عرض مشاركة واحدة
قديم 27-11-08, 01:30 AM   #16
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الرابع عشر:



بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله بســم الله الرحمٰن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد تكلمنا سابقًا عن تمهيدٍ لهذه المراحل السبعة لطالب فهم كتاب الله عزّ وجلّ، ونواصل في هذه الحلقة بإذن المولى وبإعانةٍ منه سبحانه وتعالى الكلام عن شيءٍ من هذا التمهيد أيضًا، ثم ندخل في المرحلة الأولى من المراحل السبعة.
وقبل الكلام عن ما بقي من التمهيد أريد أن أعرض سريعًا لبعض الكتب التي ذكرناها البارحة حتى نزيل بعض الإشكال الذي قد يكون ورد في بعض الأذهان، أولا فيما يتعلق بـ"جامع البيان في تأويل القرآن" للإمام ابن جرير رحمه الله، مسألة "تأويل القرآن" أو "كلمة تأويل القرآن" عند ابن جرير رحمه الله وعند من كان في طبقته من الأئمة لا تعني ما يُفهم عادةً من هذه الكلمة عند المتأخرين، فكلمة التأويل عندهم رحمهم الله تعني التفسير، أما كلمة التأويل عند من تأخر من أهل العلم فتعني صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنًى آخر بقرينة دلت على ذلك.
ومراد ابن جرير رحمه الله بهذا العنوان ليس هذا المعنى الذي هو صرف اللفظ من المعنى الظاهر إلى معنى آخر بقرينة دلت على ذلك، وإنما هو أراد التأويل بمعنى التفسير أي بمعنى ما يؤول إليه الكلام أو ما تؤول إليه حقيقة الكلام، فهذا هو مرادهم رحمهم الله من كلمة التأويل في عموم كلامهم سواءً كان هذا في كتب التفسير أو في غيرها أيضًا من الكتب الأخرى، فكلمة التأويل ينبغي أن يُعلم وأن يُفهم أن لها معنى عندهم غير ما يتبادر إلى أذهان كثيرٍ من طلبة العلم في هذا الزمان.
الأمر الآخر وهو فيما يتعلق بتفسير "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور رحمه الله، قد يقول كثيرٌ من طلبة العلم بأن هذا التفسير العظيم –وقد سبقت الإشارة إلى جلالة هذا التفسير- فيه شيءٌ من العسر، فيه شيءٌ من الطول، فيه شيءٌ من الاستطراد في بيان ما يتعلق بكتاب الله عزّ وجلّ، وهذا حقٌ في هذا الكتاب، ولكن أيها المُبارك نتكلم الآن مع طلبة العلم وليس مع عامة المسلمين، ونتكلم الآن عمن أراد أن يبذل وقته وذهنه وجهده وفكره في تأمل كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن كان على هذا النحو لن يضيره أن يقف وقفات مع كتابٍ مثل هذا الكتاب العظيم.
لا أقول لك اقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فلن تستطيع ذلك غالبًا ولن تستفيد منه أيضًا كذلك الفائدة التي تريدها، لأنك لن تستفيد من تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله إلا إذا أخذت ما عنده وقرنته بما عند الأئمة الأُخر في كلامهم عن الآية المعينة التي تبحث عن تفسيرها وعن تأويلها.
ولذلك قرنت لك بين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله وبين تفسير ابن جرير حتى تمزج بين التفسير بالمأثور الذي هو تفسيرٌ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيك التفسير عن ابن مسعود وعن ابن عباس وعن أبي هريرة وعن هؤلاء الأكابر رحمهم الله رحمةٌ واسعة، ويأتيك التفسير أيضًا عن مجاهد ويأتيك التفسير عن قتادة ويأتيك التفسير عن الضحاك وعن سعيد بن جبير وهؤلاء الطبقة العالية من أهل العلم والفضل، تمزج بين هذا وبين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله فيما يتعلق باللغة واستنباط المعاني البلاغية.
لم نحتاج إلى تفسير الطاهر بن عاشور؟ لأن أولئك الأئمة رحمهم الله رحمةً من أئمة السلف وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى أن تُبيَّن لهم ما يتعلق ببلاغة الكلام وفصاحته وبيانه وعلوِّ كعبه في الدلالة على المراد، هذا لم يكن يحتاجون إليه أبدًا لأنهم قد أدركوا لغة العرب بالطبيعة التي نشئوا عليها، وبالسليقة التي تربوا عليها، فإنهم كانوا زمنٍ كانت اللغة على أصلها وكانت سليمة بين الناس يتكلمون هم بلسانٍ عربيٍّ مبين، فكانوا يفهمون الكلام العربي على أتم وجه، وعلى أكمل معنًى، لكن لما ضعفت اللغة في الأزمان المتأخرة احتاج أهل العلم إلى بيان هذه المسائل حتى يستنبطوها ويستخرجوها من كتاب الله عزّ وجلّ ويُبيِّنوها للناس من بعدهم، بل ويبينوها لطلبة العلم من بعدهم ممن ضعفت هذه الملكة لديهم.
