تفريغ الدرس الحادي عشر: تابع الحديث عن تفسير السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وأنَّا معهم برحمتك يا رب العالمين.
كنا تكلمنا سابقاً عن تفسير الإمام السعدي رحمه الله رحمة واسعة تفسير الكريم المنان، وهذا التفسير ذكرنا لكم شيئاً من مميزاته وستدركون كثيراً من هذه المميزات وهذه الميزات إذا كنتم معنا في كلامه رحمه الله في تفسيره هذه السورة قد أخذنا المقطع الأول من كلامه على تفسير أوائل سورة المطففين، والآن نواصل بإذن الله جلا وعلا قراءة كلامه في تفسير أواسط هذه السورة، ثم بعد ذلك في تفسير أواخرها بإذن الله جلّ وعلا.
قرأ أحد الطلبة :
( قال نسأل الله التوفيق لكل خير، ثم توعد تعالى المطففين وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه فقال ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[المطففين:4-6].
فالذين جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به وعرفوا أنهم سيقومون بين يدي الله سيحاسبهم على القليل والكثير لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه).
أكمل الشيخ :
انظر إلى لطيف كلامه رحمه الله، لما الناس تطفف في المكاييل، لما تظلم؟ لما تبخس الناس حقوقها؟ لما يكون من الإنسان أنواع من الظلم؟ بل قد يوقع الظلم على أقرب الناس له يوقع الظلم على أناس لم يؤذوه يوماً من الدهر أبداً يوقع الظلم على أناس هم قد أحسنوا إليه دهراً طويلاً من عمره، ثم بعد ذلك يظلم ويطفف سواء كان هذا التطفيف في المكاييل في الموازين في الكلام في الظلم في غير ذلك من أموره مع الناس بل في أموره مع نفسه؟ بل أيضا كذلك في أموره مع خاصته وأهله وأحبابه وأصحابه لما يقع هذا من كثير من الناس؟ ما السبب ؟ ما السر ؟ لما لا يعدل في معاملاته مع نفسه، في معاملاته مع من حوله، في معاملاته مع ربه جلّ جل في علاه لما لا يعدل؟ هو سبب واحد، هو سر واحد هى علة واحدة بينها الله سبحانه وتعالى وأشار إليها هذا الإمام في هذا التفسير ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾ هذا هو السبب، من ظن أي من اعتقد اعتقاداً جازماً والظن في القرآن كما تعلمون على نوعين: الظن يأتي بمعنى اليقين وهذا ورد كثيرٌ في كتاب الله عزّ وجلّ بل أكثر كلمات الظن في كتاب الله سبحانه وتعالى جاءت في هذا المعني، ويأتي بمعني غلبة الظن أو الوهم ونحو ذلك، فالظن يأتي على هذين النوعين في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالآن هنا يقول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ أي ألا يعتقد اعتقاداً جازماً أو ألا يعتقد اعتقاداً غالباًَ أنهم سيبعثون؟! الإنسان الذي يعتقد اعتقاداً جازماً أنه سيبعث أو أيضاً يغلب على ظنه أنه سيبعث هل سيفعل هذا الفعل القبيح هذا الفعل السيئ سيطفف في المكاييل والموازين سيظلم الناس سيبخس الناس حقوقهم؟ لا. لن يفعل ذلك أبداً؛ لأنه إن فعله سينظر ما ينتظره عند الله عزّ وجلّ من الحساب والعذاب.
