عرض مشاركة واحدة
قديم 15-12-08, 03:47 PM   #25
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس العشرين:التضميـــــــن



بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسل تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أيها الأحبة حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كنا في الكلام عن حروف المعاني ووقفنا عند مسألة التضمين ولعلنا نواصل بإذن الله في هذه الحلقة ولكن لعلنا نعيد القراءة من أول مسألة التضمين.
قال أحد الطلبة :
التضمين: كلمة تدور في كتب اللغة بين العروبيين والأدباء والنحويين والبيانيين ولكل طائفة من هؤلاء معنى خاص يفسرون به التضمين والذي يهمنا من هؤلاء هم طائفة البيانيين وكذلك بعض النحاة فالتضمين الذي نقصده هنا هو إشراب الفعل معنى فعل آخر ليدل الفعل الأول على معناه الأصلى وعلى المعنى الذي دل عليه السياق وهذا التضمين لايقول به كل النحاة وإنما يقول به الخليل وسيبويه وتبعهم على ذلك البصريون ونصره بن جني في الخصائص وبن القيم في بدائع الفوائد وبه يقول جمهور المفسرين وعلى رأسهم بن جرير الطبري وأبو السعود والقرطبي وغيرهم كثير يقول بن جني في الخصائص :ولو جمع التضمين لجاء منه كتاب يكون منه مئين أوراقاً ويقول أيضاً ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتاباً ضخماً ثم قال فإنه فصل من العربية حسن لطيف .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا بالنسبة للتضمين وكذلك بالنسبة لتعريف التضمين ومن يقول به من أهل العلم التضمين هو أن تأتي بفعل وهذا الفعل من المعلوم أن له معنى ثم تعدي هذا الفعل بحرف لا يناسب هذا الفعل في أصله وإنما جاء هذا الحرف جاء ليعدي هذا الفعل تعدية يكون فيها تضمين للفعل الأول الفعل الأصلي يضمن فعل آخر يناسب السياق الذي جاء في الآية فهذا هو التضمين التضمين في أصله ما هو عندنا فعل جاء وهذا الفعل من المعلوم إنه لمعنى أصلي في اللغة مثل أن نقول ذهب أو أكل أو قرأ أو صلى ونحو ذلك من الكلمات والأفعال في كتاب الله عز وجل هذه الكلمات عندما تنظر فيها فإنها لا معنى أصلي في لغة العرب لا إشكال في ذلك .مثلاً كلمة يريدون في القرآن الإرادة لها معنى أصلي أليس كذلك معنى الإرادة يهم بالشيء يريد أن يفعل شيئاً فلها معنى معلوم عند الناس جميعاً هذه الإرادة في أصل المعنى هناك حيناً يأتي ما يراد به أن يضاف لها معنى آخر كيف يكون هذا في لغة العرب أن تعد الإرادة بحرف لا يناسبها في الأصل ليدل هذا الحرف على معنى آخر على معنى أيضاً كذلك على فعل آخر يضمن هذا الفعل الأصلي فيدل الآن بدلاً أن كان يدل على معنى واحد أصبح يدل على معنين بل حيناً يدل على أكثر من معنين يدل على ثلاثة معاني ونحو ذلك هذا النوع من البلاغة في كتاب الله عز وجل يسمى بالتضمين وهذا النوع من البيان أو هذا النوع من علم المعاني لم يقول به كل النحاة بل إن الكوفيين رحمهم الله من النحاة لا يقولوا به بل أنكروه وجعلوا بدل هذا جعلوا أن الحرف هو الذي يتنقل في المعنى فإذا مثلاً جاءنا كما في قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ[طه: 71]. ذكرنا الكلام عن مسألة في وتضمينها للحرف الآخر وهو على بالنسبة للكوفيين ماذا يقولون؟ يقولون بأن في هنا جاءت وحلت محل على وانتهى الأمر يعني أن الحروف تتناوب فتارة في تأتي في محل على وتارة على تأتي في محل في وهكذا أي أنها كل حرف يقوم مقام الآخر هذا القول هو الذي يقول به الكوفييون أما جمهور النحاة وهو القول الذي يقول به المحققون من علماء اللغة وكذلك يقول به جمهور المفسرين أن هناك تضمين في مثل هذه الآيات لأن التضمين يعطي نوعاً من البلاغة من الفصاحة من البيان زائد عن ما كان في الأصل ومن تأمله في كتاب الله عز وجل وجده كثيراً جداً ولذا لعلك استمعت لقول بن جني أن هذا لو جمع في لغة العرب لجاء في مئين أوراقاً يعني في أوراق من مئات الأوراق من الأمثلة التي جاءت في لغة العرب ووقع فيه التضمين وهذا القول أصبح هو القول السائر الآن عند المفسرين بل حتى عند أهل اللغة وأصبح القول الثاني ضعيف جداً قلما تجد أهل العلم من يقول بالقول الثاني الذي قال به الكوفيون.
