار خصال شرك، وبقايا كدرك، معلنا طهارة بدنك وقلبك، وبراءتك من الشيطان وحزبه وعمله ووسواسه وهمزه ونفخه ونفثه.
وعند الحلق أو التقصير استحضر ما ذكرناه لك عند حلق العمرة.
وعند ذبح هديك أخلص قصد قلبك وتوجهك بهذا الذبح إلى خالق النَّعم وباريها، وأن دماءها ولحومها ليست مقصودة لله، بل ما في قلبك من الصدق والإخلاص والتجرد.
أما بيتوتك في منى مع رمي الجمار فيها فاستحضر فيها انتظارك على باب الفرج وحصولك على خبر الفوز والقبول، ورميك للجمار في كل يوم من أيام منى بمثابة إصرارك على هجر الرجز وإقصاء الفجور من نظام عيشك ورمي أركان الهوى في جوانحك بجمرات العزم والهمة العالية.
البارقة الحادية عشرة:
في طواف الوداع، وما أدراك ما طواف الوداع، اشحن كل قواك لتوديع بيت الله، فإنها لحظة الحسم والحزم، وبها تعرف أمارات القبول، حيث تبدو لك بوجه من الوجوه، وستعرفها في حينها، فأجهد قلبك أيها الحبيب في تنسم عبير الأنس، وتلمس بوارق الأمل والقبول بين تلك البقاع، فقد تبدو في فتوح من المعارف واسعة، أو دمعات وعبرات غزيرة متوالية، أو في نداء تسمعه من ورائك يلقيه بشر، ولكن الموفِّق في خروجِ الكلامِ رَبُّهُ فَافْهَمْ، وقد تجد ذلك في أمارات أخرى: فكن على وجل وادأب إلى أجل واعزل عن الله سوء الظن والتهم.
البارقة الثانية عشرة:
جاهد النفس في عدم الاهتمام بأي شيء غير ما توجهت إليه، واترك ما لا يعنيك، فأدم الذكر تغنم، ولا تَشْكُ مِنْ أيِّ شيء، من بُطْأ راحلة أو قلة طعام، أو ازدحام الناس أو قلة أدب الحجيج أو أي شيء من هذا القبيل، واجتهد في المحاسبة للنفس، وأرجى ما يستعمل في هذه الآونة: ورد المحاسبة، وأنت وطاقتك، وهناك طريقة كان يفعلها بعض السلف حيث كان له كيس أو إناء، وكان اليوم الذي يصفو له من ذنب أو رياء أو لغو أو نقص يضع في الكيس حبة. فكان يرغب من وراء ذلك أن يُرِيَ نفسَه أنَّ أيام الدنيا التي تصفو لنا في العمل والطاعة قليلة لا يمكن أن نلقى الله تعالى بها.
فهب أن أيام سفرك خمسة عشر يوما فجهز لنفسك خمس عشرة نواة، فما صفا لك من يوم فاصحب له نواة وضعها في كيس أو إناء، وما قارفت فيه ممن ذنب أو نقص أو أي شيء لا تطيب نفسك له في هذا الزمان والمكان حتى ولو كان نية وقصدا فنح نواة هذا اليوم واعلم أنك قد ضيعته، فاستأنف العمل والاجتهاد والاستغفار لعل الله أن يتدارك.
وألزم قلبك خوف عدم القبول، وإذا رجعت الديار، فاجهد أخي ألا تتحدث كثيرا عن نسكك الذي أديت واستحضر قول الله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[سورة الأنعام: 162]، وحاسب نفسك حسابا عسيرا على ما أتيت فيها.
فإذا حططت رحالك في الديار ولاقيت الأهل والأحباب والأصدقاء والأصحاب فلا تطفيء شعلة الشوق إلى بيت الله تعالى، وألزم فؤاد هوى تلك البقاع، حتى تدخل فيمن دعا إبراهيم لك حين قال:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}[سورة إبراهيم: 37].
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
توقيع
مروة عاشور
إذا انحدرت في مستنقع التنازلات في دينك
فلا تتهجم على الثابتين بأنهم متشددون . .
بل أبصر موضع قدميك
لتعرف أنك تخوض في الوحل
مروة عاشور
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها مروة عاشور