ولذا إن فعله فإنه يعود مباشرة إلى الله عزّ وجلّ يعود تائبا آيبا خائفا راجياً ويستغفر ربه سبحانه وتعالى ويتوب إليه، أما إذا لم يعتقد بوجود اليوم الأخر أو لم يغلب على ظنه غلبة سيطرت على هذا القلب بمعني أنها حركته إلى الخوف مما ينتظر في ذلك الموقف العظيم؛ عندئذ سيبخس الناس في حقوقهم، وأنت ترى في حال الناس كثيراًَ من يبخس كثيراً من يظلم كثيراً من يطفف، ما سر ذلك، ما سببه؟ سببه شيء واحد هو أنه لم يعتقد اعتقاداً جازماً يقينا كاملاً تاماًَ بأنه سيبعث في اليوم الأخر، إذ لو استقر هذا الاعتقاد في القلب واستقرهذا الإيمان في الفؤاد سيطر على جوارحه جميعاً فما تجد جارحة من جوارحه تظلم ولا تبخس ولا تطفف ولا غير ذلك، وإن وقع منه تاب وعاد وأناب وأعاد إلى الناس حقوقهم، هذا شيء من إشارة هذا الإمام في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ فمن وقع في شيء من التطفيف فليعلم أن في إيمانه بالله عزّ وجلّ وفى إيمانه بالبعث والنشور وفى إيمانه بالحشر بعد الموت في إيمانه خلل وفى إيمانه نقص وفى إيمانه ضعف، إذ لو كان الإيمان صحيحاً ولو كان الإيمان قوياً ولو كان اليقين تاماً كاملاً لما وقع في هذا الفعل وإن وقع عاد سريعاً، نكمل بقية الآيات.
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾[المطففين:13-17].
أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، إذا استمع المؤمن هذه الآيات سيأتي إلى خاطره معاني عدة لأن الآيات تنزلت بلسان عربي ظاهر، بلسان عربي مبين فعندما يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ: ﴿ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ سيفهم، يعني سيفهم فهماً عاماً معني هذه الآية، ثم يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ سيفهم فهماً عاماً أيضاً، ولكن هذا الفهم العام انظر كيف سيكون؟ وكيف سيتسع؟ وكيف سينجلي بدون حجب؟ إذا استمعت إلى كلام هذا الإمام في تفسيره لهذه الآية .
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره ( لأن الله تعالى قد أقام عليه من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار ببصائره بمنزلة الشمس للأبصار بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق ولهذا جُزي على ذلك بأن حُجب عن الله كما حجب قبله عن آيات الله ثم إنهم مع هذه العقوبة البليغة لصالوا الجحيم ثم يقال لهم توبيخاً وتقريعاً هذا الذي كنتم به تكذبون فذكر لهم ثلاث أنواع من العذاب عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجاب عن رب العالمين ).
أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، انظر إلى كلام هذا الإمام وهو يفسر هذه الآيات يقول لك في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ يقول لك إن الله أقام من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار، صار لبصائرهم أي لنور قلوبهم مثل الشمس للأبصار، الشمس الآن إذا غابت ولم يكن هناك نور هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ لا يمكن كذلك بالنسبة لنور البصيرة لا يمكن أن يرى القلب ببصيرته حتى يكون القرآن دليله وهو هاديه النور الذي يكشف الظلمات من أمامه، ثم قال رحمه الله: بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق. الآن الإنسان إذا أكثر من المعاصي يعني أضرب لك أمثلة إنسان يخرج في صباحه في أول النهار فيمشي في الشارع فيرى امرأة متبرجة سافرة فينظر إليها ويتأمل فيها هذه معصية أليس كذلك؟ وهو يمشي رأى رجلاً كسيراً كسيحاً فقيراً قد تكون ملابسه متسخة قد تكون هيئته ليست بذاك قد تكون حالته حال البائس الفقير الضعيف الذي اعترضته الدنيا من كل جهة وأثرت فيه وجعلته لينظر إليه يشعر بالشفقة عليه فيرمي كلمة من الاستهزاء وشيئاً من السخرية يسمعها ذاك أو لا يسمعها فتأتي أيضاً معصية أخرى، يمشي فيتكلم مع صديق له مع زميل فيذكرون زميل لهم آخر أو يذكرون رجلاً آخر غريباً عنهم أو يذكرون كذا وكذا من الناس فيتكلمون عن فلان فجاءت معصية ثالثة، يركب مع إنسان فيتعرض لشيء من المضايقة في الطريق سيارة تعرضت له ضايقته في شيء فيأخذ يسب يشتم يلعن بلسانه وهكذا، يرجع إلى بيته وهو متعب من عمله من دراسته فإذا دخل البيت ووجد أخيه الصغير وجد أخته الصغيرة وجد كذا وكذا فعندئذ يأخذ يتعامل معهم بشيء من العنت شيء من الظلم فيضرب يتكلم في هذا يأخذ حق هذا، يقابله والده يريد منه خدمة وكذا فيرفض يأبى يتعنت يخرج كلمات أف وغير ذلك من الكلمات التي هي أعظم من أف، والدته تطلب منه أمراً فتقول والله يا فلان نقص علينا في الغداء كذا نقص علينا في العشاء كذا أتمنى أنك تذهب وتحضرها حتى لا يأتي والدك ويكون الغداء غير جاهز فيرمي كلمة على أمه يرفض أن يذهب أنا متعب يخلد إلى الراحة وغير ذلك من الأمور فما ينتهي اليوم إلا وقد جمع أنواعاً من المعاصي، وأعظم من ذلك كله أن يقع في قلبه شيء من محبة لا تليق إلا بالله عزّ وجلّ فيحب مثلاً فناناً من الفنانين أو يحب مغنية من المغنيات أو فاسقا من الفساق أو فاجرة من هؤلاء الفاجرات أو كافراًَ من الكفار فيقع في قلبه محبة عظيمة لهذا، أو كذلك يقع في قلبه توكل على غير الله عزّ وجلّ، خوف لا يليق إلا بالله سبحانه، رغبة لا تنبغي إلا إليه جلّ في علاه، أو يقع في لفظة محرمة شرك يحلف بغير الله عزّ وجلّ، أو يدعو غير الله سبحانه وتعالى، أو يتقرب إلى جن أو ساحر أو شيطان ومن هذا القبيل يريد يحصل على فلانة من الناس تقبل به زوجاً أو أن ترغبه ويكون بينه وبينها محبة، فيذهب إلى ساحر إلى مشعوذ وغير ذلك من الأمور، تتم هذه الأمور على قلب هذا الإنسان فتكون عليه طبقات من الظلمات يكون في حصن حصين لكن ليس حصناً من الله وإنما حصناً بناه الشيطان ورده عن نور هذا القرآن فعندئذ هذا الوضع هو الذي يجعل الإنسان ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ فجاء العقاب من الله عزّ وجلّ الآن هذه الحجب وهذه الحصون المظلمة وهذه الأغطية على القلب من الذي جعلها على قلبه؟ هو الإنسان بفعله بظلمه لنفسه فكان الجزاء من جنس العمل فقال الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ فلما حجبوا هم قلوبهم عن نور الله عزّ وجلّ بمعاصيهم وما اقترفوه من الكبائر والذنوب حجب الله عزّ وجلّ وجهه الجليل عنهم يوم القيامة فلا يرونه فكان الجزاء من جنس العمل.
هذا ذكره هذا الإمام في أوجز عبارة وأوقف إشارة رحمه الله رحمة واسعة فقال هنا: ولهذا جُزي على ذلك بأن حجب عن الله كما حجب قلبه عن آيات الله لما حجب قلبه بهذه الذنوب بهذا الران حَجَبَه الله عزّ وجلّ عنه سبحانه وتعالى من أن يراه، فانظر إلى لطيف عبارته رحمه الله ولكنها تحتاج أن تقرأها وأن تتأمل في كلامه البديع في كلامه الجميل في كلامه الرائع الذي يحي الله عزّ وجلّ به القلوب، ثم بيّن لك أمراً آخر لطيف أيضاًَ: فالله عزّ وجلّ لما ذكر حال هؤلاء المكذبين ذكر أنواعاً من العذاب وهذه الأنواع هي ثلاثة بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات:
الأول من أنواع العذاب لهؤلاء المكذبين هو عذاب الجحيم فالله سبحانه وتعالى بعذاب الجحيم فقال سبحانه وتعالى ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴾ فذكر أنهم سيجزون بسبب هذه الأعمال الفاسدة سيجزون الجحيم وسيصلون بها هذا هو الجزاء الأول.