قال أحد الطلبة :
وقد أقر استعمال التضمين المجمع اللغوي في القاهرة بثلاث شروط :
الشرط الأول: تحقيق المناسبة بين الفعلين والتي تسمى العلاقة .
الشرط الثاني: وجود قرينة تدل على المعنى الملحوظ مع الأمن من اللبس.
الشرط الثالث: ملائمة التضمين للذوق العربي.
أجاب الشيخ :
نعم هذه شروط التي ذكرها المجمع اللغوي في القاهرة ووافق على التضمين وعلى إثباته وأنه أسلوب من أساليب الفصاحة في لغة العرب ولكنه اشترط شروطاً ثلاث وهذه الشروط موافق لما جاء في النص العربي موافقة لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقة أيضاً لما جاء في الشعر والنثر العربي الفصيح فتحقيق المناسبة بين الفعلين لابد أن يكون هناك مناسبة بين الفعلين وايضاً لابد من وجود قرينة بين هذين الفعلين تدل على هذا المعنى الجديد الذي طرأ على المعنى الأول كذلك أن يكون هذا التضمين ملائم للذوق العربي لا يكون من ما ينفر عنه الذوق العربي السليم فإن هذا لا يصلح تارة بعض التضمين يكون متكلَّفاً شديد التكلف مثل هذا التضمين لا معنى له لأن التضمين إنما جاء ليزيد الكلام قوة وفصاحة وبيان فلا يكون متكلفاً عندئذ لا يزيد الكلام قوة وفصاحة وإنما يزيده ضعفاً وانكساراً وانحطاطاً فلا يصلح التضمين أبداً أن يكون متكلفاً يحتاج إلى كثير من البيان وكثير من الإيضاح وإلى مقدمات ونحو ذلك لا يصلح التضمين أن يكون بهذا الشكل أبداً وإنما التضمين يكون مناسباً للذوق العربي بمعنى إنك إذا ذكرته لمستمع يتكلم بلسان عربي وإن كان ليس فصيحاً فصاحة كاملة ولكنه يعرف اللسان العربي ويتكلم به عندما يسمع التضمين الذي تذكره في آية من الآيات أو في نثر من النثر العربي عندما يسمع هذا التضمين يجد أنه مناسب ملائم للذوق لا يشعر أنه متكلف يحتاج إلى دليل وإلى قرينة وإلى برهان واضح وإلى مقدمات ونحو ذلك من الكلام هذا لا يناسب ما نحن فيه لأن التضمين إنما هو فصاحة وبيان وقوة في التعبير لايناسبها التكلف أبداً سنأتي بعد ذلك إلى فائد التضمين وإلى أمثلة وأنا أعلم أن الأمثلة هي التي ستوضح المعنى قد يكون المعنى فيه شيئاً من اللبس ولكن الأمثلة ستوضح لك هذا جلياً بإذن الله جل وعلا.
قال أحد الطلبة :
فائدة التضمين: فائدته الإيجاز والاختصار بدل استخدام كلمتين استخدمنا كلمة واحدة الأمثلة على ذلك المثال الأول قوله تعالى : ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا[الانسان: 6].
