عرض مشاركة واحدة
قديم 15-12-08, 03:50 PM   #26
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الواحد و العشرين:بداية المرحلة الثالثة:



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنياء والمرسلمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين.
حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة، وكنا تكلمنا سابقاً عما يتعلق بالمرحلة الثانية والتي تدور في محورها عن حروف المعاني وأنا أشعر بل وأعلم أن الكلام عن حروف المعاني في كتاب الله عز وجل لا يمكن أن يكون بمثل هذه العجالة، ولكن يكفينا ضرب المثال في هذا الباب تأصيل القواعد العامة وذكر الحدود التي لابد منها في هذا الباب، أما ما يتعلق ببعض التفاصيل والدخول في بعض الحروف وذكر بعض المعاني وذكر الخلاف عند شدة النظر في المضائق فهذه مسألة أخرى بإمكان طالب العلم أن يتجوازها بإذن الله عز وجل وبإعانة منه إذا دأب على دراسة هذا الأمر وعلى تفحصه والبحث فيه والنظر في كلام أهل العلم وهو أمر ليس بالعسير أبداً ولكن يحتاج إلى شيء من الهمة شيء من بذل ما في الوسع في تعلم العلم الشرعي، والذي من أعظمه وأكبره وأكمله وأتمه ما يتعلق بكتاب الله سبحانه وتعالى، إذاً هذه المراحل يكفي فيها ما سبق من جهة التقعيد ،وكذلك من جهة ضرب المثل يكفي فيها ما سبق. وننتقل بعد ذلك حتى لا يطول بنا المقام ننتقل إلى المرحلة الثالثة إن كان هناك من سؤال قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة فمن الآن.

سأل أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ ، ذكرنا في الحلقة السابق ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[الملك: 16]. وعلمنا أن الله عز وجل في السماء وقلنا أن "في" بمعنى "على" فكيف يكون ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ﴾. "على" السماء، فمن باب أولى أن الله عز وجل استعلى فوق السماء واستعلى فوق كل شيء.
أجاب الشيخ :
هذه المسألة راجعة إلى تقعيد هذه المسألة، والكلام فيها راجع إلى مسألة عقدية كبيرة جداً وتكلمنا عنها سابقاً في مسألة علو الله سبحانه وتعالى، والدخول في هذه الآية تبدأ بمجيء حرف "في" محل حرف "على" هنا قد لا يناسبه هذا المقام ولكن أشير إلى ذلك إشارة، أولاً المراد قطعاً ويقيناً أنه سبحانه وتعالى "على" السماء لأنه جل وعلا ليس في السماء بمنع الظرف ليس هكذا أبداً بل المراد أن الله سبحانه وتعالى على السماء فهو جل وعلا عالٍ فوق سمواته سبحانه وتعالى فهذا هو المراد يقيناً لكن الكلام في مسألة أخرى، وهي لما جاء حرف "في" مكان حرف "على" في هذه الآية، ما سر ذلك إذا كان المراد هو العلو والاستعلاء المطلق لله سبحانه وتعالى على خلقه وليس العلو المجرد وإنما العلو الذي فيها قهر وفيه غلبة لأن المقام الآن مقام تهديد ومقام ووعيد ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ[الملك: 16]. ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبً[الملك: 17]. الكلام كله من قبيل التهديد والوعيد مع فلما جاء حرف "في" مع حرف "على" هنا هذا خلاف بلاغي لا علاقة له بالمسألة العقدية ولكن ينظر فيها المتأمل ويحاول أن يبحث في أسرار الله سبحانه وتعالى ليبحث ما السر في مجيء هذا الحرف مكان هذا الحرف أما كمسألة عقدية فهي مقررة ومبسوطة في كتب العقائد الجواب عن السؤال الأخير لما جاء هذا الحرف مكان هذا الحرف قد يجول في ذلك الفكر ولكن مما سبق أن تباحثت به مع بعض طلبة العلم ممن لهم عناية في هذا الباب فكأننا خرجنا بأن حرف "في"، جاء هنا لبيان مزيد تمكن قدرة الرب سبحانه وتعالى ـ من الخلق في جميع أحواله لأن حرف "على" يدل على الاستعلاء: استعلاء قهر استعلاء غلبة استعلاء ذات من الله سبحانه وتعالى، وحرف يدل على معنى الظرفية. فقوة الرب سبحانه وتعالى وغلبته وقهره لعباده جل وعلا هو ليس فقط من العلو المطلق إنما هناك جنود لله سبحانه وتعالى في السماء والأرض فجنوده سبحانه وتعالى منها الملائكة وجنوده سبحانه وتعالى منها الرياح وجنوده سبحانه وتعالى منها هذه النجوم وجنوده سبحانه وتعالى هذه الكائنات الصغيرة والكبيرة في هذا الخلق فكل الخلق من أوله لأخره إنما هو من