ولذا ذكرنا لك هذا الكتاب فستستفيد منه كثيرًا في هذا الشأن، فيما يتعلق باستنباط واستخراج البلاغات، في فهم المعنى فهمًا كاملا دقيقًا، في فهم أصل الكلمة التي جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وما تدل عليه من المعاني الأخرى التي قد لا تكون طرأت لك على بال.
ثم ذكرنا لك أيضًا الكتاب المُسمَّى بـ"معجم حروف المعاني"، وهذا الكتاب تكلمنا عنه سابقًا فيما يتعلق بفائدة هذا الكتاب وجلالة قدره وما بذله هذا المصنف حفظه الله وشكر الله سعيه فيما يتعلق بجمع حروف المعاني من أولها إلى آخرها في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأؤكد على قضية وهي مهمة جدًا فيما يتعلق باختياراتك لمعاني هذه الحروف، ذكرنا لك أن ما بذله هذا المُصنف هو مما قد يعجز عنه كثير من الناس، بل بدون مُبالغة أن ما فعله وما بذله وما تعب من أجله في جمع هذه المادة لو أنه وُكل إلى جامعةٍ كاملةٍ من أولها إلى آخرها لأجل جمع هذه المادة قد تتعب هذه الجامعة بما فيها وما معها من الكوادر العلمية، ولكن هو بذل نفسه واستغرق أوقاتًا كثيرةً جدًا في جمع هذه المادة فشكر الله له.
أما ما يتعلق باختياره للمعنى الخاص بكل آية فيما يتعلق بحروف المعاني فلا، قد يُخالَف كثيرًا فيه هذا الشأن، وسيأتيك أمثلة على ذلك كثيرة، ولكن هذا لا يُقلل في نفسك وفي ذهنك من أهمية هذا الكتاب، فإن فيه من الجهد ما ليس بالهيِّن أبدًا.
بعد ذلك ذكرنا كتاب "لسان العرب"، وقلنا أن مصنفه هو الفيروزابادي، وهذا خطأٌ ليس بالصحيح، فمن المعلوم عند عامة طلبة العلم أن مؤلف هذا الكتاب هو ابن منظور رحمه الله رحمةً واسعةً، وإنما كتاب الفيروزابادي هو كتاب "القاموس المحيط"، القاموس هو الذي للفيروزابادي، و"لسان العرب" لابن منظور.
فيما يتعلق بهذين الكتابين ذكرنا لك سبب اختيار "لسان العرب" وتقديمه على كتاب "القاموس المحيط"، وذلك أن "لسان العرب" قد جمع المادة العلمية وحواها، فأخذ ما قبله من الكتب وجمع كل ما فيها، جمع فيه خمس كتب عظام من كتب اللغة العربية، فعندما تُريد أن تبحث عن معنًى من معاني الله سبحانه وتعالى وتنظر في كلمة من كلمات هذا القرآن تعود لكتاب "لسان العرب" فتجد أنه ذكر أغلب المعاني المتعلقة بهذه الآية، ولذا اخترناه من بين الكتب مع أن هناك كتبًا أخرى قد تكون أكثر تحقيقًا وأكثر تدقيقًا في ذكر المعاني المتعلقة بالكلمات في لغة العرب.
بعد هذا نريد أن نواصل فيما كنا قرأنا به في الحلقة السابقة.
( إن مُداومة النظر في هذه الكتب مجتمعةً يعني بشكلٍ واضحٍ على فهم كلام السلف، ويدرأ المرء عن وصمة الاستهانة بكلام السلف في التفسير، لأنه سيدرك حينها أن العطب في فهمه لا في كلامهم، وأنه وإن فهم بعضها فهو لم يحط بكل ما قصدوه من المعاني لجهله بأساليب العرب في كلامها، فإذا استقر ذلك عنده فلن يجرأ على مخالفتهم في غير مسائل الإجماع حتى يفهم التفسير ومغزاه ومبناه ويعرف أصولهم وقواعدهم في الاستنباط، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يجتهد فليجتهد سدد الله خطاه )
هذه الغاية وهذا الهدف هو من أهم ما يكون، الذي نريده من طلبة العلم في هذا الزمان أنهم عندما يقرءوا كلامًا للسلف رحمهم الله في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ إياهم ثم إياهم أن يقع في قلوبهم أن تفسير ابن عبّاس ليس كبير شيء، وأن تفسير مجاهد وتفسير قتادة وتفسير الضحاك وتفسير فلان وفلان من أئمة أهل العلم في ذاك الزمان ليس فيه كبير معنى، وهذا وللأسف قد وقع واستقر في قلوب كثيرٍ من المهتمين بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ، فيقول لك يا أخي أنا قرأت في تفسير ابن كثير وقرأت في تفسير ابن جرير وقرأت في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" فما وجدت ما تتكلمون عنه من جهة قوة ودقة كلام السلف رحمهم الله في تفسير كلام الله عزّ وجلّ.