أجاب الشيخ :
نعم انتبه معي إلى المثال الآن الفائدة هي الإيجاز والاختصار وهذا مقصد من مقاصد اللغة العربية أن تأتي بالكلام بإيجاز باختصار يعني في الكلام المتين في الكلام الفصيح في الكلام الذي ينظم نظماً ونحو ذلك هذا الأفضل فيه أن يكون مختصراً أما في الكلام الذي يكون فيه شرح وبسط ونحو ذلك هذا يكون واضحاً للسامع بشكل أكبر أما بالنسبة للكلام الذي يُنظَم نَظْماً أو يأتي بعبارة عربية فصيحة بليغة فإنه غالباً ما يستخدم فيه الإيجاز والإيضاح، ومن أدوات الإيجاز والإيضاح ما يسمى بالتضمين نأخذ الآن الأمثلة مثالاً مثالاً.
قال أحد الطلبة :
المثال الأول قوله تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ ﴿ يَشْرَبُ بِهَ﴾ عادة فعل يشرب أن يعدى بمن وقد عدي هنا بحرف الباء والسر في ذلك بتضمين فعل يشرب بفعل يروى فيكون المعنى عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فجاءت الآية في أتم أساليب البلاغة والإيجاز لأن المقصود ليس شربهم فقط بل يشربوا ويَرْوَوْا لذا عديت بالباء ولو قال يروى فقط بدل الشرب لما دلت على لذة الشرب.
أجاب الشيخ :
الآن تأمل هذه الآية ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ الشرب عادة عندما تتكلم أنت بلسانك في هذا العصر عندما تريد أن تتكلم عن الشرب هل تعد الشرب بالباء أم ماذا؟ شربت بالكأس أو شربت من الكأس؟ تقول شربت من الكأس هذا هو المعتاد في الكلام جاءت الآية على غير هذا الاستعمال المعتاد جاءت الآية لتقول ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾فعندما تتأمل الحال هذه عين وهذه العين عادة يشرب منها ولا يشرب بها العين كيف يشرب بها الكأس ممكن أن يشرب به لكن العين كيف يشرب بها لا يمكن أن يشرب بها فعينا يشرب بها وكان الأصل في الاستعمال المعتاد ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾منها ﴿عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ فلما جاءت الباء هنا محل من هذا هو الكلام عندك الآن لفظ يشرب إذا عديت بمن فهي على أصلها أنه شرب هذا الماء وانتهى الأمر لكن بالنسبة لها إذا عديت بالباء فإنها تضمن معنى آخر الفعل الأصلي يبقى على معناه الأصلي وهو الشرب ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ ولكن أضيف لهذا الفعل يشرب أضيف له معنى آخر وهذا المعنى الآخر تضمنه فعل آخر هو يروى لأن يروى عادة تعد بماذا؟ تقول ارتويت بالماء فعادة هذا الفعل يروى في لغة العرب يعد بالباء فجاءت الباء هنا لتلفت نظرك إلى فعل لم يذكر ولكنه مضمن لفعل يشرب كأن الآية جاءتك على هذا النحو ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ منها ويروى ﴿بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ .
ما الذي حصل ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ منها جاء فعل يشرب وبقي وحذف منها ثم ويروى حذف الفعل وبقي حرف التعدية الذي يناسب الفعل الآخر وجيء بفعل واحد الفعل الأول وجيء بحرف واحد الذي يناسب الفعل الذي حذف بقي عندنا فعل وحذف الحرف الذي يتعدى به وبقي عندنا حرف وحذف الفعل الذي يعدي به هذا الحرف فمن الأربعة حذف اثنان وبقي اثنان والآية باقية على معناها بأوجز عبارة وأوضح إشارة وأفصح كلام ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَ أي عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فهم لا يشربون الشرب مجرد لا يشربون شرباً يكون معه ارتواء ليس شرب مجرد في الجنة ما في شرب والله أن تبقى ظمآن قليلاً بل إن الشرب يقدرونه تقديراً بمعنى ماذا ؟ تشرب حتى تروى ما فيه زيادة ولا نقص يعني بعضنا فإن كان ظمآن جداً فإنه يشرب ويشرب بحسيباً فمن الشرب هذا قد أصابته التخمة من الماء تأذى من كثرة ما شرب سواء من الماء أو من أنواع العصير ونحو ذلك في هذه الحياة الدنيا فيشرب يشرب يظن أنه بحاجة فإذا انتهى فإذا هو قد جاوز أو انه لا يجد ما يريد فيشرب قليلاً ويبقى عنده شيئاً من الظمأ، في الجنة ما في هذا الكلام تشرب وتروى وارتواءك بقدر حاجتك يقدروها تقديرا مقدرة فتشرب تشرب ينتهي الشراب أنت ارتويت استوفيت حقك تماماً من هذا الشراب فشربت بقدر ما تحتاج إليه في جنات عدن أسأل الله لنا جميعاً من فضله.