جند الرب سبحانه وتعالى فهناك جنود عظام كبار وهناك جنود بلغوا من الدقة مابلغوا وأنت ترى أن هذه الدنيا قد يفعل بها هذا الجندي الصغير مثل الأمراض الفتاكة التي تكون من بعض الفيروسات التي لا ترى إلا بالمجاهر التي تكبر مساحات شاسعة جداً أضعاف لا تكاد تعرف لها قدراً و حداً هذه الفيروسات الصغيرة تجد أنها في المكان والتأثير على هذه المخلوقات أعظم من المخلوقات الكبيرة ،أولاً لأنها شديدة الأثر وثانياً أنها دقيقة جداً ، فالمقصود أن جنود الله سبحانه وتعالى في سماءه وفي أرضه ليس لهم حد وليس لهم حصر فيناسب هنا في هذا الموطن، والإشارة الآن إلى التهديد والوعيد بقوة الله سبحانه وتعالى، وبما له سبحانه وتعالى من الجنود في السماء والأرض، يناسب هنا أن يأتي حرف في لأن هؤلاء الجنود هم محيطين بك هم معك في هذه الأرض فيناسب هنا ذكر الظرفية ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾. الله سبحانه وتعالى في علوه ولكن جنوده في السماء والأرض فيناسب ذكر "في" هنا الدالة على الظرفية في السماء والدالة على الظرفية في الأرض ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[الملك: 16]. فالكلام عن السماء ﴿ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾. والكلام عن الأرض، ﴿ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾. ففي السماء له سبحانه وتعالى جنود وفي الأرض له جنود فناسب أن تأتي الإشارة هنا إلى شيء من جنوده جل وعلا الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى في سماءه وهناك من الجنود من هم أيضاً في أرضه جل في علا فقيل: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، فمن في السماء تضمنت الإشارة إلى علو الله عز وجل لأنها على معناها الأصلي في الاستعلاء الظرفية هنا باقية والمعنى الذي جاء في هذه هو الاستعلاء لأن الكلام عن الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك إشارة إلى جنود الله سبحانه وتعالى الذين هم في السماء وهذه الإشارة دل عليها هذا الحرف الذي هو حرف "في" .واضح هذا اجتهاد في الاستنباط قد يصيب وقد يخطئ ولكن ذكرت لك ما وقفنا عليه بعد تباحث ونظر طويل في هذه الآية والله عز وجل أعلم بمراده.

سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً عن هذا الشرح والإيجاز لكن هنا في سؤال نرى كل هذا الإعجاز البلاغي في القرآن من تضمن ومعاني في الحروف حجة على أن هذا القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو تنزيل رب العالمين، ولكن كيف يكون حجة على الأعاجم؟

أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا السؤال ليس له علاقة مباشرة بما نحن وفيه ولكن يتعلق بعموم هذه الدروس التي تتكلم شيء من إعجاز كتاب الله سبحانه وتعالى من جهة والفصاحة والبيان والبلاغة والبديع ونحو ذلك :هذا القرآن نزل حجة في هذا الجانب على من يتكلم بلسان عربي مبين سواء كان هذا الكلام أخذه سليقة عربية :عاش بين العرب فأخذه عنهم أو تعلمه بعد ذلك وأدرك فصاحة هذه اللغة وأدرك ما فيها من أنواع العلوم التي تتعلق بالمعاني تتعلق بالبديع تتعلق بالبيان تتعلق بأمور راجعة كلها إلى مسألة الفصاحة وعلو الكعب في إيضاح المقصود فهو في أصله ليس إلى كل يعني هذا الإعجاز ليس موجه إلى كل الناس أولهم وآخرهم إنما هو في مبدئه موجه إلى من يتكلم بلسان عربي مبين هذا الأمر والأمر الآخر وهو أننا حقيقة لا نريد كل من يتكلم بلسان عربي مبين بمثل هذه الدروس وبمثل هذا البيان وإنما نريد من يقرأ كلام الله عز وجل ومن له اهتمام وعناية بهذا القرآن أما من لا عنده شيء من الاهتمام بكتاب الله سبحانه وتعالى ،من لا يطالع هذا القرآن ولا يقرأه مجرد قراءة ،كل مدة طويل قد يمكث عن كتاب الله عز وجل اسبوع أو اسبوعين أو ثلاثة وأربعة ما اطلع على كتاب ،الله ليس له ورد يومي من كتاب الله سبحانه وتعالى فأيضاً هذه الدروس خصوصاً فيما يتعلق بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن ليست له وإنما الكلام مع من له همة في فهم كتاب الله عز وجل له رغبة في معرفة هذا إعجاز هذا القرآن حتى يقر هذا الإعجاز في قلبه بدءاً يعني حتى يقر هذا التعظيم هذا الإجلال