لم لا يجد هذا؟ لا يجد هذا لأنه لم يفهم كلامهم رحمهم الله، السر في ذلك وسببه لأنه لم يفهم كلامهم هم، هو لم يفهم الآية وفقط، لم يفهم الآية ولم يفهم مع ذلك كلامهم هم رحمهم الله في تفسيرهم للآية، وسبب ذلك أنه عندما نظر في كلام السلف رحمهم الله لم يكن عنده من الآلة ولم يكن عنده من الأداة ما يفهم به كلامهم فضلا عن أن يفهم كلام الرب سبحانه وتعالى.
هذا الأمر الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس بل كثيرٌ من طلبة العلم لا نريده أن يقع أيضًا كذلك منا نحن في تفسيرنا لكلام الله سبحانه وتعالى، بل في فهمنا لكلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين، العلة والسبب هي فينا نحن، ليست في كلامهم، هم يتكلمون بلسانٍ عربيٍّ مبين، يتكلمون كلامًا من كان في زمنهم ومن كان مُدركًا لمعاني كلام العرب.
فمن لم يفهم كلامهم فلتكن الملامة بدءًا إلى نفسه، وليعد على نفسه بالذم والقدح ولا يعد على كلامهم رحمهم الله بشيءٍ من ذلك أبدًا، فإنه قد شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعلم، فابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه قد دعا صلوات ربي وسلامه عليه بماذا؟ أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل، وهذه الدعوة قُبلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان أثراها وظهرت ثمرتها على كلامه في كتاب الله عزّ وجلّ حتى شهد لابن عبّاس رضي الله عنه وعن أبيه أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وكل الناس ممن علم شيئًا من كتاب الله كلهم شهدوا لهذا الإمام لهذا الحبر لهذا البحر في كتاب الله عزّ وجلّ بالجلالة، شهد له بالفهم، وشهد له بسعة العلم في كتاب الله سبحانه وتعالى.
فلما تقرأ كلامًا لابن عبّاس فلم تفهمه أو لم يقع في خلدك أن هذا الكلام فيه كبير شيءٍ من توضيح المعنى المُراد من هذه الآية فعد على نفسك بدءًا باللوم، لأنك قد خالفت إجماع علماء أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على جلالة هذا الإمام في فنه في تفسيره لكتاب الله سبحانه وتعالى.
فإذًا ما السر في أن كثيرًا منا لم يفهم كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين في تفسيرهم لكلام سبحانه وتعالى؟ السر أن الأداة والآلة التي كانت موجودة عندهم ليست موجودةً عندنا بالشكل المرضي الكافي لأن نفهم ذاك الكلام، لكن بدءًا لن تستطيع أن تأخذ هذه الآلات ولا أن تحصل هذه الأدوات حتى يقر في نفسك أن العيب فيك لا فيهم، وأن النقص في فهمك لا فيما جاء عنهم، إذا تبين ذلك واستقر في نفسك أيها المؤمن يا طالب العلم عندئذٍ أبشر بخير، فإن أول الطريق أن تدرك أنك لست على جادةٍ في مخالفتك لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مخالفتك لأئمة الدين من العلماء المفسرين لكتاب الله سبحانه وتعالى.
هذا مقصدٌ عظيمٌ وهدفٌ سامٍ نريده بإذن الله عزّ وجلّ أن يتحقق من هذه الدروس، أريدك بدءًا أن يتضح لك الأمر جليًّا أنَّ النقص عندنا نحن لا عندهم، نعم قد يُخطئ الصحابي في تفسير آيةٍ من كتاب الله عزّ وجلّ، وهذا واقع، قد يُخطئ ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، وقد يُخطئ ابن مسعود، بل قد يُختلفون فيأتي ابن عباس فيُفسر الآية تفسيرًا ثم يأتي ابن مسعود فيُفسرها تفسيرًا مُخالفًا لتفسير ابن عباس، ويأتي قتادة فيخالف ابن عباس، ويأتي مجاهد فيُخالف سعيد بن جبير، وهكذا، لا إشكال في ذلك أبدًا، وإن كان هذا ليس بكثيرٍ بينهم أبدًا، ولكن هذا الخلاف إنما يكون دائرًا في محيط أهل العلم وفي دائرة العلم، لا في الاعتراض عليهم جميعًا رحمهم الله فيما جاء عنهم من تفسير كلام الله سبحانه وتعالى.
ففرقٌ كبيرٌ بين هذين الأمرين، فرقٌ أن تخالفهم جميعًا في تفسيرهم لكلام الله سبحانه وتعالى بل ألا يروق لك ما جاء عنهم من بيانٍ وتوضيحٍ لكلام الله، وفرقٌ أن تجتهد في مسألةٍ فتجد أن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قد قال في آيةٍ من الآيات كذا وكذا في بيان معناها فتجتهد أنت وتبحث في كلام أهل العلم وتجد من كلامهم ما يؤيد كلامك فتختار قولا يُخالف كلام ابن عبّاس أو كلام ابن مسعود أو كلام فلان وفلان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام التابعين، لا بأس في ذلك ولك أن تجتهد، ولكن لا يكون هذا ديدنًا لك، ولا يكون عن تنقيصٍ لكلامهم رحمهم الله، وإنما يكون في أفرادٍ من المسائل، فإذا كثُر ذلك عندك فاعلم أنك لم تسر على خطاهم ولم تقتفي آثارهم رحمهم الله في فهمهم لكلام الله عزّ وجلّ وهم أعلم الناس وخير الناس وأفضل الناس وأتقى الناس وأقرب الناس إلى الحق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
بعد ذلك ندخل في المراحل السبعة مرحلةً مرحلة، ونستعين الله عزّ وجلّ بالبدء بالمرحلة الأولى.
( المراحل السبعة لطالب فهم القرآن:

إذا تبيّن ما سبق فهذه هي المراحل:

المرحلة الأولى: إدراك المعاني اللغوية التي تحتملها لغة العرب للكلمات الواردة في الآية، ثم تحديد المعنى أو المعاني اللغوية المُرادة في الآية نفسها، هذا الأمر من الأهمية بمكان، ذلك أن كلمات القرآن العظيم من جهة الوضوح وعدمه يمكن جعلها على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: كلماتٌ مشهورة واضحة المعنى والدلالة، مثل الناس، الشمس، القمر، البحر، الشجر، السمع، البصر، النور، آل ياسين، الفقير

المرتبة الثانية: كلماتٌ مُتداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة فيجد أنها تنطوي على عددٍ من المعاني البديعة التي لم تخطر له على بالٍ وهي معاني يحتملها السياق، فكثيرٌ منها قد جاء التصريح بها أو التلميح عنها من السلف الصالح في كتب التفسير المأثور، لكن لعدم ورود احتمال هذه المعاني أصالةً في خاطره فإن الناظر في تفسير السلف لا يتأمل هذه المعاني في كلامهم، بل قد يستنكر على المحققين من المتأخرين الخوض في هذه المسائل، ومن جهل شيئًا عاداه، ومن أمثلة هذه الكلمات تؤزهم، حرثكم، وشددنا أسرهم، فأجاءها المخاض، كُوِّرت، كُشطت، كالدهان، الصمد، التغابن، رفرف، عبقري، أحقابًا، صليًا، باخع، جمالات صفر، عتيًّا.

وهذا النوع من الكلمات هي التي سنقف عندها طويلا في هذه الرسالة
)
الآن لتوضيح هذه النقطة فيما يتعلق بإدراك المعاني اللغوية لهذه الكلمات التي وردت في كتاب الله عزّ وجلّ، وهذه هي المرحلة الأولى التي ذكرنا لكم سبب جعلها هي المرحلة الأولى، لأنا نظرنا في كتاب الله كما سبق وجدنا أن كتاب الله سبحانه وتعالى عبارة عن سور، وهذه السور تتكون من آيات، وهذه الآيات تتكون من جمل، وهذه الجمل تتكون من كلمات، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني، فبدأنا بأقل شيء من الأساس بموضوع الكلمة، بدأنا بأول شيءٍ فيما يتعلق بالكلمة، نأخذ الكلمة لنأخذ معناها ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما يليها.
فأول ما أخذنا معنا هنا هو موضوع الكلمة، لابد أن نفهم الكلمة هذه في لغة العرب ماذا تعني، ماذا يُراد بها، وأن نفهم أيضًا كذلك هذه الكلمة في هذا السياق ماذا تعني، فعندنا عدة من الإدراكات لابد أن نُدركها للكلمة، فالكلمة في أصل لغة العرب ماذا تعني، لها معنى ولا شك.
عندما نقول مثلا صلّى، كلمة صلّى هذه عبارة عن ماذا؟ عبارة عن اسم أو فعل؟ فعل ماضي، هذا الفعل الماضي في لغة العرب ماذا يعني؟ حدوث هذا الفعل في زمن الماضي، حدث ماذا هنا؟ هل هو الصلاة التي نعرفها الآن تُفتتح بالتكبير وتُختتم بالتسليم؟ في لغة العرب في أصل اللغة لما نقول صلى قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نقول فلانٌ صلى، ماذا يقصد؟ يقصد مجرد الدعاء وعموم الدعاء، فإذًا في أصل اللغة هذه الكلمة تُطلق على مجرد الدعاء دون هذه الأفعال التي نفعلها نحن فهذا لم يكن إلا في الإسلام بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة تطبيقًا لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، إذًا هذه الكلمة لها معنى في أصل اللغة، لكن بعد أن جاءت في موطنٍ خاصٍّ من كتاب الله سبحانه وتعالى عندئذٍ أصبح لها معنًى آخر يُناسب هذا السياق الذي جاءت به.
أيها الأحبة، فاصلٌ قصيرٌ ثم نعود لنستكمل ما بدأناه بإذن الله سبحانه وتعالى.
فاصلٌ تليفزيوني
بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة ونستكمل ما كنا نتكلم عنه في المرحلة الأولى من مراحل فهم كتاب الله عزّ وجلّ ذكرنا أن هذه الكلمات هي في أصلها لها معنى في لغة العرب ثم لما تأتي في سياق محدد معين سواء كان هذا السياق في كلام الله أو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلام أحد الناس يكون لها معنى محدداً في هذا الموطن بالذات يدل على ذاك السياق وقلنا مثلاً كلمة صلى كنا نتكلم عنها هذه كلمة صلى أو الصلاة كانت في أصل لغة العرب هي تطلق على مجرد الدعاء فلما يقال فلان صلى أي دعا سواء كان هذا الدعاء لحق به بعد ذلك بعض الأوصاف الزائدة عليه كما أنك مثلا تقول فلان صلى وقد نريد بهذه الصلاة أنه ابتهل ابتهالاً شديداً فيه ركوع وفيه سجود وكان هذا موجود في أيام الجاهلية حتى قدم مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بل كان موجود أيضاًَ عند الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام فهذه الكلمة في أصل اللغة تدل على مجرد الدعاء وقد يحتف بها أمور أخرى تحدد أو يحدد هذه الأمور القرائن والسياق الذي يجيء في خلل هذه الكلمة إما يسبقها وإما يلحق بها إذاً فالمقصود هنا أن أصل الكلمة لها معنى فلما جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا هو المراد هنا قد يكون لها معاني أخرى ولكن لا ينبغي أبداً أن يغيب المعني الأصلي عن الذهن وهذا هو الأمر الذي نريد أن نؤكده هنا فيما يتعلق بالمرحلة الأولى إياك ثم إياك إذا أردت أن تفهم كلمة من كتاب الله عزّ وجلّ أن يغيب المعنى الأصلي الذي جاءت هذه الكلمة في لغة العرب للدلالة عليه فلا يطغى المعنى الثاني الذي حدث بعد ذلك حدث نتيجة قرينة شرعية نتيجة لقرينة دل عليها السياق وغير ذلك من القرائن لا ينبغي أن يغيب المعني الأصلي بل يبقى المعنى الأصلي موجود في الذهن فكلمة الصلاة أو صلى ذكرنا أنها في أصل اللغة هي الدعاء بعد ذلك عندما تأتي هذه الكلمة في نص من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة معلومة أن لها هيئة محددة معروفة يعرفها جميع أهل الإسلام إذاً هذه الصلاة لما تغير المراد منها أو بعبارة أدق لما تطور المراد منها فأصبحت الصلاة لها هيئة محددة معلومة لها أقوال لها أفعال تفتتح بالتكبير تختتم بالتسليم ونحو ذلك هذا المعنى في الصلاة المعنى الشرعي لكلمة الصلاة لا ينبغي أن يغيب عن ذهنك المعنى الأصلي للكلمة وهو مسألة ماذا؟ الدعاء وهو معنى الدعاء لهذه الكلمة لأن الصلاة في أصلها إنما هي من قبيل الدعاء والابتهال وهذا يدلك على معنى لابد وأن تفقهه من كتاب الله عزّ وجلّ وهو أن تسمية شريعة من الشرائع أو ركن من الأركان أو واجباً من الواجبات باسم محدد له أصل في اللغة يدل على أن هذا الأصل هو لب هذه الشريعة أو هو لب هذا الركن أو هو لب هذا الواجب الذي جاء من كتاب الله عزّ وجلّ فعندما نتكلم عن الصلاة مثلاً الصلاة قد عرفناها وأدركناها فما لب الصلاة؟ الدعاء لب الصلاة ، لما ؟ لأنّا لم ننسخ ولم نلغي المعنى الأصلي الذي اشتقت هذه الصلاة من لغة العرب اشتقت هذه الصلاة وجعلت هذه التسمية لها من تلك الكلمة الأصلية في لغة العرب فلما اشتقت الصلاة من هذه التسمية من هذه الكلمة علم أن أصل الصلاة ولب الصلاة هو هذا الدعاء فالصلاة من أولها إلى آخرها هي في حقيقتها ماذا؟ هي في حقيقتها دعاء، خذ مثلاً أيضاً كذلك مثال آخر الزكاة في كتاب الله عزّ وجلّ الزكاة في كتاب الله سبحانه وتعالى معلومة تخرج مالاً محدداً بنسبة معينة إذا دار الحول عليك بحسب اختلاف الأموال ونحو ذلك فالزكاة لما تسمع آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها أمر بالزكاة أو كذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه كلام عن الزكاة فإن الذهن مباشرة ينطلق إلى الزكاة المعهودة المعروفة التي هي ركن من أركان الإسلام لكن هذه الزكاة سُميت زكاة لما ؟ من تزكية الشيء من تهذيبه من تنقيته فإذاً ما الهدف الأسمى من هذه الزكاة أو قل بعبارة أخرى لما شرع الله عزّ وجلّ هذه الزكاة على عبادة هل من أجل أنه سبحانه وتعالى يحتاج إلى شيء من أموالهم هل لأجل أن الله سبحانه وتعالى يريد من ذلك أن يكون فيه تكافل في المجتمع وإن كان هذا مراد لكن أصل المسألة في ماذا في التزكية في التهذيب هي تزكية النفس أولاً ثم تزكية المال الذي هو بعد ذلك تزكية المجتمع من أوله إلى آخره فتزكية النفس بتزكية المال ثم تزكية المجتمع لأن هذه الزكاة إذا فُعلت وعمل بها أهل الإسلام ولم يقصروا فيها فإنها تكون سبباً في تزكيتهم في تهذيبهم في تخليصهم من الشوائب التي تنخر فيهم في إنسان بمفردة أو أيضاً في المجتمع من أوله إلى آخره هذا المعنى الأصلي الذي جاء في كلمات وردت في كتاب الله عزّ وجلّ لا ينبغي أبداً أن يغيب.
خذ أيضاً كذلك الصيام قد ورد في كتاب الله عزّ وجلّ وخذ أمثلة كثيرة جداً تأملها في كتاب الله لابد وأن تفقه هذه المسألة معها وهو أن المعنى الأصلي للكلمة يبقى حاضراً في الذهن ولا يغيب إذا أردت أن تدرك المعنى الكامل وأنا أعيد وأكرر على هذه النقطة أن مرادنا هنا من هذه المراحل السبعة أن ندرك المعنى الكامل يعني الكامل الذي نستطيع أن نصل إليه من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى أما المعنى الجزئي الناقص فهذا قد يدركه الإنسان بغير هذا التعني.
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً يا الشيخ، فضيلتك قلت لا ينبغي المعنى الأصلي الذي جاء في الكلمة للدلالة عليها، فكيف إذا جاءت الكلمة بالمعنى الأصلي هل تحمل مثال الصلاة ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] فهل أحملها على الصلاة أيضاً التي نصليها نحن التي تشتمل على أقوال وأفعال مخصوصة أم تطلق على معناها الأصلي وهي الدعاء؟
أكمل الشيخ :
بارك الله فيك، هذا جميل بالنسبة للمعنى الأصلي إذا جاءت الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ ولم تنقل عن معناها الأصلي فتبقى على المعنى اللغوي التي جاءت في أصل اللغة عليه، ولكن ينبغي أن يدرك أن المعنى الأصلي في اللغة قليلاً ما يبقى على ما هو عليه غالباً أن نصوص الكتاب والسنة إذا جاءت بكلمة من أصل اللغة أنها تضيف عليه معنى مثلاً في الآية قرأتها بارك الله فيك ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ هل الصلاة هنا مجرد الدعاء؟ لا، ليست الصلاة هنا هي مجرد الدعاء وإنما الصلاة هنا كما فسرها أبو العالية الرياحي رحمه الله وكما جاء عن علماء أهل الإسلام في تفسير هذه الكلمة وهو القول المرتضي الذي ارتضاه جماعة من المحققين أن الصلاة هنا على النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد الدعاء وإنما هي ثناء الله عزّ وجلّ على نبيه صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى وهذه منزلة غير منزلة مجرد الدعاء منزلة أرفع وأشرف وأكرم فالله عزّ وجلّ أنت تدعو الله سبحانه وتعالى أن يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أي أن يثني عليه صلوات ربي وسلامه عليه في الملأ الأعلى عند ملائكته جلّ وعلا، هذا المعنى الزائد المعنى الأصلي لكلمة.
أكمل الطالب :
لا تتوقف على معني.
أكمل الشيخ :
نعم لا تتوقف على معني، بل أن غالباً أن السياق هو الذي يدل على المعنى الزائد الذي جاء به الشرع سواء كان من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وأيضاً من كلام أهل العلم السياق هو الذي يدل على هذا المعنى الزائد ذكرنا لك أن الكلمات في كتاب الله يمكن أن تقسم على ثلاث مراتب كلمات ظاهرة واضحة جلية لا تحتاج إلى بيان ولا إلى توضيح فلو قلت لأي إنسان كلمة الناس كلمة الشمس كلمة القمر كلمة الشجر كلمة السمع كلمة البصر كلمة النور اليتيم الفقير هذه الكلمات هل تحتاج إلى شرح وإيضاح؟ هل هناك من يجهل ما معنى هذه الكلمات ؟ لا وهذه جملة ليست بالقليلة من كلمات هذا القرآن العظيم هي على هذا النحو.
هناك مرتبة أخرى للكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ وهي كلمات متداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة سيجد أنها تنطوي على عدد من المعاني البديعة التي لم ينتبه إليها هو في بادئ الأمر .
وهذه المرتبة الثانية من الكلمات قد سمعت لها بأمثلة من هذه الأمثلة تؤزهم الأز في أصل اللغة كثير من الناس يعرف معنى الأز فيه شيء من الدفع ولكنه دفع يكون فيه شدة ويكون فيه قوة ونحو ذلك لكن كلمة تؤزهم في كتاب الله عزّ وجلّ لما وردت هل أُريد بها مجرد الأز فقط الدفع بقوة ؟ لما قال الله عزّ وجلّ ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً [مريم:83] هل هنا الأز الشياطين هذه للكافرين هل هو مجرد الدفع بقوة فقط ؟ لا ، ارجع إلى كلمة أز في لغة العرب وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير باللغة وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير بالمأثور فتجد أن كلمة أز لها من المعاني ما لم يخطر لك على بال وأنها دلت على حقيقة وعلى أمر عظيم بينه الله عزّ وجلّ في هذه الكلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ ومن المعلوم أن معنى كلمة أز هنا ما موقعها من الإعراب ؟
أجب أحد الطلبة :
مفعول مطلق.
أكمل الشيخ :
مفعول مطلق، أحسنت بارك الله فيك، مفعول مطلق ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ فجاءت للدلالة على أن هذا الأز قوي وشديد ومتكرر لكن تأمل كلمة الأز ستجد الأز في لغة العرب تطلق على عدد من المعاني على عدة معاني وهذه المعاني سأذكر لك شيئاً منها الآن حتى تتصور معنى المراد هنا بالمرتبة الثانية الكلمات الواضحة لكن لها معنى قد لا يخطر لك على بال كلمة الأز تارة على الامتلاء الشديد بمعنى أنك تأتي بمثل تأتي بقدر أو تأتي بشيء ممكن أن ينفخ نفخاً من الجلد أو البلاستيك ونحو ذلك فتملأه تملأه ملئاً كلمة الأز من معانيها في لغة العرب الامتلاء ليس الدفع بشدة وقوة هذا معناً ثابت لها ولكنها تدل على معنى آخر ما هو؟ هو الامتلاء فيقال في لغة العرب المجلس أز أزيزاً أو يقال امتلأ المجلس امتلاءً فأز المجلس بأهله أو أز المجلس أزيزاً أو امتلأ المجلس امتلاءً هذه كلها بمعنى أن المجلس هذا امتلئ بالناس وانحشر من كثرة الداخلين فيه فكلمة الأز من معانيها تدل على الامتلاء.
أيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على الاختلاط فيقال في لغة العرب أز الزيت بالماء أي اختلط الزيت بالماء حصل بينهما نوع من الاختلاط أو يقال أز الناس بعضهم ببعض أي اختلطوا فيما بينهم فأصبح بينهم مرج وهرج ومداخلة واختلطوا فيما بينهم واختلط الزيت بالماء ونحو ذلك فهناك شيء من الاختلاط بين هذه الأشياء التي جاءت واصلة بينها هذه الكلمة وأيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على شيء من الاضطراب والحركة فيقال أز القدر بالماء كيف أز القدر بالماء ؟ بمعنى أن هذا القدر لما غلا فيه الماء واشتد غليان الماء بدأ يتحرك ويضطرب بدأ يتحرك ويضطرب فمن معاني الأز أيضاً الاضطراب هذه المعاني يا أخي المبارك لو تأملتها في هذه الآية في سورة مريم ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّ[مريم:83] لو تأملت هذه المعاني في لغة العرب لوجدت أنها منطبقة على الكافرين في أز الشياطين لهم فالشياطين تأتي إلى هؤلاء الكافرين فتؤزهم أولاً تخالطهم وتمتزج معهم فتكون كأنهم وهم في جسد واحد وكأنهم وهم ليس افتراق أبداً بل هم شيء واحد الشياطين مع الكافرين أصبحوا كالشيء الواحد ثم إنها خالطتهم مخالطة شديدة جداً ولما خالطتهم أصبحت بعد ذلك قد ملئت هذه الأجساد ونفختها بالشر ونفختها بمعصية الله عزّ وجلّ ونفختها بالرغبة بالاستجابة لإبليس عليه من الله اللعنة فلما خالطتهم ملئتهم رغبة في معصية الله سبحانه وتعالى بل وملئتهم قوة على تجاوز أوامر الله عزّ وجلّ وارتكاب نواهيه وهذا من المراد للشياطين مع هؤلاء الكافرين أنها تزيدهم قوة على قوتهم في الباطل تزيدهم قوة على قوتهم في الشر ثم لما ملئتهم أيضاً أصبح مع هذا كله إيش؟ اضطراب ونوع حركة لكن هذه الحركة موجهة في طاعة الله عزّ وجلّ ؟ لا وإنما هي موجهة في معصية الله سبحانه وتعالى فلما حصلت هذه الحركة والاضطراب حصل هذا الاضطراب وحصلت هذه الحركة من هؤلاء الشياطين مع هؤلاء الكافرين دفعتهم دفعاً قوياً جداً إلى ماذا ؟ إلى معصية الله سبحانه وتعالى هذا المعني في كلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ كان في بادئ الأمر المعنى فيه شيء من الظهور ولكن بعد ذلك عندما تتأمل كلمة الأز في لغة العرب وتتأمل كلمة أز من كلام المفسرين رحمهم الله من كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ستدرك معنى هذا الكلام، وتدرك ما الذي أراده ربنا سبحانه وتعالى أو من معاني ومن دلائل هذه الآية في وصف حال الشياطين مع الكافرين ولذا بعد ذلك كله أيها المبارك أيها المؤمن لا تستغرب ولا تعجب أن ترى من يعان على الشر فيقف مثلاً على رجليه ست سبع ساعات يرقص ست سبع ثمان ساعات وهو والعياذ بالله مع الشيطان وفى الشيطان ولأجل الشيطان تجده أنه سوسته بينما لو أراد إنسان منا أن يلقي كلمة أو يخطب خطبة أو يقف واقفاً في صلاة ونحو ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه من القوة المعتادة التي يريد منه سبحانه وتعالى أن يبذلها في طاعته فإذا وقف ساعة أو ساعتين في الكلام أو في الصلاة فإنه ماذا يحصل له شيء من؟ التعب شيء من المشقة بينما هؤلاء الكافرين وهؤلاء الفاسقين وهؤلاء الفاجرين قد يقف الواحد منهم خمس أو ست ساعات من دون أن يشعر بشيء من التعب والإرهاق وإنما يسقط بعد ذلك سقوطاً كاملاً واحداً.
هذا من أز الشياطين لهم فإن الشياطين تؤزهم أزا لأن الله عاقب هؤلاء الكافرين وعاقب هؤلاء الفاجرين وعاقب هؤلاء الفاسدين بأنه أرسل الشياطين عليهم تؤزهم أزا.
هذا معنى من معاني كلمات أز قد ظهر منه شيء قبل ذلك ثم بان منه أشياء وأنت لو تأملت هذا جيداً في كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ثم في كلام المفسرين ثم في كتب اللغة لو ما هو أكثر من ذلك بكثير، واضح؟
فإذا كتاب الله سبحانه وتعالى بقدر ما تعطيه بقدر ما يعطيك تأمل الكلمة الثانية التي بعدها ﴿حَرْثَكُم﴾ وهذا معنى ظاهر بديء وقد استنبط منه الفقهاء أنه لا يجوز للرجل أن يأتي المرأة امرأته في دبرها لأن الله عزّ وجلّ أباح له ماذا؟ أباح له موطن الحرث، موطن الحرث الذي يكون فيه مناسبة لأن يضع الرجل ماءه في مكان كالأرض المحروثة له فتنبت هذه الأرض وتأتي بالذرية فهذا هو موطن الحرث، أما بالنسبة للدبر فهو ليس موطناً للحرث، ولذا استدل الشافعي وجماعة في القول الجديد له واستدل أيضاً قبله وهو قول الحنفية بل قول جمهور أهل العلم في هذا الباب أن إتيان المرأة في دبرها لا يجوز واستدلوا بهذه الآية وبأدلة أخرى معلومة من السنة النبوية لكن الكلام عن لفظة ﴿حَرْثَكُم﴾ في كتاب الله عزّ وجلّ أنها جاءت في موطن خاص واضح لدلالة محددة معينة كذلك [الانسان:28] ما معنى ﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ ما معنى كلمة أَسْرَهُمْ ؟ وما الذي دلت عليه؟ كذلك ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ [مريم:23] وغيرها كثير وأنا لا أريد أن أمر عليها سريعاً ولكن أيضاً بإذن الله سيأتي الكلام عن الأمثلة لأن الوقوف على كلمة والحديث عن معناها وعن دلالتها في كتاب الله عزّ وجلّ قد يطول جداً وإنما المراد هنا أن نذكر أمثلة على ذلك وستأتي أمثلة أوسع وأبسط مع كلام أهل العلم وتطبيق ذلك من كلام السلف وكلام المفسرين وكلام أهل اللغة في تفسيرهم لكلام الله عزّ وجلّ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة، اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء غير متواجد حالياً