الجزاء الثاني هو أنهم سيوبخون وسيأتيهم التقريع واللوم من الله عزّ وجلّ وهذا يزيدهم عذابا فوق العذاب، فقال الله عزّ وجلّ هنا: ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ ثم يقال أي يقال لهؤلاء المكذبين ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ كنتم تكذبون بالبعث، تكذبون بالحشر، تكذبون بيوم القيامة، تكذبون بالجنة، تكذبون بالنار، سواء كان هذا التكذيب باللسان بأن يقول أنا أكذب، أو كان هذا التكذيب تكذيب بالفعل أن يقول الإنسان أنا أصدق وأنا أؤمن بها جميعاً، ولكنه في حقيقة الأمر من يتأمل فعله ويتأمل حاله ويتأمل واقعه ويتأمل أفعاله مع ربه وأفعاله مع نفسه وأفعاله مع الناس فإنه عندئذ يعلم أنه من المكذبين بيوم الدين وإن زعم ما زعم فيكون حاله كحال المنافقين، فالله عزّ وجلّ هنا يقول وهو يبين النوع الثاني من أنواع العذاب لهؤلاء ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ هذا هو العذاب الثاني التوبيخ واللوم وما أشده في ذلك الموقف العظيم وما أشد وقعه على الإنسان في ذلك الموقف الكبير الجليل.
ثم ذكر النوع الثالث من أنواع العذاب فقال: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ وهو أن يحجبوا عن رؤية وجه الله سبحانه وتعالى الذي رؤيته هي أعظم ما ينعم الله به سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين، وأعظم ما يعاقب به الكافر أنه يحجب عن النظر إلى وجه ربه الجميل، الله عزّ وجلّ هو خالق الجمال، وهو سبحانه وتعالى الذي أودع كل جمال في هذا الكون هو الذي خلقه، فكل جمال فإنما هو أثر من صفة الجميل له سبحانه وتعالى كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة، كل جمال في الكون إنما هو أثر من آثار صفة الجمال له سبحانه وتعالى، وقد صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن الله متصف بهذه الصفة فقال ( إن الله جميل يجب الجمال ) والله له الجمال المطلق، وافهم معي الجمال المطلق أنت ترى الآن في هذه الحياة مناظر جميلة تبهر ناظريك لا تستطيع أن تبعد عينيك عنها من شدة جمال المنظر ترى مخلوقًا جميل جداً، ترى منظراً بهياً لطيفاً، ترى شيئاً يسرك عند النظر إليه، هذا المنظر أيها المؤمن أيها المبارك إنما هو أثر يسيرٌ جدا من أثر صفة الله الجميل سبحانه وتعالى، فعندما تنظر إلى ذي الجمال المطلق جلَ في علاه يوم القيامة كيف سيكون حالك ؟! وكيف ستسر بهذا النظر العظيم وجه الجميل الجليل سبحانه وتعالى؟! أولئك يعلمون أن أهل الإيمان نظروا إلى وجهه فتأكلهم الحسرات وتفعل بهم الزفرات وأنواع الندم ما يفعل أشد ما يكون نوع من العذاب أشد ما يفعل العذاب يفعل بهم هذا النوع من العذاب يفعل بهم أشد النكال؛ لأنهم حجبوا عن ربهم سبحانه وتعالى ولذا ذكر هذا النوع هنا فقال ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ ﴾ متي ؟ ﴿ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ .
أيها الأخوة فاصل قصير ثم نواصل مع تفسير هذا الإمام العظيم.
- فاصل تلفزيوني -
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياكم الله مرة أخرى، ونعود أيضاً مع تفسير هذا الإمام في سورة المطففين، ونقرأ المقطع الأخير من هذه السورة العظيمة الجليلة الكبيرة فيما ذكرته من المعاني والعظات والعبر، ثم نقرأ بعد ذلك تفسير الإمام السعدي في بيانه لهذه الآيات .
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾[المطففين:22-28].
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، أقرأ يا أخى.
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره: ( عيناً ﴿ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ صرفاً وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة )
أكمل الشيخ :
نعم، هذه كلامه رحمه الله في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ الله عزّ وجلّ تكلم في أوائل الآيات عن جزاء الأبرار ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ إن الأبرار لفي نعيم فتكلم عن جزاء الأبرار، وذكر ما للأبرار من النعيم وهذا النعيم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للأبرار قد بينه في آيات كثيرة وذكر منه شيئاً ليس باليسير سواء في سورة الرحمن أو في سورة الواقعة أو في غير ذلك من السور الكثيرة، ولكن هنا نبه على نوع خاص من النعيم لأناس موصوفين بصفة خاصة، هؤلاء الناس لهم وصف ولهم أيضا نعيم مقابل لهذا الوصف وفائدة معرفة هذا الوصف ومعرفة المتصفين به أن تعلو همة الإنسان وأن ترقى به إلى أن يكون من أهل هذا النعيم فإن الأمر ليس بالعسير أبداً إنما هي يا أخي المبارك إنما هي أيام خوالي تبذل فيها ما تستطيع من عبادة ربك ومن التقرب إليه سبحانه وتعالى من أنواع من العبادات سواء كانت هذه العبادة بالعلم سواء كانت بالدعوة سواء كانت بالعبادة سواء كانت بأي أمر من الأمور ببرك لوالديك بصلتك لأرحامك بعطفك على المسكين والفقير واليتيم والمحتاج ونحو ذلك أنواع من العبادات كثيرة ترقى بها إلى هذه الدرجة. فيقول الله عزّ وجلّ بعد أن ذكر جزاء الأبرار أشار إلى جزاء المقربين أهل الدرجات العالية في الجنات فقال هنا ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ مزاج ماذا؟ مزاج شراب أهل جنة الأبرار ليس المقربين، الأبرار يسقون من رحيق مختوم أليس كذلك ؟ ختامه مسك ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ فشرابهم من رحيق .
والرحيق هو ماذا ؟ هو أي شراب له رائحة طيبة، كل ما كان له رائحة طيبة زكية جميلة فإنه يطلق عليه في لغة العرب رحيق، له رائحة جميلة طيبة فيشربون من هذا الرحيق .
وهذا الرحيق مختوم: مختوم بماذا ؟ قال ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ أي أنه في آخره من عادة الأشربة التي يشربها الناس في هذه الحياة الدنيا خصوصاً إذا كان هذا الشراب مسكر وهو ما يسمى بالخمر في هذه الحياة الدنيا، هذا الخمر في غالبه أن آخره يكون قذراً ولذلك تجد في الآنية التي تنبذ فيها هذه الخمور تجد أن في خلاصتها تكون رائحتها منتنة عفنة لا تكاد الناس تقبلها مطلقاً بل لا يكاد الإنسان أن يأخذ منها ولو شمة واحدة من سوئها ونتن رائحتها؛ فبالنسبة لخمر الجنة وشراب أهل الجنة الأمر يختلف معكوس تماماً فإنه يشرب من رحيق مختوم: يشرب شراباً رائحته طيبة جميلة زكية جداً وهو عندما يشرب في نهاية هذا الأمر يكون ختام هذا الشراب مسك في آخره يعني تزداد رائحته جمالاً وحسناً وطيباًَ عندما يكون في آخره.
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ يتسابق المتسابقون هؤلاء الذين يريدون الجنان ليهرعوا ليتسابقوا ليجروا في ذهابهم وتسارعهم إلى جنات الله عزّ وجلّ فلما حصلت المنافسة ذكر الله عزّ وجلّ بعد ذلك حال المقربين لعله أن يكون من يستمع إلى هذه الآيات في قلبه همة فيرقى سريعاً ويجري إلى الله عزّ وجلّ ويحاول أن يكون من هؤلاء المقربين فيسبق الأبرار في سيره إلى الله عزّ وجلّ: ما جزاؤهم يا رب؟ سأبذل زيادة من العبادة فأكون باذلاً لوقتي، لمهجتي ،لأموالي، بل لأولادي في سبيلك ، يا ربنا ما جزائي؟ ما الذي لي ؟ فوق كل ما لأولئك أخبرك هنا سبحانه وتعالى فقال: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ أي أن شراب الأبرار يمزج بتسنيم.