لكتاب الله في قلبه هو أصلاً ونحن الآن وللأسف الشديد نعيش في زمن تعظيم كتاب الله سبحانه وتعالى قد ضعف في أفئدة كثير من المسلمين بل وضعف في أفئدة كثير من طلبة العلم فتجد أن علاقته مع كتاب الله سبحانه وتعالى أن قراءته لهذا القرآن أن تدبره بالقرآن أن حياته مع كتاب الله سبحانه وتعالى ،أن خضوعه ، ذله ،بكاءه مع كتاب الله هذا ضعيف جداً سبب ذلك هو عدم فهمه الفهم الوافي الكافي لكتاب الله سبحانه وتعالى فالدروس إذن في هذه المرحلة هو موجه لطلبة العلم لأجل أن يقتربوا من كتاب الله عز وجل أكثر وأكثر ولأجل أن يدركوا عظمة هذا القرآن ولأجل أيضاً أن ينقلوا بعد ذلك ما تعلموه وما فهموه إلى عموم المسلمين باسلوب يكون سهلاً ميسراً قريبا إلى أذهانهم قريباً إلى أفئدتهم يكون معه شيء من جذب هؤلاء المسلمين إلى كتاب ربهم لأن الدعوة الحقة لا تكون إلا من خلال كتاب الله سبحانه وتعالى فإذا رأيت دعوة من الدعوات لا تتعلق بكتاب الله تعلقاً كاملاً فاعلم أن هذه الدعوة ليست دعوة حقة وليست دعوة سليمة بل هي دعوة يعتبرها النقص يتخللها الخطأ والخطأ البين، وإنما الدعوة تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وهداية الناس تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وربط الناس بدين الله يكون من خلال كتاب الله جل وعلا فمن أنسب ما يكون إذا تعلمت ذلك وفهمته وأدركته وجلست أمام الناس تريد أن تعلمهم أن تهديهم أن تبين لهم أن يكون ذلك من القرآن فأنت فهمت فهماً خذ من هذا الفهم ما ترى أن الناس يستوعبونه أن الناس يفهمونه وأوصله لهم وبذلك تربط بينهم وبين كتاب الله وأنت إذا ربطت بين أي مسلم وبين كتاب الله سبحانه وتعالى تكون قد هديته إلى صراط المستقيم واتركه بعد ذلك فإن كتاب الله هو الذي سيتولاه وهذا القرآن مع كل الناس في كل أوقاتهم في كل أماكنهم يستطيعوا أن يقرءوا القرآن في السيارة في الطيارة وهو ماشي على قدمية وهو في بيته وهو متكئ وهو مضطجع وهو في شغله وعمله وهو في فراغه وراحته هذا القرآن مع الناس في كل وقت يستطيع أن يقرأ ولو من قصارى السور فإذا ربطته بكتاب الله ودخلته مع هذا القرآن عندئذٍ قد تكون حقاً قد هديته إلى صراط الله المستقيم. هذا الذي نريده الآن أما الكلام مع غير المتكلمين باللغة العربية فلهم كلام آخر ولهم حديث آخر قد يكون هذا النوع من الحديث يناسبهم ولكن من وجه آخر ، وقد يكون هناك أنواع من الكلام أنواع من الحديث أنواع الحوار تناسبهم أكثر من هذا النوع من البيان والإيضاح واضح يا إسلام جزاك الله خير.

قرأ أحد الطلبة :
المرحلة الثالثة: معرفة دلالة الجملة الواحدة وما يتعلق بها ثم دلالة الجمل التي تتكون منها الآية :
تمهيد الجمل لها أثر في معرفة الترجيح وإدراك أكمل المعاني وأتم أوجه التفسير عند الكلام عن كتاب الله عز وجل ولذلك فلا بد أن يكون طالب العلم عارفاً بكثير من قواعد النحو واللغة وأوجه الإعراب و معاني الجمل التي تدل عليها في علم البلاغة وفي الأخص علم المعاني والبديع .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذه المرحلة هي المرحلة الثالثة انتهينا من موضوع الكلمة ثم انتقلنا بعد ذلك إلى حروف المعاني ثم بعد حروف المعاني ارتبطت هذه الكلمات بهذه الحروف فكونت لنا جمل فالكلام الآن إذن عن المرحلة الثالثة المتعلقة بالجمل والمقصود هنا معرفة دلالة الجملة: لكل جملة دلالة في لغة العرب هناك هذه الجمل لها دلالة لن نقف طويلاً عند هذه المرحلة لا وإنما سنعرض لها عرضاً يكون مناسباً للحال لأن الكلام عن الجمل قد يكون فيه شيء من المشقة شيء من الصعوبة نؤجل هذا إلى دروس أخرى ولكن الذي أريده الآن منك في هذه الدروس أن تفهم فهماً مبدئياً لما يتعلق بالجمل في كتاب الله عز وجل حتى لا يعسر عليك هذا الأمر حتى لا ينخرم معك هذا التسلسل: عندك تسلسلاً الآن تسير عليه عندك درج تصعد من خلاله تريد أن تصل إلى فهم كتاب الله سبحانه وتعالى هذا التسلسل خذه مرحلة مرحلة إذن لابد أن نمر على الجمل ولو لم نقف عليها طويلاً لكن لابد أن نمر عليها حتى تفهمها ولو فهماً يسيراً يكون معه فتح مجرد أبواب ونوافذ يسيرة في هذا الشأن بعده بإذن الله عز وجل لك أن تواصل ما شئت.
إذا معنى المرحلة الثالثة ما يتعلق بمعرفة دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى هذه الجملة لها دلالة وإذا تكونت مع جمل أخرى يكون لها دلالة هامة.
دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى إذا جاءتنا جملة فإن لها ولاشك دلالة معينة وهذه الدلالة تختلف: فحيناً تكون دلالة هذه الجملة تكون بحسب موقعها من الإعراب قد تكون الجملة كلها من أولها لأخرها قد تكون جملة ابتدائية قد تكون جملة خبرية يعني واقعة في محل رفع خبر قد تكون في محل نصب خبر كان في محل نصب اسم إن ونحو ذلك فالجملة قد تكون في أصلها الجملة لا تكون إلا أردناها من جهة الإعراب الجملة لا تكون إلا خبراً من المعلوم أن المبتدأ لا يكون إلا مفرداً ن المبتدأ في العرب لا يكون إلا مفرداً فما يتعلق بالجمل الجمل لا تكون إلا بالنسبة للجمل إذا أردت أن تكون منها جملة إسمية فإن المبتدأ يكون مفرداً لا يكون جملة أبدا وعندنا الخبر قد يكون مفرداً وقد يكون جملة.
من جهة دلالة الجملة عندئذ الجملة لا تكون إلا خبراً هذه مسألة والأمر الآخر هذه الجملة قد تكون فعلية وقد تكون اسمية وللجملة الفعلية دلالة وللجملة الاسمية دلالة أخرى الجملة أيضاً قد تكون حالية ودلالتها إذا كانت حالية لها معنى آخر قد تكون كذلك جملة اعتراضية تعترض بين الجمل الأخرى فهذه لها دلالة. قد تكون هذه الجملة تفسيرية تفسر ما قبلها ونحو ذلك من أنواع الجمل في كتاب الله عز وجل لن نعرض هذا كله وإنما أذكره لك الآن فقط لمجرد العلم حتى في ذهنك بعدئذٍ بإمكانك أن تبحث عنه ما شئت ولكن سأختص هنا بالكلام عن الجملة الإسمية والجملة الفعلية وذلك أن الجملة الإسمية وردت كثيراً في كتاب الله جل وعلا والجملة الفعلية قد وردت كثيراً في كتاب الله فنريد أن نقصر الكلام على الجملة الأسمية والجملة الفعلية أما ما عدا ذلك فأولاً هذه الجمل قد لا تكون تكررت كما تكررت الجمل الإسمية والفعلية وأيضاً بإمكانك أن تقف عليها بعد حين بإذن الله بالاستعانة ببعض المراجع التي تكلمت في هذا الشأن.

قرأ أحد الطلبة :
الجملة تنقسم في لغة العرب إلى اعتبارات :
اعتبار محلها من الإعراب .
اعتبار الجمل ليس لها محل من الإعراب .
وهناك تقسيم آخر للجمل جملة إسمية وجملة فعلية وجملة وشبه الجملة فشبه الجملية إما أن ظرفية أو جار ومجرور وإنما المهم من جهة التفسير ما له علاقة بعلم المعاني مما له أثر في تفسير القرآن الكريم وهذه الجمل هي الجملة الإسمية ودلالتها الجملة الفعلية ودلالتها الجملة الحالية الجملة المعترِضة الجملة التفسيرية وسنقصر كلامنا في هذا البحث على جملتين أولاً الجملة الإسمية وقد اخترنا منها الجملة الابتدائية أو الاستئنافية على قول ابن هشام.
الجملة الاسمية تتكون من مبتدأ وخبر وهذا دليل على أنها جملة إسمية فالجملة الإسمية التي صدرها إسم ، فكل جملة صدرها إسم فهي في علم المعاني تدل غالباً على الدوام واللزوم والاستمرار .
أجاب الشيخ :
انظروا الآن إلى الانتقال بما يتعلق بعلم النحو إلى الانتقال فيما يتعلق بعلم المعاني فعندنا الآن في مبدأ الكلام كنا نقول بعدها جملة إسمية نسيمها هكذا جملة إسمية لما جئنا إلى علم المعاني أردنا أن نفهم ما الذي تدل عليه الجملة الإسمية الجملة الإسمية في علم المعاني لها دلالة هي في علم النحو تسمى جملة إسمية أما في علم المعاني ماذا لها من الدلالة تدل على الدوام واللزوم والاستمرار.

فاصل تليفـزيـونـي

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين حياكم الله مرة أخرى أيها الأحبة ونواصل الكلام عن الجملة الإسمية .
الجملة الإسمية لها دلالة في علم المعاني وذكرنا هذه الدلالة وهي الدوام واللزوم والاستمرار هذه هي دلالة الجملة الإسمية .
الجملة الفعلية هذه تسميتها في علم النحو لكن من جهة علم المعاني لها دلالة ما هي دلالة الجملة الفعلية في علم المعاني تدل على معنى مغاير للمعنى الأول فتدل على الحدوث والتجدد إذن الجملة الإسمية تدل على اللزوم والاستمرار والدوام والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد هذه الدلالة للجمل في لغة العرب لابد من العناية بها عندما تريد أن تفهم فهماً كاملاً لكتاب الله عز وجل فهما عالياً فهماً يكون معه إدراك لغالب ما جاءت دلالة الآيات عليه.
نأخذ بعض الأمثلة لأنه كما يقال بالمثال يتضح المقال أخشى أن يكون الكلام فيه صعوبه لكن بإذن الله بأخذ الأمثلة وشرحها وبسطها يتضح المقال وإن كان هناك من سؤال بالمباشرة يسأل عن الأمر حتى يكون الوضوح على أكمل وجه بإذن الله جل وعلا .
قرأ أحد الطلبة :
الجملة الإسمية مثالها ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]. ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2]. ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ[البقرة:2]. ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ[يس: 1، 2]. وغيرها كثير الحمد دائما لازما له سبحانه لا ينفك عنه بأي وجه من الوجوه .
أجاب الشيخ :
نعم نقف قليلاً هنا الآن الآية ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . هذه الجملة هل هي جملة إسمية أو جملة فعلية جملة إسمية لأن الحمد إسم : إذا أردنا أن نعربها إعرابا سريعاً ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ماذا نقول ﴿الْحَمْدُ﴾ مبتدأ ﴿ لِلَّهِ﴾ جار ومجرور ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ مضاف ومضاف إليه : ربِّ بدل، نعم إما خبر وإما بدل وإما أيضاً كذلك يجوز أن تعرب صفة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿الْحَمْدُ﴾ إذن جملة إسمية جاءت مبتدأ فهذه الجملة الآن لو أردنا أن نفهم دلالتها في علم المعاني لما أعربنا هذا الإعراب تابع لعلم النحو والآن سننتقل لعلم المعاني لأنه هو الذي له أثر كبير جداً فيما يتعلق بعلم التفسير علم المعاني يقول لك أن هذه الجملة تدل على الدوام اللزوم والاستمرار ﴿الْحَمْدُ﴾ بالنسبة لله سبحانه وتعالى هل هو مستحق للحمد تارة دون تارة وحينا دون حين وزمنا دون زمن وفي مكان دون مكان أم أنه مستحق دائماً سبحانه وتعالى للحمد مستحق استحقاق دائم وكامل للحمد الله سبحانه وتعالى يستحق هذا الحمد دون انقطاع فأنت لما تقرأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كأنك تحمد الله سبحانه وتعالى حمداً دائماً ثابتاً مستقراً لازماً لا ينفك عنه بأي حال من الأحوال هذه دلالة الجملة الإسمية أيضاً كذلك عندما تقول ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه جملة إسمية عبارة عن مبتدأ وخبر ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه الجملة الإسمية مبتدأ وخبر تدل على الدوام على اللزوم على الاستمرار لأن صفة الصمدية عن الله سبحانه وتعالى لا تنفك عنه أبداً فهو صمد سبحانه وتعالى دائماً لا تنفك عنه هذه الصفة بأي حال من الأحوال مطلقاً إذن أيضاً كذلك نأخذ المثال الثالث ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ هذه جملة أيضاً إسمية ﴿ ذَلِكَ﴾ إسم إشارة ﴿ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ فإذن هذه الجملة الإسمية تدل على أن هذه الصفة للكتاب صفة مستمرة دائمة ثابتة لا تنفك عنه مطلقا.
أيضاً كذلك في سورة يس ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الصفة ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه جملة إسمية في وصف كتاب الله سبحانه وتعالى ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الدلالة بالنسبة للجملة الإسمية هي دالة على الدوام و الثبوث والاستمرار بحيث لا ينفك هذا الوصف مطلقاً .هذا بما يتعلق بالجملة الإسمية وتأمل هذا كثيراً في كتاب الله سبحانه وتعالى وسيأتي لك أمثلة يتبين فيها الفرق بين دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية وإنك إذا خلطت بين دلالة هذه مع تلك فعندئذ يحصل نوع من ضعف المعنى وهذا لا ينبغي أبدا بل ينبغي أن تحمل الكلام على أتم الوجوه وأكمل أنواع البيان والفصاحة.
اقرأ ما يتعلق بالجملة الفعلية وكما قيل: وبضدها يتبين الأشياء يتبين لك الآن الفرق بين الجملة الإسمية والجملة الفعلية ويكتمل المعنى بإذن الله .
قال أحد الطلبة :
ثانياً الجملة الفعلية الأصل في دلالتها أنها تدل على الحدوث والتجدد مثال ذلك ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّ[مريم: 12]. ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً[مريم:15].
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك بالنسبة للآية الأولى ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ قوله سبحانه وتعالى ﴿ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ هذه جملة فعلية ﴿ خُذِ﴾ فعل أمر الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت يعني خذ يا يحيى الكتاب بقوة فالأمر من الله عز وجل أمر الله سبحانه وتعالى نبيه يحيى بأن يأخذ الكتاب بقوة تقدير الكلام خذ أنت الكتاب بقوة خذ إذن جملة فعلية الآن دلالة الجملة الفعلية هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ دلالة الجملة الفعلية هل بنفسها دلالة الجملة الإسمية لا بدليل أنك ستفرق الآن بين دلالة هذه الجملة وبين دلالة الآية الأخرى وهي قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ سترى الفرق بين دلالة هذه الآية ودلالة تلك الآية فالآية الأولى جاءت فيها الجملة فعلية والآية الثانية جاءت الجملة فيها إسمية انظر الفرق بين دلالة الجملتين.
قرأ أحد الطلبة :
وجه الدلالة الأخذ الذي أمر به يحيى وصف أنه يكون بقوة خذ فعل أمر وهذا الأخذ يحتاج إلى تجدد في الأخذ وهذا يتبين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) وفي لفظ (مائة مرة) .
أجاب الشيخ :
الحديث في صحيح مسلم كما هو معلوم وذكر في هذا الحديث من أجل بيان ما الذي أمر به يحيى. الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه يحيى عليه السلام ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ الآن هذه الجملة الفعلية التي أمر بها يحيى فعل الأمر هذا: دل على شيء هذه الدلالة هي دلالة التجدد والحدوث معنى هذا الكلام أن الله عز وجل أمر نبيه يحيى أن يأخذ هذا الكتاب بقوة ويتابع هذا الأخذ مرة بعد مرة وتارة بعد تارة وحيناً بعد حيناً لأنه لا يمكن أن يستديم نبي الله يحيى أخذ الكتاب بقوة في كل أحواله هو لا يستطيع ذلك لا يستطيع ذلك عليه السلام وإنما المطلوب منه هو أن يجدد الأخذ فيأخذ مرة ثم يجدد هذا الأخذ مرة ثانية ثم ثالثة يتابع نفسه فيما يتعلق بأخذ الكتاب بقوة ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ فهو أمر له بأن يأخذ هذا الكتاب بقوة وأن يتابع نفسه وأن يجدد هذا الأخذ مرة بعد مرة وحيناً بعد حين لأنه لن يستطيع أن يستديم أخذ الكتاب بقوة لما لم يستطع أخذ الكتاب بقوة داعياً في كل أحواله ؟هذا غير مستطاع من البشر، بدليل ماذا؟ بدليل أن النبي صلى عليه وسلم أخبر عن نفسه كما في صحيح مسلم (أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) ما معنى يغان على قلبي ؟ يعني يفتر صلى الله عليه وسلم عن الذكر شيئا من الوقت يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى من عاداته صلوات ربي وسلامه عليه أنه دائم الذكر لله عز وجل حيناً يفتر صلوات ربي وسلامه عليه كما القاضي عياض وكما قال النووي وكما قال غيرهما من أهل العلم ليغان على قلبي أي أنه يحصل في قلبه صلوات ربي وسلامه عليه بعد قليل فتور قليل عن مسألة الذكر عن مسألة إدامة الذكر الكامل التام لله سبحانه وتعالى لأنه غير مستطاع للبشر والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها فيحصل منه صلى الله عليه وسلم حيناً أنه يفتر عن الذكر قليلاً فإذا ذكر بعد ذلك صلى الله عليه وسلم استغفر الله سبعين مرة في لفظ آخر استغفر الله مائة مرة هذا هو المفروض فيحصل للإنسان ضعف يسير في ذكره لله عز وجل وفي عدم مداومته على الاتصال بالله سبحانه وتعالى الاتصال الكامل التام فيحصل ضعف يسير فيستغفر صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا الغان: الغان هو أن يكون هناك شيء غبار يسير جداً يقع على قلب بعض الصالحين بل على كل الصالحين على رأسهم إمامهم صلى الله عليه وسلم فإنه يغان على قلبه قليلاً ثم ينتبه فيذكر الله عز وجل فيستغفره سبعين أو مئة مرة .
إذا كان هذا يقع من محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق وأشرف الخلق وأفضل الخلق صلوات ربي وسلامه عليه فكيف بيحيى عليه السلام ولا شك أنه دونه في المنزلة فإذاً الذي أمر به يحيى أن يأخذ الكتاب ولكن أخذ الكتاب بقوة والاستمرار على ذلك وهذا اللزوم الدائم والتام لا يمكن أن يكون من بشر لا يمكن أن يقع من بشر كائن من كان ولذا أمر بهذا الفعل حتى يكون تجدد وهذا تنبيه لك أنت أيها المؤمن وهذا الذي أقصده لا أقصد أن تفهم الآية فهماً مجرداً عن واقعك وعن حياتك التي تعيشها أنت فالكلام ليس عن يحيى وحده ولكن الكلام عنك أنت تستفيد بما ذكره الله عز وجل عن نبيه يحيى فالكلام بالنسبة لك هو موجه من أجلك من أجل أن تعتبر أن تتعظ أن تأخذ الموعظة والذكرى الحسنة التي يحيا بها قلبك الكلام عن يحيى عليه السلام من أجلك أنت من أجل ماذا من أجل أن تأخذ هذا الكتاب بقوة وتعلم يقيناً أنك حينما تريد أن تأخذ هذا الكتاب بقوة والكتاب بالنسبة لنا هو القرآن فنحن مأمرون أن نأخذ الكتاب ولكن هذا الأخذ لا يمكن ان يكون على صفة الاستدامة دائماً وإنما من الممكن أن يكون أن أجدد وأن أتابع نفسي فأنا أخذ أوامر القرآن وأترك نواهي القرآن وأفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأترك ما نهى عنه صلوات ربي وسلامي عليه ولكني أعلم يقيناً أنني لن أستطيع أن أستديم على ذلك في كل حياتي من أولها لآخرها ولذا شكى الصحابة رضوان الله عليهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (إذا كنا معك ذكرنا الجنة والنار) أصبحوا في حالة من الإيمان عظيمة جداً لكنهم إذا عافسوا النساء وخالطوا الأولاد ذهب هذا منهم حتى أن حنظله قال عن نفسه "نافق حنظلة نافق حنظلة" وليس هذا هو كذلك ليس هو النفاق وإنما هو أن المؤمن في أحيان يرتفع وفي أحيان يضعف قليلاً يأتيه غان على قلبه يأتيه ما يغطي هذا القلب من غشاء خفيف الذي يبعده عن ربه سبحان وتعالى فيحتاج بعد ذلك إلى تجدد إلى حدوث إلى أن يزيل هذا الغان إلى أن يذكر هذا الإيمان إلى أن ينظف هذا القلب فهذا هو المراد هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍونحن مأمورون أن نأخذ الكتاب بقوة فهذا هو أخذ الكتاب بقوة أن نقبل على كتاب الله سبحانه وتعالى بقوة تجدد الإيمان مرة بعد مرة ولذا جعلت لنا هذه المحطات عندنا في اليوم الواحد كم محطة :عندنا الفجر هذه محطة تقترب فيها من الله وتكون صلاتك مخبتة وخاضعة لله سبحانه وتعالى ،وبعد الفجر في ذكر وورد عظيم الناس في هدوء والليل قد غطى والصبح بتوه قد بدأ هناك سكون في هذه المحطة لتجدد فيها عهدك بالله وتجدد فيها قربك منه جل وعلا ثم تلهى في دنياك وتعمل وتشقى وتخالط وتعاكس وتكلم هذا وتخاصم هذا ثم تعود إلى المحطة الثانية :وهي صلاة الظهر فتعطيك شيئاً من الإيمان ثم تذهب قد ترتاح وقد تعمل ثم صلاة العصر تجدد لك الإيمان قليلاً ثم المغرب ثم العشاء ثم إذا جاء الليل جاءتك محطة كبيرة جداً تسمى قيام الليل هذا القيام يجدد لك إيمانك يجدد لك صلتك بربك ولهذا ذكرنا لك سابقاً ما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى في سورة المزمل:﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً[المزمل: 1، 2]. وأن هذا الأمر جاء في أوائل بعثته صلى الله عليه وسلم ولم لأنه بحاجة ماسة إلى الغذاء بحاجة ماسة إلى هذا الارتباط بحاجة ماسة إلى هذه العلاقة القوية المتينة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى في حال الدعوة في حال مخالطة الناس في حال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل في حال أيضاً طلب الرزق الحلال وهو بحاجة إلى محطات بحاجة إلى تجديد ولذا جعلت محطات يومية ومحطات شهرية مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ومحطات سنوية مثل شهر رمضان تجدد فيه الإيمان لسنة كاملة عندك أيضاً الحج عندك فرصة أن تجدد إيمانك مع الله عز وجل بالحج إلى بيت الله الحرام هذه كلها عبارة عن محطات تقوي إيمانك بعد أن يهدى وضعك قليلاً وهذا هو المقصود ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾. جاء الأمر هنا بالجملة الفعلية ليبين لك أنك بحاجة دائمة إلى التجديد إلى الإحداث إلى إحداث إيمان بعد أن يضعف تحتاج إلى إحداث إما أن تظن أنك بإمكانك أن تستمر في أعلى عليين في مسألة الإيمان فهذا لا يمكن ولن يحصل لأحد كائن من كان إن هذه هي الحياة الدنيا وقد أوجدها الله عز وجل وأوجدك فيها من أجل أن تخالط الناس ولذ إذا خالط الناس سينقص إيمانك ولو حشرت نفسك في صومعة من الصوامع وأخذت تتعبد إلى الله سبحانه وتعالى قد لا ينقص الأمر الروحاني الذي في قلبك ولكن الإيمان سينقص كثيراً لأن المأمور به بالنسبة لك أن تخالط الناس وأن تصبر على آذاهم في سبيل الله عز وجل. نعم هذه المخالطة قد تجعل هذا الإيمان يضعف قليلاً قد تشعرك بشيء من قسوة القلب قد تشعر بشيء من الظلمة في قلبك بسبب مخالطة هؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن نور الله عن وحي الله عن هداية الله عن دين الله ولكن كيف تعيد لنفسك النشاط بالتجدد والإحداث الذي دلت عليه هذه الجملة الفعلية . نأخذ الجملة الإسمية ليتبين لنا هذا من ذاك. اقرأ فيما يتعلق بتفسير قول الله عز وجل ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاَ﴾.

قرأ أحد الطلبة :
أما قوله تعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. أي سلمه وهو عبارة عن تنزيه وتخلية وهي ثابتة له فدلت على الاستمرار والثبوت فكانت جملة إسمية.

أجاب الشيخ :
واضح هذا الفرق بين الجملتين الآن سأوضح لك الفرق وأريد منك أن تعيد لي الفرق لأن هذا الفرق سيوضح لك دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية فكونوا معي في هذا الأمر عندنا الآن دلالة الجملة الفعلية قد تقدم وهي الحدوث والتجدد وضربنا لها مثلاً بالنسبة للجملة الإسمية التي تلتها مباشرة ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فدلالة الجملة الإسمية هنا جاءت الدلالة على الاستمرار على اللزوم على الدوام كيف كان هذا ؟
الآن هذا السلام الذي منح ليحيى عليه السلام ممن كان؟ من الله سبحانه وتعالى وهي صفة ثابتة دائمة لا تنفك عنه ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ حين ولد جاءه السلام ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ كذلك حين موته فهو أيضاً متصف بهذه الصفة وحين ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فهذه المواطن الثلاث والتي تتضمن حياة الإنسان من أولها إلى آخرها يولد ثم يموت ثم يحيا الحياة الأخرى الكاملة السرمدية هذه المواطن الثلاث تكون حياته كلها من أولها إلى آخرها فالسلام عليه ثابت في كل هذه المواطن فلا يناسب هنا أن تأتي الجملة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد وإنما صفة ثابتة لازمة يناسبها الجملة الإسمية ولذا كانت الآية التي قبلها جملة فعلية وهنا جاءت الجملة جملة إسمية واقرن هذا بذاك في آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل تأمل أيضاً في سورة الكافرون ستجد هذا واضحاً بيناً في دلالة الآيات عند المغايرة في هاتين الجملتين .
نسأل الله عز وجل علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .



توقيع أم أسماء
قال ابن القيم رحمه الله:
(القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية
ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر
ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى
ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة)

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 18-12-08 الساعة 01:32 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً