تفريغ الدرس الثامن عشر من دروس روائع البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .. اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما وعملا يا أكرم الأكرمين
كان الكلام فيما سبق يختص بحروف المعاني ووقفنا عند معاني هذه الحروف التي اشتهر ذكرها في كتب أهل العلم وكنا في الحديث عن جدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف ، وسبق أن قرأنا عليكم ما يتعلق بمعنى حرف (أل) في كتاب الله عز وجل ، وسنعيد القراءة الآن ليكون هناك شيء من الشرح لمعاني هذا الحرف في كتاب الله ، لعلك يا عبدالسلام تقرأ
· هذا جدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف:
· الأداة المعاني الأمثلة
· (أل) تكون للتعريف : عهدية مثل قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)
نعم (أل) هنا ، المراد في قوله سبحانه وتعالى: (بأصحاب الفيل) فالفيل هنا معهود معرف أنه الفيل الذي جاءوا به ليهدم الكعبة ، فأنزل على هؤلاء مع فيلهم ، أنزل الله عليهم هذه الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل ، فالمراد هنا من هذا المثال هو قوله سبحانه وتعالى (الفيل) فـ(أل) هنا عهدية عائدة على ذاك الفيل المعهود عند السامع . نعم
· وتكون جنسية مثل قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) (قل أعوذ برب الناس)
نعم ، عندك (الحمد) فيها (أل) هذه و(أل) هذه جنسية ، كذلك في قوله سبحانه وتعالى: (العالمين) (الحمد لله رب العالمين) (أل) هذه أيضا جنسية أي: رب كل العالمين من أولهم إلى آخرهم ، مذلك في الآية الثانية (قل أعوذ برب الناس) أي: برب كل الناس ، ف(أل) أيضا هذه جنسية تفيد الاستغراق
· وتكون للماهية ؛ مثل (وجعلنا من الماء كل شيء حي)
نعم ، الماهية هنا ، أيضا هي تسمى عند بعض أهل اللغة جنسية ، ولكنها جنسية لا تفيد الاستغراق وإنما جنسية تدل على الماهية ؛ كما في قوله سبحانه وتعالى (وجعلنا من الماء ) في كلمة(الماء) الماء هنا هذه (أل) جنسية تفيد الماهية، ماهية الماء ،فالمراد هنا : أن الماء أياً كان الماء هو جعله الله سبحانه وتعالى حياة لهذه المخلوقات ، نعم.
· (قــد) تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب، نعم الآن اخترنا لكم الحرف الآخر (قد) –هناك حروف كثيرة عندنا : الباء – السين- سوف- على – الفاء- في وكذلك غيرها من الحروف ولكن لأجل الاختصار ومن أجل ضرب المثال فقط سنأخذ الآن الكلام عن قد- وهي حرف معنى في كتاب الله عز وجل ، تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب ؛ في قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) و (قد أفلح من زكاها)
· وتكون مع المضارع للتقليل أو التكثير ، وهي في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها عند التحقيق : للتكثير منها (قد يعلم ما أنتم عليه) (لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم)
أحسنت بارك الله فيك
بالنسبة لـ(قد) قد تأتي تارة وتسبق الفعل الماضي كما في قوله سبحانه وتعالى : (قد سمع الله) فـ(قد) هنا سبقت الفعل الماضي اللي هو ايش؟ (سمع) (قد سمع الله) فإذا أتت قبل الفعل الماضي فإنها تدل على التحقيق وتدل على معنى آخر وهو التقريب أي أن السماع قد تحقق ، وأيضا فهذا السماع من قرب ، وأن هذا السماع من قرب ، هذا بالنسبة لأنه قد تقدمت على الفعل الماضي ، أما إذا تقدمت على الفعل المضارع فإنها تارة تفيد التكثير وتارة تفيد التقليل .
تقول : قد يجود البخيل ، فما المراد بقولك هنا : قد يجود ؟ هل المراد هنا التقليل؟ التقليل؛ لأن البخيل الأصل فيه أنه لا يجود ، ولكن لما جاد هنا أخبرت أنه قد يجود ، قد يجود البخيل ، لأن ما في أمثلة كثيرة
(قد يعلم الله المعوقين منكم) هنا (قد) هل هي للتقليل أو التكثير؟ هنا للتكثير
(قد يعلم الله) إخبار بأن الله عز وجل مطلع وأن هذا الاطلاع صفته الكثيرة الاطلاع الكامل والقرب ؛ فـ(قد) إذا جاءت قبل الفعل المضارع فتارة تفيد التقليل وتارة تفيد التكثير ، فإذا جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى فإنها في الغالب تفيد التكثير لا التقليل ؛ لأن (قد) عندما جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى وتقدمت على الفعل المضارع حسبت هذه المواطن في كتاب الله وجد أنها ثمانية مواطن ، ثمانية مواطن جاءت عندنا (قد) وجاء بعدها فعل مضارع ،ثمانية مواضع في كتاب الله ، إذا نظرت إلى هذه المواطن الثمانية منها سبعة لا تحتمل إلا التكثير ، منها سبعة كاملة لا تحتمل إلا التكثير إلا في موطن واحد ، فإنه يحتمل أن يراد به التقليل أو أن يراد به التكثير ، وهذا الموطن الأصل أنه يحمل أيضا على التكثير ، وهذه الأمثلة موجودة في كتاب الله عز وجل وقد جمعها عدد من المفسرين.
ومن هذه الأمثلة : قوله سبحانه وتعالى: (قد يعلم ما أنتم عليه) وقوله أيضا: (لم تؤذونني وقد تعلمون) والمراد هنا بقوله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام: (لم تؤذونني وقد تعلمون) هنا المراد على القول الراجح من كلام المفسرين هو: التحقيق الذي هو للتكثير لا التقليل ؛ لأنهم –أي بني إسرائيل- يعلمون علما ظاهرا بينا أن موسى عليه السلام رسول من رب العالمين ، فموسى يقول لهم: (لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) لم تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم، ليس المراد هنا التقليل وإنما المراد هنا التكثير وبيان أن هذه الصفة ظاهرة بينة عندهم ليست بالصفة القليلة التي ليست واضحة في استقرارها في أذهانهم ، وأيضا كذلك قرارها في قلوبهم ، لا ، وإنما هي صفة ظاهرة مستقرة عندهم في النفوس وفي القلوب . نعم
· اللام الجارة أصل معانيها : الاختصاص ؛ وهو معنى لا يكاد يفارقها مثل: (إنما الصدقات للفقراء)
وتأتي للصيرورة مثل : (ولذلك خلقهم)
وتأتي للعلة مثل: (ولقد يسرنا القرآن للذكر)
وتأتي للصلة مثل قوله تعالى : (وإذ قال ربك للملائكة)
نعم ، هذه اللام الجارة المكسورة التي تجر ما بعدها ، إذا جاءت في كتاب الله عز وجل فأصل معانيها الاختصاص ، وهذا المعنى مهم جدا ، وله أثر في أشياء كثيرة جدا في فهم كتاب الله بل في فهم الآيات في دلالاتها على مسائل العقيدة وعلى مسائل الفقه وعلى مسائل في غير ذلك من أمور الدين ، فعندما – مثلا- نقرأ قول الله عز وجل : (إنما الصدقات للفقراء) معناها: أن الصدقات هنا يختص بها الفقراء ؛ لأن اللام هنا جاءت للاختصاص على أصل معناها ؛ فأصل معناها الاختصاص ، وهناك معانٍ أخرى لهذه اللام ، كما في قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) ما الحكمة وما العلة من تيسير هذا القرآن؟ لأي شيء؟ (للذكر) العلة هي: الذكر ، (ولقد يسرنا القرآن) من أجل ماذا؟ من أجل أن تتذكروا به وأن تستخدموه للذكرى ، فهذه هي العلة من تيسير القرآن، كذلك هناك معنى ثالث وهو ما يسمى بالصلة ، وهذا معنى أيضا لابد من الانتباه له ؛ لأنه يتعلق به عدد من المسائل التي بإذن الله عز وجل ، وهو معنى الصلة أي أنها تصل بين شيئين ؛ كما في قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة) هذه اللام هل هي لام الاختصاص ؟ لا ليست لام الاختصاص ، هل هي لام العلة؟ وإذ قال ربك لعلة الملائكة ؟ لأجل الملائكة؟ لا ؛ وإنما هنا لام الصلة ، بمعنى أنه قال سبحانه وتعالى موصلا هذا الكلام للملائكة ، كما تقول أنت : سجدت لله ، هذه اللام ماهي ؟ سجدت لله ، لام الصلة :سجدت موصلا سجودي لله
|