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الحج:25]. ﴿ يُرِدْ فِيهِ ﴾ أصل فعل الإرادة يتعدى بنفسه ولا يحتاج إلى فعل حتى يعديه فتقول أردت كذا وكذا وأراد فلان كذا وكذا من غير حاجة إلى فعل يعديه إلى مفعوله .
أجاب الشيخ :
بالنسبة للأفعال في اللغة العربية منها ما يتعدى بنفسه تقول أردت الخير لفلان أردت العلم لفلان أردت الصحة لفلان أردت كذا وكذا أردت المال أريد أن أخذ مال أردت الدعوة أردت الصلاة أردت قراءة القرآن وهكذا فهذا الفعل فعل الإرادة أراد يتعدى بنفسه لا يحتاج إلى حرف يعديه بينما عندنا أفعال تحتاج إلى حرف يعديه مثل ما مر علينا بفعل الشرب تقول شربت من الماء لا تقول شربت الماء هكذا إلا إذا كنت تريد شرب الماء مجرداً فعندما تتأمل هذه الأفعال في لغة العرب تجد أنها تختلف منها ما يتعدى بحرف ومنها ما لا يتعدى بحرف مثلاً أن تقول ذهبت ذهبت هل ممكن أن تلغي حرف التعدية الذي يأتي بعد ذهب فتقول ذهبت المدرسة ذهبت المسجد ذهبت الحلقة هكذا لا وإنما لابد من حرف تعدية فتقول ذهبت إلى المسجد قدمت من المسجد وهكذا ونحو ذلك عندنا إذاً كلمات في اللغة لابد من حرف يعديها حتى في استخدامنا نحن ، في السليقة موجودة إلى الآن لابد من حروف لبعض الأفعال وهناك بعض الأفعال لا تحتاج إلى حروف بالنسبة للإراد الواردة في هذه الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الإرادة من المعلوم أن تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى حرف يعديها ابداً فلِمَ عديت بحرف فيه هنا في هذا الموطن من كتاب الله عز وجل.
قال أحد الطلبة :
فالآية هنا عدت فعل يرد بـ فيه وهو حرف جر ليضمن والله أعلم فعل الإرادة معنى مناسباً لحرف الجر وهو فعل الهم كما ذكره بن القيم رحمه الله في زاد الميعاد فيكون المعنى ومن يرد أن يلحد في البيت الحرام أو يهم فيه بهم ظلم وسوء وإلحاد فإن الله سيذيقه من العذاب الأليم.
أجاب الشيخ :
احسنت بارك الله فيك تأملتم المعنى جيداً لأن الآن الله سبحانه وتعالى يريد أن يحذر من جاء إلى هذا البيت الحرام أن يعتدي فيه بأي نوعا من الاعتداء مهما كان هذا الاعتداء أي إلحاد في البيت الحرام أي أي ميل عن السبيل الحق عن الصراط المستقيم في البلد الحرام أمره يختلف ليس كغيره فالآية تقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدٍْ﴾ يرد فيه الإرادة أصلها ماذا؟ هي عادة تطلق على الإرادة الجازمة بأن يرد إرادة جازمة كاملة تامة بالبيت الحرام أن يفعل فيه شيء فيه إلحاد في فسق فيه فجور فيه اعتداء على الأعراض فيه اعتداء على الدماء فيه اعتداء على الأموال فهذا التهديد من الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ لكن هل المراد فقط الذي يريد فيه إرادة جازمة كاملة تامة فقط هذا هو الآن جاءه الوعيد من الله سبحانه وتعالى بأن يذيقه من عذاب أليم فقط هل هذا هو المراد ؟ لا لو كان هذا هو المراد لاقتصرت الآية على قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ بدون" في "لم تأتي الآية على هذا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ وإنما تأتي الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ﴾ إلحاد ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فمجيء فيه هنا له مغزى.