تسنيم هذه عين منبعها من أعلى الجنان من الفردوس الأعلى في الجنة فهي عين من أزكى عيون جنات الله سبحانه وتعالى فهي عين عظيمة جليلة ليست من حظ الأبرار أبدا وإنما من حظ الأبرار فقط أنه يمزج لهم من شدة علو درجة هذه العين التي في أعلى جنان الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة من شدة عظمتها ورفعة قدرها عند الله سبحانه وتعالى أنه لم يعطها حتى للأبرار حتى الأبرار ما يشربون منها صرفاً أبداً وإنما يمزج لهم مزجاً من هذه العين العظيمة، إذاً يا رب من الذي يشربها؟ صرفاً هكذا من دون مزج؟
أولئك يشربون من شراب طيب له رائحة زكية وطيبة ومختومة بالمسك، والختم أيضاً يكون في الأعلى كما يكون في الأسفل فآنيتهم تأتيهم مختومة من الأعلى فمختومة ومغطى من الأعلى كما تأتيك الأشربة في هذه الدنيا إذا كانت خاصة بك، لك أنت ليست لأحد من الناس ونحو ذلك تأتيك مغلفة لكنها تغلفتها أيضاً من المسك ما تغلفت ببلاستيك ولا بأنواع من الأغلفة الموجودة المعدن ونحو ذلك أو الأغلفة القديمة بالطين ونحو ذلك من الأغلفة والشمع وإنما تغلف من الأعلى بالمسك، فإذا فتحتها وكشفتها من الأعلى فإن هذا الغطاء من مسك من رائحة طيبة فتشرب من أعلاه فإذا هو طيب كرائحة المسك ثم إذا انتهيت فإذا هو أيضاً برائحة المسك فهو طيب من هنا وهناك، ولكن الأبرار ليسوا كالمقربين أبداً هؤلاء لهم جزاء وأولئك لهم جزاء ،فمِنَ الجزاء الذي فرق الله عزّ وجلّ بين الأبرار وبين المقربين :هذا الشراب الذي ذكره سبحانه وتعالى ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ يمزج للأبرار من هذه العين التي تسمى تسنيم ثم قال عينا أي تسنيم ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ أي يشربون منها شرباً صافياً صرفاً لا كدر معه ولا مزج فيه بل هم يشربون من هذه العين كما هي من دون أن يمزج لهم من غيرها شيء أبدا وهذا لأنهم ماذا؟ في الدنيا أخلصوا العمل لله تعالى فلم يخلطوا وانظر إلى هذا الميزان الدقيق من الله سبحانه وتعالى إنسان في هذه الحياة الدنيا يطيع الله سبحانه وتعالى ولكنه يمزج هذه الطاعة بأنواع من التقصير يمزج هذه الطاعة بأنواع من المعاصي اليسيرة حيناً يمزج هذه الطاعة بأنواع من الكسل قد تفوته الصلاة قد تفوته تكبيرة الإحرام مرات قد ينشغل في المباحات زمناً من عمره فيشغل نفسه بأنواع من المباحات ونحو ذلك، هذا عَمِل صالحاً ولكنه خلط هذا بذاك خلط هذا الصالح بشيء من المباح الكثير خلط هذا الصالح بشيء من أنواع المعاصي اليسيرة الصغيرة ونحو ذلك خلط بين هذا وذاك فكان جزاؤه في يوم القيامة وإن دخل الجنان إلا أنه يمزج له من تسنيم لأن الأعمال الخالصة لله عزّ وجلّ لم تكن كاملة تامة وإنما خلطها شيء آخر فمُزج له هذا بذاك أما بالنسبة للمقرب لما صفى في عمله وأقبل على الله عزّ وجلّ بكل حاله ولم يخلط سيره إلى الله سبحانه وتعالى وتقربه إليه بأنواع الطاعات لم يخلطها بأنواع من التقصير وإنما كان في أغلب حاله قوياً سائراً سيراً شديداً إلى ربه سبحانه وتعالى لا تجده تارة ينشغل بكثير من المباحات وإنما في أحيان يسيرة جداً بل مع نيته تكون من الأعمال الصالحة لا تجده يخلط هذه الطاعات بأنواع من المعاصي لا تجده يفوت الصلوات لا تجده لا يخشع حين يقبل على ربه في صلاته لا تجده يفرط في ما وجب عليه من الزكاة لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الصيام لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الحج ونحو ذلك من أركان هذا الإسلام هذا الدين العظيم ونحو ذلك إنما تجده مقبلاً على الله سبحانه وتعالى إذا أخذ أمراًَ من الله أخذه بقوة وإذا جاءه نهي من الله أيضاً اجتنبه بقوة ابتعد عنه وتركه لايخلط هذا بذاك فكان جزاؤه أن شرب صرفاً من تسنيم لأنه أيضاً كانت أعماله صرفه خالصة كلها طاعة لله سبحانه وتعالى فكان هذا وذاك عبارة عن جزاء من جنس العمل الجزاء من جنس العمل وقاعدة الجزاء من جنس العمل من القواعد الكبار التي دلَّ عليها كتاب الله عزّ وجلّ ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلَّ عليها الأئمة كثيراً في كتبهم تكلم الإمام السعدي رحمه الله كثيراً في كتبه في كلامه عن مسائل أصول الفقه وعن القواعد الفقهية وتكلم عنها قبله أيضاً كذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله وابن القيم وتكلم عنها قبل هؤلاء أيضاً كذلك الإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهم كثير تكلموا عن هذه القاعدة ودلُّوا عليها من كتاب الله سبحانه وتعالى وهذا كثير جدا.
فالجزاء من جنس العمل :لأن هذا هو العدل والفضل زيادة من الله سبحانه وتعالى وقد عبر عن ذلك ابن القيم رحمه الله في نونيته بعبارة جميلة رائقة عبر عن هذا المعني فقال رحمه الله :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه ***الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
شراب الأبرار يتكلم الآن عن شراب الأبرار فيقول :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه*** الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
صفاً مقرب سعيه فصفى له ***ذاك الشراب فتلك تصفيتان
لكن أصحاب اليمين فأهل مزج ***بالمباح وليس بالعصيان
مزج الشراب لهم كما مزجوا ***هم الأعمال ذاك المزج بالميزان
لما صفَّى المقرب شرب من تسنيم ومن سلسبيل شراباًَ صافيا ،
ولما خَلِط هذا المؤمن بعض أعماله بشيء من الكدر عندئذ تغير الأمر عليه قليلا وقل النعيم بقدر ما خلط على نفسه في هذه الحياة الدنيا .
---ولذا أريدك أن تنتبه إلى قضية في هذه الآيات العظيمة أريدك أن تنتبه إلى المسألة أن بمقدار خلطك الأعمال الصالحة بغيرها من الأعمال المباحة أو ما هو أسوأ من ذلك ما فيه معصية لله عزّ وجلّ بقدر ما سيخلط لك شراب تسنيم من الشراب الأخر، يعني بعض الناس قد يكون يعمل صالحاً كثيراً ولكنه يخلط بشيء يسير من المباحات أو بشيء يسير أيضاً من المعاصي من صغائر المعاصي التي تكفرها الصلوات والصيام ونحو ذلك هذا الخلط اليسير إذا كتب الله عزّ وجلّ أنه دخل الجنة وكان من الأبرار هل سيكون شراب هذا في مزجه بتسنيم كشراب إنسان من الأبرار ولكنه قلل قليلا في الطاعات وأكثر من المباحات وارتكب أيضا أكثر فيما يتعلق بالمعاصي والصغائر ونحو ذلك هل سيكون هذا كذاك؟ لا، المزج أيضا بالنسبة للأبرار كل بحسبه فبمقدار مزجك لأعمالك الصالحة بالمباحات ونحوه ذلك سيكون المزج لك في يوم القيامة :فأنت الذي تختار: ما الشراب الذي تشربه في الجنان ؟إن أردت الشراب العالي الذي في أحسن ما يكون وأجود ما يكون فلك ذلك فاختر الآن مادمتَ في دار الإمكان وإن أردت المزج فسيمزج لك بقدر أعمالك في هذه الحياة الدنيا.
هذا المعنى اللطيف عبر عنه هذا الإمام رحمه الله بهذه العبارة الجميلة حينما قال، وهى أعلى أشربة الجنة : أي تسنيم على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة .
وهذا المعني أيها المؤمن أيها المبارك عندما تدركه يتغير حالك في نظرك لربك سبحانه وتعالى من جهة ما ينبغي لله عزّ وجلّ من أنواع العبادة أنت قد تصلي الفرائض وقد تؤدى شيئا من النوافل لكن ما الذي يمنعك من أن تسعى جاهداً لأن تكون من المقربين ما الذي يمنعك ؟ يمنعك حقيقة أن الفرق العظيم بين درجة الأبرار ودرجة المقربين لم تستقر في قلبك ولو استقرت استقراراً صحيحاً كاملاً في نفسك لسعيت جاهداً أن تكون من المقربين، نعم أن تكون من المقربين، يعني ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات كما يتراءى الإنسان في هذه الحياة الدنيا الكوكب الدري الغابر في الأفق ) هذه المنزلة بين من ومن ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم الآن يصف لك حال نوعين من الناس كما بين الله عزّ وجلّ هنا الفرق بين الأبرار والمقربين بين لك النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره هذه الآية بياناً أيضاً آخر يبين لك ما يوضح لك الفرق العظيم بين الطائفتين وبين الفئتين، إن أهل الجنة يعني الذين هم في ربض الجنة وفى أوساط الجنة ليسوا في الدرجات العالية من الجنة إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات من هم ؟ أهل الدرجات العالية أهل الغرفات هم أهل الدرجات العالية في الجنان فأهل الغرفة هم الذين يسكنهم الله سبحانه وتعالى في أعالي الجنان هؤلاء هم أهل الغرفات فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين لك الفرق بين الطائفتين فيقول لك ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات – أي الذين في أعلى الجنة – كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق ) انظر ثلاثة أوصاف :
-كما تتراءون الكوكب الدري :كوكب معني أنه في أعلى السماء يكون بعيداً عن الأرض جداً فأنت ترى النجم بعيداً عنك جداً لكنه ليس كوكب فقط، لا.وإنما زيادة الوصف والبعد أنه كوكب دري وغابر: كوكب دري غابر في الأفق أي أنه بعيد جداً في الأفق يعني في أبعد الأفق فهو كوكب دري هذا وصفه الأول وهو غابر هذا وصفه الثاني
وهو أيضاً في الأفق ومعني في الأفق أي أنه في أطراف السماء ليس في وسط السماء تراه من فوق رأسك لا وإنما هو في أطراف السماء ومعني ذلك أنه بعيد وبعيد وبعيد جداً، هكذا يرى من كان في ربض الجنة وفي وسط الجنة يرون أهل الدرجات العالية في الجنات تصور الآن معي أنت إذا خرجت في الليل انظر إلى كوكب بعيد جداً إلى الغاية بعيد لا ترى منه إلا ضوء يسير في أعلى السماء واتصف بأنه كوكب دري له نور ثم بعد ذلك هذا الكوكب أيضاًَ كذلك ماذا ؟ غابر بعيد جداً ومع ذلك أيضاًَ ليس فوقك وإنما هو في أطراف السماء إما من جهة الشرق أو الغرب تراه في أطراف السماء.
هذا أيها المؤمن إذا كنت أنت من الأبرار في الجنان وزميلك وكان زميلك من المقربين سترى أنت صاحبك وزميلك ستراه هناك ألن تتحسر هذه الحسرة لن تأتيك لأن الله منعك منها ولكن هو سيفرح فرحاً عظيماً أن أنزله الله عزّ وجلّ تلك المنازل العالية الجملية الرفيعة التي هي أقرب ما يكون لله عزّ وجلّ والتي هي في جوار خليل الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
أسأل الله لي ولكم ولعموم المسلمين ممن أقبلوا على كتاب الله عزّ وجلّ وتأملوه وتدبروه وتفكروا فيه أسأل الله لنا جميعاً أن نكون من أهل الدرجات العالية في الجنات، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم ارفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم انفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك بمنتك وكرمك وجودك وفضلك أن تجعل القرآن العظيم ربيع صدورنا ونور قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بمنتك وكرمك ياذا الجلال والإكرام. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.