فاصل قصير أيها الأحبة نبين بعد بإذن الله عز وجل مجيء هذا في هذه الآية وما مغزاة في كتاب الله سبحانه وتعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة كنا نعيش مع قول سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ذكرنا لكم أن الإرادة لو كان المراد هنا فقط الإرادة الجازمة أن يرد أن يلحد بهذا البيت العظيم إلحاداً ظاهراً بيناً لا يمنعه إلا مانع منه وأن هذا التهديد وهذا الوعيد إنما جاء لمثل هذا الذي أراد إرادة كاملة تامة فلم تأتي "في" هنا كانت الآية تقول لك : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾ إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولكن مجيء فيه هنا يدلك على معنى آخر نبه عليه ابن القيم رحمه الله ونبه عليه غيره أيضاً من أئمة أهل التفسير وهو أن الإراد هنا ضمنت معنى الهم وهذا المعنى يدركه الأئمة رحمهم الله ولذا يحرمون ويشددون وينكرون على من هم ولو مجرد الهم في الإلحاد بالبيت الحرام من أي أخذوا هذا المعنى أخذوه من هذه الآية فإذا حرم الأئمة رحمهم الله عليكم أن يكون هناك هم مجرد في محاولة الإلحاد في البيت العظيم أي محاولة الإلحاد ما هو الإلحاد أن تميل عن الصراط المستقيم هناك شيء من المحادة لله سبحانه وتعالى بأي شيء من أنواع المحادة أن تقترف معصية كبيرة أن تجاهر بنوع فسق في البيت الحرام أن تعتدي على مسلم سواء في عرضه تسبه تشتمه تعتدي على امرأة مسلمة ترميها في عرضها ونحو ذلك أو كذلك في مالاً تعتدي على مسلم فتأخذ ماله تعتدي عليه في بدنه وتضربه فتسبب له أذى لا يستحقه هذا كله من الإلحاد بالبيت العظيم ولذا جاءت الآية: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ الفي هنا دلت في بادئ الأمر على ماذا؟ على الظرفية واضح أي أن الإلحاد وقع في البيت الحرام ثم جاء بعد ذلك هذا الحرف الباء ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ﴾ عندنا إذاً كم حرف ؟ حرفان عندنا فيه الحرف الأول وعندنا بعد ذلك الباء فالفي دلت على الظرفية أن هذا الإلحاد وقع في البلد الحرام والباء هنا دلت على الإلصاق المجرد هي دلت على الإلصاق أن هذا الهم وهذه الإرادة ألصقت بالبلد الحرام لكنها جاءت هذه الباء تكلمنا عن "فيه" وانتهينا منها الآن سنتكلم على حرف الباء هنا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الفي دلت على الظرفية بظاهرها ولكن الباء هنا دلت على معنى آخر وهو تضمي فعل الإرادة فعل الهم بمعنى أن الله سبحانه وتعالى ينهاك فيقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدْفي البيت الحرام إلحاداً بظلم هذا هو المعنى الأول الذي دل عليه ظاهر المعنى الثاني ومن يهم بالبيت الحرام بإلحاد ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فضمن فعل الإرادة فعلاً آخر وهو فعل الهم ما الذي دلنا على فعل الهم هذا أي حرف؟ الباء الذي سبق كلمة إلحاد. من أين أخذنا هذا أخذناه لأن الإرادة أصلاً تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى هذه الباء فلما جاءت الباء دلتنا على أن الفعل الذي سبقها ضمن بمعنى آخر وهو الهم هنا لم الهم؟ لأن الباء تعدي عادة فعل الهم ولأن السياق دل على هذا الفعل واضح الباء لأن عندما تقول هممت تقول بكذا وكذا أو هممت كذا وكذا هممت بدخول الجامعة هممت بالسفر إلى كذا وكذا لابد وأن تعدي فعل الهم بحرف الباء فالباء إذاً هنا دلت على فعل هذا ما هو ؟ هو الهم لم هو الهم ؟ لأنه من المعتاد أن تعد هذه الكلمة بحرف الباء ولأن السياق دل على أن هذا الفعل هو المناسب لهذه الكلمة وهي الإرادة والإلحاد ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ فإذاً أيضاً كذلك عندنا الآن في الاية عندنا كلمتان دلت على معنين عندنا كلمتان في الأصل أنهما يدلان على معنى واحد ودل على معنين دل على معنى أربع كلمات لأن الإرادة لا تحتاج إلى تعدية بل تتجاوز مباشرة تذهب إلى المفعول به وهو الإلحاد يرد الإلحاد ثم عندنا الهم يتعدى بالباء فحذفت كلمة الهم حذفت هذه وجيء بالباء للدلالة عليها وأيضاً كذلك بالنسبة للإرادة عدي الباء للدلالة على الفعل وهكذا المقصود هنا أن تتبين أن هذا الاختصار دل على معنى مضمن في الكلمة الأولى ومن هنا تفهم استنباط الأئمة لهذا الأحكام من مثل هذه الآيات فلم يحرموا مجرد الهم لم يأتوا بشيء جديد من عنده وإنما جاء بشيء أخذوه وفهموه من كتاب الله سبحانه وتعالى .
وهذا يبين لك عظم الأماكن المقدسة وأن أمرها عند الله عز وجل جليل ليس بالهين أبداً وأنها أماكن لها قدرها لها عظمتها ولها حرمتها عند الله سبحانه وتعالى يبين ذلك ايضاً الآيات كثيرة جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن ليس الكلام عن الآيات الأخرى ولكن الكلام عن هذه الآية وإلا يكفيك في هذا سورة البلد التي استفتحها الله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ[البلد: 1، 2]. أي يا محمد إنما أحل لك هذا البلد ساعة من النهار فقط ثم عادت حرمته إلى يوم القيام والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً التي تبين لك هذا التعظيم الذي جعله الله عز وجل لهذا المكان المقدس وهو يبين لك لم حرم الله عز وجل مجرد الهم فقط أن يكون عندك هم بشيء من الإلحاد في البلد الحرام فإنك عندئذٍ متوعد من الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وهذا العذاب يكون في الدنيا قبل الآخرة كما بين الله عز وجل شيئاً من ذلك في سورة الفيل .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث قوله تعالى: ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ[الأنبياء: 77]. ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ﴾ الأصل في نصر أن يتعدى بعلى فيقال نصرت فلان على فلان ونصرت المحسنين على الكافرين فالآية هنا عدت فعل نصر بلفظ من لتضمين نصرناه بمعنى انتقمنا له فيكون المعنى انتقمنا من الذين كفروا بأن نصرناه عليهم .
أجاب الشيخ :
نعم هذا أضاح أيضاً من جهة التضمين ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُو﴾ فإن نقرأ من المعلوم أنه يتعدى بحرف على فتقول نصرت المسلمين على الكافرين أسأل الله عز وجل أن ينصر أمة الإسلام على أمم الكفر جميعاً فهذا الفعل نصر يتعدى عادة بعلى تقول نصرت فلاناً على فلان ولكن الآية لم تأتي بهذا الآية جاءت ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِما هو الفعل المناسب للسياق الذي يتعدى بمن هنا؟ هو فعل انتقم فعندنا انتقم تقول انتقمت من فلان أو تقول انتقم فلان من فلان فالله سبحانه وتعالى عدى هذه الكلمة ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِعداه بهذا الحرف من ليبين لك أنه ليس انتصاراً مجرداً لم يكن هذا نصر للنبي على قومه وهو انتصار مجرد لا وهو انتصار فيه انتقام ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي ونصرناه على القوم وانتقمنا منهم فهو انتصار متضمن للإنتقام لأن من هنا يناسبها اللانتقام في مثل هذا السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرً[النساء: 2]. ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى﴾ الأصل في فعل أكل أن يتعدى بنفسه فتقول أكلت كذا وكذا فالآية هنا عدت فعل الأكل بحرف إلى لتضمين الأكل معنى الجمع والضم فيكون المعنى ولا تأكلوا أموالهم ولا تجمعوها وتضموها إلى أموالكم حال كون هذا الضم فيه من الإضرار ما في أكل أموالهم بالباطل إذ ليس النهي عن مجرد الأكل فقط وإنما النهي عن أي ضرر وإضرار بأموال الأيتام حتى لو لم يكن أكلاً وهذا المعنى دلت عليه كلمة إلى .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآية : ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ الأكل من المعلوم أنه يتعدى بنفسه تقول أكلت كذا وكذا لا يحتاج إلى حرف" إلى" لا يحتاج حرف يتعدى به ولا تقول أكلت إلى كذا وكذا وإنما يتعدى بنفسه كما هو معلوم في الكلام المعتاد فالآية لم تأتي على هذا النحو وإنما جاءت ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ فما فائدة هذا الحرف؟ الفائدة هنا أن كثيراً من الناس يظن أن النهي إنما جاء فقط عن الأكل وإذا قلت له كيف فهمت هذا ؟ قال لك الآية إنما نهى فقط عن أكل أموال اليتامى ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ وإذا سمع أحد يقول له يا أخي لا يجوز الإضرار بمال اليتيم والضعيف والمسكين والمرأة والصغير والسفيه ونحو ذلك لا يجوز أن تتعدى عليه بأي نوع من الأنواع الضرر مطلقاً حتى وإن كان هذا الضرر مجرد جمع تجمعه إلى مالك أن تضعه مع مالك فيتضرر من جهة خفية فلا يجوز لك هذا محرم بل هو من أكبر الكبائر من الكبائر العظيمة جداً عند الله سبحانه وتعالى يقول لك يا أخي وين هذا أين هذا من كتاب الله سبحانه وتعالى هذا مسطر في كتاب الله وبين وواضح وعندما تكلم أهل العلم في ذلك تكلموا عن علم وبيان وعن استدلال من كتاب الله فالنهي هنا عندما جاء في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ إلى هذه ليس لها معنى لو كان المقصود مجرد فقط الأكل لأن هذا الفعل لا يتعدى بإلى أبداً في لغة العرب لما جاء هذا الحرف هنا دل على هذه التعدية المهمة التي توضح المنهي عنه في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ جاءت هنا لتبين لك أن مجرد الإضرار لا يناسب أبداً لم لأن الأكل هنا لو تأملنا الأكل هو أخذ هذا المال وأكله يأكل هذا المال بمعنى أنه يستعمله استعمال مباشر في ما يحتاج إليه من أمور دنياه إلى ما الكلمة التي تناسب السياق هنا وتناسب الحرف الذي عدي به هذا الفعل فعل الأكل الذي هو إلى هنا ما الكلمة التي تناسب هذا السياق وتناسب هذا الحرف إلى في هذا الموطن ما هي الكلمة؟ الجمع والضم معنى الكلام إذاً يكون: ولا تأكلوا وتضموا ولا تجمعوا أيضاً أموالهم إلى أموالكم أي في حال كون هذا الجمع والضم فيه إضرار عليهم كل ذلك منهي عنه مجرد الجمع والضم لأن الكلمة المناسبة هنا للسياق والتي أيضاً تناسب حرف التعدية إلى هي الجمع والضم هي الجمع فجاء النهي عن أكل المال وجاء النهي عن أيضاً مجرد الجمع والضم الذي فيه إضرار لهؤلاء الأيتام من أين أتينا بهذا المعنى الجمع والضم أتينا به من حرف التعدية الذي هو إلى لأن الذي يناسب السياق هي هذه الكلمة الجمع والضم حرف التعدية" إلى" واضح الكلام فإذاً النهي عن جميع الأحوال التي فيها شيء من الإضرار بأموال الأيتام بأي طريقة كانت فإن الله عز وجل حرم هذا الإضرار أشد التحريم بأي نوع كان هذا الإضرار بالأكل أو بغير الأكل .
قال أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ سبق وشرحت فضيلتك قول الله عز وجل : ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ[مريم: 23]. فلو طبقنا هذه القاعدة فنقول يكفي أن يقال فجاءها المخاض إلى لأن جاء هذا الفعل يتعدى بنفسه جاء فلان كذا أو فجاءها المخاض إلى فستقوم بنفس المعنى فلم أضيف الألف ليصبح المعنى ﴿ فَأَلجأها﴾ ؟
أجاب الشيخ :
يعني ألف التعدية لما جاء هنا هو المقصود إذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة المقصود هنا في هذه القاعدة هو التضمين فالذي حصل الآن أن فعل جاء ضمن فعل آخر وهو فعل ألجأ فعندنا جاء أصلاً فعل وعندنا ألجأ فعل مضمن بهذا الفعل أما بالنسبة لأجاء فأجاء هذه للتعدية وقد ذكرت لك سابقاً الفرق بين مثلاً عندما نقول نام وأنام ذهب وأذهب ما الفرق بينهما يعني الآن مسألة الإلجاء من أين جاءتنا؟ جاءتنا من هذه الهمزة من همزة التعدية .
(وسأل أحد الطلبة) فجاءها المخاض فألجأها إلى .
أجاب الشيخ :
جاءت للاثنين معاً لكن همزة التعدية لها دلالة كبيرة جداً في مسألة الإلجاء يعني أن تقول جاء محمد إلى خالد هل هناك إلجاء إذاً فالإلجاء في إلى لم يأتي واضحاً صريحاً وإنما جاء معنى الإلجاء هنا جاء من شيئين جاء من همزة التعدية الآن ما الذي جاء بمريم عليها السلام إلى جذع النخلة ما الذي جاء بها؟ جاء بها المخاض أليس كذلك فأنا أقول كأني قلت مثلاً ذهب وأذهب ذهب محمد إلى كذا أذهب محمد فلان كذا فمحمد هو الذي اضطر فلان هذا إلى الذهاب يعني هو الذي فعل بفلان الذهاب لأن هو الذي هو أذهبه كذلك أنام لما أقول نام محمد أنام محمد محمد الآن هو الذي ماذا هل هو الذي نام أم هو الذي أنام ؟ هو الذي أنام سمع وأسمع هو الذي أسمع فالمخاض هو الذي فعل ماذا؟ فعل المجيء بمريم إلى جذع النخلة فهذا الذي حصل الآن ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ أي أن المخاض هو الذي جاء بمريم ليس من اختيارها وليس من هواها ورغبتها لما جاء المخاض إلى جذع النخلة ما هناك دلالة على أن المجيء من المخاض جاء المخاض لمريم عند جذع النخلة لكن أجاء معناه أن الذي جاء بمريم عند جذع النخلة هو ماذا؟ هو المخاض هو الذي جاء بمريم عند جذع النخلة فأجاءها هو الذي فعل بها المجيء أما مسألة الإلجاء فهي فُهِمت من مجموع هذا الكلام مع السياق ودلالة السياق دلالة لابد أن تكون ثابتة في هذا كله فعندنا دلالة الحرف ودلالة السياق فالمجيء ثابت والإلجاء إلى المجيء ثابت والذي دلنا على هذا المعنى هو السياق مع حرف التعدية مع أيضاً كذلك إلى هنا لأنه جاء كما تعرف تارة تتعدى بنفسها وتارة لا تتعدى بنفسها فعديت بنفسها هنا لبيان مزيد حال المجيء لأنها واصلة بين مريم وبين مجيئها إلى جذع هذه النخلة.
قال أحد الطلبة :
المثال الخامس قوله تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63]. ﴿يُخَالِفُونَ عَنْ﴾ الأصل تعديته بنفسه وقد عدي بعن لتضمن مخالفة معى الإعراض أي يخالفون حال كونهم معرضين .
أجاب الشيخ :
نعم ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ الأصل كما هو معلوم أن تقول خالفت فلاناً والآية لو جاء على هذا النحو ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره لكان الكلام مستقيم في الظاهر ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمر الله سبحانه وتعالى بل إن هذا هو الأصل المعتاد فلم جاءت عن هنا ما سر مجيء عن هنا تأملوها؟ تضمين ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي أن هذه المخالفة لم تكن غير مقصودة وإنما مخالفة فيها إعراض لأن عن تقول أعرضت عن كذا وكذا فجاءت عن للدلالة على الفعل المحذوف وهو الإعراض ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره حال كونهم معرضين عن أن الذي يخالف وهو ليس بالمعرض ليس الخطاب له هنا. نقف عند هذا الحد . أسأل الله عز وجل لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته اللهم أنر قلوبنا بكتابك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



توقيع أم أسماء
قال ابن القيم رحمه الله:
(القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية
ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر
ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى
ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة)

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 18-12-08 الساعة 01:42 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً